اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 قصة أمريكا الجزء الثالث قيادة العالم
 

توماس ألفا إديسون

 

قرعت الأجراس في كل مكان، وارتفعت الأضواء الساطعة إلى السماء، في الرابع من تموز يوليو من عام ألف وثمانمائة وستة وسبعين، حيث بلغت أمريكا عامها المائة، لتوشك أمة جديدة على الولادة من جديد.

سيعتمد السير في البلاد قدما نحو القرن العشرين،  على شخصيات بارزة.

سوف تقاتل أمريكا من أجل الحرية على أرضها وخارج الوطن، حيث تواجه تحديات الحرية، وهزائمها وانتصاراتها.

=-=-=-=-=-=-=

نحن الشعب

بعد الحرب الأهلية الطاحنة، شهدت أمريكا عصرا ذهبيا، كانت الصناعة في طليعته. عاد مليون رجل إلى منازلهم، وعثروا فورا على عمل في مناجم الفحم، والمطاحن،  ومصاهر الحديد، ومصانع الآلات ومعامل الملابس، جاهزون لإعادة بناء الوطن.

تميزت الفترة التي تفصل بين نهاية الحرب الأهلية وحلول القرن العشرين بالتغيرات الشاملة في الحياة الأمريكية، إذ نمى عدد السكان وبسرعة هائلة. انتقل الناس إلى المدن ضمن ظاهرة واضحة، كما أن الحركة بين المناطق بدأت تتم بسرعة كبيرة، عبر المحيط للوصول إلى الولايات المتحدة وعبر القارة أيضا وذلك عبر سكك الحديد التي سجلت تحولا هائلا  عبر شمولها مساحات شاسعة بعد الحرب الأهلية.

أحب الأمريكيون هذه الخيول الحديدية، كما عشقوا جميع الآلات التي تعد بالحرية. حملت القطارات آلاف الأمريكيين نحو الغرب، إلى البراري التي شكلوا فيها طلائع لبناء المزارع والمشاريع والمنازل والنوادي، وعبر هذا الممر نحو الغرب، تمكن رجال  الصناعية  والمضاربين والممولين الجدد، من صنع الملايين.

نهاية الحدود

 

غيرت سكك الحديد ما هو  أكثر من الحدود، إذ وضعت حدا نهائيا لها. أجبر الهنود الأمريكيين على العيش في محميات مغلقة على حافة القارة.

قاتل السكان الأصليون من أجل البقاء على يد الحياة، وكافحوا للحفاظ على آخر ما تبقى من عالمهم القديم.

أوريغان. ألف وثمانمائة وسبعة وسبعين. بعد عام واحد من الذكرى المئوية، رفضت قبيلة ناسبيرس الصغيرة التي رحبت يوما بلويس وكلارك اللذان سبق أن أرسلهما جبفرسون للإستطلاع ، وكانت تفاخر بأنها لم تقتل أي رجل أبيض، رفضت التخلي عن أرضها والعيش في المجمعات.

بدل الاستسلام للوحدات الأمريكية، فضل زعيم القبيلة جوزيف، ومن حوله من إستراتيجيين عسكريين، طريق المقاومة.

يعتبر جوزيف شخصية تاريخية شيقة، إذ أنه تمكن من قيادة مجموعة من شعبه على دروب نيل الحرية، رغم مطاردته المستمرة من قبل الوحدات الأمريكية، فكان يتوقف للقيام ببعض المناوشات حتى كاد يصل إلى كندا، حيث كان يأمل أن يتمكن من العيش بحرية مع شعبه. ولكنه أوقف قبل الوصول إلى هناك وأجبر على الاستسلام للوحدات العسكرية الأمريكية.

أجبر الزعيم جوزيف كمن سبقه من الزعماء الهنود المقاومين، على العيش في المنفى بعيدا عن الأراضي الهندية. وقد نقل عنه عشية استسلامه ما يلي:..

سئمت من العراك، قتل غالبية الرجال، الجو بارد ولا نملك أغطية، كاد الأطفال يموتون من شدة البرد. فر بعض أبناء شعبي إلى الجبال وهم لا يملكون الأغطية ولا الطعام. أرجو أن تدركوا بأني متعب، قلبي حزين وسقيم، لهذا وبدءا من هذه اللحظة، لن أستمر بالقتال. 

انتهت الحرب الهندية عام ألف وثمانمائة وتسعين، بعد أن قتل منهم الآلاف، وفقدت جميع القبائل مثل النسبير، والأباشي والسو، حريتها.

في ذلك العام أعلن مكتب الإحصاءات رسميا إغلاق الحدود، واستقرار القارة.

اختراع أمريكا

 

استولى التفاؤل والفرص والصناعة على أرجاء القارة. جرى اختراع أمة جديدة بكاملها،  تفجرت من قلب الأرض الأمريكية، لإعلان ثورة جديدة، هي ثورة صناعية حديثة.

هذه صورة عادية لأمريكي ريفي في ريعان شبابه، لم يكن قد تلقى الكثير من العلوم، وقد أحب اللعب أكثر من أي شيء آخر في حياته، ومع ذلك، فقد جسد لاحقا روح الشخصية المثابرة  والملتزمة والمبدعة، حتى أنه أفضل من أي كتاب ألف عن حياته.أما اسمه فهو  توماس ألفا إديسون.

كان يميل إلى العمل على  حل المعضلات، 

وقد استخدم هذا الميول لجلب الضوء والصوت والصورة، والطاقة إلى العالم أجمع.

في مختبره الواقع في مينلو بارك نيوجرسي، حيث مصنع اختراعاته، تمكن إديسون من عرض اختراعاته المدهشة. فقد تعاون مع عدد من المخترعين مثل ألكسندر غران بيل،  لجعل أحلامهم حقيقة. وقد ساعد إلهامه وإبداعه على بناء أجيال من الحكماء.

من بين اختراعاته العديدة، برز بحثه عن الضوء، كهاجس دائم يشغله. وقد كتب عن ذلك يقول:..

استغرق الضوء الكهربائي الكثير من أوقات الدراسة، كما تطلب العديد من التجارب. لم يسبق لي أن فقدت الشجاعة أو الأمل بالنجاح. مع أن هذا لا ينطبق على جميع زملائي.

بالعثور على طريقة يحافظ فيها على شعلة في زجاجة محكمة، تغلب توما ألفا إيديسون على الضوء.

وقد عمل طوال السنوات التالية على إيصال الطاقة الكهربائية إلى بلدات ومدن بكاملها.

لم تحمل الكهرباء الضوء وحده، بل حملت معها حرية الرؤية والسمع ، والاتصال.

ومن خلال اختراعاته، تم التوصل إلى الصورة المتحركة، وهكذا وضعنا إيديسون على دروب الأحلام، ما زال يأسرنا.

تحولت الأفلام إلى أعظم الفنون الأمريكية، عالم خيالي من العشاق والخاسرين، والأبطال والفاسدين، ورعاة البقر والهنود الحمر.  عالم نسخر فيه من أنفسنا.

قدم المخترعين مثل إيديسون الأدوات العملية لبناء صروح الأمة الجديدة. ولكن الأمر يحتاج إلى فئة جديدة من النبلاء لجعل أمريكا عملاقة اقتصادية.

سادة المطاط

 

قادت حفنة من الرجال شؤون البلاد والأعمال لنصف قرن من الزمن، وذلك من خلال طموحاتهم الساطعة والعمياء. فهم لا يعرفون الخضوع، ولا يعترفون بأي سلطة، إلا سلطتهم.

كان الناس يسمونهم سادة المطاط للنقد اللاذع وقد يسميهم المعجبين بهم عباقرة الاقتصاد، ولكنهم كانوا طلائع المرحلة الأولى من بناء المجتمعات الرأسمالية الصناعية الحديثة، السواد الأعظم من كبرى الشركات الأمريكية التي ما زالت سائدة حتى اليوم أسست مع نهاية القرن التاسع عشر، وذلك على يد أفراد موهوبين ومندفعين جدا وفي منتهى القسوة أحيانا، حققوا إنجازات رائعة، فقد حولوا الاقتصاد الأمريكي، ولكنهم كثيرا ما كانوا يفعلون ذلك بسبل بالغة الفظاظة  والوحشية، ما جعلهم يستحقون لقب أسياد المطاط.

يعتبر جي بي مورغن أشد هؤلاء الرجال صلابة، الذي مول خطوط سكك الحديد، وباقي الصناعات الأمريكية. كان يحلم ببناء أمة صناعية جديدة، مترفعة على العالم أجمع. وقد تحقق الحلم.

لا يبدو من أصول متواضعة، فقد كان والده من رجالات المصارف الدولية، الذي كان يقلقه اندفاع ابنه في اتخاذ الأحكام. حقق مورغن الإبن أرباحا طائلة من الحرب الأهلية، فقد تعامل مع النزاع، كفرصة تجارية، وليس كقضية، فجنى منها أرباحا طائلة.

سرعان ما تملك أربعة من أهم ستة خطوط للسكك الحديدية في البلاد، وشركات التأمين وكبريات المصانع، وإمبراطورية مالية تساوي المليارات.

وسط حفلة غداء أقيمت عام ألف وتسعمائة، تمكن شريك مقرب لأندريو كرنغي، من إقناع مورغن بشراء مصانع كرنغي الهائلة للحديد الصلب، الذي طلب مقابلها أربعمائة وثمانين مليون دولار، بكتابة الرقم على قصاصة ورقية. وهكذا نشأت يو إس ستيل، أكبر شركة صناعية في العالم.

لم يولد أندريو كرنغي مجازيا بملعقة ذهبية في فمه على غرار مورغن، بل هو إنسان صنع نفسه بنفسه، كان والده مهاجر اسكتلندي فقير، فتعلم منه ِأهمية الدولار،  والعدالة الاجتماعية في آن معا.

عندما عمل ضابط في سكك الحديد، استوعب فكرة بسيطة أكثر من أي شخص آخر. أدرك أنه لا يمكن بناء القطارات بدون السكك. وهكذا وظف في صناعة الحديد حتى تمكن من التحكم بها، وعندما فتح المجال للصلب، سيطر على هذا المجال أيضا.

سادت حالة من الاستياء تجاه سبل استخدام الأثرياء لثرواتهم، لهذا يقارن الناس بين سلوك كرنغي وروكي فيلر، وتملك البعض إحساس من القلق حيال تحول الأثرياء إلى هدف للغضب الوطني، إن لم يحسنوا من صورتهم في أعين الوطن، ينطبق هذا على كرنغي الذي تحول من أشد أصحاب مصانع الحديد فظاظة وقسوة في القرن التاسع عشر، إلى أحد أهم المحسنين وموزعي الصدقات.

وقد كتب في نهاية حياته يقول:..

هذه هي واجبات أصحاب الثروات. على الثري ألا يبرز وسائل الترف والفخامة في حياته، ويعتبر كل الأرباح والمداخيل التي يحققها مجرد إيداعات لديه، لتحقيق أفضل النتائج المفيدة للمجتمع. على الثري أ يثبت لأشقائه الفقراء بأنه يستحق ثقتهم الكاملة لأنه أهل بها.

ومع ذلك توالت التساؤلات عما إذا كان توسع الفجوات بين الفقراء والأثرياء، هو في صالح الديمقراطية الأمريكية.

أصبحت أمريكا اليوم تختلف جدا عن بلد صغار المزارعين والتجار الذي حلم به توماس بين وتوماس جيفرسون.

فقد تمكن أسياد المطاط بعد أقل من مائة عام فقط من تحويلها إلى مرتع للشركات العملاقة، وحولوا الولايات المتحدة إلى قوة عالمية في صناعات النفط والحديد والمال والاتصالات.

المجيء إلى أمريكا

 

تعتمد الأيدي والقلوب التي تشرع في بناء أمريكا على ما يردها من مهاجرين. بدءا من ايرلندا والصين والدول الاسكندنافية وألمانيا، وبعدها روسيا وإيطاليا واليونان وبولندا وليتوانيا. كان بعضهم يأتي هربا من طغيان التمييز، أما الغالبية فتأتي فهربا من طغيان الفقر.

نزل خمس وعشرون مليون شخص على شواطئ بلادنا بين عامي ألف وثمانمائة وخمسة وستين وألف وتسعمائة وأربعة عشرة. غالبيتهم عبر جزيرة ألاس في نيويورك. جاءت غالبيتهم متحمسة لبناء حياة وعائلة جديدة. وصلت هذه البراعم للاستقرار هنا، كما هو حال هذه الصغيرة التي تسمى بولين نيومان.

جئنا ركابا في قاع السفينة وكانت تعلونا ثلاث طبقات من الركاب، إذا أخذت بعين الاعتبار أن ركاب الفئة الثانية عادة ما يكونوا بحالة مزرية يمكن أن تتخيل ما كانت عليه حالتنا ونحن تحتهم بطبقة أخرى.

ذهبنا بالحافلة إلى شقة أخي في شارع هيستر، وكان هذا شارعا مكتظا ومزدحما ترى فيه آلاف الناس يتحركون جيئة وذهاب وهم يصرخون.

يذهب المهاجرين الجدد بين نساء ورجال وأطفال للعمل في مصانع  المدن الرئيسية مثل نيويورك وبوسطن. يأتون بحثا عن الحرية والفرص، وهم مستعدون للتضحية من أجلها.

كانت ساعات العمل طويلة، وظروف العمل قاسية، ما جعل المهاجرين الجدد مثل روز شنايدرمن، تطالب أصحاب العمل لتحسين شروط العمل. كانت روز تعمل في أحد مصانع نيويورك.

بعد أن عملت في صناعة القبعات لثلاثة أعوام، بدأت أفكر أننا كفتيات بحاجة إلى منظمة، بعد أن نظم الرجال صفوفهم وحققوا بعض الإنجازات. خصوصا وأن أصحاب العمل لم يخسروا شيئا، إذ أنهم كانوا يلقون الأعباء علينا. كنا عديمي الحيلة. لا يمكن لأي فتاة أن تحل أي مشكلة بمفردها، والأمور تزداد سوءا.

عملت روز شنايدرمن وبولين نيومن كغيرهما من المهاجرين على تعزيز الصورة الديمقراطية لأمريكا، فعملتا في مجال تنظيم العمال، لمواجهة تهديد أصحاب المصانع، ومقاومة العمال الذكور.

تبين أن كثيرا من النساء أردن تنظيم أنفسهن، وتبين لاحقا أنهن تشكلن الخطوط الخلفية لما سمي لاحقا باتحاد العاملات العالمي، واتحاد عاملات مصانع الملابس،  إلى جانب اتحاد عمال الأقمشة الذي تأسس فيما بعد وغيرها من الاتحادات التي نظمت الحركة العمالية للمرأة.

بين عامي ألف وثمانمائة وواحد وثمانين وألف وتسعمائة وخمسة فقط، سجلت أكثر من سبعة وثلاثين ألف حركة إضراب لأكثر من سبعة ملايين عامل في كل المجالات الصناعية عبر مختلف أرجاء البلاد. فاز أرباب العمل بالمعركة خلف الأخرى، وذلك بمساعدة الشرطة والحراسة الوطنية. استغرق الأمر عدة عقود، ولكن القناعة والشجاعة تمكنت أخيرا من تحسين ظروف العمل، وحياة العمال في أرجاء الولايات المتحدة.

بلد جديد

 

مع نهاية القرن أصبحت أمريكا جاهزة لشد عضلاتها، وقد أصبحت اليوم على الساحة الدولية، تنافس الدول الأوروبية العظمى بالقوة والازدهار.

ما كان لأحد أن يجسد صورة أمريكا الجديدة أفضل من ثيودور روزفلت، الذي تعامل بشدة مع الحرب الاسبانية الأمريكية، والحاكم السابق لنيويورك.

عندما تمكن رصاص الاغتيال من القضاء على الرئيس ماكنلي، عام ألف وتسعمائة وواحد، تحول نائبه روزفلت، إلى أصغر رئيس يعتلي هذا المنصب في تاريخ البلاد، وهو في الثانية والأربعين من عمره.

ولد ثيودور روزفلت في كنف عائلة تتمتع بالامتيازات والسلطة، إلى جانب انه ورث الرأفة والحماس للتغييرات اجتماعية، من والده المرشد الديني. في عصر كانت فيه حفنة من الرجال تتحكم بثروات البلاد.

كانت هناك ردات فعل عارمة حيال تحكم القلة بالثروات، وكان البعض على غرار ثيودو روزفلت يتحدثون علنا عن تركيز هذه الثروات الصناعية الهائلة في أيدي السادة المطاط، ويطرحون مسألة الحاجة إلى ضمان بعض التوازن والعمل على التساوي بين كفتي الميزان وتوفير الفرص المتاحة للناس العاديين.

كان العديد من الشخصيات المؤثرة، ومن بينهم جي بي مورغان، يعتبرون روزفلت قذيفة مدفعية لا يمكن التحكم بها. خصوصا وأنه متحمس جدا لا يمكن حصر أفكاره.

الجانب الأهم بالنسبة لروزفيلت هو انه يختلف عمن سبقه من رؤساء أرسلوا المليشيا لقمع المظاهرات، باتباع سلوك يرفض فيه استخدام القوة ويدعو فيه الطرفان العمال وأرباب العمل للجلوس على طاولة المفاوضات للتفاهم.

لا نسعى إلى تدمير الشركات الكبرى بل نريدها أن تؤدي خدمات للمجتمع.

الانتاج التجاري

 

من وسط هذه الصورة لأمريكا نشأت الشركات الصناعية الحديثة.

هذا نموج عن الأمريكي الذي نشأ ضمن مزرعة في ميتشغن،  وسط عائلة ايرلندية، ليتعلم في المدارس الحكومية، كان منذ نعومة أظافره مولعا بالآلات، فقرر السير على خطى إيديسون،  والعمل على تحسين أداء عربة بلا جياد.  إنه هنري فورد، الذي أحب لعبة السيارات.

توصل عام ألف وتسعمائة وثمانية، إلى نموذج تي للسيارة الجديدة. التي كانت باهظة الثمن بالنسبة للمواطن العادي.

بعد زيارة قام بها صدفة لمصنع تغليف جماعي جعله يتساءل عن إمكانية جمع السيارة عبر مراحل جماعية، بسرعة قطعة بعد أخرى.

عام ألف وتسعمائة وستة عشر، توصل فورد إلى أحدث المنتجات الأمريكية، إنها سيارة رخيصة للمواطن العادي.

كانت عملية التركيب بالنسبة للعمال روتينية مملة. قررت فورد أن تدفع لعمالها ضعف الأجر الذي تدفعه غالبية المصانع الأخرى، حتى وصل الأجر إلى خمس دولارات مقابل ثماني ساعات من العمل، في فترة كان الدوام فيها عشر ساعات يوميا.

بهذه الحركة، ضمنت فورد الحوافز لعمالها، كما أبقتهم بعيدا عن عضوية الاتحادات. كما توصل إلى ما عرف بالعامل الأمريكي العصري. وهو مستهلك، يمكنه شراء الإنتاج الذي يصنعه. أصبحت السيارة وسيلة لممارسة الحرية، وقد أحبها الناس جدا.

أصبحت أمريكا على الخط السريع، ولن يوقفها شيئ.

عالم الديمقراطية الآمن

 

أثناء ازدهار أمريكا وقعت الحرب في أوروبا عام أربعة عشرة، حول من سيسيطر على العالم وجميع ثرواته. رغم تعاطف الرئيس ويلسون مع بريطانيا إلا أنه أصر على إبقاء أمريكا خارج الحرب العظمى، ذلك أنه كان يعتبر الإصلاحات الاجتماعية أو الحرية الجديدة كما أسماها تعتبر مسألة أكثر أهمية.

كنا نعتز بإنجازاتنا الصناعية، ولكنا لم نتمعن ونفكر عميقا بكلفتها البشرية، عدد الضحايا الذين سقطوا وحجم الطاقة التي بددت، والكلفة الباهظة من جهد وعرق الرجال والنساء والأطفال الذين وقعت على كاهلهم أثقال هذه الإنجازات ومرارتها.

ولكن هذا الموقف من الحرب العالمية الأولى لم يذهب بعيدا.

رغم معارضة كثير من الأمريكيين لدخول الحرب، قام ويلسون بإرسال الرجال عبر البحار للقتال لأول مرة، في نزاع أوروبي واسع النطاق.  على أنها كما قال ويلسون الحرب التي ستنهي كل الحروب.

يجب أن نقاتل من أجل المبادئ التي حملناها دوما في قلوبنا.. من أجل الديمقراطية، ومن أجل الذين يطلبون من السلطات، أن يكون لهم صوت في حكوماتهم، إلى جانب حق الدول الصغرى في الحرية. إلى جانب تحرير العالم في نهاية المطاف.

 ولكن باسم الحرية أيضا وجد العديد من الأمريكيين أن حرياتهم منقوصة.

رغم ما قيل خلال الحرب العالمية الأولى عن أنها حرب ستجعل العالم آمنا للديمقراطية، إلا أن تحريك الوحدات الواسع النطاق أدى في الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط شديدة على حرية التعبير. من بينها الرقابة والتجسس بموافقة الكونغرس، جعلت من غير القانوني انتقاد الحكومة خلال الحرب العالمية الأولى، كما أن بعض الولايات طبقت قوانين أشد قسوة من ذلك، من بينها منع التحدث بالألمانية في أي مكان على الهاتف أو في المنازل، ما أدى إلى نوع من الهستيريا لتعزيز الوحدة القومية، حيال المعارضة الكبيرة للمشاركة في الحرب، ما دفع الحكومة إلى قمعها.

أودع الكثير من المعادين للحرب في السجون، ومن بينهم الزعيم الاشتراكي يوجين فيديب، المناضلة السياسية إيما غولدمن، الذين قضوا فترة الحرب كاملة إلى جانب الآلاف غيرهم في السجون، كما نفي بعضهم إلى خارج البلاد.. ولكن كم الأفواه بالقوة لم يبق بدون حساب.

في بداية العشرينات تشكلت محكمة العدل العليا، لتؤكد على أهمية ميثاق الحقوق، والحاجة لحماية حرية الصحافة والتعبير،  لجميع أبناء أمريكا. وهكذا ولدت الحريات المدنية التي نعرفها اليوم على أنقاض الحرب العالمية الأولى.

بينما خرجت أوروبا مدمرة من الحرب، أدت هذه الحرب نفسها إلى جعل أمريكا أشد البلدان قوة من قبل.

أثناء الحرب استمرت المرأة في خوض نوع من المعارك السياسية.

طالبت المرأة بحقوقها كمواطنة وحقها في احتراف المهن كالرجال، والتمتع بالحريات الاقتصادية التي لا يضمنها القانون، أرادت هذه الحقوق جميعها، ولكن حق التصويت هو الهدف الأشد قوة الذي سعت لتحقيقه ملايين النساء في الولايات المتحدة في العقد الثاني من  القرن العشرين على وجه الخصوص حتى أصبح أشبه بالأمر الواقع بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

بعد مائة عام من الكفاح توجت مطالبهن بالنصر.

عام تسعة عشر، صادق الكونغرس على البند التاسع عشر، الذي يمنح المرأة حق التصويت.

هدير العشرينات

 

في هذه الفترة بذلت الأمة جهودا لجمع المال وتبذيره بحماسة لا مثيل لها. وكما قال الرئيس كالفين كولدج حينها،  الأعمال في أمريكا، هي الأعمال.

يسعى الأمريكي كالمعتاد إلى تحقيق النجاح، وقد تمكن بعضهم على غرار ألكابون من تحقيق النجاح بالخروج عن القانون الجديد، الذي منع بيع الكحول.

سيطرت أجواء من المرح على فترة العشرينات، وقد خرجت من أحياء الأمريكيين السود في مدن نيويورك وكنساس ونيوأورليانز، لتسجل انبعاث أول نوتات  موسيقية تغير نبض أمريكا.. إنه الجاز.

ساعد بعض المواطنين أمريكا على التحليق، وقد تحدى أحدهم جميع الطيور، واسر مخيلة الأمريكيين. النسر الوحيد، تشارلز ليمبر، الذي أصبح أول أمريكي يعبر المحيط الأطلسي بمفرده وبدون توقف. من نيويورك إلى لندن خلال ثلاثة وثلاثون ساعة ونصف الساعة، وذلك على متن طائرة صممها بنفسه وأطلق عليها لقب: سان لويس.

كانت تلك خطوة جريئة أدهشت العالم أجمع.

رغم ذلك أيضا كانت العشرينات محطة لانطلاق أعمال العنف والإرهاب.

أراد ملايين الأمريكيين الحفاظ على نقاء البلد، فسارت مظاهرات الكوكلوكس كلان في شوارع العاصمة لحماية أمريكيا من الكاثوليك، والمهاجرين والسود. سرعان ما واجهت أمريكا بكاملها تغيرات مدمرة أبعد مما كانت تتخيله.

انفجار الفقاقيع

 

وكان قدر فقاقيع العشرينات أن تنفجر. وقد تمثل هذا الانفجار بتدمير أسواق الأسهم في تشرين أول أكتوبر من عام تسعة وعشرين. تبخرت حرية العشرينات بلحظات قليلة. فأقفلت المصانع والمصارف والمؤسسات على أنواعها عبر البلاد، طرد عشرات آلاف العائلات من منازلهم، وطرد مئات آلاف العمال من وظائفهم.

ولكن أمريكا لا تهزم بهذه السهولة. فهي تحتاج إلى زعيم يتفهم عمق الأزمة، ويمكنه إلهام أمة على وشك الهزيمة.. إنه فرانكلين روزفيلت.

دعوني في أول الأمر، أؤكد ثقتي الكاملة، بأن علينا التخلص من الخوف، لأنه الخوف بحد ذاته هو مبرر لإرهاب، قد يجمد الجهود اللازمة، لتحويل الهزيمة إلى انتصار.

وعد روزفلت في خطابه الأول بالعمل على معالجة الظروف التي يعيشها الأمريكيون، وذلك بإعادة الناس إلى مواقع العمل.

أقامت سياسة روزفلت روابط جديدة بين الحكومة الشعب. لأول مرة في التاريخ الأمريكي اعتمد الناس على البرامج الحكومية لحمايتهم، فقدم الضمانات الاقتصادية لحماية حرياتهم.

صممت هذه البرامج لتقديم الحد الأدنى من الضمانات، ما يعني أنها جيدة نسبيا. وإذا ألقيت نظرة شاملة، ترى أن ما فعله هذا التشريع هو تشجيع الأمريكي على الاعتقاد بأنه لم يعد بمفرده، وأن للحكومة بعض المسؤوليات لتقديم المساعدات في بعض الظروف، التي تحول فيها المشكلات الاقتصادية للناس العاديين، دون تمكنهم من البقاء على قيد الحياة.

بعد أن بدأت الأمة تستعيد ثقتها بنفسها تدريجيا، كان السكان السود يعانون بعد من نظام عرف بجيم غرو. تعزز هذا التمييز العنصري لعدة قرون متتالية، ليحول دون تمتع المواطنين السود بحقوقهم كمواطنين.

بعد إلغاء العبودية ساد ما يعرف بثقافة العبودية، التي انطلقت من اعتبار أن الأمريكيين السود لا ينتمون إلى أمريكا، وأنهم لن يصبحوا جزءا من المجتمع السياسي والمعنوي في البلد لأنهم لا يشاركون كليا في الحركة الاجتماعية كمواطنين متساويين، وهذا ما تعنيه حوافز الديمقراطية والحرية.

حتى الشهرة لا تضمن الحماية، هذا ما اكتشفته واحدة من أشهر المغنيات في العالم ماريان أندرسون، في أحد أيام ربيع عام تسعة وثلاثين.

تلقت مارين أندرسون دعوة من جامعة هاورد للغناء في قاعة الدستور في مدينة واشنطن. ولكن سلطات القاعة قررت أنها لن تسمح لأمريكية سوداء بأن تغني فيها.

غضب العديد من الأشخاص، بما في ذلك السيدة الأولى، التي اشتهرت بتاريخها النضالي من أجل الحقوق المدنية، وبعضويتها في مجموعة سلطات القاعة.. إنها إلينور روزفلت، التي استقالت من المجموعة، وبفضل مساعدتها قدمت الحكومة الفدرالية ساحة لينكون، ليكون مقرا للكونسيرت.

عندما جاء خمسة وسبعون ألف شخص لحضور الكونسيرت تحول ذلك اليوم إلى احتفال حاشد للدفاع عن الحقوق المدنية.

كل ما علمته كخطوة إلى الأمام هو أن تلك الحشود غمرتني بترحيبها، شعرت بأن قوة هائلة من حسن النوايا، تتدفق من تلك الحشود، وكان قلبي يخفق بشدة وبقوة وكأنه يريد أن يقول شيئا.

