|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
"من المهم تجنب الميل إلى جانب أي من الأطراف المتنازعة العربية وحصر
أنفسنا في مصالحنا الحيوية
حماية مشايخ الخليج وتجنب أزمة دولية حول الأردن" عن وثيقة من السفارة
البريطانية في دمشق إلى الخارجية في لندن في 19/3/63 إثر الانقلاب
البعثي بقيادة الفريق لؤي الأتاسي في سوريا يوم الثامن من آذار عام
1963.
شهدت معظم الدول العربية الحديثة مجموعة متغيّرات مأساوية لأنظمة الحكم
فيها خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية عند وقوع أول انقلاب في العالم
العربي وكان في سوريا عام 1949 على يد رئيس الأركان آنذاك حسني الزعيم،
فترددت أصداؤه في مصر حيث قامت مجموعة من الضباط الأحرار عام 1952
بانقلاب أنهى حكم أسرة محمد علي، وما لبث أن تبعه الجيش العراقي فأنهى
حكم الهاشميين في انقلاب قاده عبد الكريم قاسم عام 1958، وفي العام
نفسه انقلب الجيش السوداني بزعامة إبراهيم عبّود على حكومة الاستقلال
المدنية لتتوالى الانقلابات التي وُصف بعضها بالأبيض والآخر بالأسود
والدموي، ولكن الثابت فيها أن الجيش كان في الغالب محور التغير.
لم تشهد سوريا أول انقلاب في العالم العربي فحسب بل سجّلت الرقم
القياسي من حيث عدد الانقلابات فمن بين ما يربو على أربعين انقلاباً
عرفتها المنطقة العربية منذ عام 1949 نجد أن نصيب سوريا منها تسعة
انقلابات، تليها موريتانيا بستة انقلابات، ومن بعدها اليمن بخمسة
انقلابات، ثم العراق والسودان اللذان سجّلا أربعة انقلابات لكل منهما،
تبعهما لبنان وجزر القمر بثلاثة انقلابات لكل منهما، أما مصر والصومال
وليبيا فقد شهدت كل منها انقلاباً واحداً خلال تلك الفترة.
وقد شكلت تلك الانقلابات العسكرية والمدنية بمجموعها منعطفات تاريخية
هامة في الحياة السياسية لبلدان المنطقة، خصوصاً وأن بعضاً من رموزها
ما زال يحكم حتى اليوم، بالرغم من التعقيدات السياسية الداخلية
والخارجية التي تميّز هذا العصر.
جاءت الانقلابات العسكرية والسياسية بأشكال وأعذار مختلفة. وتحوّل
الانقلابيون فيها إلى زعماء أقاموا هيئات ومجالس عينوا أنفسهم قادة
عليها وعملوا من خلالها على تحويل مجريات الأحداث السياسية في البلاد،
بعد أن منحوا أنفسهم الحق المطلق في امتلاك الرأي السديد في توجيه
البلاد وتحديد مستقبلها.
وبعد أن كان لحسني الزعيم شرف الإعلان عن أول انقلاب في العالم العربي،
قامت مجموعة من العسكريين المصريين أطلقت على نفسها لقب تنظيم الضباط
الأحرار بالإعلان، صبيحة الثالث والعشرين من تموز يوليو من عام 1952،
عن أسباب انقلابها على آخر وريث فعلي لسلالة محمد علي. وتوجَّه الملك
فاروق، حسب الوثائق البريطانية والأمريكية، حينها بطلب المساعدة من
السفارة الأمريكية، فلم تستجب؛ وفي السادس والعشرين، تنازل جلالته عن
العرش ليرحل إلى إيطاليا ويموت فيها.
عام 1954، أطاحت أزمة مارس بالرئيس المصري محمد نجيب ليتولى جمال عبد
الناصر الحكم ويبقي في السلطة الفعلية ما يقارب العقدين، حتى مماته في
28 أيلول - سبتمبر من عام 1970. وهذا هو حال نظرائه من زعماء
الانقلابات في بلدان عربية أخرى؛ فالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كان
ضابطاً عسكرياً فوزيراً للدفاع في حرب عام 1967، قبل أن يقود ما عرف
بالحركة التصحيحية التي أتت به إلى كرسي حكم انتقل بعد موته إلى ابنه
الرئيس السوري الحالي بشّار الأسد.
وهذا هو أيضاً حال الانقلاب الذي قاده الرئيس الجزائري الراحل هوّاري
بومدين الذي أطاح بالرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة إثر نزاعات
اجتاحت مراكز القوى في الجيش وجبهة التحرير الجزائرية، تحت شعارات
حماية مسيرة الثورة ومكتسباتها. وبقي هوّاري بومدين على رأس السلطة في
الجزائر منذ انقلابه في 19-7-1965 حتى وافته المنية شتاء عام 1978.
وفي السودان، وصل الرئيس الأسبق جعفر النميري إلى سدة الرئاسة في 25
أيار - مايو 1969 بعد ثلاثة انقلابات توالت على السلطة دون الإمساك
بزمام الحكم، وقد جاء النميري بدعم من عدة أحزاب سياسية، بين القومية
واليسارية، وقام فيما بعد بالعمل تصفيتها تجنباً لانقلابها عليه، ولكنه
مع ذلك سقط بانقلاب آخر مشابه، بعد 16 عاماً من الحكم.
وقد أطاح انقلاب 14 تموز - يوليو من عام 1958 بسلطة نوري السعيد
والأسرة الهاشمية في العراق، ليأتي بحكومة عبد الكريم قاسم الذي لم يدم
طويلاً، فسرعان ما أطاح الانقلاب البعثي بكل الرموز السياسية في البلد
ليبقى الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في السلطة ما يقرب من ثلاثة
عقود توِّجت بالغزو الأمريكي الذي أخرجه منها إلى السجن ومحاكمة مسرحية
متلفزة.
هناك انقلابات أخرى كان زعماؤها أوفر حظاً؛ فالرئيس الليبي العقيد معمر
القذافي أطاح بأسرة السنوسي المالكة عام 1969 واستولى على السلطة ليبقى
فيها ما يقرب من أربعة عقود؛ ويبدو أنه يُعِدّ الآن ابنه سيف الإسلام
القذافي لتولي سدة الرئاسة من بعده، إثر تنفيذه شروط الأمريكيين
والبريطانيين وحلفائهم.
وينطبق ذلك على ما شهدته تونس من انقلاب سلمي أبيض قام به الرئيس
الحالي زين العابدين بن علي ليطيح بالرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة
ويتمسك بكرسي الرئاسة من بعده حتى يومنا هذا، غير مكترث بالمعارضة
الداخلية والدعوات الدولية المنادية بالتغيير.
وهذا هو أيضاً حال العديد من الدول الملكية الوراثية التي شهدت هي
الأخرى بضعة انقلابات أطاحت بوريث عمان السلطان سعيد بن تيمور وجاءت
بابنه السلطان قابوس بن سعيد وأعفت العاهل الأردني الملك طلال ليرثه
ابنه الملك حسين، وربما أودت بالملك السعودي فيصل بن عبد العزيز ليرثه
أشقاؤه السدريين السبعة.(أنظر: اغتيال الملك فيصل والخلافة السعودية،
للمؤلف، دار الفرابي، 2007)
هناك بعض المقاربات التي يمكن البناء عليها بعد الاطلاع على ما توفّر
من وثائق ومراجع بحثية متنوعة، منها ما يتمثل بموضوع الصومال وانقلاب
الرئيس السابق محمد سياد بري، حيث تحدثت معظم المراجع والأبحاث عن اليد
الروسية الطولى والواضحة في الانقلاب، لنرى أن الجديد هنا هو التأكيد
البريطاني والفرنسي على أنه ليس لروسيا أو ألمانيا علاقة بالموضوع، وأن
أسباب الانقلاب داخلية بحتة.
وتتكرر هذه المسألة في كثير من البلدان، إذ تشير الوثائق والمراجع التي
جرى الاطلاع عليها أن
أسباب الانقلابات
كثيراً ما تكون
ذا شأن داخلي، وليس لها علاقة
مباشرة بالخارج، ما يدفعنا لاعتبار هذه المسألة من العناوين الرئيسية
في البحث.
هذا ما ينطبق أيضاً على الحالة الليبية. مع أن الجديد هنا قد يكمن في
المفارقات المتعلقة بمواقف الملك إدريس المتأرجحة، أو/ وفي التفسير
البريطاني لمعاهدة الدفاع المشترك مع ليبيا حينما طلب الشلحي التدخل
العسكري من أجل عودة النظام الملكي. كما أن هذا قد يتقاطع مع المعلومات
المتوافرة في كثير من المراجع حول تورّط الشلحي في انقلاب كاد يسبق
حركة القذافي في الإطاحة بالسنوسي.
وعلى مستوى آخر، تتكرر في بعض البلدان التي شهدت انقلابات متعددة ظاهرة
اتهام دول عربية وإقليمية أخرى في الإعداد لها أو التآمر مع
الانقلابيين أو ضدهم حسب التحالفات الإقليمية المطلوبة، هذا ما شوهد في
أدوار لعبتها مصر والسعودية والعراق في بعض منها، فيدفعنا ذلك لاعتبار
المشهد الإقليمي في بعض الانقلابات
من العناوين الرئيسية في الكتاب، وهو ما
نقرأه في الوثائق المتعلقة بانقلاب سامي حلمي الحنّاوي في سوريا عام
1949، والمتمثل في علاقة العراق بالانقلابيين، وارتباطه بفكرة
الكونفدرالية التي كان ينادي بها الهاشميون في بغداد، وما إلى هنالك من
مخاوف وأطماع توسعية إقليمية مشابهة وقفت وراء الكثير مما عرفته
المنطقة من انقلابات.
أما عن الأردن، فإنّ المفاجئ والجديد في الوثائق البريطانية، مثلاً، هو
الدور الاستثنائي للملكة زين الشرف (والدة الملك حسين) في التآمر مع
رئيس الوزراء آنذاك توفيق أبو الهدى على زوجها الملك طلال، وكذلك
الرشاوى السعودية لرئيس الوزراء توفيق أبو الهدى للحفاظ على بقاء
الأردن خارج نطاق التأثير العراقي، وكذلك ما كان يدفع في علاج الملك
طلال في القاهرة حينها.
هذا ما يوفر بعض المعطيات التي تشير إلى الدعم الإقليمي لإعفاء الملك
طلال وتسليم السلطة سلماً إلى ابنه الراحل حسين بالرغم من سنّه
اليافعة.
ومهادنة الانقلابيين للدول الكبرى
عنوان آخر سيجري التعامل معه كظاهرة تكررت عبر السواد الأعظم من
القائمين على الانقلابات. تقول إحدى الوثائق الصادرة عن السفارة
البريطانية في القاهرة والموجهة إلى الخارجية في لندن يوم 18 أيلول
سبتمبر من عام 1952، أن أربعة من كبار الضباط الأعضاء في اللجنة العسكرية العليا،
أو القريبين منها، تناولوا الطعام على مائدة الملحق العسكري البريطاني،
وقد تم اللقاء في منزله، وحضره مساعد الملحق وشخصية أخرى (مجهولة)،
وسجّلا محضراً باللقاء. هناك تقييم لكل من جمال عبد الناصر وجمال سالم
وصلاح سالم وزكريا محيي الدين. وقد وصف جمال عبد الناصر فيه بأنه قريب
من الإخوان وليس على عداء مع بريطانيا.
وتبدأ الوثيقة بقول الملحق العسكري
أنه:
"بناءً على طلبي أحضر زكريا محيي الدين ثلاثة من أعضاء اللجنة العسكرية
العليا لتناول الطعام في منزلي..." تحتوي الرسالة الثانية على دراسة
نفسية شخصية وسياسية للضباط الأربعة وآرائهم، بينما تضم الرسالة
الثالثة انطباعات كوّنها الملحق العسكري عن الضباط الأربعة الشخصية
والنفسية والسياسية؛ وهذه الرسالة أشبه بتقرير مخابراتي دقيق؛ أما
الرسالة الرابعة والأخيرة فهي تصف أجواء وظروف الغداء.
كما توحي الوثائق التي استطعنا الحصول عليها بأن بريطانيا والولايات
المتحدة كانتا تكرِّسان جلّ اهتمامهما على حماية شيوخ وأمراء دول
الخليج كما ورد في وثيقة من السفارة البريطانية في دمشق إلى الخارجية
في لندن في 19/3/63 حول انقلاب الحنًاوي في سوريا ونتائجه:
"من المهم تجنب الميل إلى جانب أي من الأطراف المتنازعة العربية وحصر
أنفسنا في مصالحنا الحيوية وحماية مشايخ الخليج وتجنب أزمة دولية حول
الأردن".
مما يؤكد توافر المعطيات الضرورية في كثير من الانقلابات للخوض في
عنوان آخر يشير إلى:
دور الدول الكبرى وأداؤها تجاه الانقلابات.
قد تدخل جوانب من الحركة الانقلابية لما عرف بثورة الرئيس الراحل جمال
عبد الناصر في 23 يوليو من عام 1952 تحت هذا العنوان. مع أنه لا توجد
إجابة واضحة على دور بريطاني أو أمريكي مباشر في دعم الانقلاب، إلاّ أن
الاجتماعات المتكررة التي انعقدت بين سفراء البلدين وقادة الانقلاب.
يمكن تلخيصها بأن الاهتمام الرئيسي لبريطانيا كان منصباً على موضوعة
المصالح العسكرية، القواعد ومخزون السلاح في مصر، والاقتصادية "قناة
السويس". أما الوثائق الأمريكية فتشير إحداها إلى كراهية أمريكية
لفاروق ونظامه وتشكك بالدعاية القائلة بأن الانقلاب ذو طابع شيوعي،
بينما توحي مراجع متنوعة إلى رغبة واشنطن في تدهور السيطرة البريطانية
على مصر، فتُرجم ذلك في المرحلة الأولى وقوفاً مع الانقلابيين، بالرغم
من تغيير ذلك في مراحل لاحقة ليصبح أكثر اعتماداً على مقاييس الحرب
الباردة وحماية نفوذها ومصالحها في المنطقة، وقد لا نجد اختلافاً
جوهرياً في دور وسياسة الاتحاد السوفيتي والدول التي دارت في فلكه تجاه
تلك الوقائع في منطقتنا.
ويسعى هذا البحث إلى استعراض مجموعة من الجوانب الأبرز في الأحداث
التاريخية المطروحة، آخذاً بعين الاعتبار الظروف التاريخية والإقليمية
للبلدان التي نتحدث عنها، مع أن العدد الهائل للانقلابات التي شهدتها
المنطقة يدفعنا إلى مزيد من تركيز الدراسة على الوقائع الأبرز فيها،
والتي ارتأينا جمعها تحت عناوين فصول أربع جاءت على الشكل التالي:
1-أسباب
الانقلابات/ تفاعلات داخلية
2-المشهد الإقليمي وراء الانقلابات
4-دور وأداء الدول الكبرى تجاه الانقلابات
وهناك حالة انقلابية فريدة خرجت عن مجمل القواعد السابقة في هذا الملف،
مع أنها بقيت الأقرب إلى التصنيف الرابع منها ولكنا آثرنا تكريس ملف
خاص بها لما اكتنفها من غموض أبقاها طي الكتمان أحيانا وفي إطار نظريات
المؤامرة أحيانا أخرى حتى أخذت ملامحها تتكشف منذ الإفراج عن مجموعة من
الوثائق البريطانية التي تسلط الأضواء على وقائع وأحداث بقيت لعدة عقود
غير قابلة للجد، لذا خصصنا لها فصلا خامسا تحت عنوان
وأخيرا لم تتوانى سلطات الأرشيفات الغربية عن وضع العراقيل في وجه
مساعينا إلى تسليط الأضواء على بعض جوانب تاريخنا في أدراج أرشيفات
العواصم الأوروبية الأربع الرئيسية: لندن وموسكو وبرلين وباريس إلى
جانب أرشيفات واشنطن.
وقد بلغ حجم المصاعب أن تمنعت السلطات الروسية التي كان لها دور فاعل
في موضوع الانقلابات عن إفساح المجال أمامنا بدخول أرشيفات موسكو
والحصول على الوثائق الرسمية من هناك، ما دفعنا إلى اللجوء لإجراء بحث
أشد قسوة ودقة عبر دراسة البيانات والتصريحات الرسمية التي أدلى بها
زعماء الاتحاد السوفيتي وقادته عبر صحيفة برافدا الرسمية ووكالة
الأنباء تاس الحكومية آنذاك.
=-=-=-=-=-=-=-نهاية
التمهيد. © 2008-2009. All Rights Reserved-كافة الحقوق محفوظة للمؤلف
[محتويات]
[إهداء]
[تنويه]
[الصفحة الخلفية]
[تمهيد]
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م