اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 بعض ما حدث...
 

وليد قدُُّورة

 

فجراً، في الثالثة والنصف صباحاً، انهالت دقات ثقيلة على باب بيتنا الذي لم يكتمل تأثيثه بعد. لا نحفظ في ذاكرتنا إلا صور زوار الفجر الذين قرأنا عنهم في الروايات أو شاهدناهم في الأفلام. لا نخزن في الذاكرة إلا أطياف أشباح سوداء نصف ملثمة أو نصف مقنعة يقتحمون الغرف يحطمون الخزائن، ويثقبون الأسرة والفراش بمطاويهم المهترئة والصدئة، لا نحفظ إلا رائحة عرقهم وأجسادهم فيما يتمخترون يتسيدون على الأطفال النائمين. الفجر عند كثيرين لم يكن إيذاناً بالتوجه إلى مسجد مجاور، ولم يكن عند البعض لحظة بزوغ نهار جديد ومراقبة ممتعة لطلوع شمس تكبر وتتوهج ثانية بعد أخرى، الفجر عندي كان كما بدأنا المقال.

هذه المرة، في الثالثة والنصف صباحاً، تدفقت عدة حقائب كبيرة، وعربة أطفال، وألعاب كبيرة مهشمة، تدخلت كل هذه عنوة إلى مدخل بيتنا، تبعها وجه شاحب هزيل لإمرأة تحمل طفلة بالكاد تبينت أنها ابنتي وحفيدتي، ووجه رجل مكفهر غاضب يفترض أنه زوجها قال أنه يرد الوديعة إلى أهلها، وأنه تصرف حسب الأصول إذ يعيد البنت إلى بيت أهلها لأن سوء تفاهم وقع بينهما.

 

استدرجته لدخول البيت، وهو المقتنع بأنه أدى واجبه تماماً حين اقترن بفتاة غضة يافعة مليئة بالحيوية والطموح، استدرجته لأعرف منه ما الذي يمكن أن يحمل رجلأ على قذف امرأة ورضيعتها في بيت أهلها، فقال أن حدود تدخل الأهل تنتهي عندما تنتقل المرأة إلى بيت زوجها، وأن قوانين الزوج هي التي تسري في البيت الجديد، وماذا عن دور الأب حين يجد ابنته وحفيدته التي لم تبلغ شهوراً، ماذا حين يجدهما وقد رميتا في وجهه وحيدتين في هزيع الليل، وقد تخلى الزوج عنهما لأنه يحتاج إلى مساحة للتفكير والتأمل، وهو المعتاش على الكتابة، والذي لا يحتمل أي متاعب زوجية طفيفة تسبب له انشغالاً عن استكمال مهمته على خير وجه.

الرجل، رفض بشكل صارم خوض أي نقاش حول الأعراف الإجتماعية المتداولة، الرجل، إضافة إلى ذلك، لا يملك أي قاعدة أخلاقية متوازنة يمكن اعتمادها لمعالجة هذا الثقيل، إنه يحتمي بـ "الخصوصية" حتى لا يتيج الفرصه لأحد ليفند مواقفه الخاطئة، ويحتمي بعزلته خشية أن يزيل أحد الغشاء الأسود الوهمي الذي يحتمي به حتى لا يكتشف أحد أسراره الغريبة وشخصيته العجيبة، وهو في سبيل الحفاظ على "برستيجه" المخادع لا يتورع عن اتخاذ قرار بطرد امرأته ورضيعته وتحميلها على طائرة تقطع آلاف الكيلومترات، وتمضي ساعات مضنية في الجو، إرضاء لعقدة الرجل الشرقي المرتكزة على تمجيد الذات، وإشباع الغرور الشخصي، حتى لو أدى الأمر إلى تدمير كيان أسرة هي ذرة من بحر هذا الكون العظيم الذي وهبنا إياه الخالق عز وجل.

الرجل، الذي تسلل إلى بيتنا ناعماً، رفيقاً، دارساً أحوالنا بدقة، عارفاً أن الصبية هي إبنة لشهيدة فلسطينية كانت أشهر من نار على علم، ولأب يحمل إرثاً كفاحياً تكاثرت عليه طعنات الأصدقاء، وأجهزت عليه خناجر الأعداء، ولعائلة عانت من سنوات غربة طويلة، امتصت الأيام فيها رحيق حياتها، هذا الرجل، خمن وحزر وعرف وتأكد قبل أن يجيء أنه سيختطف فتاة من مضرب أنهكته الضربات، وانصبت عليه الرماح المسمومة من أكثر من جهة، يا لعقل المثقف حين يستعمل بطريقة شريرة، يا لعذاب امرأة تكون نوافذ بيتها الأول مشرعة وأسراره معلنة، يا لشقاء امرأة يلغيها شريكها فيقرر في لحظة مزاج أرق، وفي بلاد يكسوها الصقيع والثلج، يقرر أنه يحتاج إلى مساحة للتأمل قد تطول أو تقصر ولا هو يعرف مداها، وأنها بانتظار ذلك يجب أن ترمى على عتبة الدار فيما يداها الضعيفتان لا تقويان على حمل رضيعتها.

--------------------انتهت.

وليد قدُّورة  voiceoflight@hotmail.com

  الكاتب:

رماد الذاكرة

  المصدر:

20 آب - أغسطس 2007

  تاريخ النشر:

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster