اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 أضواء على ظلمات أمريكا، أسس شيدت عليها الأمة
 

جورج واشنطن

 

هناك أحداث تاريخية تبلغ من الأهمية مستوى يمكن أن يحدد هوية الأراضي وشعوبها. وهذا ما ينطبق على الولايات المتحدة أيضا، التي شهدت مجموعة أحداث مبكرة واكبت مراحل الغزو الاستيطاني الأولى، فتركت أثرا في بناء هذه الأمة وحددت المزايا والاتجاهات الأساسية لها.

في الثلاثين من حزيران يونيو من عام ألف وستمائة وعشرين، أي بعد أقل من مائة عام على بناء أول مستعمرة إنجليزية في أمريكا، اجتمعت اثنين وعشرين شخصية إنجليزية منتدبة في كنيسة صغيرة، ليسجل ذلك أول تعبير عن بداية العمل السياسي  في أمريكا، حيث اختيروا ممثلين عن المواطنين، ضمن أول حكومة منتخبة في المستعمرات.

أتفق حينها على أن يمنح أصحاب الممتلكات من الرجال وحدهم حق الانتخاب كما كانت العادة حينها في إنجلترا.  ولكن ذلك لم يمنع زرع أول شكل من أشكال التمثيل الشعبي  في تربة خصبة للعالم الجديد، لتنمو لاحقا وتعطي ثمارها وتتراكم إلى جانب مجموعة معطيات وأحداث حددت وجهة هذا التمثيل وطبيعته السياسية.

جاء هذا الحدث بعد أن أوشكت مستعمرة  جيمس تاون  أن تشكل مجتمع حقيقي، لا ينقصه إلا عامل رئيسي واحد، هو المرأة، إذ كانت المجموعات الأولى من المستوطنين في جيمس تاون تتألف من الرجال على وجه الخصوص، وتلك مسألة لم تتغير على مدار العقود الأولى من الاستيطان.

وهكذا قامت شركة فيرجينيا عام ألف وستمائة وتسعة عشر بإرسال سفينة وعلى متنها تسعين امرأة راشدة إلى المستعمرة، جرى اختيارهن تحديدا  من بين الفئات الاجتماعية  الإنجليزية الأشد احتراما، إذ كانت الشركة تسعى من خلال ذلك إلى تحسين سمعتها بجعل المستعمرة تبدو مكان جيد يتمنى أي شخص الذهاب إليه بما في ذلك فتيات المجتمع اللواتي يتمتعن بمواصفات جيدة للزواج، ما ساهم ببناء العائلات الأولى التي شجعت على هجرة عائلات بكاملها إلى هناك.

الحدث الثاني الذي هيأ لإقامة لجنة مندوبي الملاكين من الشعب في المستعمرات الأمريكية، شكل وصمة عار حتى نهاية القرن الماضي على جبين القارة الأمريكية ، التي ما زالت تجرجر ويلاته في ثنايا بنيتها الاجتماعية حتى يومنا هذا. ففي آب أغسطس من عام ألف وستمائة وتسعة عشرة، وصلت سفينة هولندية إلى ميناء جيمس تاون، وهي تحمل شحنة رهيبة، تتألف من عشرين أفريقي كانوا أول العبيد القادمين إلى أمريكا للعمل في حقول فيرجينيا. لتزرع  بذلك جذور هذه التقاليد السامة  التي رافقت أمريكا طوال ثلاثة أرباع حياتها منذ اكتشافها حتى اليوم.

ازدهرت مستعمرتي  بلايموث  وجيمس تاون وتعززت سمعتهما جدا،  ما جلب حملات هجرة جديدة تدفقت إلى ما سمي حينها نيو إنجلند، أي إنجلترا الجديدة. وقد تعددت أسباب المهاجرين إلى هناك، فكان من بينهم من يسعى لجمع الثروة أو الحصول على الأراضي  المجانية حيث كانت أمريكا الشمالية البلد الوحيد في العالم الذي يقدمها للمستوطنين مجانا. أما طليعة هؤلاء المهاجرين الذين بلغوا عشرين  ألف فكانوا من طائفة المتطهرين المسيحية، وهم  أقارب وعائلات الرحالة الذين جاءوا في البعثة الأولى هربا من مطاردة الملكية المعادية لهذه الطائفة.

ساهم المتطهرون كأحفاد فرانكلين إميرسن وهوثورن، في  قيام الثقافة الأمريكية الجديدة، التي تنطلق من الاعتماد على النفس والفردية وحرية المعتقد، إذ كانوا الأكثر اهتماما بالمعتقد والأرض وهما السببان الرئيسيان لهجرتهم من إنجلترا.

لطخ المتطهرون أيديهم بدماء الهنود، كما رفضوا التسامح أيضا مع أبناء جلدتهم رغم أنهم  جاءوا إلى أمريكا أصلا بحثا عن ملاذ آمن يمكنهم من اعتناق معتقداتهم بحرية. ولكنهم ما أن حققوا هذا الهدف في المجيء إلى أمريكا وإقامة مستوطنات خاصة بهم وتمتعوا على السلطة فيها، حتى بدأوا يلاحقون الأشخاص الذين لا يشاطرونهم هذه المعتقدات. أي أنهم أرادوا الحرية لأتباع معتقداتهم فحسب دون غيرهم من الناس، ما يطرح تساؤلا حول وجه التشابه بين ذلك النوع من الحرية التي كان ينادي بها المتطهرون في بداية القرن السابع عشر وما تنادي به أمريكا اليوم من حريات مشروطة على الساحتين الداخلية والخارجية معا.

أخرج الوزير راج وليام من داره عنوة في فصل الشتاء القارس لأنه طالب بفصل الكنيسة عن الدولة ودعا إلى احترام حرية المعتقد. ولكنهم طردوه من هناك، ما أجبره على الرحيل وتأسيس  مجتمع جديد في جزيرة رود، التي تحولت لاحقا إلى واحد من أكثر الأماكن حرية هناك.

مع وصول الأفارقة العبيد إلى فرجينيا  نشأ نوع من الحقد الشديد عليهم  في جميع المستوطنات بما في  ذلك رود، في القرن السابع عشر، وهناك عدة أسباب وراء ذلك، منها أن رائحة فيرجينيا كانت كريهة في الأنوف البريطانية، لأن الخدام البيض من المهاجرين كانوا يخرجون من بريطانيا باتفاق مع أصحاب الوكالات الذين يدفعونهم إلى العمل الشاق طوال سنوات حتى يسددوا مصاريف الرحلة.

  لهذا كانوا يذهبون إلى هناك على أمل الحصول على عمل يطلق سراحهم،   ليواجهون منافسة العبيد المكرهين على العمل الشاق حتى الموت. وهكذا فضل أصحاب المزارع شراء العبيد الأفارقة ليحلوا محل الخدام البيض في الأشغال الشاقة، إذ اعتبروا  أقل مستوى، وحكم عليهم بالعيش في اضطهاد دائم، هم وأبنائهم، وأحفادهم أيضا، حتى يومنا هذا.

شكلت  العوامل السالفة الذكر بعضا من الأسس التي بنيت عليها الأمة الأمريكية، ولكن لا شك  في أن ما يعرف بحرب السنوات السبع كانت عنصر الإدراك الأبرز الذي ساهم في ذلك الوقت بتحديد معالم هذه الأمة وملامحها المستقلة.

 أواسط عام ألف وسبعمائة وخمسون تورط المستعمرون والسكان الأصليين على حد سواء في حرب دامية اشتعلت بين إنجلترا وفرنسا، سميت بحرب السنوات السبع، ساهمت شخصية رجل  تاريخية قوية ولامعة وطموحة في إشعال هذا النزاع، وكان اسمه جورج واشنطن.  الذي اكتسب خبرته داخل صفوف الجيش الإنجليزي وعزز مهاراته بعد ذلك في القتال والقيادة أيضا.

كانت فرنسا حينها تستولي على مساحات شاسعة من الأراضي تمتد مما يعرف اليوم  بكندا إلى لويزيانا،  وقد سيطرت عليها عبر وحدات شديدة التسلح. كان جورج واشنطن البالغ من العمر حينها  واحد وعشرون عاما يعمل في وحدات المليشيا البريطانية  في فيرجينيا، حين بعث برسالة إلى الفرنسيين في قلعة لي بوش، التي تحمي سهول أوهايو، يدعو الفرنسيين فيها إلى الانسحاب من تلك القلعة. رفض القائد الفرنسي ذلك بعنف، فرد عليه جورج  واشنطن في تلك المناسبة بمقولته المعروفة : سمعت أزيز الرصاص وتأكدت أني أجد بعض السحر في صوته.

رقي واشنطن بعد تلك المأثرة إلى رتبة عقيد وشغل منصب دليل متطوع للجنرال البريطاني براديك، الذي رفض نصيحة الشاب الفرجيني المتعلقة بسبل القيام بحرب وسط الغابات، ودفع الثمن غاليا.  مات براديك ومعه أربعمائة رجل، وقتل جوادين امتطاهما واشنطن على التوالي خلال المعركة.

تعلم واشنطن في تلك المعركة درسا  ما كان يتوقعه. وهو أن عبارة الجيش الذي لا يهزم لا تنطبق على الجيش البريطاني.

تمكنت إنجلترا رغم مقتل براديك والخسائر الأخرى من تحقيق النصر في نهاية المطاف، إذ استطاعت إخراج فرنسا مما يعرف اليوم بالولايات المتحدة.

أمل  واشنطن عندما بدأت  الحرب بالاعتراف الإنجليزي بما بذله من جهود. ولكنه في النهاية، شعر بأن انتماؤه إلى فيرجينيا كان أشد وأبرز من انتمائه إلى إنجلترا.

غيرت الحرب الإنجليزية الفرنسية أمريكا إلى الأبد.  ولكن كلفة هذه الحرب كادت تفلس إنجلترا تماما، ما جعلها تفرض على المستوطنين أن يدفعوا جزءا من كلفتها الباهظة، فأصدرت ما عرف بإعلان عام ألف وسبعمائة وخمسة وستين، وسط حالة  ركود اقتصادية في المستوطنات، حيث وضعت الضرائب على الكتب والأوراق والوثائق الرسمية والنرد وكل ما هو مطبوع، وكانت تلك أولى أشكال الضرائب المباشرة التي اجتاحت أمريكا بشدة، واستفزت حالات التمرد في أرجاء المستعمرة. فكانت هذه الشعرة التي قسمت ظهر البعير وأشعلت فتيل التمرد.

انتشر الغضب كالوباء عبر الأراضي الأمريكية، لتقتلع المستوطن من إحساسه العميق بأنه مواطن بريطاني. أدلى باتريك هنري أحد أبناء مزارعي المناطق الحدودية بتصريح في بيت المواطن أدان فيه الضرائب بشدة  وأعتبر أن هذا الإجراء يشكل خيانة عظمى للمستوطنين.

لم يكن هذا  الإجراء أقل وقعا على المواطن الفرجيني جورج واشنطن. الذي قال جملته الشهيرة حينها: أعتبر أن حق البرلمان بوضع يده في جيوبي دون موافقة مني، أشبه بوضع يدي في جيوب جميع الحاضرين هنا لأخذ أموالهم.

تراجعت لندن عن هذا القرار في العام التالي. ولكن السلطات البريطانية كانت تصر على أنها ما زالت تحكم المستعمرات، لأن الأمريكيين مهما بذلوا من جهد لن يحكموا أنفسهم، وقد أخطأت التقدير في ذلك جدا.

أخذ النمو المتزايد للوجود العسكري البريطاني في المستعمرات مع مرور الزمن يزيدها التهابا، ما فرض المزيد من الضرائب، والمزيد من أعمال التمرد والعنف أيضا. عام ألف وسبعمائة وسبعين قام عدد من المواطنين الغاضبين بقذف كتلة من الثلج على عدد من الجنود البريطانيين الذي يقومون بحماية بيت الجمارك في بوسطن، فرد الجنود عليهم بإطلاق النار وأردوهم قتلى. سرعان ما وصلت وحدات الجيش البريطاني للسيطرة على عناصر الشغب.  وسط الارتباك العارم لم يميز  الجنود بين الصراخ وأوامر إطلاق النار، ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص،  من بينهم بحار اسمه كريسبيس أديكس،   ينحدر من أصول أفريقية أمريكية وهندية في آن معا، فكان أول المواطنين السود الذين سقطوا في سبيل استقلال أمريكا عن بريطانيا.

أشعل الحادث الذي عرف بمذبحة بوسطن غضب الجميع.

وكانت هذه فرصة بالنسبة لسام أدامز ورفاقه لتعزيز الإحساس بالغضب العارم تجاه بريطانيا الوطن الأم. كانت تطلعات أدامز واضحة، إذ أنه أراد التخلص من إنجلترا كليا. ما يعني إعلان الثورة والاستقلال.

تحرك خمسة وخمسون من نخبة رجال المستعمرات،  للمطالبة بحقهم كمواطنين أحرار ولدوا في أمريكا، ومن بينهم سام أدامز، وجان أدامز، وباتريك هنري، وجان هانكوك، فاجتمعوا في السابع عشر من أيلول سبتمبر من عام ألف وسبعمائة وأربعة وسبعين في فيلاديلفيا، ضمن أول مؤتمر قاري للكونغرس، حيث اتخذوا الخطوة العملية الأولى نحو قيام الأمة جديدة.

كان العنف في الأجواء، فاتفق الكونغرس القاري على أنه إذا استخدم البريطانيون القوة ضد سكان ماساتشوسيس، ستقف كل أمريكا إلى جانبهم، بالمقاومة.

في الحادي والعشرين من آذار مارس من عام ألف وسبعمائة وخمسة وسبعين، أدلى باتريك هنري بتصريحات ما زالت كلماته ترن في آذان المروجين للتاريخ الأمريكي حتى اليوم. إذ جاء فيها:

هل نرى أن الحياة غالية والسلام حلو الطعم لدرجة أن نقبل بهما  مقابل العبودية والسلاسل؟ وقد حرمتهما السماء. لا أعرف ما هي وجهة نظر الآخرين، أما بالنسبة لي، فلا أرى خيارا ثالثا فإما الحرية أو الموت.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster