|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
موضوعية نادرة
لماذا اتصل بي ذلك الصباح؟ ولماذا اختارني أصلاً لكتابة المقّدمة لما
سمّاه:"مقاطع وجدانية"؟
والأغرب من ذلك أننا لم نلتق من قبل، ولم أقرأ له، ولم يقرأ لي!
وبعد قراءة أولى، وبعدما توقّفت مراراً في أزقّة وحارات وأكواخ رواية "أشواك
الجليل"، قلت لنفسي: لا بدّ أن الصدفة أسرت إليه بأنني من مواليد عام النكبة،
وبالتحديد بعد أسبوعين من حصولها.. وبأن ستة وخمسين سنة مرت، بما فيها كابوس الحرب
اللبنانية الأخيرة، وما زالت قضية شعب فلسطين محوراً، وأرض فلسطين أتوناً، ودولة
فلسطين هدفاً، وعودة الفلسطينيين سؤالاً.. حتى العرب، الذين ملّوا من القضية
الفلسطينية، يجدونها، كل صباح، متشبثة بهم، ملتصقة بوعيهم، تقضُّ مضاجع حكامهم،
تحرك نبض شوارعهم، ولا تتوقف عند حدّ..
إنها حتماً اللّطخةُ الكبرى على ضمير تاريخ العالم الحديث. إنها اللطمة الأشد
إيلاماً للعبارات التي أُفرغت من قيمها: العدالة، والسلام، والمساواة، وحقوق
الإنسان، وحقّ الشعوب في تقرير المصير..
القضية الفلسطينية أثبتت أنها جهاز لكشف الكذب المتوارث في الدول الكبرى، وفي
المنظمات والمؤسسات العالمية، وبشكل أخصّ منذ نشوء أول إمبراطورية في تاريخ البشرية
وصولاً إلى يومنا هذا..
وغُصتُ في قراءة ثانية..
قلت: لن أستسلم، هذه المرة، لانسياب الرواية كما في القراءة الأولى، ولن أترك
الدكتور نبيل خليل يجرُّني من جديد إلى التأثُّر، إلى التفاعل مع شخصياته ـ أي
أشخاصه ـ إلى ما يقرِّب وما يباعد بين الواحد منهم والآخرين..
لكنني وجدت نفسي عرضةً لتأثر مضاعف. فالشخصيات أعرفها، والأماكن ترسخت في ذاكرتي،
والأجواء تُفرز مأساة تلو الأخرى، وأنا أصدِّق ذلك بكل بساطة..
وعدت إلى عبارة " مقاطع وجدانية".
قلت له على الهاتف: هذه رواية تحمل في طياتها كل المقاييس، لا بل تطرح جديداً في
الرؤيا، وفي الأسلوب. وكان متواضعاً كما في الإتصال الأوّل، واعتبر رأيي إطراءً..
وتابعت القراءة، فَفُتحت أمامي آفاقٌ جديدة حول البعد الإنساني للرواية، الذي ما
حاد عنه المؤلف لحظة واحدة طيلة استرساله في نزف جرح الكتابة. وأدهشني هذا الإحتراف
في الموضوعية! فأنت تتحيز لشخصية ما، وترذل الأخرى ولكن لفترة قصيرة، إذ فجأة تقفز
إلى الواجهة مبررات وأسباب، ودوافع إنسانية تجعلك تنصت بوعي أكبر، وتوازي بين
الشخصيات: فشرف الدين يفكر بقتل ابنته التي جلبت له العار، لكنه يكتشف أنه مسؤول
أيضاً عما حل بها، فيعدل عن قتلها..
وكفاح، صاحب الماضي السيء، يعيش فترة زواج مستقرة في البداية ليعود فيتحول..
وصالح ينتقل من رحم إلى آخر، وكلما اصطدم بحدثٍ يتحول من إنسان إلى نقيضه..
والأمر نفسه بالنسبة إلى باقي الشخصيات..
هذه التحولات التي تُلقي بثقلها على الجميع، وعلى كلّ الأحداث في الرواية، هذه
التحولات كأنها القدر، كما في التراجيديا الإغريقية، كأن الدكتور نبيل خليل يريد
حماية الإنسان من القدر المحتّم الذي يطلق حممه على الجميع بالتساوي..
وهذه الموضوعية نادراً ما نجدها في مواقفنا العربية، وفي أسلوبنا، وفي الروايات
التي قرأتها منذ الستينات..
وأصل هنا إلى الأسلوب:
رواية " أشواك الجليل" تضمُّ زخماً كبيراً من الصّور، فأنت "تشاهد"، بوضوح متسلسل
أخَّاذ، العبارات والمقاطع، كأنك أمام فيلم سينمائي مكتمل بالتقنيات الحديثة. تسمع
الأصوات أيضاً، تميزها، تأنس لها أو تنفر منها، تبعاً للحالة وللتصرف ولانتماء
ولالتزام كل منها.
شيقة هذه المقاطع التي يبدأ أغلبها ب "فلاش إن"
لتكتشف، بعد قليل، أن هذه المفاجأة الجديدة في أسلوب المؤلف، إنما هي من خميرة
خياله وخبرته التقنية، وأنها حافزٌ جديد لتفتح عينيك كقارئ، ولتدهش، ولتتشوق إلى
معرفة المزيد، وخصوصاً إلى معرفة النهاية. وهذا وحده كاف ليمنعك من إزاحة الرواية
عن يديك، وعن صدرك، قبل إتمام القراءة حتى الصفحة الأخيرة، حتى العبارة الأخيرة..
"أشواك الجليل" مولود روائي جديد على صورة زمننا ومثاله، على صورة مؤلفه الدكتور
نبيل خليل ومثاله. هنيئاً للمكتبة العربية وللفن الروائي. أملي أن تتحول هذه
الرواية، في وقت قريب، إلى فيلم سينمائي، وهي تحتوي على القسم الأكبر من عناصره
ومتطلباته.
ناجي معلوف
أستاذ في
الجامعة اللبنانية
وأستاذ في
جامعة اللّويزة
ومشرف قسم
السيناريو
في التلفزيون
التربوي.
=-=-=-=-=-=-=-نهاية
المقدمة. © 2004-2009. All Rights Reserved-كافة الحقوق محفوظة للمؤلف
[محتويات]
[إهداء]
[شكر]
[مقدمة]
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م