|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
جزر المالديف
أشبه بخيط لعقد من اللؤلؤ يزين عنق البحر…
… تزيد حباته عن ألفي جزيرة من الجواهر والحلي…
لا تكاد الرمال البيضاء الناعمة لجزر مالديفيس ترتفع عن مستوى
الأمواج، ما يوشك أن يحولها إلى زاوية منسية من العالم.
على كل ما تعكسه من جمال، فإن هذه جزر شاحبة بالمقارنة مع الثروات
التي تقبع تحتها.
تستحم هذه الجزر بأشعة الشمس والمياه الدافئة للمحيط الهندي، تشع
سلسلة المرجان المنتشرة فيها بالروعة والجمال…
ولكن في مكان ما هنا، وسط السكون والجمال، يعيش كائن غريب وأشد إثارة
من غيره. إنه الشفنين المزخرف.
تقع جزر مالديفيس في الجنوب الغربي من الهند، وهي تعج بأنواع مختلفة من
المرجان…
بعد أن كانت منطقة جزر بركانية خمدت نيرانها منذ زمن بعيد عادت لتشكل
جزءا من طبيعة البحر.
ما زالت حلقات هذه الرمال تحمل آثارا لتلك البراكين.
نمى المرجان حول تلك الجزر في ذلك الوقت.
وبعد أن خمدت حمم البراكين استمر المرجان وبقي مكانه.
ثم غطت الرمال قمم حيد البحر، لتتحول إلى جزر بحد ذاتها، أما في الوسط،
حيث كانت فوهة البركان تنفث اللهب، يمكن أن نرى بركة من المياه الزرقاء
الصافية.
بيتير واستفانيا لامبيرتي هما صانعي أفلام ومن هواة الغوص في أعماق
البحار في جنوب أفريقيا، وقد وجدا في هذه المنطقة ما يكفي من أسباب
لزيارتها.
ولكنهما في هذه الرحلة يلاحقان شيئا بالغ الأهمية.
يعتبر الجميع أن الشفنين المزخرف من سكان بحر جنوب الصين،الذي يبعد
ثلاثة آلاف ميل عن مالديفيس.
في رحلات قمت بها سابقا إلى مالديفيس سمعت من أحد المشرفين أنه شاهد
ذلك الشفنين الغريب هنا، بدا الأمر مثيرا. راسه المدبب كالدلفين وجسده
الغريب والمرقط لم يظهر في أي من كتب الأسماك، لهذا أردنا أن نتمكن من
تصويره .
من خلال الوثائق العلمية التي حصلنا عليها في جنوب أفريقيا تبين لنا
أنه لم يسبق أن صور الشفنين المزخرف في المحيط الهندي… ومن المثير جدا
التأكد من أننا سنكون أول من يلتقط له هذه الصور.
بما أنه لم يشاهد سوى مرة واحدة من قبل، كان بيتير وستيفاني يعلمان
بأن فرصهم في العثور على الشفنين المزخرف لم تكن وافرة.
ولكنهما كانا يشعران بأن احتمال النجاح يستحق المخاطرة.
تعرف جزر مالديفيس باحتوائها على أنواع مختلفة من الشفنين المشابهة
جدا للشفنين المزخرف.
هيكل الشفنبن شبيه بالقرش تماما، من حيث أنه لا يتمتع بعظام حقيقية بل
مجرد بمادة غضروفية لينه.
العباءة هي أكبر أنواع الشفنين حجما، وهي من بين أكبر الحيوانات
البحرية حجما، إذ تصل المسافة بين نقطتي الأجنحة إلى عشرين قدما. وتزن
ثلاثة آلاف وخمس مائة رطل.
رغم حجمها الهائل فهي أظرف الكائنات، تسبح بهدوء و تتمايل على جنبات
الصخور.
وهي تتغذي أثناء مسيرتها فتنخل المعلقات والأسماك الصغيرة من المياه
باستخدام أظفارها لتركز انسياب المياه عبر فمها المفتوح.
تحتشد العباءات في محطات تنظيف في جزر مالديفيس، وهي تنتظر دورها في
الصف بصبر، لتعمل أسماك صغيرة على تنظيف أجسادها الهائلة من الجلد
الميت والطفيليات التي تعلق بها.
قام بيت واستيفاني أولا في الغوص بحثا عن الشفنين المزخرف في الجانب
الخارجي من رشدو آتول.
العمق هنا لا يعرف التدرج، فهو يهبط فجأة بآلاف الأقدام نحو القاع.
سيغوصان عبر هذه المياه التي يبدو أنها لا تعرف القرار.
بدآ بمسح المياه العميقة، واستسلما للجاذبية وهما ينتظران.
أثناء الغوص فيما نسميه بالحفر الزرقاء، حيث تحيط بك المياه من كل
جانب، لا يمكن أن ترى شيئا، ولا تجد نقطة مقارنة، فينتابك إحساس بأنك
تسبح في الفضاء، ما هو مثير جدا لأنك لا تعرف ما سيخرج من المياه.
فجأة وعلى مسافة مائة قدم، بدأت الظلال تظهر من تحت.
ملامح أشباح رمادية اللون بدأت تظهر في العمق البعيد.
ما أن بدأت تقترب حتى اتضح لبيتير وستيفينيا انها تنتمي لقرش المطرقة.
أنه قطيع من سمك القرش المطرقة الغامض جدا والذي ينتمي لأعماق المحيط.
عادة ما يعيش في مجموعات ، وهو يخجل جدا من الغطاسين ومن الفقاعات
التي تخرج من أجهزة الغطس لديهم.
تنفس بيتير وستيفانيا ببطء واستمرا بالغوص عميقا لإلقاء نظرة أقرب.
ينتابك إحساس مختلف جدا حين تغوص بين أسماك القرش، إذ أنك لا تجد
الصخور لتختبئ فيها، ولا تجد قفصا تحتمي به، لا شيء إلا أنت والقرش.
تشعر بالضعف ورغم ذلك يثيرك أن ترى أسماك القرش وسط بيئتها الطبيعية.
حاولت التصوير في البداية دون استخدام الإنارة، في محاولة للتقرب من
قرش المطرقة. وفعلا اقترب قرش المطرقة بما يكفي في إحدى المناسبات،
فكرت بانتهاز الفرصة وإشعال النور للحصول على ألوان أفضل، ولكن القرش
سرعان ما شعر بالخوف ورحل بعيدا.
اختفى قرش المطرقة بالسرعة والهدوء التي وصل فيها.
يعتبر هذا اللقاء المقتضب جدا مع القرش نموذجيا وتقليديا بالنسبة
للكائنات التي تعيش في البحار.
يعرف الغطاس المجرب أنه في هذا العالم الغريب عليه الاكتفاء بنظرة
سريعة لكل ما حوله من روائع.
وإذا ما كان لبيتير واستيفاني أن يلتقيان بالشفنين المزخرف فلأنه أراد
الظهور عليهما بمشيئته ورغبة منه.
كل ما يمكن أن يفعله الغطاس هو الذهاب إلى المنطقة الصخرية المحتملة،
لينتظر هناك ويتمنى.
في المرحلة التالية من الغوص توجها بالزورق إلى جزيرة هلافيلي.
في هذه الجزيرة مشاهد شبه مصطنعة. لقد تم اغراق سفينة هنا كي يتمكن
الغطاسين من الاستكشاف حولها… ولمنح المرجان والأسماك منزلا جديدا.
وهو مكان تحتشد فيه كميات كبيرة من مختلف أنواع الراي اللاسع.
منذ أن بدأ الغطاسون بإطعام هذا النوع من العباءات قبل سنوات، أصبحت
تعتاد على ارتياد منطقة السفينة الغارقة.
بما أنها تتوقع الطعام من جميع البشر، فهي تطير بجسدها نحو الأعلى
وتعرض للبشر جانبها الأسفل الذي تعتاد على إخفائه.
تقع خياشيمها وفمها في أسفل بطنها في آن معا.
عادة ما تتمتع هذه العباءات بأسنان مصممة على شكل يمكنها من تحطيم
أقسى أنواع القشريات والأصداف، خصوصا تلك التي تختبئ بين الرمال منها.
يسكن حوالي مائة نوع من هذه العباءات في المياه الاستوائية وما حولها،
بما في ذلك بعض الأنواع التي تسكن في مياه عذبة في أمريكا الجنوبية
وغرب أفريقيا.
رغم أن العباءة من ذوات الذيل الطويل تتمتع بشوكة لاسعة يمكنها أن
تؤدي إلى آلام مبرحة، إلا أن هذا النوع من العباءات ظريف جدا.
تصوير العباءات اللاسعة هنا بالغ السهولة لأنها معتادة على تناول
الأطعمة عند حطام السفينة، وقد أثبتت أنها نموذجية، فليس هناك خطورة
كبيرة من التعرض للسعاتها إلا إذا حاولت حصارها او الإمساك بها.
اطفأت نور الإضاءة لدي عدة مرات، وأظن أن إحدى العباءات اعتقدت أن
الفلاش مجرد سمكة فالتفت حولي، وكانت تسعى لأن تعض الفلاش بفمها
الصغير.
رغم أن الغوص مع العباءات اللاسعة عند حطام هالفيلي مرة أخرى فكرة
جيدة، ولكن بيتي وستيفاني لم يعثرا بعد على ضالتهما الراي المزخرف.
سيعاودان المحاولة ولكن بأسلوب آخر.
ربما يظهر الشفنين المزخرف في الليل متسللا تحت جنح الظلام.
العتمة تحت الماء بعد غروب الشمس حالكة.
كثير من الحيوانات المفترسة الكبيرة تخرج للصيد ليلا. أما بالنسبة
للغطاسين، فهم لا يستطيعون رؤية ما هو أبعد من أشعة إنارتهم الضعيفة.
في هذا العالم الداكن، تبدو الصخور بملامح جديدة. سكانها العاديين
يلجأون إلى النوم بين نتوءات الصخور والمرجان.
أعتقد أن الغطس في الليل مخيف جدا، على اعتبار أنك لا ترى إلا ما توجه
النور عليه، إذا ما استدرت لا يمكن أن ترى شيئا، إلا الظلام الحالك
الذي لا تعرف ما يختبئ فيه.
قد يبدو التصوير الليلي بالغ الصعوبة ولكنك تستطيع أن تصور الحيوانات
وما يمكن أن تكون عليه تصرفاتها في الليل، الأمر الذي يختلف عن حالتها
في النهار، كهذا النوع من السمك الذي ينام بين المرجان.
السواد الأعظم من العمل في حيد البحر يتم في الليل.
غالبية أنواع المرجان تتغذى ليلا بحيث تطلق بولبها في الظلام وتصطاد
المعلقات من التيارات المائية العابرة.
يمكن أن ترى أشياء مختلفة في الليل، أشياء كانت تختبئ أثناء النهار،
ما جعلني أجد الكثير مما أنظر إليه، حتى كدت أنسى بأني أبحث عن الراي
المزخرف… رغم انها ربما كانت تتجول في الظلام وهي تراقبنا دون أن نتمكن
من رؤيتها.
مع بزوغ الفجر، تتغير طواقم العمل بين صخور حيد البحر من جديد.
ينسحب صياد الليل نحو معاقله في الأعماق، أو ربما يلجأ إلى الكهف نفسه
الذي أخلاه السمك الذي يخرج للصيد مع بزوغ الفجر.
يسحب المرجان بوليبه أو يطلقه حسب نوع الطحالب التي تسكن فيه أو معه.
أثناء عملية السينتيسيس، تقدم هذه الطحالب غذاء للمرجان، بينما يقدم
المرجان الغذاء المقابل للطحالب.
لا يمكن لأي منهما أن يعيش بدون الآخر، على اعتبار أن نمو الطحالب
والمرجان يعتمد بالكامل على أشعة الشمس.
هذا الصباح انتقل بيتيو وستيفاني شمالا نحو المنطقة الأبعد من
مالديفيس، المعروفة بمنطقة لافياني آتول.
شوهد الشفنين المزخرف للمرة الأولى في هذه المياه.
الحيوانات الكبيرة تكثر هنا.
نابليون راس بحجم أربعة أقدام ينظف المنطقة المجاورة.
مجموعات من أسماك جاك الكبيرة الأعين تسير بقطعان هنا.
والاخطبوط يستعرض قدراته الهائلة على التأقلم مع الأجواء المحيطة
بتغيير لونه وشكله حسب ما حوله من ظروف طبيعية.
ولكن القرش هو الأكثر استعراضا هنا، القرش الرمادي اللون،والقرش
المرقط بالأبيض، المعروف بأنه السيد الأوحد لعالم المرجان.
رغم أن الجميع يهابه، إلا أن القرش عنصر حيوي من عالم ما تحت البحار.
بما أنه على رأس لائحة الحيوانات المفترسة في البحر، يمكن مقارنته
بالذئاب أو الأسود على سطح الأرض.
عادة ما يدافع سمك القرش عن منطقته، وقلما يحتشد بكميات كبيرة.
أحيانا في محطات تنظيف الأسماك، وأحيان أخرى في منطقة تكثر فيها
الأطعمة.
ولكن منذ بضعة سنوات، بدأ الغطاسون بإطعام سمك القرش بايديهم هنا، ما
جلب أعدادا كبيرة منهم إلى هذه المنطقة الصخرية.
يكثر قرش المناطق الصخرية الرمادي في مالديفيس. فهم يأتون بسرعة هائلة
والى مسافات قريبة لأن المشرفين على الغطس يطعمونهم، ما يمنح الغطاسين
وجهة نظر جديدة عن القرش.. فهي لا تعتاد على التحرك بسرعة حين تراها
تتنقل عبر الصخور.
منذ ذلك الحين جرى منع إطعام سمك القرش لأن في ذلك تعديا على التوازن
البيئي في حيد البحر.
ما زال هناك العديد من سمك القرش في هذه المنطقة.
لا بد من معاملة السمك مثلما يعامل أي حيوان بري آخر، ولا بد من
إطعامه. ولكن لا بد من الاعتراف بأنك حين تذهب إلى مكان ما حيث حصل
الحيوان فيه على غذائه، يصبح الاقتراب من هذه الحيوانات أشد سهولة من
قبل.
أما أسماك القرش فليست جميعها خطيرة.
خلف جدران هذه الصخور،عثر بيتير واستفانيا على أحد عمالقة الأعماق…
القرش الحوتي، أكبر أسماك القرش على الاطلاق. بل هو أكبر جميع الأسماك
في البحر، إذ يبلغ طوله خمسين قدم.
عادة ما يحاط هذا القرش الحوتي بمجموعات من سمك اللشك، وهو يعتاش على
أصغر المعلقات في المياه فيعتبرها طرائد له.
هنا، على جوانب جدران لافياني آتول الصخرية، تمارس قوة البحر ضغطا
هائلا على المرجان.
كل أنواع المرجان هنا تستطيع مقاومة تيارات المحيط العنيفة وأمواجه،
فتنمو أقوى وأشد عودا.
ولكن لهذه الظروف العصيبة للبقاء على قيد الحياة، ميزاتها الإيجابية
أيضا.
فهذه أكثر المياه الاستوائية ثراء، وهي تعج بالمعلقات التي يعتمد
عليها المرجان في نموه.
ينمو نوع آخر من الحدائق هنا، وهي تتمتع بجمالها الخاص والمميز…
على مسافة حدود الرؤية تنبه بيتير واستيفانيا إلى وجود نوع مختلف من
الشفنين…
إنه راي مزخرف، بالغ الجمال والظرافة، وهو يجول في الأعماق…
كاد قلبي يتوقف عن الخفقان، كنت أتمنى فعلا أن يكون ذلك الشفنين
المزخرف. ومع اقترابه تعرفت على البقع التي على ظهره، وتأكدت من أنه
الشفنين المزخرف.
لا بد من الاعتراف بأني سررت جدا. مع اقترابه تنبهت إلى أنه ليست
الشفنين المقصود ولكنه شبيه جدا به ولا بأس من التقاط بعض الصور له.
ولكن فجأة مع اختفائه خلف الزرقة الداكنة ظهر شفنين آخر، حبس بيتير
وستيفانيا أنفاسهما وهما يراقبان مروره من أمامهما مباشرة.
وأخيرا ظهر وكأنه هدية من الأعماق،الشفنين المزخرف الشرقي بكل ملامحه.
ما كنت لأصدق حسن حظنا، لقد صعد مباشرة باتجاهنا… وما أدهشني هو حجمه
الهائل وطول ذيله أيضا.
كنا نعلم أن فرص التمكن من تصويره كانت محدودة، ولكنه ظهر فجأة ليمر
من أمامنا، بكل فخر واعتزاز بنفسه.
بالظرافة والأناقة التي ظهر بها، تلاشى وسط المياه وعاد إلى عالم
الغموض الذي ينتمي إليه…
ربما كي يسمح برؤيته هنا مرة أخرى، أو ربما العكس.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م