اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 ما الذي يحملك على الذهاب إلى كـوبا؟
 

صديق لكوبا

إصرار على الحياة بكبريـاء .. رحل هيمنغواي وجاء ماركيز..

تسع عشرة ساعة من الطيران إلى هناك، استراحتان في مطارين أوروبيين – أحدهما يمتاز بغلظة وفظاظة موظفيـه حين يكتشفون أن العابر يحمل جواز سفر عربياً – ثم الوصول إلى مطار هافـانا، الأنيق، الجميل، الذي مولت بناءه الحكومة الكندية، والمسمى بـ "مطار خوسيه مارتيه" نسبه إلى الزعماء التاريخيين، والذي قاد ثورة ضد الاسبان في نهاية القرن الماضي باءت بالفشل بعد تدخل امريكي مباشر.

أغلب موظفي المطار من النساء، ألوان سمراء وبيضاء وخلاسية وحمراء تنضوي تحت راية لغة واحدة هي الاسبانية. قليلون يتقنون اللغة الانجليزية، كأن كوبا هذا الأرخبيل من الجزر المتناثرة، لا تقع على بعد 90 ميلاً من ميامي في الولايات المتحدة الأمريكية. لا شك أنك ستصدم بكثير من البيروقراطية التي لا مبرر لها لدى وصولك إلى مينائها الجوي، حيث مطار مدريد هو الرئة التي تتنفس منها كوبا، وتطل من خلالها على أوروبا، ولكن كل ذلك سيزول بمجرد اتمام اجراءات الدخول والاستئناس إلى دخول العاصمة هافانـا.

الناس هنا بسطاء.. طيبون.. عنيدون .. سحنتهم تشبه سحنة شعوبنا العربية كثيراً، لكن طباعهم مختلفة تماماً، يصرون على الحياة، ويعشقونها كما هي، من دون تبجح او مبالغة، قنوعون من دون ضعة او استسلام للأمر الواقع، أكثر ما يلفت النظر أن النظام الحالي في كوبا استطاع أن يخِّلف ارادة جماعية جديدة محورها الاصرار على الحياة بكرامة وكبرياء، من دون ترداد لشعارات لفظية خاوية. خلال اسبوع من التجوال في هافانـا مثلاً، نادراً ما ذكرت عبارة "حصـار" أو "حرب معلنـة" رغم أن ذلك قائم فعلياً منذ أربعين عاماً، كذلك لا يجري الحديث بعدائية كلامية مفرطة عن خصوم حقيقين، وموجودين على أرض الواقع بقدر ما يجري التركيز على كيفية الاستفادة من معطيات العصر الجديد من أجل النهوض بالمستوى الاقتصادي والمعيشي لشعب يبلغ تعداده 11 مليون نسمة.

هل هذه هي كوبـا الثورية التي قرأت وتابعت قصة انتصار ثورتها الاسطورية العام 1958 في غفلة من الزمن، وفي لحظة توازن مذهل للقوى العالمية؟

الجملة الثورية نادرة الآن، في ذلك البلد الذي يحكمه فيديل كاسترو فعلياً منذ أربعين عاماً وهو الذي تعدى السبعين، لكن "الفعل الثوري" التراكمي موجود عبر حركة أغلب الشرائح الاجتماعية، يمكن ببساطة ملاحظة الالتفاف والتأييد العارم للنظام رغم الهمس الكثير عن البيروقراطية المعشعشة في بعض الدوائر، وفشل بعض التجارب الاقتصادية إلى درجة الوصول إلى الحضيض أو نقطة الصفر قبل سنوات عدة، ولكن الوضع جرى التنبـه إليه بسرعة. وبدأت معالجة آثاره عبر خطوات عدة.. تصالح مع الكنيسة – الكاثوليك يمثلون 40 في المئة من السكان- وتكريس لمنح عطلة عيد الميلاد منذ هذا العام، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية – خلال سبعة أيام لم أعرف شكل العملة الكوبية، لأن التداول في المطاعم والمحلات العامة هو بالدولار فقط – ويكفي القول أن هناك 47 شركة اسبانية و 13 مكسيكية و 26 كندية و 17 ايطالية و 13 فرنسية و 9 هولندية و 31 من بلدان اميركا الوسطى و 29 من بلدان اميركا اللاتينية.

يقول الكوبيون ان الأوروبيين يعرفون مصالحهم جيداً، وأنهم دخلوا بقوة نكاية بالأمريكيين حين فتحت لهم هافانا الأبواب.

أما العرب ‍‍‍‍؟

يقولون أن حكايتنا معكم غريبة، نحن حتى الآن لم نعترف باسرائيل، وعدد اليهود الكوبيين لا يتجاوز الخمسة آلاف نسمة، تصل باخرة تحمل التموين والطعام المميز لهم كل ستة أشهر من الجالية اليهودية في كندا، أما أنتم فوقفنا معكم دائماً في كل قضاياكم المصيرية وتمنينا ويسرنا وسهلنا سبل استثمار أموالكم وقدمنا عروضـاً مجزية لكم، فلم تقوموا بأي مبادرة دون أي سبب واضح لدينا، وذكروا مثالاً على ذلك: ثمة منطقة حمضيات تمتد إلى مسافة 50 كلم وعرض 6 كلم جرى اتصالات مع مؤسسات عربية خاصة لاستثمارها وكانت الأفضلية للرأسمال العربي، لكن ضغوطاً أمريكية حالت دون السماح لأصحاب الأموال العرب المقيمين في تشيلي بالاستجابة فحصلت شركـة يهودية على هذه الصفقة وبدأت العمل بإقامة مصانع عصير هناك. كما أتيح لنا أن نشاهد بأم العين، منطقة تمتد آلافاً من الأمتار أقامت بها شركة يهودية أخرى مشروعاً اسمه "المكاتب الذكية" تحت غطاء التطوير التكنولوجي.

يبلغ عدد المهاجرين العرب إلى كوبا 45 الف نسمة، ينحدرون من أصول عربية مختلفة وكان أول من وصل إلى هناك العام 1879 لبناني ما لبث أن تبعته أعداد أخرى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ويبدو أن العرب المقيمين هناك اكتسبوا عادة الكوبيين في التضامن والتعاون فألغوا جمعياتهم القطرية المستقلة لصالح إقامة إتحاد عربي شامل في كوبا أنشىء في العام 1979.

علـى أي حال فلنعد إلى الشأن الكوبي..

المعارضون في كوبا رغم نقدهم السلبي للنظام فإنهم لا يملكون مؤسسات منظمة، وليسوا ميالين كأفراد للارتماء في أحضان جهات خارجية، وكل ما يطمحون إليه هو مزيد من حرية التعبير والنقد في بلد تمتلك فيه الدولة كل شيء، ولكن السمة البوليسية غير بارزة أو واضحة أو ملموسة. الموسيقى تصدح طوال الليل حتى الصباح، الجاز والبيانو، والباليه، ومدارس الفن تعم كوبا من أقصاها إلى أقصاها.. كأن المواطن الكوبي معجون ومجبول بالفن والموسيقى. اللوحات التشكيلية تتجدد وتتغير كل فترة في المؤسسات الرسمية، هي قد تكون لفنانين مشهورين أو مغمورين، لكنها معروضة أمام الزوار والجمهور، ورغم الوضع الإقتصادي الصعب الذي تعيشه تلك الجزيرة، فإن الحكومة نجحت كما يبدو في أن تنشىء مدرسة للفن، ودار للسينما في كل قرية، منعاً لتدفق الفلاحين على العاصمة وإنسلاخهم عن أرضهم، ويمكن ملاحظة مدى اهتمامهم بفن النحت عبر زيارة الأسواق الشعبية، حيث المنحوتات الخشبية الصغيرة والكبيرة، المطعمة بالعاج والعظام والمرجان الأسود، منتشرة بطريقة عجيبة، ربما لأن أصول السكان هناك متعددة وقادمة من أصقاع مختلفة، فهم بيض وخلاسيون وسود، اسبانيون وهنود حمر، وأفارقه وتجد تأثير هذا واضحاً في الفن والموسيقى.

هناك بؤرتان امريكيتان بارزتان في كوبا، الأولى تبعد 30 كلم عن العاصمة وهي بيت الكاتب الأمريكي المشهور ارنيست همنغواي الذي يحظى برعاية خاصة من الدولة، ومازالت كل تفاصيله الصغيرة محافظاً عليها، يزوره السياح والمهتمون من كل بلدان العالم، فيشاهدون طابعته الصغيرة التي كان يقضي واقفاً 7 ساعات كاملة ليطبع عليها، ورؤوس الحيوانات التي اصطادها في أفريقيا تزين جدران البيت، ويختـه وكتبـه وحديقـته التي تضم نباتات حملها معه من بلدان عديده.

أما البؤرة الثانية المحظورة على السياح، المؤجرة لأجل غير مسمى والتي ترفض الحكومة الكوبية تسلم إيجارها السنوي، فهي القاعدة "غوانتانـامو" التي كان يقيم بها آلاف العسكريين الأميركيين مع عائلاتهم.

إضافة إلى ذلك فإن حشوداً من الأفواج السياحية الأميركية والأوروبية يمكن مشاهدتها في دهاليز هافانا القديمة.

يبلغ عدد سكان هذه العاصمة العريقة ثلاثة ملايين نسمة، تسترخي هادئة محاطة بمجموعة من القلاع الإسبانية على شاطىء المحيط، كل مبنى فيها ترتسم عليه معالم الأصالة والقدم والعراقة، التجديد غير ممكن لاعتبارات اقتصادية، لكن الروعة الفنية المبهرة ملفتة، وبين كل مبنى وآخر تنتصب أشجار جوز الهند، أو حدائق الزراعة الصغيرة التي شجعت الدولة على إقامتها لسد حاجة السكان من التموين الزراعي.

على كل فهناك 75 مكاناً أثرياً معروفاً و537 موقع جذب سياحياً و60 منطقة للغوص تحت الماء، وخلال العام 1995 زار كوبا مثلا 700 ألف سائح، اضطروا للتجول داخل كوبا بسيارات قديمة يعود معظمها إلى أكثر من ثلاثين عاماً مضى، حيث "هافـانا" معرض حقيقي للسيارات القديمة المتعددة الألوان والأشكال والأنواع.

يفخر الكوبيون أن الكاتب الكولومبي مشهور غـابرييل غارسيا ماركيز اختار الإقامة بين ظهرانيهم، رئيساً لمجمع السينما الأميركية اللاتينية الجديدة، ويجدون في ذلك تعويضاً عن وفاة هيمنغواي، فيحيطون ماركيز بالرعاية والدفء والحرص الدائم. تماماً كما يفخرون بنصب المفكر والشاعر خوسيه مارتيه الذي أقاموه وسط العاصمة، ولا يتعارض هذا عندهم مع تمجيدهم لذكرى "تشـي غيـفارا" وتزيين العاصمة بصوره، أينما ذهبت تطالع وجهه وعينيه. صور كبيرة وصغيرة، مرسومة على ملصقات أو محفورة على الخشب، يقابلها ندرة في ظهور فيديل كاسترو عبر أجهزة الإعلام، بل استرشاد دائم بأحاديثه وخطبه الطويلة جداً في المؤتمرات واللقاءات.

ذهبت إلى كوبا متوقعاً أن تقول وداعاً للأثر الباقي من تجربة تلاشت، لكنك عدت موقناً أن هذه الجزيرة الصغيرة، المزنرة بعشرات القلاع على شطآنها المختلطة ألوان صباياها، وناسـها قادرة أن تفلت من دوران هذا الزمن فتجدد شبابها، وتصر على الحياة بكرامة.

--------------------انتهت.

تأليف الأستاذ وليد قدورة

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster