اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 الغطس نحو الأعمق
 

الغطس في العمق

 

بين كارو العظيمة وصحراء كالاهاري في جنوب أفريقيا، تقع أراضي الأعشاب الجافة التي تعرف بلقب جبل مزرعة الكرمل.

إنها بعيدة لدرجة تبدو وكأنها لم تتأثر بعامل الزمن… مازالت هذه المنطقة تأوي قطعانا من الظبيان والحيوانات البرية.

ولكن هناك شيء مختلف هنا أيضا، قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه بركة في أسفل العمق…

تجلب الضفادع المتزاوجة لها الحياة بشكل مؤقت.

ولكن سطحا يثير الإحباط.

تحت هذا السطح تجد أعمق حفرة للمياه العذبة على وجه البسيط. إنها مغارة هائلة يبلغ عمقها حوالي ألف قدم.

عمل أحد الأشخاص على مدار خمسة عشر عاما لاستكشاف السواد الذي يوشح مساحتها الوسطى.

عام ستة وتسعين، حاول أن يفعل ما لم يفعله أحد من قبل، باستعمال قوارير للغطس إلى القاع،  نحو أعماق لم يصل إليها الجنس البشري على الإطلاق.

الغطس نحو الأعمق.

بعد مرور عام على ذلك، عاد نينو غوميز إلى محافظة كاب الشمالية، إلى المسرح الذي شهد ذلك الحدث.

رافقه في هذه العودة بيتير وستيفانيا لامبيرتي، اللذان سجلا ساعة التشويق الطويلة لذلك اليوم من عام ستة وتسعين، عندما حطم نونو الرقم القياسي في الغطس نحو أعمق مياه على الإطلاق.

حين تصل إلى قاع الكهف، تعلم أنك حطمت الرقم القياسي، ولكن الهدف الرئيسي هو أن تكون أول رجل يصل إلى أعماق الكهف، لتصبح هذه المغارة وكأنها ملكا لك.

إذا تمكن أحد من الوصول إلى قاع بويس مانس غات وبقي على قيد الحياة، فهذا هو نونو لأنه يتقن مهارة الغطس كما أنه يتعامل مع الخطورة بكل حرص وحذر.

بدأت بالغطس منذ ما يقارب التسع سنوات، وكانت بداياتي في البحر وبويس مانس غات بشكل رئيسي، ولم يسبق لي أن دخلت مغارة تحت الماء من قبل، لا أعرف كيف تمكن نونو من البقاء هناك اثني عشر ساعة، لو كنت مكانه لأصابني الجنون بلا شك.

يقع مدخل الكهف على عمق ألف قدم عند فم يسمونه بويس مان غيت، ويعرف بالأفريقية بثقب البوشمان.

عاشت قبائل البوشمان الرحالة لآلاف السنين في هذه المنطقة، واعتمدت على البويس مان غيت كمصدر مياه عذبة.

صخورهم المنحوتة ورسوماتهم تدل على أنواع الحيوانات التي كانوا يصطادونها هنا، وهي ما زالت تزين جدران الكهوف المجاورة.

بالنسبة لنونو غوميز يكمن تحدي البويس مان غيتن في حقيقة وقوع الكهف على ارتفاع خمسة آلاف وخمس مائة قدم عن سطح البحر. على هذا الارتفاع تصبح مسألة  الغوص أشد خطورة على الجسم البشري الضعيف.

كمهندس في دائرة المواصلات في جنوب أفريقيا، اعتاد نونو غوميز على استخدام العقول البشرية كجسور تربط بين الممكن والمستحيل.

عندما تأكد لي أن الحفرة كانت بعمق يزيد عن ست مائة قدم، فكرت أني لا أتمتع بفرص كبيرة في الوصول إلى القاع. ولكن عبر السنين ومن خلال تقنيات جديدة تتضمن غطس التري ميكس ،  بدأت أغوص عميقا وأعمق وأعمق.  وأخيرا وجدت أن هناك فرصا كبيرة بأن أصل إلى عمق الكهف، وما كنت لأترك هذا الأمر دون إجاز.

الوصول إلى أعماق البركة لا يتطلب مجرد مقاومة جسدية فقط.

بل يتطلب كذلك خطة كان يدرسها نونو طوال سنوات…

لقد قام بتصميم وصناعة جميع أجهزته بنفسه.

كما سجل خمسة أرقام قياسية في بويس مان غيت قبل أن يسعى إلى الوصول نحو القاع.

لا يمكن لأحد أن يغوص على عمق ثماني مائة وسبع وعشرين قدم، إذ انه يتعرض لإزالة الضغط وهو مرض ينجم عن ضغط الماء.

ينتج هذا المرض عن تراكم فقاقيع النيتروجين في الدم. يمكن لهذا المرض أن يصيب الغطاس بالشلل أو أن يقتله.

بعد عامين من تعرضه للإصابة، تساءل نونو عما إذا كان جسمه يحتمل ما قد ينجم عن الغوص إلى مسافة أعمق.

كان يتمرن باستمرار ليلا نهارا، يدرب جسده وعقله، داخل الماء وخارجها.

رغم أن هدفه كان يقع على عمق ألف قدم، إلا أن الطريق تمر عبر نونو ذاته.

 ليس هذا حلما، فقد وضعت لنفسي مهمات طوال حياتي، والغطس نحو قاع الكهف يعتبر مهمة. والوصول إلى هناك هو إنجاز للمهمة. إنه إنجاز واقعي قاس وعملي، إنه أشبه بفوز معركة في الحرب.

يوم الثالث والعشرين من آب أغسطس من عام ست وتسعين، حان موعد الحسم أخيرا،  كان صباحا باردا وهادئا.

رافق نونو فريق من ستة غطاسين، كانوا يعملون معه لسنوات طويلة. وقد غاصوا جميعا إلى عمق يبلغ ثلاث مائة قدم في ذلك الكهف.

لن يرافقه أحد نحو القاع.

ولكن كل منهم سيلتقيه في طريق العودة. أثناء محطات تفريغ الضغط الطويلة لمساعدته على البقاء مستيقظا، ودعمه بمشروبات تمنحه الطاقة.

ربما كانت زوجته ليز غوميز، هي  العضو الأهم في فريقه.

فهي غطاسة حققت إنجازات هامة بدورها.

رغم أنها اليوم مجرد عضو في الفريق، ولكنها لا تستطيع أن تخفي مخاوفها الشخصية  .

 أردت أن أضمه إلى صدري وأدعوه بألا يفعل ذلك، ولكن، لحسن الحظ وجدت في الكاميرا شيئا أشغل فيه نفسي، كما كنت أصلي وأطلب من السماء أن تجري الأمور على ما يرام. وكنت أفكر، من الأفضل أن يعود هذا كل ما يمكن القيام به.

الحمولة التي يأخذها نونو معه رائعة جدا، مرباطين على جنبيه وواحد في صدره، وأربعة معدلات، وجهازين يساعدان على الطوف، وملابس جافة جدا، وقناع وزعانف وخوذة وإنارة فوق رأسه.

بلغت حمولة نونو بمجموعها ثلاث مائة رطل.

كان يتأكد مرة بعد الأخرى من أجهزته.

غطى أجهزته بالمواد اللاصقة ليحول دون وصل الترسبات إليها.

لا بد من إزالة هذه المواد اللاصقة حين يصل إلى تحت الماء.

قبيل ثلاثة أعوام من ذلك، توفي أحد أعضاء فريق دعم الغطاسين في بويس مان غيت عندما علق جهاز التعديل لديه تحت الحمل الذي فوق ظهره، فغرق عندما فشل في استخراج الهواء من قارورته الأخيرة.

لم أفكر لحظة باحتمال الموت أثناء الغطس على الإطلاق. ولو أني لم أفكر بالموت لوضعت المشروع كله في خطر. كان ذلك ليحد من ثقتي بنفسي، لهذا كان الموضوع لا يحتمل البحث.

أثناء اللحظات الأخيرة من التحضير كان الفريق يلتزم الصمت.

في تمام التاسعة واثنين وعشرين دقيقة صباحا، وإذا سار كل شيء على ما يرام، سيعود نونو إلى اليابسة بعد اثني عشر ساعة من الآن.

المدخل الوحيد إلى مغارة بويسمان غيت يمر من خلال منحدر ضيق.

على نونو أن يتحرك بحذر وهو يحمل كل تلك الأجهزة على ظهره. إنه لا يغوص في هذه المرحلة بل يسعى للوصول نحو الأسفل.

يجب أن يتحرك بحرص على طول خيط منحدر، وكأنه خيط حياته، إنه طريقه نحو القاع، الذي سيحمله أيضا إلى السطح.

وضعت على مسافات ثابتة من هذا الحبل قوارير الهواء والغاز الممزوج الذي سيتنفس منه طوال طريق  عودته إلى السطح.

في الجزء الأول من عملية الغطس سيواجه نونو منطقة معروفة بالنسبة له.

يتخذ التجويف الداخلي لبويس مالن غيت الذي سبق لنونو وغيره أن وضعوا خريطة له، في أعمال غطس سابقة، شكل البالون المقلوب.

بعد مائتي قدم نحو عنق الكهف تفتح الطريق أمام غرفة واسعة طولها ست مائة قدم وعرضها مائتين، بعمق يزيد عن تسع مائة قدم.

عند هذه النقطة في الغرفة يتحول نينو عن تنفس الهواء المضغوط لاستعمال المزيج الثلاثي الذي يتألف من الأوكسجين والهيليوم والنيتروجين. هذا هو المزيج الذي ستعتمد عليه حياته في أقاصي الأعماق.

 عندما تغوص بهذا العمق يصبح مرض الضغط وارد جدا. أما السبب في ذلك فهو أن الأجهزة المصنوعة لهذه الأعماق ليست مجربة بالكامل. لهذا كلما غصت عميقا يصبح من الضرورة أن تعدل أجهزة الضغط بما يناسبك ويناسب البيئة المحيطة بك. أي أنك تقوم بالتجربة أثناء عملية غطس كهذه.

خطة نونو للغطس ستبقيه في المياه الباردة على خمس وستين درجة فارنهايت لمدة اثني عشر ساعة.

مع أن هذه الرحلة نحو الأعماق تستغرق ربع ساعة فقط.

هذا ما يعرف بغطس الوثب، وهنا تكمن مفارقة الغطس عميقا.

رغم هذه الرحلة السريعة نحو القاع، إلا أن جسم نونو سيستهلك نسبة عالية من النيتروجين المحلول والهليوم بما يكفي لقتله إذا صعد إلى السطح مباشرة.

سين فرنش  طبيب غطاس يعمل في فريق نونو، وهو مدرب على تعديل الأجهزة المتعلقة بالضغط.

إذا غطس المرء على عمق هائل كهذا، النيتروجين والهيليوم هي غازات لا يستعملها الإنسان ولكنه يراكمها، بسبب ارتفاع الضغط. لهذا عليه أن يصعد ببطء، ليمكن جهاز الدورة الدموية وجهاز التنفس من التخلص من هذه الغازات. وعليه أيضا أن يتوقف على مراحل متعددة، عند أعماق محددة، بحيث يمكن جسمه أيضا من إتلاف  الغازات الإضافية.التي لن تخرج إلا من خلال صعود بطيء إلى أعلى.

قبل يوم واحد من غوص نونو في مزرعة جبل الكرمل، جهز سين فرنش غرفة تعديل الضغط لشخص واحد.

إذا ما تعرض نونو أو أي من أعضاء فريقه لأعراض الضغط سيتم الإسراع في رفعه عبر الألف قدم إلى داخل الغرفة الفردية.

لإعادة تعديل الضغط حتى ستين قدم.

عند هذا المستوى من الضغط يصبح حجم الفقاقيع أصغر بحيث يمكن التخلص منها بسهولة أكبر، كما أنه في الوقت نفسه يتنفس الأوكسجين بنسبة مائة بالمائة تحت الضغط، ما سيدفع الفقاقيع للخروج من الجسم ويغذي الأنسجة بالأوكسجين.

إذا ما احتاج غطاسين للعناية وتطلب الأمر رعاية طبية إضافية سيتم إخلائهما مباشرة إلى أقرب غرفة تعديل مجهزة في بريتوريا التي تبعد  مسافة ثلاث مائة ميل.

لاشك أن البقاء خارج الغرفة يثير قلق الجميع.

التجهيزات الخاصة به كانت مناسبة جدا كما ودعم البنية التحتية لديه بالإضافة إلى الرعاية الطبية التي تفتقدها الكثير من هذه البعثات، كل هذه مؤشرات حميدة.

مضت سبع دقائق على دخول نونو في الماء، نظريا لا بد أن يكون الآن في نصف الطريق نحو القاع.

الخطورة الكبرى أمامه أثناء النزول هي التعرض للإغماء. بما أنه منفرد وفاقد الوعي من المحتمل أن يموت بسرعة.

يعرف كل شخص هنا باحتمال أن يتحول الغطاس في مكان ما من الحفرة إلى مجرد جثة هامدة لا تعود الحياة إليها.

مات ديون دراير، في العشرين من عمره في بيوس مان غيت قبل عامين متأثرا بحالة إغماء مفاجئة.

يجري نزول نونو بناء على خطة انحدار مجهزة بشكل مسبق، ولكنه في النصف الآخر من الهبوط نحو العمق المظلم سيكون  بمفرده، ويواجه مشكلته الأولى.

 عندما وصلت إلى عمق يقارب الثماني مائة قدم، بدأت أشعر بعوارض ارتفاع الضغط والتوتر العصبي، نتج ذلك عن غاز الهيليوم الذي يؤدي إلى الارتعاش.

بدأت يداه وقدماه ترتعشان دون أن يستطيع التحكم بها نتيجة تنفسه الهيليوم تحت الضغط. واستمر نونو تحت مستوى الانحدار.

في حالة كهذه قد يعود غيره إلى السطح ثانية.

ولكن نونو الذي يعتمد على أسلوب منظم بدأ يراقب عوارضه عن قرب.

استمر الارتعاش، و لكنه لم يزد سوءا رغم استمراره في الهبوط.

وفجأة اصطدم نونو بالقاع.

 كنت أهبط بسرعة مائة قدم في الدقيقة، عندما فاجأتني رؤية العمق على مستوى تسع مائة قدم. شاهدت أرضا رمادية تنتشر فيها الصخور هنا وهناك. رأيت سلسلة صخرية على شكل منحدر وقررت أن أهبط حتى أعمق نقطة في الكهف. عندما هبطت على الأرض أثرت الكثير من الجزيئات من حولي ما عكر المياه وانعدمت الرؤية تماما. بما أن الحبل كان ضعيفا انتابني خوف من فقدانه، فلو حدث ذلك فعلا لما تمكنت من الصعود إلى السطح بعد ذلك أبدا.

ولكن في القاع ورغم نجاحاته واجه نونو مشكلته الثانية.

عندما حاول السباحة للصعود إلى أعلى أصابته حالة من الدوار.

 ربما كانت هذه واحدة من أشد مراحل الغطس خطورة، إذ يمكن للمرء أن يفقد الوعي من شدة الإجهاد، نتيجة تراكم السي أو تو في الجسم. ما يؤدي إلى نفخ البي سي إس للصعود بدل محاولة السباحة.

أطلق نونو الهواء من القارورة إلى داخل طوافته، ما سمح لأجهزته بأن تحمله عن القاع.

صعد ببطء إلى خمس مائة وخمس وعشرين قدم، حيث محطته الأولى للتخلص من الضغط.

هنا بدل مزيج الغاز مرة أخرى، فاستعمل قارورة معلقة على الحبل للمرة الأولى.

في هذه الأثناء لم يكن الفريق على علم بكل ما يجري تحت.

عضو الفريق الغطاس كريغ خان كان جاهزا للقاء نونو على عمق ثلاثمائة  وثمانية وعشرين قدم.

هذا العمق بحد ذاته يعتبر سحيقا وسيكون خان قادرا على البقاء مع نونو لمدة ست دقائق فقط.

بعد هبوط خان  بواحد وثلاثين دقيقة التقى بنونو.

ولكن أحدا هنا فوق ما كان يعلم بما يجري بعد.

 ثم أصبح نونو وحيدا مرة أخرى. لقد تركه خان للتخلص من الضغط بدوره في طريقه إلى السطح.

أمضى نونو أكثر من أحد عشر ساعة في الماء، مضت جميعها إلى جانب الحبل يسعى إلى أعلى عبر الظلام الحالك.

على السطح دخل غطاس الدعم الثاني ليونيل برينك إلى الماء ليلتقي نونو على عمق مائتين وثلاثين قدم.

بعد ساعة وربع من الغطس بعث ليونيل برسالته التي طافت على السطح وعثر عليها غطاس الدعم الثالث كريغ نيوهام  أثناء دخوله إلى الماء وهي تقول:

ليز نونو بخير، إنه دافئ بما يكفي ويشعر أنه بخير.

هذه أول مرة يعرف الفريق فيها أن نونو تمكن من الوصول إلى الأعماق وقد بقي على قيد الحياة.

ردة فعلي الأولى عندما سمعت كريغ يقرأ الرسالة ، كانت أن نظرت إلى ليز. أردت أن أرى ردة فعلها، فشاهدتها تبكي. والحقيقة أن مقلتينا كانت جميعها تنضح بالدمع.

 شعرت بالارتياح عندما سمعت أنه بخير، كان إحساسا  لم أشعر به من قبل، كما أتمنى ألا ينتابني مرة أخرى. كان إحساس خارج عن هذا العالم، حين سمعت أخيرا أنه على ما يرام. وأنه عائد إلى هنا، إنه في الطريق إلى هنا.

على مدار الساعات العشرة التالية، أثناء سعي نونو للصعود إلى السطح، أخذ الغطاسين يتوالون للقائه، يقدمون له مشروبات منشطة والدعم المعنوي اللازم.

بعد ساعتين وعشر دقائق من الغطس تمكنت ليز من تهنئة نونو على سلامته لأول مرة.

 كان ذلك رائعا، أردت النزول إليه في الحال، ولمسه والتأكد من أنه هو فعلا. ولكنه كان مشغولا بأجهزته… ليتأكد بأن كل شيء على ما يرام. لمحت منه ابتسامة سريعة وتابع عمله.

طلع الصباح فوق سطح الماء.

أما في أعماقها فلم يلحظ ذلك أحد.

في عنق بويس مان غيت الضيق، بدل نونو الغاز مرة أخرى،  ليستعمل هذه المرة النيتروكس، وهو مزيج من النيتروجين والأوكسجين.

على مدار الخمس ساعات ونصف التالية، سيتنفس من هذه… فأخذ يطلق الفقاقيع من الجهاز ببطء.

استمر الوقت يمر ببطء.

 لم أفكر في شيء أثناء الغطس إلا بالحفاظ على الخطة والبرنامج الذي رسمته، والذي قمت بتنفيذ مراحله الواحدة بعد الأخرى.  كنت أركز على كل مهمة بدقة. كان تفكيري منهمكا بعملية الغطس ومهماتها.

على مسافة عشرين قدما من سطح الماء، بدل نون الغاز بقارورة من الأوكسجين الخالص، في محاولة للتخلص من آخر فقاقيع النيتروجين من أوعيته الدموية.

ولكن لهذه العملية ثمنها أيضا.

 يعتبر التسمم بالأوكسجين  واحدة من المراحل الخطيرة أيضا، لأنه قد يسبب نوبة من الصرع تحت الماء.

بما أن جهاز التنفس لدى نونو أصبح ممتلئا، صار للأوكسجين طعما يسبب الألم. حتى  شعر بأنه يسبب له التسمم.

أخذ يبدل مصدر التنفس إلى الهواء المضغوط.  ولكن في نهاية الأمر عليه أن يتنفس الأوكسجين كي يتخلص من النتروجين ويحول دون عوارضه.

على مدار الساعات الخمس التالية، أمضى نونو أكثر من نصفها على مسافة عشرة أقدام من سطح الماء، كان يعارك بالاعتماد على إرادته.

 الغطس في الكهوف لا يسامح أحد. إذا ما كسرت القيود وسجلت أرقاما قياسية جديدة، تصبح الاحتمالات بالتعرض لحادث مميت أكبر وأكبر. لهذا على المرء أن يعرف متى يحين الوقت لبدء مسيرته. إلا إذا اعتقد أنه لا يموت، وجميعنا سيموت. لهذا ليس هناك أدنى شك من أنه إذا ما أراد شخص ما أن يحطم أرقاما قياسية، لا بد أن يواجه الموت في نهاية المطاف. سمعت بمثل شائع بدأ ينتشر هنا وهو يقول: هناك غطاس عجوز وغطاس جريء، ولكن لا يوجد غطاس جريء وعجوز.

أخيرا، خرج نونو من الماء بعد اثني عشر ساعة من دخوله إليها.

 شعرت بالسعادة حين خرجت من الماء وبدأت أشعر بالدفء. شعرت بالسعادة لأني لم أصب بأي من عوارض المرض الناجمة عن الغوص. لا أستطيع القول أني كنت سأقفز من شدة الفرح. لم أجد الطاقة اللازمة للقفز حينها.  حتى أني لم أكن أعلم إلى أي عمق وصلت. ولكني أعلم بأني وصلت إلى أعمق نقطة في الكهف. وهذا ما كان يسعدني.

كان بخير، سار بمفرده وعلى قدميه متعبا ولكنه يشعر بالارتياح.

في اليوم التالي فقط علم بأنه سجل الرقم القياسي العالمي في الغطس بعمق تسع مائة وسبع وعشرين قدم. أعمق مسافة عرفت، وخصوصا أنها على ارتفاع شاهق.

تمكن نونو غوميز من  تحقيق مهمته، وانتصر في معركته.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster