لغتنا تواكب العصر

أوشوايا 04 - شفير الهاوية 3

اسماك بولينيزيا   الملائكة الزرق يمرون بماك واحد. ونيكولاس يفقد الوعي. حدود الثلوج تعبر إلى الفضاء في فرنسا. القرش يعود للحظات في مالديفيس ، ونيكولاس على لائحة الطعام. ومن أطباق بولينيزيا، السمك الهلامي. ==== (موريا بولينيزيا.) بحث نيكولاس عن حقيقة سمك القرش، أخذته إلى جنوب المحيط الهادئ، حيث يتواجد هناك بكثرة، ليقوم بالغطس ليلا ونهارا، بصحبة اثنين من الخبراء بسمك القرش. يمكن العثور على القرش في جميع محيطات العالم. أما الذين يرغبون في المخاطرة بحياتهم لمطاردة القرش، فهم أقل انتشارا. جاء نيكولاس إلى موريا بالقرب من تاهيتي، كي يلتقي بأحدهم. المختص بالقرش بيرنارد بيغيومي. اتفق بيرنارد ونيكولاس على اللقاء تحت سطح المحيط. لا يستغرق الأمر طويلا حتى تكتشف الأسماك الصغيرة ما يحمله نيكولاس وبيرنارد من دلو مليء بالطعم الدموي. القرش أصبح خلفهم. مع أنه يحافظ على المسافة لبعض الوقت. يدور ببطء قبل أن يتجه نحوهما. في الوقت نفسه، جاءت كل الأسماك المجاورة لتزوق الطعم. نيك:" سمكة نابليون" تعرف هذه السمكة الودودة شعبيا وفي الجوار بلقب سمكة نابليون.لأن ملامحها تتضمن شكل قبعة الإمبراطور المميزة جدا. تطلق هذه السمكة العنان لشفتيها كي تتذوق الطعم. وقد أخذت يد بيرنارد في فمها بالكامل أثناء المحاولة. ثم سارعت في الابتعاد عن المكان. لإدراكها بأن المنافس قد وصل. نيك:" يا الهي!".  أثناء قيام نيكولاس وبيرنارد بإطعام سمكة نابليون، كان سمك القرش يحاول التقدم. نيك:" يسرني أنها تهتم بالطعم أكثر منا.". يعتبر هذا النوع الظريف نسبيا واحد من ثلاثة آلاف وخمس مائة نوع من سمك القرش. تصميمها البارع بقي على حاله مبدئيا منذ ما يزيد عن أربع مائة مليون عام من التطور والنمو. نيك:" نحن محاصرين فعلا، لا أستطيع أن أعرف ما هو عددها". القرش الرمادي ينضم الآن لذوي النقاط السوداء. كما هو الحال في غالبية أنواعها، يتمتع القرش الرمادي بأربعة عشر صف من الأسنان في كل من الفكين. وبعدها شم القرش الليموني الرائحة. يتمتع هذا النوع الأخير بزعانف مضاعفة، ويمكن لطوله أن يصل إلى عشرة أقدام. أما وزنه فثلاث مائة رطل. من بين الثلاثمائة وخمسين نوع من سمك القرش، عشرة منها تعرف بمهاجمة الغطاسين. الرمادي والليموني لسوء الحظ هما من بين هذه العشرة. بير:" نيكولاس أنظر إلى هناك". نيك:"واو، إنه رائع. يؤكد العلماء أنه القرش قبل أن يقوم بالهجوم، يتصرف بطريقة غريبة . تهبط زعانفه إلى الأسفل، ويرتفع خرطومه إلى أعلى. ثم تبدأ بالسباحة بشكل لولبي. يعتقد البعض أن لتصرفاتها علاقة بحماية المنطقة، ولا بد من التعرف عليها، بحيث تفر الأسماك الأخرى التي تلاحظ هذه التصرفات. لا يتميز البشر بالحساسية دائما. بيرنارد متأكد أنها لا تهتم إلا بالطعم. أما نيكولاس فهو قلق نتيجة جشعها البالغ وتصرفاتها التي لا يمكن التنبؤ بها. بعد حلول الظلام خرج نيكولاس وبيرنارد للغطس مرة أخرى  حيث عثرا على قرش رمادي بالغ الخطورة. استعرض بيرنارد الطعم الدموي. والقرش لا يضيع الوقت. من الواضح أن هذه الحيوانات المفترسة تقف في أعلى الشبكة الغذائية. قدرة القرش على الشم تمكنه من تحسس رائحة الدم على مسافة آلاف الأمتار. والحقيقة أن سبعين بالمائة من دماغ القرش تتمحور حول وظائف الشم. يكاد القرش يفقد صوابه. كفاءة بيرنارد وشجاعته وحدهما الكفيلان ببقائه على مسافة قريبة من فكي القرش. في اليوم التالي تابع نيكولاس بحثه عن القرش. فسافر من موريا إلى جزيرة مالديفيس، بين الهند وسيريلانكا. التقى بخبير آخر في شؤون القرش المصور هيرفارد فويتمان. الذي تتناقض اكتشافاته مع ملامح القرش الخارجية. عرض هارفرت على نيكولاس