اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 نبضات من ثلج ونار رحلة إلى المجهول
 

شواطيء ايسلندا

 

تترامى على شواطئ خليج فاكسا، في الجنوب الشرقي من إيسلندا، هذه المدينة  التي تحوي صور لا يمكن تقليدها،إنها، ريكيافيك، عاصمة إيسلندا. التي تأسست عام ثماني مائة وأربع وسبعين على يد الفايكينغ.

يعتبر أبناء أيسلندا اليوم، ورثة لتاريخ حافل بالتقاليد القتالية، والبحارة، والشعراء.

هذا الشعب، أجبر شعوب أوروبا بأكملها، من شرقها إلى غربها، للتضرع إلى السماء كي تحميهم من رجال الشمال. وليس صدفة أن تصقل فؤادها المساعي الدائمة للكفاح في سبيل البقاء على قيد الحياة، وسط مناخ عنيف وبالغ القسوة، حتى تعايشت معه.

لم تسيطر عليه، بل تفهمته.

غولفوس، الشلالات الذهبية، تعتبر نموذج حي لهذا التكامل الجغرافي،التي تشكل جزءا أساسيا من الحضارة الأيسلندية. ولكن الخيال الإيسلندي لا يعتمد على الشلالات والبحار وحدها. فالأراضي الشاسعة، التي تعتبر معادية بالنسبة للآخرين، تشكل مصدر إيحاء لأبناء هذا البلد، حيث يرى تحت طبقات الثلج الألفية، أرض تنبض بالإبداع.

قلب إيسلندا، محاط بطبقة جليدية تولد جبالا ثلجية هائلة كتلك التي تعرف بناغلايوكول، الذي يوازي حجمه، كل جبال الجليد الأوروبية مجتمعة.

ولكن هذه المساحة الجليدية التي تبلغ ثمانية آلاف كيلومتر مربع، بسماكة قد تبلغ ألف متر، ليست على حالها، إذ أنها تحتوي على حفر هنا وهناك، تسمى بالحفر السوداء. يمثل كلا منها نموذجا عن نبض وسط الأرض. نبض ناري  تمكن من محاربة الطبقة الجليدية بطريقة، أدت إلى المشاهد الطبيعية التي تتميز بها مناظر إيسلندا.

يتمكن النشاط الجيوترمي الذي يتم داخل إيسلندا، من تذويب ما يحيط به من ثلوج لدرجة أنه يسخن الصخور المحيطة فتظهر إلى العراء، لتثير انجراف ثلجي كارثي.

بالنسبة لنا، تمنحنا تلك الفتحات مدخلا إلى عالم مواز، يقع في الجانب الآخر من المرآة، في وسط الكرة الأرضية.

الرغبة باستكشاف هذه المجموعة من الصخور، التي لم يتم التعرف على الكثير منها بعد، جاء بنا إلى هذا المكان المعزول.

انتهزنا فرصة أن المناخ العصيب أجبرنا على اللجوء في كيبيرفول، لوضع اللمسات الأخيرة على المذكرات التي تحتوي على ما تعرفنا عليه من كهوف جليدية في هذه المنطقة من إيسلاندا.

تصرفنا وكأننا من الفيكينغ، فاستولينا على كتاب اللجوء الرسمي، لنسجل فيه كل ما واجهناه من ظروف عصيبة، وسط الجليد الإيسلندي. وأخيرا، يمكن أن نسخر مما جرى.

=" يجب أن نحاول اختصار ظروف البعثة في الكاريكاتور، بكل ما جرى في الكهوف الساخنة، ومنها وقوع الحمولة التي تحتوي على المواد أثناء الهبوط، من المغارة الباردة إلى ما هنالك".

=" هذا صحيح، لنتابع المحاولة".

كفاءة المشاركين في البعثة، تمكنهم من اختصار المصاعب التي مرت بها أثناء المرور بالكهف الذي يمر فيه نهر ساخن. الظروف القاسية التي مررنا بها، تحول بقدرة قادر إلى مساحة للسخرية. ولكن لن ننسى ذلك أبدا. لنتمكن من السير قدما، علينا التعلم من تجاربنا.

هذا النوع من المغامرات، يشبه عالم من التخمين والتقدير. مع أن أول ما فكرنا به هو الرحيل، إلا أن الرحلة التي نقوم بها ما زالت في البداية بالنسبة لنا.

الحجة التي بقيت على هامش مخيلة خوليو بيرني، ومغامرته الوحيدة في هذا الواقع، الذي جئنا من أجله إلى أيسلندا، يجعلنا عالقين بالكامل هنا، بين المفاجة، والمجهول.

نجاح بعثتنا الأخيرة في الكهف الساخن، هو الدافع الرئيسي للاستمرار. مواجهة الظروف العصيبة للمناخ تجبرنا على  البحث عن حلول أولية، قبل أن تتمكن الرياح المترافقة بأمطار ثلجية، من تدمير أركان مخيمنا.

فجأة، ذكرتنا أيسلندا جديا بمكان وجودنا، في أعالي جبال الجليد، التي تقع على خطوة من القطب الشمالي. المناخ هنا متقلب وعنيد، يمكنه أن يستعرض جميع كفاءاته في يوم واحد.

رغم جهودنا في العمل على تثبيت الخيم بأفضل طريقة ممكنة، ولكن المساعي كللت بالفشل بأوامر من الرياح.

=" يجب أن نحلها قبل أن تتحطم".

ما كان يوما ما بيت نسكنه، تحول الآن إلى كتلة من القماش والمعادن المنحنية.

وأخيرا، جاء التقارير الجوية تهدئنا وتدفعنا إلى المسيرة من جديد. تنبؤاتها المتفائلة تحمسنا لمتابعة استكشافاتنا التالية. يقع هدفنا التالي، على بعد مسيرة من ثلاث ساعات. فتوجهنا إلى هناك لنعاود بدء الرحلة، إلى وسط الكرة الأرضية.

الحجارة البركانية التي تطفو على السطح في المرحلة الأولى من مسيرتنا إلى هناك، تجعل المكان يوحي بأجواء من العزلة والانفراد.

كلما صعدنا، نجد أن الرماد يتمكن من تغطية  الجليد، ليتغلب عليه في هذه الحرب المستمرة في إيسلندا بين الثلج والنار. تنعكس هذه الظاهرة، في ينابيع مياه ساخنة، وغليان وفوهات وأخاديد، تشكل تفاعلا عبر الجليد، المحيط في الكهوف التي جئنا نستكشفها.

في طريق جليدي، من الحكمة أن نترك علامات خلفنا تحاشيا لهبوب عاصفة تمحو آثار أقدامنا.

سرعان ما سنكتشف أهمية هذه الاحتياطات. يمكن لعلامة كهذه، أن تخرجنا من أزمة جدية.

=" أكاد أصدق أن الصيف لا يمر من هنا".

=" يمر ولكن على طريقته الخاصة"

أصبحت الغيوب السوداء تغطي ملامح الشمس التي تنير طول أربع وعشرين ساعة. درجة الحرارة، انخفضت بحيث لا يمكن احتمالها، ومع ذلك، ما زلنا نثق بتقارير الأحوال الجوية. من المحتمل، أن يكون هذا هو الصيف بالنسبة لأيسلدا، ونحن ، القادمين من حرارة البحر المتوسط، لا نتقن التمتع به. من الأفضل ألا نفكر بما سيكون عليه الشتاء.

حيال التعرض لأولى صفعات الرياح الباردة، فكر الجميع بما يجب أن يهتم الإنسان المعاصر ، بدل أن يصعد للبحث عن كائنات غريبة.

لحسن الحظ، أن رائحة الكبريت هنا تقودنا إلى الهدف بشكل أفضل من طريق معبد يمتد أمامنا. ذوبان بعض الثلوج هنا وانكشاف الأرض تؤكد أننا صرنا على مقربة من إحدى مداخل الكهف الذي نسعى إليه.

وسط هذا المناخ، تقدمنا عبر منطقة بالغة الخطورة، تحيط الأخاديد والحفر الناجمة عن انهيار الثلوج في المنطقة التي يجب أن نمر منها.

عثرنا على أحد الانهيارات الأولية الذي يمكن أن يدلنا على أحد المداخل. يستطلع فيديل الطريق بحذر شديد، وحين يتأكد من أنه يتصف بالأمان، نتابع المسيرة من ورائه.

تحت هذه الطبقة من الثلوج، يمكن أن تقع حفرة هائلة من السولفر، الذي يذيب الطبقات السفلى من الجليد ولا يبقي إلى طبقة خفيفة من الثلوج التي سقطت حديثا. وكأنك تمشي فوق الزبدة، التي فوق موقد مشتعل.

=" لا داعي للركض فالركض شيمة الجبناء"

تمدد المغارة لا يتغير فهو يتوافق مع نقطة جيولوجية والحرارية. أما الصخور المحيطة، بما في ذلك المداخل المتعددة للكهوف المغطاة بالجليد، فيمكن أن تتغير حسب المناخ الذي يسود في كل عام.

هذه الممرات، ستختلف جدا في الصيف المقبل دون شك. ما سيجعل الثلوج والغليان، يفتحان طرقا متنوعة ومثيرة إلى المغارة التي تحت الجليد. بعد مسيرة شاقة بين الأخاديد والثلوج المحيطة بالمكان، وصلنا إلى مصدر المغارة. يذكرنا هذا المدخل بتشكيلات الهوابط والروافع، التي نعرفها جيدا في استكشافاتنا لكهوف كلسية. رغم وجود فارق كبير في تركيبة الكهوف الكلسية، وتلك التي تحت الجليد.

مررنا في العديد من تراكما الجليد، التي تشكلت قممها من خلال الرياح الثلجية.

تنجم هذه الكهوف الثلجية، عن نسبة السولفر العالية التي تذيب نسبة عالية من الثلوج الغارقة فيها. ولكن التيارات الهوائية تلعب دورا في تشكيلها، فعند مرورها بين الثغرات المفتوحة، والأشكال المشيدة، تتحول إلى منبع لتحرير الطاقة، التي هي المسؤولة الأولى عن القمم في جدران الثلوج، والأسطح الداخلية.

وبالطريقة نفسها تؤثر الرياح والتفاعلات الداخلية في تحديد الأشكال الداخلية المتعددة في هذه الكهوف. قررنا استخدام السبل نفسها في الاستطلاع التي منحتنا نتائج جيدة في الكهف الساخن.

أنهيل وكوانهو وآنا، سيقومون باستطلاع أولي سريع وأشد أمان، تمنحنا مزيد من المعلومات عما يمكن العثور عليه.

خضنا في الظلام الداكن للزمن، ما كان في المغارة الساخنة بخار كثيف وغازات سامة تحول دون القدرة على التنفس، تحول هنا إلى تيار هوائي، يدخل مع الكثافة المائية إلى رئاتنا.  لم يحل شيئا دون تمتعنا بروعة التصاميم والأشكال الهندسية التي نجمت عن تفاعل الثلوج مع الغازات الكامنة هناك.

سقف من الجليد المعلق في الهواء فوق رأسي، وكأنها سماء ملبدة بالغيوم التي تلمع ببريق من إنارة  جئنا بها، لتثير أجواء من الأحزان، والكآبة الجليلة. فبدل النجوم المتلألئة فوق رؤوسنا، كانت الثلوج تثقل كاهلنا بكثافتها وثقلها.

هذا ما تخيله وكتبه خوليو بيردي عن أعماق الكرة الأرضية. من حسن الحظ أننا لن نتخيل شيئا من هذا، ما علينا إلا أن نتأمل ما حولنا، ونتبع هذا النهر الذي ينساب تحت الثلج.

=" المكان يتسع هنا، من الأفضل أن نتابع فالحجرة محفوفة بالخطر".

سوف نستمر بالنزول طالما أن ما نحمله من إنارة يلامس الجدران المحيطة بانسياب النهر المعاكس لهذه البيئة الجليدية.

تتعثر خطواتنا فجأة بمجموعة من الدرجات العمودية. لا نملك الأدوات اللازمة، كما أن الوقت المخصص لهذه الجولة بدأ ينفذ. وهكذا عدنا إلى المخيم للحصول على الأدوات اللازمة لمتابعة مسيرتنا نحو الهدف الذي تبين أنه ما زال بعيدا جدا.

عدنا إلى طبقات الجليد البخارية والرطبة التي ما كان دانتي شخصيا ليتردد لحظة في وصفها كبوابة للجحيم.

"أين ستضع هذه؟ 

"أي مكان يناسبها".

"فعلا يمكن أن تضعها في أي مكان".

"المسألة في أن تصدق بأنها الشمس"

بذلنا جهودا كي تعكس المذكرات بالتفاصيل مسيرتنا القاسية في الوصول إلى الكهف الجليدي البارد. فكرة التجوال فيها مرة أخرى، بعد تجربة الرياح العاصفة التي مررنا بها، لا تشجعنا على الإطلاق.

ولكن هذه مزايا الحياة وسط الثلوج ، أعلاها وأدناها، دماء وعرق وعمل.كما تعلمنا مثل شعبي إيسلندي يعود إلى عصر الفايكينغ، الذي نؤيده تماما. يقولون هنا، أن من يبقى في بيته غبي فعلا.

عملنا بحرص شديد على تعليق المسمار الذي سنتعلق به  في الجليد. أي صدمة مهما كانت بسيطة هنا، يمكن أن تؤدي إلى انهيار الطبقة الجليدية فوقنا، أو أن تغلق علينا طريق العودة. الشكل الزجاجي الناصع للجليد الذي يغطينا، يدفع فينا الحذر الشديد. فكما يقول أستيريكس، لا حاجة للتأكد من أن رؤوسنا تستطيع تحمل سقوط هذا السقف فوقها، ونأمل، كما يقول الغالي أيضا، ألا يحدث ذلك اليوم أيضا.

وكلن الخوف يتبدد حيال روعة المناظر التي تحيط بنا، لدرجة نشعر فيها ألا شيء هنا غير هذا الكون، الذي يعكس صورة مخيفة لعالمنا، وأفضل شاهد عليه.

عدى الكهف الجليدي، مشينا في نفق مميز في هذا الزمن المعاصر، ينساب المستقبل عند أقدامنا. عظمة القوة في باطن الأرض، تعارك الظروف المحيطة بالكوكب، بما فيها سبل الدمار المنتشرة على سطحه. فوق رؤوسنا، قبب رسمها الماضي على جزيئات متراكمة تتماسك فيما بينها بما يستحيل أن يتكرر ضن أي ظروف أخرى.

طبقة فوق أخرى، تترامى لتكتب بالثلوج أحداث جرت في هذه المنطقة الجليدية عبر آلاف وآلاف من السنين.

يحتفظ ما يحيط بنا من ثلوج، بواحدة من أجمل أشكال الطبيعة التي استمرت عبر العصور المتتالية. وهي تحوي تاريخ مثير، لكوكب صغير الحجم، يقع في زاوية من طريق الحليب.

عفرنا على قاعة هائلة تتألف من ثلوج متراكمة سقطت عبر عصور مختلفة من الجدران المحيطة وجزء من السقف. رغم تمنياتنا في البقاء لبعض الوقت نتأمل تراكم هذه الثلوج المتساقطة، إلا أن البرودة تحت أقدامنا تجبرنا على متابعة المسير. هي مثال ساطع لتحطم السقف الذي يمكن أن يحصل هنا بين لحظة وأخرى.

وجهتنا الكثير من العقبات الجليدية التي تحول دون النهر ما يجبرنا على المناورة والتحايل لمعاودة البحث عنه. كلما تابعنا التقدم، نبدد الاستقامة. الإحساس بالضغط وعدم الأمان، يتوالى مع الحماس والفضول الذي تثيره مختلف بعثات الاستكشاف. يمكن الآن، لأي حادث يقع خلفنا، أن يلغي كل احتمالات الخلاص بالنسبة لنا. إنه إحساس يثير القلق. يكتس الثلج مساحة كان يفقدها بسبب الحرارة الجيولوجية. يؤكد ذلك أننا نقترب أكثر وأكثر نحو نهاية هذا الممر.

="يبدو أن المياه تنساب هنا في ممرات ضيقة".

="لا شك أنها المرحلة الأخيرة من النفق".

="حسنا هيا، لنعد أدراجنا"

هنا تنتهي الحكاية التي تهم أناس لا يعرفون الخوف. بهذه الكلمات تنتهي قصة رحلة خوليو فيردي إلى وسط الكرة الأرضية. عبارات هذا الكاتب الخيالي، تصلح أيضا لوصف نهاية رحلتنا العصيبة هذه، التي هي أقصر بكثير، ولكنها واقعية بالكامل.

من جزيرة إسترومبولي، إلى جزيرة أخرى، هي إيسلندا. من شمس البحر المتوسط، إلى شمس منتصف الليل والبرد القطبي القارس. بين نبضات البركان، وخفقان الثلوج، نقفل الدائرة التي بدأنا برسمها على عكس خوليو بيرني. يسرنا أن نبذل بعضا من الجهد، في سبيل تحقيق هدفه. إذ يتحقق كل ما يمكن للإنسان أن يتخيله، على يد أخيه الإنسان.

 --------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster