اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 بحر الغليان
 

سمك التونا

 

كثيرا ما يخفي المحيط أسراره تحت ستار من زرقة المياه التي لا حدود لها.

ولكن في لحظات غريبة، ينفجر الحدث البحري بعنف فيحول مياه المحيط الهادئة والصافية إلى بحر من الغليان.

مجموعات التون ظاهرة بحرية نادرا ما يراها البحارة وعادة ما تبلغ عنها سفن الصيد الكبيرة التي تأخذهم إلى أماكن كهذه، في ليلة ربيع هادئ.

بعد لحظات من وصولهم تتحول المياه إلى بحر من الفوضى، بعد أن تخترق الهدوء كميات هائلة من السمك الكبير الساعي وراء غذائه.

إنها مجموعات التون.

كارين، شمال شرقي استراليا، الضالة المقدسة التي يبحث عنها الصيادون. العلماء والمستكشفين على متن سفينة كويست بحثا عن مجموعات التون الهائلة . يريدون أن يفهموا تماما ما هي، كما والغطس لأول مرة بين حشد من سمك التون.

أهلا بكم على متن كويست.  السبب الذي يجمعنا اليوم هو الحدث البحري الذي لا يعرف الكثير عنه، والذي لم يسبق أن صور بعد حسب معلوماتنا.

لهذا ما نسعى إلى تحقيقه فعلا، هو الغوص في الماء مع مجموعات السمك الهائلة، ويبدو بالنسبة لي أن الأمر سيحتاج إلى بعض الخدع، لأننا سنجد من حولنا سمك القرش، ومن أنواع مختلفة، كما  والمرلين الضخم، فعادة ما يكون سمك التون إما في حالة من وضع البيض، وإما في سعي جنوني وراء الغذاء، وذلك في مياه عميقة جدا، ما يعني أن أمامنا مشكلة لوجستية جادة لنتغلب عليها.

يأتي الناس إلى هنا على مدار العشرة أعوام الماضية لرمي علامات من البلاستيك إلى الأسماك تساعدهم في التعرف على وجهتها، إلى ما هنالك…والحقيقة أنهم لم يتعاملوا مع التون كظاهرة، وها هو السبب في عملنا هنا. معنا مصورين للمحيط واختصاصيون في القرش وسمك التون، جاءوا جميعا لمعرفة كيف تتعامل كل هذه الحيوانات مع بعضها البعض، وأعتقد، أن هذا هو الهدف الرئيسي من عملنا بأن نعرف ما الذي يجعل هذه المجموعات تحتشد معا.

أي أننا سنمضي معا أوقاتا مشوقة، بالنسبة لكم، وبالنسبة لنا أيضا، لأننا عمليا سوف نخوض في المجهول، وكل ما نتمكن من معرفته سيكون اكتشافا جديدا.

تسافر مدارس التون عبر آلاف الأميال حول العالم سنويا، وهي لا تعرف الحدود الدولية. يمكن لمدرسة التون ذاتها أن تتعرض للصيد في مياه عدد من البلدان، وأن يتم استنزافها  بالكامل. لأنها تسافر عبر مسافات بعيدة وبسرعة هائلة، لا نعرف الكثير عنها.

حسنا، نحن في منطقة لمجموعة أسماك شوهدت منذ بضعة أيام،

لا نقوم اليوم في البحث عن سمكة التون بحد ذاتها، بل مجموعة الحيوانات التي على صلة بها، وهي بالتحديد طائر النو، الصغير جدا بلونيه الأبيض والأسود،  والذي يحلق فوق سطح الماء. وهو قلما يحلق على علو يزيد عن العشرة أقدام فوق سطح الماء، وأعتقد أن الشيء الآخر هو القرش الحوتي.

هناك احتمال كبير بأن نشاهد القرش الحوتي أثناء رحلتنا،  ولكنهما ظاهرتين واضحتين عادة ما ترافق  التون فوق سطح المياه . أما السمك فيكون على عمق يتراوح بين أربعين وخمسين مترا.

لهذا علينا ان نبدأ بعملية البحث، وهي عملية مملة، تتضمن الجلوس على ظهر المركب وربما في أعلى المركب هناك، يحمل إثنان أو ثلاثة منا المناظير، ونمضي ساعات وساعات في البحث عن ضالتنا.

حين يكتمل القمر في ربيع كل عام، تحتشد مئات الآلاف من  أسماك التون. يبدو أنها تجتمع دائما في مثل هذا الوقت، ولكن العلماء لا يعرفون بالتحديد كيف يتنبأون بمكان إحياء هذه المناسبة الاحتفالية.

يعتد بحر المرجان بمساحة تقارب الثلاث مائة وتسعين ميلا مربعا، أي ما يعادل ضعف مساحة ألمانيا، بمعدل عمق يزيد عن خمسة آلاف قدم. قد نصيبها هناك أو نخطئها. يعتقد عالم الأسماك البيئية جان غون، أن ما يثير حشود التون  هي بيوض أسماك صغيرة تعيش في مياه عميقة تعرف بسمكة المشكاة. وهي تنثر المياه ببيضها الذي يجذب التون بين غيرها من الكائنات البحرية.

وكأننا نبحث عن إبرة في كومة من القش. لسنا في هذه اللحظة عند التجمع، بل بالكاد نرى بعضا من علاماته.

ربما نستمر في تفتيش المحيط لعدة أسابيع.

حتى لو تمكنت كويست من العثور على الحشود، يعتقد أنها تستمر فقط لخمسة أيام. لا بد من عين ساهرة تستمر بالمراقبة الشديدة والبحث عن تجمعات طيور النو، وهي عصافير صغيرة جدا. لأن قائد البعثة هو أندريو وايت  أدى البحث إلى استقبال ضيوف غير مرغوب بهم.

الخبرالأول لم يأتينا من طير، بل من القرش. كنا على بعد مائة وعشرون ميلا، من اليابسة، في مياه عميقة وصافية. دون أي جزر أو صخور توحي بالصيد السهل. هذا هو موطن القرش الأبيض في المحيط.  هذا السمك يرى طعاما في كل ما يتحرك في هذه المياه.

خلال الحرب العالمية الثانية حين كانت السفن والطائرات تغوص عميقا في قاع البحر، كانت هذه أسماك القرش التي تسمع عنها. فهي تعتبر خطيرة ومن السهل رؤيتها عبر المسافات. لا بأس بوجود واحد منها أما إذا احتشد بعضها فمن الأفضل أن تنبت لك عيون في مؤخرة رأسك. فهي تهاجم كمجموعة من الذئاب، تنتظر لحظة تغض فيها النظر لتنقض معا.

لا شك أنها أسماك جميلة ولكن وجودها ينذر بالموت. أما الغطاسون فلم يتمكنوا من مقاومة الإعجاب بهذه السمكة . التي تسافر دائما برفقة أسماك صغيرة تجول باستمرار بحثا عن أسماك هربت من بين أسنان سيدها. عادة ما يكون القرش من بين المخاطر التي تواجه الغطاسين بيين حشود السمك.أضف بضع دزينات من هذه القتلة التي تنتشر بين مئات الآلاف من أسماك التون التي يبلغ طول كل منها ثلاثة أقدام، ليتحول المشهد إلى ما يشبه بيت المجانين الذي تعمه فوضى عارمة.

فبين لحظة وأخرى قد تظهر أسنان القرش البراقة القاتلة من بين حشود التون اللامعة…

هل هذا ما نبحث عنه؟

فعلا، هذا هو ما نبحث عنه تماما.

بدأ اكتمال القمر يقترب وحان موعد خروج حشود التون إلى حيث لا أحد يعرف بعد. إما الآن أو بلا. انطلقت الطائرة العامودية وكل الزوارق على متن المركب للمساهمة في أعمال البحث.

كويست كويست جيمس هل تسمعني؟

نعم أسمعك جيمس.

لدينا شيء ما هنا. إنه قرش حوتي، ونحن على نقطة واحد اثنان سبعه واحد إثنان فاصلة ثلاثة،  واحد أربعه سبعه أربعه ثلاثة فاصلة ثمانية.

وما هو حجمه؟

يتراوح بين ثلاثين وأربعين قدم، ويبدو أنه يتوجه شرقا.

قال جان غون أن طير النو هودليل واحد على مكان الحشد. وهذه علامة أخرى، قرش حوتي يبلغ طوله أربعين قدما . إنه ليس حوتا، بل قرشا بحجم الحوت، بثلاثة آلاف سن.

إذا ما وقفت في وجه قرش حوتي ، لن يتوقف ولن ينحرف. لا حاجة لها بذلك، فهي أكبر منك، ولكن على خلاف بقية أقاربه من ذوي الأسنان الحادة، يعتبر ذيل هذا القرش الجزء الوحيد الخطير لديه. ضربة من هذا الذيل الذي يبلغ ثمانية أقدام، تكفي للقضاء نهائيا على الغطاس، أو لأن تحطم بعضا من عظامه.

من الصعب أن نرى في هذه الوحوش الهائلة مجرد أسماك، ولكن هذا هو حالها، فهي أكبر سمكة  في المحيط. وهي ليست حيوانات شريرة، بل تقضي الوقت بتناول كميات هائلة من الكائنات الصغيرة المعلقة في الماء. وجودها هناك علامة جيده، إذ يعتقد أنها أيضا تسعى وراء بيض سمكة المشكاة. يحتمل ألا يكون سمك التون بعيدا من هنا. خمس سمكات قرش شوهدت في فترة الظهيرة من الطائرة العامودية، وجميعها يتغذى فوق سطح الماء. وكانت إحداها تسبح بسرور حول المركب، وكأنها تدعوه لأن يتبعها.

حتى أن جيمس، قائد الطائرة تخلى عن موقعه، ففرصة السباحة مع أكبر وألطف سمكة في المحيط هي فرصة لا يمكن أن تعوض. وحين يتمكن المرء من القول بأنه غاص عميقا مع قرش حوتي يضعه في مصاف مستويات جديدة يشعر الغطاسين فيها بالقلق.

إنه كائن بالغ الجمال. ورغم أن حجمه هائل جدا فهو يأتي إليك فتشعر بأن قطارا يمر من تحت الماء.

لا بد أن شيئا هاما سيحدث هنا. أسماك القرش الحوتي في كل مكان، أسماك التون بدأت ترحل عن القرش الحوتي.

أظن أن الحدث سيكون هائلا.

أرى كثيرا من الحركة  تحتنا تماما.

كويست كويست كويست هل تسمعني؟

من جيمس إلى كويست أتسمعني؟

 نعم، روجير، شاهدنا رف من الطيور. عند نقطة واحد سبعة وأربعين خمسة خمسة فاصلة تسعة،إلى سبعة عشر خمسة عشر فاصلة تسعة.

هل هي هذه؟

اسمع جان، لدينا ما بين ثلاثين وأربعين عصفورا على هذا الجانب من كويست، وهي تتسم بالمواصفات الصحيحة، لهذا سوف نتوجه الآن إلى هناك.

حسنا  سوف إنزل حالا.

أثناء النهار، تسبح الأسماك بعمق يقارب مائة وخمسون مترا. الطريقة الوحيدة للتأكد مما إذا كان هذا هو الحشد المطلوب تكمن  بجعل الأسماك تصعد إلى سطح الماء.

لدينا كميات من التون هنا. يمكن أن تراها تصعد من الأعماق. إنها على عمق مائة وسبعون مترا، وهي قادمة نحو سطح الماء، يمكن أن نمسك ببعضها من هنا.

ليز وايت وعضو آخر من قادة كويست، بدآ برمي الطعوم.

هذا هو نوع التون الذي نبحث عنه، بزعانفها الصفراء. إنه النوع الذي ساد الاعتقاد بأنه جزء من الحشود. هناك نظرية تقول أنه إذا ما كان التون يحتشد، وفي مرحلة من الاهتياج الغذائي تحت الماء، قد يتمكن رمي الطعوم لها من جذبها إلى سطح الماء. لا أعرف ماذا توقعت، ولكني لم أتوقع هذا.

كانت أشبه بكتل فضية براقة  يبلغ طولها ثلاثة أقدام، تسعى جاهدة من الأعماق إلى سطح الماء.

وكانت كتلا حية تأكل كل شيء، وتنهش أي شيء.

كانت سريعة جدا فما كانت عيونك قادرة على حصر تحركاتها.

حيال هذه الكميات من الأطعمة صعد القرش أيضا بسرعة البصر. كانت أنواع من القرش الرمادي والأبيض أيضا.

صعد التون ذات الزعانف الصفراء إلى السطح من عمق ثمانين مترا، وهي تجول من حولنا لأننا نطعمها. لا نريد سوى بضعة أمتار مربعة من هذه الأشياء، ولكن من يدري، ربما  نكون الآن على  أطراف جحافلها.

عادة ما تجول في مياه عميقة جدا، على عمق مائتي قدم، وهي قلما تصعد إلى السطح بهذه السهولة.

سنحاول الإبقاء عليها هنا كي ننزل بعض الغطاسين إلى الماء كي نرى ما سيحدث حينها.

لا بد أنهم سيشعرون بالخوف.

لا نعرف بعد ما إذا كان سمك القرش يسافر مع التون، كي يتغذى عليها أو أنه صادف وجوده هناك لوفرة الطعام.

بوجود أسماك القرش كهذه، تصبح المسألة كلعبة الخداع، فإذا ما تصنعت الهدوء والحذر يبدو أنها تحترمك. وإذا ما اقتربت منا كثيرا نستخدم العصي. أو الكاميرات كي نبعدها عنا. وإذا ما هاجمتك جميعا وبوقت واحد عليك بدخول القفص.

غالبية الكائنات التي تسكن أعماق البحر تمر في فترات طويلة من المجاعة، لهذا فهي تحتفل عندما تعثر على الطعام.

تأكل هذه الأسماك بشراهة، فهي من ذوات الدم الدافئ، نحيلة الأجساد ما يساعدها في الحركة السريعة. لا يمكنها أن تطفو، لهذا فهي تغرق إذا ما توقفت عن الحركة، لهذا فهي تسبح باستمرار. يطلق العلماء على هذا النوع من التون لقب سمكة الرولز رايز، ومن السهل أن نعرف لماذا. فهي تتأقلم بسهولة على الحياة في المحيط. إنه مشهد مدهش ولكن هل هذه واحدة من حشودات التون؟ هل هذا ما نسمع عنه؟ أم هو مجرد مدرسة معزولة من سمك التون؟

يا الهي، أنظر هناك إنه غليان البحر.

عالم الأحياء جان ستيفين، جاء ليفهم الصلة التي تربط بين القرش وتجمعات التون. فهل تتغذى على التون، أم على سمك المشكاة أم على شيء آخر؟

  أمسكت بها، صحيح؟ إنها عند الكاحل. قدم له العون، قدم له العون ، أعنه، ساعده.

كانت سمكة القرش تتعرض للقتل في الماضي لمعرفة ما في أحشائها، ولكن لدى جون فكرة أفضل.

الخطوة الأولى من هذه الفكرة الرائعة هي أن يحمل القرش إلى القارب.

بالحبل! عليك بالحبل!، افلته! افلته!. الآن! حسنا، والآن اريد أن يوضع رأسه هنا. لا اريد كل السمكة في القارب.

هذا يكفي، هذا يكفي، أمسكه هناك. انه من الحجم الصغير.

تكمن الخطوة الثانية بزج ذراع في فم القرش، بإدخال أنبوب من البلاستيك. ومن ثم يضع ستيفين يده داخل الأنبوب ويدفع بخرطوم ماء إلى أمعاء القرش.

يدي صغيرة، إنها صغيرة جدا ولكني لست متأكد إن كنت مستعدا لذلك.

وعندها يتدفق محتوى أمعاء القرش إلى حجره.

إدفع بهذه إلى داخل أمعائه. فربما يتقيأ الخرطوم أيضا. أه، رائع، أحسنت عملا.

العلماء وحدهم يسعدون بمشاهد كهذه، ولكن السعادة لا تدوم طويلا. فلا يوجد أسماك تون أو مشكاة في أمعاء القرش، ليس فيها سوى الطعم الذي كنا نرمي به إلى الماء.

ولا يوجد أسماك مشكاة داخل أمعاء التون أيضا. بدون أسماك المشكاة  لا يمكن لهذه أن تكون حشود التون.

إما أن تكون كويست مبكرة جدا، وإما أن هذه ليست الحشود الحقيقية. وضعت علامة على القرش ثم أطلق سراحه. ثم عاودت الكويست بحثها.

بعد يوم طويل كانت التون ما زالت تحيط بالمركب. وأسماك المشكاة تقترب أكثر من سطح الماء بعد الغروب.

هل يتجاوب التون مع هذه الحركة؟ الطريقة الوحيدة للإجابة على ذلك  بالنسبة لأندريو وليز هي بالغوص في الماء.

تحول اللون الأزرق إلى أسود وأسماك التون أصبحت تبدو كالنجوم السيارة، لم يعد يبدو أنها مهتمة بعد بما نلقيه من طعم، كما كانت طوال النهار، كما أنها غاصت عميقا تحت المائة قدم. أستطيع أن أرى مدرسة كاملة عند حافة أنوارنا.

كمية أسماك القرش التي كانت تجول حولنا طوال النهار، تعطي فكرة عما نقوم به من مخاطرة بخروجنا من المركب عبر هذا الظلام. أعتقد أننا ننمي حاسة سادسة ضد سمك القرش،  فلا شك أنه يصعد إلى السطح بحثا عن الطعم الذي نرميه للتون.

هناك صعوبة جادة في مقارعة القرش عندما تراه يأتي إليك. أما في الظلام فالأمر في غاية الخطورة فعلا. لا يمكن للقرش أن يأكلك من عضة واحدة، ولكن إذا تمكن من عضك وسالت دماؤك في المياه، لا أظنك تريد البقاء في المنطقة ككل.

في اليوم التالي كنا نتوقع مزيدا من التون، لم نتوقع هذا، ليس تجمعا من السمك، بل من أسماك القرش.

لست متأكدا مما إذا كانت  نوعا من الحيتان أو أنها دلافين. تقديري أن هناك اثنان، أعني مائتان وخمسون في مجموعة واحدة. وهي  تحول وتجول في حركة يبدو وكأنها إحتفالية.

جميل جدا، سوف أحدد موقعها الآن،ستة عشر عشرين ثلاثة وثلاثين واحد أربعة ستة خمسة وخمسون واحد. هل هذا صحيح؟.

نعم، هذا صحيح، انتهى، كما أنها تستحق التأمل فأنا لم أشهد شيئا كهذا من قبل.

وكأنه خروج عائلي ليوم الأحد.أمهات وآباء وأطفال. بمئات منها تغطس معا، وكأنها في ساحة للتمارين الرياضية.

إنها حيتان ذي أسنان، من تلك التي تعيش على الرخويات والأسماك. من المحتمل أنها جاءت إلى المنطقة أيضا لوفرة الطعام، أو ربما كان اجتماعها مصادفة. بالنسبة للحيتان، لا يوجد ما يمكنه إثبات أي من الحالتين.

بالنسبة للغطاس، ربما كان بإمكانه أن يسبح برفقة حوت أو اثنين، ولكن لا يمكنه ذلك بين حشد يقارب الثلاث مائه. حافظنا على المسافة واستعملنا الشنركل على اعتبار أن الفقاقيع تخيفها.

سماع أصوات الحيتان وكأنها في  حوار من الهمس واللمز، يؤكد أن تصرفاتها اشد تعقيدا من أن نفهمها بالكامل.

وفجأة عادت أسماك القرش تظهر من جديد، لتجول  خلف الحيتان، تنتظر فرصتها كالمعتاد. حان وقت الرحيل، وكأن الحيتان تنبهت لذلك أيضا. أصبح المكان يعج بالبشر وأسماك القرش، لهذا سارعت في الرحيل.

وكأنها مراسيم احتفالية هائلة، مرت أولا حشود كبيرة من الحيتان المسافرة معا، ثم تبعتها قطعان من اسماك القرش، تسير في مؤخرتها.

كانت خلفها في حين خرج أربعة غطاسين منا.

استمر رمي الطعم للإبقاء على سمك التون حول كويست، كانت ظروف مصطنعة. من عادة حشود التون أن تتحرك باستمرار، وكان العلماء يرغبون بمعرفة السرعة التي تتحرك فيها، هذا إن تحركت أبدا. كانت المحركات النارية تثير ضجة كبيرة تحت الماء، لهذا تم تطوير قاطرة غواصة تجريبية . سحبت هذه الغواصة الصفراء الصغيرة خلف زورق عبر التون. إنها أشبه بفولز فاكن تحت الماء، مع فارق واحد، هو أن هذه تستطيع القيام بعدة أدوار.

بعد فحصها أجمع الرأي على أنها قد تصلح.

يعرف المستكشفين أنه حين يكون كل شيء على ما يرام تسوء الأحوال الجوية، وهذا ما حصل فعلا. ولا بد من ايجاد الحماية اللازمة لسفينة كويست.

تشهد الآن رياح جنوبية شرقية بسرعة تتراوح بين خمس وعشرين وثلاثين عقدة.

سيصل ارتفاع البحر إلى مترين فاصلة ثمانية في أعالي البحار وما بين مترين إلى ثلاثة أمتار نحو الجنوب الشرقي.

رياح عاتية وتيارات عاصفة تهدد الشمال الجنوبي، قد تصل إلى ما بين خمسة وعشرين وثلاثين عقدة هذه الليلة، ليصل ارتفاع البحر إلى اثنين فاصلة ثمانية بعيدا عن الشواطئ، واحد فاصلة سبعه في الداخل.

أمطار متقطعة تتزايد انتشارا يوم الاثنين لتخف حدتها يوم الثلاثاء.

تصل الرياح الشرقية الجنوبية إلى خمسة وعشرين عقدة.

على مسافة مائة ميل من الشواطئ، وفيما وراء حيد البحر العظيم، لجأت كويست إلى بحيرة من المرجان، وانتظرت هناك هدوء الرياح. إنه أمر يدعو للإحباط.

حسنا، إليكم آخر نشرة للأحوال الجوية. الغي التحذير من الرياح الشديدة التي رصدت في الأمس، ويقولون أن المناخ سيبدأ بالتحسن بدءا من خمسة عشر وحتى عشرين عقدة، والتوقعات ليوم غد هي أيضا لخمسة عشر وعشرين عقدة. إذا، ستبدأ العاصفة بالهدوء قليلا. لسوء الحظ المسافة بعيدة عن بحر المرجان، ما يعني أن العاصفة ستحتاج إلى يومين كي تصل على الأقل.

بالنسبة لما كنا فيه سابقا، فقد ابتعدنا كثيرا عن المنطقة. بدا بالنسبة لي وكأننا شهدنا كل علامات حشود التون. هل تفكر فعلا في العودة إلى حيث كنا؟ هل سنعد فعلا إلى تلك المنطقة؟

أعتقد أننا عثرنا على الحشود فعلا. ولكني لست متأكدا مما إذا كانت ستبقى في مكانها بعد ثلاثة أيام رياح جنوبية شرقية عاصفة. ولكني أعتقد أن الطائرة العامودية تستطيع أن تجيبنا على هذا السؤال بعد الظهر. وأعتقد أننا كلما سارعنا في الخروج بحثا عن حشود التون كلما كانت النتيجة أفضل.

نحاول الاستمرار على الإيقاع.  لن يكون الوقت متأخرا. أرسل لنا المزيد. أرنا المدخل. حسنا، لا بأس.

ما هو اسمها مرة أخرى؟

زعانف صفراء.

وجدت زعانف التون الأصفر.

طال  الانتظار لمدة يومين، وكان الوقت ينفذ.

لا بد أن أعثر قريبا على حبيبتي التون.

في أوقات كهذه، يعتقد الفريق أن الحياة لهو ومرح، وأن السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة، هو الضحك.

وان لم أعثر على حبيبتي التون. سوف أبحر عائدا من حيث أتيت.

وأخيرا حالفهم الحظ.

عند عودتنا إلى التون، كانت الأولوية لتنفيذ تجربة جان العلمية.

لم نكن نعرف كم سيبقى سمك التون في المنطقة، وما إذا كان المناخ الجيد سيدوم طويلا.

كيف يمكنك دراسة مجموعة من الحيوانات البرية وسريعة التحرك في المحيط؟ كان جان غون، قد طور أسلوبا فريدا  لمعرفة المزيد عن سمك التون.

كلما كان جان يمسك بسمكة، كان يضع عليها علامة، ويسجل طولها ونوعها ويحقنها بصباغ ثم يطلق سراحها.

كان يجب أن يحدث كل ذلك بأسرع ما يمكن. فالقرش هناك.

كثيرا من العلامات ستسلم لاحقا عبر الصيادين، لتمنح الصيد التجاري فكرة عن كمية الأسماك وتوزيعها.

يستطيع الصيادون التعامل مع   لون الصباغ والعظمة الأذنية التي تتمتع بحلقة نمو كالأشجار. فهي تستخدم لتحديد عمر السمكة.

هذا هو السبيل الوحيد لجمع المعلومات عن التون، بحيث يمكن التعامل معها والحؤول دون المبالغة في الصيد.

صاحب العين الكبرى. صاحب العين الكبرى صاحب العين الكبرى.

إنها سمكة جميلة، لا تهمني العلامات على الآخرين، ولكني أريد أن أراه.

اوف، هذا ليس قرشا.

يجب أن أكون إختصاصية  ذوي العيون الكبيرة.

كان هناك نوعان من التون على صلة بهذه المدرسة، صاحب الزعانف الصفراء، والعيون الكبيرة. لو أن هذه حملة لصيد التون، لحصلت على طلبي من الناحيتين، وإلى الأبد.

التالي من فضلك، بحجم كبير باتجاه جان.

أثناء تمتع ليز بدور إرنست هيمينغواي، قمت مع  الباقون بانزال الغواصتين.

 حين أصبحت في الماء، كان على الزورق أن يسحبني إلى مدرسة التون.

تقارير من كويست اثنين جعلتني أتمنى لو كنت في الوسط الحقيقي. ليس من السهل الحصول على هذا العدد من التون تتبع هذا التصرفات الغذائية البرية، حيال طعم تم رميه من مركب. إذا كانت هذه حشود التون فعلا، فقد تبعت إلهاما غريبا للوصول إلى هنا، مع اكتمال القمر وسط بحر المرجان، وفي موسم وضع سمك المشكاة لبيضه. انه أمر مدهش فعلا.

انشق  التون  من أمامي وكأنه ستارة مسرحية، ليضم صفوفه من جديد بعد أن تخطاني ويتابع سيره عبر المحيط.

تمكنت من رؤية القرش، يدخل ويخرج من بين التون عند الأطراف. سبق أن واجهنا القرش من قبل، وكان الأمر مختلف جدا. كانت تأتي إلينا ثلاث ورباع. فريق الكاميرا الذي كان يحاول تصوير الغواصتين واجه مشاكل جدية. فقد اضطر لاستخدام الكاميرا كدرع وسلاح بالوقت نفسه.

رغم القرش استمر الجميع في عمله، فعلى أي حال، هذا ما جئنا من أجله، كي نصور ونشهد هذا الحدث العظيم. اهه، استطعت رؤيتها، كانت في كل مكان. بنقاطها البيضاء ولمعانها الحريري. كانت عقود من التون.

لا تكاد تصدق، خصوصا أثناء عبورك من خلالها. لأنها كانت تتبع المركب، كنت اصور فرأيت سمكة صغيرة من التون تمر بسرعة فائقة. لا بد أنها أفضل طريقة للذهاب لرؤيتها. إن لم تكن هذه هي الحشود الشهيرة فلا أعرف ما هي. كان هناك آلاف وآلاف وآلاف من السمك. ولكن للتأكد من أنها الحشود المقصودة علينا أن نعثر على إثباتات من سمك المشكاة.

بما أنها مناسبة غريبة أراد العالم أن يستغلها بالكامل.

ستساهم المعلومات الهائلة  التي جمعت باتخاذ القرارات الأنسب فيما يتعلق بعمليات الصيد في المستقبل.

كانت الصنارة اليدوية أسرع طريقة لاصطياد التون، وأبعادها عن القرش. ولكن أسماك التون من المقاتلات الشهيرة، بعد ساعات قليلة شعرت أن أذرعي متعبة جدا.

كان الأمر يطلب الاستمرارية أكثر من المهارة. لم يتطلب الأمر في أغلب الأحيان أن أضع الطعم. ولكن جان كان يحتاج إلى أكبر عدد ممكن. فكلما وضعت علا مات على مزيد من الأسماك ، كلما حصل على مزيد من المعلومات عنها.

يا الهي ، لا أستطيع الإمساك بهذه، هناك قرش خلفها. انتظري إنتظري أخرجيها أولا أخرجيها أولا.

إنها رائعة.

كم من هذه جمعت؟ عشرة آلاف؟ لا اعرف كم جمعنا ذلك اليوم ولكني شعرت أنها  بالآلاف.

يحتاج الأمر إلى جهود جبارة وأعداد كبيرة من الناس للعثور على القطعة الأخرى فيما يبدو أشبه بالأحجية المعقدة، وما زالت القطعة الأساسية على وشك الظهور. أثبت ظهور سمكة المشكاة أن كويست كانت في وسط جحافل التون.

وجدت سمكة مشكاة في الامعاء. هذا هو الدليل الذي كنا نبحث عنه، وجدنا الأطراف المتبعثرة، وفي وسطها كانت العيون الكبيرة، وأعتقد أنه كان يتغذى عليها طوال اليوم. وهناك آلاف من الأسماك الصغيرة عديمة الرائحة. إنها لا تغوص بالسرعة التي تغوص بها الأسماك من فصيلتها، كانت هذه الأسماك هنا تتغذى على المشكاة طوال الأيام الثلاثة الماضية، رغم أننا لم نتمكن من رؤيتها تفعل ذلك.

أعتقد أن هذه هي القطعة الأخيرة من الأحجية. عثرنا على القرش الحوتي، وعثرنا على طيور النو،تغطي المكان طوال الأيام الأخيرة الماضية.ما يؤكد أنها عاشت يوما في نهاية المطاف. أما الحلقة المفقودة فكانت سمكة المشكاة، وأعتقد أنها هنا.

حتى الآن كانت الدراسات حول سمك التون تجري من على سطح الماء. وقد تمكنت بعثة كويست من رؤيتها وتسجيلها من تحت الماء للمرة الأولى.

في حدث كهذا تشارك أعداد من الكائنات البحرية عبر المحيطات.

فكم من الأذى تسبب أعمال الصيد الجماعية لحشود الأسماك، وما هي حدود الأضرار التي تسببها؟

كم من الأنواع تعرضت للأذى؟ وكم خسرنا؟

 --------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster