|
|
سيناريوهات حرب اميركية ضد فنزويلا |
|
|
فنزويلا
تعرضت اميركا اللاتينية لعدة حروب أعلنتها الولايات المتحدة طوال عقود،
اتبعت فيها التكتيكات والاستراتيجيات على أشكالها، المباشرة منها أو
بالوكالة، كالانقلابات والقتل والاغتيالات والتعذيب على أيدي
الديكتاتوريات المحلية العميلة التي مارست شتى أنواع الاضطهاد السياسي
والتدمير الاقتصادي والحرب الإعلامية وتسلل القوات شبه العسكرية
والإرهاب الدبلوماسي والتزوير الانتخابي والحصار والاجتياحات العسكرية
المباشرة، بغض النظر عمن يحكم البيت الأبيض ديمقراطيا كان أو جمهوريا.
أصبحت فنزويلا منذ بداية الألفية الثالثة من الأهداف الرئيسة لهذه
الهجمات التي شهدت تصعيدا خطير منذ انقلاب نيسان أبريل من عام 2002
ورغم التفاؤل بانتخاب باراك أوباما ، فقد توسعت الولايات المتحدة
عسكريا في جميع أنحاء كولومبيا وهندوراس وهايتي، وعززت تنشيط الأسطول
الرابع للبحرية في بحر الكاريبي وبنما واميركا الوسطى، وكأنها تمهد
لسيناريوهات حرب معلنة.
أخذت التصريحات الأخيرة للمتحدثين الرسميين في واشنطن بالتصاعد مع
اتهام فنزويلا بتهريب المخدرات وانتهاك حقوق الإنسان وعدم المساهمة في
تحسين الديمقراطية والاستقرار في المنطقة، فضلا عن وصف الرئيس شافيز من
قبل المخابرات الاميركية ب"الزعيم المناهض للولايات المتحدة في
المنطقة" وكانها حملة منسقة لتبرير العدوان المباشر على فنزويلا التي
لا ينقصها إلا أن توضع على قائمة "الدول الداعمة للإرهاب".
ويبدو أن هذه ليست توقعات خيالية فحسب إذ تؤكد وثيقة من سلاح الجو
الأميركي، بتاريخ أيار ماي من العام الماضي على أهمية تعزيز التواجد
العسكري في قاعدة بالانكيرو العسكرية الحدودية مع كولومبيا، لتجعل
واشنطن جاهزة لإعلان حرب مباشرة في اميركا الجنوبية.
عُدّلت وثيقة سلاح الجو التي سلمت الى الكونجرس الاميركى في أيار ماي
من العام الماضي، وحذفت منها في تشرين الثاني نوفمبر، السطور التي
تكشفت عن النوايا الحقيقية للاتفاق العسكري بين واشنطن وكولومبيا، وهي
تقول "إن تطوير قاعدة بالانكيرو وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين
الولايات المتحدة وكولومبيا يصب في مصلحة البلدين... ولا بد من زيادة
قدراتنا الاستخباراتية والاستطلاعية وطلب ميزانيات إضافية لهذا الهدف،
وتحسين الدعم اللوجستي والعلاقة مع الشركاء، وتحسين التعاون الأمني
وتعزيز قدراتنا لتنفيذ العمليات العسكرية
".
صدر أول تقرير رسمي بشأن الأولويات الأمنية والدفاعية لإدارة أوباما عن
المخابرات القومية مؤكدا كعادته على ما أسماه ب"التهديدات العالمية".
وقد سبق لهذا التقرير السنوي أن ذكر فنزويلا من قبل، ولكن ليس على هذا
النحو من التركيز المتكرر لهذا العام. إذ حدد هذه المرة فنزويلا، وخاصة
الرئيس شافيز، بوصفه من التهديدات الرئيسة لمصالح الولايات المتحدة في
العالم عبر جملة مفادها: " وضع رئيس فنزويلا هوغو شافيز نفسه كواحد من
رواد النقد العالمي لسياسة الولايات المتحدة ، فهو يدين النموذج
الليبرالي الديمقراطي لرأسمالية السوق ، ويرفض سياسات الولايات المتحدة
ومصالحها في المنطقة". ويلمح التقرير.. أنه بذلك يضع نفسه وفنزويلا في
صف واحد مع ايران وكوريا الشمالية والقاعدة.
كما تقدمت وزارة الخارجية الاميركية بميزانية عام 2011 الى الكونغرس،
داعية إلى زيادة في التمويل المطلوب للوكالة الاميركية للتنمية،
والمؤسسة الوطنية للديمقراطية لتمويل جماعات المعارضة السياسية في
فنزويلا وقد بلغت الزيادة أكثر من 15 مليون دولار ، كما طلبت 48 مليون
دولار لمنظمة الدول الاميركية، لتعزيز الديمقراطية في البلدان المهددة
بتزايد المفاهيم البديلة ك 'الديمقراطية التشاركية» التي تروج لها كل
من فنزويلا وبوليفيا.
"
ثم نشرت لجنة البلدان الاميركية لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الدول
الاميركية التي تمولها واشنطن تقريرا من 322 صفحة يتهم فنزويلا بانتهاك
حقوق الإنسان وحرية التعبير وتقويض الديمقراطية في المنطقة، بينما
اعتمدت أدلة تقرير لجنة البلدان الاميركية على شهود ووسائل الإعلام
المعارضة في فنزويلا. ولكن بعيدا عن عدم وجود أدلة قاطعة، نقرأ في هذه
التقارير ملامح تبرير عمل عدواني لواشنطن ضد فنزويلا على مستوى الرأي
العام العالمي.
فرغم تعاون فنزويلا مع المساعي الاقليمية والدولية لمحاربة المخدرات
جاء تقرير وزارة الخارجية الذي نشر في آذار مارس الماضي ليصف فنزويلا
كبلد تهريب المخدرات "ومن " البلدان "المتواطئة" مع تهريب المخدرات دون
تقديم أدلة حقيقية.
وفي الوقت نفسه ، اتهمت محكمة اسبانية الحكومة الفنزويلية بدعم ومساعدة
القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) ، ومنظمة (إيتا) الباسكية
وهما منظمتان وضعتا على لائحة الارهاب من قبل الولايات المتحدة
واسبانيا، ما أثار جدلا واسعا في وسائل الإعلام الدولية تسبب في توتر
العلاقات بين اسبانيا وفنزويلا.
خلال الجولة الأخيرة لوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون أطلقت
تصريحات وبيانات مختلفة ضد فنزويلا. أعربت من خلالها عن "القلق البالغ"
على الديمقراطية، واتهمت حكومة الرئيس شافيز بأنها "لا تسهم بصورة
بناءة" في التنمية الإقليمية.
أتت جولة كلينتون ضمن الاستراتيجية المتبعة من قبل إدارة أوباما،
والهادفة لخلق شرخ بين القوى التي تؤلف ما يسمونه "الراديكالية" أو
اليسار في اميركا اللاتينية. وقد اعتبرت جولتها في المنطقة الاطول منذ
بداية أوباما لانطلاقتها بعد مؤتمر قمة الوحدة في كانكون ، حيث تم
الاتفاق على تكوين مجموعة تعاون بين دول اميركا اللاتينية ومنطقة بحر
الكاريبي دون وجود الولايات المتحدة و كندا.
يوحي ما سبق أننا حيال إعداد الرأي العام الدولي لقبول حرب معلنة عبر
تشويه صورة الخصم وحكومته لتبرير العدوان العتيد. ومن ثم تدريب ووضع
القوات العسكرية في المنطقة بجهوزية كاملة لضمان فعالية العمل العسكري
المحتمل. هنا تأتي تكتيكات التخريب وزعزعة الاستقرار والاضطرابات
الأمنية لاستنزاف البلد واضعافه من الداخل، ليصبح أقل استعدادا للدفاع
عن النفس.
جاءت هذه المعطيات وسط تدهور علاقات فنزويلا وبوليفيا مع واشنطن، حيث
اتهمت حكومة بوليفيا السفير الاميركي بضلوعه المباشر وتحريضه على اسقاط
حكومة ايفو مورايس بعد اجتماعه مع المعارضة اثناء اضطرابات العام
الماضي، ووجهت فنزويلا اتهامات مباشرة الى الادارة الاميركية بالتدخل
بالشؤون الداخلية كما قامت حكومة الاكوادور باغلاق القاعدة العسكرية
الاميركية الوحيدة في البلد.
احتمالات الحرب المتوقعة لا تستهدف اخضاع فنزويلا وحدها بل و كل من
بوليفيا والاكوادر والبرازيل وكولومبيا والبيرو المحيطة بمنطقة
الامازون الغنية بالثروات الطبيعية والمعادن والمياه الجوفية، حيث
تحتوي البرازيل على أضخم خزانين للمياه الجوفية العذبة في المنطقة.
كما انضمت البرازيل الى الدول ذات الاحتياط النفطي الهائل، حيث اكتشفت
مساحة تفوق ال149 الف كلم مكعب من النفط في مياهها الاقليمية. يبدو
أنها كانت سببا يعزز الحاجة لصفقة اسلحة اشترتها برازيليا من باريس
بقيمة تزيد عن 12 مليار دولار، وهي تشمل غواصات وطائرات عامودية وعدد
من الطائرات القتالية.
بينما أعلن الرئيس شافيز شراء صواريخ روسية يصل مداها الى 300 كم، وهو
يقول : " نحن لن نهاجم احدا وانما هي اسلحة دفاعية " بينما أعلنت
الادارة الروسية من الكرملن عن بلوغ قيمة الأسلحة التي تم الاتفاق
عليها مع فنزويلا ال 5 آلاف مليون دولار.
يشبّه الرئيس الكوبي المتقاعد فيديل كاسترو القواعد العسكرية الاميركية
في كولومبيا بالخناجر التي تطعن قلب جنوب القارة الاميركية. وهو يعرب
بذلك عن تحول كولومبيا الى قاعدة عدوانية ضد العديد من دول القارة،
وتعتبر بعض الدول وعلى راسها البرازيل تواجد هذه القواعد تهديدا مباشرا
لخيرات الامازون التي تزيد من اطماع الدول الاستعمارية.
تدعي الادارة الاميركية أن الهدف من بناء مزيد من القواعد العسكرية في
القارة، هو محاربة عصابات المافيا، وقد جاء رد الرئيس البرازيلي على
هذه التصريحات بقوله " الجيش الكولومبي والقوات الاميركية عجزوا طوال
ستين عاما عن اعادة الاستقرار الى كولومبيا، متسائلا إن كان وراء ذلك
اهدافا اخرى؟؟".
وقد جاء الانقلاب في هندوراس والتواجد العسكري الكثيف لأكثر من 20 الف
جندي اميركي في هايتي اثر الزلزال الذي أصاب هذا البلد ليزيد من القلق
السائد تجاه التحركات العسكرية الاميركية.
ويبدو أن واشنطن تعمل في المنطقة على خطين متوازيين، يعتمد الأول على
تعزيز تحالفاتها الاقليمية وتواجدها العسكري في بعض الدول، بينما تسعى
من جهة أخرى للاستمرار في كبح المتغيرات التي تشهدها المنطقة عبر تعزيز
الهزائم الانتخابية الكاملة كالتي شهدتها بناما وتشيلي بوصول القوى
اليمنية التي تدور في فلك واشنطن إلى سدة الحكم، وتعميم الهزائم
الانتخابية الجزئية التي أصابت الأرجنتين ونيكاراغوا والبراغواي،
فجعلتها دولا تعتمد على رؤساء اصلاحيين وتقدميين يواجهون مؤسسات
تشريعية تضع العراقيل في طريق مشاريعهم الاقتصادية والسيادية النهضوية.
هذا هو السيناريو الذي تعمل واشنطن على تنفيذه في انتخابات أيلول سبتمر
البرلمانية في فنزويلا، حيث تسعى لضرب الأغلبية المؤيدة للرئيس تشافيس،
كما تسعى لتحقيق الأهداف ذاتها في البرازيل خلال انتخابات تشرين اول
أكتوبر المقبل. وهي ان فازت بذلك تستعيد هيمنتهنا على ثروات المنطقة
عبر حلفائها في السلطة، وإلا سيبقى سيف الاضطرابات وشبح الحرب سيفا
مسلطا على هذه الدول.
--------------------انتهت.
إعداد: د. نبيل خليل
08-06-2010 |
|
|
|
|
|
|
|
|