أسلحة الديمقراطية

 

سيبقى يوم أمس، السابع من كانون أول ديسمبر من عام واحد وأربعين  في ذاكرة الإدانة. تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية فجأة لعدوان مدبر، قامت به الوحدات البحرية والجوية للإمبراطورية اليابانية. من خلال الثقة، بوحداتنا، وعبر إرادة لا تلين، يتمتع بها شعبنا، لا بد أن نحقق النصر الأكيد، بمعونة السماء.

زج العدوان الياباني على ميناء بيرل، بالولايات المتحدة في الحرب ضد هتلر و الفاشية، التي بدأت عام تسعة وثلاثين.

أصبح كل ما تدافع عنه أمريكا في خطر. فجندت ثلاثمائة واثنين وستون ألف شاب من أعراق وأصول مختلفة، للتضحية بأرواحهم لحماية ما كان يسمى بالحريات الأربع.

أعلن الرئيس روزفلت قبل دخول أمريكا في الحرب  أن الحريات الأربع: حرية المعتقد وحرية التعبير والتحرر من الملاحقة والتحرر من الخوف، هي المبادئ التي تجسد القضايا البريطانية والأمريكية،  وتصنفها معا في مواجهة النازية.

والحقيقة أن الفارق الكبير بين النازية الألمانية والولايات المتحدة، عزز مبادئ الحريات المدنية وحرية التعبير، واختلاط الأعراق مقابل سيادة العرق النازي الواحد.

أما في الوطن فقد  طلب الرئيس من الأمة بأن تصبح سلاحا لنصر الديمقراطية، وهزيمة دول المحور، فهي تملك القوة البشرية والصناعية لتحقيق النصر.

لم تشجع المرأة على العمل خلال فترة الركود إلا عندما تحتاج إلى العمل. حتى أنه كان يقال للمرأة أنه إذا كان باستطاعتها ترك العمل للرجل يجب أن تفعل،  وفجأة حان الوقت الذي أصبحت فيه المرأة مطلوبة جدا في المصانع أثناء الحرب، وذلك لتحتل محل الرجال هناك، بالإضافة إلى القيام بالأعمال الجديدة التي نجمت عن الحرب. وهكذا حصلت نقلة مفاجئة  من القول بأن المرأة غير مطلوبة إلى أن من واجبها الوطني الانضمام إلى صفوف العمل.

استعداد روزي دريفيدير لتلبية نداء الواجب جعلها تساهم في دفع البلاد نحو النصر، لتحصل بالمقابل على بعض الحريات الاقتصادية. وهي تتذكر ذلك بالقول:..

كنا سعداء بالحصول على عمل يعود علينا بدخل ندفع به الإيجار ونشتري الطعام  وأحذية الأطفال وبعض الأشياء الأخرى. أدركت المرأة أنها تستطيع القيام بعدة أشياء لم يكن مسموح بها من قبل. شعرت أن العمل قد منحها الحرية، بعد أن حرمت من أشياء كثيرة.

احتدام الحرب

 

كان الجميع خلال سنوات الحرب يذهب أسبوعيا إلى صالات السينما لتتبع أنباء الشبان، وهم يتمنون عودتهم إلى الوطن قريبا.

كانوا يترقبون الأحداث أسبوعا بعد الآخر.

هزيمة البحرية اليابانية في ميدواي.

وأسر المخربين الألمان على الشواطئ الشرقية للولايات المتحدة.

والنصر الذي تحقق بصعوبة في غواداكنال.

واجتياح شمال أفريقيا.

ومقاومة الأعداء الشرسة في صقلية وصولينو وأنزيو.

الانتصار والعودة إلى فلبين.

وتاروا الدموية.

كما شهدت الولايات المتحدة سجن الأمريكيين ذوي الأصول اليابانية في معسكرات حجز طوال فترة الحرب لمجرد انحدارهم من أصول يابانية، رغم أن أبنائهم غادروا البلاد للقتال والموت، في سبيل الحرية.

وقع حدث حاسم حدد مصير الحرب على الجبهة الغربية.

أكبر هجوم برمائي في التاريخ، تشارك فيه وحدات  برية وجوية مشتركة، يقودها الجنرال أيزنهاور.

إنها لحظات قوة مجيدة، والتضحية بالذات. إنه يوم الهجوم.

يؤكد فيليكس برانوم في مذكراته..

مررت بالكثير من المآسي منذ بدء الهجوم، ولكني سأتذكر هذا اليوم طالما حييت، وقد يبقى إلى ما بعد ذلك. إنه أكثر الأيام بؤسا مررت بها في حياتي.

استسلم الألمان يوم السابع من أيار من عام خمسة وأربعين.

دمرت النازية، وانكشفت آثار جرائمها البشعة، في خلفتها معسكرات اعتقالهم، حيث قضى الملاين من الأبرياء العزل من  أنحاء أوروبا بطرق وحشية.

أما في الهادئ، فاستمرت اليابان في القتال.

أصبحنا اليوم جاهزون، لأن ندمر بالكامل  وبسرعة كبيرة، كل المراكز الإنتاجية لليابان في جميع المدن. سوف نستهدف المصانع والمزارع والاتصالات. لا داعي للشك في أننا سندمر القدرة اليابانية بكاملها على صنع الحرب.

قررت الولايات المتحدة إخضاع اليابان بسلاح رهيب جدا، بدل اجتياح اليابان والمخاطرة بعشرات الآلاف من الإصابات الأمريكية. وقد ألقي فوق هيروشيما، وناغاساكي.

فازت أمريكا والحلفاء بالحرب من خلال التضحيات الكبيرة بالأرواح، وتخلصت من أعداء الحرية والديمقراطية.

الحرب الباردة

 

بدا لغالبية الأمريكيين بأن الحرب الآن وجهت بين ليلة وضحاها  ضد عدو جديد، يكره الحرية أكثر من كل شيء. إنه الاتحاد السوفيتي الذي كان يوما من الحلفاء الذين ساهموا في تحقيق النصر.

إنه عصر جديد، من الخوف والترقب، عرف بالحرب الباردة.

تحولت مهمة أمريكا الآن إلى مقاتلة الشيوعية حول العالم.

في الخمسينات، ارتفعت حرارة الحرب الباردة بسرعة كبيرة، بعد اشتداد النزاع المسلح في كوريا.

أما في الوطن فهناك نوع جديد من الثورة، هي ثورة منن الازدهار، فقد خرجت أمريكا من مراحل الركود والحرب أقوى من أي وقت مضى.

فجأة أصبح حلم  الكثير من الأمريكيين بامتلاك منزل وقطعة أرض صغيرة، مسألة في متناول الجميع. حتى وإن كان البيت لا يختلف عن المنازل المجاورة.

تميزت سنوات ما بعد الحرب بالوفرة والمتاع.

أربعين ساعة عمل في الأسبوع. أسبوعي عطلة مدفوعان، عطلة نهاية الأسبوع. حسابات في المصارف، أنابيب مياه ساخنة. كما أصبح الدجاج في كل مكان. إنها حياة الرفاهية.

ولكنها ليست للجميع، مواجهة الأعداء في الخارج جعلت أمريكا تبحث عن العدو الداخلي، وما أن عثرت عليه حتى بدأت المطاردة، بطريقة تتجسد بما قاله السيناتور جوزيف ماكارثي.

جوزيف ماكارثي:

علينا أن ننظف البلاد من المسؤولين سيدي الرئيس، كل المسؤولين عن ذلك، سواء كانوا مضللين أو عملاء، يجب أن نتخلص من جميع الشيوعيين الذين يغطون ويبررون أعمالهم الخائنة.

شهدت جميع مجالات الحياة الأمريكية الفنية منها والأكاديمية والمدرسية والحكومية، وبين المثقفين والسياسيين، كلها شهدت عمليات قمع شديدة، هدد الناس بفقدان وظائفهم وحياتهم أو بعزلهم عن المجتمع لمجرد اتهامهم بالانتماء إلى الحركات الراديكالية.

لي الحق بالتعبير عن وجهة نظري أيا تكن وهذا حق يضمنه لي الدستور بما في ذلك ميولي السياسية..

كفى كفى أجب على السؤال، أجب على السؤال، هل أنت عضو في الحزب الشيوعي؟

تكمن الإساءة الجادة التي شهدتها هذه الفترة بالتهديد والوعيد، الذي أدى إلى تردد الناس في التعبير عن آرائهم لأنهم كانوا يخافون من العواقب.

الحرية أخيرا

 

تجسد اشتعال الكفاح من أجل المساواة العرقية في ليلة من كانون أول ديسمبر من عام خمسة وخمسين.

بعد يوم عمل شاق قامت المواطنة الأمريكية السوداء روسا بارك البالغة من العمر ثلاثة وأربعون عاما، والعضو النشطة في حركة مناهضة للتمييز، قامت بركوب واحدة من وسائل النقل العام في مونتغمري ألاباما، متوجهة نحو المقاعد الخلفية، حسب القانون، ولكنها كانت مزدحمة، فجلست في الوسط.

بعد عبور عدة محطات، توقفت الحافلة لعدد من الركاب البيض، وصاح بصوت مرتفع: على السود العودة إلى الوراء!. تتحدث روسا عن ذلك بالقول:..

عند صعود أحد الركاب البيض على الراكب الأسود أن يعود إلى الخلف إن كانت مقاعد البيض شاغرة. لم أر من المناسب وخصوصا للمرأة، أن تعطي مقعدها لرجل، فالجميع يدفع قيمة البطاقة كما يدفع البيض.

رفضت روسا بارك العودة إلى الخلف، فاعتقلت لانتهاكها قوانين النقل في المدينة. فدعا الزعماء السود إلى مقاطعة حافلات النقل العام في المدينة.

على مدار الأشهر التالية، برز من بين الزعماء السود مرشد ديني شاب هو مارتين لوثر كينغ، حشد الأجيال الجديدة  حول وجهة نظره التي تدعو إلى إجراء التغيير وتحقيق المساواة  بعيدا عن العنف.

ندعو إلى مقاومة بعيدة عن العنف، ونصر على استخدام سلاح المحبة، ما زلنا نؤكد ونصر على أن العنف يدمر الذات، وأن من يعتمد على قوة السيف يموت بقوة السيف.

استغرق ذلك عقدا من أعمال العنف والقتل للناشطين البيض والسود على حد سواء.

طالبت حركة الحقوق المدنية بأن تفي أمريكا بما تدعيه من الدفاع عن الحريات والعدالة للجميع، لأن أحد لن يتراجع عن هذه المطالب.

عززت حركة الحقوق المدنية التي بدأت في أواسط الخمسينات وبلغت ذروتها في نهاية الستينات، مبادئ الحرية في الولايات المتحدة، ذلك أنها ملأت الفراغ بين ما يطرح من مفاهيم إنسانية في الخارج، تجاه الحرب الباردة حيث كانت الولايات المتحدة تتزعم لعالم الحر، وحقيقة أن ملايين الأمريكيين السود يعيشون وسط حالة من  الحرية المنقوصة.

بعد انتخاب جون كندي، أحس الكثيرون بنوع جديد من التفاؤل. فعندما تم انتخابه، رحب كندي  رسميا بلوثر كينغ،  ومائتين وخمسون ألف أمريكي آخر، إلى عاصمة البلاد، يوم الثامن والعشرين من آب أغسطس من عام ثلاثة وستين. إنه يوم المسيرة إلى واشنطن.

ما زال لدي حلم، إنه حلم تغوص جذوره عميقا في الحلم الأمريكي. ما زلت أحلم، بأن هذه الأمة، سوف تنهض يوما ما، لتحقق هذا الحلم. نريد لهذا اليوم يؤكد قناعتنا ، بأن جميع الرجال متساوون.

جرى توقيع وثيقتين هامتين، وثيقة الحقوق المدنية، ووثيقة حق الانتخاب، في عهد الرئيس جونسون أواسط الستينات، فغيرتا حياة الأمريكيين السود، أكثر من أي شيء آخر منذ الحرب الأهلية.

تعتبر وثيقة الحقوق المدنية تحديا لنا جميعا، للعمل فيها ضمن المجتمع والولايات، وفي بيوتنا وقلوبنا، للقضاء على آخر معاقل الإجحاف، في بلادنا الحبيبة.

كان لحركة الحقوق المدنية علاقة مباشرة في اعتبار المواطنين السود غرباء عن المجتمع الأمريكي، فطالبت بضمهم إلى المجتمع السياسي والمعنوي لأمريكا. ولا شك أنها حركة ناجحة لأنها حققت ذلك. كما أنها من خلال ذلك حققت شيئا آخر، فقد لفتت الأنظار إلى ميثاق الحقوق، وركزت على أن الحرية ليست اصطلاح جامد، يتحقق مرة واحدة فقط، بل هو مبدأ يجب أن نكافح من أجله، وألا نغض النظر عن التأكد من  تطبيقه.

لم تغير وثيقة الحقوق المدنية حياة المواطنين السود فحسب بل شكلت حافزا لمجموعات أخرى كي تتبع التكتيك واللغة ذاتها للمطالبة بحقوقها وحرياتها، فهناك أقليات أخرى في هذا البلد، كذوي الأصول الآسيوية واللاتينية، والهنود الحمر الذين شكلوا مجموعات خاصة بهم ملهمين  بكفاح السود.

حركة حقوق المرأة العصرية التي خرجت مباشرة من حركة الحقوق المدنية، والحقيقة أن طلائع النساء المناضلات من أجل حرياتهن عملن أولا في الحقوق المدنية للسود.

أي أنها حولت معنى الحرية ومنحتها معان عصرية ومتجددة في المجتمع الأمريكي هي أبعد بكثير من حقوق السود في أمريكا لأنها أثرت على الجميع.

الحرب في الوطن

 

انطلقت حركة الطلاب كجيل شاب من أوساط حركة الحقوق المدنية، لتتحدى أمريكا وتطالبها بالوفاء بما تدعيه من الدفاع عن الحريات الفردية والعدالة الاجتماعية. بل تجرأت على تحد المجتمع بأكمله لتحويل سبل تفكيره وسلوكه.

وجدت حركة التمرد هذه وقودا لها في حرب كريهة اشتعلت في بلاد بعيدة.. فيتنام.

بعد أن غاصت حركة الحقوق المدنية عميقا في قلوب الأمريكيين، تعرضت فيتنام إلى أعصابهم الخام. وقعت الأمة بحرب ضد نفسها.

وقعت الكوارث في الوطن، جون كندي، ومارتن لوثر كينغ، وروبيرت كندي، قتلوا جميعا بأقل من خمس سنوات.

شعر البعض وكأن خسائر عقد الستينات، كادت تشل البلاد، أو حتى تمزقها.

حلم جديد

 

ثلاثة اثنان واحد صفر، عملت جميع المحركات.

وسط هذه النزاعات والفوضى، ظهر عدد من الأبطال الجدد، لتجديد الحياة في بعض التقاليد القديمة.

أوشك الآن النزول على سطح القمر. إنها الخطوة الأولى للإنسان هنا. تجري الأعمال هنا على ما يرام، إذ يتم رفع العلم.

لا بد من القول بأن سطح القمر شبيه جدا ببعض الصحاري الأمريكية مع بعض الاختلاف ولكن المشاهد خلابة هنا.

شهدت الأمة في السبعينات أوقاتا عصيبة، وخصوصا منها لحظة سقوط أحد الرؤساء.

لهذه الأسباب، يجب أن أستقيل من الرئاسة بعد ظهر غد، وسيؤدي نائب الرئيس فورد، القسم كرئيس، في تلك الساعة، وفي هذا المكتب.

لا شك في أن الدستور فعال، ما يؤكد أن جمهوريتنا تحتكم إلى القانون وليس إلى الرجال. هنا يحكم الشعب.

أكدت الأمة أنها،  كما فعلت دائما، أنها ما زالت قوية بعد مائتي عام، وما زالت مرنة، وما زالت حرة.

عدد الأمريكيين أصبح اليوم أكبر من قبل، أصبحت ملامحنا  اليوم أكثر اختلافا من قبل، وقد نتحدث لغات أكثر الآن من قبل، ومع ذلك، رغم بعض الإستثناءات القليلة جدا، جميعنا يشعر بالانتماء إلى أمريكا ويجد من الصعب التخلي عن هذه الهوية.

الحرية التي سعى إليها المستوطنون في حرب الاستقلال، هي فكرة أصغر بكثير، من الحرية التي يسعى إليها الأمريكي اليوم، كميراث له، وكحقه منذ الولادة.

إنه تاريخ مستمر منذ إعلان توماس جيفيرسون للمساواة بين الجميع حتى يومنا هذا. وحقيقة  تعلقنا بهذا التاريخ، دون أن يرضينا بطريقة أو بأخرى،  إلا لأننا ورثناه، ينجم عن إحساسنا بأن الحرية هي أعظم  ما في هذا البلد من أمجاد.

أصبحنا اليوم أمام الألف الجديد، وأمريكا الجديدة. لقد عشنا عبر الثورة، والحرب الأهلية، والتحولات الاجتماعية، والحروب العالمية، واضطرابات سياسية، ومن خلال هذا كله، تمكن الأمريكيون بفخر واعتزاز من الكفاح من أجل حماية وتوسيع مفهومها للمساواة والحرية.  تمكنا بالشجاعة والأمل والمثابرة، من تشييد صروح أمة من العظمة، في أرض يتمتع فيها كل فرد بحق مشروع في الحياة والحرية والسعي من أجل السعادة.. إنها أمريكا.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster