اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 أضواء على ظلمات أمريكا، البطش بالإنسان والاستيلاء على الأرض
 

جون سميث

 

اعتمد الأوروبيون في إقامة المستوطنات والاستيلاء على القارة الأمريكية عدة مراحل من التعامل مع السكان الأصليين هناك، انطلقت جميعها من مبدأ ما تفرضه الحاجة للبقاء على قيد الحياة والتأقلم مع الظروف المحيطة والتعرف على الثروات الطبيعية المحيطة  والاستيلاء على الأرض وثرواتها المتنوعة.

هناك عدد من التجارب التاريخية التي تؤكد اتباع  أساليب محددة لوضع اليد على الثروات والأرض والإنسان كمنهج تدريجي ثابت،  يبدأ أولا باستغلال المشاعر الإنسانية الرقيقة للسكان الأصليين من شهامة وحسن ضيافة وكرم، وذلك لتثبيت الأقدام في الأرض، ومن ثم البطش بأصحابها.

 تم الاعتماد على طيبة السكان الأصليين ومساعداتهم للتعرف على سبل الصيد والثروات المحيطة والمعالم الطبيعية للتوسع والانتشار على حساب أراضي الغير (أي السكان الأصليين) الذين أجبروا أخيرا على التراجع نحو تجمعات عرقية في أراض نائية قاحلة فرض عليهم العيش فيها بالقوة. وأخيرا البطش بهم  وإبادة المتمردين منهم عبر سياسة القهر والحرمان التي ما زالت متبعة هناك حتى يومنا هذا وفي مختلف السبل.

سنعالج هنا بعض المآثر التاريخية التي تعتبر فخرا للولايات المتحدة وكندا، وتدرس في المعاهد الجامعات هناك. مع أنه من الأجدر بهم كمدافعين مستميتين عن حقوق الإنسان أن أن يشعروا بالمذلة والمهانة لما ارتكبه أجدادهم لفترات طويلة من مظالم بحق السكان الأصليين في شمال هذه القارة، وما زالوا يمشون هم على خطاهم بإخلاص.

عام ألف وست مائة وسبعة،كانت غابات فيرجينيا موطنا لهنود ألغونكيان،الذين كانوا متوحدين تحت زعامة قائد صلب للسكان الأصليين هو بوهاتان. امتدت أراضيه فوق مناطق شاسعة من فيرجينيا، كانت تسكنها أكثر من ثلاثين قبيلة من الهنود. وكان للزعيم بوهاتان مائة طفل، يفضل منهم ابنة  واحدة اسمها بوكاهونتاس، هي تلك الفتاة التي حرف الغرب قصتها حتى أصبحت تعتبر اليوم رمزا للمحبة والتسامح.

استطلع الإنجليز خليج تشيسابيكي ووقع اختيارهم على جزيرة تقع على بعد خمسين ميلا إلى الأعلى من نهر جيمس، ثم قاموا هناك  ببناء مستوطنة أطلقوا عليه لقب جيمس تاون، تيمنا بملكهم جيمس الأول.

كانت عشائر الغونكيان تعيش بانسجام تام مع الطبيعة، تعتز بنفسها، وتزرع غذاءها وتبغها، وتصطاد ما تحتاجه من الأنهر والغابات المحيطة بأمان، وهي تعتبر العائلة محورا تجول حياتهم  حولها.

أقفل الإنجليز أبواب المستعمرة على أنفسهم خوفا من الإسبان الذين كانوا ينافسونهم على القارة، مع أن هؤلاء كانوا يراهنون على الظروف المناخية القاسية.  مع نهاية الصيف، كان ما يزيد عن خمسين مستوطن إنجليزي  أي نصف المستعمرة،  قد قتلوا متأثرين بالملاريا أو الجوع.

برز من بين المستوطنين  جندي مجرب ودبلوماسي لبق، هو جون سميث سرعان ما  تحول إلى زعيم طبيعي للمستعمرة. بدا سميث وكأنه يعرف أفضل طريقة للتعامل مع الهنود، فنصح بأن يعاملوا بيد من حديد. ولكن  تضاؤل المؤن أجبره على الخروج  إلى الأراضي الهندية بحثا عما يمكن أن يساعد المستوطنة على البقاء. فتعلم أن يتحدث بلغتهم، وأبلغهم كذبا أن الإنجليز لم يأتوا للاستقرار بل جاءوا بشكل مؤقت، هربا من الإسبان، وللتجارة فحسب.

بعد ستة أشهر من وصول الإنجليز، عثر شقيق الزعيم باوهاتان على  سميث هذا في نهر تشكاهوميني. فقبض عليه وأخذه أسيرا إلى حيث عرض على الهنود كغنيمة حية. فنقل بالزورق من قرية إلى أخرى. حتى وصل أخيرا بعد عدة أسابيع  ليقف أمام الزعيم باوهاتان الذي  جلس بمهابة مع زوجاته وأولاده، ومن بينهم ابنته المفضلة بوكاهونتاس. أجبر سميث على وضع رأسه فوق حجرين هائلين، وكان الهنود يحيطون به حاملين الهراوات مستعدين لتحطيم رأسه بها عقابا له على بطشه بالهنود. فرمت بوكاهونتا نفسها بين سميث وهراوات بني قومها طالبة له العفو. وبما أنها ابنة بوهاتان  المفضلة أنقذ تدخلها حياته من الموت.

وهكذا أصبح سميث عضو شرف في العشيرة وسمح له بالعودة إلى ميتعمرة جيمس تاون التي أخذت بوكاهونتاس تزورها باستمرار وتدهش سميث وغيره من المستوطنين بمرحها الطفولي وطيبتها ومساعداتها وعفويتها الانسانية، ورغبتها في معرفة كل شيء  عن المستوطنين، فنسخت طرقهم وتعلمت لغتهم.

في تشرين أول أكتوبر من عام ألف وست مائة وثمانية، شاهدت بوكاهونتاس سفينتين قادمتين من إنجلترا، تحمل معها المؤن وسبعين من المستوطنين الجدد.

وفي الربيع التالي صعقت بوكاهونتا حين علمت أن نصف هؤلاء المستوطنين لم يتمكنوا من مقاومة الشتاء. فأصدرت أوامر بأن يتم إحضار الطعام  كهدايا من عشيرة والدها إلى جيمس تاون. علما أن سكان المستوطنة لم يكتفوا بما كانت تغدقه عليهم القبائل من عطايا مجانية، بل لجأوا إلى سرقة المزروعات ومحاصيل السكان الأصليين هناك.

المهم هنا هو أن بوهاتان لاحظ عند تزايد الهجرة  بأن سميث كان يكذب عليه، وأن الإنجليز كانوا يخططون للبقاء إلى الأبد. ما أصابه بخيبة أمل كبيرة وإحساس بالخيانة، فقرر معاقبة سميث، وجهز للهجوم على المستعمرة بعد أن حذر بوكاهونتاس من إبلاغ المستوطنين. ولكنها أسرعت ليلا لإبلاغ سميث بأن حياته في خطر.

أصيب جان سميث لاحقا بجراح خطيرة بعد انفجار وقع داخل المستعمرة أجبره على الإبحار مباشرة إلى إنجلترا سعيا للعلاج دون أن يكترث بإبلاغ بوكاهونتاس، التي أرسلها والدها إلى الشمال لإبعادها عن مستعمرة جيمس تاون لبعض الوقت.

مع نهاية عام ألف وست مائة وعشرة، بعد أن فقد سكان جيمس تاون زعيمهم، ولم يحصلوا على المساعدة من الهنود، أصابهم اليأس التام.  ولكن، ما أن أوشك المستوطنون في جيمس تاون على فقدان الأمل حتى وصلت السفن من إنجلترا. وكان على متنها جان رولف، وهو شاب في الثامنة والعشرين من عمره من أصول فلاحية جاء من شرق إنجلترا. لاحظ رولف أن التبغ ينمو بريا في فيرجينيا مع أنه من الكماليات في إنجلترا.

 حاول السكان الأصليين منع توسع المستوطنين على حساب أراضيهم . فأعلن الإنجليز عن تحذيرهم الأخير بالقول: توقفوا عن الأعمال المعادية وإلا فسوف نجبر على الدخول في الحرب. وكأنهم هم أصحاب الأرض التي يتوسع بها الهنود وليس العكس. فأرسل بوهاتان رده الحاسم يقول:  إما أن ترحلوا عن بلادي أو أن تقفلوا على أنفسكم أبواب جيمس تاون.

عادت بوكاهونتاس  إلى القرية بعد أن أبعدت لمدة ثلاثة أعوام عن والدها، وقد أصبحت شابة تبلغ الثامنة عشرة وتحول اسمها إلى أسطورة في التسامح والإنسانية وصلت إلى أرجاء إنجلترا. أثارت عودتها خطة لإنهاء الحروب مع الهنود. فقرر المستوطنون الإنجليز خطفها  وإبقائها أسيرة سعيا لإخضاع والدها بوهاتان. وضعت الأميرة على متن سفينة يقودها القبطان الإنجليزي صمويل أرغيل، عندما كانت تلهوا على الشواطئ. ثم حملت أسيرة إلى جيمس تاون.

عام ألف وست مائة وثلاث عشر، أقام الإنجليز  مستعمرات جديدة لهم  في هينريكو وبيرمودا هاندريد ومدينة اليزابيث. وقد أخذت بوكاهونتاس إلى مستوطنة هينريكو عند أعالي النهر،  حيث التقت بجان رالف. أعجبت الأميرة الهندية بمزارع التبغ الإنجليزي الذي كان يبادلها الإعجاب أيضا، فبعث برسالة إلى الحاكم يطلب منه إذنا بالزواج من بوكاهونتاس. موافقة بوهاتان على الزواج  أدهشت الجميع. والحقيقة هي أنه تقدم في السن، وأصبح  متعبا من مقاتلة الإنجليز. ورغم رفضه حضور الزفاف، إلا أنه بعث بشقيقه ليسلم بوكاهونتاس إلى زوجها ، ومعه اثنين من أبنائه ليكونا شاهدين. بعد عام من ذلك رزق العروسان بطفل عمداه باسم توماس. أطلق على تلك الحقبة لقب سلام بوكاهونتاس.

عام ألف وست مائة وستة عشر، وبعد سنتين من زواجهما، أبحر رولف وبوكاهونتاس بصحبة ابنهما توماس إلى إنجلترا معهما  عدد من الهنود، أما هدف الزيارة فكان الدعاية لمستعمرات فيرجينيا  واثبات نجاحها في "نشر الحضارة بين الهنود" وجمع الأموال الطائلة. بعد قضاء سبعة أشهر في إنجلترا، نالت الرطوبة والهواء البارد في لندن من صحة الهنود. فأصيب عدد منهم بالمرض، حتى أن صحة بوكاهونتاس نفسها ساءت جدا بشكل مفاجئ وغامض،  فحان الوقت للعودة إلى الوطن في فيرجينيا.

ولكن في صبيحة  ضبابية من أيام آذار مارس من عام ألف وست مائة وسبعة عشر، صعدت بوكاهونتاس على متن سفينة جورج بصحبة زوجها والطفل، وأبحروا عبر التايم. وبعد بضع ساعات من شعورها بالمرض المفاجئ، رجتهم أن يأخذوها إلى الشاطئ. تم الاتصال بالطبيب. ولكن ما كان لأحد أن يستطيع شيئا. ماتت بوكاهونتا مصابة بالتهاب رئوي وهي لم تبلغ بعد الثانية والعشرين من عمرها..

أعوام السلام الثمانية التي تلت ذلك، مكنت الإنجليز من تعزيز أنفسهم ودفع الهنود إلى المناطق الداخلية من البلاد.  رغم هذا  قام الهنود بمحاولات يائسة  للحؤول دون مزيد من الاستيلاء على الأراضي فهاجموا جيمس تاون وقتلوا ثلث المستوطنين فيها. لكنهم تأخروا كثيرا، فقد أصبح السكان هناك بأعداد كبيرة تسمح لهم حتى بالنهوض من هذه الكارثة. المفارقة الكبيرة هنا هي أن زواج بوكاهونتاس وتسامحها وكرم والدها قوبل بقتل آلاف من الهنود أبناء أمريكا الأصليين، وتدمير السواد الأعظم من حضاراتهم.

المأثرة التاريخية الأخرى التي يفاخر بها الأمريكيون حول أسلوبهم في التعامل مع الهنود هي تلك التي بدأت حين رست سفينة ماي فلاور البريطانية وفيها مجموعة من المستوطنين على الضفاف الشاسعة لنهر هودصن،  سعيا لإقامة مستوطنة جديدة هناك، وكان من بين المستوطنين وليام برادفورد، وهو إنسان مستقيم كان يؤمن بالنقاء الاجتماعي عبر معتقده الديني.

كان برادفورد وسبعة وثمانون من المائة ورجل الذين كانوا على متن السفينة، رحالة ممن أخرجوا عنوة من إنجلترا لاعتناقهم  معتقدات  دينية تختلف عن معتقدات الملك هناك. فجاءوا إلى تلك الشواطئ بحثا عن حرية المعتقد الذي يرغبون به.

أما باقي الركاب فجاءت بهم رغبات أشد بساطة، إذ أرادوا الحصول على الأرض وما تعنيه من كرامة وثراء.

لقي أكثر من نصف الرحالة حتفهم خلال الأشهر الأربعة الأولى من الإقامة هناك متأثرين بشدة الجوع والبرد والمرض، دون أن يعرف الباقون  ما إذا كان الربيع سيدركهم قبل الموت. في وقت لاحق من ذلك الشتاء، جاءهم من خلف البراري منقذان ما كانوا يتوقعونهما. ظهرا بملامح الهنود، لكن ما أدهش الجميع هو أنهما ألقيا التحية عليهم  بالإنجليزية.

كانا شخصان من السكان الأصليين،  هما ساماسيت برفقة صديقه سكوانتو، من قبيلة بوتوكسا، اللذان سبق أن التقيا بالإنجليز من قبل حين  أسر سكوانتو وأخذ إلى أوروبا مستعبدا.. ومع ذلك أشفق لحالة المستعمرين البائسة، فأنقذ حياتهم، بتعليمهم سبل الصيد، وزراعة الذرة والتغلب على الظروف المناخية القاسية. في ذلك الخريف، أحتفل المستعمرون  بأول مهرجان لإتمام عامهم الأول هناك. وقد دعوا زعيم عشيرة محلي وتسعون من رجاله، حملوا معهم خمسة غزلان وكميات أخرى من الهدايا.

ساعد سكوانتو ريدفورد لاحقا في التوصل إلى اتفاقات مع جيرانه الهنود.

كانت الحياة في المستعمرة الجديدة جيدة، يعيش فيها الناس بسلام، حيث وجدوا فيها أرضا ينعمون فيها بالحرية، ويحققون فيها كل أحلامهم وطموحاتهم.

كانت تسكن تلك الأراضي قبائل من السكان المحليين، كما هو حال البيكوا، والناراغانسي.  حين وصل الأوروبيون إلى شواطئ المحيط وثبتوا أقدامهم وتعرفوا على الثروات وسبل استخراجها انتزعوا الأرض من أصحابها السكان الأصليين، وحملوا إلى الهنود  الأمراض التي لم يعرفونها  من قبل وبالتالي الموت والدمار.

اعتبر المستعمرون  أنهم يتمتعون بحق الاستيلاء على الأرض، فجلب تعطشهم إليها إعلان الحرب على الهنود.  سبق للزعيم باهاتان، والد بوكاهونتاس أن دعا لتحقيق السلام مع المستعمرين وذلك بالقول: لماذا تستولون بالقوة على ما يمكنكم الحصول عليه بالمحبة؟ لماذا تدمرونا ونحن نمولكم بالغذاء؟ ماذا ستجني لكم الحرب، ردوا عنا الأسلحة والسيوف، وأسباب الغيرة والحسد، كي لا تقعون ضحايا لها..

ولكن حسن النوايا ومد يد العون لم تجديا نفعا.  تمكنت بعض القبائل مثل الأوريكوي، من تفادي الحروب، بينما أبيد البعض الآخر بكامله عبر حروب محلية قاسية، فكان هذا ما أصاب قبيلة باهاتان في فيرجينيا، وقبيلة بيكوا، في نيو إنجلند وغيرها.

نجا الرحالة وليام برادفورد بحياته على يد الهندي سكوانتو  وكرم الهنود. ولكن عندما بدأ النزاع على الأرض بات مستعدا للقضاء كليا على من مدوا له يد المساعدة. فكتب في مذكراته عن ذلك يقول: ما رأيته كان مشهدا مخيفا عندما احترقت قرى قبائل البيكوا الواحدة تلو الأخرى بين صراخ الأطفال والنساء الغارقة بدمائها. ولكن النصر بدا وكأنه متعطش لإيقاع المزيد من الضحايا بين صفوف الذين وقفوا إلى جانبنا في الأيام عصيبة.

ولكن هذه الأساليب لم تقف عند هذا الحد بل اتجهت إلى ما هو أبعد من ذلك إذ سارت على نحو أدى التعطش للاستيلاء على الأرض فيها إلى إخراج الهنود من أراضيهم عنوة وتجميعهم في مناطق عرقية مغلقة، أقيمت فوق أراض نائية قاحلة لا تحتمل المقارنة بأراضيهم الخصبة والغنية بالثروات الطبيعية التي وضع المستعمرون أيديهم عليها بالقوة وحرموا الهنود من العودة إليها كما سنرى في الحلقة المقبلة.

 

--------------------نهاية الجزء الثاني.

الجزء الثالث

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster