اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 أضواء على ظلمات أمريكا، سلب الأرض وتشريد الإنسان
 

الرئيس أندريو جاكسون

 

كان البريطانيون والفرنسيون، من خدم وسادة، يتنافسون على الأراضي الغنية وشن الحروب لطرد الهنود وسفك دمائهم للاستيلاء على الأرض طوال ما عرف بالمرحلة الأولى من الاستيطان، ولكن حجم الحاجة إلى المساحات الشاسعة كان أكبر من أن يحتمل الخسائر المستمرة في مواجهة الهنود، فتوجه بعض المستوطنين إلى الحدود، حيث الأراضي الخصبة التي وراء فيلادلفيا وشارلستون وبوسطن بحثا عن أشكال جديدة من التوسع هناك. ولكن هذه الحدود كانت للهنود أيضا، وهي ترمز إلى بقاء مجمعاتهم وأنماط عيشهم القديمة على قيد الحياة.

وقعت بعد القبائل تحالفا مع الحكام الفرنسيين أو البريطانيين لإبعاد المستوطنين عن أراضيها. وقد نقل حينها عن زعيم قبيلة أباناكي قوله: اعملوا أيها الأخوة أننا لا نفضل شيئا آخر عن التعايش بسلام، ولكن هذا يعني أن يحافظ أخوتنا الإنجليز على السلام معنا. لا يمكن أن نتخلى عن إنش من الأرض التي نعيش فيها.

رغم ذلك فقد أصبح التوسع السريع ظاهرة لا يمكن ضبطها في أمريكا. هذا التعطش للاستيلاء على الأراضي، دفع الحكومة الأمريكية لإعلان سياسية تطالب بجميع أراض السكان الأصليين، الواقعة إلى الشمال من نهر المسيسبي.

مع دخول الأمريكيين، وخصوصا أبناء إنجلترا وأوروبا الغربية، إلى الولايات المتحدة، كانت لديهم فكرة عن الهنود كمتوحشين وبدائيين يعيشون في ظروف بدائية أشبه بالعصر الحجري، وهو مفهوم خاطئ بالكامل، إذ أن لهم حضارة ما زالت تنبض بالحياة رغم خمسمائة عام من العزلة والقهر والحرمان الذي أخضع له السكان الأصليين منذ أن استباحت أوروبا أراضيهم.

يوم السادس والعشرين من أيار مايو من عام ألف وثمانمائة وثلاثين، أجبر عدد من الزعماء والمحاربين الهنود الحمر، على توقيع ما عرف باتفاقية الإخلاء، وذلك مع مندوب عن الرئيس أندريو جاكسون. ما وضع سلاحا بيد الولايات المتحدة لإخلاء السكان الأصليين من جميع أراضيهم بقوة القانون.

اعتبر الأمريكيون حينها وما زالوا حتى اليوم يعتبرون أنهم لم يرتكبوا في ذلك أي خطأ يستحقون اللوم أو الإدانة عليه. بل كانوا ينظرون إليه كتصرف إنساني. ذلك أنهم يرون بأن الهنود يتمتعون بحياة سعيدة، "كمتوحشين" يعيشون على لعبة الصيد، فليذهبوا بعيدا إلى المناطق النائية ليتابعوا لعبتهم هناك، ويستولي الأوروبيون والأمريكيون من بعدهم على الأرض.

وهذا ما حدث فقد تم الإخلاء بناء على اتفاق، تدفع الولايات المتحدة بموجبه ثمنا بخيسا للأرض، اضطر الهنود للقبول به بقوة السلاح أولا، وبالخداع والمناورة والمفاوضات المطولة وسياسة الترغيب والترهيب التي اتبعت أثناء انعقاد جلسات المفاوضات الفريدة من نوعها والتي اجتمع فيها منتدبون ادعى بعضهم زعامة القبائل، وخدع البعض الآخر بشتى السبل.

طلبت حكومة الولايات المتحدة من سماسرة خبراء مثل هركليز داوزمن، التفاوض مع الهنود على الشروط. منذ بتدء التفاوض استعمل التجار ورقة قروض كانت لهم على السكان الأصليين نتيجة أمال تجارية مشبوهة. كان من التقليدي أن يدفع التجار للسكان الأصليين مسبقا، وبمختلف أنواع البضائع، على أن يأتونهم بالجلود في الربيع القادم.

استغل المفاوض الأمريكي هذه الورقة للإسراع بعملية بيع الأراضي، فوعدت الحكومة بتسديد كل الديون التي على السكان الأصليين لصالح التجار. فسارع التجار بمضاعفة هذه الديون. بعد توقيع الاتفاق، حصل التجار على حصة الأسد من الأموال التي يفترض أن تدفعها الحكومة للسكان الأصليين، مقابل أراضيهم.

جمع داوزمن ثروات على طاولة المفاوضات، وحصلت الحكومة على الأراضي، وتم إخلاء السكان الأصليين من ديارهم وأراضيهم بحجة اتفاقية مزعومة منحت السلطات الأمريكية مستند قانوني اعتمدته شكليا في عمليات طرد الهنود عنوة وبدعم من وحدات الفرسان المدججة بالسلاح والعتلاد.

وإلا أن عددا كبيرا من القبائل رفضت هذه الاتفاقية وساد لديها إحساس بضرورة الدفاع عن نفسها وعن أرضها. كان الخوف هو مصدر هذا الإحساس أكثر من أي شيء آخر، فبدأت عمليات تمرد ورفض التخلي عن الأرض، كان من بينها ما عرف لاحقا حروب بلاك هوك الكبرى، التي كانت آخر وقفة صمود للسكان الأصليين شرقي المسيسبي، مات فيها المئات من الأطفال والشيوخ والنساء المجردين من السلاح.

قد لا يصح تسمية هذه المذابح الجماعية بالحروب، إذا أخذنا بعين الاعتبار الفرق الشاسع بين جنود الفرسان الدربين الذين كانوا يطاردون الهنود الذين يحاولون العودة إلى ديارهم بمن معهم من عائلات.

بعد إبرام تلك الاتفاقية نقل هنود السوك إلى أراض تقع غربي المسيسبي، أدى إخلاءهم إلى الضرر بكل جوانب الحياة لدى هذه العشائر. من الصعب أن يفهم المرء ما جرى، وخصوصا بلاك هوك زعيم السوك البالغ من العمر خمس وستين عاما، الذي نقل عنه حينها ما يلي: "يقول المنطق بالنسبة لي، أنه لا يمكن بيع الأرض، لأن الروح العظمى منحتها لأبنائنا ليعيشوا فيها، له الحق في ترابها، ما حيوا فيها وزرعوها. لا يمكن بيع شيء، إلا إذا أمكن حمله".

"كانت رحلة العودة إلى قريته قاسية على بلاك هوك. ولكن ما هو أشد قسوة عليه هو أنه حين وصل إلى هناك وجد قبور أجداده قد حفرت وبعثرت عظامها في كل مكان". كاد يفقد صوابه، فأصر على أن يطالب بحق شعبه في وطنه التقليدي. بدأ في البحث عن حلفاء يحاربون معه، فبعث برسالة إلى البريطانيين، الذين حارب معهم في حرب عام ألف وثماني مائة واثنى عشر. وتم إقناعه بأن عدداً من السكان الأصليين المبعدين أيضاً سينضمون إليه في الحرب.

عبر بلاك هوك مع أكثر من ألف مواطن نهر المسيسبي متوجهين شرقاً، يتعرضون لموجة من الرعب على طول الطريق. تعرض بلاط هوك للاعتداءات عدة مرات وكلما كان يرد على هذه الهجمات كان يثبت بأن الهنود ما زالوا يتابعون المسير".

انتشر القلق بين المستوطنين من عودة بلاك هوك وقبيلته إلى ديارهم وما سيتبعه من مسيرات مشابهة. فبدأت المطاردة التي عرفت جينها بحرب بلاك هوك.

شارك في هذه المطاردة اللاإنسانية شخصيات تاريخية من أمثال جيفيرسون ديفيس، وأبراهام لينكون، اللذان كانا من قيادات الحرب الأهلية العتيدة. كانت نيران المدافع، رمز الولايات المتحدة، التي استعملت هناك وكانت تدب الرعب والخوف بين الهنود وعائلاتهم.

سرعان ما تنبه بلاك هوك إلى أنه لن يجد مخرجاً من تلك الأزمة. فإذا ما حارب، سيحارب بمفرده، بعد تعزيز التواجد العسكري الأمريكي، وأن شعبه سيتضور جوعاً. قرر الاستسلام للرائد ستيلمان، بالقرب من سيكامور سكريك في إلانوي. ولكن ما حدث حينها كان دليل على الرغبة الدفينة في التشنيع والقضاء كلياً على ظاهرة تمرد الهنود ورغبتهم في العودة إلى ديارهم.

يدعي المؤرخون الأمريكيون أن وحدات الرائد ستيلمان كانت تشرب الكحول طوال اللليل، فوصل رسل بلاك هوك وهم يرفعون الأعلام. كانوا ثلاثة رجال، ولكن بلاك هوك لم يكن متأكداً من طريقة استقبالهم فبعث بخمسة طلائع للبقاء في الأفق يراقبون رسله الثلاث لمعرفة ما سيجري.

هاجم المستوطنون رسل السلام، فقتلوا اثنين منهم، ما أغى قرار الاستسلام، وأجبر بلاك هوك على رد الهجوم مباشرة. فأدار عناصر المستوطنين ظهورهم هذه المرة ولاذوا بالفرار. وحين توقف الجنود الخائفين، برروا فرارهم من مواجهة الهنود بنشر حكايات مختلقة عن مذابح ارتكبت على أيدي الآلاف من الهنود.

أما الحقيقة فهي أن أجد عشر من الجنود البيض فقط قتلوا في تلك المواجهة، فكانت تلك المحاولة الأولى للاستسلام والعودة من حيث أتى بعد أن شعر بظروفه الحرجة، إذ كان معه حشد كبير من الشيوخ والأطفال والنساء، الذين يحتاجون إلى الحماية والطعام. أي أنه لم يكن مستعداً للقتال، كان يعرف بأعداد الجنود التي تلاحقه، فأصبح مستعد للانسحاب.

توجه بلاك هوك شمالا إلى وسكنسن، فأكل شعبه الجائع العشب ولحى الشجر، وكل ما تيسر للبقاء على قيد الحياة. بينما استمر الجيش، بضغط من الرئيس جاكسون، بمطاردة بلاط هوك، بوحشية متنامية ارتكبت خلالها فظائع بشعة.

كان بلاط هوك يعلم أنه إذا وصل إلىنهر وسكنسن، سيتمكن مع شعبه من العودة إلى مخيمة في المنفى. عمل محاربيه على تأخير الجيش بهجمات مصطنعة، حتى الحادي والثلاثين من تموز يوليو من عام ألف وثماني مائة واثنين وثلاثين. عملت حفنة من الهنود الشجعان على إشغال الجيش الأمريكي فوق مرتفعات وسكنسن، في ليلة دافئة وممطرة، ليتمكن شعب بلاك هوك من الهرب عبر نهر وسكنسن.

أدهشت هذه المناورة العسكرية جيفيرسون ديفيس، فقال بأنها أروع الصفحات الاستراتيجية، التي شاهدها في حياته. في تلك الليلة، وبعد أن ضمن الأمان للنساء والشيوع والأطفال من أبناء شعبه، دعى بلاك هوك مقاتليه للتوصل إلى هدنة مع الفرسان الأمريكين، الذين تجاهلوا الرسالة كلياً.

في الصباح رحل بلاك هوك ومعه محاولة أـخرى لإنهاء الحرب. عزز الجيش وحداته، وطارد الزعيم الهندي عبر نهر وسكنسن، الذي انتقل عبر اليابسة إلى نهر باد أكس، حيث اعتقد أنه يستطيع أن يترك شعبه يعبر السيسيبي بسلام. ولكن هذا لم يحدث فأثناء وجودهم في عرض النهر استخدمت المدفعية البحرية لقتل الأطفال والنساء في النهر، وهم يحاولون الفرار.

لم يبق بلاك هوك عند مصب باد أكس، بل توجه شمالاً لمواجهة الجيش، وما أن سمع بأن شعبه يتعرض للإبادة، حتى أقفل عائداً إلى باد أكس، ولكنه وصل متأخراً، لأنه لم يتمكن من الانضمام إلى القتال، فكان ما شاهده مذبحة جماعية حقيقية لشعبة.

من أصل ألف هندي تمردوا وهم على ثقة من مطالبتهم بالعودة إلى الوطن المسلوب، لم يبق سوى مائة وخمسين فقط بعد ثلاث محاولات فاشلة للاستسلام. أي أن ثمانمائة وخمسون من هنود السوك قتلوا في مذبحة باد أكس. فاستسلم بلاك هوك رسمياً، في بريري دو شين. وهكذا سجلت حرب بلاك هوك، زوال الحياة الهندية، مع بداية التطور، في هذا البلد، كما نعرفه اليوم.

تمكن شعب هندي من العودة إلى ديارها بين آلاف القبائل التي شردت وأخرجت عنوة من أراضيها بحجة التوسع من أجل التطور، الذي كلف الهنود مئات الآلاف من الضحايا بالأرواح، ومازال يكلفهم اليوم الغربة والحرمان في وطنهم وديارهم الأصلية.

عرف هذا الشعب بلقب نفاهو الذي سكن منطقة تعرف بوادي كانيون دي تشيلي وفي أراضي تبلغ مساحتها المعترف بها اليوم خمسة وعشرون ألف ميل مربع. تقع بين الشمال الشرقي لأريزونا، وشمال غرب نيوميكسيكو، وجنوب شرق أوتاه.

كانت هذه الأمة تعيش حياة هادئة بمفردها هناك، فجاء فرسان الولايات المتحدة، والحكومة الأمريكية يطالبون بالأرض لأسباب يجهلها الهنود، ولكنهم قاتلوهم. وفي خضم المعارك جاءت وحدات الفرسان ودمرت البساتين والمزارع المنتشرة على امتداد وادي كانيون دي تشيلي.

كما تمكنوا إلى جانب البساتين من تدمير العمود الفقري لبنية شعب نفاهو الاجتماعية وسبل حياته وتقاليده، وذلك ضمن حرب ساخرة أخرى سميت بحرب نفاهو، مع أنها لم تكن إلا مجزرة أخرى إذا أخذنا بالاعتبار أنهم استعملوا فيها البنادق والمدافع لمواجهة السهام والرماح.

جاء أبناء نفاهو بعد مقاومة شجاعة يستسلمون في القلاع والتحصينات العسكرية الصلبة المجاورة، فاقتيدوا من هناك إلى قلعة سمنر، التي تبعد مئات الأميال عبر خط ولاية نيو مكسيكو، ليستقروا في منطقة اسمها بوسكي ريدوندو، فتعرض لصدمة نفسية جماعية، كتلك التي أصابت أسرى الحرب لدى النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية.

فبعد هذه المسيرة الطويلة أجبر شعب نفاهو على العيش في معسكر اعتقال لمدة تزيد عن ستة أعوام. مات خلالها الكثيرين منهم متأثرين بالأمراض والجوع.

بعد كفاحات مريرة تمكن هذا الشعب من العود إلى أراضي التي تأوي اليوم أكثر من مائتي ألف مواطن، أي أنها أكبر أراض أمة هندية في الولايات المتحدة. النفاهو هم السكان الأصليين الوحيدين الذين سمح لهم بالعودة إلى أرض أجدادهم. رغم ذلك فإن عدم الاستقرار والصعوبات الاقتصادية للمجتمع الغربي الحديث المحيط بهم يزيد من إحباطهم ومن تعقيداتهم الحياتية اليومية.

يتضح من ذلك بأن الكيان الأمريكي الحال قام على أنقاض أمة تعرضت للمجازر والإبادة الجماعية وسلبت أراضيها وطردت من ديارها عنوة وما تزال حتى اليوم عرضة للقهر والاستبداد والحرمان رغم أنها صاحبة الحق الأول والأخير بجميع الثروات الطبيعية هناك.

وكأن جبران خليل جبران عاش في أحشاء الشر وعاين ويلاته حين كتب من قلب الولايات المتحدة في "حدائق النبي" يقول: ويل لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا مشت في جنازة، ولا تفخر إلا بالخرائب، ولا تثور إلا وعنقها بين السيف والنطع.

وكأن بدايات هذه الأمة تبشر في مستقبلها، وكأن أسس نشأتها أنبأت بما صارت عليه، وكأن خطواتها الأولى قبل أن يشتد عودها توضح ما هي عليه اليوم من بنيان. ولكن تجربة الهنود الأمريكيين ليست البصمات الأولى الوحيدة التي شيدت صروح هذه الأمة، هناك عناصر مكملة أخرى شكلت حجر أساس رفعت عليها تلك العمادات. هذا ما سنلقي الضوء عليه في الحلقة المقبلة من هذا البرنامج.

 

--------------------نهاية الجزء الثالث.

الجزء الرابع

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster