لغتنا تواكب العصر

أوشوايا 05

حزر الرينيون   أهلا بكم ، سندعوكم هذه المرة لمرافقتنا للتزلج في المنطقة الأشد انحدارا على الأرض، ذي ديربي أوف ذي غران مونتي. والسقوط الحر من سماء جزيرة رينيون، ضمن رقص مع الغيوم بسرعة مائة وعشرين ميل في الساعة. لنغوص بعدها في أعماق البحار مع رجل يحلم ببناء حضارة كاملة تحت الماء. سوف نبدأ بنوع مختلف من المغامرات، في أرياف دمرت يوما بالأعمال الحربية. الآن فقط يمكن أن نتجول مع نيكولاس هولو خلف خطوط العدو في فيتنام الشمالية. =-=-=-=- فيتنام: أرض الذكريات المريرة، والجمال الساكن. رغم قرون من النزاعات مع الصين وفرنسا وأمريكا، ما زالت فيتنام تحافظ على نعمة حضارة قديمة ومناظر طبيعية خلابة تميزها مئات الظلال من اللون الأخضر. قد تكون ذكريات الحرب قائمة بعد، إلا أن السلام أصبح يسود فيتنام اليوم. جاء نيكولاس هولو إلى ما كان يعرف بجمهورية فيتنام الشمالية. والتي أصبحت اليوم شمال فيتنام فقط. عاشت هذه المنطقة لسنوات طويلة في حالة من الغموض والضبابية، ولكنها فتحت مؤخرا أبوابها الواسعة لاستقبال الأجانب. استقل نيكولاس دراجة نارية قديمة استعارها من الشرطة الفيتنامية، وخرج إلى الشوارع متوجها إلى هانوي. هنا، ونحن في ضواحي العاصمة بعد، يمكن للمرء أن يلاحظ ازدحامها الشديد. رغم أن الكثيرين ما زالوا يحملون الأثقال على أكتافهم، نجد أن البلاد تسير بخطى حثيثة نحو العالم المعاصر. ما زال القمع موجودا، ولكن سقوط المنظومة السوفييتية وتوقيع دستور جديد عام ألف وتسعمائة واثنين وتسعين جاء بالكثير من إصلاحات السوق الحرة. يحمل جسر لونغ بين بريدج، المؤدي إلى هانوي، لمسات الأعمال المعدنية التي قام بها مبدعه الفرنسي غوستاف إيفيل، لعبور النهر الأحمر. تعرض هذا الجسر لعمليات قصف متعددة، وكان دائما يعاد بناؤه من جديد. يؤدي الجسر إلى الشارع الأكثر صخبا في العاصمة. هانوي مدينة تنبض بالحياة، يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، أي بمعدل شخصين لكل يارد مربع. وهي عاصمة لفيتنام منذ القرن الحادي عشر. اليوم كما في الأمس تجري الحياة في الشوارع، بين الأكل والعمل، يجري كل شيء على أرصفة المدينة. وأخيرا وجد نيكولاس نفسه في الحي القديم الذي يعرف بشارع ست وثلاثين. هو حي الفنانين والمبدعين. يمكن للمرء هنا أن يشتري كل شيء من غطاء المائدة، وحتى حجارة القبور. نيك: كل شارع هنا يحمل اسم اختصاصه: شارع الحرير، شارع الخردوات، إلى ما هنالك.. المناطق المجاورة ما زالت تتحدث عن ماضي الاستعمار الفرنسي، حيث تكثر المباني الأوروبية والشوارع الاستعمارية العريضة. ولكن البلاد تشهد اليوم نهضة في التقاليد. التقاليد الفيتنامية التي تعود لخمسة قرون من الزمن. هناك معبد عند بحيرة هوان كيم، عبر جسر الشمس الصاعدة، يحتفل بالسلحفاة الذهبية التي يقال بأنها منحت فيتنام سيفا سحريا أخرج الصين من هناك في القرن الخامس عشر. قريبا من هنا، وفي معبد الأدباء، يتم الاحتفال بذكرى قيام فيتنام،  حيث  يتبعون  الشعائر الدينية القديمة. يتم تكريم الأدباء هنا منذ القرن الحادي عشر بالأغاني والصلوات.. إحياء لذكرى العلماء من الرجال والنساء الذين يحاربون البؤس والأرواح الشريرة. انتهى الوقت المخصص لنيكولاس في هانوي، ولكن أجمل المناظر في فيتنام ستأتي لاحقا. لهذا فهو يتجه نحو الشرق. تقع المناظر الساحرة على مسافة أربع ساعات من هانوي، جبال خليج هالونغ الضبابية. تعتبر هذه المنطقة جزء من خليج تونكين الشهير، حيث بدأ النزاع الفيتنامي الأمريكي، إلا أن تاريخها يعود إلى مرحلة أقدم من هذه. تقول الأساطير الفيتنامية أن دراغون هائل جاء إلى هنا وحفر معالم هذه المنطقة بنفسه، محدثا أخاديد الوديان بذيله وما يزيد عن ثلاثة آلاف جزيرة من الحجر الكلسي. تحتشد في الخليج مئات الزوارق التي تعج بالصيادين الفقراء ممن يعملون ويسكنون في مراكب قديمة معززة بشراع قطني سميك. نيك: كلما أسهبت في التأمل كلما تأكدت لك صعوبة الحياة وبدائيتها بالنسبة لهؤلاء الصيادين المقيمين في مراكب خليج هالونغ. على حصيرة صغيرة، يحميها مأوى خشبي بسيط، تعيش عائلة بين ستة وثمانية أنفار، عاما بعد عام، حيث تأكل وتنام وتتزاوج  وتموت جنبا إلى جنب. لا يوجد هنا مؤن إضافية أو كماليات،  لكل شيء وظيفته المحددة، حجر الموقد هنا ينوب عن المطبخ بكامله. لم يتغير شيء على متن الزوارق الخشبية القديمة التي في مياه خليج هالونغ، منذ آلاف السنين. هذه صورة لا تاريخ لها. وهذا هو الحال عبر فيتنام، حيث تسير البلاد على إيقاع قديم. هنا يسير انعدام الزمن والحياة المعاصرة جنبا إلى جنب. الأرض القديمة والخالدة، تتأرجح على حافة المستقبل. ------ عند أعالي قمم الألب الفرنسية المتجمدة، حيث الجبال تعانق السماء، نجد واحدا من أعظم تحديات المتزلجين في العالم. إنه أقسى المنحدرات، وأشدها صعوبة على وجه الأرض. في آذار مارس من عام سبعة وسبعين، وجهت دعوة لأهم المتزلجين في العالم، كي يجربوا أنفسهم على هذا المنحدر، ضمن سباق تحول إلى أسطورة. هناك منحدر من ستة أميال في ديربي أوف ذي غران مونتي ، يهبط أكثر من ستة آلاف قدم. خلال  السنوات القليلة الماضية قتل ثلاثة متزلجين على هذا المنحدر، كما أصيب العديد بجروح خطيرة. بعد خمس سنوات فقط، تم إلغاء السباق نهائيا. ولكن في المباريات الأخيرة التي جرت عام اثنين وثمانين، تمكن متزلج محلي هو بيير ريبوت، وفريقه من تحطيم جميع الأرقام القياسية، بعبوره المسافة كاملة بأقل من أربع دقائق. بعد أكثر من عشر سنوات، عاد بيير ريبوت ليتحدى المنحدر مرة أخرى، كي يحفر اسمه في أساطير هذه الثلوج. بدأ الانحدار من على ارتفاع عشرة آلاف قدم، عند قمة الجبل. إنه ينحدر أربعين درجة، نحو أسفل الجبل. وأخير انطلق بسقوط حر  بسرعة بلغت خمس وسبعون ميلا في الساعة. لا مجال للجرجرة هنا ، وعلى  بيير أن يمزق الثلوج ويبحث عن السبل المباشرة للنزول إلى أسفل الجبل.. متجاهلا بذلك الصدمة التي يمكن أن يتعرض لها. بعد سقوطه أربعة آلاف قدم، عبر منحدرات الثلوج، كان على بيير أن يقطع جانبيا على ارتفاع ستة آلاف قدم، المحطة الوسطى عند كروا دي لونان. هنا يبدأ الانحدار نحو أسفل الوادي. هذه نقطة البداية بالنسبة لغالبية متزلجي عطلة الأسبوع. استمر بيير بالانحدار لمقارعة الخط الأدنى. أراد أن يحمل معه كل ما يتمكن من السرعة التي جاء بها من أعالي الجبل. ولكن الأمور بدأت تزداد صعوبة.. كان بيير قد عبر أربعة أميال وعليه أن يحمل ساقيه على مقاومة ميلين آخرين على الأقل. هنا تبدأ البنية بالتلف ، ويأخذ المزلاج بالانزلاق ليقضي على حياة من يعتليه. هنا تبدأ جميع العضلات بالصراخ. عزز بيير سرعته القصوى، وهو يحاول أن يحافظ على أفضل وضعية ممكنة، ليتجه نحو الخط النهائي. لم يعد الأمر يتعدى بضع ثوان، ليطير فوق الثلوج، ويحافظ على وضعيته إذا أمكن. أخيرا الختام، ستة أميال، ستة آلاف قدم، ثلاثة أضعاف مسافة أي سباق على كأس العالم. ستمر فترة طويلة قبل أن يصبح بيير جاهزا للجولة القادمة. =-=-=-=-=-=-= يوم اعتيادي على طريق اعتيادي ولكن هذه الشاحنة تسير نحو لقاء غير اعتيادي. لقاء مع الحركة، مع القبطان الجريء بريندون أو برايان البالغ من العمر خمس وثلاثين عاما. بريندون بطل في التحليق  سجل سرعة مائتين على اسمه. ولكن أهم الأرقام القياسية التي سجلها كانت في الألعاب الجوية، التي تبعث الدهشة والإعجاب لدى هواة التحليق في قارات ثلاث. وهو اليوم بصدد القيام بعمل تقشعر له الأبدان. سوف يحاول أن يوقف الطائرة على ظهر شاحنة تسير بسرعة ستين ميل في الساعة على الطريق العام. يتطلب ذلك دقة متناهية. كل ما هو أقل من ذلك سيقود إلى كارثة  كاملة. هبوط سريع ولكن بريندون لا يستطيع الحفاظ على موقعه. للقيام بهذه المحاولة الخطيرة، اختار بريندون آلة قديمة يمكن الاعتماد عليها. طائرة بمحرك واحد صنعت عام ألف وتسع مائة وخمسين. ليست الطائرة الأسرع ولكنها متجاوبة جدا، وتحتمل المناورة على سرعة منخفضة. سوف يحتاج بريندون لكل جزء منها، حين يأتي موعد الهبوط. هل سينجح؟ أم أنه..؟ يعمل أوبرايا على تركيز موقع طائرته، التي يبلغ طولها واحد وعشرين قدم، في الجو. أي خطأ ببضعة إنشات قد يعني وقوع كارثة هنا. اقترب جدا.. ولكن ليس بعد. شاشة الفيديو داخل الشاحنة تساعد السائق على رؤية الطائرة، أثناء محاولة أوبرايان الأخيرة. خطأ بالغ الخطورة. ثم عاد بريندون  ببطء، وبلطف شديد، ليلامسها، لقد تمكن منها. إنه عمل ناجح. =-=-=-=-=- على مسافة ساعة ونصف الساعة من بورا بورا، تقع جزيرة مالبيليا المرجانية الصغيرة، التي تحوي ممرا واضحا تحت الماء. جاء نيكولاس إلى هنا ليلتقي بفريق أوشوايا ويغوص معه لاستكشاف هذه المنطقة الفريدة من المحيط الهادئ. استطلع من الفضاء منطقة الغطس المحددة. هي ممر ضيق محفور بين سلسلتين من الصخور المرجانية. هذه البحيرة الضحلة هي منتجع للطيور، وخصوصا منها الأطيش الذي يثير الضجيج هنا وطيور الفرقاط أيضا. ولكن التحديات الخطيرة تكمن تحت الماء. أصبح فريق أوشوايا جاهزا للغوص. علما أنه لا يوجد وسيلة محددة للتحضير لما ينتظره تحت. فما أن ينزل الفريق إلى الماء حتى يصبح أسير المد والجزر. أنشأت البنية الجيولوجية الغير اعتيادية هنا تيارا يسحب الفريق من البحيرة إلى المحيط بسرعة تزيد عن عشرة أميال في الساعة.. عبر زبد المياه وصخور حادة وخطيرة. لن يتمكن نيكولاس من السيطرة على السرعة أو الاتجاه، بعد أن سحبه التيار تحت الماء باتجاه البحر. عندما أخذه التيار عبر سلسلة صخور تعرف بكثرة أسماك القرش، ما كان بوسعه أن يفعل شيئا، سوى متابعة المسير. يجلب التوافق بين المرجان والتيارات تمازج غير اعتيادي بين كائنات المياه العميقة وتلك الضحلة منها. مثل البركودة والراي وسمك الجندي. لكن الملاحة بين جدارين من الصخور المرجانية، لم تمنح نيكولاس فرصة كبيرة للتمتع بالمناظر الخلابة. الطريقة الوحيدة التي تمكنه من التوقف هي أن يمسك بصخرة مرجانية ويتمنى لنفسه الأفضل. نيك: واو من الجيد أن نقف ونجول بالنظر فيما حولنا. ولكن ما أن يفلت الصخرة حتى يتابع المسير مرة أخرى.. إلى أعماق القناة وباتجاه البحر. في منطقة محمية يمر التيار فيها أقل عنفا، شاهد نيكولاس كائنا غريبا وكأنه مموه. إنها سلحفاة البحر. يتم اصطياد هذه السلحفاة طمعا بصدفها، وهي الآن على لائحة الحيوانات المهددة بالانقراض. ولكن هنا في هذا الممر المرجاني، يساعد التيار المائي على تقديم مأوى آمن لزائريه من الحيوانات الوحشية. عالم صغير يختبئ داخل سلسلة جزر جنوب المحيط الهادئ. =-=-=-=- من صمم أول مظلة جوية ؟ الصينيون عام ألف وثلاثمائة وستة؟ ليوناردو دافينشي عام ألف وأربعمائة وخمس وتسعون. أم الفرنسيون عام ألف وسبع مائة؟ الجواب عندما نعود. ====== من صمم أول مظلة جوية؟ الصينيون عام ألف وثلاثمائة وستة؟ ليوناردو دافينشي عام ألف وأربعمائة وخمس وتسعون. أم الفرنسيون عام ألف وسبع مائة؟ الثلاثة معا: اخترع الصينيون المظلة الأولى كأداة. وصمم دافينشي نموذجا يحمل شكلا مشابها، إلا أن الفرنسي جي بي بلانكارد وأندري غارنيرين، فصنعا وجربا أول نموذج عن المظلة الجوية. =-=-=-=-= يعتبر السماء مسرحا بالنسبة لمئات الآلاف من البشر في مختلف أنحاء العالم. الدوران والألعاب البهلوانية على ارتفاع عشرة آلاف قدم يجعلهم يحملون الفن إلى الأعالي.. بالقفز في الجو والرقص في الهواء. جاء نيكولاس إلى جزيرة رينيون الواقعة في المحيط الهندي للمشاركة في تشكيل بنية جوية مع فريق القفز الفرنسي صاحب البطولة في هذه الرياضة. نيك: حسنا ها نحن هنا. يتمرن الفريق على حركاته منذ لحظة القفز. لقد تمرنوا عشرات المرات، سواء على الأرض أو في السماء. أما التحدي هذه المرة فيكمن بحماية وتوجيه الوجه الجديد نيكولاس عندما يقفزون من على ارتفاع خمسة عشر ألف قدم نحو الأرض. سوف يسقطون بسرعة مائة وأربع وستين قدم في الثانية. رجل:لحظة القفز قبطان، بقي ثلاثة عشر ثانية على موعد القفز. هذه لحظة عصيبة فعلا بالنسبة لنيكولاس. أربعة رجال يمسكون به للتأكد من أنه سيقفز في الوقت المناسب. رجل: خمسة، أربعة، ثلاثة، اثنان، واحد. لن يتخلى الفريق عن نيكولاس حتى في لحظة القفز الحر العاجلة. سرعان ما يوجهونه عبر مجموعة من الحركات المعقدة، التي تشكل جزءا من رقصاتهم في الجو. إنهم يسقطون بسرعة مائة وعشرون ميلا في الساعة. مقاومة الريح بالغة الكثافة، نيكولاس، بلباسه الأخضر، يجد صعوبة في التحكم بحركات تبدو له شبه مستحيلة. سلم أمره لبراعة زملائه في الفريق كي يوجهونه في الحركات الراقصة. يقومون برعايته بحرص حتى أنهم يفتحون له المظلة. رجل: جاهز، هيا. رجل: حسنا نيكولاس، عليك أن تحتل مكانك بسرعة، استمر بالتوجه شمالا. قليلا بعد. حسنا، أظنك تمكنت من ذلك الآن. أصبحت في المكان المحدد والآن اسحب. ابتهج نيكولاس.. ولكنه لامس السطح فقط. على مدار العشرين عاما الماضية شارك الرياضيون بالقفز الحر.. حتى جعلوا منه فنا. يعرف هؤلاء ب باريشنيكوف الجو. تأتي اللحظة الحاسمة بالنسبة لمحبي هذه الرياضة،  على ارتفاع ثلاثة آلاف قدم، عندما يشدون حبل المظلة. لحسن حظهم هناك أشخاص مثل ريكستير باول، يعملون في تجريب المظلات. سيحاول ريك بإصرار منه، أن يجعل المظلة تخفق في الجو. لقد أجبر أكثر من مرة على تقطيع حبال مظلة عاجزة. ولكن بعد سنوات من الأبحاث التي قام بها أشخاص مثل ريك، تبين أن المظلة المستطيلة الحالية أكثر أمانا وسهولة في التوجيه من المظلة القديمة. ما فتح المجال أمام رياضة جديدة. سيحاول نيكولاس المشاركة في تشكيلة للمظلات مع الفريق الفرنسي من فوق برج إيفيل . نيك: رائع. قائد الفريق باتريك كوستيلا الحائز على بطولة العالم لأحد عشرة مرة، سيتولى توجيه نيكولاس في عملية القفز. باتريك: حسنا نيكولاس. . جاهز، اسحب. نيك: ويوو. لدى التسعة عشر مظلي دقيقتان فقط للمشاركة في التشكيلة. على ارتفاع سبعة آلاف قدم، بدأوا بالتشكيلة من أعلى إلى أسفل. تعمل هذه المظلات كالسطح الانسيابي، فهي تمنح المظلي قدرة على التحكم بالمظلة للتحليق في الفضاء. ما كان هذا ليحدث قبل عشرين عام. نيك: إنه أمر لا يصدق أي مشهد هذا. يضع كل عضو في الفريق قدميه في عروة شريكه. قام باتريك بوضع  نيكولاس إلى جانبه ليبقيه تحت أنظاره، قريبا من قمة التشكيلة. حين يحتل المظلي مكانه، عليه أن يحلق بسرعة ثابتة. تعتمد السرعة على التقنية ووزن الجسم. معا يهبطون بسرعة ألف وخمس مائة قدم في الثانية. حين يصلون إلى خمسمائة قدم يحلون التشكيلة. باتريك: نحن جاهزون للذهاب، حسنا نيكولاس؟ العلامات الأرضية في باريس موزعة تحتهم مباشرة. واحد بعد الآخر، يدورون حول برج إيفيل للهبوط بعد ذلك. أثناء هبوط نيكولاس في منطقة شامبس دي مارس، في قلب باريس، كان يفكر بأمر يقول: أن النجاح بالهبوط وحده، هو الكفيل بجعل الإنسان يرغب بتكرار التجربة مرة بعد أخرى. =-=-=-=-=-=-= تشكل المياه تسع وتسعون بالمائة من الكرة الأرضية. رغم ذلك فمعارفنا عن أعماق البحار أقل مما نعرفه عن جبال القمر. حتى في أيام جولي فيرني، كان الناس يحلمون بالعيش في أعماق البحار. وقد عمل أحد الفرنسيين طوال العقدين الماضيين، على تحقيق هذا الحلم. إنه المعماري الفرنسي جاك روجرز. مكتبه، مركب على نهر السين، يعتبر مركز أبحاث بحرية عالي التقنيات، بحيث يصنع التقنيات اللازمة لإقامة الإنسان تحت الماء. جاك: أمضيت سنوات طفولتي على شاطئ البحر، لهذا أردت دائما أن أكون على صلة بالبحر، ولكني أتمتع بروح البناء، لهذا حاولت أن أجمع بين الرغبتين معا، بين عالمي المحيطات والبناء. قام هذا الحالم طوال عشرين عاما بتصميم أكثر من خمسين مشروع سكني ومزارع المياه والقرى تحت الأرض. هي ثورة عمرانية منسجمة مع ما تحت البحار. تضمن تصميمه الأول القليل من الإنجازات. جاك: ليس لدينا ما يمكن المقارنة به. ليس لدينا إلا الكائنات الحية، لنرى كيف اعتادت هذه الحيوانات على العيش تحت الماء. يبدو الأمر وكأنه تقليد لما فعله ليوناردو دافينشي، الذي تأمل الطبيعة  ليتخيل الهليكوبتر. وأفضل طريقة لبناء تشكيلات للإنسان تحت الماء ، تتم أيضا بالتعلم من الطبيعة. اعتمد اكتشاف روجيرز على تخيل مسكن بحري ولكن ليس في قاع البحر بل يطفو وسط المحيط مسكن ثلاثي الأبعاد يعلق في المياه. عام ألف وتسع مائة وسبع وسبعون، شيد أول  بنية له تحت الماء، وهي غالاثي، التي يبلغ وزنها ست وخمسون طن من الحديد والألياف الزجاجية، هناك ستة أشخاص يسكنون هنا في قلب المحيط لمدة شهر، وهم يحصلون على الأوكسجين عبر أنابيب من السطح. لم يكن في تكنولوجيا البناء تحت الماء أي صعوبة تذكر، سبق أن جرى استخدامها جميعا في البرامج الفضائية. وكان التحدي في أقلمة هذه البنية على ظروف المحيط. على مدار السنوات القليلة التالية، صمم روجيرز مجموعة من الملاجئ تحت الماء، على شكل مخيمات للراغبين في العمل تحت البحر. جاك: أعتقد أنه سيتم بناء حضارة تحت الماء، والدليل على ذلك من حولنا. سيتم استخدام هذه المراكز من قبل أشخاص يعملون تحت الماء. تكمن الفكرة ببناء مكان يستريحون فيه أثناء العمل هنا. طوال عام ألف وتسع مائة وثمانين، عمل روجرز على بناء العديد من الأجهزة المتخصصة بالأبحاث في المحيطات. بما أنها تمر في منطقة حدودية بين عالمين فإن الأكواسكوب تمكن الرحالة من التعرف على الحياة تحت البحر دون التعرض للبلل. عام خمسة وثمانون، عبر فريق روجيرز المحيط الأطلسي باستخدام سفينة نموذجية نصفها مركب ونصفها الآخر غواصة، عرفت بالأكوا سبيس. تعلق القبة الشفافة في هذه السفينة التي يبلغ طولها ستون قدم، وسط المياه، ما يمكن الزوار المقيمين على اليابسة من التعرف على سبل الحياة في أعماق المحيط. حين يتعلق الأمر ببناء صلة وصل بين الإنسان والبحر، يؤكد روجيرز أن المستقبل يعتمد على الأطفال. وهكذا قام بين عامي تسعين وواحد وتسعين، ببناء ثلاثة مراكز بحرية، أسستها الحكومات الأوروبية. من أوسيانوبوليس في بريست، إلى مركز ناوسيكا البحري الوطني في بولون، سور مير. يتمنى روجيرز على مدار العقد القادم، أن يضم مزيدا من الباحثين الشبان، للقيام بجولة  تحت البحار حول العالم.. ذلك العالم الذي يحبه. عالم البناء للمستقبل، في قاع المحيطات. =-=-=-=-= قبيل بزوغ الفجر بلحظات قليلة، تصحو سابينا كلينهينز للقيام بما فعلته أكثر من ألف مرة من قبل.  أما المكان فهو نهر أرديك السريع، حيث تعصف الرياح في هذه المنطقة من جنوب فرنسا بسرعة مائة وخمسين ميل من الأبيض المتوسط. كانت سابين طوال خمسة عشر عاما بطلة عالمية في سباق زوارق الكاياك. اختصاصها سباقات كي اثنان فئة النساء، لمسافة خمس مائة متر بشخصين في زورق واحد. فازت سابين ببطولة فرنسا لل كي اثنان، كما حققت مستويات عالية في الكثير من المسابقات المتعددة الأخرى. ولكنها لم تفز يوما بالميدالية الأولمبية، بل احتلت المرتبة السادسة في ألعاب برشلونة لعام اثنين وتسعين. رغم بلوغها الخامسة والثلاثون، ما زالت سابين تتمرن طوال الوقت على أمل المشاركة مرة أخرى في الألعاب الأولمبية القادمة. في أوائل الثمانينات، كانت سابين نجمة صاعدة في فئة المائتي متر  للسباحة الحرة. ولكنها في رحلة إلى أرديك تعرفت على تحديات زوارق الكياك ولم تتراجع عن ذلك بعدها. انتقلت إلى فرنسا وعملت مع مدرب لتخصص اليوم أكثر من أربع ساعات يوميا لضمان اللياقة اللازمة، بما في ذلك العدو والدراجة الهوائية وغيرها لتعزيز قدرتها على الاحتمال. يتركز ما يقارب ربع تمرينها اليوم  على تدريبات الوزن. سباق فئة الخمس مائة متر يتطلب انطلاقة سريعة جدا. إنها تحتاج إلى  احتياطي هائل من قوة الجسم العلوي، لبذل الجهد الإضافي اللازم للوصول إلى النهاية. ينبع نهر أرديك من شافاد باس، على علو أربعة آلاف وخمس مائة قدم في غابة مازان. طوال آلاف السنين حفرت شلالات المياه أخاديد عميقة لها بين الصخور. يضمن  النهر اليوم أربعين ميلا  من المياه السريعة الحركة والتيارات المناسبة جدا لهواة الكاياكي مثل سابين. يمكن لسابين أن تتمرن في أرديك على فئتين من الكاياكي المسافة القصيرة منها والسباق المتعرج. المسافة القصيرة أشبه بسباق الطعن، فالهدف منه هو الانتقال من منطقة إلى أخرى بأسرع ما يمكن في مياه ساكنة. تتسابق النساء أفرادا وأزواجا وأربعة أشخاص في زورق واحد، وجميعها لمسافة خمس مائة متر. أما السباق المتعرج فعلى الزورق أن يناور مع مجموعة من خمس وعشرين مدخلا في مضائق مياه بيضاء سريعة الحركة يتراوح طولها بين ثلاثمائة وثماني مائة متر. أما الهدف فهو محاولة الإبحار بأسرع ما يمكن، دون وضع نقاط جزائية للمعابر المفقودة. على متسابق التعرج  أن يكون خبيرا فيما تسميه سابينا بقراءة النهر، ليتوقع أعماقه وانحناءاته وتغير تياراته. بعد عبوره آلاف المرات على مدار عقدين من الزمن، تعلمت سابين أن تتوقع ما سيحمله النهر لها. سرعان ما سيحملها الترحال إلى سدني، عاصمة أستراليا عام ألفين، فيما يمكن أن يعتبر آخر ألعابها الصيفية، وآخر فرصة لها للفوز بالميدالية الذهبية. =-=-=-=-=-= تتألف الأمازون من مليونين ونصف المليون ميل مربع من النهر والأدغال في قلب أمريكا الجنوبية. على حافة غابات المطر هذه، عند الإكوادور،  وصلت امرأة فرنسية في مهمة لمدة ستة أشهر. لورنس ليبرون في الثانية والثلاثين من عمرها، وهي تعمل في الأعشاب الاستوائية والصيدلة. أما هدفها من الزيارة فهو دراسة أسرار الطب القديم للغابة، وهي تحمل مقابل ذلك المساعدات الطبية المعاصرة لشعوب هذه الغابات. محطتها الأولى في قرية لعشيرة من الكيشوا. تم استقبال لورانس وتكريمها باحتفال من الطعام والشراب الذي يستخرج من أعشاب تعرف بالكاسافا. تعتمد هذه الشعوب على الغابة للحصول على كل ما يلزمها من طعام ومأوى وعلاج. إنها المنطقة البيولوجية الأكثر تنوعا على وجه الأرض. لورنس: لا بد من الإشارة إلى وجود أكثر من مائة نوع من النباتات المختلفة في كل أكر. أما فيما يتعلق بالنباتات العلاجية فنحن لا نعرف أكثر من عشرة بالمائة منها، وما زال تسعون بالمائة  مجهولا. هذه النباتات مشوقة جدا،  يعيش النمل على سيقانها.   إنها نباتات تعالج القروح، وهي تشفي الجروح عندما تضمد بها. في قلب هذا الكنز البيولوجي تجمع لورينس مئات من الأعشاب، ليس للاستفادة منها بل للمساعدة على حمايتها وتحديد الأسرار العلاجية منها للإنسان، للتأكد من أن هذه المعلومات عن النباتات سوف تبقى للأجيال القادمة. عبر مسافة ساعات، نحو النهاية الجنوبية للإكوادور، خرجت لورنس للقيام بالجانب الآخر من مهمتها. وهي حمل أحدث الأدوية إلى شعوب عشيرة أشوار. وصلت الأمراض الغربية إلى هذه المناطق البعيدة جدا، عملت مجموعة لورنس لصيادلة بلا حدود على محاربتها بالأدوية الغربية، بعد أن دربت السكان المحليين على استعمالها. ولكن الجزء الرئيسي من مهمة لورينس حملتها إلى الحدود مع بيرو. هنا تتكلل زيارتها برحلة عبر الزمن، للتعرف على عشائر لم يكن لها أي اتصال مع العالم الخارجي قبل عشرات السنين. إنها عشائر الهواروني، التي علمتها الغابات أشياء كثيرة عبر الأزمان. هذا الطبيب المحلي الذي يعالج  الكرمة المقضبة هو في الواقع يصنع السم الأمازوني. لكل قرية هنا مركباتها العلاجية السرية الخاصة. توضع الكرمة المقضبة في ضماد من أوراق النخيل، ليقوم بدور المصفاة الطبيعية. تمر المياه التي تدفأ في الفم عبر المصفاة، ليخرج عبرها سائل السم. يطبخ السائل السام لمضاعفة تأثيره، ما ينجم عنه سائل مركز يستخدم في طلاء رؤوس الرماح. حين يصل إلى الأوعية الدموية، يصبح له مفعول موهن، ما يرخي العضلات ويؤدي إلى توقف القلب والرئتين لدى أي حيوان كان. لهذا يتم استخدامه دائما في أعمال الصيد. إلا أن هذا المركب نفسه الذي يجعل  المادة خطيرة، يجعلها أيضا ذو فائدة طبية. عام ثلاثة وأربعين اكتشف العلماء أن المركب القلوي يمكن أن يصلح في نسبة مخففة، كوسيلة مخدرة، دون أن يكون له تأثير الكلوروفورم الجانبي. وهكذا تحول السم القاتل إلى مخدر عجيب، يتم استخدامه اليوم في جميع أنحاء العالم. هذا هو التوازن بين الحياة والموت في الأمازون. إنها الدائرة الطبيعية التي طالما تفهمها الهنود. تؤكد المصادر الطبية أن مصادر  ربع الأدوية المستخدمة اليوم هو الأبحاث الجارية في غابات المطر. أيا كانت صحة هذه النسبة، فإن لورينس تعمل بجهد لحماية هذه المعارف التقليدية، بحيث تبقى أسرار الغابة معنا وتمر من خلالنا عبر الأجيال. =-=-=-=-=- جزيرة هاليفاكس، هي قطعة صخرية صغيرة على شواطئ جنوب أفريقيا.. لا تسكنها إلا  قطعان البطريق. قد نستغرب جدا، وجود البطريق هنا  يتعرض لحرارة أفريقيا القاسية، ولكن هذه الطيور اتخذت من هذه الجزيرة بيتا لها. وهناك رجل أراد أن يكرس حياته لحمايتها، إنه الدكتور طوني وليام. طوني: سوف نصعد الآن بحذر شديد لأن هذه الطيور تخاف من اقتراب البشر في هذه الجزيرة، سوف نبدأ بالصعود، لنتوقف بعدها ونتابع المسير. هناك اعتقاد شائع بأن البطريق يسكن في المناطق الجليدية والباردة فقط. ولا شك أن هذه المنطقة ليست باردة. لدينا الكثير من أشعة الشمس، كما أن الحرارة هنا مرتفعة جدا. المياه القطبية الباردة جاءت بالبطريق شمالا وما زالت تغذيه . هذه التيارات غنية بالقشريات والأسماك الصغيرة التي تتغذى عليها الطيور. ولكن الحياة لم تكن سهلة بالنسبة للبطريق الأفريقي. إذ أن الأعداد القادرة على التوالد منها بلغت عشرة آلاف زوج هنا في هذه الجزيرة. أما اليوم فهي لا تتعدى السبع مائة وخمسون. تسرب النفط إلى مياه البحر قضى على أعداد كبيرة من صغارها، وهذه ليست المشكلة الوحيدة. طوني: كانت  الجزر في الماضي مغطاة بهذه الطيور بكثافة، لتنتشر بين أعشاب الغوانو حيث تضع البيض هناك وتبحث عن الظل بينها كي تنشئ صغارها دون أن تكترث بأشعة الشمس الحارقة. ثم جاء الإنسان إلى هنا وأحرق أعشاب الغوانو بكاملها. أما هدفنا الرئيسي الآن فهو المحافظة على أعداد الطيور الباقية الذي انخفض بشكل واضح. يعمل وليام بكل إمكانياته للمحافظة على الأجيال الجديدة من هذه الطيور. طوني: لدينا هنا صغير في الأسبوع الثالث من عمره، يغطيه رداء سميك يبقيه دافئا. ما زالت الزعانف في هذه المرحلة تنمو بسرعة علما أن الطير لا يحتاج إليها كثيرا بعد، إلا أن الأقدام كبيرة نسبيا بالمقارنة مع حجم الزعانف. سوف أعيد هذا الصغير إلى أمه. قد لا تكون أمهات الصغار سعيدة بذلك، ولكن وليام يعود بين الحين والآخر إلى هاليفاكس لتعداد أزواج التوالد، والتأكد مما إذا كانت  تتنامى أو تتقلص. وعلى مدار الأشهر والسنوات الماضية أقام نوعا من الصلة المميزة مع هذه المخلوقات. طوني: لا شك أن لدي إحساس مميز تجاه البطريق، لأنها طيور مميزة جدا، فهناك صور متعددة عنها كما أشعر أنها تتميز بكثير من الإنسانية. لكل هذا شعرت ألا بد للإنسان أن يدرس البطريق من وجهة النظر العلمية البحتة، للتأكد من أن الأجيال القادمة من البطريق سوف تتوالد بكميات كبيرة، بحيث نتعرف عليها ونعجب بها. وهكذا على هذه الجوانب الموحشة من الشواطئ الأفريقية، يتابع وليام اهتمامه بالبطريق، كما يعتني بمستقبلها.  --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل