|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
حيوانات غابة المطر
لدينا هنا نور واضح المعالم الآن.
في كوكب يسيطر عليه الجنس البشري فعلا، هناك أماكن ما زالت الطبيعة
تحكمها. انهما عالمين يسعيان إلى بعضهما البعض باحتضان فريد.
هذا المكان هو شمال أستراليا، حيث تتدلى أشجار غابات المطر، نحو المياه
التي تنتشر فيها أنواع المرجان.
إنهما عالمين يختلفان تماما، أحدهما من الماء، والآخر من الهواء
والتراب.
ولكنها متشابهة لدرجة، وكأنها انعكاس لبعضها البعض.
هذه جولة في عالم المرآة.
قبل خمسين مليون عام، وفي مساحة الأراضي الشاسعة التي تعرف بغوندوانا،
بدأت تنتشر ببطء غابة أمطار في رحلة انفصال تسمح للنمو بأن يمارس سحره
على أنواعها. اليوم ، ما زالت القارة الأسترالية تحتضن اكثر الغابات
قدما في التاريخ.
حتى أن غابات الأمازون تعتبر طفلا مقارنة بها.
منذ فترة وجيزة نسبيا، أي قبل نصف مليون عام، ساهمت عضويات ماء
النشادر بجعل المرجان يشكل أساسا لأكبر هيكلية لعالم الأحياء، هي حيد
باريير البحري العظيم.
كثيرا ما يستهين الغرباء بأهمية اكتشاف بلد جديد. عندما أبحر القبطان
جيمس كوك إلى هنا عام ألف وسبع مائة، وسبعين، أطلق على هذا المكان اسم
رأس المحنة. ربما كان ما يعنيه من ذلك واضحا أخذا بعين بالاعتبار
اصطدام سفينته بسلاسل المرجان في حيد البحر .
اليوم، وصل الكثير من الغرباء. سفينة استكشاف المحيط كويست التي تبلغ
مائة وتسعين قدما، انطلقت في رحلة استكشافية ، على أمل ألا تشارك كوك
في رأيه.
يمكن لكويست أن تطلق سبل مواصلات عديدة من على متنها، بدءا من الطائرة
العامودية مرورا بالغواصة وانتهاء باليخت الذي يبلغ طوله ثلاثين قدما،
والذي يعرف بكويست اثنين.
إنها تحمل فريقا من العلماء، والمستكشفين، يقودهم أستراليان هما أندريو
وليز وايت، المغامران على متن سفينة كويست.
هناك طريقين أساسيين لرؤية هذا الحيد البحري. لا شك أن أحدهما يتم من
تحت الماء. وهذه هي الطريقة الأخرى.
يبدو من الفضاء أنها مجرد هيكلية حية يمكن أن تراها على الأرض. ولكنها
ليست حيدا بحريا منفردا. بل هي مؤلفة مما يقارب الثلاثة آلاف سلسلة
منفردة.
يمكن أن تبدأ من الجو فقط برؤية مدى غابات المطر هذه. كانت هذه الغابات
تغطي أنحاء أستراليا يوما ما، ولكن عند تجمد الأرض اقتصرت الغابات على
بضعة جيوب على طول الشواطئ الشرقية الشمالية.
حين واجهت جدار الغابات لأول مرة كنت أتساءل عما يكمن خلفها.
بدا الأمر وكأنه جهاز كمبيوتر يقوم بمعالجة بلايين من المعلومات، دون
أن أرى كيف يقوم بذلك.
أردت أن أحاول رؤية ما يجري هناك.
هذا هو نهر تولي. الذي يمر من وسط الغابة. تكمن الطريقة الوحيدة
لاختراق هذا الجدار باستخدام زورق مطاطي، وقبعة صلبة، والكثير من الماء
الأبيض.
بالنسبة لي أرى صعوبة أكبر في عبور الغابة من الغوص تحت الماء. علما
أن هذا ما افعله للعيش. دخول مملكة جديدة بالكامل، حيث لا تعي حجم
المخاطرة، وتواجه المجهول فعلا، هو المغامرة بحد ذاتها، بل هو مبدأ
المغامرة.
إنها الحقيقة راي، حتى إني أشعر بالغرابة فعلا. قد أبقى على قيد الحياة
ولكني إن لم أكتسب إي مكافأة على مهارتي في التجديف، فأواسي نفسي
بالقول إني كنت بصحبة جيدة.
مالكولم، المصور تحت الماء جاء من أجل المتعة. ويبدو أنه مثلي تماما
يشعر بسعادة أكبر في النهر.
على أي حال يمكن أن نعتبر خرير الماء مكافأة بحد ذاتها. هذا هو الأسلوب
الذي أردت فيه أن ادخل الغابة، يجرفني التيار وأنا محاطة بأشجار تشبه
الأبراج، أستمع إلى أصواتها، لأبدأ في الإحساس بها. هناك بعض من
الجلالة والعظمة في هذه الغابة، وهو أمر ما كان من السهل أن أعرفه.
يأتي الكثيرون من مختلف أنحاء العالم لرؤية سلسلة الحواجز العظمى.
ويتوقع الكثيرين الجلوس على متن يخت لرؤية الحيد من فوقه وهو يتناول
المرطبات. لن يصلح ذلك. فلا يمكن التمتع بتجمعات المرجان من فوق. إذا
ما أردت رؤيتها حية لا بد من الغطس.
اعتاد أندريو على الغطس في الحيد لما يزيد عن خمسة عشر عاما.ولا بد من
أن يجعل ذلك منه خبيرا. ومع ذلك فهو يرى أنه ما يزال مراقبا. فتحت
الماء كما يقول، حتى القرش لا يعرف كل ما يريد معرفته.
من السهل أن يشعر الغطاس بالدهشة لكل ما يحيط به. هناك أشكال متنوعة من
الحياة في كل إنش مربع أكثر مما هو موجود في أي نظام حيوي آخر.
في كثير من الأماكن ما عليك سوى الخروج بحثا عن الحياة الوحشية. أما
هنا فلا داعي للبحث.
إنها في كل مكان، أكثر مما يمكن أن تراه طوال حياتك، رغم أنها مما لا
يمكن أن تراه بسهولة ومع ذلك فهي كل ما يبقي العالم على قيد الحياة.
أما البحث عنها فهو مغامرة جديدة بحد ذاتها.
يشعر المرء تحت هذه الظلال وكأنه في جسد كائن حي، تضغط فيه النباتات
على صدرك، ولا تكاد ترى الحيوانات،إنه نوع من الأماكن التي تحتاج فيها
إلى دليل. جان يونغ معروف جدا هنا بلقب" رجل العصافير"، لأنه اتخذ على
عاتقه مهمة التأمل بالعصافير وتصويرها في هذه الغابة.
أليس هذا مكان رائع فعلا؟ شواطئ جميلة وغابات خضراء،وشجرة تين من الحجم
الكبير هنا. يمكنك التسلق بسهولة فوق أغصانها، التي ترتفع حوالي سبعين
قدما فوق الماء.
هل أمضيت فترة طويلة هنا؟
بل طويلة جدا. لهذا يلقبونني برجل العصافير.إنه مكان جميل لمراقبة
الغابة.
إنها شجرة هائلة، هل سنتسلقها؟
نعم سنفعل.
يأتي مسلحا بحبال كي يرمي بها فوق أحد الغصون. ولولاها لتعرضنا لخطورة
السقوط.
ليس هذا بالعالم الثلاثي الأبعاد الذي اعتدت عليه مع أندريو. تواجدنا
في أعماق الغابة شبيه بتواجدنا في قاع البحر. أما تسلقنا لما يزيد عن
مائة قدم فهو أشبه بوجودنا على سطح المحيط. ولكنني لا أطفو. وإن أردت
الوصول إلى أعلى يجب أن أتبع أصعب السبل بما في ذلك الحذاء الخاص
وغيره. أرجو ألا تسقط من فوقي. على المرء أن يتصرف كالقرود هنا. الرائع
في هذه الشجرة هو إنها طفيلية، شجرة خانقة تنمو طولا وعرضا، ولا بد
أنها خنقت حتى الموت شجرة أخرى كانت إلى جانبها قبل سنوات مضت.
ولكنها مع ذلك أوجدت نظاما معقدا وجميلا لكائنات حية أخرى.
أصبحت الشجرة التي كانت هنا بمثابة أطراف معلقة في الهواء بشكل مدهش.
كلما صعدنا كان جان يركز على الخطورة. هز الأغصان قبل أن تمسك بها
للتأكد من أنها الشجرة التي على قيد الحياة. فإذا ما وضعت وزنك على
غصن ميت فسوف تسقط لا محال. وخرجنا من بين الأغصان.
إنه مشهد جميل فعلا.
جميل أليس كذلك؟ إنها الحياة في أعالي الشجر، أي مكان أفضل من هذا
تعرفين؟
أشعر وكأني ورقة شجر.
كم تبلغ هذه الشجرة من العمر؟ تبدو عجوزا لأنها كبيرة جدا.
لا يمكنني سوى التخمين بهذه الحالة أن عمرها يتراوح بين الخمس مائة
والست مائة عام.
يبدو أن هناك أنواع كثيرة من الشجر.أعني أنها مختلفة جدا. أي أنها ليست
غابة نوع واحد من الشجر، فهناك العديد من النباتات التي تنمو هنا.
حسنا، إنه خط الاستواء، وهذا ما يعنيه خط الاستواء.
هذا يعني أن كل شجرة هي نظام مناخي بحد ذاتها .
هذا صحيح. قد تجدين في الشجرة التي نحن عليها ما هو أكثر بكثير مما
على الأشجار الأخرى في الغابة. فهناك الكثير من الأماكن المنعزلة
والتصدعات التي يمكن للحيوانات أن تعيش فيها. كما يمكن أن ترين، هناك
الكثير من نباتات الأوركيديا على الأغصان، وإلى الخلف عند جانبك الأيمن
يمكن أن ترين أحد الأيائل من الحجم الكبير، هناك تحت أغصان الشجر.
هل ترين السعف الكبير المتدلي من هناك؟ وفي أعلى الخنشار يمكن أن ترين
أشياء كبيرة كالثعابين الهائلة التي تجلس بانتظار إحدى العصافير التي
تتغذى على التين.
كنت أتمنى أن أعرف عنها من قبل…
قبل صعودك إلى هنا؟
ليس لشعوري بالخوف منها، ولكني أفضل ألا ألتقي بإحداها وجها لوجه.
أنا بحاجة إلى دليل مثل ليز، أو ربما إلى مدرس. ولكن أفضل المدرسين هو
من يجعلك ترى أشياءا لم تشاهدها من قبل. ريغ فعل ذلك لتوه.
ريغ ليبسون هو عالم أحياء بحري ومدرس رائع.
الحقيقة أن عالم البحار مكان جميل يستحق الزيارة . أعني، حين أفكر
بصعود الإنسان إلى القمر، لا اشعر بالتشويق جدا، لأن عالم البحار مليء
بالكائنات. وأعتقد أن أكثر ما كان دائما يشدني هو أشكال الحياة
المختلفة التي يمكن أن أراها تحت، خصوصا وأنها مثيرة للتساؤلات ومختلفة
جدا.
إذا ما نظرت إلى مدينة معاصرة من السماء، قد
ترى أنها مشهد هائل متكرر، كسلسلة متكررة. أما على الشارع العام، فترى
التكرار في الأبنية والمنازل والمكاتب والشقق. قام شخص ما ببناء كل من
هذه الوحدات الصغيرة، ليسكنها شخص آخر، وكل منها يعني شئ مختلف وخاص
بالنسبة لشخص ما. في حيد البحر لا يختلف الأمر كثيرا. وما عليك سوى أن
تجعل نفسك صغيرا بما يكفي لرؤية ذلك، لتعرف إلى أين تنظر. لحسن الحظ
لدى أندريو خبير إلى جانبه.
هناك أنواع مختلفة من السكان ومنازل متنوعة هنا. إلا أن المنازل قليلة
والحيوانات والنباتات في صراع مستمر على المساحة مهما صغرت، ولكنك لن
تعثر على الكثير من السعف والخنشار ولا حتى جزء من المساحة الرملية
التي لا يسكنها أحد.عندما تجلس في مساحة ما وتنظر إلى ما هو حولك، فتدع
الحيوانات تسترخي، ترى الأسماك والسراطين تخرج من تحت الرمال. هناك
أشياء من جميع الأنواع. لا يوجد مساحة شاغرة تحت، لا شك في ذلك.
كثيرا ما يضع رغ رأسه تحت الصخر.
قد تخرج من هناك عين زجاجية هائلة، أو ربما اختبأت مجموعة من سمك القرش
المستعدة لنهشه فجأة، وهو يتمتع بمراقبة كائن صغير جدا. وهذا ما يدهشني
لأن رغ تعلم أن يقدر الكائنات الصغيرة في الحيد. ماذا لديك هناك؟
إنه مجرد سرطان صغير كان في صدفة في القاع. من الصعب جدا رؤيته هنا. هل
يمكنك رؤيته؟ ما زال حيا، سنعيده إلى هناك.
وعندما يكبر لا بد أن يبحث عن صدفة أخرى أليس كذلك؟
لا بد أن يحصل على صدفة أخرى، وعليه أن يقيس الصدفة التي سيدخل إليها
جيدا قبل أن يسحب جسده العاري الرقيق من هذه.
يقال أن بعض السرطان أكثر كفاءة في قياس منازله من البعض الآخر.
على هذا القرش يمكن أن ترى السمكة المصاصة التي تتعلق في أعلى رأسه
وتسافر صعودا وهبوطا على ظهره. اختارت هذه السمكة مكانا رائعا لتسكن
فيه، لأنها تحصل على وسيلة نقل مجانية، وليس مجرد بيت ثابت، لأنه
متنقل، فالقرش أشبه بالحافلة التي تمولها بالطعام على الدوام.
وهاذان الزوجان غريبان فعلا، لا يمكنهما العيش بعيدا عن بعض، إنهما
الروبيان وسمك القوبيون. نشأت بينهما شراكة مدهشة. ففي حين يقف
القوبيون للحراسة بشجاعة، يقوم الروبيان، الذي يعاني من ضعف شديد في
الرؤية، بتنظيف وتوسيع الحفرة التي يتقاسمانها بسعادة تامة.
لابد أن تجد الكائنات المحيطة بيتا لها عبر كل تشقق في المرجان، أو تحت
أي صخرة صغيرة أو في صدفة مهجورة.
هذه أشهر غابات المطر في أستراليا، دينتري العظيمة، التي هي ميراث
البشرية جمعاء، المميزة برطوبتها كوطن تسكنه التماسيح.
في حين كان أندريو يطفو في الماء، كانت ليز تسافر عبرها. غابات المطر
هو التعبير الأنسب لهذا المكان، فالمياه في كل مكان، وهي جزء رئيسي من
هذه البيئة. الأشكال والأصوات والروائح المنبعثة من الغابة تترك
انطباعا بأنها أشبه بمصنع ضخم متعدد المستويات، تقوم فيه الحيوانات
والنباتات بأعمال متعددة، على أرض الغابة وفوق غصون أشجارها، وفي قمة
عرشها. بدافع مما يحفزنا جميعا. لا يمكن أن يوجد حياة على الأرض دون
الطاقة الشمسية. تمتص كل أوراق الشجر حرارة الشمس وكأنها خليتها
الطبيعية، فتحولها إلى سكر يغذي النباتات ويسمح لها بالنمو. تعرف هذه
العملية بالفوتوسينتيسيس. وهي أساس مبدئي لهذه البيئة. غياب الضوء يعني
غياب النباتات، وغياب النباتات يعني غياب الحيوانات.
جنون الغذاء يستمر هنا طوال النهار. أوراق الشجر تلتهم أشعة الشمس. وهي
تتمتع بكفاءة عالية على استمدادها، وتسمح لعشرة بالمائة من أشعة الشمس،
بالوصول إلى أرض الغابة.
إنها بيئة صعبة ليس للنباتات وحدها بل وللحيوانات أيضا. فهي تشهد سباقا
جنونيا من أجل البقاء. وكلما تمتع أي نوع من الحيوانات بكفاءة جديدة
تزداد فرصها في البقاء على قيد الحياة. يعتبر التمويه واحدا من
الإستراتيجيات الطبيعية المتبعة لمساعدة الحيوان على الصيد والحؤول دون
تحوله إلى فريسة سهلة المنال.
ولكن الحشرات هم سادة التمويه وعباقرته. فقد تمشي طوال اليوم في الغابة
دون أن ترى آلاف الحشرات تتابع حياتها من حولك. ولكن لنمشي بصحبة عالم
حشرات مثل بول زبوروسكي كي تنفتح أمامنا أبواب عالم وحشي جديد من
الصيادين آكلي اللحوم.
ينبع اهتمامي الخاص بالحشرات من اهتمامي الأساسي بالأشياء التي لا يمكن
رؤيتها والتي تحاول ألا تكون مرئية. اما سبب تحولها حشرات فلأن هذا ما
تمارسه الحشرات أكثر من أي عضويات أخرى. هناك استراتيجيات للاختباء
والتخفي عبر الاستفادة مما تقدمه البيئة المحيطة، حتى تصبح الحشرة
شبيهة بما حولها من ورق الشجر مثلا.
ذلك النوع من الخيبة التي تسود عالم الحشرات هو ما دفعني للاهتمام
بالحشرات، وهو ما سيشجعني دائما كما أعتقد.
تعتبرالقوائم الأمامية التي يمكن أن تراها محورية. وهي تمسك الأشياء
بهذه القوائم، ومن ثم تمضغها.
وهي تتمتع بعينين كبيرتين، لأنها تعتمد في صيدها على النظر. إنها حشرة
متيقظة جدا. وقد لاحظت وجودك الآن.
آه، لقد استدارت ونظرت إلي. أنا هنا.
تتمتع بنظرات متيقظة جدا.
ألا تبدو أشبه بكائن من الفضاء الخارجي؟
آه، إنه نمل الشجر الأخضر. سبق أن لسعتني إحداها من قبل.
يحتوي بيت النمل هذا على ما يزيد عن المائتي نملة وملكتها. وهي منظمة
بما يكفي لحراسة نصف هذه الشجرة على الأقل. وهناك طبقات أخرى في هذه
المنطقة، التي تتولى الملكة نفسها المسؤولية عنها. أما الطريقة التي
يتم فيها بناء العش فمشوقة جدا، إذ أنها تستخدم اليرقة كأداة لها.
تمسك باليرقة بين فكيها ثم تحركه ذهابا وإيابا وتنسج الحرير بين
اليرقات. لهذا يطلقون على هذه النملة اسم آخر هو نملة الحائك.
آه. أنظر إلى هذه، إنها تحمل نوعا من الحشرات.
فعلا. انها آكلة لحوم بالكامل. فهي لا تأكل شيئا من الشجرة بحد ذاتها.
إنها تعتمد على الصيد بشكل رئيسي وعادة ما تحمل فريستها وتعود بها إلى
العش.
تنتشر الكائنات المفترسة بجميع الأنواع والأحجام. في حين كانت ليز
تتفادى اللقاء المباشر مع النمل كان أندريو يسعى خلف نوع آخر من
الصيادين.
جميعنا معجب بالكائنات المفترسة. ربما كان السبب في ذلك إحساسنا بما
كنا عليه يوما ما من فرائس. والإعجاب بالمفترس كان عاملا هاما للبقاء
على قيد الحياة.
تعيش الأسماك الكبيرة هنا تحت على الأسماك الصغيرة، وهكذا دواليك، ضمن
سلسلة متتابعة تصل إلى أصغر الكائنات المجهرية المعلقة بالماء.
حتى المرجان يتخذ موقعا له في هذه الشبكة الغذائية. والسمك الببغائي
بفكه القريب من منقار الطير يعتاش على المرجان كجزء من حميته.
في البحر كما في الغابة تدافع الحيوانات عن نفسها من خلال التمويه.
وذلك بالحؤول دون أن تكون غداء للآخرين. حتى سمك القرش يموه نفسه كي
يتمكن من اصطياد طرائده بسهولة أكبر.
بطنه الشاحب يهدف للتمويه لونه بلون السماء بينما يساعد لون سطحه
الداكن على التمويه بلون الأعماق تحته. تستخدم الطائرات الهجومية
مبادئ التسلل هذه.
تتمتع بعض الحيوانات ببراعة في الأداء، لدى الأخطبوط قدرة على تغيير
لونه وشكله.
ويستطيع الحبار تغيير لونه وشكله ليحول دون أن يؤكل.
بعض الأنواع كسمكة الفراشات ترسم عيونا مزيفة في ذيلها لتوهم الأعداء
بأنهم يهاجمون من الجهة الخاطئة.
ويسعى الآخرين للحول دون رؤيتهم بأن يتخذوا أشكال البيئة المحيطة بهم،
كما يستعمل البعض لونه لتحذير الآخرين بأنه يحمل خلايا سامة لمن يهدده.
حتى أن بعضها تتخطى حدود الوصف. قثاء البحر يطلق العنان لأطرافه السامة
اللاصقة، كي تلسع أي دخيل.
هناك هدف نهائي لكل هذه الخدع، وهو التحذير والتخفي، وتضليل الأعداء.
كما ولدعوة الزوج أيضا.
مع حلول الليل يبدأ البحر والغابة بالهدوء على حد سواء. كانت هذه
مناسبة لنا كي نستريح ونلتقي مع بعضنا البعض.
مع أن الظلام بالنسبة لبعض الحيوانات أفضل سبيل للتمويه والتخفي.
علما أن أكثر الأيام إشراقا تعتبر معتمة بالنسبة لغابات المطر.
أما الليل فيسوده ظلام داكن. ومع ذلك فهو الوقت الأنسب لمحاولة إلقاء
نظرة على مبارزي ساعات الليل.
أدهشني جدا عدد الثديات الليلية التي اتخذت من أشجار الغابة مسكنا لها،
ومنها ذوات الجراب على وجه الخصوص. وهي الحيوانات التي تنشئ صغارها في
جيوبها.
يقول الدليل لي مور، أننا نستطيع رؤيتها وتحديد أنواعها من خلال بريق
عيونها.
وكان أول ما شاهدنا الأبسوم، وهو واحد من سبعة أنواع أخرى تتخذ غابات
المطر موطنا لها. وهي تختبئ في تجويفات الشجر نهارا بينما تتخذ سكون
الليل غطاء لتتغذى على اليرقات والفاكهة والحشرات.
يا الهي جميل جدا، المشهد العلوي أشبه بالسقف.
هذه نحاسية الذيل، هل ترين ذيلها؟
نعم أراه.
أترين أن عينها تميل إلى الخضرة أكثر من البرتقالية.
فعلا إنها خضراء بلا شك.
حسنا، كما سبق وأخبرتك الصلة الوحيدة بين المتسلق والذيل العادي، هو
ذلك الغشاء الذي بين قوائمها الأمامية والخلفية. إنه غشاء لا وظيفي.
الأبسوم يتأقلم تماما مع الحياة الليلية. فهو يتسلق بسهولة فوق أعالي
الشجر، كنحاسية الذيل هذه، التي تشبه القرد بأيديها وذيلها.
وهناك نماذج عن الميل الطبيعي المضاعف.
صاحب هذا الذيل الحلقي الأخضر، يتمتع بالقدرة على التمويه أثناء
النهار، ولكنه يستخدم الليل أيضا.
وجدنا أبسوما لم يتوقع ليس أن يعثر عليه، إنه حلقي الذيل هيربيرت ريفر
النادر جدا، يشبه الجرابيات كثيرا فبطنه ناصع البياض فعلا .
وكانت هناك مفاجأة أخرى: إنه كينغارو الأشجار.
لم أتوقع أن ارى أحدها بهذه السرعة.
لديها إسما مشتركا هو الوقع المفاجئ.
بلى ويطلق عليها هذا اللقب لأنها تقفز فجأة عن الشجرة إذا ما شعرت
بالخوف.
كان هذا الكنغارو يوما يسير على الأرض قبل أن يعتاد على تسلق الأشجار
قبل أن يطور أذرعه، كالملاكمين، كي تحمله إلى الأشجار. ولكنه ما زال
مترددا، يعاود القفز إلى الأرض حين يواجه المشاكل.
طالما أحببت الغوص ليلا لأنك لا تعرف أبدا ما الذي ستعثر عليه.
فالإحساس الذي ينتابك ليلا هو أنك لا ترى إلا ما تسلط عليه الضوء.
هذا ما يجعل منها أكثر أعمال الغطس إثارة لأنك تسلط الضوء على مساحة
صغيرة من تحت الماء. وقد شهدت تجربة مشوقة في ليلة قضيتها مع بعض
الطلاب قبل أعوام مضت. كنا نسبح تحت اليخت، وكنا نسلط الضوء على سرطان
صغير حين شعرت بشد فوق رأسي. فظننت أنه أحد الطلاب، ولكن الأمر تكرر
ثانية، لهذا نظرت إلى أعلى وإذ بي أواجه عينان بنيتان، وجها لوجه، فكاد
قلبي يتوقف عن الخفقان.
وحين أمعنت النظر وجدت أنه أسد البحر وقد كان يتتبعنا طوال الليل، وكان
قد بدأ يتحسسنا. هناك لحظات مخيفة فعلا.
يتعرض الحيد لمتغيرات كبيرة عند المغيب. فالأسماك الملونة البراقة التي
نراها في النهار، تمشي عند أسفل سلسلة المرجان بلونها الذي يصبح باهتا.
مخلوقات عجيبة كهذا الروبيان، ونجمة الريش، تخرج بحثا عن غذائها تحت
ستار الظلام. تسعى هذه السلة بحثا عن المعلقات من كائنات صغيرة في
الماء.
هناك بعض من الأسماك التي تتغذى على الأعشاب، وأخرى شبيهة بقرش
غالاباغوس التي تصطاد بمهارة مميتة.
الأصداف المخروطية دائما في مهمة قاتلة. شوكها الملئ بالسموم يمكن أن
يقتل بشرا، وهي حماية قاتلة تستهدف الحيوانات المفترسة.
خلال النهار، تصفى المياه التي تمتص أشعة الشمس كل الألوان إلا الطيف
الأزرق.
أما في الليل فعند تعرضها لإنارة شديدة ، تنطلق أنوار أشبه بالتكني
كولور، وكأنها ألعاب نارية كالتي في لاس فيغاس ليلة يوم السبت، حيث
تمتلئ السماء بالإنارة.
عند الخروج للاستطلاع الليلي تتحول أشعة المصباح إلى نقطة التركيز
الوحيدة. فتنسى كل ما يحيط بك من أشياء أخرى.
هذا ما نتخيله، فالمشكلة عادة ما تكون في الظلام. حيث يغذي الخوف
مخيلتنا.
أشياء تتسلل خلسة أو تتسلق تحت ستار الليل وما يصدر عنها من أصوات.
هذا ما نخافه منذ المهد.
ولكن الثعالب الطائرة، وغيرها من عناصر المخيلة الخصبة، لا تتمكن من
إثبات أن الخفاش الليلي أسوأ من مصاصي الدماء الذين نتخيلها. بل
بالعكس تماما.
الخفاش أو الثعالب الطائرة قادرة على الرؤية، وهي تتمتع بحاسة شم
قوية، أما رؤيتها فهي جيدة جدا في الليل.
وأعني أنها تتمتع برؤية جيده. كما أنها حيوانات ذكية. تعتمد كثيرا على
النظر والذاكره، وبعضا من حاسة الشم.
إسمع أنت، أعتذر جدا ولكن لا يمكنك التحكم بالأماكن.
لا يمكن فالكاميرات… إذهب بعيدا فهذه الكاميرا لي، إنها ملك لي.
لا بد أنها مهرجات غابات المطر، لا داعي لأن تنظرين نحو الأسفل،
اتفقنا؟
طالما أنها نباتية فهل تنثر البذور؟ و تقوم بهذا النوع من الأعمال؟
حسنا قد تكون أكثر أهمية لدورها في التلقيح، ولكن يجب أن أقول أنها
تنثر بذور الفاكهة أكثر من الحبوب الأخرى، لأنها تمسك بحبة فاكهة
كاملة،يمكنها أن تحمل فاكهة بحجم المانغا بكل سهولة، تلتقطها وترمي
بها على بعد مئات الأمتار. فيكون ذلك رائعا من وجهة نظر الشجرة. أعني
أن هناك تقدم كبير بمجرد أن ترميها على الأرض، ببساطة. إلا أن دورها
الأهم يكمن في التلقيح، فبما أنها ترتبك جدا ترتمي على باقة من الزهور
وتغطي نفسها بحرص شديد بأوراقها ثم تتغذى من بعض العصارات وحتى أوراق
الورود وغبار اللقاح الذي يعتبر مصدر هام للنتروجين.
ثم تنطلق بعدها لمسافة تتراوح بين المائة والعشرة كيلومترات، حيث تتسلق
شجرة أخرى وتعاود الكرة من جديد فيتزاوج اللقاح .
أعتقد أنه يحاول تلقيح الميكروفون هناك، ولكن بلا جدوى. لا شك أنها
بهلوانات غابات المطر. يجب أن تراقبي حشد من الخفاش وتتأملينه . سترين
أن ما يحدث هنا، شيء لا يصدق فعلا.
هي شخصيات لا تصدق.
فعلا، هذا صحيح. إنها حيوانات فريدة جدا.
لا يوجد في المحيط خفاش أو طيور يعتمد عليها. فالمياه الاستوائية
شبيهة جدا بالصحارى، والمياه بحد ذاتها لا تدعم الكثير من الكائنات،
لهذا تعرف المياه الاستوائية بصفائها. أما الحيد البحري فهو يعتمد على
نفسه إلى حد كبير، ولكنه يتغذى أيضا على المكروبات المجهرية التي
تحملها تيارات المحيط. إنها رحويات البحر.
دون الشمس لا يمكن للحياة أن تستمر في حيد البحر إطلاقا. فهو شبيه
بغابات المطر، من حيث كثرة النباتات فيه، إنها النباتات التي تعيش في
أجساد المرجان. تحتاج هذه النباتات إلى النور كي تنتج الغذاء، فيتمكن
المرجان من النمو. هناك نباتات أخرى مشابهة تتماسك أحجارها الكلسية مع
الطحالب الزهرية لتلحم معا بالأوراق المتكسرة. فلولا قدرة هذه النباتات
على الانحناء لتحول حيد البحر إلى حوض من الصخور.
ولكن حتى المرجان الميت يمنح الحياة. هجمات المحيط الضارية تحسن الحياة
في الحيد. مع قيام مجموعات جديدة من المرجان ببناء جوانب الحيد
المتضررة، تتولى الأمواج والتيارات المراكمة فوق المرجان الميت لبناء
جزر صغيرة لطيور البحر.
الغابة أشبه بحيد البحر حتى في سكرات الموت. فلو أن الأوراق المتساقطة
لا تجد من يعيد استهلاكها من حشرات وفطريات وبكتيريا لما تحولت إلى
مواد غذائية، لتختنق الغابة بكل سهولة. وهنا أيضا، تنبعث الحياة من
الموت.
غابة المطر ليست مجرد مجموعة من الأشجار التي لا تخفق صدورها، هناك ما
هو أكثر من ذلك.
كان بدء المغامرة، ودخول الغابة مسألة غاية في السهولة. أما مغادرتها
فكانت صعبة جدا. بقي الكثير فيها مما لا بد من استكشافه.
لنتعرف على الأماكن التي تسكنها بعض الحيوانات، وما تعنيه الأصوات التي
تصدرها الطيور، والتي بدأت أترجمها لنفسي. عند بحيرة إتشين، عثرت على
بحيرة بركانية محاطة بالغابة، فاعتبرت أنها المكان المناسب للوداع.
شعرت حينها برغبة في العوم، ولكني أثناء السباحة تنبهت إلى أن البحيرة
ترمز إلى المكان الذي يلتقي فيه عالمي المياه والغابات، ليس بملامسة
بعضها البعض بل بإثراء بعضها البعض أيضا.
يكمن الاكتشاف بالنسبة لي في أن حيد البحر ليس مسألة منفردة بحد ذاتها،
بل بالعكس، إنه نظام معقد جدا، يعتمد على جهود البلايين من صغار
المرجان والحيوانات والنباتات.
بعد هذه الجولة، بدأت ارى حيد البحر بمزيد من الاحترام والتفهم.
غابات المطر وحيد البحر هما عنصرين مختلفين، ولكنهما يواجهان كفاحا
مشتركا في سبيل التوالد والبقاء على قيد الحياة. إنه الواقع الصعب
الذي يميز عالمين من القسوة. الخوف ذاته من الحيوانات المفترسة.
النوع نفسه من الضغوط التي تمارس على البيئة والسكان.
حيد البحر وغابات المطر، مرآة تعكس بعضها بعضا،من حيث الجهود والازدهار
في ظل الطبيعة. المهم هو أن جولة كالتي قمنا بها تعلمنا أن الحياة على
هذا الكوكب متصلة ببعضها البعض بطريقة حيوية ما. لم يجد البشر مكانا
لهم بعد ضمن هذا النموذج. بل ما زلنا ننظر إلى الداخل من إطار خارجي.
إنها وثبة صغيرة. ولكن هناك خطوات في الختام. المشكلة الأصعب هي أن
نتعلم كيف ندخل ونخرج من السلال.
أه، يتمتع البعض بحظ وافر أندريو.
إنه شيء من إشراقة هذا الصباح.
إنه نوع من إشراقة هذا الصباح. سأبدأ الآن بتولي التحكم.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م