اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 مارشال الولايات المتحدة: حقيقية الأمر
 

مارشال الولايات المتحدة

 

(أد القسم وضع الشارة وقم بالواجب!)

هذا هو الشعار الذي رفعه رجال القانون الفدراليين على اختلاف أهدافهم منذ بدء الاعتماد على المارشال قبل مائتي عام. ولكن غالبية الناس لا يعرفون الكثير عن حقيقة خدمات المارشال في الولايات المتحدة، عدى رجل القانون المسلح الذي يظهر في أفلام الغرب الأمريكي السينمائية منها والتلفزيونية. تلق هذه السلسلة  الضوء على حقيقة الأمر في عالم المارشال الأمريكي.

الساعة الأولى (مهمة في مسيسبي)

أطلق عليها لقب "آخر معارك الحرب المدنية". واجه كل من الرئيس الأمريكي جون كندي والنائب العام، شقيقه روبرت كندي، واجها مهمة تعزيز القوانين المناهضة للتمييز العنصري في الولايات الجنوبية. وقع الاختيار الأول على أبرز المؤسسات وأشدها تعنتا: جامعة مسيسبي. لجأ الرئيس الأمريكي إلى خدمات المارشال كبديل عن استخدام القوات الفدرالية في جامعة أمريكية. حاول نائب المرشال بقيادة جيم ماك شين التحري السابق في دائرة الجرائم التابعة لمدينة نيويورك تسجيل طالب أمريكي كفؤ من أصل أفريقي اسمه جيمس ميريديث. ولكنه واجه معارضة قوية من قبل الطلبة والناس وحتى من قبل حاكم مسيسبي. اختبرت أعمال العنف والتمرد وسفك الماء معدن المارشال، فنجح فيها.

مرشال الولايات المتحدة، لدينا إذنا من القضاء.

   مرشالات الولايات المتحدة المعروفين بمطاردة الفارين الفدراليين، ما زالوا من بين أفضل رجال القانون تدريبا في عالم اليوم. إنهم يقومون بما هو أكثر من مجرد القبض على الفارين، فهم مسؤولون عن أمن المحاكم الفدرالية، وحركة السجناء، وبرامج حماية الشهود والأمن الجوي. ولكن الأمر لم يكن دائما هكذا، إذ شهدت مرحلة كادت فيها تختفي كليا، مرحلة واجهت فيها أمريكا أسوأ أزماتها الدستورية منذ الحرب الأهلية.

        وسط تلك العاصفة المتأججة، ساهم مرشالات الولايات المتحد في تغيير أمريكا إلى الأبد.

=-=-=-=-=

تيري نيكولز وتيموتي ماكفي، المتهمان بتفجير أوكلاهوما.  جون غيوتي، عرّاب الجريمة المنظمة. تيد كوزونسكي، مفجر اليونا. كلما رأيت مجرما، لا بد أن ترى بجانبها مرشالات الولايات المتحدة. وهم لا يطاردون الفارين فقط، بل يحمونهم أيضا.

        ولكن أحيانا ما يحتاج الدستور إلى حماية.

        عام ألف وتسعمائة وستون أخذت حركة الحقوق المدنية تفرض نفسها، حيث طالب السكان السود بحقوق متساوية ضمن القانون، فأخذت المحاكم تصدر أوامر لنزع العنصرية دعما لهم.

        ولكن مع امتداد حركة الحقوق المدنية عبر أرجاء الجنوب أخذت تواجه معارضة صلبة.

        أصبح الرئيس جون كندي وشقيقه النائب العام روبرت كندي مجبران على مواجه المعضلة. فهما المسؤولان عن تعزيز أوامر المحكمة.

        أدرك الأخوين كندي أنهما لا يستطيعان الاعتماد على الشرطة المحلية في الجنوب. كما لا يريدان تكرار الخطأ الذي ارتكبه أيزنهاور، عندما أمر بإرسال القوات إلى ليتل روك في أركانساس قبل ثلاثة أعوام من ذلك. فشوهدت الولايات المتحدة حول العالم وهي تستخدم القوات المسلحة لخلط الأعراق في إحدى المدارس.

        عمل الأخوين كندي على التصرف بطريقة مختلفة. فطلبا الدعم من حيث أدركا إمكانية الحصول عليه.

عندما اتضح بأن لا بد من استخدام القوة الفدرالية لحماية المطالبين بالحقوق المدنية وغيرهم، اتخذ الأخوين كندي قرارا باستخدام المرشالات في هذا المجال.

كان لدى كل من المحاكم الفدرالية الأربعة وتسعين وحدة مرشالات خاصة بها بصفة مندوبين. ولكنها لا تتمتع بسلطة مركزية، وكان الأخوين كندي بحاجة إلى من يتحمل المسؤولية، يحتاجان إلى شخص يجمع المرشالات معا لقيادتهم. فلجئا إلى شخص يثقان به.

كان ماكشين شخصية رائعة متعدد الكفاءات، وقد نشأ في شوارع نيويورك وكان ملاكم حائز على القفاز الذهبي انتمى إلى جهاز الشرطة وقد أطلق النار على أكثر من ستة مجرمين خلال عامين فقط.

لم يتخرج جيم ماكشين من الثانوية، ولكن هذا لم يمنعه من بلوغ القمة.

عام تسعة وثلاثون منحه الرائد فيوريلو لاغوارديا ميدالية شرف البطولة في أداء الواجب لمدينة نيويورك.

        ولكن لدى الأخوين كندي سببا للثقة بماكشين.

        أثناء عمله بدوام إضافي لدى عائلة إثيل سكيكيل، التقى بشاب كانت تخرج معه، وهكذا جاء به بوب كندي إلى واشنطن للعمل في لجنة الإبتزاز التابعة لمجلس الشيوخ والتي كان جون كندي عضوا فيها وبوبي رئيس استشاري.

        عندما ترشح كندي للرئاسة بقي ماكشين إلى جانبه كمسؤول عن الأمن.

ظهر على الساحة كرجل بين الرجال، وقد عرف بأنه من رجال الشرطة، التي انتمى إليها طوال حياته.

عندما حان الوقت للبحث عن شخص يقود المرشالات، لم يبحث الأخوين كندي عنه بعيدا، إذ اعتبرا أن ماكشين يتمتع بالصلابة والهدوء والقدرة على القيادة لإنجاز العمل.

        بعد عشرة أيام من أداء القسم كمرشال لمقاطعة كولومبيا وجد نفسه وسط حالة من التمرد العرقي.

        في الرابع عشر من أيار مايو من عام واحد وستين نصب كمين في بلدة أنستون ألاباما لدعاة الحرية من قبل عصابة من المسلحين، أحرقت الحافلة النقل التي كانت تقلهم، وأوسع جميع الركاب ضربا.

        في منوتغمري عاصمة الولاية وقفت عصابة مسلحة تنتظر مجموعة أخرى من دعاة الحرية لمهاجمتها. دون أن تظهر الشرطة المحلية في أي مكان.

لم يشاءوا الاعتماد على مرشال مونتغمري لأنه من الجنوب. لهذا طلبوا من ماكشين تشكيل وحدة من المندوبين والتوجه بهم إلى مونتغمري لإنجاز المهمة.

  انتشر المندوبون في أرجاء المدينة، حيث تقع بؤر المشاكل الكبرى. وكان من بينها الكنيسة المعمدانية التي تحدث فيها مارتن لوثر كينغ لأول مرة دعما لدعاة حقوق السود بالمساواة.

احتشدت مجموعة كبيرة من العصابات الغاضبة في الخارج. كان من أن هذه العصابات تنوي اجتياح الكنيسة وقتل جميع من في داخلها

أول ما يجب أن نفعله الليلة هنا هو عدم الاستسلام للخوف.

سنتصرف بهدوء، كما أننا سوف نستمر بالكفاح من أجل ما هو حق لنا.

أعني أنها كانت حالة من العصيان والفوضى، احتشد فيها المشاغبين ومن بينهم رجال عصابات الكو كلوس كلان المسلحين والذين يوسعون الناس ضربا. أي أن هناك أكثر من دليل على نيتهم بقتل الجميع.

لم تسعى الشرطة المحلية لفرض أي نوع من النظام، بل كانت منشغلة في أمور أخرى.

بقي رجال المارشال بمفردهم للتعامل مع العصابات. أمر ماكشين جميع المندوبين في مونتغمري للتوجه إلى الكنيسة.

دخلنا إلى هناك مجموعات تشكلت كل منها من اثني عشر رجلا. استعنا بالعصي الليلية ودفعناهم إلى الخلف. مع أنهم أوقعوا أضرارا جسيمة في الكنيسة كما أوسعوا الكثيرين ضربا.

تمكن جيم ماكشين من تفريق العصيان وربما أسهم في إنقاذ حياة الدكتور لوثر كينغ إلى جانب مجموعة أخرى.

ما هي كفاءة رجال المارشال من خلال ما رأيته ليلة أمس؟

لا مجال للشك في أنهم أنقذوا حياة الكثيرين وتفادوا سفك الدماء هناك.

تبين للأخوين كندي من ذلك أنه لا يمكن الاعتماد على الحكومات المحلية، لأنها تعارض الحقوق المدنية للسود في الجنوب. فكيف يمكن الاعتماد عليها؟ فلا بد لهما من الاعتماد على ماكشين ورجاله الذين يمكن تجنيدهم من جميع أرجاء البلاد.

تمكن المارشالات حتى تلك اللحظة من تخطي الامتحان. ولم يجبر الرئيس على الاستعانة بوحدات الجيش.

        تمكن جيم ماكشين ورجاله من إحراز النجاح. ولكن الأسوأ لم يحدث بعد. عبر أحداث تختبر المارشال، بتجارب لم يعرف مثلها التاريخ.

=-=-=-=-=-=-=

الجزء الثاني

كانت معركة التمييز العنصري في بدايتها بعد. وكان ماكشين ورجاله على وشك مواجهة تحديات أكبر من مونتغمري.

        يوم أداء الرئيس كندي للقسم، تقدم شاب أسود بطلب للدراسة في جامعة مسيسبي. إنه جيمس ميريديث، البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاما، وهو من مواليد الولاية، وقد خدم القوات الجوية في كوريا، كما كان زوجا ووالدا.

عدت إلى مسيسبي بعد أن وضعت خطة مدروسة بدقة لاختراق نظام تفوق البيض. ويبدو أن جامعة مسيسبي كانت في تلك الفترة النقطة الأضعف.

   جامعة مسيسبي الموقع الأبرز للتفرقة العنصرية في جميع أرجاء الجنوب. دكسي حيث كلية الموسيقى، وفريق الكرة المعروف بلقب المتمردين. أما رمز الكلية فهو علم المعركة الكونفدرالية.

        ميريديت، حفيد أحد العبيد الذي قضى عامين في كلية مخصصة للسود في مسيسبي. وقد تقدم بطلب للحصول على مساعدة من صندوق وكالة الدعم القانوني، وذلك بعد كفاح شاق ومرير لقبوله. وكان خصمه اللدود هو الحاكم روس بيرناديت الذي أصبح حاكما بدعم من لجنة المواطنين البيض، وهي حكومة ظل تركز اهتمامها على تفوق السكان البيض. سبق أن وعد بارنيت علنا وفي عدة مناسبات أنه لن يسمح باختلاط الأعراق في جامعة مسيسبي.

إما أن نخضع للأوامر الغير قانونية للحكومة الفدرالية، أو نقف كالرجال لنقول لهم بوضوح كلمة أبدا.

كنت أدرك أني سأخوض مواجهة وأن الطريقة الوحيدة التي يمكنني الفوز من خلالها تكمن بوقوف جيش إلى جانبي أقوى من الجيش الذي لديهم. وليس هناك جيشا أقوى منهم إلا جيش الولايات المتحدة.

بعد عام من الإجراءات، اتخذت المحكمة العليا قرارا يصدر عن دائرة المحكمة الخامسة في نيو أورليانز وهو يجبر جامعة مسيسبي بقبول مريديت.

لم يكن لدى المحكمة أي وسائل لفرض هذا القرار، ولم يكن ذلك بوسع مريديت أو صندوق الدعم القانوني. لهذا كان على الحكومة أن تتدخل لتفادي الخسارة والكوارث. لهذا تدخلنا.

وجه بوبي كندي ماكشين الذي عينه الآن مسؤولا عن مرشالات الولايات المتحدة، فطلب منه الاتصال بمرديت بهدوء.

لم أكن  أعرف  شيئا عن وحدة مرشالات الولايات المتحدة. لم أتوقع أن تكون موجودة بعد، ظننت أنهم من زمن الغرب القديم. ولا شك أني سمعت عن وايات وإيرب وما شابه، ولكني لم أتوقع استمرارهم في العمل.

منح النائب العام كاشين أمرين. قم بتسجيل مرديت في جامعة مسيسبي، واعمل على بقائه حيا أثناء ذلك. اعتبر كاشين أن أفضل وسيلة لحماية مرديت تكمن في إخراجه من مسيسبي. على مسافة ثمانين ميلا نحو الشمال عبر حدود ولاية تنسي تقع قاعدة جوية تابعة للبحرية، وهي قاعدة عسكرية آمنة، فاعتبرها مكانا مناسبا كمحطة مؤقتة.

        عين ماكشين سيسل ميلر وهو من أخلص مساعديه ليكون حارس شخصي دائم لمريديت.

بقيت هناك إلى جانب جيمي مريديت، بقيت إلى جانبه منذ تلك اللحظة. ولم يذهب أي منا إلى أي مكان دون الآخر.

أخذت تجري بعض الإتصالات خلف الستار بين النائب العام وحاكم الولاية. اعترف برنيت أن التسجيل ربما كان حتميا. ولكنه أصر على ضرورة أن يظهر بعض المقاومة. اعتبر النائب العام أن بعض الألاعيب قد تخدم في تفادي العنف، فوافقه على ذلك.

طلب بوبي من ماكشين بأن يأتي بمريديت إلى مبنى الجامعة.

        أول يوم في التسجيل.

        تفادي لأي مقاومة جاء ماكشين معه بمساعدين فقط. وهكذا رفض برنيت قبول ميريديت حسب الاتفاق.

        استمر الحاكم بالتأكيد للنائب العام أنه رغم رفضه المعلن فهو مستعد على الصعيد الشخصي بالعمل على حل المشكلة. ولكن دائرة المحكمة الخامسة في نيو أورلياينز حددت موعد نهائي. يجب أن يسجل مرديت على الفور.

        انتقل مرديت مباشرة من غرفة المحاكمة بالطائرة إلى جاكسون. لقد انضم الآن مع ماشين إلى محارب قديم في معركة الحقوق المدنية، المدعي العام في وزارة العدل جون دور، الذي كان يعرف أكثر من أي شخص آخر ماذا ينتظرهم.

كان الناس في دائرة العدل يجهلون حقيقة ما يجري في الجنوب وما هو حجم المقاومة المتوقعة، على اعتبار أن النظام الاجتماعي في الجنوب كان يواجه التحديات رسميا.

        إلا أن الرئيس والنائب العام كانا يعملان على تحطيم هذا النظام. وما كان أحد ليتوقع مستوى الخطورة التي ستنجم عن تلك المقاومة.

توقفوا في المطار لتناول بعض الطعام.

عند توقفنا هناك قدموا الطعام لماكشين وجيم دور رافضين إطعامي. وبعد ذلك أردت الدخول إلى الحمام فأجبرت على النزول إلى الطابق السفلي حيث حمام السود. يبدو أن ماكشين ودور قد أحرجا بهذا المشهد. ولكن هذا ما كان عليه أسلوب الحياة، هذا ما يعنيه تفوق البيض.

بعد ذلك سافرنا من نيو أورليانز إلى جاكسون حيث تحدثت إلى النائب العام وقد قال حسنا كل شيء جاهز اذهب الآن إلى الطابق التاسع من مبنى الولاية حيث مكتب أعضاء مجلس الجامعة الذين سيعدون لك الأوراق اللازمة، ليتم تسجيل جيمس ميريدت.

ولكن حشودا بالآلاف كانت بانتظارهم عند مبنى الولاية.  كما احتشدت أيضا مجموعات من الصحفيين الذين ينقلون للأمة بكاملها التي تترقب بشغف المواجهة المتنامية.

        كلفت مجلة لايف المصور فليب شولكي لتغطية القصة.

سبق أن عملت في الجنوب لفترة طويلة، وفي تلك الفترة خصوصا في الخمسينات والستينات كانت هناك أعداد كبيرة من الذين لم يقتنعوا بأنهم خسروا لحرب الأهلية.

        ولكن الناس في مسيسبي كانوا من نوع آخر، لدرجة أني كنت أرفض تعييني هناك.

حمل دور قرار المحكمة الخامسة، وذهب ماكشين لتعزيزها.

        اعتمدا على استراتيجية عدم استخدام القوة. ولم يرافق مريديت إلى الداخل إلا ماكشين ودور.

اضطر مرديت ومن معه من ضباط فدراليين إلى فتح الطريق عنوة أمام الحشود المعادية.

دخلنا إلى المبنى وركبنا المصعد إلى الطابق التاسع. كان الممر مزدحما. وقفت أنا أولا ومن ورائي مرديت ومن ورائه ماكشين. كنا نسير نحو الباب الذي في نهاية الممر، عندما ظهر أمامنا هناك حاكم ولاية مسيسبي.

حسنا هذه لجيمس إتش مرديت، طلبا لقبوله طالبا في جامعة مسيسبي. أنا روس آر برنيت حاكم ولاية مسيسبي العظمى ذات السيادة أقوم هنا، أولا، وأخيرا، برفض طلبك لدخول جامعة مسيسبي.

يقترب مرديت من سيارته، بحماية لا تقتصر على المرشال، بل ومعه دوريات الجادة. الحشود تنتشر بالآلاف في أرجاء المنطقة.

تبين أن بارنيت قد تلاعب بالنائب العام والمارشال وأخضعهما لعملية فاشلة.

        تملك ماكشين الاضطراب لعدوانية الحشود البالغة. فقرر المجيء بقوة أكبر من المساعدين. أطلق ماكشين النداء بالطرق  التقليدية لتاريخ مرشالات الولايات المتحدة. ما زال النص واردا في الدستور وهو يسمح لتجنيد مزيد من المساعدين  عند حاجة المرشال إلى مساعدة.

        كانوا في الماضي يسمون كل من هؤلاء الرجال عمدة.

ساعدنا وجود النص كثيرا إذ تمكنا من التجنيد على طريقة حراس السجون ودوريات الحدود ووحدات الضرائب الكحول.

  أخذ النائب العام يفقد صبره، والأجواء في مسيسبي تزداد عنفوانا.

ما كان الجنوب عموما ومسيسبي خصوصا، أن يقبلا بمثل هذا الأمر دون حراك. أي أنه لا بد من وقوع معركة من نوع ما. أي أنها مسألة تتعلق بمدى سوء تلك المعركة، وما هو عدد المصابين، وما هو عدد القتلى.

=-=-=-=-=-=-=

الجزء الثالث

تعمقت الأزمة وعاد مسؤول مرشالات الولايات المتحدة للظهور في محاولة أخرى لتسجيل جيمس ميريديت.

        أبلغ بوبي كندي ماكشين أن الحكومة الفدرالية بأمس الحاجة إلى دليل قاطع على المقاومة. دليل تراه الأمة بكاملها.

حصل على سلطة لتنفيذ ما كان لا بد من عمله. تعرف أنك أحيانا ما تعتقد بأن الأمور ستجري على ما يرام ولكن الشخص الذي يعلو مرتبة يرفض القيام بذلك.

كان يبلغهم بما يجري ولكن أحيانا ما كان يفعل ذلك بعد الأحداث، وليس يتصل قبل الأحداث. ماذا تريدني أن أفعل؟ لا لقد فعلت ذلك، والآن ما هخي الخطوة التالية.

أبقى ماكشين على السرية حيال الجميع فيما يتعلق بكل ما يريد القيام به.   وفي المحاولة الثالثة لتسجيل مريديت حشد أكثر من ثلاثين مساعدا في مسيسبي. أعلن الحاكم أنه لن يضمن بعد الآن سلامة ميريديت،  ثم سحب الدوريات من الشوارع. وهكذا أصبح ماكشين ومساعديه الآن بمفردهم في مسيسبي.

انطلقنا في قافلة من عشر سيارات تقريبا، وعبرنا الطريق المؤدية من منفيس إلى أكسفورد.

كان المرء يسير في الطرقات هناك ليرى لوحات هائلة تقول: أيها العبد الأسود لا تدع شمس الليلة تغرب عليك هنا.  تذكر أن هذه كانت لغة قاسية تكتب على لوحات الطرق العامة في الستينات.

انحرفنا نحو إحدى مداخل الجامعة، فقطعوا الطريق علينا، ومعهم رجال الشرطة المحليين.

ظهرت دوريات الطرقات من جديد، ولكنها ما عادت تقدم المساعدة، بل تشكل عائقا. التقى ماكشين بقائم مقام الحاكم بول جونسون، فادعى أن بارنيت مريض لسوء الأحوال الجوية.

وهكذا أصبح رجال القانون المحليين من جهة أمام رجال القانون الفدراليين من الجهة الأخرى، كانوا حوالي ثلاثين رجل. فقال كاشين أننا هنا لتسجيل جيمس ميريديت فرد القائم مقام قائلا لن أسمح لكم بالدخول.

هل تعلم أننا هنا لتنفيذ قرار من المحكمة لهذا نريد الدخول لتسجيل هذا الفتى.

سمعت ما تريد قوله.

سيدي الحاكم أعتبر من واجبي الدخول وإيصال ماكشين إلى المبنى، حيث يفترض تسجيله في الجامعة. سأقوم بذلك الآن إن لم يكن لديك مانعا.

إن وقعت أعمال عنف سيكون ذلك من طرفكم، ومن طرف الحكومة الفدرالية ومن طرف جيمس ميريديت.

حسنا، كما يقال أن أقوم بواجبي كمرشال للولايات المتحدة الأمريكية.  لقد أمرت بالمجيء إلى هنا والتأكد من تسجيل السيد مرديت لهذا نحن هنا، ولهذا أريد الدخول وأعتقد أن لنا الحق بذلك.

=-=-=-=-=

الجزء الرابع

 لا نعتقد أن لك الحق بذلك.

هنا أصبح جيم ماكشين أشبه بعود كبريت مشتعل ولا أحد يعرف في أي اتجاه سينفجر. لكنه لم يخبرنا بأنه سيحاول الدخول بالقوة.

أخذ ماكشين  يزيل الحواجز التي وضعتها الشرطة المحلية. ثم عاد ليقف أمام القائم مقام، ثم دفع كتفيه، وكاد يسقطه أرضا لولا  أن  اثنان من رجال الشرطة أعاناه للوقوف ثانية.

أصيب القائم بمقام الحاكم بالاضطراب في تلك اللحظة،  وتملكه الغضب واحمر وجهه. فقال ماكشين أريد التأكد من أنك ستجبرنا على العودة ولن تدعنا ندخل.

قلت في نفسي عادة ما يفقد الإرلندي أعصابه، ولكن هذا الرجل بدا هادئا بالكامل. لم أر مواجهة كهذه من قبل. حيث تجد سلطتين أمريكيتين بمواجهة بعضهما البعض، لا تفصل بينهما أكثر من مسافة قدم واحد.  كان أحدهما يوشك الانقضاض على الآخر.

نفذ ماكشين ما طلب منه. فحصل النائب العام على ما يريده من دليل قاطع على مقاومة الولاية جسديا لأوامر صدرت عن محكمة فدرالية.

ركبنا السيارات وغادرنا المكان متوجهين إلى ميلينغتون.

أكن احتراما كبيرا لماكشين قبل أن أعرفه في تلك الفترة. لقد رأيت ما فعله. حافظ على تماسكه التام. حاول استفزازه ليفقد أعصابه ولكنه لم يفعل.

تأثرت جدا على وجه الخصوص بالمارشال المسؤول ماكشين، خصوصا لأنه شخص لا يعرف الخوف. أعتقد أن هذه مسألة هامة في مسيسبي.

   ولكن روبرت كندي بقي مصرا على عدم استخدام القوة، لهذا قبل باقتراح بارنيت التالي.

أراد بارنيت أن يخرج ماكشين وثلاثة من رجاله السلاح ليتمكن من القول لمواطنيه، بأنه لم يجد خيارا آخر إلا بالسماح لهم بالدخول.

رفع السلاح على الحاكم ونصحه بسحب قواته إلى الخلف والتراجع. عند ذلك يتراجع لندخل نحن إلى الجامعة. هذا ما نصت عليه الخطة.

راود جيم ماكشين الشك في نجاح هذه الخطة. واعتبر أن فكرة بارنيت كانت سخيفة جدا، إذ أراد من ماكشين أن يحمل السلاح وكأنه في أحد أفلام هوليود.

تضمنت الخطة نزع الذخيرة من أسلحة مساعدي المرشال ودوريات الشوارع على السواء.

رفض بعض المساعدين القيام بذلك، وأنهم لن ينفذوا هذه الأوامر.

كانوا يدركون بأن احتمالات العنف كانت تتنامى مع كل رحلة إلى مسيسبي.

خشي كل من ضباط الأمن الفدراليين ورجال الشرطة المحليين من احتمالات تفاقم الأمور.

أمرنا بنزع الذخيرة والمتابعة في القافلة باتجاه أوكسفورد. قلت للشاب الذي كنت معه في السيارة بأني سألقم السلاح. يمكنك أن تفعل ذلك إن شئت، وقد فعل، بل لقمنا جميعا الأسلحة.

توجهت القافلة إلى حدود الولاية ثم دخلت إلى مسيسبي.

        في أوكسفورد تناما حجم الحشود وسوء طباعها. كان الوضع سيئا لدرجة أن القلق دفع الحاكم للاتصال بالنائب العام يرجوه إعادة القافلة. سمع روبرت كندي الخوف في صوت برنيت. اتصل عبر الراديو بالقافلة يدعوها للتوقف والعودة إلى ملينغتون.

لم يزعجنا ذلك أبدا. ما كنا لنذهب إلى أي مكان وأسلحتنا فارغة من الرصاص. لم يكن لدينا وسيلة دفاع نواجه فيها ما قد يحصل. لم نحصل عل أي ضمانة بأن استعراض القوة هذا لن يؤدي إلى وقوع أي حادث.

ما كان ماكشين ليقبل بأي مخاطرة. طلب حشد المزيد من المساعدين في ميلينغتون، حتى وصل عددهم إلى خمسمائة.

        أخذت الحكومة أيضا تعزز مواقعها. فجلبت فرقتين من الشرطة العسكرية، ثم تبعتها الوحدة الثانية والثمانين الجوية بحالة استعداد قصوى. وأخيرا حان الوقت لتدخل الرئيس.

هذه هي المشكلة أيها الحاكم.

نعم.

تكمن المشكلة في ضرورة إدخال الفتى إلى الجامعة خلال هذا الأسبوع.

إنها مسألة جدية أريد التفكير بها جيدا.

أريدك أن تحاول العمل على إيجاد مخرج مناسب بطريقة ودية. لا نريد أن يتعرض أحد للأذى أو القتل هناك.

فكر الرئيس بالتوجه إلى الأمة وقد أعد خطابين. الأول لإلقائه في حال استقال برنيت، والثاني في حال استمر بتحدياته.

        في ذلك المساء وصل إلى أكسفورد جنرال الجيش السابق إدوين واكر المعروف بانتمائه للجناح اليميني وأعلن من هناك تأييده لسيادة مسيسبي. ثم أذاع نداء يطلب فيه من المتطوعين المجيء إلى أوكسفورد للدفاع عن معتقداتهم. وهكذا توافدت التفرقة العنصرية من كل مكان.

شارك برنيت في عاصمة الولاية جاكسون في حفل افتتاح أول ألعاب موسمية للجامعة.

        عندما انتصب للكلام دفعت تحدياته الحماس البالغ في الحضور.

   أنا أحب مسيسبي! كما أحب شعبها. كما أحب وأحترم ميراثها.

اتصل برنيت بالنائب العام قبل توقف رنين الحشود في أذنيه. إذا أصر الأخوين كندي على تسجيل مريديت، سيضطران للقيام بذلك وحدهما. كانت هذه القشة التي قسمت ظهر البعير.

        بعد منتصف الليل بقليل وقع الرئيس قرارا يضع فيه الحرس الوطني في مسيسبي تحت إمرة الفدرالية.

        صباح يوم الأحد عاد برنيت إلى الهاتف بعد خسارة حرسه الوطني، ومعه مشروع  جديد.

         اقترح الحاكم أن يقف أمام المئات من رجال القانون في مسيسبي، وهم مجردين من السلاح طبعا، وعند قدوم مجموعات المارشال يستسلم للوحدة الأقوى. وأخيرا عيل صبر بوبي كندي، فهدد بكشف الرئيس عن فحوى المفاوضات السرية في خطاب يتوجه به إلى الأمة.

        خاف برنيت، فإن علم مواطنيه في مسيسبي شيئا عن اتفاقاته السرية، سيعملون على معاقبته أولا.

        طالب بوبي بتسجيل مريديت بعد ظهر ذلك اليوم. وأن تعمل دوريات الشوارع على مساعدة وحدات المارشال في حفظ النظام.

        عند ذلك تصرف ميريديت بكل هدوء وسكينة فأعرب عن إحساسه بالخطر والإحباط  الشديدين بجلوسه لكتابة وصيته الأخيرة

يجب أن تذكر جيدا أني كنت في حالة حرب معلنة. هذا ما يجب أن يفعله الأعداء ببعضهما البعض، أعني قتل بعضهما.

وصلت الأوامر لماكشين في ميلينغتون بأن يدخل وحداته مباشرة إلى مسيسبي.

كنا على المدرج عند وصول وحدات المارشال ولم نتصور أبدا أن يكونوا بهذه الأعداد عند نزولهم من الطائرة، كما فوجئنا جدا بخوذاتهم الحديدية. عندما يستعن الرجال بالخوذات الحديدية فإن الهدف من ذلك هو حمايتهم، أدركت عند ذلك أن الحكومة الفدرالية تتوقع احتمال وقوع معركة حقيقية.

كان على الحكومة الفدرالية أن تفعل ما يمليه عليها الواجب لإدخال جيمس  ميريديت إلى تلك الجامعة. وهذا ما فعلته.

        حاولت وحدات مارشال تسجيل ميريديت في جامعة مسيسبي ثلاث مرات. وقد أخفقوا في المرات الثلاث. والآن أصبح هدف اللجوء إلى القوة الشاملة هو قاعة المحاضرات ومبنى الإدارة ومبنى الجامعة القائمون جميعا على بنية ما قبل الحرب الأهلية.

        تنتشر مجموعة من الأشجار الهادئة بين قاعات المحاضرات نزولا نحو نصب الجندي الكونفدرالي. هذا هو المكان الذي يجب أن يسجل فيه مريديت.

        على أرض المطار أخذت وحدات المارشال تركب الشاحنات وهي مسلحة بقاذفات القنابل المسيلة للدموع وتتجه عبر الشوارع إلى أوكسفورد.

        ضربت دوريات الشوارع  طوقا على بوابات الجامعة.

        أعد رجال المارشال أنفسهم للمواجهة. ولكن المفاجئ في الأمر هو أن دوريات الشوارع أشارت لهم بالدخول. كان الليل قد حل في واشنطن عندما تحدث الرئيس ثانية مع برنت.

  حاكم الرئيس يتحدث معك.

نعم سيدي.

أعرف ما هو رأيك بقوانين مسيسبي وبأنك ترفض تنفيذ قرار  المحكمة. ولكن ما يقلقنا هو حجم العنف الذي سيسود هناك وما يمكن القيام به لتفادي ذلك. لهذا أريد تأكيدا منك بأن تتخذ شرطة الولاية موقف إيجابي للمحافظة على النظام والقانون.

سأبذل ما بوسعي للمحافظة على النظام.

..وعلى السلام.  لا نريد أي إطلاق نار هنا.

أتفهم ذلك والآن هل يمكنك المحافظة على هذا النظام؟

  لا أعرف إن كنت أستطيع ذلك. أنت لا تفهم حقيقة الوضع هنا.

فرضت دوريات الشوارع طوقا حول الجامعة. كما منعوا الصحافة من الدخول، أو حاولوا ذلك. ولكنهم أدخلوا ما يعرف بالأعناق الحمر أو العنصريين إلى الجامعة.

أذكر حينها أنهم جاءوا من كل مكان. جاءت سيارات محملة بالأفراد..

جاءت وحدات الشرطة تسألني. والحقيقة أنها لم تكترث فيما إن كنت صحفيا، بل أرادوا التأكد إن كنت مصورا لأنهم لا يريدون التقاط أي صور،  لما كان يمكن أن يقع من أحداث مخجلة.

اتصل كاتزنباتش الذي جاء من واشنطن بالنائب العام ليؤكد تسلم وحدات المارشال للقاعات.

وصلت رسالة إلى ميلينغتون تقول أحضر ميريديت.

        ولكن المشاكل أخذت تتفاقم، إذ رفض الموظف المعني إنجاز عملية التسجيل. اليوم أحد، ولن يفعل ذلك  يوم  عطلته.

        ماكشين وكاتزنباك يعرفان أن الوقت متأخر للانسحاب فقررا قضاء الليلة هناك.

        أرسلت وحدات المارشال لضمان الأمن في قاعة باكستر، حيث منامة ميريديت.

في الخامسة من بعد ظهر ذلك اليوم أخذ الطلبة يعودون من جاكسون، فدخلوا الجامعة وشاهدوا رجال المارشال بقبعاتهم البيضاء وشاراتهم الصفراء وأقنعة الغاز والقنابل المسيلة للدموع.

  أدركوا من ملامح رجال المارشال أن ميريديت أصبح في مبنى القاعات، ولا شك أن وجود أسود في مبناهم الجامعي قد أغضبهم.

ولكن ميريديت كان قد وصل لتوه، فاندلف في المقعد الخلفي لسيارة تابعة  لدوريات حرس الحدود وجلس على جانبيه كل من دور وكاتزنباك، وجلس سيسيل ميلر في المقعد الأمامي.

توجهنا نحو الطرف الخلفية من الجامعة  لم نذهب إلى المدخل الرئيسي بل عبر المخل الخلفي، ما جعلنا داخل قاعة باكستر. على أمل ألا يعلم بذلك أحد.

مع اقترابنا أكثر من المكتب أخذ الكلبة يتوافدون إلى مبنى القاعات.

        أصبح الطلبة على مقربة جدا من رجال المارشال. وأخذوا يسخرون منهم.

طلب ماكشين من الدوريات دفع الطلبة إلى الخلف، ولكنه عومل بعدوانية واضحة.

لا يمكن التفكير حينها بالتحدث معهم لم يكن لهم أي صلة بنا وبما جئنا من أجله.

ما أن طلع النور حتى أخذوا يشاغبون ويرموننا بالحجارة. لا أعرف من أين جاءوا بالحجارة ولكنها كنت كبيرة الحجم.

دخل أحدهم إلى مختبر الكيمياء وأحضر حامض الاسيد، أصيب عدد من رجال الوحدة بحروق نجمت عن الأسيد كما تعرض البعض الآخر لضربات بالحجارة.

  يبدو أن سلطات دائرة العدل في ذلك الوقت لم تستوعب بعد أن هذا ستكون أشبه بسباق الركل والضرب المبرح وأنه لن يكون نزهة ممتعة. وهذا ما تبين في نهاية المطاف.

=-=-=-=-=-=

الجزء الخامس

 مع حلول المساء كانت وحدات المارشال قد حاصرت مبنى الإدارة في الجامعة. انهالت الحجارة بغزارة فائقة، وسرعان ما تحولت الحشود إلى عصابات كريهة.

توافدت العصابات بأعداد هائلة وتأجج حماسها وتزايد عدد المتوافدين مع مرور الوقت ما فاقم الوضع سوءا.

عندما أخذ الوضع يزيد عنفا، كنا نرى العديد من رجال الدوريات يسخرون بنا. كانوا يعرفون أن أحدا لن يزعجهم.

هل يستمتع ماكشين بذلك؟

لا، ولكنك تعرف أن الجميع يحبه.

إنه بالغ القسوة.

ولكنه يتقن ما يفعله. لا أعتقد أن أحدا سيحتمل التدافع معه طويلا.

استمرت الحجارة والصخور والأنابيب وكل ما ملكت أيدي رجال العصابات،  تساقط على رجال المارشال.

        عند تعرضهم للاصابات أخذوا ينسحبون من النصف. اعتبر ماكشين هذا كافيا، فأصدر أوامر بإطلاق نابل الغاز.

سمعت كاتزنباك يقول لبوب كندي متأسف بوب  ولكننا اضطررنا لاستعمال الغازات المسيلة للدموع.

ما أن أخذت الحشود تصرخ وتستغيث حتى اختفى رجال الشرطة المحلية من المكان. أليس هذا رائعا؟

هنا شوك ألين يتحدث من الوحدة المتحركة إلى المركز الرئيسي. لا يوجد أحد من دوريات الطرق هنا. يبدو أن الدوريات جميعها قد غادرت مبنى الجامعة. مرت أعداد كبيرة من السيارات عبر هذه البوابة مغادرة الجامعة.

تركوا رجال المارشال وحدهم في الجامعة لحماية ميريديت ضد هذا العصيان. ولم يعودوا إلى هناك

تلقوا أوامر بالرحيل. برنيت خد\ع الأخوين كندي للمرة الأخيرة.

        لم يتضح لواشنطن حقيقة ما يجري في أوكسفورد. وقد بان قلق الرئيس على ملامحه.

السيد جيمس ميريديت أصبح الآن طالبا مسجلا في جامعة مسيسبي. وقد تحقق ذلك حتى الآن دون استخدام الحرس الوطني أو الجيش. وهنا نأمل من رجال القانون في ولاية مسيسبي ومن وحدات المارشال الفدرالية أن يستمروا بهذه الكفاءة في المستقبل.

عندما توقف كندي عن الكلام كان الظلام حالكا، عند ذلك بدأ إطلاق النار. 

لم يقتصر الأمر على تساقط الحجارة والصخور وزجاجات الملوتوف، بل أخذ الناس يظهرون وهم يطلقون النار من أسلحتهم باتجاهنا. أصبح الأمر جديا.

هل نستطيع القبض على هؤلاء الأشخاص؟سمعت أنهم يحملون بعض أسلحة الصيد معهم وأنهم يطلقون النار بين الحين والآخر. هل يمكننا وقفهم؟ ما هو عدد الرجال الذين لديك هناك؟

تحدثت الآن مع قائد وحدات الدوريات..

لقد أكد لي أن لديه حوالي مائة وخمسين رجلا.

بلغني أنهم في سيارتهام على مسافة ثلاثمائة متر من هناك.

أمرتهم بالتحرك منذ أن طلبت مني ذلك.

حسنا هل يمكن أن تحثهم على وقف إطلاق النار هذا ما يجب أن يتوقف.

        استمروا بإطلاق الغازات المسيلة للدموع لوقف ما يجري. ولكن ما أن بدأ إطلاق النار حتى طلبنا تدخل الجيش.

        هذا ما عمل الجميع على تفاديه. ولكن رجال المارشال أصبحوا يقاتلون دفاعا عن النفس.

        صدرت أوامر للجيش بالتوجه إلى أوكسفورد. ولكن الوضول إلى هناك سيكون أشد صعوبة مما تخيله الجميع.

استغرق الأمر وقتا طويلا لوصول قافلة الجيش. قام سكان مسيسبي باقتلاع جميع إشارات السير المؤدية إلى أوكسفورد حتى تضيعه القافلة.

أخذ إطلاق النار الكثيف يخلّف آثاره، فقد أصبحت منطقة القاعات مليئة بالركام.

غادر ماكلين موقع الرمايات حول القاعات حيث تتكثف الرماية ودخل إلى المبنى طالبا من كاتزنباك الحصول على إذن لرجاله بفتح النار على المشاغبين . أصبح الأمر خطيرا عندما أراد رجال المارشال بالضغط على الزناد لقتل المشاغبين.

لأننا لا نوجه عناصر شغب، بل تمرد مسلح.

أراد رجال الوحدات الرد على النيران بالمثل. ومن وجهة نظري كانت لديهم مبررات كافية لو فعلوا ذلك.   ولكن لا الرئيس ولا بوبي كانا مستعدان للسماح بذلك.

 كانت هناك حالة شاذة واحدة.

قلت للذين يتولون حراسة ميريديت أنهم إذا تعرضوا لهجوم يمكنهم إطلاق النار. ما كنت لأسمح بموت ميريديت على الإطلاق.

اتخذ سيسل ميلر كل الاحتياطات الممكنة في قاعة باكستر.

وضعت ميريديت في الخزانة ثم وضعت فراشا فوقه. ثم أقفلت الباب حتى لا يعرف أحدا مكانه إلا بعد أن يقضوا علينا جميعا.

اتصل الحاكم ثانية بالرئيس يرجوه أن يأمر وحدات المارشال لإخراج ميريديت من الجامعة.

لا نستطيع إخراجه من المبنى وسط هذه الحالة من الاضطرابات لأنه لن يكون بحالة آمنة.

حسنا سأخبرك بما سأفعله سيدي الرئيس. سأذهب بنفسي إلى هناك وأحمل مذياعا أقول فيه أنك موافق على إجلائه من هناك.

كلا مهلا حاكم. إن ذهبت إلى هناك يمكنك الاتصال بي عند وصولك لنقرر ما سنفعله، قبل أن تلقي بأي خطاب حول ذلك.

هنا شوك آلان من الوحدة المتحركة، الجنرال المتقاعد إدوين واكر قد دخل الآن إلى مبنى الجامعة..

عند قاعدة نصب الكونفدرالية ظهر صاحب القامة الطويلة وهو يعتمر قبعته.

يبدو أن شخصا ما قد أعطاه بعض المعلومات لأنهم كانوا يعملون بانسجام مع بعضهم البعض.

عند ذلك قاد الجنرال واكر ذلك الهجوم على مبنى الإدارة ظنا منه أن ميريديت يختبئ هناك. لهذا قلقنا جدا على مصيره النهائي. قلقنا فعلا.

في التاسعة مساء توقفت قنابل الغاز التي كانت وسيلة التفوق الوحيدة لدى رجال المارشال على العصابات. نفذت جميعها.

أدركوا أنه لم يعد لدينا قنابل مسيلة للدموع. وهكذا أصبحنا نواجه مجموعات تفوقنا أضعافا من حيث العدد. كانوا ليستمرون بالتوافد حتى يجبروننا على استعمال الأسلحة تفاديا لتعرض رجالنا للقتل.

نفذت القنابل أيضا من ميلر ورجاله في قاعة باكستر.

قلت لرجالي أنهم إذا دخلوا سأبدأ بإطلاق النار نحو الباب أو النافذة أو من حيث ما يأتون. وبعد ذلك أراد الرجال أن يبدءوا بإطلاق النار بمفردهم.

بلغت الفوضى في أوكسفورد  أسوأ ما عرفته في أمريكا.ما كنت لأصدق بأن تنفجر الأمور على هذا النحو. 

فكرت عدة مرات باحتمال أن يتمكن رجال العصابات من اختراق وحدات المارشال إلى قاعات المحاضرات ليفعلوا هناك ما يحلوا لهم.

تابع رجال المارشال العمل على منع العصابات من الاستيلاء على مواقعهم. وأخيرا في ساعات الصباح الأولى تمكنت أولى وحدات الجيش النظامي من الوصول إلى الجامعة.

لم أشعر بمثل تلك الرغبة بتقبيل الجنود من قبل. ولكني فعلت في تلك الليلة. دخلوا إلى هناك طوابير بأسلحتهم الجاهزة.

انتهت الاضطرابات مع بزوغ الفجر. كانت قنابل الغاز تنتشر في الحفر والركام في كل مكان.

        تمكنت وحدات الجيش من اقتلاع جيوب المقاومة في أرجاء المدينة. ومع حلول الصباح كانت أوكسفورد تعيش حالة من الطوارئ الغير معلنة.

        لأول مرة منذ الحرب الأهلية يقوم الجيش الأمريكية باحتلال مدينة أمريكية. ألقي القبض على الجنرال واكر بتهمة العصيان المدني، وقد نقل مباشرة إلى مستشفى عسكري فدرالي حيث أخضع لتحليل نفساني. كما قبض على أكثر من مائتي عنصر شغب. رغم المحاولات التي بذلها رجال المارشال، انتهى الأمر على أي حال بسفك الدماء. تعرض شخصان للقتل، سقط كلاهما في الظلام. أصيب مائة وستين من رجال المارشال بجروح. ثمانية وعشرون منهم رميا بالرصاص. ولكن لم يتم طوال الليل إطلاق النار ردا على ذلك.

أوافق على ما قاله بوبي كندي من أن مشيئة الله قد حقنت الدماء وتفادت جرح وقتل المزيد. استمر الأمر لفترة طويلة.

توجه ماكشين برفقة رجاله وجون دور مباشرة إلى قاعة باكستر للمجيء بميريديت وإنجاز ما جاءوا أصلا من أجله. عبر تسجيله في الجامعة.

تحطمت نوافذ السيارة التي جئنا بها إلى هناك، ما اضطر المارشال للعودة إلى الداخل والمجيء بغطائين وضعهما على المقعد لنتمكن من الجلوس وقيادة السيارة إلى مبنى القاعات للتسجيل.

أجلسه الموظف المسؤول عن التسجيل لتعبئة جميع الأوراق اللازمة ليكون طالبا وفي نهاية الأمر صعقوه بأنهم جعلوه يملأ استمارة تؤكد وصوله متأخرا.

دلني على المكان الذي سأوقع فيه فلم أجد خيارا آخر، ثم توجهت مباشر إلى الحصة، فكانت حصتي الأولى.

رافقه ماكشين ودور عبر حفنة من الطلبة الذين انهالوا عليه تهكما وشتائم.

ارحل ميريديت! ارحل أيها العبد.

أصبحت حصة مريديت الأولى في جامعة مسيسبي، جزء من التاريخ الأمريكي. استغرق الأمر بضعة أيام ليتحول إلى مجرد روتين. أصبح هناك وحدة كاملة من رجال مارشال لحماية ميريديت طوال أربع وعشرين ساعة في اليوم. بقي الأمر على هذا الحال طوال عام ونصف العام.

رافقناه في تلك الفترة إلى المطعم لتناول غدائه ومن هناك إلى الحصص كل على حدا. وكنا نبقى معه في غرفة الصف.

بمساعدة رجال المارشال أوضحت الحكومة للجميع بأنها ستستمر في حماية الحقوق الفردية التي سنها القانون رغم المعارضة ومهما كلف الأمر. بعد عام من ذلك وفي ألاباما طلب من رجال المارشال لمواجهة الفصل العنصري. ولكن مقاومة الولاية للاختلاط العرقي أصبحت مسألة شكلية، يلقي فيها الحاكم جون ولاس خطابا من على سلم الجامعة، ليتوقف بعد ذلك جانبا.

        في تشرين الثاني من عام ثلاثة وستين تعرض الرئيس للاغتيال.

        استمر ماكشين بالعمل كمسؤول عن وحدات مارشال تحت إمرة الرئيس جونسون. ولكن ولائه الأول كان دائما لبوبي كندي.

وكان بوبي يعرف أن جيم ماكشين كان يمتاز بجميع مواصفات المارشال التاريخية.

كان يعرض نفسه للأذى في سبيل إنجاز المهمات وهذا ما أعجب رجاله.  الذين عملوا تحت قيادته ما زالوا حتى اليوم أوفياء لذكراه. وهم يعتبرون أنها كانت لحظات رائعة.

كان ماكشين قائدا للجبهة الأمامية. لم يكن قائدا للخطوط الخلفية.

        لا أستطيع التحدث بما يكفي عن ماكشين لا أعرف أحدا لم يحبه.

عام ثمانية وستون، توفي جيمس ماكشين بعد ستة أشهر من اغتيال بوبي كندي. مات بعد أن ترك أثرا واضحا على وحدات المارشال، التي قادها في أوقات تتطلب كثيرا من الشجاعة والعطاء.

تميزوا بالنظام. وقفوا باعتزاز، وعندما أحاطوا بمبنى القاعات، أثبتوا وجودهم، وتميزوا بالثقة، ما ففرضوا على الجميع كل احترام. لا يمكن نسيان مساهماتهم الكبيرة في هذا البلد.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster