|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
العبودية والتمييز العنصري
ما فرض على القارة الأفريقية من إخضاع بين قرني ال16 وال19، عبر المحيط الأطلسي أكثر من 12مليون أفريقي تحولوا إلى عبيد، ضمن أكبر هجرة قسرية وأطولها مسافة في التاريخ. بعد عشرة أعوام من عبور كولومبوس للمحيط أنزل الإسبان أول مجموعة عبيد في القارة الجديدة. على مدار الثلاثة قرون التالية، امتدت هذه التجارة عبر شواطئ غرب أفريقيا، بعد أن امتد الطلب الأوروبي من الذهب والعاج ليشمل الكائنات البشرية. عزز الأوروبيون مصالحهم بمواقع تجارية محصنة على شواطئ أفريقيا فلم تشيد الحصون لتعزيز السيطرة الأوروبية على أفريقيا، بل رفعت صروحها في إطار المنافسة بين الأوروبيين أنفسهم. إذا ما ذهبت إلى شاطئ الذهب سوف ترى بوضوح أن المدافع هناك موجهة إلى البحر، بدل اليابسة، أي أنها بنيت وسط النزاعات الأوروبية الداخلية ولتعزيز السيطرة الأوروبية على أفريقيا. أطلقوا على تجارة العبيد لقب تجارة خشب الأبنوس الأسود الشهير استخفافا بالعنصر البشري وكانوا يعاملوهم بما يقل احتراما عن الخشب إذ كانوا يضعون أكثر من 150 شخص في غرف صغيرة. أما طرق جلب هذه الأعداد الكبيرة من العبيد فكانت تتم على شكل نوع من التجارة، تجارة لا تليق بالإنسانية وبالكائن البشري. يدفعون ثمنها بخيسا غالبا ما يقتصر على استبدال البشر بالمشروبات الروحية والأسلحة.
وقد ورطوا زعماء القبائل أنفسهم بقبض ثمن رعاياهم من غير المخلصين ورعايا القبائل الأخرى وكانوا يتلقون مقابلها بعض المواد الغذائية وخصوصا المشروبات الروحية والأسلحة، فالقبائل التي تسلم عددا أكبر من العبيد كانت تحصل على كمية أكبر من الأسلحة لتتمكن بذلك من القيام بغزوات أسر أوسع ضد مزيد من القبائل المجاورة ما يؤدي إلى إشعال الضغينة والكراهية والأحقاد بين القبائل الأفريقية ويغذي النزاعات العسكرية فيما بينها، ما حال دون توفر الأمن اللازم لتطوير الصناعات المحلية هناك.
الجميع يعرف بأن أفريقيا لم تكن في القرن السادس عشر أقل شأنا بكثير مما كان عليه الحال في أوروبا أو في بقية القارات مثل آسيا أو الشرق الأوسط، ولكن الحروب الداخلية التي أثيرت بسبب تجارة العبيد قضت كليا على حالة الأمن والاستقرار السائدة في القارة السمراء ما حال دون تطورها وتقدمها. تحدث الكثيرون عن الطرق الوحشية التي مارسها النخاسون داخل القارة الأفريقية وصولا إلى شواطئ أمريكا، من أهمها ما كتبه الباحثان جون هنريك كلارك ومنيست هاردنج في هذا الخصوص، حيث تحدثا عن حرق القرى في أوقات السحر أثناء نوم السكان الذين يخطفون أثناء محاولاتهم الفرار للنجاة من النار. بعد ذلك يربط كل اثنين معا في حبال ليشكلون صفا طويلا يجمعهم عمود خشبي يربط في أعناقهم ويتم التوجه بهم في مسيرة شاقة إلى السواحل. ويقول الدكتور زاهر رياض أن الضعفاء كانوا يسقطون من شدة الإعياء فيقتلون أو يتركون ليلقوا مصرعهم وتبقى عظامهم علامة توضح طريق هؤلاء التعساء حتى القرن التاسع عشر. كما وصف الرحالة الشهير لفنجستون في كتابه عن اكتشاف منابع النيل وبشكل تقشعر له الأبدان القهر والقسوة والعذاب التي كان يعانيها الرقيق وهم في رحلة التوجه إلى مصيرهم المجهول.
عند وصول العبيد إلى الشواطئ يتسلمهم النخاس الأوروبي ويقوم بوشمهم بعلامته المميزة بسيخ محمي بالنار، وكأنهم من المواشي، ثم يودعون في الحصون انتظارا لرحلة عبور الأطلسي. أما السفن فكانت تعد على شكل مخازن ذات رفوف يرص فيها العبيد وهم مصفدون بالأغلال بعد فصل النساء عن الرجال، حتى تصبح السفينة أشبه بعلبة السردين يصطف فيها الأفارقة وهم يغادرون بلادهم عبر المحيط إلى غير رجعة. جرت حملات الهجوم على القبائل لأسر أبنائها بحشد مجموعة من الرجال الموجودين في القبيلة ومنحهم الأسلحة التي كانت تأتي من الغرب من بريطانيا على وجه الخصوص والبرتغال وغيرها من البلدان الأوروبية علما أن الفرنسيين كانوا أول من منعوا في عهد لويس الثامن عشر كان أول من منع تجارة العبيد شفهيا ولكنه لم يثبت ذلك على الأرض. البريطانيين كانوا أسياد البحر وكانوا في نهاية القرن السابع عشر وكأنهم المخولين الوحيدين وأصحاب الحق الحصري في تجارة العبيد ونقلهم إلى القارة الأميركية شكل عامل أساسي لتعزيز زراعة قصب السكر وتنشيط الحركة الاقتصادية في جنوب القارة الأميركية أما في شمال القارة فتعززت زراعة القطن والتبغ وهذه زراعات تحتاج إلى جهد كبير جدا لم يكن الهندي قادر عليها بعد حملات الإبادة التي أضعفتهم إلى جانب أنهم كانوا يطردون من أراضيهم ويوضعون في محميات وقد رفضوا من قبل المجتمع الأميركي ولم يكونوا قادرين وليسوا معتادين على هذا العمل الشاق جدا خصوصا زراعة القطن التي أحيانا ما تحتاج إلى عمل شاق من الفجر وحتى بعد الغروب. وقد شاءت المفارقة أن يكون للأفارقة العبيد الفضل الكبير في تطوير صناعة الحديد التي بدأت بصناعة السلاسل حتى يربطوا فيها ومن بعدها صناعة سكك الحديد وصناعة البنادق والأسلحة في أوروبا وتحديدا في بريطانيا لأنها كانت مطلوبة جدا من قبل القبائل لحماية أنفسهم من حملات الأسر أو ليتابع البعض الآخر حملات الأسر التي كانوا يقومون فيها ما طور صناعة الأسلحة لزيادة الطلب عليها. أي أنها كانت تعني بالنسبة لأفريقيا المزيد من الفقر والمزيد من عدم الاستقرار والمزيد من الخلافات والنزاعات الداخلية والضغينة ولأميركا المزيد من التطوير الصناعي والزراعي ولأوروبا حصد ريع هذه العملية التجارية الغير عادلة كانت أوروبا تحصد ريع هذه العملية عبر تطوير صناعاتها. دامت تجارة العبيد ما يقارب ثلاث قرون وذلك بين القرنين السادس والتاسع عشر أخضع خلالها الإنسان الأفريقي للبيع والشراء ليتم الحديث اليوم بكل تهذيب عن هذه الأعداد والقول أنها لا تزيد عن اثنا عشر مليون وكأن اثنا عشر مليون عدد بسيط جدا يبرر ما تعرضت له القارة الأفريقية. علما أن الحقيقة والوقائع تؤكد أن هذه الأرقام لا تقل عن أربعين مليون. هناك عدة أراء حقيقة بعضها يتحدث عن أربعين مليون ولكن المصادر الغربية أو المصادر التي يعتبرونها موثقة و الأكاديمية إلى حد كبير تتحدث عن اثنا عشر مليون حتى هذه المصادر التي تتحدث عن اثنا عشر مليون تقول أن هؤلاء الذين وصلوا إلى أمريكا لا يتعدون الاثني عشر مليون، ولكن هناك جانب آخر لا يتحدثون عنه وهو عدد الذين ماتوا على الطريق، وأعداد الذين ماتوا في الحروب بين القبائل. لأن اعتقال وأسر عشرة أفارقة أحيانا ما يتطلب قتل أربعين أو أكثر منهم، هذا عدى المجاعة والكوارث التي يخلفها أسر القادرين على الإنتاج أو آباء الصغار، إلى آخره. مهما قل حجم الأفارقة الذين جيء بهم، المهم أن لا أحد ينكر حقيقة هذه الواقعة المشينة، فهي ليست خاضعة لتأويلات الهولوكوست الشهيرة، كما لا ينكر أحد ما للأفارقة العبيد من دور كبير في الإنماء الصناعي والزراعي للقارة الأميركية والثروة التي حصدتها أوروبا وراكمت عليها لبلوغ التقدم والثروات التي تنعم بها اليوم. ولا أحد ينكر ذلك سواء كانوا اثنا عشر مليون أو خمسة عشر وحتى أن التقليل من هذه الأعداد بهدف تبرئة الذات أو التقليل من حجم الكارثة لا يفي بالغرض لأن الكارثة التي وقعت بالأفارقة مازالوا يدفعون ثمنها حتى اليوم بالتخلف والمجاعة والأمراض والحروب والهيمنة. عام 1500 لم تكن أفريقيا وتحديدا الجانب الغربي منها يختلف جدا عن باقي أنحاء العالم. وما زال الجزء الجنوبي يضم آثارا عمرانية لمستوى الحضارة والازدهار الذي بلغته القارة حتى القرون الوسطى، حين "تشرفت" باكتشاف الأوروبيين لها. هناك موقع أثري ينتصب في جنوب القارة الأفريقية بحجارة صخرية وبناء هندسي لا يقل شانا عن كبرى الكاتدرائيات الأوروبية، وغم تعرض روائعه للسلب والنهب إلا أنه ما زال ينطق بتقدم الشعوب التي كانت تسكنه.
كانت أول شعوب تستقر في زيمبابوي الكبرى من رعاة البقر، الذين وصلوا إلى هناك حوالي عام 350 ميلادي. شدتهم إلى هناك المراعي الغنية وطيبة المناخ وخلو الأراضي من ذبابة تستسي التي أصابت قطعان الأراضي الأفريقية المنخفضة بمرض النعاس. السبب الذي جعل زيمبابوي الكبرى تتحول إلى تجمع سكني هائل هو حجم الثروات التي جمعتها من وفرة القطعان. هناك عدة إثباتات تؤكد بأن سكان زيمبابوي الكبرى كانوا يملكون قطعان هائلة استخدمت في البداية للتجارة المحلية، التي ساعدت ثرواتها على ازدهار التجارة العالمية على الساحل الشرقي. الشعوب التي استقرت واستغلت هذه المناطق الغنية هي من أجداد شعوب شونا الحالية المقيمة في زيمبابوي، الذين شيدوا منازل لهم من الطين والخشب داخل وخارج أسوار مدينة زمبابوي المتنامية. الفخاريات التي صنعت في عصر زيمبابوي الكبرى هي نفسها التي تصنع اليوم على أيدي شعوب الشونا. ما يقدم لنا أدلة مباشرة تثبت أنها شيدت على أيدي أجداد الشونا وليس على أيد حضارات البيض كما ادعى العنصريون الجنوب أفارقة. سُكن الموقع الأثري لأول مرة عام تسعمائة ميلادي، ولم يكن مبنيا بالحجارة، ثم شيد بالحجارة عام ألف ومائة، وقد استمر البناء بالنمو حتى عام ألف وأربعمائة وخمسين، حيث نمى من مجرد قرية صغيرة إلى مركز سكاني هائل. تعود قطع الفخاريات التي بقيت منتشرة هناك إلى عام ألف ومائة، لتشهد على النمو السريع للمدينة كمركز تجاري هام. عام ألف وثلاثمائة، كانت زيمبابوي تتاجر بالذهب والعاج عبر نهر سابي نزولا نحو الشواطئ، حيث تستبدلها بالحلي والخزف القادم من الصين وحضارات عالمية أخرى. يجد الزائر في موقع زمبابوي الأثري نماذج عن الفخاريات العربية المزينة والممزوجة داخل الفخار، وقطع فخارية عربية أخرى تحتوي على بعض الأحرف الصغيرة عند رأس القطعة. أما باقي ما يراه فهو صيني وأعمال جاءت عبر التجارة العالمية. عام ألف وثلاثمائة، حين كانت أوروبا تقترب من نهاية العصور الوسطى، أخذ كبار البناءين في زيمبابوي الكبرى يعملون على إنجاز أطول الصروح عمرا هناك، وهو السياج الكبير. يعود ذلك البناء إلى فترة أحدث، وهو يشهد على الثقة والبراعة التي ميزت تلك الثقافة المزدهرة. أما اليوم فقد أصبحت أفريقيا من أكثر مناطق العالم تخلفا بالمقارنة مع باقي أنحاء العالم، وخصوصا أوروبا وأمريكا اللتان شهدتا نموا كبيرا في السكان، وتطور اقتصادي هائل،ونمو المصادر الانتاجية بسبب التصنيع كل هذا على حساب العبودية وما أصاب القارة الأفريقية من تخلف نتيجة ذلك. لا تملك أفريقيا اليوم شيئا من سكك حديدية وأنظمة للتربية والتعليم وغيرها من الخدمات المشابهة التي تنعم بها بلدان العالم، لأن فرص امتلاكها قد دمرت بسبب العبودية. كانت الشركات (الولايات) العاملة على الشواطئ الشرقية للولايات المتحدة حيث نزلت أولى موجات الهجرة واستقرت ومضت تزرع وتتاجر وتغتني وتراكم الثروة، وقد راحت تواجه مشكلة في اليد العاملة، ذلك أن عدد المهاجرين لم يزد عام 1700 عن ربع مليون مهاجر، كلهم يريدون المال والأرض والعقار وليس فيهم أحدا يريد أن يكون أجيرا. إلى جانب ذلك فإن سكان البلاد الأصليين من الهنود الحمر فقد تعرضوا للإبادة أو ما عادوا يصلحون لخدمة القتلة الذين جاءوا عبر المحيط لسفك دماءهم. شهد القرن السادس عشر هبوطا خطيرا في عدد الهنود الحمر بتأثير ثلاثة عوامل جوهرية هي التالية: للتغلب على مشكلة نقص الأيدي العاملة قامت الحكومات الأوروبية بداية بالإفراج عن المجرمين والمسجونين وإرسالهم إلى المستعمرات الأمريكية، بيد ان عدد هؤلاء كان صغيرا لا يفي بالحاجة. لهذا تفتحت قريحة أصحاب رؤوس الأموال وسعيهم المحموم للربح عن فكرة صيد البشر في أفريقيا مقابل الخمور والأسلحة والكماليات الأخرى، ثم شحنهم كالبضائع عبر المحيط للعمل في المزارع والمناجم الأمريكية. في آب أغسطس من عام ألف وستمائة وتسعة عشرة، وصلت سفينة هولندية إلى ميناء جيمس تاون في أمريكا الشمالية، تحمل معها أول شحنة رهيبة، تتألف من عشرين عبد أفريقي كانوا أول القادمين إلى أمريكا، وقد تم شراءهم للعمل في حقول فيرجينيا. لتزرع بذلك جذور العبودية السامة التي رافقت أمريكا طوال ثلاثة أرباع حياتها منذ اكتشافها حتى اليوم. مع وصول الأفارقة العبيد إلى فرجينيا نشأ نوع من الحقد الشديد عليهم في جميع مستوطنات القرن السابع عشر، وهناك عدة أسباب وراء ذلك، منها أن العمال البيض من المهاجرين كانوا يخرجون من بريطانيا باتفاق مع أصحاب وكالات تدفعهم للعمل الشاق طوال سنوات لتسديد مصاريف الرحلة. لهذا كانوا يذهبون إلى هناك على أمل الحصول على عمل يطلق سراحهم، فيواجهون منافسة العبيد المكرهين على العمل الشاق حتى الموت. فضل أصحاب المزارع شراء العبيد الأفارقة ليحلوا محل العمال البيض في الأشغال الشاقة. اعتبر هؤلاء أقل مستوى، وحكم عليهم بالعيش في عبودية دائمة، هم وأبنائهم وأحفاد أحفادهم طوال عدة قرون.
جعل العبيد من زراعة التبغ والقطن إنتاج مربح جدا، لهذا تعززت العبودية من جديد رغم انحدارها البطيء مع نهاية أعوام الألف وسبعمائة. أسهمت تجارة العبيد في أوروبا بتجميع ثروات شكلت مصدرا أساسيا من مصادر التراكم البدائي لعصر الثورة الصناعية، ما يعني أن النخاسة كان من أبرز عوامل التطور الرأسمالية، وقد كانت إنجلترا النموذج الأهم باعتبارها تبوأت مكانة الصدارة في تجارة العبيد في القرن الثامن عشر، حيث امتلكت أسطولا من مائتي سفينة عمل عليها عشرات الآلاف من البحارة بين عامي 1680 و1786. وكانت ليفربول ولندن وبرستول ولانكستر نقاط الحركة الرائجة لهذه التجارة.
دارت عجلات الإنتاج خلال هذه الفترة بسرعة هائلة لتوفر السلع التي قدمت حينها للنخاسة الأفارقة لشراء العبيد منهم. ينطبق هذا على صناعة البنادق والبارود وبناء السفن ومسابك الحديد والسلاسل والقضبان الحديدية والخمور. وهكذا تزايد دخل بريطانيا ورخاءها لتتسرع بذلك مرحلة الثورة الصناعية.
لا شك أن كاثرين سافيدج محقة بالقول "أن تجارة الرقيق قد أسهمت في تحقيق الرخاء البريطاني بصورة بالغة، وكان ميناءا ليفربول وبريستول يثريان على حساب تجارة العبيد من أفريقيا الغربية. وكانت مصانع لانكشير تغزل القطن الوارد من المزارع الأمريكية، وكل هذا الإنتاج وغيره كان ثمرة العمل الذي يؤديه العبيد. لقد شحن التجار الإنجليز عبيدا وحققوا أرباحا أكثر من أي شعب آخر".
جاء ذلك مترافقا مع تعزيز الصناعة حين شهدت فيرجينيا عام ألف وثمانمائة وواحد وثلاثون حدثا بارزا هز الجنوب بكامله. حيث تمرد العبيد على أسيادهم. لم يستمر ذلك أكثر من ليلة واحدة.
ثار 60عبدا بقيادة نات تورنر البالغ من العمر اثنين وثلاثون عاما، الذي ادعى بأنه جاء ليخلص السود من براثن عبودية البيض. فشارك مع رجاله بذبح أكثر من خمسين شخصا من المستوطنين البيض. تمكنت المليشيات المحلية من سحق الثورة في اليوم التالي ثم أعدمت نات تورنر مع جميع أتباعه بعد أسابيع قليلة فقط لتنته الثورة هناك.
أثارت هذه الثورة حالة من الهلع الشديد وقد هزت الجنوب بكامله لمجرد قتل خمسين من المستوطنين البيض عشوائيا أما قتل وإخضاع الملايين من السود وما أصاب قارتهم من تخلف ودمار فلم يحرك حتى الآن إلا بعض الاحتجاجات الخجولة في الولايات المتحدة. ولكن المهم في هذه الثورة هو أنها كانت حافزا لفت أنظار المستوطنين البيض إلى خطورة الاستمرار في جلب المزيد من الأفارقة إلى القارة الأمريكية لما سيشكله ذلك من تهديد على التفوق الديمغرافي للمستوطنين البيض في القارة ما عزز قرار منع استيراد العبيد الذي أصدره الرئيس توماس جيفرسون عام 1808، الذي استمر اختراقه طول عشرات السنين رغم ما عنته ثورات العبيد في هايتي وجمايكا من تهديد على سلطات البيض في هاتين الجزيرتين من حوض الكاريبي. حين أنجزت تجارة العبيد مهمتها التاريخية في توفير مصدر مهم من المصادر البدائية لتراكم رأس المال بعد الاستنزاف البشري للقارة الأفريقية، وبعد اشتعال المستعمرات الأمريكية بثورات الزنوج التي قدم فيها الآلاف أرواحهم في سبيل الحرية، أخذت تتوالى الأصوات الإنسانية من مختلف أنحاء العالم تطالب بوقف جرائم العبودية البشعة. لكن الأمر الحاسم الذي عجل في وقف هذه التجارة اللاإنسانية هو أن دخول الرأسمالية إلى المرحلة الصناعية جعلها بأمس الحاجة إلى تحرير سوق العمل، لأن ذلك سيمكن العمال من قوة عملهم كسلعة وحيدة يملكونها، وهو الأساس الذي اعتمدت عليه الرأسمالية الصناعية في تأمين حاجتها من عنصر العمل البشري، طبقا لما تمليه علاقات العرض والطلب في هذه السوق.
وحين تشبعت الدول الأوروبية والمستعمرات الأمريكية من هذه التجارة اللعينة، وما وفرته لها من أيد عاملة مستعبدة ومن ثروات طائلة، اختفت الحاجة للعبودية خصوصا بعد هبوط معدلات الربح فيها، فعقد مؤتمر برلين في 18884-1885 لإقرار تعاون الدول الأوروبية للقضاء على هذه التجارة التي استمرت سرا بعد ذلك لفترة طويلة. أخذ المتضررين من نظام العبودية في أمريكا الشمالية يعربون عن استياءهم من هذه التجارة منذ عام 1870. ما اعتبره الجنوبيين تحديا لمفهومهم للحرية. وقد اعتبر الجنوب أن لينكون يشكل تهديدا كاملا لسبلهم في الحياة، علما أن لينكون كان أشد اهتماما بالحفاظ على الاتحاد من إلغاء العبودية. وقد قال في خطاب انتخابه رئيسا.."لا أرغب إطلاقا بالتدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في نظام العبودية السائد في أي ولاية كان. لهذا أعتبر أن إشعال الحرب الأهلية مسألة أصبحت في أيديكم وليست بين يدي. رغم التوتر القائم اليوم، يجب ألا يؤدي ذلك إلى تحطيم أواصر الروابط بيننا. ذكرى جميع الضحايا الذين سقطوا في ساحات المعارك ما زالت تدق ناقوس تعزيز الاتحاد القائم".
لكن خطابه جاء متأخرا ففي الثامن عشر من نيسان أبريل من عام1861 أعلنت أحد عشر ولاية انفصالها عن الاتحاد، ثم قامت بعدة هجمات أحرزت فيها بعض التفوق العسكري على الشمال.
بعد معركة أنتايتم بقليل اتخذ لينكون خطوة حاسمة، فقد أصدر ميثاقا يعلن فيه إعتاق العبيد وإطلاق سراحهم. وقال جملته الشهيرة كل شخص يعامل كعبد في أي مكان من الولايات المتحدة أيا يكن، حتى في المناطق التي تشهد تمردا ضد الولايات المتحدة، هو حر طليق منذ هذه اللحظة وإلى الأبد. لا شك أن إعتاق العبيد شكل منعطف حاسم في الحرب المدنية، فقد حول الحرب من نزاع لتعزيز الوحدة إلى حرب من أجل إعتاق العبيد، ما برر الخسائر البشرية الهائلة التي سقطت وتلك التي ستسقط لاحقا في السنوات التالية للحرب. لقد جندت المواطنين السود في الجيش لأول مرة مقابل منحهم الحق بالجنسية بعد انتهاء الحرب. وهكذا وقف العبيد المحررين مستعدين للدفاع عن الاتحاد لما في ذلك دفاعا عن حريتهم، رغم تردد الضباط الفدراليون باستخدامهم في المعارك بداية حتى اضطروا للزج بهم في القتال إثر التراجع الذي شهده الشمال أمام الجنوب في بداية الحرب. أثناء حرب التخلص من بريطانيا وإخراجها من أمريكا سمح جورج واشنطن للسود الأمريكيين بالقتال مقابل إعتاقهم إفراديا بعد الحرب. وشاءت المفارقات أن يكون كرسبيس أديكس أول شهيد في حرب الاستقلال، وهو مزيج من أصل أفريقي وهندي سقط فيما عرف بمجزرة بوسطن عام 1770التي اعتبرت الشرارة الأولى التي أشعلت تلك الحرب.
استعانت بريطانيا بتجنيد السود على طريقتها حين أعلنت أنها ستمنح الحرية للعبيد الذين يقاتلون ضد المستوطنين، وقد ساهم انضمام العبيد إلى الجيش البريطاني بأعداد كبيرة رغبة بالانعتاق بالانتصارات التي حققتها مع بداية الحرب على جيش الكونغريس وأجبرته على الانسحاب من جميع المواجهات عام 1766.
أجبر ذلك جورج واشنطن على التراجع عن سياسته التي استخفت بمشاركة العبيد في الحرب، على اعتبار أنهم من الممتلكات، فسمح بداية للأحرار منهم في المشاركة، ثم اضطر بعد ذلك إلى دعوة العبيد للمشاركة وشكل منهم فرقة تتألف من خمسة آلاف رجل عملت تحت إمرته وجاءت غالبيتها من المستعمرات والولايات الشمالية التي ألغت ثلاثة منها العبودية أثناء الحرب هي فيرمونت ومساتشوسيس ونيو هامبشر.
غير ذلك من موازين القوى لصالح جيش المستوطنين الذي استطاع في السابع عشر من تشرين أول أكتوبر من عام 1777 التغلب على وحدة بريطانية تتألف من سبعة آلاف جندي تعرضوا للتشتت ما أجبر ربع الجيش البريطانية في أمريكا الشمالية على الاستسلام. شارك العبيد في حرب الاستقلال التي دامت سبع سنوات وقتل الآلاف منهم على أمل التمتع بالحرية والانعتاق بعد النصر والاستقلال، ولكن الثورة خذلتهم، ولم تلغ العبودية. علما أن العبيد الذين وقفوا إلى جانب بريطانيا في الحرب رحلوا معها جنودا إلى نيوفونلاند وإنجلترا وسيراليون وغيرها.
تعلم لينكون هذا الدرس جيدا فقد وجد في السكان السود نوعا من وقود المعارك الذي سيضمن له الفوز في حربه ضد الانفصاليين الجنوبيين. خصوصا وأن مشاركة العبيد في الحرب جاءت بعد تقدم الجنوب المبدئي ونتائج معركة أنتايتم الغير مرضية التي وقعت خريف عام 1862، واشتبك فيها ستين ألف من الوحدات الاتحادية والكونفدرالية استولى كل منها على حقل واحد من الذرة ثلاثة عشر مرة خلال يوم واحد، ومع حلول الليل سقط ستة آلاف قتيل وعشرين ألف جريح من الطرفين دون أن يتضح من هو المنتصر. جاء قرار لينكون بعد هذه المعركة بخمسة أيام فقط إذ أصدر ميثاقا إعتاق العبيد في ولايات الجنوب، ما أدى إلى مشاركة مائة وثمانون ألف مقاتل أسود في صفوف الجيش الشمالي قتل منهم ثمانية وثلاثين ألفا.
ظهرت أهمية مشاركة السود الحاسمة في الحرب بعد أقل من عامين فقط وذلك في غيتسبورغ التي استغرقت ثلاثة أيام من صيف عام 1863 تقاتل فيها الشمال والجنوب في معركة طاحنة شارك فيها مائة وثلاثة وستون ألف رجل من الطرفين، قتل منهم سبعة آلاف رجل وأصيب خمسة وأربعين ألف بجروح. في اليوم الرابع أجبر الجيش الكونفدرالي على الانسحاب بعد انهياره أمام القوات الاتحادية.
قاتل السود تحت إمرة جنرالات بيض زجوا بهم في أشد المعارك خطورة، وهم الأقل استعدادا وتدريبا، كما والأسوأ تسلحا وتجهيزا من الجنود البيض. قاتل مائة وثمانون ألف أمريكي أسود من أجل الاتحاد مقابل تخلصهم من العبودية. كانت غالبيتهم العظمى تعمل في فرق منفصلة يقودها ضباط بيض. وقد ضحى ثمانية وثلاثون ألف بحياتهم في سبيل الحرية.
تحقق الأمل بالنسبة للأمريكيين السود، حين أقر البند الثالث عشر من الدستور الذي يمنع العبودية بالقانون. أما البندين التاليين فيمنحان جميع الحقوق المواطنية التي لم تحترم بالكامل. عام ألف وثمانمائة وأربعة وسبعون، اعتبر أن التصويت لم يكن من الحقوق الممنوحة للمواطنين، فلكل ولاية الحق ضمن الدستور لتحديد من يستطيع ومن لا يستطيع التصويت ضمن حدودها.
أخذت الولايات الأمريكية الجنوبية تصمم قوانين تلغي حق الأمريكيين السود بالتصويت، ففرضت القدرة على القراءة والكتابة وحيازة الملكية كشروط أساسية تحول من خلالها دون مشاركة العبيد السابقين في التصويت. واستمر الأمر على هذا الحال لما يقارب المائة عام. تكمن المسألة الرئيسية في ألا يتحكم عنصر بشري بعنصر آخر، وهذه قضية ما زالت في منتهى الأهمية بالنسبة للأمريكيين الأفارقة، ذلك أنهم استمروا في الكفاح من أجل هذه الحرية، ما أبقا تلك الفكرة حية. تجسد اشتعال الكفاح من أجل المساواة العرقية في ليلة من كانون أول ديسمبر من عام 1955 أي في خضم أجواء ما يعرف بالحرب الباردة. بعد يوم عمل شاق قامت المواطنة الأمريكية السوداء روسا بارك البالغة من العمر ثلاثة وأربعون عاما، والعضو النشطة في حركة مناهضة للتمييز، قامت بركوب واحدة من وسائل النقل العام في مونتغمري ألاباما، متوجهة نحو المقاعد الخلفية، حسب القانون الذي يفرض على السود الجلوس في المقاعد الخلفية من وسائل النقل العام، ولكن الحافلة كانت مزدحمة، فجلست في الوسط. بعد عبور عدة محطات، توقفت الحافلة لعدد من الركاب البيض، وصاح السائق كعادته بصوت مرتفع: على السود العودة إلى الخلف! رفضت روسا بارك العودة إلى الخلف، فاعتقلت لانتهاكها قوانين النقل في المدينة. دعا الزعماء السود إلى مقاطعة حافلات النقل العام في المدينة. على مدار الأشهر التالية، برز من بين الزعماء السود مرشد ديني شاب هو مارتين لوثر كينغ، حشد الأجيال الجديدة حول وجهة نظره التي تدعو إلى إجراء التغيير وتحقيق المساواة بعيدا عن العنف. دعى مارتن لوثر كينغ إلى مقاومة بعيدة عن العنف، وأصر على استخدام سلاح المحبة، مصرا ومؤكدا على أن العنف يدمر الذات، وأن من يعتمد على قوة السيف يموت بقوة السيف. ولكن كفاح لوثر كينغ السلمي لم ينفعه في مواجهة العنصري الأمريكية التي لا تميز بين مكافح سلمي في سبيل الحقوق المغتصبة للسود ومكافح يختار طريق مواجهة الحديد بالنار.
ولكن الفارق الوحيد هو أن إحقاق الحقوق المشروعة للمواطنين السود قد تمت على أيدي مناضلين من الأفارقة الأمريكيين الذين جابهوا العنصرية الأمريكية بمثلها وهددوا بنشر الخوف والرعب في أرجاء الولايات الأمريكية بكاملها، كما هو حال الثائر الشهير مالكوم إكس الذي جرب كل سبل التعاضد الأخوي قبل أن يلجأ إلى مواجهة القوة بمثلها على طريقة منظمة الفهود السود.
كان مارتن لوثر كينغ يدعو المواطنين السود في خطاباته السلمية قبل موته إلى متابعة المسيرة بلا تردد، وأن ضرب وقتل الشبان والفتيات من السود لن يوقف المسيرة التي ستبقى مستمرة.
ولكن حركة مارتن لوثر كينغ السلمية لم تسهم كثيرا بإحراز الحقوق المدنية، لأن العنف العنصري لم يتوقف في أوساط البيض، ما أدى إلى توجه المزيد من المواطنين السود إلى خيارات مالكوم إكس الذي كان حينها عضوا في منظمة إسلامية تعرف باسم أمة الإسلام يتزعمها لويس فرخان. تمكنت منظمة الأمة في أواسط الخمسينات من إجراء تحول في اقتصاد السود عبر تنامي شبكات مخازنها الكبرى ومصابغها وأفرانها ومزارع أبقارها. ولكن مع بروز مالكوم إكس من خلال إدارته لمسجد أمة الإسلام في نيويورك أخذت هذه الحركة تنمو وتزدهر. وفي خطبة ألقاها بمناسبة افتتاح المسجد ردد مالكوم إكس جملته الشهيرة التي قال فيها: " أمريكا بنية أعدت للبيض. لا حقيقة لما يدعونه من حرية للسود في هذا البلد، لا حقيقة لما يدعونه من عدالة للسود في هذا البلد، لا حقيقة لما يدعونه من مساواة للسود في هذا البلد، هذا بلد للبيض وحدهم".
ثم أضاف في جانب آخر من خطبته يقول: "لا نكتسب الحرية إلا بالاقتراع أو الرصاص. لا يمكن إحراز الحرية بطريقة أخرى. لن نقبل من أحد مطالبة السود بوقف العنف دون مطالبة البيض بوقف العنف".. "لا نستطيع المطالبة بالكرامة الإنسانية حتى نتخلص أولا من الأسباب التي تعيق كرامتنا. لن يقف أحد في طريق حريتنا وكرامتنا الإنسانية، لا أحد يقف في طريقنا إلا أبيض اللون أزرق العينين".. مات مالكوم إكس، ولكن أفكاره الثورية المتعلقة بحقوق السود بقيت منتشرة في الشوارع. المبادئ السبعة عشر التي تألف منها برنامج حركة الوحدة الأفريقية الأمريكية التي أسسها بعد خروجه من أمة الإسلام، اعتنقت من قبل جيل جديد من النشطاء السود، حيث احتشد أشدهم التزاما في منظمة الفهود السود، التي تعتبر الأعمق ثورية بين السود في الولايات المتحدة والتي يقال أنها لعبت دورا هاما في إحراز الحقوق المدنية للمواطنين السود في تلك الفترة.
يعتبر برنامج المبادئ السبعة عشر التي حددها مالكوم في حركة الوحدة الأفريقية الأمريكية برنامجا شاملا. فهو يعالج كل القضايا التي واجهت المواطنين السود في الستينات والسبعينات وما زالت حتى يومنا هذا. كالتعليم والإسكان وفرص العمل والتي اختصرت لاحقا فيما يعرف اليوم برنامج النقاط العشر وذلك في تموز يوليو من عام ستة وستين.
تعززت حركة الحقوق المدنية التي بدأت في أواسط الخمسينات وبلغت ذروتها في نهاية الستينات، ذلك أنها ملأت الفراغ بين ما يطرح من مفاهيم إنسانية في الخارج، تجاه الحرب الباردة التي كانت الولايات المتحدة تتزعمها في العالم، وحقيقة أن ملايين الأمريكيين السود يعيشون وسط حالة من التمييز العنصري المشابه جدا لما كان يتعرض له السود في جنوب أفريقيا وما يتعرض له العرب في فلسطين. أجبر جون كندي بعد انتخابه على استقبال مارتن لوثر كينغ، ومائتين وخمسون ألف أمريكي آخر شاركوا في مسيرة نحو عاصمة البلاد، يوم الثامن والعشرين من آب أغسطس من عام ثلاثة وستين. عرف ذلك بيوم المسيرة إلى واشنطن. وقد أجبر كندي على اتخاذ هذا الموقف تحت ضغوط أجواء الحرب الباردة التي أساء فيها التمييز العنصري الممارس بحق السود لسمعة الولايات المتحدة في الخارج، كما أجبر على استقبالهم أيضا بفعل التحرك الحاسم والفعال والمنظم الذي انطلقت به تجمعات السود في جميع أرجاء البلد دون مهادنة، ووقوف الكثير من منظمات الحقوق المدنية إلى جانب مطالبهم المحقة والعادلة. وقد قال مارتن لوثر كينغ في تلك الوقفة الجريئة المكافحة أن لديه حلم تغوص جذوره عميقا في الحلم الأمريكي، وبأن هذه الأمة، سوف تنهض يوما ما، لتحقق هذا الحلم، بأن جميع الرجال متساوون. ولكن مارتن لوثر كينغ قد اغتيل على أيد الإرهاب الأمريكي الذي سعى لكبح تحركات حركة الحقوق المدنية التي تعززت بعد توقيع وثيقتين هامتين، وثيقة الحقوق المدنية، ووثيقة حق الانتخاب، في عهد الرئيس جونسون أواسط الستينات. لم تغير وثيقة الحقوق المدنية حياة المواطنين السود فحسب بل شكلت حافزا لمجموعات عرقية أخرى كي تتبع التكتيك واللغة ذاتها للمطالبة بحقوقها وحرياتها، فهناك أقليات أخرى كذوي الأصول الآسيوية واللاتينية، والهنود الذين شكلوا مجموعات خاصة بهم ملهمين بكفاح السود. لهذا تجمع الدراسات الأمريكية على أن أشكال التمييز النابعة من العبودية لم تنته بعد رغم ذروة الكفاح من أجل الحقوق المدنية في الستينات وقد كتبت ماريا نستراس في هذا الخصوص: في الماضي لم يكن ينظر إلى الأسود إلا كأحد عناصر الاقتصاد الغربي بمجمله، فما هو إلا أداة أو آلاه لا أحد يفكر بالتخلص منه، لأنه كمّ مجرد وسلعة ومتاع وأثاث". وحين تداول السياسيون الأمريكيون بعد ما تعرضوا له من ضغوط وفكروا بالتساهل مع السود لم يتحدث الكثيرون منهم عن دمجهم في المجتمع جديا ليصبحوا أحرارا بل طرحوا فكرة إرجاع السود إلى أفريقيا التي جاءوا منها، أو تخصيص أرض لهم في الغرب الذي ما زال متوحشا. أما الدمج بمعناه الصحيح فقد استبعد باعتبار أن الأسود هو بطبيعته أندى مستوى وسيبقى، من وجهة نظرهم، كذلك إلى الأبد.
تنبع أهمية كفاح السود والأقليات في الولايات المتحدة من ضرورتها في مواجهتها لما تتعرض له هذه المجموعات من اضطهاد عنصري منظم من قبل الحكومة الأمريكية نفسها، وهناك عدة أمثلة على ذلك نذكر منها ما شهده القرن العشرين من تجربة دامت أربعين عاما في توسكيغي ألباما حيث كان الذكور من السود المصابين بمرض الزهري جزءا من تجربة لمعرفة ما يفعله الزهري بالجسم إن لم يخضع للعلاج. شهدت ألباما في الثلاثينات انتشار مرض الزهري الذي ينقل بالتزاوج حتى بلغ مستوى الأوبئة إذ أصاب حينها ما يقارب أربعة وثلاثين بالمائة من الشبان الذين في سن التزاوج. وقد ساد تلك الفترة اعتقاد عنصري يدعي بأن ردة فعل الأمريكيين الأفارقة على الزهري مختلفة عن ردة فعل الأمريكيين البيض، مدعين أن الأمريكي الأبيض أكثر ثقافة وذكاء من الأسود لهذا يهاجم المرض دماغه، وأن الأمريكي الأسود أقوى جسديا لهذا يهاجم المرض قلبه.
تطوع بعض الأطباء والممرضين السود لتقديم خدماتهم المهنية، على أمل المساعدة في تطوير الخدمات الطبية اللازمة لمرضاهم ولكن مشاركة الأطباء السود شكلت غطاء عنصريا لم يحمي المواطنين السود من الاستغلال والمهانة والمرض والموت. أخضع ستمائة من الرجال السود لدراسة توسكيغي، ليشكلوا مجموعتين الأولى من غير المصابين بهدف المراقبة، أما المجموعة الأخرى فكانت من المصابين بمرض الزهري، وقد تم اختيارهم جميعا من نفس المنطقة، ومن أشخاص لم يعلم الكثير منهم ما هو المرض الذي يعانون منه.
قيل لهم أن لديهم دم فاسد وأن عليهم العودة باستمرار إلى مركز الصحة لمراقبتهم ومعالجتهم. وقد صدقوا ذلك وأعجبتهم الفكرة لأنهم من مناطق ريفية فقيرة لم يسبق لهم أن حصلوا على أي نوع من الرعاية الصحية الحكومية، كما لم يكن لديهم مستوى تربوي يذكر، ما جعلهم يسعدون لخضوعهم "لبرنامج رعاية صحية" يتمكنون خلاله من رؤية الطبيب بشكل دوري. ما شجعهم على المشاركة هو أن العائلة قد وعدت بمبلغ هائل قيمته خمسين دولارا في حال الوفاة، وقد عنى ذلك الكثير بالنسبة لتلك العائلات لأنه يمكنها من دفن فقيدها بطريقة لائقة.
عام سبعة وأربعين وبعد خمسة عشر عاما من بدء الأبحاث دون علم المصابين بما يتعرضون له من تجارب مخبرية تم اكتشاف الدواء المناسب لمعالجة الزهري. إلا أن الرجال السود المصابين بالمرض ممن يخضعون للتجربة لم يحقنوا به كي لا يفسدوا التجربة التي تجريها الحكومة الأمريكية عليهم.
لا أحد يعرف بدقة عدد الذين ماتوا منهم خلال العقدين التاليين لعدم تلقيهم العلاج اللازم، ولكن آلافا من المواطنين السود المصابين بالمرض قد سقطوا دون علاج رغم توفر الدواء ومنحه للمصابين البيض وحدهم. وقد استمر الحال على هذا النحو منذ الأربعينات حتى بزغ في الستينات فجر جديد من الكفاح من أجل الحقوق المدنية وبدأ طرح الأسئلة حول تلك الأبحاث العنصرية القاتلة والتي لم ينته العمل بها إلا عام اثنين وسبعين بضغط من المواطنين السود أنفسهم بعد أن اكتشفوا بأنفسهم حقيقة ما يتعرضون له من مجزرة لا أخلاقية.
كما استمرت الضغوط من قبل المواطنين السود الأمريكيين حتى أجبروا الحكومة الأمريكية على الاعتراف بجريمتها، وفي السادس عشر من أيار مايو من عام سبعة وتسعين، بعد بدء "الدراسة" بخمسة وستين عاما اعتذر الرئيس كلنتون علنا وأمام عائلات الضحايا على ما حدث بالقول: "نستطيع التوقف عن الإشاحة برؤوسنا، لنقول أخيرا باسم الشعب الأمريكي، أن ما فعلته الحكومة الأمريكية كان مخجلا، وأنا متأسف".
إلا أن هذا الاعتذار لم يغير من الواقع شيئا لأن 73% من المصابين بفيروس الإيدز في أمريكا هم من السود واللاتين، دون ذكر الأقليات الأخرى. وإذا نظرنا إلى أفريقيا سنرى واقعا أشد رهبة لما فيه من صورة عنصرية مشابهة.
لاشك أن الأفارقة الأميركيين تعرضوا بعد الحرب لكثير من أشكال العنف والاضطهاد والتمييز العنصري هذا ما جعلهم يستثنون من الانخراط في المجتمع الأميركي وعرضهم لنوع من التخلف ضمن المجتمع الأميركي حتى أنه يمكن اليوم التأكيد بأن أكبر نسبة من السجناء في الولايات المتحدة الأميركية هم من السود بشكل أساسي، وأن أعلى نسبة من الثلاثين مليون أميركي الذين يعيشون تحت مستوى الفقر في الولايات المتحدة هم من السود أيضا، وأن أقل نسبة من المتعلمين الأمريكيين هي من نصيب المواطنين السود الذين عادوا على القارة الأميركية بكثير من الثروات، ليحصدوا بالمقابل حملات من الاضطهاد التي ما زال يتعرض لها السود حتى يومنا هذا. أبسط مقارنة يمكن إقامتها لإبراز الفرق الشاسع بين تأثيرات ونتائج العبودية على القارتين الأفريقية والأميركية هو أن نتائج ما جاءت به العبودية إلى الولايات المتحدة هو ثروات كبيرة ثروات طائلة جني أرباح كبيرة جدا تحقيق نمو اقتصادي لا يقارن لن يسبق له مثيل في التاريخ تحقيق مستوى من التطور الصناعي والنمو الصناعي لم تعرفه لا أميركا ولا بلدان أخرى ولا أي دولة بهذه الفترة القصيرة وبهذا الجهد الكبير. هذا بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية بالنسبة للأفارقة السود في أميركا فقد عنت بالنسبة لهم مشقة كبيرة قد لا تقتصر على ساعات العمل الطويلة جدا والجهد المضني إذ كانوا يبدءون العمل منذ ما قبل ساعات الفجر وحتى ما بعد المغيب، وقد شمل ذلك العمل في بعض الصناعات الأولية وتحديدا في مجال سكك الحديد والأعمال الشاقة المشابهة كما هو حال المجال الصناعي والزراعي وتحديدا في زراعة القطن، إلى جانب زراعة التبغ، حيث شكل العبيد عاملا أساسيا في تطورها ونموها. أما القارة الأفريقية فكانت ترزح تحت حالة من الفقر التام حالة من عدم الاستقرار الأمني حالة من الحرب المستمرة بين القبائل بشكل دائم حالة من غياب الأمن الكلي وعدم القدرة على تطوير أي نوع من الصناعات البسيطة الخزفية التي كانت سائدة إهمال كلي للمجال الزراعي رغم الأراضي الشاسعة الخصبة الموجودة هناك أي أنه أوقف تطور ونمو القارة كليا إلى جانب حقيقة فساد الزعامات المحلية الذين كانوا يخوضون المعارك من أجل أسر المزيد من السود مواطنيهم أبناء القارة وبيعهم بأسعار بخيسة جدا للأوروبيين هذه هي ابسط طريقة والطريقة المباشرة للمقارنة بين التأثير الفعلي والمباشر لثلاث قرون من الزمن حوالي ثلاثمائة عام أو أكثر من العبودية سادت أثرت بشكل إيجابي كليا على القارة الأميركية والشكل السلبي الذي تحدثنا عنه في القارة الأفريقية. النظام الذي أقيم بسبب العبودية يعتمد على بعض العوامل التي تحد وتمنع كليا من هذا التطور أو من أي نوع من التطور أولاً استبدال العبيد بالأسلحة القبائل التي كانت تبيع العبيد كان تحصل مقابلهم على بعض الأغذية علما أن أفريقيا قادرة على إنتاج هذه الأغذية كانوا يستوردونها وعلى الأسلحة وعلى المشروبات الكحولية التي تحول دون القدرة على العمل وبالإضافة إلى الأسلحة التي كانت تحفز على القيام بالمعارك هنا يأتي عامل أخر وهو الأهم أن هذه الحروب التي كانت تقوم نتيجة عملية التبادل السائدة كانت تؤدي إلى غياب الأمن كليا والاستقرار في القارة إذا كان أي مواطن يسعى للخروج للتجارة أو للزراعة أو لأي سبب كان ليس هناك أمن لا يمكن أن يستطيع أن يخرج بأمان للعمل أو القيام بوظائفه فبالتالي كان يفضل البقاء ضمن إطار القبيلة وأحيانا ضمن إطار منزله لا أبعد وهكذا إذا أخذنا بعين الاعتبار هذه العناصر مجتمعة يمكن أن نختصر مقارنة مرة أخرى أنه في حين كانت القارة الأميركية منشغلة في الاعتماد على النخبة في قوة العمل السوداء للعبيد السود الأقوياء والأشداء الذين اختارتهم والذين تمكنوا من الصمود رغم صعاب عبور المحيط الأطلسي استغلتهم أقسى استغلال على مدار ثلاثمائة عام ضمن نظام اقتصادي مقبول نشط نما وعزز التطور في الولايات المتحدة الأميركية وفي القارة الأميركية عموما حرم بالمقابل القارة الأفريقية من هذه الطاقة وساد نظام من تبادل البشر بالأسلحة والكحول على مدار ثلاثمائة عام على نظام القتل والتهجير واقتلاع الناس من قراهم وبيوتهم. وما زالت القارة الأفريقية تخضع حتى اليوم لمختلف أشكال التمزيق بهدف السيطرة ثرواتها ومواردها الطبيعية من قبل القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة التي لا تتوقف عن التآمر على بلدان القارة السمراء والمساهمة في إشعال حروبها الداخلية بهدف إضعافها لإخضاعها. وكان ما نفذته عام 1959 من عمليات استخباراتية وتهريب الأموال إلى الكونغو لإسقاط حكم باتريسيو لومومبا بعضا من هذه العمليات القذرة التي دفعت خلالها مائة ألف دولار خلال شهر واحد، ما يساوي عشرات الملايين في الوقت الراهن، لتصبح محطة السي أي إيه في الكونغو شريكا في كل المؤامرات الجارية ضد بلدان ورؤساء تلك المنطقة.
وبعد اجتياح الصومال في عامي 1992 و1994 قامت السي أي إيه بإرسال المعدات العسكرية إلى أوغندا وأثيوبيا وأريتريا ودعم العصابات المسلحة المعارضة لنظام الخرطوم، حيث كان الدعم العسكري يتجاوز أغراض جيش صغير في الجنوب السوداني. وفي نيسان أبريل من عام 1996 زار جون دويتش رئيس السي أي إيه أديس أبابا سرا وبذل جهدا محموما شاركت فيه وكالة الأمن القومي (NSA
من المشكلات السائدة في القارة الأفريقية اليوم أن هناك مدن أساسية وعواصم في أفريقيا ما زالت شوارعها غير معبدة، وقد لا تختلف عما كانت عليه مع بدء تجارة العبيد، ولا نتحدث هنا عن الضواحي بل إن شوارع المدن الرئيسية ليست معبدة لا يوجد نوع من الاتصالات الداخلية أعني الاتصالات الهاتفية عبر القارة الأفريقية. هناك أعداد هائلة بل النسبة الأعلى من أبناء القارة لا يعرفون الاتصالات الهاتفية لا يعرفون ما هو الكمبيوتر ناهيك عن التكنولوجية الحديثة من تلفزيون وستالايت وأقمار صناعية وغيرها هذه الوسائل الحاجات البشرية التي أصبحت من احتياجاتنا اليومية الآن وهي ليست موجودة إطلاقا في مناطق شاسعة من أفريقيا. حتى أن المسافر الأفريقي الذي يحتاج للانتقال من (طوغو) إلى (بينين) إلى أي بلد من القارة الأفريقية وهي بلدان قد لا تكون بعيدة من بعضها البعض، أحيانا بل غالبا ما يضطر للذهاب إلى فرنسا أولا والهبوط في مطار اورلي، ومن بعدها العودة إلى القارة الأفريقية من جديد للذهاب إلى بنين أو غينيا بيساو أو كوناكري الخ. بما أننا الآن بصدد المقارنة لا بد من إجراء مقارنة بين الحالة الأفريقية والحالة اليهودية وما يقال عن (الهولوكوست) وما يشاع حول ما أصيب به اليهود من كوارث وما يقال عن المرتدين وما يطلبه الباحثون من جارودي ومناهضيه وما يقوله البعض من أن هذا (الهيلوكاوست) كان واقعا قائما والأخر يقول أنه لم يحدث بهذا الكم. البعض يتحدث عن ستة ملايين ضحية والبعض الأخر يقول أن هذه أعداد مبالغ بها جدا. هذا ما يشير إلى المفهوم العنصري للتعامل على المستوى الحالي أو اليوم بين الشعوب وبين الدول إذ تجبر ألمانيا وبعض الدول الأخرى على تقديم المعونات والتعويضات للدولة الصهيونية، ضمن عملية ابتزاز واستغلال كبيرين لفكرة (الهيليكوست) من قبل الصهاينة لصالح الكيان الاستيطاني الغاصب لفلسطين، بينما تعيش أفريقيا أزمات كبيرة ومستمرة نجمت عن العبودية المؤكدة طوال ثلاثة قرون استهلك طاقتها وقوتها، لنجدها اليوم تتسول من الدول الغربية، ما يحول على ما يبدو دون طلبها لحقها ليس في الاعتذار فحسب الاعتذار مسألة معنوية ولا بد منها بالطبع بل ولضرورة التعويضات الكفيلة بإلحاق القارة السوداء في ركاب العالم المتحضر. قد لا نجد أي عواقب نجمت حتى اليوم على ما يسمى بكارثة (الهيلوكاوست) سواء بلغ عدد الضحايا ستة ملايين أو أكثر. لسنا هنا بصدد التقليل من همجية ما تعرض له اليهود في الحرب العالمية الثانية التي لا شك في ظلمها وما التهمته من مدن ومناطق أزالتها عن الخريطة في العالم وشعوب تشتت، وأبلغ مثال على ذلك ما أصاب سكان هيروشيما وناغازاكي، وكتائب كاملة من الجيوش التي فتك بها الطاعون وضاع أثرها وسط صحراء العلمين. كثيرة هي الشعوب عانت وشردت ولكن يبدو أنه في عالم تحكمه عدالة ناقصة يتمكن الصهاينة من إقناع الجميع بعدالة قضيتهم وتغلبها على جميع القضايا بما في ذلك القبائل الأفريقية التي أبيدت عن بكرة أبيها وأزيل موطنها من الوجود بعد انتزاع أطفالها عن صدور أمهاتهم وبيعهم في سوق النخاسة مع أمهاتهم، ليتوارثن عبودية حطم البنية القبائلية والعائلية والاجتماعية لبلدان أفريقيا حتى اليوم. العبودية ليست قضية أفراد تحولوا إلى سلع تجاري وتم استعبادهم بل هي تحطيم الذات الإنسانية لقارة بكاملها حرمت من الشعور بالأمن وتعرضت لتعقيدات في العمق النفسي والوجداني وستبقى حاضرة في أبنائها أينما كانوا.
المهم هو أنه لم تلحق بهؤلاء السكان عواقب وخيمة تشبه ما أصاب القارة الأفريقية بكاملها من كوارث على كافة الصعد. وهناك أدلة كثيرة تثبت المسئولية المباشرة والأخلاقية للدول الغربية والولايات المتحدة على رأسها، تجاه ما تعانيه الشعوب الأفريقية حتى اليوم نتيجة كارثة العبودية التي حلت بها وهي كارثة مؤكدة لا لبس فيها كما أنها معززة عبر أدلة ومصادر موثقة من قبل الأوروبيين والأمريكيين أنفسهم الذي يتحدثون عن 12 مليون أجبروا عنوة وبيعوا وتم المتاجرة بلحمهم ودمهم ونسلهم حتى فترة وجيزة.
ما يتطلب رد اعتبار لهذه الأمم والشعوب الأفريقية لما حل بها، وهي لا تحتاج إلى مجرد اعتذار لها كمسألة معنوية فحسب بل لا بد من التعويضات، التعويضات هذه ليست فردية بل أيضا على المستوى التكنولوجي هذه القارة لم تتمكن من اللحاق في ركاب العالم بسبب هذه الأزمة لها الحق في إلغاء جميع ديونها الديون التي وقعت بها اليوم ناجمة عن العبودية ولها الحق بالحصول المجاني على جميع الوسائل التكنولوجية المتوفرة في الغرب كجزء بسيط من رد الجميل لمساهماتها في تطوير الحضارات الغربية رغما عنها، ورد اعتبار للإهانة التي ألحقت بها. يتضح من التعرض إلى بعض من جوانب العبودية وآثارها على القارة الأفريقية من جهة وعلى أجيال استعبدت لأكثر من ثلاثمائة عام أن المنطق الأمريكي في التعامل مع الآخر يعتمد منذ قيامه على الهيمنة والإخضاع بوسائل أساسها القوة وقد لا يمكن وصفها إلا بالعنف والإرهاب الذين اتبعا مع حضارة السكان الأصليين التي واجهت المستوطنين في القارة الجديدة فعملوا على سحقها وتحطيمها وما زالوا يسعون إلى تشتيتها وإبادتها بشتى السبل. ولم يكن مصير الحضارة الثانية التي قوبلت بالعبودية والمهانة والتخلف والأحقاد وما زالت تمارس حتى اليوم على المستوين الرسمي والشعبي بأنواع مختلفة من التمييز العنصري الذي تخطت حدود المواطنين السود في الولايات المتحدة لتزرع التخلف والتبعية والحروب في قلب القارة الأفريقية نفسها. ولم تكن مصائر الشعوب الأخرى التي هبت عليها رياح الشمال الأمريكي أوفر حظا ذلك أن الجذور التي رسخت في تاريخ هذا الكيان وبنيته تنذر بأطماع لا حدود لها، فهي لا تؤمن ولن تقبل بحوار الحضارات بل بسحقها وإخضاعها أولا كخطوة أولى على طريق إلغائها كليا. وإذا كان إلغاء حضارة السكان الأصليين والأفرو أمريكيين في الولايات المتحدة قد استغرق خمسمائة عام، لا شك أن عصر السرعة الذي نعيشه اليوم ينبئ بخطوات أشد عنفا لحرق المراحل في إخضاع شعوب الأرض قاطبة.. دون أي استثناء، فمن يقف ضد الولايات المتحدة اليوم مشروع إخضاع مباشر، ومن يقف معها مشروع إخضاع مؤجل، ولكن ليس طويلا.
مشاريع أمريكا في الهيمنة بدأت منذ نشأتها ومن داخلها، ويبدو أنها حملت بذور الأحقاد عبر موجات هجراتها الأولى، وهي تصر على السير بها قدما تماشيا مع متطلبات عصر الفضاء، وكأنها تعد لإخضاع شعوب الأرض وفرض الهيمنة الأمريكية على العالم بحجة الدفاع عن الديمقراطية والعولمة والنظام العالمي الجديد وغيرها.. =-=-=-=-=-=-=-انتهى الفصل الثالث. © 2004-2009. All Rights Reserved-كافة الحقوق محفوظة للمؤلف
[مقدمة اولى]
[مقدمة ثانية]
[مقدمة ثالثة]
[مقدمة رابعة]
[ملخص الكتاب]
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م