|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
سيرة شريرة
مقدمة أخاف التأريخ.. هو صديق وفي للالتباس. منحاز عن قصد. كاذب بالفطرة. صادق بالندرة. إذا.. يستحيل الاتفاق عليه. وما بين يدي القارئ، ليس كتابا في التأريخ، ولا هو يدعي ذلك، وإن كان السياق يتخذ طابع الكتابة التاريخية. بل هو نص يكشف القناع عن وجه أميركا البشع.. أو، عن أحد وجوه "روما المعاصرة" بكل مأساويته. أخاف التأريخ.. تجربتي معه، أنه يخدعني، ولا أحصي المرات التي وقعت فيها ضحيته. أذكر اثنين: الأولى، عندما صدقت مذبحة تيموشوارا المنسوبة إلى "عصابات تشاوشيسكو". كنت ضحية كذبة شنيعة، بعدما صدقت الشريط الوثائقي المصور، الذي بثته المحطات العالمية، بعد سقوط الحكم الشيوعي في رومانيا. تبين بعد ذلك، أن تلك المقبرة الجماعية المزعومة، تعود إلى الحرب العالمية الثانية، وأن سكانها هم ضحايا النازية. الثانية، عندما دمعت عيناي، لدى رؤيتي جموع الهاربين في المذابح في رواندا، مذابح المليوني ضحية، في خلال أسابيع. كان الشريط يبرز هجرة بائسة لنساء وأطفال ورجال.. تبين بعد ذلك، أن تلك الجموع "الهاربة من القتل". كانت قد قامت للتو بتنفيذ أكبر مجزرة في تاريخ أفريقيا الحديث. فمن بكيت عليهم، كانوا جزارين، ومن لعنتهم في سري كانوا الضحايا. أخاف التأريخ.. لأنه يكذب كثيرا، ويصدق بالصدفة، وبعد لأي وتعب وشبه استقصاء. وإذا كان الإعلام، في التعريف الحديث، هو تاريخ اللحظة، ويحمل هذا الكم من النفاق، فكم هو حجم التزوير، في الإعلام الذي يؤرخ الماضي؟ فالتاريخ، إعلام عن أحداث زمنية غابرة، يصعب بلوغها والنظر إليها بموضوعية. وفي تاريخنا العربي والإسلامي، التباس، يمتد من زمن الخلافة الأولى، إلى لحظة الإمامة السياسية الراهنة.. وسيستمر الالتباس إلى ثمالة العصور. "أميركا بين الهنود والعرب"، محاولة شاسعة لاكتشاف أميركا. فهذه القارة الحديثة، تحتاج إلى اكتشافات حقيقية، لأن ما ورثناه عن تاريخها يبدو مقلوبا ويمشي على رأسه. لم أكن لأصدق الكثير مما جمعه وساقه الدكتور نبيل خليل خليل في هذا الكتاب الثري، لو لم أقع عليه، باختصار، في كتب وكتابات وحوليات، صادرة حديثا في أوروبا، ومترجمة إلى الفرنسية. لم أكن أصدق هذا الكم من البربرية، لو لم تفضح عنه وثائق قديمة العهد، ونظرة مختلفة إلى حضارة الهنود. السيرة الذاتية للولايات المتحدة الأميركية، ناصعة جدا في الكتابات الكلاسيكية، وقد اتفق على إدراجها كأنها حقيقة ثابتة، بعدما تم التغاضي الطوعي، عن نصوص قديمة، أو بعدما تم إخفاء وثائق أساسية، عن نشوء هذه الأمة في قارة، سكانها "متخلفون" مصابون "بارتخاء عقلي"، و"انحطاط ثقافي"، و"أمراض اجتماعية لا شفاء منها". السيرة الذاتية لهذه "الأمريكا" الناصعة، استمرت كأسطورة بهية. فمن عناوينها: الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، التقدم، الثقافة، التكنولوجيا، القوة، الغيرية، "إغاثة الملهوف"، صندوق الحسنات الدولي. وقد عممت هذه الصورة، خاصة في زمن احتدام الحرب الباردة، عندما كان العالم مقسوما بين معسكر
"الملاك الرحيم"، ومعسكر " الشيطان الأكبر". هذا الكتاب ينقض هذه السيرة، ويستخرج سجلا عدليا ملوثا. وهو سجل عدلي موثق، يظهر السيرة الشريرة للولايات المتحدة الأميركية، منذ عبور روادها الأطلسي، ودخولهم " أرض الميعاد" المقدسة في أميركا، وإقامة المستوطنات" لشعب الله المختار"من الأوربيين. مرعب أن يكون لأمريكا هذه السيرة الشريرة، ومرعب أكثر أن نراها اليوم، وقد كثفت كل ما ارتكبته في ماضيها، لتلقنه للعالم دفعة واحدة. كأن أمريكا اليوم، تعيد اكتشاف الكرة الأرضية، لتمارس فيها، مسلسل القتل الرهيب، الذي أتقنت فنونه، مع الهنود، السكان الأصليين لتلك البلاد البكر.. فهل نكون، نحن، الهنود الحمر العرب؟ من يدري؟ لن أوجز في سطور ما جمعه الدكتور خليل في صفحات. مستقاة من وثائق ومراجع عديدة. ولن أستعيد ذاكرة الشاشة السينمائية، التي قدمت بعض ملامح المأساة الزنجية في التاريخ الأمريكي. إنما استوقفتني حقبة مزمنة، عندما استعمل فيها المستوطنون الأوروبيون، السلاح البيولوجي في احتفالات الإبادة الجماعية للهنود. للوهلة الأولى، لم أصدق ما قرأت، وشككت في ذلك. تساءلت: أليس ذلك افتراء، على أمريكا؟ أليست تهمة شريرة ملفقة تلصق بالأوروبيين المتحضرين؟ أليست هذه العودة ملتبسة، لإعادة رسم كرنفالات القتل الجماعية، وتحويل تلك القارة إلى جغرافيا الهولوكوست؟ أليس نبش هذا الماضي، وتصويره على أنه انهماك بصناعة الحديد والسلاسل لتقييد العبيد المساقين من أفريقيا إلى القارة الجديدة هو افتراء على أمريكا؟ "مسيرة الأبنوس" هذه، أو مسيرة الاستعباد المنظم، هل هي حقيقة أم استغلال وتضخيم لحقبة غارقة في الظلم ومستفرقة في الظلامية الحضارية؟ ما يفاجئك حقا، أن هذا الكتاب حمل وقائع وحيثيات وأرقام، تحملك على الشك.. الشك بالإنسانية. هل هذه الإنسانية، حثالة وقذارة وإجرام، أم أن ذلك كان خطأ عرضيا، تم التخلص منه في ما بعد؟ لا يبدو ذلك كذلك. فالذين أبيدوا كانوا بعشرات الملايين. وطرق الإبادة، بسلاح الدمار الشامل آنذاك، تفوق أي جريمة معاصرة، نهضت إليها مجموعة أمم في أكثر من حرب لتدبيج مذابحها وتعداد قتلاها. لقد أباد العرق الأبيض.. العرق الهندي، في قارة كانت شعوبها تقيم عليها حضارتها وثقافتها.. وكان سكانها ينجبون ويربون عائلات ويقيمون شعائر دينية رائعة، ويزرعون الحقول، ويقيمون في حياة شبه سماوية، في أرض، تصالحوا معها، في الحب والعطاء والسحر والسياسة والتنظيم المتعافي من العنف والانسحاق. لم أصدق كل ذلك، ليس لأنه كاذب، بل لأنه فوق التصور أولا، ثم لأن الدول، عندما تشتد فيها عقيدة الثروة. وتتعصب لأصولية المال، وتمارس جشع الفحش تقدم على القتل، وتتجرأ على الإبادة، وتستسهل الاستغلال الوحشي، ولا يفيد ضميرها تأنيب تناقص السكان في المكسيك مثلا: من خمسة وعشرون كائن حي إلى مليون كائن شبه حي فقط. ولكنني صدقت ذلك التاريخ لسببين: الأول: قرأت في كتاب "الفقر المستدام" لمؤلفه فرنسوا دو برنارد ما يلي: تملك أمريكا فضيلة اختصار معنى الفقر في التاريخ، إلى درجة يبدو فيها أن مصيرهما متحد منذ "ادعائها" اكتشاف أمريكا، منذ خمسة قرون، "الاكتشاف الكبير" الذي حرضت عليه حمى البحث عن الغنى لممالك في طريق الزوال، لم يتحقق إلا عبر إفقار أصولي لأمم وشعوب وثقافات، ذات غنى استثنائي: تلك الخاصة بالهنود، وذنبهم أنهم ما كانوا "من الأخيار". كيف تم توحيد ذلك العالم الغني ثقافيا وحضاريا وثروة؟ الجواب: "إفقار. حروب بكتريولوجية(!!!) اقتصادية سياسية ثقافية، دينية.. لم تستثن أي وسيلة في حرب الإبادة تلك، من أجل إنتاج الثروة عبر أقنية متصلة، عبر الأطلسي، لضخ الدماء الجديدة، في الأوليغارشيات المصابة بالفقر الواقع في أوروبا. أمريكا تنتج الغنى بسرعة.. منذ بدايتها، وتصنع الفقراء بأعداد غفيرة وطرق أكثر سرعة.. لم تنقذ أمريكا نفسها من الخطيئة الأصلية. الثاني: الإبادات الأولى لم تتوقف إلا في فترات استراحة قصيرة. كأن القتل هو نظام حيوي، ومخدوم دائما، كي يبقى على قيد الحياة. ألم تحصل إبادة جماعية في لحظتين فقط؟ أم أننا نسينا هيروشيما وناكازاكي؟ قرأت للكاتب والرسام جون بيرجر من هيروشيما إلى توين تاورز ما يلي: لنعد إلى صيف العام 1945 ماذا حصل؟ 66 من كبريات المدن اليابانية كانت قد دمرت قصفا بقنابل النابالم. في طوكيو، مليون إنسان مدني بلا مأوى. مائة ألف قتيل. ماتوا " قليا وشويا وطحنا" على النار الأمريكية. ابن الرئيس فرانكلي روزفلت، الذي كان مرافقا للجنرال كورتيس لوماي كان قد أعلن أن القصف يجب أن يستمر ويتلاحق، حتى يدمر تقريبا نصف السكان اليابانيين المدنيين. تحت وطأة هذا القصف، وفي 18 تموز، وقبل إلقاء القنبلتين الذريتين، أرسل إمبراطور اليابان برقية للرئيس هنري ترومان كي يطلب منه السلام.. تجاهلت الإدارة الأمريكية تلك الرسالة. قبل إلقاء القنبلتين بأيام قليلة، أعلن نائب الأمير أل أرتور رادفورد ما يلي: " ستنتهي اليابان أمة بلا مدن، وشعبا من الرحل". لا، لم يكن النصر الأمريكي بحاجة إلى تدشين سلاح الدمار الشامل "بأجساد المدنيين. تلك كذبة خرقاء اعتدنا على تردادها في التاريخ. لأن لجنة التحقيق التي أنشأها الكونغرس في العام 1946، أكدت على أن اليابان كان سيستسلم" من قبل إلقاء القنابل الذرية" على هيروشيما وناكازاكي. لكن ذلك، لم يؤثر في السياسة الأمريكية، لأن الجنرال ليسلي غروفس طمأن الكونغرس بأن "القتل بالقنابل الذرية لا بسبب أي ألم... بالعقل، إنها طريقة الموت اللذيذ".
حرب بكتريولوجية؟ إذا.. كما يورده الدكتور خليل في هذا الكتاب، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتحدث كثيرا عن السلام، ولكنها لا ترتكب إلا الحروب، كأن الحرب هي السياسة الخارجية الوحيدة التي توزعها على العالم، كما يقول نعوم تشومسكي، أو كأن ارتكاب المجازر جزء لا يتجزأ من سيرورة واستمرار النظام الأمريكي وقدرته على الهيمنة، واستفحاله متفوقا، معمقا الهوة بينه وبين "حلفائه" وأعدائه" على السواء. الأدلة الواردة في الكتاب كثيرة، وعنوانها: المجازر ضرورية ولا بد منها. ينقل الدكتور خليل في كتابه عن فرنسيس بيكون. وزير الملكة اليزابيت الأول، أبان حكم الأوروبيين لمقاطعات المستوطنين في أمريكا ما يلي: "إن الخلاص من الهنود الحمر أرخص بكثير من أي محاولة لتمدينهم... سيستغرق تمدينهم وقتا طويلا، بينما يمكن إبادتهم في وقت مختصر. أما وسائلنا في التغلب عليهم فهي كثيرة: بالقوة والمفاجأة والتجويع وحرق المحاصيل وتدمير القوارب والبيوت وتمزيق شباك الصيد.. وأخيرا المطاردة بالجياد السريعة والكلاب المدربة التي تخيفهم لأنها تنهش أجسادهم العارية". صحيح أن ماكيافيللي فصل السياسة عن الأخلاق، عندما جعلها علما قائما بذاته. ويعزى له الفضل في تحصين السياسة من المؤثرات الخلقية. لكن أحدا لم يصل إلى تأسيس السياسة على الجريمة والقتل والإبادة وارتكاب المجازر. في السياسات الأمريكية، الضاربة في العنف، منذ ولادة هذه "القارة الشرسة"، ما يجعل من المجازر عقيدة سياسية لأمريكا. فبيكون القديم، له أتباع أفصحوا عن هذه العقيدة... في تقرير أعده القومندان رالف بيترز في العام 1996 بعنوان "الصراعات المستدامة" ينطلق من مسلمة أولى: " لا سلام في العالم". والصراعات والنزاعات ستستمر.. وأن دور أمريكا الواقعي، يعتمد على استعمال القوة العسكرية، لتهذيب الصراعات، وإقامة عالم مستقر وآمن "لاقتصادنا" ومدى مفتوح "لثقافتنا". وأنه لبلوغ هذه الغايات سنرتكب "حزمة من المجازر". إننا ف صدد إقامة نظام عسكري مؤسس على المعلومات لارتكاب مجازر. لذلك، نحن بحاجة أن نعرف عن أعدائنا أكثر مما يعرفون هم عن أنفسهم". إنه لأمر يثير القشعريرة والغثيان... بل هو كارثة حقيقية... بل إنها سياسة يوم القيامة.. أو "الأبو كاليبس".. خاصة إذا تعرفنا على طاقة التدمير المذهلة وإلى مدى انتشار ثكناتها العسكرية، في البحر والبر والجو... إن الولايات المتحدة ماضية في عسكرة العالم. ونظرة سطحية إلى خريطة انتشارها العسكري ولقواعدها في العالم، والتي نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية في عدد خاص صدر في نهاية العام 2002، تبين منظر دخول العالم في عنق الزجاجة الأمريكي، حيث "خلاصه يكون، إما بقطع رأسه، أو بكسر الزجاجة، وللزجاج... هنا إيقاع الحرب. سبارطة المعاصرة إذا.. روما الإمبراطورية إذا.. كاليغولا المسعور بحريته، المتمتع بصلاحية عدمية، قادر على قيادة العالم إذا أراد، إلى حتفه... وها هو بصدد تنويع مشاهد الجحيم، من حروبه المتنقلة، من أمريكا الجنوبية، إلى أفغانستان والعراق وما تبقى من بلاد، تعيش في ملجأ القارة القديمة في أوروبا. ما نوع الحرب؟ يرصد الكاتب في هذا الصدد، كل ما يمكن أن يتصوره الإنسان، ما لا يمكن تصوره أيضا. فالحروب، اختصاص أمريكي استثنائي. وموازنتها العسكرية تزداد إنفاقا، على إنتاج أعلى منسوب من آلات القتل والتدمير الشامل. على مدى تسعة فصول، يرسم الدكتور خليل السيرة الشريرة للولايات المتحدة الأمريكية: يشكك في أصلها.. يتبنى شكوك الفتح الأول لأمريكا، يتحدث عن قارة مسبوقة بكثير من الشعوب. ولكنه، عندما يبلغ الفصل الثاني، يتوغل في المأساة الهندية. يفصح عن حجم العذابات والافتتان بالقتل، والقدرة المذهلة على الإبادة والعقيدة الكامنة خلف هذه العملية الإستئصالية، ويوثق القول، حول قرابة عقيدية، بين غزو استيطاني أوروبي. بمباركة الوعد اليهودي لليهود. وبين غزو استيطاني صهيوني لأرض فلسطين... في الفصل الثالث، وتحت عنوان العبودية والتمييز العنصري، سجل حافل من الأحداث.. تلتقي مع آخر ما أبرزه المخرج السينمائي الأمريكي مايكل مور، المنشق الحاد، عن الثقافة والسياسة في أمريكا، والذي حاز على تنويه في مهرجان كان، واختير كأفضل فيلم لموسم العام 2003 في مهرجان باريس حيثما نال جائزة "السيزار" كأفضل فيلم أجنبي. يشكك الدكتور خليل في أسس الديمقراطية الأمريكية. ومع أن الولايات المتحدة تدعي الأولوية في هذا المضمار، إلا أنها بالنسبة إلى الأغيار، تبدو ديموقراطية أشد فتكا من الدكتاتورية. الديموقراطية الأمريكية، مضبوطة الإيقاع. وفق مصالح الشركات والترسانات وعابرات القارات، وصيادي الأسواق، ومفترس البيئة. ألا يبدو أحيانا، أن المال يصنع السياسة، ثم إن السياسة تضخ المال لمن يتبوأها؟ أليس بين السلطة وأرباب المال حبل صرة لا ينقطع؟ أليس رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، هو الناطق الرسمي والممثل الشرعي للشركات العملاقة؟ إن ديموقراطية تعلي التمييز بينها وبين مواطنيها، ثم تعلي شأن التفاوت، بينها وبين الدول الفقيرة والأشد فقرا، تحتاج إلى تسمية أخرى. إنها ديموقراطية الأقوياء، فقط. إنها ديموقراطية العنصر المتفوق. وهذه الديموقراطية، تحتاج إلى مدى حيوي، وفق المصطلح النازي، لذلك نجد في سجلها العدلي، فيضا من الحروب التوسعية المتسلسلة والمنظمة. ويوضح الفصل السادس ذلك بكثير من التوسع، وإن كان يختصر القول في الدور الذي تلعبه منظمات دولية في خدمة المصالح التوسعية الأمريكية. لعل الاستعانة بكتاب جان زيغلز: "أسياد العلام الجدد" الصادر حديثا في باريس، يكمل مشهد المجزرة الإنسانية التي ترتكبها هذه المنظمات، وتحتفل بها في كل عام في مدينة دافوس السويسرية، وتشرب فيها أنخاب المنتصرين، بعيدا عن أشباح أكثر من ملياري كائن غير بشري، في عداد الفقراء المدقعين، الباحثين عن لقمة الموت الأخيرة... قبل الوداع الصامت الكئيب لهذا العالم. ثمة حاجة إلى تفصيل إضافي، نجده في الفصل: "اللوبي الصهيوني وإسرائيل رهن التوسع الأمريكي". ما يمهد الطريق لطرح السؤال التالي: من تبقى من الهنود الحمر، يعيشون اليوم في معازل نائية، في حال من التخلف والمرض والعوز والرذل. فما مصير الهنود الحمر العرب؟ الجواب على ذلك ليس صعبا، خاصة وأن العرب رسموا أنفسهم لهذا المصير.. فهل ينجح العرب في تقليد الهنود الحمر؟ هل سيختارون منطق السلامة الخطير، على منطق المقاومة والمواجهة السليم؟ لا أعرف... فإن كنت أخاف التاريخ الماضي... فإنني أخاف أكثر من التاريخ القادم، الذي قد يكتبه العرب، وفق الإملاء الأمريكي، فتضيع فلسطين، وتصادر الثروة، وتشوه الثقافة، وتستأصل منها الروح، حيث يستعاض عنها، برفع شعار مكدونالد من المحيط إلى الخليج، برعاية ماك دوغلاس. صانعة طائرات ال 15 نظلم أمريكا إذا نظرنا إليها من خلال هذا السجل الأسود، الذي فضح الكالح فيه الدكتور خليل، عبر إضاءة نصوصه ووثائقه على هذا الجانب الكارثي من السياسة الأمريكية. وكي لا تقع في النمطية الخطرة، والفهم الأحادي، واعتبار كل ما هو أمريكي معاد، لا بد من كتابة السيرة الذاتية لأمريكا من خلال استكشاف المساحات الواسعة أو الضيقة، التي تظهر فيها القيم الإنسانية، وتتجلى في الثقافة والإبداع والاعتراض وممارسة الحرية. إن الطغمة الأمريكية الحاكمة، بما تملكه من استحواذ على وسائط السلطة، وسلاح الإعلام الفتاك، يجب أن تحثنا على إعادة اكتشاف أمريكا، لأن في ذلك حاجة ماسة لنا، ولمعرفة أي خطاب وأي تخطيط يتوجبان علينا. نتذكر على سبيل المثال: سقطت حرب فيتنام في أمريكا، بعدما ساهم صمود الفيتناميين البطولي، بإيقاظ الضمير الأمريكي، وتحسيس الشعب الأمريكي، بأنه ضحية حقيقية، لسياسة القوة المغامرة. شباب أمريكا يومذاك، أسقطوا حرب فيتنام. ثم أدانوها كتابة وإنتاجا ورسما وأفلاما. ونتذكر أيضا: صرخة هوليود.. هوليود التي استعدت العرب، وكالت لهم الأفلام الاتهامية المذلة، وأشبعت الصهيونية مدحا وافتخارا. هذه الهوليود انتفضت في وجه الإدارة الأمريكية المجرمة، عندما قالت لا.. لا للحرب الأمريكية على العراق. ونتذكر أيضا كتابا أحرارا، وجمعيات مدنية حرة، ومنظمات مجتمع مدني، من سياتل.. إلى رجال دين، كاثوليك وبروتستانت. ونتذكر أنهم، في عقر الدار الأمريكية، نزلوا إلى الشارع وقالوا لحكومتهم: لا نريد نفطا مقابل الدماء. لهذه الأمريكا. ذات الوجه الديموقراطي، الإنساني، الحر، لا بد من اكتشاف. على أن يقدم العرب خطابا عقلانيا مقنعا وخطابا سياسيا، لا يشبه أبدا، ماضيهم السحيق، وحاضرهم المتعثر والواهن، وأنظمتهم السياسية المنحطة سياسيا وأخلاقيا وثقافيا. شكرا للدكتور نبيل خليل خليل.. إن جهده لن يذهب سدا. وكتابه سيكون معينا لعدد من القراء والدارسين. والمعلومات الغزيرة الواردة في متن الفصول، مفاتيح لأبواب كثيرة، وأسئلة عن لماذا وكيف وهل يمكن؟؟ لقد استفدت من قراءة المسودة كثيرا.. لعل غيري، يستفيد أكثر مني. ويكتب مقدمة أخرى، لسلوك عقلي، ومقدمة أخرى، تحثه على العمل والفعل. إنما، ثمة حاجة إلى التنبيه. لدى قراءة الكتاب، قد يصدف أن يقع بعضنا في اليأس. كأن يتسرع في بلوغ نتيجة تعفيه من العمل. فأمريكا ليست قدرا أبدا.. إنها قوية جدا. بل فائقة القوة. في الاقتصاد المعولم، في الطاقة والقدرة واستعمال آلتها العسكرية، في أي وقت تشاء وضد من تصطفيه للإعدام. وهي قوية في تقنياتها واكتشافاتها وصناعاتها. من كل جنس ولون. وهي الأقوى كذلك. في الثقافة ـ السلعة المهيمنة في وسائل الإعلام والمخازن الكبرى.. إلا أن ذلك ليس قدرا أبدا. إن أول الطريق، لمواجهة هذه القدرية "السياسة التي تقود إلى العدمية القومية والإنسانية، هو أن تقول لا. هذا هو مقتل السياسة الأمريكية... قل إذا: لا.. والبقية تأتي، رفضا عارما. إن الشوارع في ألف مدينة في العالم، كانت على شكل"لا لأمريكا". من يدري... فلربما روما الجديدة. قد يكون عمرها أقصر من روما القديمة؟ للدكتور نبيل خليل خليل فضل وافر.. إذا كان هذا الكتاب، طريقا إلى مقاومة اليأس والاستسلام والاتكال والتبعية.
23شباط 2003
=-=-=-=-=-=-=-=-=-إنتهت المقدمة الأولى. © 2004-2009. All Rights Reserved-كافة الحقوق محفوظة للمؤلف
[مقدمة اولى]
[مقدمة ثانية]
[مقدمة ثالثة]
[مقدمة رابعة]
[ملخص الكتاب]
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م