أن يخرجا في محاولة غطس ثالثة، ليريه بأن القرش حيوان مسالم لدرة أنه قد يكون ودودا. إذا أحسنت التعامل معه. تبع نيكولاس وهيرفارت التيار الذي يحملهما مباشرة إلى منطقة سمك القرش. أمضى هيرفارت السنوات الخمسة عشر الأخيرة بمراقبة وتصوير القرش ، بما في ذلك القرش الرمادي. وقد أبلغ نيكولاس ألا داعي للخوف. يعتقد بعض الخبراء أن الهجمات ناجمة عن الحركة والضوضاء، أما هارفرت فلا يوافق ذلك. وهو يقول أنه طالما شعر القرش بأن للغطاس نوايا سلمية، لن يهاجمه. هير: "إنه قادم إلى هنا. جاء به الفضول وحده". نيك:" عجيب فعلا". يعتقد هيرفارد أنه اكتشف طريقة للاتصال بالقرش. فهو لا يقدم لهم الطعام، بل يعطي إشارات بيديه. فيتقدمون بلا عدوانية. نيك:" يا إلهي!". هير:" حاول أن تهدأ نيكولاس". نيك:" لا أكاد أصدق ذلك". يقول هيرفارد أن القرش يستطيع أن يفهم تصرفات الغطاس وحالته النفسية. خلال عمليات غطسه الثلاث مع هيرفارد وبيرنارد،  اكتشف نيكولاس أن هناك مساحة من فهم المزيد، عن تصرفات القرش وحالته النفسية. ====== سنخرج لاحقا، لتسلق الصخور في الأردن. (الأردن) الصحراء الأردنية في الشرق الأوسط. تخيل الحياة في هذه المنطقة القاحلة بين الرمال والصخور. كافحت أجيال من عشائر البدو العربية في  هذه الصحراء، التي هي عالم بحد ذاته. يتوقع أن تشعر جمال الصحراء بالسعادة وهي هنا. ولا تتوقع أن تراها تتسلق صخور بارتفاع ألف قدم. هذه العشائر بالتحديد، تسكن في الجبال الصحراوية. تتعثر الخطوات الأولى نحو الجبل لكل طفل يبدأ صعود الجبال. ولكن ليس في الأمر رياضة. لأن الخبرة في السلق هنا حاجة ضرورية، إن كان رزق العائلة يعتمد عليك. اللحوم نادرة جدا، لا بد للبدوي كي يعثر عليها بأن يتسلق الجبال للبحث عن لعبة البراري والعيش هناك. وهكذا يتدرب هذا الطفل على يد والده ضيف الله،  لتقاليد البقاء على قيد الحياة، كما تعلم هو على يد والده، وما فعله والد والده، مع والده. صلتهم الوحيدة بالزمن المعاصر تتم فقط من خلال بنادق صنعت في الحرب العالمية الثانية. ليس في الجبال المجاورة لعبة غير هذه. لهذا على الصياد أن ينتقل مسافات عبر الصحراء، على أمل العثور على لعبة الصخور الخيالية. ضيف الله وشقيقيه، صبح وذيب. بدآ مسيرة من عدة ساعات، تحت أشعة الشمس الحارقة. بلغت الحرارة أكثر من مائة درجة. يمكن لهذه الجمال أن تشرب ما يوازي ثلث وزنها من مياه الواحات القريبة. ما يعني أنها تستطيع الترحال في الصحراء لأيام طويلة، دون أن تشرب الماء. ولكن على الحيوانات التي يبحث عنها ضيف الله أن تبقى في ظلال الصخور كي تحافظ على رطوبة أجسادها. في هذه المنطقة، لا تمطر أكثر من إنشين فقط على مدار العام بأكمله. أثناء عناية ذيب بالجمل، يبدأ شقيقه بالصيد، تحت أشعة الشمس الحارقة، بعد أن يصعد إلى الصخور. حفرت أخاديد هذه الصخور في الماضي عبر مياه أنهر الشرق الأوسط القديمة. تقدم هذه الصخور لحيوانات والطيور، الظل والماء والحماية من الحيوانات المفترسة، ولكن ليس من الإنسان. يأمل ضيف الله وشقيقه العثور على صقر أو أرنب، أو إذا حالفهما الحظ، على المفلون، وهو نوع من الحوافر البرية. وهما لا يستعملان الحبال أو غيرها من سبل الأمان. ولا تكمن الصعوبة في التسلق وحده. في الطريق، يرى ضيف الله أنه ليس وحيدا. هناك منافسة. سبق أن وصل صيادين غيرهم من قبل. هذه الرمايات تعني أن على ضيف الله وصبح أن يتابعا المسير، على ارتفاع أعلى مما كانا يخططان. في الأعالي، تصبح الصخور الرملية أشد ضعفا، وأشد خطورة. لا مجال لأدنى حد من الخطأ. في الأيام الخوالي كان لضيف الله وشقيقه أن يعثرا على بقرة وحشية، التي كانت تكثر بين هذا النوع من الصخور. إلا أن البقر الوحشي قد انقرض. وأخيرا وصلا إلى أعالي القمم الصحراوية. وأخيرا سيتمكن الشقيقان من الحصول على فريستهما. ما أن تتحول حرارة الصحراء إلى برودة الليل، حتى يتناول ضيف الله وعائلته اللحوم، بدل عشائهما المعتاد من عدس وخبز. فيحتفلون بالصيد الثمين، والحياة التي لم تتغير، لآلاف السنين. ===== (أوغاتامورا اليابان) يشارك في سباق سيارات أوغاتامورا في اليابان ستين شركة من مختلف أنحاء العالم. وكل سائق يصر على الفوز. ولكن الفائزة الحقيقية في هذا السباق، هي البيئة. ذلك أن السباق بكامله يعتمد على الطاقة الشمسية. إنها الحقيقة، لن تستخدم هذه السيارات في السباق أي قطرة نفط. فهي تحصل على الطاقة من مجمع للخلايا الشمسية التي تحول أشعة الشمس إلى كهرباء. علما أن سيارات الطاقة الشمسية لم تدخل صالات العرض بعد، فمساحتها محدودة جدا. وأجهزة التكييف ليست الأفضل. ولا يمكن أن تصطحب العائلة معك. من الناحية الأخرى، يعتبر تصميمها هوائي جدا. وجسمها خفيف مصنوع من البلاستيك، ومحركها مستلهم بالعصر الفضائي. بعض هذه السيارات تستطيع التحرك بسرعة تصل إلى خمسين ميلا في الساعة، على مدار ثمانية ساعات متواصلة. هذه مواصفاتها. يستمر هذا السباق لثلاثة أيام. بعد ساعتين من السباق تبدأ الاستراحة الأولى. هل يتغير الزيت؟ أو الإطارات؟ لا، بل يتم تنظيف النوافذ. تعمل اللوحات الشمسية بشكل أفضل بعد تنظيفها. يتم تخزين الكهرباء في بطاريات صنعت من النيكل والكادميوم. الذي يؤمن الطاقة لمحرك من عصر الفضاء. مع نهاية النهار، يسبح السباق في عداد الموتى. يعمل السائقين والطاقم على توجيه سياراتهم نحو الشمس للحصول على آخر إشعاعاتها لشحن البطاريات استعدادا ليوم غد. يعتقد المشرفين على السباق بأن جميع السيارات ستعتمد يوما على الطاقة الشمسية. فهذه السيارات صامتة، ولا يصدر عنها أي تلوث، كما أنها لا تحرق أي وقود. إلا أنها تعاني من عائق واحد فقط. سيارات الطاقة الشمسية لا تعمل جيدا أثناء المطر. هذا هو اليوم الثاني من سباق أوغاتامورا الدولي، ولا يمكن العثور على الشمس في أي مكان. لم تتوقف جميع السيارات، فالأكثر كفاءة تحفظ ما يكفي من الطاقة من اليوم السابق. النموذج الذي حمله فريق هوندا يتمتع بأنه نتيجة آلاف الساعات من عمل المهندسين. أما البعض الآخر فليس محظوظا. في اليوم الأخير تمكن المحرك الحديدي الذي جاء به فريق هوندا من تحقيق النصر. وضع المحرك الكهربائي داخل واحدة من عجلاتها. حتى أنه ليس قريبا. مع أن النماذج الأخرى تحقق بعض النجاح. كل من المشاركين يساعد في تحسين مستويات هندسة السيارات. وهم يحضرون لليوم الذي لن يحتاج فيه المرء لأي محطة وقود إلا حرارة الشمس. ===== سنتحدث الآن، عما دمر حضارة بكاملها في أيسلندا الشرقية. وحدهم يعلمون. ولكنهم لا ينطقون. سافر نيكولاس وفريقه حول نصف العالم إلى أيسلندا الشرقية، وهي تتألف من مثلث صغير تقع بين تشيلي، وتاهيتي جنوب المحيط الهادئ. جاء إلى هنا في محاولة لفهم أمر بالغ الغموض. قبل ألف عام من اليوم، قامت إحدى الأمم القديمة ببناء حضارة كاملة هنا ، لتختفي فيما بعد. وما زال السؤال مطروحا. ماذا جرى؟ حين وصل المستكشفون الأوائل إلى هنا عام ألف وسبع مائة واثنين وعشرين، يوم أحد ربيعي، لم يكن قد بقي من الحضارة التي كانت هنا يوما سوى هذه التماثيل. يعتقد البعض أن نحاتو التماثيل جاءوا من العالم الخارجي. ويعتقد البعض الآخر أنهم جاءوا من البيرو في مراكب صنعت من القصب. يؤكد بعض علماء الآثار، مثل كلاوديو كريستيانو، أن السكان الأصليين جاءوا من بولينيسيا،  على مسافة ألفي ميل بالزوارق عبر المحيط. تقول الأسطورة أنهم وصلوا إلى هذا الشاطئ الذي يعرف بلقب أناكينا. عام أربع مائة ميلادي. أنشأ هذا الجزء من الإنزال حضارة بكاملها، وصل عدد جنودها إلى عشرة آلاف رجل. وأرادوا تمجيد أسلافهم الأموات بتماثيل صنعت من صخور بركانية في الجزيرة. التمثال الذي يلقب بموا،  صنع من صخرة بركانية، ولكن كيف وصلت صخور يبلغ وزنها عشرة أطنان إلى مسافة تبعد أربعة عشر ميلا؟ يعتقد العلماء أنها وضعت على جذوع أشجار وطليت بزيوت جوز الهند. تقول الأساطير بأن الموا ، مشوا إلى منصاتهم. هذا ما كان يبدو عليه التمثال حين كان يجره أكثر من سبعين رجل عبر الطريق القديم في الجزيرة. تنافست مختلف العشائر لبناء أفضل مجموعة من التماثيل. وهي تلقب ب أهوس. رؤوس هذه التماثيل وحدها تظهر فوق الأرض، أما أجسامها فتغمرها الترسبات لما يزيد عن مئات السنين. بالنسبة لهذا النوع من الشعوب، لا بد أن الجزيرة كانت أشبه بالجنة بالنسبة لهم. وهم يسمونها:" تي بيتو أو تي هينوا" أي سرة العالم. ولكن نيكولاس علم من كلاوديو، أنه مع ازدهار الجزيرة، استهلكت جميع ثرواتها. فتحولت الجنة إلى جحيم. مع تنافس العشائر على بناء أكبر تمثال ممكن، أخذوا يقطعون مزيدا من الشجر لنقلها. فبدأت العشائر تتقاتل فيما بينها، بعد استنزاف جميع ثروات الجزيرة. تشير بعض المصادر، أن هناك اعتقاد سائد  يؤكد أن انتشار الجوع في الجزيرة، عاد بها إلى عصر آكلي لحوم البشر. بداؤا يفقدون الثقة بتماثيل اجدادهم الذين تخلوا عنهم ظاهريا. وسط الخوف والتمرد أطاح الشعب بالتماثيل التي شيدت بالتضحيات الجسام. علم نيكولاس بأن انتهاء اعتقاد السكان بهذه الآلهة أدى إلى ولادة نوع من حضارة الحروب، ما جعلهم يدمرون أنفسهم. تمثل هذه المنحوتات  حضارة العصافير. العشيرة التي تمكنت أخيرا من السيطرة على الجزيرة في القرن السابع عشر من خلال الرعب والعنف. انطلق نيكولاس، الذي غالبا ما يتصرف كالعصافير، في جولة يطوف بها على متن واحد من أجهزة فريق أوشوايا. إنها مظلة تعتمد على محرك. وذلك لمشاهدة واحد من أهم مراكز العبادة هناك. نيك:" لتأكيد قوة آلهتهم، كانوا يصعدون سنويا إلى أعالي هذه الهضبة، ويسبحون عبر مياه تعج بأسماك القرش، بعيدا إلى  شاطئ هذه الجزيرة. يموت الكثيرين منهم، وأول من يعود، يحكم الجزيرة لعام كامل. الرياح في هذه المنطقة قوية، وهي خطيرة جدا على مظلة نيكولاس. أما لعشائر بيردمان، ممن كانوا ينزلون عن  الصخور بأيديهم، فكانت قاتلة فعلا. حيث كان يموت كل من يسقط فوق هذه الصخور. صعد نيكولاس وفريقه إلى زورق لإلقاء نظرة أقرب على المخاطر التي كان يخوض فيها رجال العشائر بالماء. تحت الماء، تتولى التيارات القوية سحب إلى الإنسان إلى حيث هذه الكهوف المغمورة. كما أن إبر قنافذ البحر السامة كفيلة بأن تسبب آلام حادة  والشلل النهائي بالمصابين. لا شك أن هذا التقارب الأشد الذي يمكن أن تسمح به أجهزة أوشوايا الخاصة بالغطس. تقدم تماثيل ايسلندا الشرقية شواهد حية عن الأمة التي كانت تسكن يوما هنا. أمة تركة أساطير، وعبر، مفادها أن الحضارة مهما عظم شأنها لا يمكن أن تنقذ ما يسعى الإنسان إلى تدميره. ==== حين يدور الأفق من حولك. وتنقلب الأمور رأسا على عقب. يتمسك نيكولاس جيدا على أمل أن يكون بالجهاز المناسب، أثناء تحليقه بأفضل طائرة، في سلاح الجو الفرنسي. ---- من يتمتع بقدرة أكبر على  تحمل قوة الجاذبية في الطائرات المقاتلة، الرجل أم المرأة؟ --- تؤكد الأبحاث العلمية أن للمرأة قدرة أكبر على تحمل قوة الجاذبية من الرجل. --- تعرف على الدوريات الفرنسية، وأهم ثمانية من طياري السلاح الجوي الفرنسي . وطائرتهم… ذي ألفا جيت. بسرعتها القصوى التي تبلغ ست مائة ميل في الساعة، لا تعتبر ألفا جيت المصنوعة عام سبعين أسرع من طائرة ميراج ألفين، التي تعتبر أهم طائرة قتالية فرنسية. قد تكون ألفا جيت أقل سرعة، ولكنها الأفضل في المناورات. تتمتع هذه المقاتلات الفرنسية الألمانية بسبل مميزة للتحكم. ثلما يسمح للمدنيين بركوب هذه الطائرات. لهذا يسعى نيكولاس لمعرفة السبب. ني:" سنصعد عموديا". تعتمد الدوريات الفرنسية على المتطوعين. يتم اختيارهم من بين الطيارين الذين حلقوا لأكثر من ألف وخمسمائة ساعة في طائرات عالية الكفاءة. بعض هؤلاء الطيارين خرجوا بعمليات قتالية فوق البوسنة والعراق. فهم يحتاجون لكل ما لديهم من خبرات، إذ تؤدي الدوريات الفرنسية مناوراتها على مسافة ستة أقدام من بعضها البعض. نيك:" لا أكاد أصدق المسافة التي تفصلنا عن بعض". يجمع الطيارون على أن تسارع الأدرينالين في هذا التحليق شبيه جدا بالتجربة التي يشهدونها في المعارك. مجرد فقدان التركيز للحظات، قد يؤدي إلى الموت. وهذا ما جرى تماما في استعراض عام أربعة وثمانين حين اصطدمت طائرتين فرنسيتين من نوع ألفا جيت في الجو. ما أحد الطيارين على الفور. يوجه قائد السرب أوامره بالفرنسية. طيار:"إلى الشمال ماتنو!" ماتنو، تعني الآن. ولكن بما أن للكلمة مقطعين، على الطيارين أن يتفقوا فيما بينهم على التصرف بعد المقطع الأول، أو الثاني. نيك:" نتجه الآن إلى الأسفل يبدو أننا سنصطدم. تكثف السرعة من قوة الجاذبية، ما يجعل نيكولاس يشعر وكأنه يزن تسع مائة رطل. يعتاد الطيار العادي على هذا الإحساس أما بالنسبة لنيكولاس فجسده يتعرض لتوتر هائل. تنتفخ الملابس المضادة للجاذبية لتحول دون خروج الدم من الرأس نحو الذراعين والأرجل. طيار:" حسنا نيكولاس، تمسك جيدا". نيك"اوووه". تحول هذه الملابس من أن يفقدوا الوعي. نيك:" يا الهي لا أعرف كم أستطيع تحمل المزيد. حسنا، أوه. أه، هذا كثير جدا". طيار: " نيكولاس، نيكولاس! هل أنت بخير؟ نيك:" نعم". طيار:" سنعود في الحال(..)". ضحك الطيار اعتيادي، يصاب الجميع بحالة إغماء في أول رحلة مع الدوريات الفرنسية. ونيكولاس لا يخرج عن القاعدة. ==== سنتحدث لاحقا، عن فصل الصيف جنوبي المحيط الهادئ. ---- لا يتوقف بطل البهلوان عن المرين أبدا. كان هؤلاء الأبطال يشاركون في المسابقة العالمية الأخيرة في البرتغال. (موريا بولينيزيا) وهم اليوم في بولينيزيا يحضرون للمباريات القادمة. بدون لجان تحكيمية أو تمارين محددة، أو حتى الجدران والسقف، يمكن للرياضيين أن يبذلوا ما بوسعهم. اللياقة البدنية للبهلوان شبيهة بلياقة لاعب الجمباز، صغير ومركز، ولديه القدرة على مقاومة الآلام. احترام هذا الرياضي لحدود قدرة الأجسام، أضعف بقليل من مركز جاذبيتهم. تم اختراع الترامبولين على أيدي لاعبي السرك في القرن الثامن عشر، ولا شك أن هذا الفن توصل إلى آفاق جديدة منذ ذلك الحين. لقد حل محل الفرشة التقليدية نوع جديد من البوليفيبر المصنوعة في عصر الفضاء، والتي تحد من مقاومة الريح. أما نظام النوابض الجديد فيمكنه أن يضمن بلوغ القفزة إلى أكثر من ثلاثين قدم في الهواء. هناك ثلاثة مباريات في المسابقات البهلوانية. تعرف هذه بلقب السينكرو، أو التزامن. ينسق هذان الرياضيان بين حركاتهما حتى تصبح متشابهة تماما. تتطلب رياضة البهلوانية نسبة عالية من التركيز والإيقاع. يؤكد أحد ابرز الرياضيين أن هذه اللعبة تعتمد على ضمان الارتفاع والاستمرار بالتحكم. لأن أي خطأ يمكن أن يرمي به خارج مساحة الترامبولين التي هي بعرض سبعة أقدام ونصف وبطول أربعة عشر قدم. القيام بهذه التمارين في الهواء الطلق يتطلب الكثير من التأقلم. يمكنهم استخدام السقف كدليل في بعض أعمال القفز. كما أن النسمات الاستوائية يومكن أن تؤثر بالتوازن الدقيق للدوران. على شواطئ بولينيزيا هذه، يتوافق جمال المحيط،  مع مجال السماء، وبريق الشمس،  وروعة هذا الأداء الرياضي. وفي بعض الأوقات، يتم تعليق الوقت أيضا. وكأنه في الجو. ===== (بالاو مايكونيزيا) تمتد جزيرة بالاو في مايكرونيزيا، على طول مائة ميل في عرض المحيط الهادئ، قريبا من خط الاستواء. لا يوجد سكان في غالبية هذه الجزر. أو هذا ما يبدو. ولكن آن كيتالونغ، عالمة الأحياء البحرية من غوام، تعرف أكثر. فهذا بالنسبة لها مختبر حي. تتجه آن كيتالونغ مع فريق عملها إلى المالكية، وهي واحدة من مائتي جزيرة في بالاو. للعمل في الجنان مشقاته أيضا. تفرز أشجار بالاو السامة مواد قاتلة. قطرة صغيرة من عصيرها الأسود يمكن أن تحرق البشرة وتعمي العيون. الحادث في اليابسة أو في الماء يعني الدخول في المشاكل، خصوصا وأن الإسعافات تقع على مسافة أيام. تتجاهل آن هذه المخاطر. تركز اهتمامها في أعماق المياه المالحة لهذه البحيرة. جاءت هذه الباحثة في الأحياء البحرية عبر المسافات إلى هذا المكان البعيد، لدراسة سمكة هلامية متواضعة أو مجرد قنديل. ما كان لموضوعها أن يكون أبسط. فالسمكة الهلامية لا تتعدى كونها نظام أعصاب وأمعاء. السباحة بين آلاف القناديل البحرية تحتاج للتعود عليها. ولكن مع ذلك، تجدها آن، مثيرة جدا. تعتقد أن هناك أكثر من مليون قنديل بحري هنا، في هذه البحيرة المعروفة ببحيرة القناديل. إنها أكثر البحيرات كثافة بأعداد الأسماك الهلامية التي تعيش فيها. تقوم بتصوير القناديل عبر شبكة. تعمل بعها على عد القناديل التي في كل مربع، لتحدد الكثافة السكانية الفعلية لهم. ولكن ما يدهش آن ليس أعداد القناديل وحدها. كل صباح تحتشد هذه القناديل على مسافة خمسة عشر قدما من شواطئ البحيرة، حتى حدود الظلال التي ترسمها الأشجار المحيطة. يبدو وكأن القناديل تسبح باتجاه الشمس، حيث أن الطحالب الصغيرة التي تسكن في أنسجتها، تستطيع الاستفادة من الشمس لصناعة غذائها. علما أن القناديل تحصل على غذائها من خلال عملية الفوتو سينتيسيس. إنها صلة معقدة لهذا المخلوق الغير معقد. مع تقدم ساعات النهار، تغوص القناديل إلى أعماق البحيرة. على عمق خمسين قدم، تقوم بكتيريا  المواد العضوية بامتصاص الأوكسجين من الماء، لتنشئ مزيجا من الغازات الخطيرة. يمكن لهذه الغازات السامة أن تتسرب إلى ما تحت القناع البشري للغطاس، ما يصيبه بالغيبوبة خلال دقائق. لا يمكن لآن أن تتبع هدفها إلى مسافة أعمق. ليبقى ما تفعله القناديل في الظلام، محفوف بالغموض. ====== يتوجه نيكولاس إلى أراضي إنسان الغاب، (بورنيو  إنددونيسيا) وذلك في غابات بورنيو إندونيسيا. يوشك إنسان الغاب على الانقراض.   أثناء إبحار نيكولاس نحو أسفل النهر، بدأ يفهم السبب. أخذت عمليات قطع الأخشاب تؤثر على سبل عيش هذه القردة الشبيهة بالإنسان. وهي تعتبر بين أكثر القرود انعزالا وانفرادا. عليك أن تنظر إلى أعالي الأشجار كي تتمكن من رؤيته. أو أن تغوص في أعماق الغابة مع شخص يعرفها جيدا. يعمل دليل نيكولاس في كامب ليكي، حيث تتم حماية هذه القرود ودراستها. هذه أكبر الحيوانات التي تعيش على أغصان الشجر في العالم. قد يصل طول الذكر البالغ خمسة أقدام، أما وزنه فمائتي رطل. يسمع نيكولاس أصوات هذه القرود قبل أن يراها. فالأغصان الضعيفة في أعالي الشجر تتحطم بتأثير وزنها. تحمل هذه القرود في لغة الملايا لقب "شعب الغابات". لا خطأ بهذه التسمية. التركيبة الجينية لهذه الحيوانات الذكية، شبيهة جدا بتركيبة جينات البشر. حتى أننا نتشابه بسبع وتسعين بالمائة من الدي إن آ. يعتبر إنسان الغابة بالغ الذكاء لدرة أن بروفيسور في كامب ليكي علم الكثير منهم لغة الإشارة. كما عرف أنهم صنعوا أدوات بسيطة للحصول على الطعام. يعتمد إنسان الغابة في غذائه على النباتات. فهو يأكل الفاكهة ولحى الشجر والورود والحبوب. بمساعدة بعض الموز، تمكن نيكولاس من التودد وبناء صداقات حميمة. سواعدها الطويلة والقوية تساعدها على التسلق وجمع الغذاء. عادة ما تهبط هذه القرود للحصول على الطعام ولكنها تقوم يوميا ببناء عش لها على ارتفاع أربعين أو خمسين قدما عن الأرض كي تنام. يمكن للأنثى أن تحمل طفلا كل ثمانية أو تسعة أعوام. عادة ما يبقى صغار هذه القرود مع أمهاتهم حتى يبلغون العاشرة من العمر على الأقل. نشأت أميرة إنسان الغاب هذه في كامب ليكي برعاية عالمة الأنتروبولجيا الألمانية المعروفة بيروتي غالديكاس وفريق عمله. يرافق نيكولاس بيروتي ومساعديها في رحلة يومية عبر الأدغال. وهم يحملون معهم، يتامى إنسان الغاب لرعايتهم. صناعة الخشب ليست بالتهديد الوحيد. إذ يقوم البعض بصيدها وأكلها، بينما يبيعها البعض الآخر في السوق السوداء بسعر قد يصل إلى خمسة آلاف دولار للقرد الواحد. نيك:" ماذا سيحدث لها الآن"؟ بيرو:" سوف تعاد إلى الأدغال حالما يزيد حجمها قليلا عما هي عليه اليوم". تحدد بيروتي امرأة كي تعتني بالقرد وكأنها أمه. يمكن لهذه العلاقة أن تستمر لسنوات. ما يعني أن يتعلق البشر وإنسان الغاب ببعضهما البعض. بيرو:" ما أن يكبر حجمها قليلا  حتى نعود بها إلى أعماق الأدغال ونطلق سراحها. كرست بيروتي غالديكاس أكثر من خمس وعشرين عاما من حياتها لدراسة إنسان الغاب الإندونيسي. أنقذت خلال هذه الفترة، أكثر من مائة طفل من إنسان الغاب، ومع ذلك ما زالت هذه القرود في خطر. بيروتي:" الهدف من ذلك هو جعلها تنمو بما يكفي كي تتمكن من العيش في الأدغال. إحدى المشاكل التي نواجهها، هي شبكة المناشير هل تسمع المناشير من هنا؟". نيك:" نعم". بيرو:" لهذا لا يمكن أن نتركها هنا، لأنهم يقطعون الأشجار، وهناك الكثير من البشر. لهذا نتركهم بعيدا في الأدغال، حيث لا يوجد الكثير من الناس، في مركز الحديقة الوطنية". رغم ما تبذله بيروتي ومن حولها من جهود للحفاظ على بيئتها، إلا أن قطع الأشجار مستمر. ما يعني أن مستقبل إنسان الغاب، ما زال مجهولا. ===== هؤلاء الناس، وكل من يقيمون في القرى المحيطة، في خطر. (جافا إندونيسيا) فهم يسكنون في ظل واحد من البراكين المتفاعلة في جزيرة جافا، إندونيسيا. وهو يسمونها بالمرابي، أو جبل النار. قتلت البراكين في الجزيرة أكثر من خمسة عشر ألف شخص في تاريخ مسجل. حتى أن المرابي انفجر أكثر من سبع وستين مرة. الانفجار الأخير الذي وقع سنة أربع وتسعين قتل سبع وأربعين شخص، وجرح مائة آخرين.  لماذا يقبل سكان هذه القرية الصغيرة، بالعيش عند أسفل بركان قاتل؟ الرماد المتساقط من الانفجار الأخير يجعل الأرض غنية للمزارعين. أما سكان القرية فيتحدثون عن سبب آخر. يقولون أن هذا البركان لا يملك القدرة على الدمار فقط، بل والقدرة على الشفاء أيضا. يأتي الناس إلى هنا من جميع أنحاء جافا للتداوي من أمراض لا علاج لها. هذه هي السيدة شاني وهي تعرف بما تجمعه من أرباح من مياه البركان التي تبيعها.  لكل مزيج قدرة على شفاء مرض محدد. يمكن لهذا الدواء أن يخلصك من الوهن، وهو مصنوع من الجذور والرز والزنجبيل والسكر، والمياه التي تنساب من الجبل. أما الأمراض العصيبة فيتم شفاؤها على أيدي من يلقبون بالدوكان، ممن يقولون بأنهم يستطيعون امتصاص قوة البركان. صراط هو دوكان شهير جدا، كان في السابعة من عمره حين علمه جده سر بركان مورابي. يدعي صراط أنه تنبأ بكل انفجارات بركان الجزيرة، منذ أن بدأ. أما اليوم فعليه أن يحاول شفاء هذا الرجل. اسمه أوادي، وهو طالب جامعي يعاني من صداع عنيف. وقد فشل الطيب المعاصر في معالجته. يستمع صراط أولا إلى عوارض المريض، ثم يغوص في تأمل عميق، ليركز على قوة الشفاء. كثير ممن يأتون إليه يمرون أولا بالأطباء والمستشفيات للعلاج، دون جدوى. و بعد زيارة صراط، يشهدون بقدراته على الشفاء. فهل تأتي هذه القدرة من الجبل؟ على أوادي أن ينتظر ليرى إذا ما كان العلاج نافعا. أما في القرية المجاورة، فهناك دوكان آخر يستعد لمعالجة شاب آخر. كتفه مشلول. لم يكشف عن سر هؤلاء العاملين في العلاج. إلا أنهم يعاملون كجزء من عجلة الحياة هنا. أطباء الغرب يدرسون اليوم قدرات رجال كهؤلاء، ممن يسمون بالدوكان. هل هي قوة الإيحاء وحدها، أم أنهم يعتمدون على قوة قديمة وغامضة؟ أين تنتهي حدود الإيمان بالقدرة على الشفاء، وأين تبدأ القوة الغامضة للجبل؟ ==== سنتحدث لاحقا، عن لوحة الثلج، التي تحلق في الهواء. جيلس بيكير، هو رياضي متطرف، سيد لوح الثلج. (كورشفيل فرنسا) هي رياضة بالكاد تخضع للتجربة. على مدار العشرين عاما الماضية من حياتها، عمل أشخاص مثل جيليس، على تحسين آفاقها. فقد سجل الرقم القياسي العالمي للتزلج، بسرعة تقارب الألف ميل في الساعة. وقد جاء اليوم إلى جبال الألب الفرنسية، لتجربة آفاقها من جديد. دون أي تردد، أو خوذة تحميه، يصر على التحليق. على خلاف المزلاج لا يتمتع اللوح برباط يمكن إطلاقه. ما يعني أن الرياح ، أو قطعة جليد صلبة عند الهبوط، أو خطأ في التوقيت، يمكن أن تؤدي إلى نهاية مدمرة. ولكن هذه مجرد مقدمات للذروة التي لا تصدق. للمرة الأولى في حياة التزلج على اللوح، سيقفز من فوق حاجز أولمبي طوله خمسين مترا. هنا في كورشيفال، يسعى البطل العالمي إلى العظمة، في الألعاب الأوليمبية لشتاء اثنين وتسعين. في الأعلى، تجد ما يشبه الانحدار العمودي الذي يبلغ طوله مائة وعشرة يارد. الآن بدون جمهور يصفق من حوله، وبدون ميداليات يفوز بها، سيواجه هذا الرياضي الفرنسي تحدياته بمفرده. الأخطاء في الهبوط كلفت أفضل المتمرسين في القفز، كسور في العظام، وفي بعض الأحيان، حياتهم أيضا. تخيل أنك ترمي بنفسك من أعلى مبنى بعشرة طوابق وبسرعة ستين ميل في الساعة. سبيل حمايتك الوحيد، هو الخوذة، ولوحة رقيقة من البلاستيك، كما وإلهامك. هبوط سعيد. ونجاح آخر يحققه جيليس بيكير. ==== قبل بضعة قرون كتب ماركو بولو حول هذه الأراضي الوحشية. (بورنيو إندونيسيا) بورنيو، هي جزيرة تقع بالقرب من خط الاستواء وإلى الجنوب من فيتنام. وصف رحالة الصين في القرن الثاني عشر هذه الأدغال لبولو، على ان سكانها من الغرباء المتوحشين. سمي هؤلاء السكان بشعب الداياكس، وما زالوا يعيشون في قلب بورنيو. حصار غابات المطر لهم من جميع الجهات، جعلهم يصممون  عالم غني بأنفسهم. هذه الحياة المنكفئة، تبدو أكثر سلاما وتعاليا من أن تبعث الخوف. حياة القرى هنا لا يمكن أن تحتمل حكايات العنف والوحشية. علما أن الرجال هنا كانوا يوما محاربين، يخافهم القاصي والداني، عرف عنهم أكل لحوم البشر. اعتنق غالبية شعب داياكس المسيحية، أما صيد البشر فغير قانوني. الصيد هو المنفذ الوحيد للمحاربين هنا، الذي لم يتغير لقرون. وهم يمشون في الأدغال دون إثارة الضجيج، ويحافظون على صمت كلابهم. ينصتون ويبحثون عن فريستهم، ولكنهم يتنبهون أيضا من الفهود وغيره من الحيوانات المفترسة الخطيرة. رماحهم تصلح في الاتجاهين، فهم لا يخطئون هدف سهام الأنابيب. التي يمكن أن تقتل عبر مسافة مائة يارد. بعد ساعات في الأدغال، تؤدي حركة ضئيلة إلى استنفار الصياد وتركيزه، نفخ سريع، يحمل السهم المسموم إلى الهدف. أصيبت الفريسة، السموم المصنوعة من عصارة شجرة سامة، تؤدي إلى شلل تام. لتموت الفريسة بعد أقل من ثلاثة دقائق. أصبحت المكافأة بين يديهم، وهم مستعدون للعودة بها والاحتفال بحس الطالع. في البيت، يتم الاحتفال بالمناسبة. لبضعة لحظات، يخرج إلى النور مرة أخرى  أسلوب حياة ينقرض ببطء شديد، بعد أن ولد وسط غابات المطر، في بورنيو.  --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل