اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 المرأة في اميركا - قصة اليزابيث كيدي ستانتون وسوزان بي أنطوني
 

اليزابيث كيدي ستانتون وسوزان بي أنطوني

 

أمي من المدافعات عن حق التصويت، فكانت تعقد الاجتماعات مع صديقاتها، عندما كنت أنا في الخامسة عشرة. شاركت أعداد كبيرة من النسوة في المسيرات، التي تعبر بيكون هيل، من أعلاه إلى أسفله، وكانت الحشود تنظر إلينا. لم تكن تلك المسيرة الوحيدة، فالمرأة شاركت في مسيرات في كل مكان. إنها مرحلة تاريخية، من إشراك الناس وتعبئتهم للمشاركة في الحركة.

        سمعت عن مطالبة المرأة بحق التصويت. تذكر أن المرأة في تلك الفترة كانت في المطبخ،  كنا في تلك الفترة في البيوت، ليقتصر التصويت على الرجال، بتساهل من قبل المرأة، التي لم تكن مهتمة. أذكر أن المدافعات عن حق التصويت، كن جريئات جدا، ومستعدات للخروج إلى العالم. أذكر امرأة في ميناء كولد سبرينغ، وقد ركبت جوادا أبيضا، وذهبت به إلى ألبني، في محاولة منها لتوعية الناس على الطريق، حول أهمية مشاركة المرأة في التصويت، وهذا هو ما أشد ما أثر بي. لقد خرجن قليلا عن إطار المرأة التقليدية،(..) ولكن عندما ذهبنا إلى التصويت شعرنا بالامتنان نحوهم، علما أن الصحوة أصابتنا أيضا.

        يوم الثاني من تشرين الثاني نوفمبر من عام عشرين، ولأول مرة في التاريخ، توجه أكثر من ثمانية ملاين امرأة أمريكية إلى صناديق الاقتراع لممارسة حقهم في التصويت عبر الدوائر الانتخابية في جميع أرجاء أمريكا.

        أعلن توماس جيفرسون المساواة كحجر أساس للحكومة الأمريكية، ولكن  المرأة استغرقت مائة وأربعة وأربعون عاما من النضال للحصول على حقوقها المواطنية الكاملة في الولايات المتحدة. ولكن أكثر امرأتين كافحتا لنيل حقوق المرأة، هما اليزابيث كيدي ستانتون، وسوزي بي أنطوني،  لم تعيشا طويلا للمشاركة في الاقتراع بأنفسهما.

        عام ألف وثمانمائة وواحد وثمانون، كانت هي بطيئة تحليلية في الصياغة،  بينما كنت أنا سريعة ومحددة. كنت أفضل منها في الكتابة، وكانت أفضل مني في النقد. كانت تأتي بالحقائق والأرقام، وأنا بالفلسفة والبلاغة. لقد صنعنا مواقف وآراء لم تهزها الرياح لأكثر من ثلاثين عاما، هي مواقف عجز جميع الرجال عن تفنيدها.. اليزابيث كيدي ستانتون.

ولدت اليزابيث كيدي ستانتون وسوزان بي أنطوني بفارق أربعة أعوام وعلى مسافة واحد وسبعين ميلا عن بعضهما البعض، وفي عالم  يحكمه الرجال بالكامل. ولكن عند انتهاء حياتهما، كانتا قد غيرتا نحو الأفضل حياة غالبية المواطنين في أمريكا.

        كانتا امرأتان مختلفتان جدا، إذ ولدت ستانتون  وسط أجواء من الراحة والترف، كما تزوجت وأنجبت سبعة أطفال. كانت ودية جدا ومضيافة، تعشق الطعام الشهي والملابس الفخمة، ولكنها في الوقت نفسه ثورية لا تقبل  المهادنة. وقد لقبتها ابنتها بصاحبة الأفكار المتعددة، التي تجرأت في الإعلان أمام العالم، بأن للمرأة حق في التصويت.

        تميزت أنطوني بصراحتها في الكلام،  وتفكيرها المنفرد، وانتظامها.  ولدت وسط ملة الصاحبية فقررت عدم الزواج. عرفت باستراتيجيتها البارعة، واستعدادها للميل نحو اليمين تارة ونحو اليسار تارة أخرى إن كان في ذلك اقتراب المرأة من تحقيق هدفها في كسب حقها بالتصويت.

        رغم عدم توليها الوظائف العامة، إلا أنها أصبحت أعظم امرأة سياسية في البلاد، وقد لقبت بالعمة سوزان من قبل جيل بكامله من النساء.

        عملت المرأتان معا لأكثر من نصف قرن رغم التباينات بينهما، من أجل حياة أفضل للمرأة في كل مكان.

        يعتبر التوافق بين سوزان بي أنطوني واليزابيث كيدي ستاتون، أشبه بمعجزة هامة في تاريخ بلادنا. لا يمكن أن تتخيل حركة نسائية، لا يمكن أن تتخيل، الكفاح من أجل حقوق المرأة بالمساواة، بدون هاتين المرأتين، في طليعة النضال. ما كان لهذا أن يحدث.

        إنهما تمثلان تاريخ المرأة في القرن التاسع عشر. ليس هناك تاريخ للمرأة ولن يكون هناك تاريخ للمرأة بدونهما. لقد أسستا هذه الحركة، ومنحتاها الحيوية، بل منحتاها الحياة، وحملتا لوائها.

        كانتا وراء أكبر المتغيرات الاجتماعية أهمية في التاريخ الأمريكي. وهما نموذجا لهذا التحالف السياسي. أعتقد أن الصداقة  بين امرأتين، إحداهما صاحبية ومستقلة والأخرى متحمسة ومستقلة، أعتقد أن هذه الشراكة كانت على أهمية بارزة لهما من الناحيتين الشخصية والسياسية، لقد شكلتا فريق عمل مميز.

        توج الكفاح السياسي الذي قادته كل منستانتون وأنطوني بتحقيق الوعود التي حملها منذ البداية إعلان الاستقلال الوطني لأمريكا.

        كشفت قصتهما الشخصية  مزاياهما الإنسانية ومعايير الحب والصداقة، والوفاء والخيانة،  والجرأة والالتزام، والفشل والنجاح، وكل معاني الاستقلالية بحد ذاتها.

        لا تقبل المرأة الحقيقية بأن تشكل دليلا للأخرى، ولا تسمح لأخرى بلعب هذا الدور نحوها، بل تبقى هي ذات الكيان  الشخصي الفريد، إما أن تقف أو تسقط بالاعتماد على حكمتها وقوتها الشخصية. هي التي تعلن تمسكها بما يسر جميع النساء، من أن المرأة قد ولدت كالرجل لتحقيق سعادتها الفردية، ولتطوير كل المواهب التي منحتها لها السماء، عبر عظمة العمل في الحياة.. سوزان بي أنطوني.

(الجزء الأول الثورة. )

        ولدت وعشت لأكثر من أربعين عاما في أحد أكثر الأحياء عزلة في غرب نيو يورك. ولكني منذ نعومة أظافري، كنت أتوق لحرية التفكير والعمل الذي حرمت منه المرأة كليا. لقد تمردت روحي على المجتمع والتقاليد، وقوانين الولاية، التي أعاقت طموحاتي، وحالت دون بلوغي أي من الأهداف التي يستحقها العقل والمنطق. إلى أن شاركت باجتماع عقد في شلالات سينيكا عام ألف وثمانمائة وأربعة وثمانون، فاتخذ هذا الشعور بالقلق شكل الصوت، وبدأت بالعمل.. إميلي كولينز.

عام ألف وثمانمائة وثمانية وأربعين هو عام الثورة.  أطاحت الجموع الباريسية بملك فرنسا.

        وأعلنت روما نفسها جمهورية وأخرجت البابا من الفاتيكان.

        وقعت انتفاضات عنف في كل من براغ وبرلين وفينا وفينيسيا ووارسو. ومن لندن أعلن الصحفي الألماني الشهير كارل ماركس ندائه لعمال العالم كي يتحدوا ضد أرباب العمل.  

         أما في أمريكا ففي تموز يوليو، صدرت إشارة من شلالات سينيكا في نيويورك، عبر خبر صغير على صفحات كاونتي كورير،  تعلن انطلاق ثورة أدت إلى تبعات أطول عمرا من غيرها.

        ندوة حقوق المرأة. هي ندوة لمناقشة ظروف وحقوق المرأة الاجتماعية والمدنية والدينية. وسوف تعقد في ويسليان شابل في شلالات سينيكا نيو يورك، يومي الأربعاء والخميس التاسع عشر والعشرين من تموز يوليو الجاري، بدءا من العاشرة صباحا.

لم يسبق أن عقد أي اجتماع كهذا في أي مكان من قبل. شاركت في المبادرة خمس نساء. أربعة منهن صاحبيات، أما الخامسة والأصغر سنا، فهي اليزابيث كيدي ستانتون، التي كانت حديثة الوصول إلى المدينة وهي في الثالثة والثلاثين من عمرها.

كان هدف الندوة كما قالت ستاتون لاحقا، هو إعلان ما لا يقل عن التمرد، والإطاحة بالتقاليد والقوانين التي أضعفت  المرأة لعدة قرون مضت.

أواسط القرن التاسع عشر، حظر على المرأة حسب التقاليد، المشاركة في العظات والحرف، ومحرومة من تلقي التعليم، أما اللواتي يتجرأن على الكلام في العلن فيتهمن بالفجور.

وكان القانون يمنع المرأة من الميراث أو الملكية، حتى أن المرأة كانت ملكا لزوجها. له الحق حسب القانون بأجرها وجسمها.

لم يكن لها حقوق. يعني هذا في الواقع أن لا حق لها في الملكية ولا حق لها في توقيع العقود ولاحق لها في الأطفال ولا حق لها في ملابسها إذا بلغت من الجرأة أن تتخلص من زواجها المقيت، لا يحق لها بغيار ملابس واحد ولا بأن تأخذ أطفالها أو حتى أن تأخذ حقيبة واحدة.

حرمت المرأة من المشاركة في القضاء، كما أن شهادتها لم تكن مقبولة.

كما أنها حرمت من حق الاقتراع الذي يمكنها من خلاله تحسين أوضاعها.

لم يكن للمرأة  في أمريكا ولا في العالم أجمع أي حق بالتصويت.

ولكن عام ألف وثمانمائة وثمانية وأربعين، حسمت إحدى الأمهات والشابات أمرها لتغيير ذلك.

(ليتك ولدت ذكرا)

        يوم الرابع عشر من أيلول سبتمبر من عام ثمانية وأربعين. لو خصص لنا كوكبا نعيش فيه منفصلات عن الرجل، لولدت معنا كل الحقوق الذي يتمتع بها هو على الأرض. نعتقد أنه يكفي الرجل ما لديه  في البحث عن المكان المناسب له، دون الخوض في المكان المناسبة للمرأة المناسبة.. اليزابيث كيدي ستانتون.

        ما كانت ظروف إليزابيث كيدي ستانتون توحي بثوريتها، فقد ولدت في أرقى منزل من جوهانزتاون في نيويورك يوم الثاني عشر من تشرين الثاني نوفمبر من عام ألف وثمانمائة وخمسة عشر، فكانت الثامنة بين أحد عشر طفلا.

        أمها مرغريت ليفينغستون كانت طويلة القامة تتمتع باستقلالية فكرية، وهي ابنة ثرية لبطل حرب ثورية.

        ولكن والدها هو الأكثر أهمية لديها. كان دانييل كيدي محام وقاض شهير، بعيد النظر، ومحافظ صنع نفسه بنفسه.

        بعد موت ثلاثة من أبنائه أحياء، علق القاضي كيدي كل آماله في مستقبل العائلة على ابنه الوحيد أليسار البالغ من العمر عشرون عاما. كتبت إليزابيث تقول فيه: شعرنا جميعا أن هذا الابن يحتل مكانة أكبر في مشاعر والدنا منا جميع بناته معا.

        عام ألف وثمانمائة وستة وعشرون عندما كانت اليزابيث في الحادية عشر من عمرها، أصيب أليسار فجأة بالمرض،  ومات. في اليوم التالي وجدت والدها المفجع ينتحب وحده في مدفن العائلة المظلم، إلى جانب جثمان أخيها.

        تسلقت ركبتيه، ليضمني آليا بين ذراعيه، فوضعت رأسي فوق صدره  وجلسنا معا بصمت طويل. كان يفكر بآماله الضائعة جميعا بضياع ابنه العزيز، فتساءلت في نفسي عما يمكن أن أفعله لأخفف من آلامه العميقة. فتنهد طويلا بعد حين وقال: آه يا ابنتي، أتمنى لو كنت ذكرا. فألقيت بذراعي نحو عنقه وأجبت، سأحاول أن أكون كما كان أخي تماما..اليزابيث كيدي ستانتون.

        سعد اليزابيث لإسعاد والدها، فقفزت من فوق السياج على الجياد، وتغلبت على الصبيان والفتيات للفوز بالتكريم في المدرسة.

        كان دانيل كيدي فخور بكل إنجازاتها، ولكن مهما بذلت من نجاح، كان يرد بالقول: أتمنى لو كنت ذكرا.

        كثيرا ما كان والدها يتعامل بقوانين الملكية، وقد جاءت إليه السيدة فلورا كامبيل مرة إليه تقول: مات زوجي وقد أخذ ابني المزرعة  مني ولم يعد لدي ما أعيش عليه، فأجاب والدها لا يمكن أن أفعل شيئا فالقانون لا يحميك. سمعت اليزابيث كيدي ذلك وقالت على طريقتها الصبيانية ولكن ضمن إجابة ناضجة أيضا فقالت: يجب أن أفعل شيئا في هذا الشأن. ثم أكدت لفلورا بأن لا تقلق لأنها ستقطع القوانين من كتاب والدها فيصبح كل شيء على ما يرام.

        في الخامسة عشرة من عمرها طالبت اليزابيث متابعة الدراسة في كلية أونيون، التي كان يتعلم فيها شقيقها. ولكن عام ألف وثمانمائة وثلاثون لم يكن في أمريكا كلية تستقبل الإناث من الطالبات.

        كما أن والدها كان يرفض ذلك على أي حال، على اغتبار أن زيادة التعليم قد تفسد الكثير من المبادئ التي كان يؤمن بها القاضي كيدي، ما سيجعل من الصعب على ابنته أن تتقبل ما كان يسمى حينها بمفاهيم المرأة الحقيقية.

مفاهيم المرأة الحقيقية هي أيديولوجية تلك الفترة، التي تقتصر على العمل في المطبخ والمنزل، وتعتني بالأخلاق والطهارة والتقاليد، وتعلم رعاية الأطفال، وتحصيل الثقافة. اعتبرت تلك دائرة آمنة جدا صممت مقابل دائرة نشاط الرجل في المجالات الاقتصادية والسياسية، والنشاطات الحربية والعدوانية.

        وأخيرا سمح لها والدها بالذهاب إلى ندوات نسائية في ترويا نيو يورك، تتم بإدارة طليعة في تعليم الفتيات هي إيما ويلارد، التي كانت تطلب سيرة ذاتية جدية ومتفوقة. 

        أعجبت اليزابيث بويلارد، وأحبت التعلم، ولكنها كرهت ما أسمته بالعلاقات المتصنعة مع الصبيان، التي نشأت عليها بنات المدارس جميعا.

        تخرجت عام ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثون، وبدأت تمضي المزيد من الوقت في منزل قريبها الثري، غاريت سميث، الذي كان متحمس جدا لجميع الإصلاحات، والامتناع عن معاقرة الكحول وأكل اللحوم، ومؤيدا لحقوق الهنود، وخصوصا إلغاء العبودية.

        في ردهة سميث التقت اليزابيث بعبيد يختبئون في في طريقهم إلى كندا، واستمعت إلى أحاديث في شؤون السياسة والإصلاحات الجذرية،  حيث سرت في التعبير عن رأيها أيضا.

        كانت جميلة وحيوية جدا في الصغر تحب الرقص جدا. كانت نحيلة وصغيرة الحجم، ما جعلها تصبح بدينة عند الكبر. البريق في عيناها وشعرها متمايل، كما تنضح بالطاقة. أعتقد أنها كانت شخصية قوية تعد بالكثير.

تحمس هنري بروستر ستانتون جدا للتغزل بإليزابيث كيدي، وقد كان خطيبا معاديا للعبودية يكبرها بعشر سنوات.

        كان رائعا، شاب طويل ووسيم وبطولي في مواجهة الحشود المناهضة لإلغاء العبودية بمفرده. وقد خرجا في نزهات على الجياد فأحبته بجنون. أعتقد أنهما كانا على علاقة حب فريدة بل عاطفية جدا.

        أدان والد إليزابيث وجهات نظر ستانتون السياسية، ولكنها رغم ذلك تزوجت من هنري في العاشر من أيار مايو من عام ألف وثمانمائة وأربعين.

        أصرت إليزابيث على تغييرين في المراسيم، فقد ألغت كلمة طاعة، إذ أرادت ان يكون الزواج بين متساويين. كما احتفظت باسمها. وهكذا لم تعرف بعد ذلك بلقب السيدة هنري ستانتون، بل باسم اليزابيث كيدي ستانتون.

(بين الأناقة والعمل)

سادت أفكار تقول بأن الرجل خلق لنفسه، وأن المرأة خلقت لأجله، وأنه السنديان، وهي النبيذ، وأنه العقل، وأنها القلب، وأنه سيد الحكمة والتعقل، وهي سيدة الحب، كلها أفكار أزيحت جانبا، مع فلسفات بائدة أخرى مشحونة بمجاهل الماضي.. سوزان بي أنطوني.

        بعد أربعة أعوام من ولادة اليزابيث كيدي ستاتون، ولدت سوزان براونيل أنطوني ثانية سبعة أبناء، في مزرعة والدها بالقرب من أدامس مساشوسيس، في الخامس عشر من شباط فبراير من عام ألف وثمانمائة وعشرين.

        كانت أمها لوسي ريد من اتباع المعمدانية، جعلها العمل الدؤوب والتفاني في خدمة الآخرين، تتحول إلى نموذج تحتذي به ابنتها طوال حياتها.

        كان والدها دانييل أنطوني صاحب مطاحن مزدهرة وصاحبي متزت، وقد بلغ من السعي إلى الطهارة أن منع دخول الألعاب والموسيقى والدمى إلى منزله، خوفا من أن تشغل الأطفال عما كان يسمى بالنور الداخلي، أو ما قيل بأنه الروح المقدسة التي تعيش داخل كل الإنسان.

        ربما كانت ملة الصاحبي  صارمة،إلا أنها تعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة أمام الله. كانت عمة سوزان كاهنة من أتباع الصاحبية هذه الملة.

        أعتقد شخصيا أن نشأة الصاحبية منحت سوزان بي أنطوني فوائد كثيرة. منحها ذلك الإيمان نوعا من الحساسية وتفهم العالم الذي كان سائدا من حولها في ذلك العصر.

        عندما تذمرت سوزان من المعلمة التي منعتها من دراسة القسمة مع الصبيان، سحبها والدها من المدرسة العامة بالكامل، ليقيم في المنزل مدرسة خاصة بأبنائه. ثم أرسل ابنته لاحقا إلى مدرسة صاحبي داخلية بالقرب من فيلاديلفيا. أراد أن تحصل ابنته على تعليم جدي ومتساو.

        عام ألف وثمانمائة وثمانية وثلاثون، وسط حالة اقتصادية سيئة أصابت البلاد بكاملها، انهارت أعمال دانييل أنطوني كليا.

        أملت سوزي في تقديم المساعدة له، فاتخذت وظيفة فتحت للنساء حديثا، في المدارس التعليمية.

        كانت تنقصها الثقة في البداية، ولكن ثقتها بنفسها أخذت تنمو تدريجيا، إلى أن طلب منها ترأس  الدائرة النسائية في أكاديمية كانوجوهير بالقرب من ألبيني نيو يورك.

        أحبت أن تكسب رزقها، وهي معلمة ناجحة، حتى فضلت استقلاليتها على أي شيء آخر.

        على مر السنين تقدم لأنطوني الكثير من الخطاب، ولكنها في نهاية المطاف رفضتهم جميعا.

        لم أشعر أني قادرة على التخلي عن حريتي، كي أصبح مدبرة لمنزل أحد الرجال. عندما كنت شابة، كانت المتزوجة الفقيرة تتحول مباشرة إلى مدبرة منزل وكادحة. وإذا تزوجت ثرية تتحول إلى حيوان أليف ودمية لعوب. تخيل أني لو تزوجت في العشرين، لتحولت إلى كادحة، أو دمية، لخمسة وخمسين عاما. فكر بالأمر مليا.. (سوزان بي أنطوني)

(ثورة جديدة)

        بعد يومين من زواجهما في أيار مايو من عام ألف وثمانمائة وأربعين، سافرت إليزابيث وهنري ستاتون إلى لندن للمشاركة في أول ندوة عالمية لمناهضة العبودية. كانا جزءا من وفد كبير من النساء والرجال، شملت أبرز المناهضين للعبودية في أمريكا: ويديل فيليبس، ووليام لويد غاريسون.

        سرعان ما تنبهن المعاديات لعبودية المرأة أن أحدا لا يرعب بهن. كان على الراغبات في المشاركة الجلوس في دائرة منفصلة ومعزولة، حرمن من الكلام والتصويت.

        كان غضب وينديل فيليبس عارما، كما هو حال وليام لويد غاريسون، الذي رفض أن يتخذ موقعا له كمندوب،  بل فضل الجلوس في القسم المخصص للنساء قائلا: لا يمكن أن أشارك في ندوة تنتهك أقدس الحقوق الفردية لدى المرأة. أصغت إليزابيث بإعجاب شديد عند طرحت الفكرة.

        رأت جميع الخطباء هناك يقفون الواحد تلو الآخر رافعين الإنجيل في أيديهم قائلين أنه يؤكد عدم مشاركة المرأة في اجتماعات الرجال. وأن على المرأة أن تلوذ بالصمت. أعتقد أن تلك اللحظة كانت، لحظة التعرف مباشرة على الصلة بين الكفاح لمناهضة العبودية والكفاح من أجل حقوق المرأة. رأت بأن أصوات المرأة كانت تسكت، وهي تطالب في حقوق العبيد. علما أن الصلة والحاجة للعمل من أجلهما كانت هناك.

        أمضت اليزابيث بقية الندوة جالسة خلف الزجاج إلى جانب واحدة من أبرز المندوبات هناك، لوكريسيا موت.

        كانة لوكريسيا موت من كهنة الصاحبية في فيلاديلفيا، التي شاركت في إقامة أول جمعية نسائية لمناهضة العبودية في العالم.

        بلغ التزامها للقضية أن رفضت ارتداء القطن، أو وضع السكر على مائدتها، لاعتمادها على عمل العبيد. لم تلتق اليزابيث بأي شخص مثلها.

        أعتبر أن السيدة موت كانت بالنسبة لي نموذجا جديدا  يختلف كليا عن المرأة. عندما سمعت من شفتيها لأول مرة، بأن لي الحق بالتفكير بنفسي، تماما مثل لوثر وكالفين وجون نوكس، وأنلي الحق مثلهم باتباع قناعتي الخاصة، شعرت حينها بمفهوم جديد من الكرامة، والحرية. (اليزابيث كيدي ستاتون)

        كانت اللحظة الأهم ساعة لقائها بلوكريسيا موت، إنها لحظة حاسمة في حياتها، إذ وجدت في موت المثل الأعلى لمستقبلها.

        أثناء أعمال الندوة، كانت النداءات تنطلق من جميع الاتجاهات، بأن الوقت قد حان لحصول المرأة على حرياتها. أثناء عودتي إلى الوطن جنبا إلى جنب مع السيدة موت، اتخذنا قرارا بعقد مؤتمر حالما نعود إلى أمريكا، لتشكيل جمعية تطالب بحرية المرأة. ( اليزابيث كيدي ستانتون)

(إصلاحية)

        لو ولدت بين الإغريق لكانت رواقية، وفي عصر الإصلاحات كالفينية، وفي عصر الملك شارلز متطهرة، أما في القرن التاسع عشر، فكان لا بد لها ان تقف بين الإصلاحيين. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        بعد عشر سنوات من العمل في التعليم، أصيبت سوزان بي أنطوني بالملل وعدم الرضى، أصبحت في التاسعة والعشرين وهي محدود الآمال جدا في المستقبل، تستطيع الاستمرار في التعليم، أو الزواج، أو العودة إلى المنزل كخادمة عجوز كما يقال حينها.

        ليس من السهل اتخاذ قرار بالعزوبية كما فعلت أنطوني. عندما كانت تتحدث عن العزوبية كانت تفعل ذلك دائما من وجهة نظر الاستقلالية والمساواة. على الرجال أن يعتبروا المرأة مساوية لهم، كي تفكر بالزواج. وهذا ما اعتقد أنه جعلها تحول ظروفها الشخصية إلى موقف سياسي قبل أي شيء آخر.

        حاول والدا أنطوني مساعدتها على تخطي حالة عدم الرضى المتنامية لديها. تحسنت أحوال والدها، بعد أن أصبح رجل أعمال ناجح في روشيستر، فطلب منها إدارة مزرعة العائلة إن شاءت ذلك.

        تحول غرب نيويورك خلال عام ألف وثمانمائة وأربعين إلى منطقة تحولات ساخنة للإصلاحات الاجتماعية والسياسية والجذرية الدينية على مختلف الأصعدة. عندما عادت أنطوني إلى بيتها، وجدت أنه قد تحول إلى مركز اجتماعات لقادة مناهضة العنصرية ومعاقرة الكحول.

        التقت في منزلها الريفي الواقع في ضواحي روشيستر بأبرز الإصلاحيين في تلك الفترة. وليام لويد غاريسون ووينديل فيليبس، وفريديريك دوغلاس، وجون براون وأمي بوست. كانت تقدم القهوة والشاي لهم ولكنها متشوقة للخوض في الحوار. وأعتقد أنها خاضت جديا بها.

        ملهمة بنماذج زوار والدها، وباندفاع من حماسها، أرادت أن تعرف ما إذا كانت كامرأة عازبة تخطي كل العقبات، للعمل بدوام كامل، في الإصلاحات.

        نشأت سوزان بي أنطوني وسط عائلة إصلاحية، أي أن مبدأ تحمل المسؤولية لإقامة عالم أفضل، والنداءات الداعية لذلك موجودة هناك.

        اتخذت سوزان بي أنطوني مناهضة الكحول كأول قضية لها،  وهي أوسع حركات الإصلاح  انتشارا في ذلك الوقت.

        في الظاهر، كانت مناهضة الكحول وسيلة للاستقامة والعيش النظيف، أما أنطوني وغيرها من النساء فقد اعتبرن أنها وسيلة لوقف العنف المنزلي. واغتصاب الزوجات، وشرب الكحول بدخل العائلة.

        ولكن أنطوني كانت ترى ضرورة إصلاح جميع الأخطاء، وسرعان ما زجت بنفسها في أهم الإصلاحات وأبرزها: إلغاء العبودية.

بدأت بإطعام وحماية الفارين من العبيد، وفي مهرجان لمنع الكحول في روشستر، فاجأت النساء المشاركات بمطالبتهم بالتضامن مع النساء العبيد في الجنوب ومع نساء السكيرين من حولهم.

        أعتقد أنها كانت تتحرك بطريقة لا توحي بالراحة، لا أظنها أنها توقفت على الإطلاق. من حسن الحظ أنها وجدت قضية تستوعب كل حماسها والطاقة والحيوية البارزة لديها. لا أعرف أين كانت ستذهب بكل تلك الطاقة لو لم تجد لها منفذا في قضية سياسية. بدأت تعقد اللقاءات مع طلائع النساء المعاديات للعبودية، اللواتي طورن من تمسكهن بالإصلاحات، وأصبحن بارعات في الخطابة، وفي تنظيم الاجتماعات في القرى والمدن الصغيرة، وتعميم المطالب، حتى أطلقوا عليها لقب نابليون بعد أشهر من بدء هذا النوع من العمل. اكتشفت في نفسها عملا تتقنه جيدا لهذا وجدت من المنطق أن تستمر فيه.

(جوع فكري)

        بعد العودة من ندوة مناهضة العبودية في لندن، انتقلت عائلة ستانتون إلى منزل جميل في بوسطن مليء بالخدم. تابع هنري مهنة المحاماة وسياسة مناهضة العبودية.

        أنجبت إليزابيث ثلاثة أطفال، دانييل وهنري، وغيريت، كما أبرزت كل العناصر اللازمة لتزعم الندوات.

        لا شك أن المرأة تعتز وتفخر بمملكتها ضمن جدران أربع، تسأل فيها عن جميع الشؤون المنزلية، والاقتصادية بمتعة تامة. وقد درست كل هذه الجوانب لتدبير الشؤون المنزلية، واستمتعت بكل جوانبها.. (اليزابيث كيدي ستانتون).

        أحبت إليزابيث بوسطن، فقد كانت نوعا من المتحف الأخلاقي.

        تعرف الزوجان إلى أبرز الكتاب والإصلاحيين في المنطقة: برونسون ألكوت وناثانيل هاوثورن وثيودور باركر ووليام أليري شانينغ، ورالف والدو إميرسون.

        كتبت لأمها تقول: التقيت بكل الأفكار الجديدة والحماسية، ولكني لم أجد الوقت الكافي أو المكان المناسب لتعدادها، حتى لو فعلت من المحتمل جدا أن تعارضين غالبيتها مع أبي.

        شهد ربيع سنة ألف وثمانمائة وسبعة وثمانون، أفلس مكتب هنري القانوني، وأدى عجزه المالي إلى انتقاله نحو مدينة شلالات سينيكا الصغيرة في ولاية نيو يورك.

        اشترى لهما القاضي كيدي المنزل الثاني والثلاثين في شارع واشنطن. أمضى هنري غالبية الوقت بعيدا عن المنزل يلاحق سياسة مناهضة العبودية.

        بقيت إليزابيث بمفردها للعناية بالشؤون المنزلية.

        كانت تكره حياة المدن الصغيرة، والشوارع الموحلة، والكد المنزلي. والسكارى من الجيران، وسكان الأرياف المحافظين جدا، والذي صدموا برفعها علما يعلن ولادة كل من أبنائها، في فترة كانت ترى في إعلان الولادة عيبا.

        وقد عانت كما تقول، من مجاعة فكرية، لم أجد ما يمكن أن يتناسب مع قدراتي الفكرية العالية.

        عندما انتقلت إلى سينيكا لم تعد ستانتون  زوجة مدللة بل صار عليها أن تعتني بالأطفال وتحمل المسؤولية في غياب زوجها. وهكذا لمست بنفسها صعوبة الحياة بالنسبة للغالبية العظمى من نساء شمال أمريكا البيض. لا شك أنها استفادت  من هذه التجربة ولم تنعم بالراحة والرفاهية فحسب، كي تناضل من أجل حقوق جميع النساء.

        صيف عام ألف وثمانمائة وثمانية وأربعون، سمعت بأن صديقتها لوكريتيا موت قادمة إلى المدينة. مضت ثمانية أعوام على تعهدهما في لندن، لعقد مؤتمر حول حقوق المرأة.

         مع بداية تموز يوليو من عام ألف وثمانمائة وثمانية وأربعين، تلقت اليزابيث كيدي دعوة لجلسة شاي في منزل جان وريتشارد هانت، حيث جلست مع أربعة نساء أخريات، لتحويل حوار عاديا حول بعض أحداث تاريخ الصاحبية إلى حركة تغيير اجتماعية. وقد كتبت تقول: صببت عليهن حمم  عدم الرضى الطويلة لدي  وتحديتهن للتجرؤ على القيام بأي عمل ما.

        قررن الدعوة لعقد ندوة. كان هذا حلا تقليديا في القرن التاسع عشر، حيث كان الجميع يدعو لعقد اجتماع عام لمعالجة أي مشكلة، كما فعل مناهضو العبودية.

        كن جميعا يجهلن طبيعة الخطوة التالية. عندما جلسن حول الطاولة جميعا في ردهة ماري آن ماكلينتوك، كتبت ستانتون تقول: في البداية أصبنا جميعا بالارتباك وكأنه قد طلب منا فجأة بناء محرك بخاري.

        وأخيرا قررن صياغة مسودة بيان إعلان مشترك يصدر عن الندوة بعنوان: بيان الحقوق والقرارات. وقد حمل تعدادا لحقوق المرأة.

        سرن جميعا على خطى المناضلة البريطانية لحقوق المرأة في القرن الثامن عشر، ماري ولستون كرافت، ولكن في النهاية قررت ستانتون وزميلاتها صياغة الوثيقة على طريقة إعلان توماس جيفيرسون الاستقلالي.

(سينيكا، نيويورك. 19/7/1848)

        سافرنا في البداية بمفردنا، ولكن بعد أن عبرنا بضعة أميال، التقينا بعربة أخرى مليئة بالنساء، تسير في نفس الاتجاه. بعد تخطي معابر الطرق، رأينا العربات تأتي من جميع الاتجاهات، وقبل أن نبلغ شلالات سينيكا بكثير، تحولنا إلى مسيرة فعلية. (شارلوت وودوارد).  

        بدأت الندوة الأولى لحقوق المرأة تمام العاشرة صباحا في كنيسة ويسليان المعمدانية شلالات سينيكا نيو يورك، يوم التاسع عشر من تموز يوليو من عام ألف وثمانمائة وثمانية وأربعين.

        سمح في ذلك اليوم للمرأة وحدها بالمشاركة، وفي العشرين، فتحت الندوة للجميع، حيث دخل إلى الكنيسة  أكثر من ثلاثمائة امرأة ورجل من تجار ومزارعين وعمال المطاحن وكهنة وربات منازل. وطلب منهم التصويت لصالح بيان ستانتون لحقوق المرأة أو ضده.

        لم تجد أيا من النساء اللواتي نظمن الندوة، في نفسها القدرة على إدارة الندوة، فوافق زوج لوكريسيا موت جيمس على ترأسه.  بلغت اليزابيث كيدي ستانتون من التوتر ما حال دون أن ترفع صوتها كي تسمعها الجموع.

        أجد صعوبة كبيرة في الوقوف أمامكم اليوم، إذ لم أتحدث أمام الجموع من قبل، ألا يدفعني الحس بالحق والواجب؟ ألا اعتقد أن الوقت قد حان للتساؤل حول الخطأ في وقوف المرأة للتحدث أمام الناس؟ ألا أعتقد أن على المرأة  بنفسها ان تقوم بهذا العمل؟ ألا أرى بأن على المرأة بأن تفهم ما تتعرض له في الطول والعرض والعمق من انتهاكات..؟ (اليزابيث كيدي ستانتون).

        وبعد ذلك بدأت بقراءة بيانها: متى في تاريخ الأحداث البشرية، أصبح من الضروري، إلى آخره.. كان الحضور يحفظ الكلمات جيدا، لقد حفظ البيان عن ظهر قلب، ترددنها منذ الطفولة في الرابع من تموز يوليو من كل عام، أي أن أي تغيير في ذلك البيان كان مروعا بالنسبة لهم.

        نعتبر هذه الحقائق دليلا قاطعا، على أن الرجل والمرأة خلقا بالتساوي، وأن الله خلق كل منهما بحقوق متساوية، ومن بينها حق الحياة والحرية، والسعي إلى السعادة. (اليزابيث كيدي ستانتون).

        أثرت تلك العبارة في المشاركين بالندوة وفي أرجاء البلد وما زالت تؤثر بنا حتى اليوم.

        دفعت الجرأة ستانتون على الاستمرار، قائلة بأن الرجال حرموا المرأة من حقوقها باستمرار، وحالوا دون حصولها على المساواة في التعليم والحرف، وحرموا المرأة من الحصول على الطلاق والوصاية على أبنائها.

        بعد ظهر ذلك اليوم وقع بيان الحقوق هذا  ثمانية وستون امرأة واثنان وثلاثون رجل.

        تقدمت ستانتون بعد ذلك للندوة بأحد عشر قرار إضافي على البيان،  حظي عشر منها بالموافقة الإجماعية، أما الأخيرة فكانت الأشد ثورية منها، فهي طالبت بمنح المرأة حق التصويت.

        جرى تقديم المقترحات للمصادقة عليها، ما أثار نوعا من الضجيج والدهشة بين الحضور، إذ أن الجرأة بلغت فيها حد المطالبة بحق التصويت.

        لم يجدن الكفاءة والقوة اللازمة في أنفسهم للقيام بذلك. اعتبر البعض أن لا ضرورة لهذا الحق لأن المرأة بوجود زوجها لن تحتاج إلى حق التصويت تماما كالرجال. من الصعب على المرء أن يتخيل جرأة هذا الطرح في أواسط القرن الماضي، بل يثير الغضب.

        وقف زوجها هنري ستانتون إلى جانب البيان، أما المطالبة بالتصويت، فهي جرأة لم يسبق لها مثيل.

        حتى أن لوكريسيا موت أصيبت بالقلق، فقالت لستاتون، إليزابيث، هذا ما سيجعل الندوة سخيفة فعلا.

        ولكن إليزابيث ستاتون لم تتراجع عن طرحها، وأصرت على القول بشجاعة: حق التصويت ملك لنا، يجب ان نحظى به، كما يجب أن نمارسه.

        ولكنها على انفراد أعربت عن خشيتها من عدم إقناع الحضور في الدفاع عن قضيتها.

        ثم وقف رجل بين الحضور وطلب منه التعريف عن نفسه، فكان العبد السابق والخطيب المناهض للعبودية فريديريك دوغلاس، ليؤكد قائلا: بدون حق التصويت، لن تتمكن المرأة من تغيير القوانين التي تسيء معاملتها.

        جميع الشرفاء من الرجال، ككائن بشري له اعتباره، متساوون تماما بالمرأة،  وإذا عدلت هذه الحكومة لأنها تحكم بإجماع ورضى المحكومين، لا أرى أي سبب في العالم، يحرم المرأة من حق التصويت. فليكن شعارنا، أن ليس للحق جنسا..( فريديريك دوغلاس)

        ساعدت كلمة دوغلاس في إنجاح الاجتماع، فأقرت الندوة دعم حق المرأة في التصويت بالإجماع.

        بدأت مجموعات من النساء والمتعاطفين معهم من الرجال في عقد اجتماعات لهم في مدن نيويورك وأوهايو وبينسيلفانيا، وماساشوسيس، انطلاقا من بيان ستانتون.

        العيش في الأرياف حيث السكان يتباعدون عن بعضهم البعض يجعل من قلة قليلة، ولكني أردت التعويض عن قلة العدد هذه بمضاعفة العمل.

        جمعت عددا من النساء من الجوار وأعلنت قيام جمعية المطالبة بالمساواة في التصويت، وبعثت بها إلى المشرع لدينا، الذي استقبله على اعتبار أنه سخيف جدا. (إميلي كولينز)

        أدان الخطباء هذه الندوة لعدم لياقتها، وسخرت مقالات الصحف الرئيسية من فكرة تصرف المرأة بالاعتماد على نفسها.

        النساء أيها السادة، عقدن مؤتمرا لهن في نيو يورك. وأصدرن نوعا من قانون الحقوق، يؤكدن فيها الحق بالتصويت، وبأن يصبحن مدرسات ومشرعات ومحاميات، والقيام بكل ما يفعله السادة اليوم. يجدر بهن أن يصدرن قرارا يجبر السادة على جلي الصحون، وتقديم حليب الأطفال ورثي الملابس، وارتداء الحلي والتزين، ليصبحوا بروعة تلك الأطباق الشهية التي أرسلها الله لتخفف عن قسوة الحياة لدى الرجال وتجعلهم في حضارة مقبولة. (لويل مساشوسيس كورير)

        صدر بيان شلالات سينيكا بعد اثنين وسبعين عاما من إعلان الاستقلال. ولكنها ستحتاج إلى اثنين وسبعين عاما أخرى لتحظى بالمواطنية الأمريكية الكاملة، التي أعلنت اليزابيث ستانتون أنه حقها منذ الولادة. ولكن الكفاح من أجل حقوق المرأة قد بدأ.

        قد يستغرب الجميع فعلا، ولكنا اليوم نطالب بحقنا في التصويت وفق إعلان السلطات التي نعيش في ظلها. كيف يمكن الاعتراف بالسكيرين والأغبياء والمراهنين على سباق الخيل والجهلة الأجانب والصبية الحمقى، بينما نحرم نحن من حقنا كمواطنين، نعتبر ان هذا أكثر مما يمكن أن نخضع له. (اليزابيث كيدي ستانتون).

        منح مؤتمر شلالات سينيكا الشهرة لاليزابيث كيدي ستانتون، فاستمرت في الكتابة. ولكن متطلبات الزواج والأمومة أبقتها على مقربة من المنزل.

        أصبحت بأمس الحاجة إلى مساعدة في اللحظة التي كانت فيها الحركة في أوج اتساعها على أوسع نطاق.

        يوم الثلاثاء الثالث عشر من أيار مايو من عام ألف وثمانمائة وواحد وخمسين، تعرفت ساتون على قارعة الطريق  إلى شابة جاءت حديثا إلى المدينة، كي تستمع إلى خطبة سيلقيها وليام لويد غاريسون. إنها سوزان بي أنطوني.

        أتذكر جيدا ذلك اليوم، كانت تقف هناك، بملامح الطيبة لديها وابتسامتها العبقرية. أشبه بالكمال في الرصانة والأناقة. لقد أعجبت بها جدا. أما السبب الذي منعني من دعوتها فورا إلى البيت للعشاء، فلا أعرفه.

(اليزابيث كيدي ستانتون)

        بعد بضعة أسابيع، طلبت ستانتون من أنطوني أن تأتي للبقاء في بيتها لبضعة أيام. وافقت أنطوني دون تردد. كانت متشوقة للتعرف إلى المرأة التس ساهمت في تأسيس الحركة الجديدة.

        عندما التقت المرأتين، بدأ الشرار يبرق في السماء، لأن هذا اللقاء شكل بداية فعلية لقوة الحركة النسائية. هناك اجتمعت اليزابيث كيدي ستانتون القصيرة جدا والبدينة بحياتها المنزلية التي تعج بالأطفال، إلى جانب سوزان بي أنطوني الطويلة جدا والنحيلة التي تسرح شعرها إلى الخلف دون أن تتزوج أو تنجب الأطفال.

        من الصعب أن نتخيل كيف انسجمت المرأتان بهذه السرعة عندما التقيا، خصوصا وأن التشابه بينهما كان معدوم من حيث الشكل. تكمن ندرة الفرص بالمعنى الإيجابي للكلمة، في أن ستانتون كانت عالقة في المنزل مع أطفالها، وأمامها امرأة عازبة مستعدة للترحال والخوض في مجاهل المدن الصغيرة، ما يعني أنها قد تشكل  أقداما لستانتون سجينة المنزل. الوجه الآخر من العملة هو أن سوزان أنطوني كانت تفتقر للثقة بقدراتها على الكلام، مقابل امرأة تتفجر بالكلمات ولكنها عالقة في المنزل مع صغارها، أي أن أنطوني تستطيع الحصول على الكلمة من ستانتون لتتمكن هذه الأخيرة من الحركة والسفر عبر أنطوني.

        وجدت كل منهما شيئا في الأخرى، وقد تحولتا فجأة إلى صديقتان حليفتان، جمعت بينهما شراكة سياسية وشخصية، دامت لأكثر من خمسين عاما.

(اللبؤة الأسيرة)

        في تشرين أول أكتوبر من عام واثنان وخمسين، وأثناء تحرك سوزان بي أنطوني عبر البلاد، أنجبت اليزابيث كيدي ستانتون طفلها الخامس، وقد أسمتها مرغريت على اسم أمها. كانت تلك ابنتها الأولى.

        أشعر بأني أسعد أم بطفلتها، فلتسعد معي نساء العالم، يبدو أن بطلة القضية قد ولدت. لقد كرستها لهذا العمل، منذ البداية. آمل أن تترك أثرا لها على العالم، من خدمة للخير والحقيقة. (اليزابيث كيدي ستانتون 20/10/1852)

        لم يكن هنري في المنزل، والحقيقة أنه تغيب عن ولادة جميع أبنائه.

        بلغوا عدد أصابع يدها، عليها العناية بخمسة أطفال ورعاية المنزل. كانت أما محبة تؤمن بضرورة أن يمنح الطفل أكثر ما يمكن من الحرية. رفضت توبيخهم، كما رفضت إيقاظهم في الصباح على أمل أن يتعلموا النظام بأنفسهم. ولم يطلب منهم الذهاب إلى أي كنيسة.

        بلغ عدد أطفالها سبعة في نهاية المطاف، جميعهم مفعم بالحيوية متمرد لا يتقبل القمع. حتى أن هنري أطلق عليهم لقب:عصابات البؤس غير النامية. 

        أعتقد أنها أحبت أن تكون أما، وقد أفلحت في ذلك، ولكنها بدأت تفقد الصبر أيضا في هذا الدور. أعتقد أن ما تغلب عليها من إحساس في السجن كان ينبع من إحاطتها الدائمة بالصغار دون مساعدة من زوجها الغائب. لهذا شبهت نفسها باللبؤة السجينة تجول بين الحوض والمطبخ وباحة اللعب، وكأنها متشوقة للتحرر من الواجبات المنزلية.

        أحيانا ما كانت أنطوني تترك عملها في إلقاء الخطب والتنظيم لتتولى عنها شؤون التدبير المنزلي بينما تجلس ستانتون للرد على الرسائل وكتابة الخطابات والمقالات دون توقف.

        كتب أحد أبنائها في مذكراته يتحدث عن أيامه المبكرة بالقول أنه يذكر أمه جالسة مع العمة سوزان حول طاولة تغطيها الكتب والأوراق، تتحدثن دائما عن الدستور.

        وقد كتب هنري يقول: كانت سوزي تحرك الحليب، واليزابيث تحرك سوزان التي كانت تخرج بعدها لتحرك العالم. وكتبت ستانتون تقول: كنت أصنع القنابل بنفسي، لتتولى هي إطلاقها.

        كملت مهارات كل منهما الأخرى، توافقت شخصيتهما وسادت بينهما علاقة جيدة، حتى تحولت كل منهما محل ثقة لدى الأخرى. وكأنه نوع من الصداقة والأخوة في آن معا.

        على مدار السنوات التالية عملت ستانتون وأنطوني دون توقف في شؤون المرأة وحقوقها. وإصلاحات الطلاق  ومناهضة الكحول. وحقوق المرأة في التعليم وملكية المتزوجات، وإصلاح الملابس، وتساوي الأجور في الوظائف المتساوية. 

        كانت ستانتون تعزز الأفكار والعيش الكريم لديها، بينما تتحمس أنطوني للعمل، مستعدة للقيام بما يلزم من مهام على الأرض، بعقد اللقاءات وإعلان حملات المطالب، والقاء الخطابات كلما التقت حشدا، ما أخاف غالبية النساء حينها.

        كن يتعرضن للاتهامات بالهرطقة حيثما حللن، حتى التهجم المستمر في الصحافة عليهن. عندما طرح قانون التساوي في الأجور للتصويت في ندوة المعلمين الحكوميين في روشستير، سقط بالكامل، فقد صوتت غالبية النساء ضده.

        لا بد أن حفنة المعلمات هذه مجرد مجموعة من الحمقى. إن كان إرضاء الرجال يتطلب عيشهن على الهواء، فهذا خيارهن.  كلما سارع هذا الجيل من النساء بالموت، كلما كان أفضل، لدينا ما يكفي من النساء الحمقى في العالم ولا نحتاج إلى انتشار أكبر.. (اليزابيث كيدي ستانتون).

        في شباط فبراير من عام ألف وثمانمائة وأربعة وخمسين، نظمت سوزان بي أنطوني مؤتمرا لحقوق المرأة في ألبيني،  بهدف حشد الدعم لقضية لم يسبق أن جربها من قبل. وهو مراجعة دائمة لجميع قوانين التمييز في الولاية ضد المرأة.

         وجهت أنطوني ومجموعة من المتعاطفين  معها الانتقادات للولاية، فجمعت ستة آلاف مطلب، وأكدت على ضرورة اعتراف الدستور بحق المرأة المتزوجة في الملكية، إلى جانب أربعة آلاف مطلب آخر يؤكد حق المرأة بالتصويت.

        كن يصنعن التاريخ، فطلبت أنطوني من ستانتون أن تغادر البيت وتأتي إلى ألبيني، لتضم صوتها إلى مطالبهم.

        مساء الرابع عشر من شباط فبراير، صعدت اليزابيث كيدي ستانتون إلى المنصة في ألبيني. أخذت تتحدث إلى مؤتمر حقوق المرأة، ولكنها توجه الكلام إلى من وضعوا القوانين التي تنص على التمييز بحق المرأة، أي الرجال المشرعين في الولاية، العاملين على مسافة عشرات الأمتار فقط.

        كيف يمكنك الاستهانة والاستخفاف بالمرأة؟ وهي التي جاءت إلى العالم بالمنقذ، وكانت شاهدة على عظمة الساعة والآلام على الصليب؟ كيف لهذا الكائن المبارك والمكرم، أن يتحول إلى مجرد عبد أو خادم تتجاهلونه؟ هل لكم أن تعرفون ما تشعر به المرأة من مهانة واستخفاف، حين تتأمل في صفحات قوانينكم لترى أن  الرجال الأحرار أشبه بإقطاعي يعامل نساءكم كالعبيد؟.(اليزابيث كيدي ستانتون).

        عملت أنطوني على التأكد من وضع نسخة من خطاب ستانتون على طاولة جميع صناع القوانين.

        رفض المشرعون فكرة خروج أصوات المرأة من الأيدي، ولكن الأمر تطلب بعض المطالب والاستشارات، وبعد شهر واحد قدم اقتراحي قانون، للتأكيد على حق المرأة في الاحتفاظ بأجرها، كما يمنحها بعض التحكم في شؤون الوصاية على أبنائها.

        فازت أنطوني وستانتون بعدد من التنازلات الهامة، ولكنها حصلت بكلفة شخصية عالية. جرأة ستانتون العلنية، أبعدتها عن الرجل الذي سعت لكسب إعجابه أكثر من أي شخص آخر.

        يوم العاشر من أيلول سبتمبر من عام ألف وثمانمائة وخمسة وخمسون. عزيزتي سوزان، تعرضت لانتقادات لاذعة أثناء زيارتي الأخيرة لوالدي، لا أستطيع أن أخبرك عن عمق الإصابة التي تعرض لها فؤادي، لم يسبق أن شعرت من قبل، بمدى الاستهانة بانتمائي الجنسي، تخيلي أن كل ما يجده بي والدي  من مصدر للفخر والاعتزاز لو كنت رجلا، هو السبب في انزعاجه العميق مني لمجرد أني امرأة. أحيانا سوزان ما أعوم في مياه عميقة. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        تابعت اليزابيث كيدي ستانتون على مدار السنوات الست التالية سعيها من أجل حقوق المرأة. تتدفق منها المقالات والخطابات، بينما تبقى بعيدة عن الأضواء.

        شعرت وكأنها تستمع في إجازة بالمقارنة مع النشاطات  الدءوبة لأصدقائها المقربين. كتبت تقول لسوزي بي أنطوني تقول: روحي كلها في العمل، ولكن يداي ملك للعائلة.

(أرواح النساء)

        جاءت سوزان بي أنطوني إلى المدينة حيث تحدثت بعد الظهر. لديها الكثير من المستمعين، وقد تحدثت صراحة عن حقوقنا، فقالت بأن العالم لن يستقيم إلا عندما تستمتع المرأة بحقوق متساوية في التصويت والحكم كالرجال. طلبت منا جميعا المشاركة في التوقيع على تعهدنا بالمساهمة في اقتراب ذلك اليوم السعيد، أعداد كبيرة منا توجهت إليها لتوقع الورقة.. كارولاينا كاولز ريتشاردز.

        لا يمكن التحدث عن حركة نسائية بحد ذاتها بدون سوزان بي أنطوني. بعد مؤتمر شلالات سينيكا عقد مؤتمر سنوي لحقوق المرأة دون توقف باستثناء الحرب الأهلية، وقد نظمت سوزان بي أنطوني هذه المؤتمرات جميعا وليس اليزابيث كيدي ستاتون. لولا طاقات أنطوني وقدراتها على تعزيز الوفاق، والعمل مع الجميع في أرجاء البلاد مهما تنوعت خلفياتهن الاجتماعية، لما كان هناك حركة نسائية.

        بقيت سوزان بي أنطوني على مقربة من عائلتها، ولكن قضيتها وعملها كانتا في الطليعة، وفي مرحلة قلما تغادر المرأة المحترمة  بيتها بدون رفيق،  كانت تخرج بمفردها دون أدنى خوف.

        عام ألف وثمانمائة وأربعة وخمسون، غادرت منزلها ليلة الميلاد، وهي تصر على متابعة الضغوط على تشريعات ولاية نيويورك، كي تمنح المرأة المتزوجة حق الملكية والميراث.

        كانت تتابع الترحال طوال خمسة أشهر متتالية، فزارت جميع الأقاليم الأربعة وخمسون في الولاية.

        فضلت الترحال في الشتاء، لأن المزارعين يلزمون منازلهم. وقلما تتعرض لمنافسة من خطباء آخرين. لتغطية مصاريف الإقامة والسفر، إلى جانب تنقلاتها في العربات، عبر الجليد والبرد القارس، كانت تطلب رسم دخول بقيمة ربع دولار.

        الثانية عشر والنصف من ظهيرة الرابع عشر من كانون الثاني يناير. الكل في بيته، ولا شك أنها لحظات مناسبة لبلوغ روح المرأة.

        في أوليان، لم نتمكن من الحصول على قاعة في كنيسة أو مدرسة للمحاضرة، حتى كدنا نتخلى عن الفكرة، لولا تقديم المالك كومستوك، قاعة العشاء لعقد اللقاء.

        في أنجيليكا، وقع أحد الكهنة المعمدانيين الشبان اسمه على المطالب، ولكن أحد أبنا الأبرشية الأثرياء دعاه لمغادرة الكنيسة وإلا فستسحب منه.

        في كورني، رفض جميع الكهنة الإبلاغ عن موعد انعقاد الاجتماع.

        في فيرلي، وجدت نفسي أتحدث في قضية سيئة السمعة، وكأني أبحر بعكس التيار.. (سوزان بي أنطوني).  

        أحيانا ما يأتي البعض لرؤيتها بدافع الفضول فقط. لم يسبق أن سمعوا عن امرأة تتحدث في العلن من قبل.

        وكان بعضهم يعلن عدائه، إذا قال لها أحد الكهنة: آنسة أنطوني أنت تمتعين بجمال جسدي رقيق لا يستحق عمل كهذا. يجدر بك التزوج وإنجاب الأطفال.

        ولكنها غيرت آراء الكثيرين، بعد التحدث بلا كلل وترديد آلاف المطالب على المشرعين.

        بلغت فعالية أنطوني وإخلاصها للقضية أن عينها وليام لويد غاريسون مندوبة أساسية في نيويورك لجمعيته المناهضة للعبودية.

        دعت أنطوني الحشود على طول الطريق في الولاية للإطاحة بالحكومة، وإلقاء دستورها المغمس بالدماء في النار، والتخلي عن جميع ادعاءات الأبوة الكاذبة.

        أقفلت القاعات في وجهها، واضطرت لمواجهة الحشود الغاضبة، التي قذفتها بالبيض الفاسد وأحرقت صورها.

        في ألبيني، لم يمنع الحشود الغاضبة من مهاجمتها إلا وجود رئيس البلدية على المنصة بجوارها.

        كانت سوزان بي أنطوني فخورة في تقاذف المطالب التي تخدم قضايا متعددة. ولكنها كثيرا ما كانت تشعر بالوحدة، واستمرار ستانتون بالحمل والولادة أفقدها الصبر، وزاد من تعقيدات صداقتهما.

        كتبت أنطوني لصديقة لها حين علمت بأن ستانتون أوشكت على إنجاب ابنها السادس تقول: ما ألومها عليه هو أنها من أجل لحظات متعة لها أو لزوجها، ستزيد من حجم الأثقال التي ترزح تحتها، ولكن لا جدوى من ذلك الآن.

        عزيزتي السيدة ستانتون، أتوسل إليك أن تسمعي ندائي، يبدو أن اللواتي تتمتعن بالموهبة في خدمة جمع النساء في العالم، يكرسن أنفسهن لإنجاب الأطفال، لتتركني أنا عديمة الدماغ، أقوم بالعمل وحدي. من المؤسف جدا أن لا يوفر جسمي هذا لحمل الصخور، ولكن من الجريمة أن تقومين أنت ولوسي وأنطوانيت براون للقيام بهذا العمل..( سوزان بي أنطوني)

        أرهقت أنطوني كليا عندما تخلت عنها اثنتان من أهم حلفائها في الحركة للزواج، بعد أن وعدتاها بعدم الزواج، ثم غادرتا الحقل مؤقتا.

        تخلت لوسي ستون عن صديقتها للزواج من مناهض العبودية في أوهايو هنري بلاك ويل.

        ثم تبعتها في الرحيل الكاهنة أنطوانيت براون حين تزوجت من شقيق بلاك ويل صمويل، ثم توجهت إلى أنطوني بالقول: عليك بزوج صالح، انتهى الأمر عزيزتي.

        عزيزتي سوزان، دعي لوسي وأنطوانيت تستريحان بسلام وهدوء لبعض الوقت، وفكري بأشياء عظيمة للمستقبل، ليس من المناسب البقاء في الحياة العامة على الدوام، أنت بحاجة إلى الراحة أيضا سوزان، دعي العالم وشأنه لبعض الوقت، لا يمكن أن نأتي بثورة أخلاقية في يوم أو عام واحد..(اليزابيث ستانتون).

        عزيزتي السيدة ستانتون. أعاني لحظات من الضعف الشديد، وأتوق إلى لإلقاء رأسي على صدر ما، لتعشش روحي إلى جانب أخرى بتعاطف كامل. أحيانا ما أشعر بأني سأتعب وأسقط على جانب الطريق، وأخرج من صفوف القلة المؤمنة..

        كم أتوق لأن أكون معك في هذه اللحظة. آه سيدة ستانتون، كم يتوق فؤادي لرؤيتك في ساحة المعركة الكبرى. إن لم تأت لإنقاذنا، فمن سيفعل؟ مع كل حبي، سوزان بي أنطوني.

        آه سوزان، أنا مستعدة لكل ما يلزم لمساعدتك، أقدر مثابرتك عاليا. تشجعي سوزان هذه آخر أطفالي وستبلغ عامها الثاني في كانون الثاني يناير. بعد عامين فقط، سيقول الزمن كلمته. أمامنا آفاق حياة طويلة معا، لن نكون في أوجنا قبل الخمسين، سنكون علىما يرام لعشين عام، على الأقل. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        صداقات المرأة في القرن التاسع عشر كانت أكثر عطفا ومحبة لتختلف كليا. توحي لغة الحب المستخدمة في الرسائل بين المرأتين بتماسك أخوي متين بينهما. كانتا تعتمدان نفسيا على بعضهما البعض، وتأمنان بعضهما البعض.

        رغم وعدها لسوزان بعدم إنجاب طفل آخر،  ولد روبرت ليفينغستون ستانتون ابنها السابع عام ألف وثمانمائة وتسعة وخمسون.

        كانت ستانتون في الرابعة والأربعين، وقد لزمت الفراش لشهر كامل بعد الولادة، من شدة الكآبة والنزيف. لن تنجب المزيد بعدها.

        والآن، بدأت الأحداث الخارجية تتوالى عليها.

        شهد تشرين أول أكتوبر من عام ألف وثمانمائة وتسعة وخمسين القبض على المناهض المتحمس للعبودية جون براون في هاربير فيري، فيريجينيا، بعد محاولة لقيادة تمرد للعبيد. وشنق بتهمة الخيانة. وقد اعتبرته ستانتون بطلا، وشهيدا لقضية مقدسة.

        غيريت سميث، القريب الذي سمعت في منزلة ستانتون أحاديث عن مناهضة العبيد لأول مرة، كان قد ساعد في تمويل غارات براون. وحيال اتهامه بالخيانة أيضا، أصيب بانهيار عصبي فحكم عليه بالسجن في مصح عقلي.

        وفي آخر أيام تشرين أول أكتوبر توفي والد ستانتون عن عمر يناهز السادسة والثمانين، دون أن تتمكن من مصالحته كليا. ولم تحصل منه على إشارة الرضى، التي سعت إليها منذ نعومة أظافرها. شعرت بالدمار الكامل.

        كان ألف وثمانمائة وتسعة وخمسون عاما حاسما في حياة ستانتون، شهدت لقاء جميع أطراف النزاع في حياتها. مات والدها، ما جعلها تغوص في حالة من الكآبة والحز على السنوات التي أمضتها دون أن تتمكن من التفاهم معه. كما أنها لا تمضي الكثير من الوقت مع هنري. وأنطوني تلح عليها في الخروج وإلقاء الخطب. كل هذه الأجزاء تمزقها، لم يسبق أن فقدت توازنها إلى هذا الحد. قد أسمها أزمة منتصف العمر، أو حالة كآبة شديد، ولكنه مرحلة حاسمة فعلا.

        لجأت إلى أقرب صديقة طلبا للمساعدة.

        عزيزتي سوزان، أين أنت؟ كنت أبحث عنك يوميا منذ الاثنين من الأسبوع الماضي. أنهيت الغسيل وطهوت الديك الرومي، وأرسلت ابني البكر إلى المحطة وألبست الأطفال ملابس جميلة، ولكنك لم تأتي. سيطون من دواعي سروري أن أرى بعض الإصلاحيين اليوم. موت والدي، والأسوأ من الموت هو ما أصاب قريبي العزيز غاريت، واستشهاد المناضل العظيم جون براون.  تآمرت كل هذه الأحداث معا كي تجعلني أندم على كوني امرأة عاجزة.

(مفهوم الرجل للعدالة)

        وأخيرا عام ألف وثمانمائة وستون، شعرت ستانتون بحرية الانضمام إلى أنطوني في ساحات المعارك السياسية.

        في آذار مارس توجهت شخصيا هذه المرة إلى لجنة القضاء التشريعية لولاية نيويورك، مطالبة بأن تعامل المرأة كالمواطنين وليس كالعبيد.  خطبتها إلى جانب آلاف المطالب التي جمعتها أنطوني ورفاقها العاملين معها على مدار السنوات الست الماضية، ساعدت على إقرار قانون ملكية المرأة.

        منحت الزوجة حق الملكية دون تدخل من زوجها، والاحتفاظ بكل ما تكسبه، وأن تقاضي عبر المحاكم، وأن تساهم في الوصاية على أبنائها.

        كان هذا نصرا ساحقا للمرأة الأمريكية، أخذت النساء في ولايات أخرى، يأخذن نسخا عن القانون الجديد، وبدأن يضغطن على المشرعين لديهم كي يعملوا بالمثل.

        ولكن أنطوني وستانتون اعتبرتا ذلك مجرد بداية.

        في أيار مايو تجرأت إليزابيث كيدي ستانتون في مدينة نيويورك على تحدي مؤسسة الزواج المقدس بحد ذاته.

        أثناء الحديث أمام المؤتمر الوطني لحقوق المرأة في كوبر يونيون، طالبت بحق الطلاق، وعرضت اقتراح قانون يعتبر الزواج عقد قانوني بحت، وأن لكلا الطرفين الحق في فضه، في مواجهة حالات السكر أو الهجران، أو القسوة.

        إذا أخذنا بالاعتبار أن المرأة عجزت عن ترك زوجها مهما أساء إليها، يمكن أن نعرف أهمية حق الطلاق، في تلك المرحلة. وقد أثار ذلك جدالا لأنها إذا طلقت يعني أنها تستطيع الزواج ثانية ما أثار حالة من الهلع والصدمة الشديدين.

        قالت ستانتون حينها، أن القوانين السائدة حينها، تعتبر الزواج مجرد دعارة قانونية.

        هناك نوعا من الزواج، الذي لم يجرب بعد، وهو المتعلق بعقد بين شخصين متساويين يتبعان حياة متساوية لكلا الطرفين يواجهان فيها المصاعب وينعمان بالخير بالتساوي أيضا. نص القانون حتى الآن على زواج الرجل وحده لا أكثر.

        غالبية المندوبات في المؤتمر ومن بينهم لوسي ستون، أصبن بالصدمة.

        طالب حليفهن القديم المناهض للعبودية وينديل فيليبس بإزالة اقتراح ستانتون من السجلات، ورد بالقول: لسنا هنا في مؤتمر للزواج، فأنا كرجل لدي مصلحة متساوية في الشأن الأساسي للزواج، كالمرأة تماما.

        حتى الكاهنة أنطوانيت براون بلاكويل، أصرت على أن الزواج من شريعة السماء، وأنه دائم لا يمكن فضه على الإطلاق.

        دافعت أنطوني بحماس عن طرح ستانتون، ولكن المؤتمر قد انتهى دون التصويت على اقتراح القرار.

        بقيت وجهة نظر صديقتها الراديكالية حول الزواج مشكلة تثير النزاعات في الحركة النسائية لعقود قادمة.

        عادت ستانتون إلى سينيكا دون أن تهتز قناعتها على الإطلاق، بل أصرت بالقول: تعتبر قضية الزواج، أساسا لجميع أشكال التقدم.

        تمام الرابعة والنصف من يوم الثاني عشر من نيسان أبريل من عام ألف وثمانمائة وواحد وستين، أطلق الكونفدراليون نيران أسلحتهم على قلعة سمتر في ميناء شارلستون. لتبدأ بذلك الحرب الأهلية.

        كتبت اليزابيث كيدي ستانتون في ذلك تقول: دغدغت أنباء اشتعال الحرب مسامعي، وكأنها معزوفة من أجل الحرية. طلبت ستانتون من أنطوني إلغاء الندوة الوطنية لحقوق المرأة المحددة لأيار مايو،  كانت متأكدة من أن المرأة إذا وقفت بشدة تدعم الوحدة، ستكافئها الوحدة أخيرا، بحق التصويت الذي يطالبن به منذ مؤتمر شلالات سينيكا.

        أنطوني، اختلفت بالكامل مع استراتيجية ستانتون.

        يبدو أن كل إصلاحاتنا  قد تحولت فجأة إلى السياسة، الجميع يقول، لا داعي للمؤتمر وسط هذه الأزمة، غاريسون وفيليبس والسيدة موت، والسيدة ستانتون إلى آخره، الجميع يقول، انتظري حتى تهدأ قعقعة السلاح.  قلبي مفعم بالألم، ولكني لا أستطيع أن أحمل العالم ضد رغبات ومشيئة أفضل أصدقائنا.

        عندما توقفين حركة يتطلب الأمر المزيد من الوقت والجهد لإحيائه ثانية ولكن الأهم من ذلك هو أنك عندما توقفين حركة تقولين باختصار، أن هناك ما هو أهم الآن، من هذه الحركة، ولا يمكن لأي حركة من أي فئة تحكم ذاتها أن تفعل ذلك.

        خافت أنطوني أن يؤدي وقف حركة حقوق المرأة، إلى التراجع عن المكتسبات التي تم تحقيقها.. وقد كانت على حق.

        بعد توقف جمعية حقوق المرأة الفاعلة، بدأ مشرعو نيو يورك يضعون جانبا قانون حق المرأة بالملكية، التي كافحت ستانتون وأنطوني بشدة لتحقيقه قبل عامين فقط.

        حسنا، ما أن تسهو عين الحارس حتى يخرج الأشرار من أوكارهم، نستحق المعانات لثقتنا هذه بمفهوم الرجل للعدالة. (سوزان بي أنطوني)

        في الأول من كانون الثاني يناير من عام ألف وثمانمائة وثلاثة وستين، وقع أبراهام لينكون إعلان التحرر، الذي يعلن تحرير العبيد الذين يعيشون في الكونفدرالية وحدهم.

        أغضبت هذه النظرة الضيقة كل من سوزان بي أنطوني واليزابيث ستانتون، ما أعادهما فورا إلى الساحة السياسية، لتشكيل العصبة الوطنية للمرة الوفية، الملتزمة بتحقيق الحرية لجميع العبيد حسب تعبيرهما.

        زجت العصبة الوطنية للمرأة الوفية بالمرأة في النشاطات السياسية، التي لم يسبق أن شاركن بها على المستوى الوطني، أخذت ستانتون وأنطوني تلتقيان بالشيوخ فجأة في واشنطن، وليس في ألبيني وحدها، هذا ما شد النساء إلى حركة لم يسبق أن حصلوا على فرصة السماع بها من قبل.

        غادرت ستانتون شلالات سينيكا لتسكن في مدينة نيويورك، حيث كوفئ هنري من قبل الحزب الجمهوري الجديد، بوظيفة مسؤولة في مقر الجمارك.

        نقلت أنطوني للعيش في منزل ستانتون، ومن هناك قادت المرأتان حملة مطالب على المستوى الوطني، دعما لقانون ثالث عشر جديد، يعلن حرية جميع العبيد.

        سجلت أول غزوة لهما في الحقل السياسي الوطني نصرا ساحقا،

        كافأ السيناتور شارلز سامنر عاليا ستانتون وأنطوني حين قال أن الأربعمائة ألف توقيع التي جاءتا بها مع العصبة الوفية يأتيان من قلب هذا البلد. لقد قامتا بعمل نبيل.

        في الثالث عشر من كانون الثاني يناير من عام ألف وثمانمائة وخمسة وستين أقر القانون الثالث عشر، وألغيت العبودية في الولايات المتحدة.

        بعد ثلاثة أشهر من ذلك انتهت الحرب الأهلية، وسيطر الحزب الجمهوري بالكامل على الكونغريس.

        والآن لا بد للرجال الذين تحدثوا عن حقوق الإنسان لسنوات طويلة سيمنح المرأة حق التصويت الذي تستحق.

        ساهمت ستانتون وأنطوني بمساعدة حلفائهما التقدميين في تشكيل جمعية الحقوق الأمريكية المتساوية، المخصصة لحق التصويت للنساء والرجال، من سود وبيض.

        وقد أعلنت ستانتون في تلك المناسبة: لا يمكن لأي بلد أن ينعم بالسلام حتى يحصل جميع المواطنين فيها على صوت في الحكومة. علينا أن نحاول الآن مبدأ تصويت الجميع.

(ساعة السود)

        عزيزتي سوزان..  لقد جادلت دائما وبصراحة صادقة، ولكني أثق اليوم بأن الجميع قد يؤيد تحرير السود من دوننا نحن. قضية المرأة معقدة جدا، وهناك حاجة ماسة لعقد مؤتمر لحقوق المرأة، عودي للمساعدة. هناك فراغ  كبير لك. أشعر وكأني أقف بمفردي. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        بعد الحرب، كانت سوزان بي أنطوني قد توجهت غربا إلى ليفينوورث، كنساس لزيارة شقيقها دانييل.

        كانت في مكتبه عندما قرأت في أحد أيام آب أغسطس من عام ألف وثمانمائة وخمسة  وستين، أنباء سيئة من واشنطن.

        قدم اقتراح القانون الرابع عشر من قبل الجمهوريين، الذي يمنح الجنسية لكل من ولد أو جنس في الولايات المتحدة.

        ولكن لأول مرة، يؤكد القانون أيضا على كلمة ذكر، وكأنه يقول أن الذكور وحدهم مواطنون، وحدهم الرجال يستطيعون التصويت.

        ثار غضبها، أصابها غضب أي شخص يعرف بأن قضيته عادلة ومحقة، ومع ذلك تلقى صفعة على وجهه بأسوأ أشكال الإجحاف.

        حزمت أنطوني أمتعتها وركبت القطار الثاني عائدة إلى الوطن. كادت مع ستانتون تقعان فيما يشبه برودة الواقع السياسي.

قلت الأماكن التي يحظى بها الحزب الجمهوري بغالبية كبيرة كما في الشمال، ليتمكن من تجاهل الوقائع السياسية، ليكون حزب الأفكار والمبادي وحدها ليقول: نريد حقوقا متساوية للجميع. لهذا عليه أن يتفاعل ويراقب ويتجاوب مع الرأي العام. المرأة هي أسهل ما يمكن التخلص منه لأنها لا تملك الأصوات، هنا تكمن المشكلة التاريخية لحركة المطالبة بحق المرأة في التصويت، وهي أنها تحاول التأثير بالنتائج السياسية دون أن يكون لديها الأداة التي تتحكم بالنتائج السياسية.

        عملت ستانتون وأنطوني عبر اللوبي بشدة لتغيير لهجة القانون، وقد صارحت ستانتون أحد صديقاتها بالقول أنه إذا ما زجت عبارة ذكر في القانون سنمضي قرنا كاملا من العمل لإزالتها من جديد.

توقعن المساعدة من اصدقاهن الرجال في الحركة. ولكن ويندل فيليبس أبلغ ستانتون بوضوح ضرورة أن تتحلى المرأة  بالصبر. وأن ساعتها سوف يأتي. أما هذه الساعة فهي كما قال، هي ساعة السود.

شعرت سوزان بي أنطوني واليزابيث كيدي ستانتون أنهما تعرضتا للخيانة.

        شارلو سامنر وغيريت سميث ووينديل فيليبس، اتخذوا موقفا موحدا، دعوا المرأة في الوطن تقف جانبا وادعموا إنقاذ الفقراء. وقد قال وينديل فيليبس في هذا الصدد: سنتقدم بفكرة واحدة لكل جيل، على أن تتوالى الأفكار حسب الأهمية، حق السود بالتصويت أولا، وبعدها منع الكحول، ومن ثم حق المرأة بالتصويت. بعد مرور ثلاثة أجيال، سيأتي دور حق المرأة في التصويت. أي إهانة هذه للمرأة التي كافحت ثلاثون عاما من أجل تحرير العبيد. واليوم عندما أصبح متساويا معهم سياسيا، يقترحون حمله فوق الرؤوس.. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        أقر القانون الرابع عشر دون أي تغير في تموز يوليو من عام ألف وثمانمائة وثمانية وستين.

        بعد ستة أشهر قد اقتراح القانون الخامس عشر، لتعزيز وتحصين الرابع عشر. وهو يقول يجب ألا يحرم أحدا من التصويت، بالاعتماد على انتمائه العرقي أو لونه أو ظروف العبودية السابقة.

        ناضلت كل من ستانتون وأنطوني بيأس لإضافة كلمة جنس إلى تلك اللائحة، وعندما خذلتا، عارضتا القانون علنا.

        قالت أنطوني بهذا الخصوص: أفضل أن أقطع يدي قبل أن أطلب التصويت للرجال السود وليس للمرأة.

        بلغ كل شيء حده في نيويورك في أيار مايو من عام ألف وثمانمائة وتسعة وستين، في المؤتمر السنوي لجمعية المساواة الأمريكية للحقوق.

        أصيبت اليزابيث كيدي بالغضب والإحباط، وأدانت العبيد السابقين الذين سعت إلى تحريرهم طوال حياتها، وأكدت أن منح القوة لأناس عرفوا بالجهل والأمية، سيعزز من معارضة حقوق المرأة. وقال أن سامبو مثلا، بالإشارة إلى المهاجرين الجدد، ليسوا مستعدون للتصويت.

        طلب فريديريك دوغلاس الكلمة هنا أيضا كما فعل في شلالات سينيكا قبل واحد وعشرين عام.

        عندما قلت البيوت وندرت الملاجئ لحماية السود، وجدت لرأسي هذا ملاذا في منزل السيدة اليزابيث كيدي ستانتون. لا أعرف اسما أعظم من اسمها، في مجال حقوق المرأة، والمساواة في الحقوق، ولكن استخدام بعض الأسماء مثل سامبو، هو ما لا يمكن أن أوافق عليه.

        طالب دوغلاس جميع المندوبين بالتصويت على القانون الخامس عشر، دون أي تعديل. وقد طلب من من ستانتون وأنطوني تأجيل أحلامهما ثانية.

        يجب ان أقول، بأني لا أرى كيف يمكن لأي شخص أن يرى الضرورة الملحة نفسها لمنح المرأة حق التصويت كمنح السود هذا الحق.

        عندما تصبح المرأة، لمجرد أنها امرأة، عرضة للمطاردة والقتل في شوارع نيويورك ونيوأورلينز، وعندما تسحب من بيتها كما تسحب الخراف من وسط القطيع، وعندما تصبح عرضة للتنكيل والمهانة في أي وقت، وعندما يحرم صغارها من الدخول إلى المدارس، عندها، سيصبح العمل على نيل حقها بالتصويت، مساويا لحقنا نحن. (فريديريك دوغلاس)  

        حينها، طلبت سوزان بي أنطوني الكلام.

        ألا ينطبق هذا كله على المرأة السوداء؟

        بلى  بلى، ينطبق على المرأة السوداء، ولكن ليس لأنها امرأة، بل لأنها سوداء. (فريديريك دوغلاس)

        عندما قال السيد دوغلاس بأن قضية السود محفوفة بالمخاطر، أقول له أنه رغم الخطأ الذي يرتكب اليوم عبر الكراهية نحو السود، أعرف أنه غير مستعد  وهو على هذا الحال، لتبادل لونه وجنسه، مع اليزابيث كيدي ستانتون. (سوزان بي أنطوني)

        احتقنت أجواء المؤتمر، صدمت لوسي ستون بما قالته ستانتون وأنطوني، حتى أن صفوف مندوبات المرأة السوداء قد شقت كليا، فوقفت سوجورنر تروث إلى جانب أنطوني وستانتون، بينما وقفت فرانس هاربير إلى جانب دوغلاس.

        وفي الختام، صوتت جمعية مساواة الحقوق التي تأسست وفق مبدأ حق الجميع بالتصويت، أجمعت بالكامل على دعم القانون الخامس عشر. شكلت تلك لحظات أليمة لستانتون وأنطوني.

الين كارول دوبيوس:

        أعتقد أن هذه هي التجربة التي منحتهما أشد القناعات الأنثوية عمقا. هذا ما جعلهما على قناعة بأن حركة نسائية تقودها المرأة وحدها يمكن أن تسير إلى نهاية الطريق. والحقيقة أن ما جرى، أصاب ستانتون بحالة من الكآبة، وكأنها تقول أنها تخلت عن دعم الرجال إلى الأبد وأنه لا يمكن للمرأة إلا الاعتماد على نفسها لتحقيق هذه المكاسب. أعتقد أن حركة حقوق المرأة تحولت في تلك اللحظة بالتحديد إلى حركة نسائية.

        جمعت ستانتون وأنطوني أتباعهما وأعلنتا قيام منظمة راديكالية جديدة، سميت بالحركة الوطنية لحق المرأة بالتصويت. لم يسمح للرجال فيها بتحمل المسؤوليات.

        ولكن بعد بضعة أشهر، ضمت لوسي ستون أعداد كبيرة من النساء والرجال، لتشكيل منظمة نسائية منافسة أكثر اعتدالا، سميت بحركة المرأة الأمريكية لحق التصويت.

        تحول الأصدقاء القدامى إلى أعداء لدودين، وانشق الكفاح من أجل حقوق المرأة إلى قسمين.

        يعتبر انشقاق الحركة، من أشد المراحل ضررا وحزنا في تاريخ الحركة. هناك حاجة ماسة لتوحيد الحركة التي إن فقدت الراديكالية ستفقد رؤيتها للمستقبل، إن فقدت الحركة الراديكالية سوف تفقد قاعدتها الجماهيرية.

        المبدأ الحقيقي هو أن المرأة لن تحتاج إلى حركة حق التصويت لو منحها الرجال هذا الحق. إنها حركة حول الرجال الذين ينكرون حق المرأة في التصويت. وقد استغرقت المرأة في التغلب عليهم حوالي قرن كامل.

=-=-=-=-=-=-=-= نهاية الجزء الأول.

 

        هاتان المرأتان، الجالستان حول الطاولة،  عملتا معا على صناعة مختلف أنواع المتفجرات، من الألعاب النارية إلى القذائف. لتطلقها دون إنذار مسبق في مختلف أنواع الجمعيات، وهي أحيانا ما تبعث على مسرة نصف المؤتمرين، بينما تثير غضب واحتجاج العديد من الضحايا، وفي لحظات معدودات، كانت تثير غضب الرجال في أرجاء الوطن، هذا التوأم الذي يصنع الضجيج، هما عصاتين لطبل، تقرعان بما أسماه دانيل ويبستير، بضجيج وصراخ الحشود.. ثيودور تيلتون.

(ليس لنا وحدنا.)

        ناضلت اليزابيث كيدي ستانتون وسوزان بي أنطوني دون كلل طوال عقدين من الزمن لتحرير المرأة الأمريكية من مفهوم المرأة الحقيقية الخاطئ. التقاليد الخانقة وقوانين الاضطهاد التي تسخرها للبيت والعائلة.

        نالت حركة حقوق المرأة في السنوات التي تلت مؤتمر عام ألف وثمانمائة وثمانية وأربعين في سينيكا، بعض المكتسبات،  ولكن حق التصويت، الذي اعتبرن أنه مفتاح تطوير حياة المرأة، ظل يخذلهم.

        عندما جاءت الحرب المدنية بالتصويت للرجال السود وحدهم، كانت ردة فعل ستانتون وأنطوني بالغضب، ما أبعدهما عن حلفائهما القدامى.

        بعد أن خذلتهما القوانين الدستورية التي وضعت عثرات جديدة في طريق قضيتهم، وتخلي الرجال من رفاق الدرب الإصلاحية التي كرسوا فترة طويلة من حياتهن لأجلها، قررت المرأتان تأسيس منظمة خاصة بهما، هي الجمعية الوطنية لحق المرأة في التصويت، والتخلص مما أسمته ستانتون، باستشارية الرجال إلى الأبد.

        نمت البلاد في السنوات التالية بطريقة لا يتخيلها أحد، وجدت ستانتون وأنطوني أنفسهما في حرب شعواء مع المحافظات من النسوة على شؤون تتعلق بالاستراتيجية السياسية، ودور الدين، وقضية الأعراق التي لم تحل.

        ولكن القضايا نفسها التي قسمت الحركة بدأت تؤثر في العلاقة بينهما أيضا. وأخذت كل من الصديقتان القديمتان تجد نفسهما على خلاف مع الأخرى.

        كانت العلاقة بينهما كأي علاقة قديمة تشهد فترات المد والجزر، تشاجرتا، وتصالحتا، ولكنهما تمكنتا من العمل معا ضمن احترام كبير لبعضهما البعض. خلال فترة طويلة من الزمن. كما تمكنتا من تغيير وجهة التاريخ الأمريكي.

(الجزء الثاني)

(الفشل مستحيل.)

أصدرت ستانتون وأنطوني في بداية عام ألف وثمانمائة وثمانية وستين صحيفة سميت ب الثورة.

        كانت أنطوني هي الناشرة، فعملت على أن يكون جميع العاملات من النساء.

        بينما كتبت ستانتون المقالة الرئيسية في الصحيفة.

        عزيزتي سوزان.. لم ننس أنا وأنت نزاعات الربع قرن الماضي، الاستخفاف والمطاردة، والإدانة، والتراجع، مرارة الكأس الذي تجرعناه منذ عامين، عندما صلبنا على أيدي أصدقاء لنا. قد تجيب صحيفتنا التي تلقب بالعطر السام، على من يأتون بقفازات بيضاء وعطور، يذرفون الدموع على نصب، شيده ورفع صروحه آخرون بالجهد والعرق. ولكن بالنسبة لنا، لا يوجد اسم أفضل من الثورة.. اليزابيث كيدي ستانتون.

        كانت توزع على المستوى الوطني، ولديها مراسل أوروبي، وقد اعتمدت على كتابات عدد من أشهر أديبات المرحلة يساهمن بها. وكانت تحمل أنباء بارزة وهامة حول الأشياء الصغيرة التي تحدث في حياة المرأة في أرجاء البلاد كتعيين المرأة مديرة للبريد، وهذه مسألة لم تحدث من قبل. وإذا تمكنت المرأة العالمة من تحقيق إنجاز ما كان يبرز على صدر الصحيفة. حملت الثورة في صفحاتها مزيجا من الأنباء السياسية والثقافية تصنعها وتكتبها المرأة، أي أنها كانت صحيفة بالغة الأهمية وفق جميع المقاييس.

        تعلقت المرأتان جدا بالصحيفة، التي وسعت آفاق العضوية في الجمعية الوطنية.

        ولكن الصحيفة فشلت بعد عامين ونصف العام، وقد نجم فشلها الجزئي عن نجاح صحيفة المرأة، التي نشرتها خصمهما اللدود لوسي ستون، وجمعيتها الأمريكية.

        أشعر بكآبة عظيمة وهادئة، كحزن الأم التي تعاقب ابنا على مسألة لا يمكن التسامح بها..

        ولكني أجد متعة في أني أنرت الطريق إلى أنه من الممكن نشر صحيفة تختص بشؤون المرأة. علمت غيري من النساء الاستثمار والمشاركة فيما نصنعه، لأننا نعمل بإيمان، قد يفوق إيمان بعض الكهنة، أو ما حلم به أي معلم على الإطلاق.. سوزان بي أنطوني.

أنجز!!

        شعر العديد من المناضلين من أجل حق التصويت أنهن قد يخسرن المشرعين ولكنهن سيفزن في المحاكم. وهكذا بدأن العمل فيما أعتقد أنه استراتيجية تثير الإعجاب، أكدن من خلالها أن القانون الرابع عشر يمنح المرأة حق الاقتراع فعلا إذا فهم كما يجب. إذ أنه يقول بأن كل شخص ولد وجنس في الولايات المتحدة هو مواطن في هذا البلد. إنها جملة بسيطة وغير محددة، انطلقن منها للقيام بعدد من الأنشطة الهادفة إلى الوصول بالقضية إلى المحاكم.

        في الأول من تشرين الثاني نوفمبر من عام ألف وثمانمائة واثنين وسبعين، وصلت سوزان بي أنطوني وشقيقاتها الثلاثة إلى محل حلاقة في روشيستر، حيث جلس اثنان من المسجلين بانتظار توقيعات المصوتين.

        تحدثت أنطوني نيابة عن جميع النساء، مطالبة ان يتم تسجيلها. وعندما رفض جميع الرجال بعصبية وهم  بالكاد في أعمار أولادها، هددت كل منهم بمقاضاته قانونيا.

        كانت أنطوني تتبع استراتيجية وطنية بحذر شديد، صمم لتقديم قضية حق المرأة بالتصويت إلى المحاكم.

        كانت تتوقع مع شقيقاتها أن يرفضون تسجيلهن، ما سيمكنهم من مقاضاة الحكومة الفدرالية، ومن هناك نقل القضية إذا لزم الأمر، إلى المحكمة الاستئنافية العليا.

        ولكنهن لم تتوقعن أن يستسلم المسجلون كما حصل فعلا، وأضيفت أسماء أنطوني وشقيقاتها إلى لائحة المصوتين روشستر، وبدأت الانتخابات بعد أربعة أيام.

روشستر،الخامس من تشرين الثاني نوفمبر من عام ألف وثمانمائة واثنين وسبعين. عزيزتي السيدة ستانتون.. حسنا لقد ذهبت للقيام بالعمل، وأنجزته!! أدليت بصوتي لصالح الجمهوريين، وذلك في تمام السابعة من صباح اليوم. أي أننا في مرحلة من التحريض في روشستر.. بكل ود، سوزان بي أنطوني.

        تصدرت خطوة أنطوني الجريئة عناوين جميع الصحف في البلد، ولكن أحدا من الحركة النسائية كان يعرف بدقة ما سيحصل بعدها. كما أن الحكومة لم تفعل شيئا لأكثر من ثلاثة أسابيع.

        وبعد ذلك جاء مرشال أمريكي إلى منزل أنطوني العائلي الواقع في سبعة عشر من شارع مادسون في روشستر، يحمل إنذارا.

        أما التهمة فهي التصويت على علم مسبق بالخطأ والخيانة التي ترتكبها، لانتخاب عضو في كونغرس الولايات المتحدة.

        أخذ إلى الردهة الأمامية، وعندما نزلت إليه سوزان بي أنطوني شعر بالحرج الشديد إذ أنها كانت في الثانية والخمسين، أدلت بالخطابات في أرجاء البلاد وحازت على شهرة واسعة وقد جاء حينها لاعتقال هذه المرأة.

        تصرف المارشال بكل أدب واحترام، قائلا أنه ليس على عجل، عندما تجد السيدة أنطوني بعض الوقت، سيكون مفتش الولايات المتحدة شاكرا أن تأتيه إلى مكتبه. لم تسمع أنطوني عن أي معاملة خاصة.

        جعلته يهدأ تماما عندما صعدت لتغيير ملابسها، أرادت أن ترتدي الملابس المناسبة لهذا الحدث، وعندما نزلت إليه أطلقت معصميها نحوه قائلة: كبلني!

        قالت له: إن ظننت أني ارتكبت جريمة، لمجرد تصويتي كمواطنة أمريكية، يمكنك أن تكبلني، وتأخذني إلى المدينة بنفسك. لم يشأ أن يفعل ذلك أي أنه لم يكبلها بل أخذها إلى المدينة. لم يكن لديهم سيارات للشرطة، لهذا خرجا لركوب عربة النقل.

        وعندما وصلت إلى العربة استمرت بتوضيح وجهة نظرها، لأن سائق العربة جاء يطلب منهما الأجر، فرفعت السيدة أنطوني صوتها قدر الإمكان حتى يسمعها جميع من في العربة تقول: أتنقل اليوم على حساب الحكومة الفدرالية التي ستدفع أجر تنقلي اليوم.

        ذكرت أنطوني أن المكتب التي استجوبها فيه مفتش الولايات المتحدة، هي الغرفة الداكنة الحقيرة التي كانوا يحققون فيها مع العبيد الفارين قبل إعادتهم إلى أسيادهم. أطلق سراحها بعد تحديد موعد المحاكمة في حزيران يونيو التالي.

        جرى الاتفاق على محاكمتها. المدهش في هذه المرأة هو أنها استغلت جميع اللحظات المتوفرة في هذا الحدث في صالحها، لتغطية هذه القضية إعلاميا.

        جالت أنطوني في أرجاء المقاطعة التي ستحاكم بها، وتحدثت في القرى التسعة وعشرين التي تتألف منها.

        أدى ذلك إلى تغيير المحاكمة، لأن المدعي العام قال بأنه لن يحصل على محاكمة عادلة لأنها أقنعت الجميع بعكس ذلك. ما أن ينقلوا المحاكمة إلى موقع آخر، كانت تجول في المناطق المجاورة  للتحدث من جديد.

        بدأت المحاكمة في السابع عشر من حزيران يونيو من عام ألف وثمانمائة وثلاثة وسبعين، في مقر محكمة كاناديغوا الفدرالية.  رفض القاضي وارد هانت السماح لأنطوني بالدفاع عن نفسها، قائلا بأنه لا يحق للمرأة أن تفعل ذلك.

        كانت محاكمة صورية تثير الخجل فعلا. وقد كتب المحامي قراره قبل الاستماع إلى أي من الآراء التي طرحت. وعندما طرحت الآراء، شكر القاضي اللجنة التحكمية قائلا شكرا أيها السادة، وكانوا جميعا من السادة لم يكن من بينهم أي امرأة بالطبع، ولو أنها محاكمة لامرأة، قال: أشكر لكم إصغائكم ولكني أريدكم أن تعتبرونها مذنبة.

        قبل أن يعلن القاضي حكمه، سأل أنطوني إن كان لديها ما تقوله. فارتكبت خطأ تكتيكي حين أجابت: نعم لدي ما أقوله..

        لدي أشياء كثيرة أقولها، أولها أنك إن أعلنت أني مذنبة، ستدوس بذلك على جميع المبادئ الحيوية لحكومتنا، حقوقي الطبيعية وحقوقي المدنية وحقوقي السياسية، سيتم تجاهلها جميعا، ستغتصب من جميع حقوقي كمواطنة، ليتم بذلك إنزالي من مرتبة المواطن العادي، إلى مرتبة التابعية، ولا أعني بذلك أنا شخصيا، بل سيتم الحكم على جميع بنات جنسي بالإخضاع السياسي، عبر ما يسمى زورا بالحكومة الجمهورية. (سوزان بي أنطوني)

        كانت أنطوني مستعدة للاستمرار، ولكن القاضي ضرب بالمطرقة وأمرها بالجلوس والصمت.. فرفضت.

        على المحكمة أن تصر، فقد حوكمت السجينة، وفقا للمعايير والقوانين السائدة. (القاضي وارد هانت)

        نعم سيدي القاضي، ولكنها معايير وقوانين من صنع الرجال وحدهم، وتفسير الرجال وحدهم، وتنفيذ الرجال وحدهم، وفي مصلحة الرجال وحدهم وضد النساء. لهذا سيدي القاضي يأتي حكمك بإدانتي، ضد  مواطن من أبناء الولايات المتحدة، في ممارسة حقه بالتصويت، لمجرد أن هذا المواطن، هو امرأة، وليس رجلا.

        عندما أنهت أنطوني مداخلتها، فرض القاضي عليها غرامة بقيمة مائة دولار، إلى جانب تكاليف المحاكمة.

        في نهاية المحاكمة، وقفت لتقول: لن أدفع سنتا واحدا من غرامتك المجحفة، ولم تدفع المبلغ.

        تحولت المحاكمة إلى سيرك أبرزت فيه أنطوني مهارتها في التأثير على الصحافة، لعرض موقف الحكومة على حقيقته، وكسب التعاطف مع حق المرأة بالتصويت في كل مكان.

        إن طرح السؤال حول المستفيد الأول مما جرى، ستبقى السيدة أنطوني على رأس اللائحة، لقد تمكنت من التصويت، وتمكن الدستور الأمريكي من تخطي الصدمة، كما أن تغريمها بمائة دولار لا يلغي حقيقة أن امرأة قد صوتت وعادت إلى بيتها وتابع العالم وكأن شيئا لم يكن. (افتتاحية واشنطن كاونتي 27/6/1873)

        كانت قضية سوزان بي أنطوني الأشد إثارة، ولكنها ليست الأكثر أهمية.

        في سان لويس حاولت مطالبة أخرى بحق التصويت هي فيرجينيا ماينور، أن تسجل للتصويت، ولكنها على خلاف سوزان بي أنطوني، صرفت ولهذا تمكنت من مقاضاة المسجل، وهو رجل يسمى ريس هابرسيت.

        عام ألف وثمانمائة وأربعة وسبعون، بلغت قضية ماينور ضد هابيرسيت المحكمة الأمريكية العليا، واتخذ القضاة قرارهم بالإجماع ضد ماينور، على اعتبار أن التصويت لم يكن من الحقوق الممنوحة للمواطنين، فلكل ولاية الحق ضمن الدستور لتحديد من يستطيع ومن لا يستطيع التصويت ضمن حدودها.

        أخذت الولايات الأمريكية الجنوبية تصمم قوانين تلغي حق الأمريكيين السود بالتصويت، ففرضت القدرة عل القراءة والكتابة وحيازة الملكية لتحول دون مشاركة العبيد السابقين في التصويت.

        رأت سوزان بي أنطوني الآفاق بعينها.

        إذا اتخذنا قرار مزيفا ينص على أن لكل مواطن  الحق في التصويت ضمن جميع الولايات المتحدة، لن تنتهي المناورات والخدع المتعددة الأشكال، والتي تسعى جميعها لاستثناء هذه الفئة أو تلك من حق التصويت. (سوزان بي أنطوني)

        رغم قلة انتشار قضية ماينور ضد هابيرسيت، إلا أنها بأهمية دريد سكوت، ذلك أنها عززت حركة حقوق المرأة ومنحتها هدفا ودفعتها معا نحو حملة واحدة موحدة لمصادقة على تعديل الدستور.

        تخلت ستانتون وأنطوني عن الأمل في كسب حق التصويت عبر المحاكم.

        عليهما إقناع الكونغريس والشعب الأمريكي بعدالة قضيتهما. عليهما تعديل الدستور.

(نشر الكلمة)

        عند عبور المسيسسبي في ماكريغر أيوا، علقنا في الجليد وسط النهر. كان المركب يزدحم بالركاب الجائعين والمتعبين والغاضبين للتأخير.

        أخذ بعض الرجال الذين كنا نتحدث معهم في العربات، يصرخون احتجاجا على خطابات حق المرأة بالتصويت. بناء عليه، وفي وسط نهر مسيسبي،  طرحنا مطالب التمثيل السياسي، وناقشنا موضوع حق التصويت للجميع حتى وصول المركب.

        كانت رحلتنا مفيدة جدا رغم قصرها لبضع ساعات، ولكنا تمكنا من إقناع الكثيرين على متن المركب في ندوة أقيمت فوق سطح الماء.. اليزابيث كيدي ستانتون.

        كرست ستانتون حياتها لحق المرأة بالتصويت أكثر من أي وقت مضى، وقد ترأست الجمعية الوطنية لأكثر من عشرين عاما، ولكنها أحيانا ما كانت تتغيب عن حضور مؤتمراتها السنوية.

        كانت قلقة حيال النزاعات السياسية الداخلية للمطالبات بحق التصويت. وقد قالت مرة لأنطوني: لا تحدثينني عن المؤتمرات، لا أحتمل ربط لساني خوفا من إهانة شخص ما.

        وقد تحولت بدل ذلك إلى خطابية مأجورة، تجمع الحشود الهائلة وتتعرف على العديد من النساء في مختلف أرجاء البلاد.

        أعتقد أن تحركاتها تخطت حدود التنظيم السياسي. كانت دائرة المحاضرات تعنى بتغطية المصاريف، ولم تكن تحظى بأعداد كبيرة من النساء. كانت بارعة على المنصات إذ تميزت بخفة الظل ولفت الأنظار والمسامع. تبدأ بالحديث عن حياة المرأة كعروس حديثة العهد أو كأم لتجد نقاط لقاء بينهن، ولكنها قبل حلول المساء كانت تنقل إليهن جميع وجهات نظرها الراديكالية، حول الطلاق وحق التصويت والملكية. أي أنها كانت تجند المزيد من الأعضاء والمؤيدين لجمعية التصويت الوطنية. وهكذا نشرت الكلمة، وجعلت ملامح القيادة تبدو جذابة ومقبولة وكأنها جدة محببة.

        بدأت ستانتون تكسب أجرها بنفسها لأول مرة، وقد سرت جدا بشهرتها.

        وقد كتبت لابنتها هاريوت تقول: قد تضحكين من رؤية الفتيات يجتمعن حولي كي أقبلهن أو للحصول على توقيع مني.

        القصة التي تعجبني جدا هي عن رجل وثب على قدميه بعد انتهاء إحدى محاضراتها، تأمل بها طويلا وفي ملامحه بعض الغضب وقال: سيدة ستانتون سمعتك تتحدثين بكل أشكال الإدانة عن حياة المرأة اليوم، علما ان زوجتي لم تخرج من البيت ولكنها ربت ثمانية أبناء رائعين، ألا ترين أن هذا أفضل عمل يمكنها القيام به؟ تأملت به ستانتون طويلا من رأسه حتى أخمص قدميه لتجد أنه قصير القامة وضئيل جدا، ثم قالت: في الحقيقة سيدي، أعرف قلة من الرجال يستحقون التكرار، ثمانية مرات.

        عزيزتي مرغريت، تخيلي أني اليوم أجلس في غرفة صغيرة من فندق سكك الحديد، على مسافة نصف ميل من تلك البلدة الصغيرة، حيث لا أعرف أحدا.

        إلى جانب كل عوامل الوحدة والتعب، أشعر بأني أقوم بعمل كبير ورائع، في دفع المرأة على التفكير ومنحها آمال جديدة واحترام للنفس، وبأني أعبد الطريق لمستقبل أفضل لك ولهاتي، ولجميع الفتيات الحبيبات. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        كانت اليزابيث كيدي ستانتون تخرج في جولاتها إلى الشوارع بين الحين والآخر، تلقي المحاضرات وتجادل وتجند النساء لأكثر من أحد عشر عاما.

        يجب أن لا ينكر حق المواطن في الولايات المتحدة بالتصويت،  من قبل الولايات المتحدة أو من قبل أي ولاية لأسباب جنسية.

        على الكونغريس أن يجد القوة عبر المشرع المناسب لتعزيز هذا القانون.(سوزان بي أنطوني)

         يوم العاشر من كانون الثاني يناير من عام ألف وثمانمائة وثمانية وسبعين، وقف السيناتور الجمهوري آرون سارجينت من كليفورنيا، ليقدم اقتراح قانون تعديل جديد على الدستور، يمنح المرأة حق التصويت. استغرقت سوزان بي أنطوني واليزابيث كيدي ستانتون ثلاثة أعوام للعثور على سيناتور مستعد لتقديم الاقتراح.

        في اليوم التالي تحدثت ستانتون لصالح القانون أمام لجنة مجلس الشيوخ. تحول خطابها إلى نداء بليغ للحماية الفدرالية لجميع المواطنين، وإدانة لانتهاكات الحقوق المدنية والحريات المدنية، التي برزت عبر قضية ماينور ضد هابيرسيت.

        ولكن أطروحتها قوبلت بالاستخفاف، إذ تثاءب سيناتور هناك وقص أظافره وقرأ الصحيفة أثناء حديثها.

        قد تستمعون إلى مطالبنا أيها السادة بآذان صماء، وتبتسمون ساخرين من فكرة التهديد الذي يتعرض له دستورنا عبر استمراره في انتهاك الحقوق السياسية والمدنية للمرأة، ولكن مسألة ما يجب أن يتمتع به المواطن من حقوق في التصويت، يؤثر على كيان أمتنا بكامله. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        لم ينجح التعديل في الخروج من اللجنة، ما جعله يقدم في مختلف اجتماعات الكونغريس، على مدار الخمسة وأربعين عاما التالية.

(صنع التاريخ)

        ميزوري، آذار مارس من عام ألف وثمانمائة وتسعة وسبعين. كنت أحول وأجول، في أوقات مبكرة ومتأخرة، وقد أصابني النعاس والوهن، ما زال أمامي شهرين آخرين فيهما واحد وثلاثين يوما طويلا وكأنها قرون. يجب أن أجمع وأفرغ حقائبي، واحد وستون مرة، يجب أن أصعد إلى القطار وأعاود النزول منه وأسرح شعري وأداعب آمالي وأطلق العنان لحنجرتي واحد وستون مرة أخرى. أتناول خلالها مائة وثلاثة وثمانون وجبة بائسة، وأصافح أكثر من واحد وستين لجنة أخرى، وأبتسم وأبدو مهتمة بكل شخص يتقرب مني، بينما أشعر وكأني إسفنج معصور. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        عام ألف وثمانمائة وواحد وثمانون، بلغت ستانتون عامها الخامس والستون وقد تعبت من المحاضرات، فعادت إلى منزلها الجديد في تينافلاي نيو جيرسي.

         جلست هناك مع أنطوني وحليفة قديمة هي ماتيلدا جوسلين غاج، للعمل معا في كتابة تاريخ الحركة.

        يبدو أن فكرة كتابة تاريخ حركة المطالبة بحق المرأة في التصويت قد نشأت في الذكرى المئوية عام ألف وثمانمائة وستة وسبعون، ومبدأ أنك إذا نظرت إلى الخلف سترى ما أمامك. مضى قرن على هذه الحكومة وقد حان الآن وقت طرح مسألة المرأة.

        كن يبدأن في الصباح الباكر مفعمات بالنشاط والحيوية، يكتبن صفحة بعد أخرى بسعادة وبهجة، كن يضحكن ويتحدثن أثناء الكتابة، ويلقمن المدفأة بالدور، ويتأملن الورود على الطاولة.. مضى كل شيء بانسجام في البداية، ولكن بعد أن بدأن بقراءة المسودة المكتوبة بخط اليد، أخذت السماء فجأة تنذر بالغيوم الداكنة والأجواء السوداوية، سوزان تركز على التواريخ، وأمي على الفلسفة، ولكن كل منهما تعتمد على كفاءة الأخرى في مجالها وكأنهما قويتان في كلا المجالين. أحيانا ما كانت التباينات تتعمق بينهما حتى يتركان الأقلام جانبا، فتقفل إحداهما الباب لتصفع الثانية الآخر، فتخرجان في اتجاهات معاكسة، وتسرن في وجهات مختلفة حول الولاية. وما أن تداعبني أفكار بأن هذه الصداقة الجميلة التي دامت أربعين عاما قد انتهت فجأة، حتى أراهما تهبطان من فوق التلال يدا بيد، دون أن تعتذر أيا منهما للأخرى أو تفسر موقفها أو تذرف الدموع، أو تتصالحان كما يفعل الآخرون. مارغريت ستانتون ليفينغستون.

        لم تشأ سوزان بي أنطوني أن تنسى المرأة تاريخها، بل أرادتها أن تحتفظ بتاريخها، فكتبته لتقول هاهو أمامك، ولم يكن من السهل عليها أن تكتب للأجيال القادمة، كي تفهم التضحيات، وكي تفهم  حجم التنقلات والعقبات والصعوبات الجسيمة التي واجهتها. كل هذا كي تفهم أخيرا التضحيات الجسام التي بذلتها للحصول على حق التصويت.

        استغرقتا في العمل ستة أعوام. عند اكتمال تاريخ كفاح المرأة من أجل حقها في التصويت صدر بثلاثة أجزاء كبيرة بلغ تعدادها ما يقارب الثلاثة آلاف صفحة.  أدركت أنطوني أهمية هذا التاريخ، لهذا عملت على حصول جميع المكتبات في أرجاء البلاد على نسخة منها حالما نشرت. ولكنها كرهت العمل بها.

        وقد كتبت في هذا الصدد تقول: أفضل غسل الملابس البيضاء أو القيام بأي عمل صعب آخر على أن أجلس هنا أحفر في غبار الذكريات الصدئة. أي أني أفضل صناعة التاريخ، على كتابتها.

        عزيزتي سوزان، أحيانا ما تبدين لي كحصان قتال جامح، فأنت أسيرة فكرة تتملكك، وهذا أجمل ما في المرء. قال كارلايل، أن هدف الإنسان هو عمله، وليس فكره، وأي تطبيق للحقيقة كانت حياتك.. لم توقفك ثقافة نموذجية أو لهو السعادة، بل أنت ملك لقوة معنوية، تدفعك للعمل،، أنت فعل، ولست مجرد فكرة..هاريوت ستانتون.

        استمرت سوزان بي أنطوني في صناعة التاريخ، فعادت مرة بعد أخرى إلى الطرقات. تنقلت من ولاية إلى أخرى، تنظم وتحاضر وتضغط على السلطات وتجمع التواقيع، تفعل كل ما يمكنه دفع قضيتها.

كتبت ستانتون تقول: هناك قلة من القرى والمدن بين نيويورك وسان فرانسيسكو لم تستمع إلى رنين صوتها.

        عبرت في حياتها مسافات أطول مما يمكن أن يعبره أي كائن بشري عاقل.

        حفظت أنطوني برنامج رحلات قطار الولايات المتحدة عن ظهر قلب، يمكن أن ترى ذلك في رسائلها، فهي تقول مثلا: لا أملك الآن برنامج رحلات القطار ولكني أعتقد أني أستطيع تبديل القطار في سالم أوهايو في الثانية والثلث كي أركب قطار بومينغتون.

        تحدثت في الصالونات والحظائر والمدارس، على خشبات مسارح الأوبرا، وفي مؤخرة عربات الخشب، تحدثت إلى السجينات في المصحات العقلية، وتحدثت مع زوجات كهنة المورمون في صحراء يوتاه، كما ركبت مرة البغال كي تحمل رسالتها إلى عمال المناجم في أعالي جبال كولورادو.

        حيثما كانت سوزان بي أنطوني تذهب، كانت تعزز تحالفات جديدة.

        كتيبة نساء فرسان العمل، وسيدات جيش الجمهورية العظيم، وندوة المرأة لجمعية الاتحاديين، واتحاد السلام العالمي، وبنات الثورة الأمريكية، والجمعية الوطنية للمرأة الملونة. وصلت أنطوني إليهن جميعا.

        التطور الأهم في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، هو تعزيز تنظيم المرأة ووضعها في مصاف الأنشطة العامة والشأن السياسي في بعض الأحيان. رأت أنطوني أن هناك إمكانية لبناء حركة نسائية واسعة للمطالبة بحق التصويت. ومنذ نهاية السبعينات من القرن التاسع عشر، كرست قصارى جهودها لتعزيز النضال من أجل مسألة رئيسية واحدة هي حق المرأة بالتصويت. هذا ما استعدت من أجله للتخلي عن معتقداتها الشخصية الأخرى، في محاولة لتوحيد جميع المنظمات النسائية الأمريكية حول راية المطالبة بحق المرأة في التصويت.

        أعتقد أن أنطوني كانت تعتقد جديا بأن هذا هو الطريق علينا الحصول على حق التصويت ولتبقى الأمور الأخرى جانبا إذ أنها بلا أهمية، إن كانت تشق صفوف المرأة ولا بد من طرحها جانبا. وبما أن الهدف الرئيسي والوحيد هو الحصول على حق التصويت كرست أنطوني كل ما يلزم للقيام بذلك تحديدا. لهذا أخذت تقيم التحالفات والاتصالات مع أي جهة مستعدة للعمل من أجل التصويت، بما في ذلك أعداء الحريات الأخرى الراغبين في العمل من أجل التصويت. فرانسيس ويلارد أكبر مثال على ذلك.

        كانت فرانسيس ويلارد الرئيسة القوية لاتحاد المرأة المسيحية لمنع الكحول، التي تعتد بمائتي ألف عضو. وقد أرادت حق التصويت للمرأة، كي تمنع الكحول، وتعزز الأخلاق المسيحية في مختلف مجالات الحياة المدنية.

        ولكن تحالف أنطوني مع ويلارد، جعل حركتها تواجه أعداء أقوياء جدد، بما في ذلك مصانع الكحول، التي خافت أن تحصل المرأة على حق التصويت، وتستخدمها لإقفال مصالحهم.

        كانت اليزابيث كيدي ستانتون قلقة جدا من التحالف مع ويلارد. أما سوزان بي أنطوني فاعتبرته مجازفة تستحق العناء.

(الاقتران بفكرة)

        في تشرين أول أكتوبر من عام ألف وثمانمائة وستة وثمانين، أبحرت اليزابيث ستانتون إلى إنجلترا مع ابنتها هاريوت وحفيدتها نورا لقضاء فصل الشتاء هناك.

        تلقت هناك في الرابع عشر من كانون الثاني يناير من عام ألف وثمانمائة وسبعة وثمانين، برقية من تينافلي، تقول أن زوجها هنري قد مات متأثرا بذات الرئة.

        عاش الاثنان معا لستة وأربعين عاما.

        وقد كتبت في مذكراتها تقول: بلغني الخبر دون أن أكون مستعدة لمواجهته.

        عندها حلت ساعة الندم، على كل كلمة غير لطيفة قلتها، ولكن برودة في التعامل وكل إهمال.  لو تعلمنا في الحياة أن نتبع سلوك اللطف وتحمل بعضنا البعض، لو تعلمنا أن نخدم بنبل بدل إتقان الخدمات، لكانت ذاكرتنا عن الماضي أكثر بهجة. (اليزابيث كاتي ستانتون)

كان العام التالي عام ألف وثمانمائة وثمانية وثمانون، عام الذكرى الأربعين لندوة شلالات سينيكا، وقد نظمت سوزان بي أنطوني احتفالا بالمناسبة ندوة عالمية للمرأة، في مدينة واشنطن.

كانت ستانتون تستريح في إنجلترا، ومحبطة من زملائها الأصغر سنا، فقررت عدم المشاركة.

ما أغضب أنطوني جدا فقالت لأحد الأصدقاء: كتبت رسالة بالغة القسوة للسيدة ستانتون، ستنال من كل شعرة بيضاء في رأسها.

وأخيرا استسلمت ستانتون، ووصلت إلى واشنطن وسط العاصفة الثلجية الهائلة التي جرت عام ألف وثمانمائة وثمانية وثمانين.

        عند وصولها لم يكن خطابها جاهزا، فقالت لها أنطوني: كيف للمرأة التي دعت لانعقاد ندوة سينيكا لحقوق المرأة والتي يتم اليوم تكريمها بأول ندوة عالمية لحقوق المرأة، أن تأتي إلينا بدون خطاب؟ أدركت أن عليها فرض بعض النظام في هذه الظروف، فوضعت إحدى الشابات على باب ستانتون، وعملت على أن تأكل جيدا وتحظى بالعناية اللازمة، دون أن تغادر غرفتها، حتى تجهز الخطاب.

        بما أن على كل امرأة أن تخضع لسلطة رجل ما، أفضل شخصيا أن يحكمني طاغية من جنسي، كي لا أعاني المزيد من إخضاعي، ذلك أني طورت في نفسي المزيد من معطيات المرأة تحت إمرة سوزان. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        تكللت الندوة العالمية بالنجاح. إذ أنها ساعدت سوزان بي أنطوني ورعاياها البدء في مفاوضات لدمج منظمتي المرأة المناضلة لحقها في التصويت. رغم عدم سعادة ستانتون بالعودة للعمل مع عدوتها اللدودة لوسي ستون ثانية، إلا أن أنطوني كانت على ثقة بأن المرأة الموحدة هي السبيل الوحيد لكسب التصويت.

        بعد حوالي عامين من المفاوضات خلف الكواليس، وافق أطراف الفريقين على الاندماج، لتنشأ بذلك الجمعية الوطنية الأمريكية الجديدة لحق المرأة في التصويت، التي انتخبت اليزابيث كيدي ستانتون أول رئيسة لها. قالت ستانتون أن تولي المنصب يشرفها، ولكنها تعتقد أن الحركة، أخذت تضيق جدا، وتبالغ في الحذر، وكأنها لطبقة وسطى، أرادت أن تثير مسائل جديدة، قائلة أنها تريد أن تشتمل العضوية فئات وطبقات وأعراق جديدة أوسع.

        تم تجاهل مقترحاتها باحترام، إلا أن أنطوني وافقت ضمنا على جميع افكار صديقتها القديمة، ولكنها مالت إلى التركيز على كسب التصويت لصالح المرأة.

        كتبت ستانتون في مذكراتها تقول: يبدو أني أزداد راديكالية علما تقدمت في السن، بينما يبدو أن سوزان تميل إلى المحافظة.

        عادت ستانتون بعد ذلك إلى إنجلترا.

        لم تعد في ريعان الشباب، إن كانت في ريعانه يوما، تملكتها القسوة، والصراحة التامة، وبرودة الجليد، والفلسفة البليغة، وقد أصبحت اليوم أشد تأثيرا بعشرة أضعاف من المحاضرات الجميلات اللواتي تصعدن إلى المنصة، للمطالبة بمستحيلات اجتماعية. (صحيفة سان لويس)

        أصبحت سوزان بي أنطوني الرمز الحي لمطالبة المرأة بالتصويت. فتابعت حملاتها في أرجاء البلاد، لتشكل نسخة مفعمة بالألوان حيثما ذهبت.

        حتى شالها الأحمر الذي ارتدته على الطرقات لسنوات طويلة تلقى المديح. عندما صعدت إلى المنصة مرة في واشنطن ترتدي شالا أبيضا، كتب لها الصحفيون القدامى، إن لم يكن هناك شالا أحمرا، لن نكتب التقارير. فابتسمت قائلة: كما تريدون، سأرسل إلى الفندق في طلبه من الفندق.

        عندما لفت الشال الأحمر حول كتفيها، صفق الحضور محتفلا، وأمسك الصحفيون بأقلامهم.

        أصبحت الآن فخورة في حقيقة أنه عبر الضغوط التي مارستها الحركة خلال سنوات طويلة بالتعاون بينها وبين اليزابيث كيدي ستانتون، شهدت حياة المرأة الأمريكية تغيرات حاسمة.

        عندما ولدت أنطوني لم تقبل أي امرأة في المدارس الأمريكية. أما بعدها فأصبحت المرأة قادرة على دخول ثمانية من كل عشرة جامعات ومعاهد مهنية أمريكية بحرية كاملة.

        أصبح هناك حفنة من الطبيبات والكهنة.

        أصبحت المرأة الآن تستطيع التملك والاحتفاظ بدخلها، وأن تقاضي وتشهد، كما أنها في بعض الولايات كانت تمارس القضاء والمحاماة.

        حتى أن  المرأة منحت حق التصويت في أربعة من الولايات والمناطق الغربية. كما هو حال وايومينغ، ويوتاه، وكولورادو وأيداهو.

        وقد جندت أنطوني شخصيا مئات آلاف النساء في القضية.

        ولكنها قالت بأنها لن تستريح ولن تغادر ساحات المعارك، حتى يعترف الرجال بالمساواة بينه وبين المرأة، ليس إلى جانب المدفأة فحسب، بل في إدارة شؤون البلاد.

         حياة السيدة أنطوني، هي درس لكل امرأة عازبة، يؤكد بأن عامل المحبة يجب ألا يفقد كليا، إن لم يرتكز على الزوج والأبناء، فالعيش من أجل مبدأ، ولنصرة بعض الإصلاحات التي تخدم مصالح البشرية جمعاء، أشبه بالاقتران بفكرة، يتحول إلى أقدس زواج وأكثر الزيجات قدسية. اليزابيث كيدي ستانتون.

        عام ألف وثمانمائة واثنين وتسعون أبحرت اليزابيث كيدي ستانتون عائدة إلى الوطن في أمريكا ثانية. كان عقلها ما زال حادا، ولكن تقدمها في السن وفقدان الشهية  أخذ يبطئها قليلا.

        أصبحت تزن أكثر من مائتين وأربعين رطلا، تجد صعوبة في عبور غرفتها الشخصية، بل أصبحت تحتاج إلى مساعدة مأجورة في تحركاتها الداخلية.

        كتبت سوزان بي أنطوني تصفها لأحد الأصدقاء بالقول أن قوة عقلها تترافق بجسم مرتبك، ليتنا نستطيع منحها ليونة في الساقين، وقدرة على الحركة.

        أعتقد أن أسوأ ما أصاب ستانتون في تلك الفترة هو أنها بدأت تفقد البصر، وهذه مصيبة كبيرة إذا أخذنا بالاعتبار أن القراءة والكتابة كانا من أهم جوانب حياتها.

        منذ وفاة زوجها وهي تتنقل بين أبنائها وأصدقائها والمعجبين بها.

        أنطوني التي كانت تسافر لأكثر من نصف قرن بلا توقف، عانت من بعض البطء أيضا، فاستقرت مع شقيقتها الحبيبة ماري، في منزلها العائلي القديم في روشستر.

        يسرني أن تعودين للتدبير المنزلي، نصيحتي لك سوزان، هو الاحتفاظ بمساحة تخصك أنت وحدك، حيث يمكنك العيش والموت فيه بسلام، وأن تحترق رفاتك في فرنك الخاص إذا ما شئت. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        عزيزتي السيدة ستانتون، هذه أول مرة منذ عام ألف وثمانمائة وخمسين، أزل مرساتي في مكان محدد. وعندما اخترت هذا المكان، فكرت في أنك قد تأتين إلى هنا أيضا على الأقل،  خلال فترة يجب أن نقضيها معا لوضع كتاباتك في أشكالها المنتظمة، للأجيال القادمة. (سوزان بي أنطوني)

        طرحت ستانتون هذه الفكرة جانبا، ونقلت بدل ذلك للعيش في مانهاتن مع ابنتها مرغريت، وابنها روبرت. بذلك أنطوني ما بوسعها لإخفاء خيبتها.

        حسنا، آمل أن تكوني على أحسن حال مع نفسك، ومع ذلك لا أستطيع تفادي إرسال هذا الأنين الداخلي من أعماق فؤادي. (سوزان بي أنطوني)

        أصيبت أنطوني بخيبة كبيرة، واعتقد أن شيئا ما قد حصل حينها في العلاقة بينهما. لم يكن انفصالا انشقاق بينهما، ولكنهما تعرفان بأنهما لن تستقران معا، بل استقرتا كل في مكان مختلف. لم تستقرا للعيش معا.

(عزلت الذات)

        شهد الثامن عشر من كانون الثاني يناير من عام ألف وثمانمائة واثنين وتسعين، انعقاد المؤتمر السنوية للجمعية الأمريكية الوطنية في واشنطن.

        كانت اليزابيث كيدي ستانتون في السادسة والسبعين وقد شعرت بأن الوقت قد حان للاستقالة من الرئاسة.

        وقد اعتبرت أن خطبة الوداع التي أدلت بها في ذلك اليوم، أفضل ما فعلته في حياتها المهنية. وقد سميت بعزلة الذات.

        لا أهمية لرغبة المرأة الشديدة في الاتكاء، والاعتماد على الحماية  والدعم، أو ما هو عدد الرجال الذين يفضلون أن تفعل ذلك، عليها أن تقوم برحلة حياتها وحيدة، وكي تحتمي في الطوارئ، عليها أن تتعلم بعضا من قوانين الملاحة. التحدث عن حماية المرأة من عواصف الحياة الغادرة، هي خدعة ونفاق، ذلك أنها تستطيع العيش بمفردها من جميع النواحي تماما كما يستطيع الرجال، بل وبقوة أكبر، إذ أنه مدرب على حماية نفسه وعلى المقاومة والغزوات. أيا كانت أطروحة اعتماد المرأة على الرجل، لا يمكنه في أقصى لحظات حياتها، أن يحتمل أثقالها. في مآسي وانتصارات التجارب البشرية، ستجد كل شخص بمفرده. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        العزلة الذاتية لستانتون هو أكثر البيانات معنى لحقوق المرأة وتعزيز شخصيتها. المحاكاة التي تستخدمها للمرأة في سفينة الحياة، تؤكد أنه أيا كانت المرأة في السفينة الغارقة، سواء كانت امرأة ثرية أو مجرد خادمة، أو حتى المرأة الأشد فقرا على الإطلاق، إن كنت عالقة في زورق ليس فيه رجل للتجذيف، ألا يجب أن تتعلمين استعمال المجذاف؟ هذه أقسى لحظة في حياة المرأة، عندما تجبر على العيش بمفردها. لهذا علينا أن ندعم المرأة كي تتمتع بالقوة في تلك اللحظات.

        السب الأهم الذي يجعلنا نطالب بحق المرأة في التصويت للحكومة التي تعيش في ظلها، وفي الديانة التي تؤمن بها، والمساواة في الحياة الاجتماعية،  التي تلعب فيها دورا أساسيا، ومكانة في التجارة والمحترف، حيث يمكنها أن تكسب العيش، السبب في هذا كله هو حقها في السيادة على نفسها، لأنها كإنسان عليها الاعتماد على نفسها.

        أعتقد أن القناعة في السيادة الذاتية هي جوهر ما أرادت ستانتون أن تقوله لنا، إنها طريقة في الفهم تخرج عن إطار القرن التاسع عشر، مكانة الشخص في العالم، إنه فهم نفساني عميق للحرية.

        إنها تقول في عبارات قليلة لا يمكن نسيانها، السبب الذي جعل كل شخص على الأرض منذ الأزل، بحاجة إلى حرية سياسية.

        توصلت أخيرا إلى خلاصة مفادها أن كل كائن بشري بمفرده في هذه الحياة من البداية حتى النهاية. أي أنها اكتسبت معرفة وجودية في نهاية حياتها، فهمت ذلك في العمق، فكانت تقول: تعلمنا أن على المرأة أن تعيش حياتها في عناية الرجل، وأنها لن تكون بمفردها في نهاية حياتها، ولكن هذا غير صحيح. فالحياة تلقي بكاهلها على الرجال النساء دون تمييز، والمرأة التي لا تفهم ذلك، ستنتهي إلى ظروف مخيفة، سينتهي بها الأمر ضائعة مهجورة، دون أن تدرك كيفية التعامل، مع سكرات الموت، ومع العزلة الذاتية. ضمن حقيقة أننا منفردين جميعا في هذه التجربة.

        في عمر يمضي فيه متاع الشباب، وينمو الصغار ويتزوجون ويرحلون، ينتهي دوران عجلة الحياة السريع، عندما تفرغ الأيدي من النشاطات الفاعلة، وعندما تصبح الكنبة والمدفأة منتجعه المفضل، على الرجل والمرأة كل على حداه، اللجوء إلى منتجعه الخاص. هناك عزلة، يحملها كل فرد منا في داخله. هي أصعب منالا من صقيع الجبال العالية،  وأشد عمقا من بحار منتصف الليل، إنها عزلة الذات. جوهرنا الداخلي الذي نسميه أنفسنا، هي بقعة لم يتمكن من لمسها أو رؤيتها أي رجل على الإطلاق. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        في تموز يوليو من عام ألف وثمانمائة وخمسة وتسعين، بلغت سوزان بي أنطوني عامها الخامس والسبعون، وقد عادت إلى الترحال لتقديم محاضرة أخرى، هذه المرة في ليكسايد أوهايو.

        كانت قد حاضرت في أحد عشر ولاية ذلك العام، عند انتهاء ملاحظاتها، انهارت فجأة من شدة التعب. فعلقت على ذلك بالقول، إنه كياني كله، يتخذ شكله النهائي، وكأنه آخر برق في السماء الصافية.

        أحاط الصحفيون بالمنزل الذي كانت تسكنه، طلبت أسيوتيد بريس من مراسلها في أوهايو أن يبعث بخمسة آلاف كلمة، إن كانت حية بعد، ومقالة مفتوحة إذا ماتت.

        عزيزتي سوزان، لم أتخيل هذه العزلة التي سأعيش فيها بدونك. حتى سمعت بمرضك المفاجئ،لازمي البيت، استريحي، أنقذي حياتك الثمينة. (اليزابيث كيدي ستانتون.)

        ولكن سوزان بي أنطوني لم تسترح، ما كانت لتسمح بأي حدث آخر أن يحول دون بلوغها حق المرأة في التصويت. مهما كلفها ذلك من آلام شخصية.

        في وقت مبكر من ذلك العام وفي المؤتمر السنوي المنعقد في أتلانتا، اضطرت أنطوني للاستسلام لرغبة مضيفيها الجنوبيين، الذين أرادوا حرمان المرأة السوداء من الرئاسة.     

        بعد ذلك لاذت بالصمت عندما أعلنت الأمريكية الوطنية رسميا أنها لا تعارض أي ولاية تمنع المرأة السوداء من الانضمام إلى مراكزها.

        هذا يعني أن أحدا في مركز الجمعية الوطنية الأمريكية كان مستعدا للحصول على حق التصويت للمرأة السوداء. وما أن تمنح الولاية سلطة من هذا النوع على العضوات في جمعية حق التصويت، هذا يعني أنها لن تكون قادرة على الدفاع عن مبادئها.

        عندما نشطت المرأة السوداء في المطالبة بحقها في التصويت أجبرت على إقامة مؤسساتها الخاصة وجمعيتها الخاصة، أي أنه عندما بلغ تصويت المرأة مراحله القصوى، تم ذلك ضمن التفرقة العنصرية.

        كانت تعرف المناهضة القديمة للعبودية سوزان بي أنطوني أن التفرقة العنصرية مسألة خاطئة، ولكن فطرتها السياسية أكدت لها، أنها لا تستطيع المجازفة بدعم المرأة الجنوبية البيضاء، ولا يمكنها المجازفة بعزل الكونغريس، الذي يسيطر عليه الآن رجال الجنوب البيض.

        لم تكن سوزان بي أنطوني متحيزة شخصيا، لم تكن عنصرية، بل أرادت أن تحصل المرأة السوداء على التصويت، ولكنها ربما كانت منهمكة في السعي للحصول على حق التصويت، لدرجة جعلتها تتغاضى عن هذه المسألة، هذا هو التفسير الوحيد الذي يجعلني أرى فيه مبررا لموقف اتخذته دون التوقف عنده.

        لا أستطيع تحديد ما كانت تشعر به ولكني أتخيل أنها مرت بلحظات مؤلمة وعميقة، حين أجبرت على التمييز بين موقفها ورؤيتها السياسية من جهة وقناعتها الشخصية من جهة أخرى.  لا بد أنها انسلخت عن ذاتها المبكرة.

(صمت رهيب)

        أعتقد أن العقد الأخير عكس أكثر ملامح ستانتون إثارة للدهشة، هذه أكثر ملامح المرأة المحببة لدي، هذه هي المرأة المتأملة، التي تعتمد على حياة مفعمة بالتجارب، تغذي فيها كل الأفكار، وهي تحمل قلما عميقا يكتب بحدة الليزر، وهي ما زالت تحب الطعام والعائلة، وإن كان نصيبي في الجنة فأريد أن أكون فيها مع ستانتون خلال العقد الأخير من عمرها.

        في تشرين الثاني نوفمبر من عام ألف وثمانمائة وخمسة وتسعين، أعادت اليزابيث كيدي ستانتون نفسها إلى عناوين الصحف، وأخضعت صديقتها المقربة جدا، والحركة التي أسستاها معا، إلى جدال من نوع آخر.

         نشرت كتابا  بعنوان إنجيل المرأة، كتبت تقول أن القصد منه هو انتقاد المفاهيم الدينية التي تخضع لها المرأة والتي تقول أنها كائن بشري يخضع للرجل.

        عندما نشرت ستانتون إنجيل المرأة أرادت أن تؤكد مسألة أن الإنجيل قد استخدم من قبل الرجال من الكهنة لإبقاء المرأة في وضعية الخضوع. القصة التي نعرفها جميع حول آدم وحواء في الجزء الأول من العهد القديم تؤكد بأن حواء خلقت من ضلع آدم. ولكن هناك قصة أخرى، التي أرادت ستانتون أن تلفت أنظار القراء إليها وهي في الجزء الثاني، حيث يرد بأن الذكر والأنثى قد خلقا في اللحظة نفسها بملامح الرب. لم يخلق ذلك المساواة بين الرجل والمرأة فحسب، بل واله لا ينتمي إلى جنس محدد. لهذا تقول ستانتون: فليمجد كل من أبانا وأمنا الرب. هذه مسائل تثير الصدمة عام ألف وثمانمائة وخمسة وتسعون.وكأنها هرطقات تثير الحرج لجميع حلفائها، وأصدقائها.

        سرعان ما تحول انجيل ستانتون إلى الكتب الأكثر مبيعا، طبع سبع مرات مختلفة خلال ستة أشهر.

        ولكن أنطوني رفضت المساهمة في المشروع، على اعتبار أنه يزيح الأنظار عن التصويت، كما يحرم الحركة من النساء المحافظات، اللواتي انضممن مؤخرا إليها.

         عزيزتي السيدة ستانتون، كفي عن ضرب المسكين سان بول، ودقي بمطرقتك الثقيلة على عنق كل نائب، من رجل وامرأة، يجحفون في حق الكائن البشري، لجرائم اللون أو الجنس، أتمنى لو تسخرين عقلك الكبير، لردع الجرائم التي نحن البشر مسؤولون عنها، أما توجيه المهانة عبر كتب مزيفة، أو تفسيرات مزيفة، ما هي إلا طريقة للبحث عن ملاذ من الأكاذيب. (سوزان بي أنطوني)

        في الاجتماع التالي لجمعية حق المرأة بالتصويت، تأكدت مخاوف أنطوني تجاه كتاب صديقتها الاستفزازي، إذ قدم اقتراح بيان يعرب عن عدم صلة المجموعة بكاملها من ستانتون وأفكارها المثيرة للجدل.

        أشد ما خذل أنطوني هو أنه من بين اللواتي وافقن على القرار، عدد من صغار المندوبات، اللواتي أسمتهن بنات الأخوات، ومن بينهن اثنتين من المقربات إليها، الكاهنة آنا هاورد شاو، وكاري شابمان كات.

        الجيل الثاني من الحركة النسائية وعلى رأسها آنا هاوارد شاو، وكاري شابمان كات، يعتبر سلبي جدا تجاه مساهمة ستانتون، ولا يرى فيها تلك المفكرة العميقة، بل يعتبرها الجيل الثاني امرأة برية لا يمكن التحكم بها، كثيرا ما تسبب المزيد من الحرج للحركة النسائية، لهذا يجب أن تسكت كليا.

        قبيل لحظات من طرح القرار الذي يفصل اليزابيث كيدي ستانتون للتصويت، خرجت سوزان بي أنطوني مرة أخرى، للدفاع عن صديقتها القديمة.

        سيشكل هذا القرار، تصويتا على فصل امرأة، كانت لأكثر من نصف قرن، زعيمة معترف بها، للأفكار التقدمية، المتعلقة جميعها بالقضايا المتعلقة بالحرية المطلقة للمرأة، سأصاب بآلام أعمق من أي حدود، إذا ما ضاقت نظرة المندوبين وصدورهن، لتبني هذا القرار. من الأفضل ألا تبدأن باتخاذ القرارات المتعلقة بالتصرفات الفردية وإلا فلن تقفن عند أي حد. قد تبدأن اليوم بالسيدة ستانتون، وربما تتابعن العام القادم بي، وقد تخترن واحدة منكن لتكون الضحية. ( سوزان بي أنطوني)

        في الختام، عجزت حتى أنطوني عن إقناع المندوبات، فأعلن البراءة من المرأة الأكثر مسؤولية عن انطلاقة حركتهن.

        تألمت ستانتون وغضبت جدا، وطالبت أنطوني بالاستقالة من رئاسة المنظمة مباشرة كتعبير عن احتجاجها.

        عانت أنطوني لثلاثة أسابيع، يمزقها الولاء لصديقتها القديمة من جهة، والولاء للمنظمة التي كرستا معا حياتهما لأجلها.

        وأخيرا، استسلمت، وقررت البقاء في المنصب.

        لم تستقل سوزان بي أنطوني لأن أمامها أعمال كثيرة، ما كانت لتتخلى عن شيء آمنت به وبدأته وبنته بنفسها.

        أصبحتا في مسارين مختلفين فعلا، تابعت سوزان بي أنطوني مسيرتها فيما نعرفه اليوم بخط نعرفه اليوم بطريق تاريخ المرأة، وحقها في التصويت، أما اليزابيث كيدي ستانتون فذهبت في طريق الأفكار المتحررة، وطريق التحرر الديني، وأعتقد أن تحركهما في الوجهتين المختلفتين، أصبح الاتصال بينهما أقل بما في ذلك الاتصال من القلب إلى القلب.

        أصبحت العلاقة بين المرأتين متوترة، ولكنها لم تنقطع.

        إن كان هناك جزء من حياتي يزيدني رضى عن الآخر، فهو الجزء المتعلق بصداقتي التي دامت أكثر من أربعين عاما، مع سوزان بي أنطوني. قال إميرسون من الأفضل أن تكون شوكة إلى جانب صديقك وليس صدى له. إن كان هذا يمنح الثقل والاستقرار للصداقة، فلا بد أن تبقى صداقتنا إلى الأبد. فقد كنا فعلا  بمثابة شوكة إلى جانب بعضنا البعض. لم أجد السلام لأربعين عاما، منذ اليوم الذي بدأنا فيه معا، في رحلة حقوق المرأة، والبحث عن مكان المرأة في الدستور الوطني. كانت تدفعني على طريق الحرب، تهددني بفوهة البندقية، لدرجة أني تمنيت لو أن أجزائي قد تأخرت في الجمع مثل إليجاه، علني أستطيع الاستمتاع بغروب حياتي بالسكينة عند زاوية مدفأة ما، دون أن أعاود الظهور على مسرح الأحداث ثانية. (اليزابيث كيدي ستانتون)

        كانت ستانتون تمارس حياتها وفق العزلة الذاتية، حيث تنكفئ على نفسها مع تقدمها في السن. لتعش فترة كافية كي تفهم، بأن أحدا في هذا القرن لن يسمع بها. أكثر النساء أهمية في القرن التاسع عشر، والمرأة التي كتبت بيان حقوق المرأة، والتي أطلقت حملات حق التصويت والتي وضعت برنامجا لحقوق المرأة، الذي ما زلنا نعمل عليه حتى اليوم، كيف لهذه المرأة أن تكون شخصا لا يعرفه أحد؟

        في حزيران يونيو من عام ألف وتسعمائة واثنان، قامت أنطوني بزيارة مختصرة لستانتون في نيويورك، عندما أوشكت أنطوني على المغادرة، ضمت صديقتها، وأخذت تبكي وهي تسألها: ترى هل سأراك ثانية؟

        ردت ستانتون تجيبها:طبعا، إن لم يكن هنا ففي العالم الآخر، إن كان هناك عالم آخر.  وإن لم يكن هناك عالم آخر، لن نعرف ذلك أبدا.

        اتفقتا على أن تعود أنطوني في عيد ميلاد ستانتون السابع والثمانين، في تشرين الثاني نوفمبر. ثم عادت أنطوني إلى منزلها في روشستر.

        أقعدت ستانتون بعدها وفقدت البصر بالكامل، كما تعرضت لضيق في التنفس، ولكنها كانت تتمتع بعد بكثير من الأفكار الصلبة.

        أي أن جسمها ضعيف ولكنها عقلها رصين، وهي متيقظة تماما. أمضت أيامها في تسلية أصدقائها والعائلة والتحدث مع الصحفيين على مائدة العشاء وهي تخبز الكعك، استمرت بعزف البيانو والكتابة أيضا. كتبت لتيدي روزفيلت قبل يومين من موتها وفي اليوم التالي كتبت للسيدة روزفلت دون أن تعرف ما إذا كانت الرسالة ستصل إليها فعلا. تطلب منهما ضم حق التصويت في ولاية الاتحاد.

        صباح يوم الأحد السادس والعشرون من تشرين أول أكتوبر، طلبت من ابنتها هاريوت أن تساعدها في الوقوف.

        قربت لها طاولة كي تريح يديها فوقها، فدفعت نفسها ثم انتصبت. وبقيت هكذا لحوالي ثماني دقائق، وهي تنظر إلى الأمام بفخر واعتزاز. أعتقد أنها كانت تلقي في عقلها بمحاضرة، وعندما طلبنا منها الجلوس، استسلمت للنوم. (هاريوت ستانتون بلاتش)

        في اليوم التالي، دق ساعي ويسترن يونيون باب سوزان بي أنطوني في روشستر حيث تسكن.

        حملت السكرتيرة البرقية إلى غرفة رئيستها، قرأت أنطوني البرقية بصمت. ثم سقطت يديها في حضنها.

        عندما بلغ سوزان بي أنطوني نبأ موت اليزابيث كيدي ستانتون، شعرت وكأن العالم توقف مكانه. كانت في المنزل. النساء الأخريات اللواتي كن في المنزل كن قلقات جدا من إبلاغها، كن قلقات جدا من ردة فعلها. وأعتقد أن هذا هو التعبير المناسب وكأن العالم توقف مكانه. لأن الصمت ساد فجأة، وهو صمت سيبقى على هذا النحو دائما لديها.

        لم تنبس بكلمة لبعض الوقت، بل جلست بمفردها في الغرفة. هذه هي المرأة التي قضت معها خمسون عاما من حياتها. وقد صنعتا المعجزات معا، وقد أحبتا بعضهما البعض فعلا.

        أعتقد أن عناوين الصحف قالت كل شيء في اليوم التالي. هنا يرد النعي مرفقا بسيرة لحياة المرأة الشهيرة إليزابيث كيدي ستانتون، وأحد العناوين الرئيسية تقول: تاركة أنطوني خلفها.

        كانت سوزان بي أنطوني تركب القطار في طريقها إلى نيويورك في اليوم التالي لحضور مراسيم الدفن.

        وضعت إليزابيث كيدي ستانتون خطة مسبقة لكل شيء فكتبت تقول: أود أن أرتدي ملابسي العادية، لا ملابس سوداء ولا حرير ولا ملابس مشابهة أخرى. وأريد امرأة عادية تقود المراسيم.

        طاولة خشب الماهوغاني  التي كتبت ستانتون عليها بيان حقوق المرأة، الذي أطلق حركة المطالبة بالتصويت، بقيت فوق رأس جثمانها، الذي كان محاطا بالزهور، وإلى جانبها وضعت صورة للمرأة التي كانت أقوى حليف لها، وأقرب صديقة لها.

        إنه صمت رهيب، أرى من شبه المستحيل، أن يصمت ذلك الصوت، الذي تشوقت لسماعه طوال خمسون عاما. تشوقت لسماع رأيها بالأشياء، قبل أن أحدد موقفي تماما، لقد انتهى كل شيء، ولكن قوانين الطبيعة ما زالت مستمرة، أـي عالم هذا الذي يسير دون توقف، دون اكتراث بمن يعيش، ومن يموت. (سوزان بي أنطوني)

(شيء من العدالة)

        تابعت سوزان بي أنطوني الجندية بمفردها. عاودت السفر ثانية إلى كليفورنيا وأوريغان. حيث اقامت تمثالا لساكاغويا، هندية شوشون التي قادت لويس وكلارك في مسيرتهما نحو المحيط الهادئ.

قالت أنطوني لصديقة قلقة على صحتها: أشعر حتى في عربات نهاية القطار وكأني أقيم في بيتي.

        عام ألف وتسعمائة وستة، أجبرت على الهدوء قليلا، بعد أن ضعف قلبها، وعانت من عوارض الدوخة، ولكنها كانت تصر على المشاركة في المؤتمر السنوي في بالتمور، لم تغب إلا عن مؤتمر واحد منذ الحرب الأهلية، ولا يمكن أن تتغيب عن هذا.

        هبت عاصفة شديدة عندما توجهت إلى محطة القطار، ما أصابها بالزكام.

        كادت رحلة القطار تقضي عليها.

        وصلت متعبة جدا، أسيرة نوبة حساسية، جعلتها أضعف من أن تشارك في غالبية الجلسات.

        شهد الخامس عشر من شباط فبراير عيد ميلادها السادس والثمانون، وخصص اليوم الأخير من المؤتمر للاحتفال بالمناسبة،

        تدفقت التهاني من أرجاء البلاد وأنحاء العالم، كما وصلتها رسالة من رئيس الولايات المتحدة.

        هنأ تيودور روزفيلت، أنطوني معربا عن تمنياته القلبية في أن تستمر حياتها المفيدة والمشرفة.

        لم تتأثر أنطوني بل علقت على ذلك بالقول: آمل أن يفعل الرجل شيئا آخر إلى جانب التهاني، أفضل أن يوجه كلمة في الكونغرس على أن يهنئني إلى ما لا نهاية.

        في نهاية الأمسية، توجهت أنطوني إلى المنصة، كي تشكر المندوبات على كل الكلمات الجميلة التي قيلت بشأنها.

        آنا هاورد شاو إحدى بنات أختها الحبيبات، التي أصبحت رئيسة للجمعية الوطنية الأمريكية، ساعدتها على الوقوف.

        كانت سوزان بي أنطوني تعرف بأنها ستكون خطبتها الأخيرة،  فأرادت أن تضمن استمرار جميع المشاركات في النضال.

        لم أر تلك المرأة العظيمة، وولستونكرافت، ولكني قرأت بلاغتها، وأفكارها المنطقية دفاعا عن حريات المرأة، وقد التقيت وتعرفت، على غالبية النساء التقدميات اللواتي جئن من بعدها، لوريسيا موت، ولوسي ستون، واليزابيث كيدي ستانتون، كواكب مضيئة في سماء المرأة، ليتني أستطيع تسمية كل منهن، ولكن بوجود هذه الأعداد الكبيرة من النساء اللواتي يكرسن حياتهن للقضية، يصبح الفشل مستحيلا. (سوزان بي أنطوني)

        بعد يومين من ذلك، عادت إلى بيتها في روشستر، وبلغ ضعفها أنها بالكاد استطاعت صعود السلالم إلى غرفتها، التي لم تغادرها بعد ذلك.

        كان الطبيب والممرضة والجميع قلق على صحة سوزان بي أنطوني، ولكنهم على علم بأن شيئا ما يتلاشي، وأن شيئا ما سيختفي، شيء عظيم ليس في تلك الغرفة الصغيرة وهذا المنزل أو المدينة فحسب، بل وفي البلد أجمع وفي العالم، إنه ممات شخص ترك متغيرات كثيرة وأثر على الكثيرين من البشر، لا شك أن الجميع شعروا بعمق الخسارة أما الذين كانوا إلى جانبها في الغرفة فكان أمرا لا يمكن احتماله.

        قالت أنطوني لآنا هاورد شاو: فكري فقط، بأني كافحت لأكثر من ستين عاما من أجل بعض الإنصاف والعدالة لا أكثر، ولكني سأموت اليوم بدونها، إنها قسوة بالغة.

        كانت تغيب عن الوعي لتعود ثانية، تدمدم بأسماء مناضلات من أجل حقوق المرأة.

        كتبت عن ذلك شاو تقول، يبدو أنهن جميعا مروا بها يوم موتها صفوفا لا تنتهي. وأثناء مرورهن، كانت تتحدث مع كل منهن.

        همست أنطوني تقول: ما زلن يتوافدن أمامي، وجها بعد آخر، هناك مئات ومئات منهن، أعرف كم بذلن من جهد في العمل، وأعرف كم بذلن من تضحيات.

        وفي الختام، كتبت آنا شاو تقول أنها أمسكت يدي سوزان بي أنطوني بيديها، لتشهد رحيلها.

        في الواحدة إلا ثلثا من فجر الثلاثاء الثالث عشر من آذار مارس من عام ألف وتسعمائة وستة، ماتت سوزان بي أنطوني.

        جرت مراسيم الدفن في الكنيسة المشيخانية الرئيسية في روشستر. رغم العاصفة الثلجية، حضر آلاف الأشخاص الذين أموا الكنيسة، وكانوا في الغالبية العظمى من النساء.

        تولت الكاهنة آنا هاورد، مراسيم التأبين.

        ليس هناك موت، لامرأة مثلها، ما قد يبدو موتا لما نراه في أعيننا، هو تفسير لها. عملها لن ينتهي، ولن تقال كلماتها الأخيرة، بينما ستبقى أخطاؤها بحاجة إلى تصليح، وستبقى حياتها الأسيرة بحاجة إلى تحرير في أرجاء الأرض. قد تحسنون عملا في تحيتها ملوحين بأياد النصر، وأن تتوجونها بأكاليل الغار. فلا يمكن لبطل منتصر أن يهدأ ويستريح. (الكاهنة آنا هاورد شاو)

        قبيل سنوات، وفي اجتماع جرى في أدامس ماساشوسيس، تقدمت سوزان بي أنطوني إلى عائلتها، بطلب محدد.

        تذكروا عندما أموت أني لا أريد أن تذرف الدموع، تابعوا الخطى، واستمرا في العمل.( سوزان بي أنطوني)

(قمح الشتاء)

        استغرقت المرأة في البلاد سنوات من حملات التوعية لإخراج كلمة ذكر من الدستور. ساهمت مئات النساء بكل الإمكانيات طوال حياتهن،  وقدم الآلاف كل ما يستطعن من مساعدات، كانت سلسلة من الأنشطة التي لا نهاية لها. ساهمت  شابات طالبن بحقوق التصويت في تعزيز تلك السلسلة الدائمة، التي بدأت قبل ولادتهن. قدامى المناضلات، اللواتي وضعن حجر الأساس، سيمتن قبل انتهاء السلسلة. (كاري شابمن كات)

        ستستغرق المرأة الأمريكية أربعة عشر عاما أخرى، لتحقيق حلم إليزابيث كيدي ستانتون وسوزان بي أنطوني. أربعة عشر عاما فازت فيها المرأة بحق التصويت في كل من  أستراليا ونيوزيلاندا وفينلاندا والنرويج، والاتحاد السوفيتي، وكندا وألمانيا وبريطانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا.

في ربيع عام ألف وتسعمائة وتسعة عشر وقع مجلسي الشيوخ والنواب على القانون التاسع عشر. وهو يحتوي على القانون الذي كتبتاه سوزان بي أنطوني وإليزابيث كيدي ستانتون كلمة بعد أخرى وقدمتاه  إلى الكونغريس قبل خمسة وأربعين عاما.

        ولكن كاري شابمان كات، التي أصبحت رئيسة الجمعية الوطني لحق المرأة في التصويت، لم تشعر بالفرح، كانت تعرف بأنها ما زالت في أول طريق الكفاح.

        كان على كات وزملائها إقناع ستة وثلاثون من أصل ثمانية وأربعين ولاية، للتأكيد على القانون الجديد.

        بعد أشهر من المناورات السياسية المكثفة، لم يبق أمامهن إلا ولاية واحدة هي تينيسي.

        ما كان أحد يعرف ما سيحدث، المشرعين الذين كانوا يؤيدون تصويت المرأة، لاذوا فجأة بالصمت، أو فروا إلى المعارضة، أو غادروا المدينة.

        في الثامن عشر من آب أغسطس من عام ألف وتسعمائة وعشرين، ملأت الزهور قاعة النواب في تينيسي، الصفراء لحق الاقتراع، والحمر لمن يعارضونه.

        اعتقد المعارضون بأن لديهم ما يكفي من الأصوات لتعليق القانون ولكنهم أساءوا العد إذ تأكد التعادل. ما يعني أن المكافحات من أجل هذا الحق سيتمكن من رؤية التصويت ثانية.

        أراد المقترعون صوتا واحدا، وعندما حانت لحظة المصير، ما كانوا يعرفون من أين سيأتي.

        هاري بورن، من إقليم ماكمين، الأصغر سنا بين المشرعين كان حريصا، إذ أن غالبية زملائه  يعارضون حق التصويت للمرأة، ولكنه جاء إلى قاعة المجلس ذاك الصباح يضع وردة حمراء على صدره.

        كما أنه يحمل في جيبه أيضا رسالة مطوية بعثت بها أمه.

        ابني العزيز، صوت لصالح التصويت ولا تخذلهن، سمعت بعض الخطابات المضادة، كانت مليئة بالمرارة. جلست أراقب ما هو موقفك، ولكني لم أر شيئا بعد، لا تنسى أن تكون فتى صالحا.

مع كل حبي، أمك. (السيدة فوبي فيب بورن)

        عندما جاء دوره في الاقتراع، صوت هاري بورن لصالح القانون.

        أنهى صوته المنفرد اثنان وسبعون عاما من الكفاح المؤلم.

        وبذلك أصبح الاقتراح التاسع عشر قانونا، وأخيرا أضيف حق المرأة في التصويت إلى الدستور، وقد تحقق الهدف الذي أعلن لأول مرة في شلالات سينيكا، عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعون.

        طلب من هاري بورن أن يفسر موقفه لاحقا، فقال ببساطة: أعتقد أن نصيحة الأم هي أفضل ما يمكن أن يعتمدها الفتى.

        في مدينة واشنطن، كانت أليس بول، مؤسسة حزب نسائي جديد، تضع نجمة على اللواء كلما كانت تصادق ولاية ما على القانون. وأخيرا خاطت النجمة الأخيرة. وفردت اللواء من على شرفة مقر الحزب.

        كانت اليزابيث كيدي ستانتون لتحتفل فرحا لو شهدت هذا الفوز الساحق في إضفاء القانون. أعتقد أنها كانت دائما تقول بالمعنى المجازي أن هذا قمح شتوي، لا بد أن جيل آخر سيحصده. أي أن المشهد الأخير للقانون التاسع عشر،هو الحصاد، وقد فزن في الختام.

        كانت ردة فعل سوزان بي أنطوني لتأتي بجانبين، أعتقد أنها كانت ستفرح جدا حتى الهذيان، ولكنها كانت ستقول بعدها: ماذا سنفعل الآن؟

(2/11/1920)

        لقد عملنا لفترة طويلة، وبذلنا جهدا مضنيا، وما كنا نعرف ما سيحدث.

        أعتقد أني ذهبت مع أمي، التي كانت تقودني، وهي متحمسة جدا ذلك أنها عملت بحماس أكبر مني بكثير.

        ذهبنا إلى حيث  الصندوق، أذكر أني سحبت الستائر، ولكني متأكدة من أنها كانت ورقة مكتوبة علينا رميها في الصندوق، وانتهى الأمر. لقد صوتت لصالح الحزب الجمهوري، وقد صوتت في ذلك اليوم لصالح وارين جي هاردينغ.

        لقد أصابني خوف شديد، من أن أسقط ورقة بالخطأ، وما زلت أذهب إلى ذلك الصندوق بالإحساس نفسه، ماذا إن صوتت لصالح الحزب الجمهوري.؟؟(..)

        شعرت بالفخر الشديد، كنت حديثة التخرج من الكلية، حيث تعلمنا هناك ترديد شعار يقول: ليس لنا وحدنا بل يجب أن نعلم الآخرين. شعرت أن هذا ما يمكن أن أفعله من أجل بلدي. وقد سررت جدا به.

        مع ذهاب ملايين النساء إلى صناديق الاقتراع لأول مرة في ذلك الخريف، وحدهن المتقدمات في السن تذكرن المرأتين الرائعتين اللتين جعلتا ذلك ممكنا.

        أرى أنه ما زال حدثا بارزا حتى اليوم، لأننا ما زلنا نحمل ميراث المرأة الحقيقية، ما زلنا نعتقد أن المرأة ليست مساوية للرجل تماما، ما يعني أن هذه الحركة الهائلة التي ضمت نصف السكان، يستخف بها من قبل المجتمع ككل. لا نشعر بأهميتها لأنها من صنع المرأة، حق الاقتراع هو امتداد للحق الدستوري، وهو ما لم تفعله الديمقراطية الجاكسونية.  تنال الديمقراطية جزء ونصف الجزء من غالبية كتب التاريخ الأمريكية. وربما تحظى شلالات سينيكا بعض السطور الصغيرة. علما أن هذا سجل تغييرا حاسما في أمريكا. امتداد الدستور ليطال المرأة ثم انتقل ذلك إلى العمل على الأرض في شؤون الحقوق المدنية التي اتبعت أساليب التحريض والقيادة نفسها. أي أنه جزء هام من التاريخ، يعني المرأة والرجل ويؤثر بهما معا.

        إذا عمل المرء طوال سنوات من أجل التصويت، وإذا آمن به، واعتقد بأن أشياء هامة ستنجم عنه، هامة من حيث موقع المرأة في حضارتنا، ومكانة المرأة في العمل، وفي كل مكان، لأن الاقتراع سيحسن هذا كله. أي أنه لن يكون مكسب سياسي، بل هو مكسب شخصي، لأن حياتنا ستتغير، وقد تغيرت حياتنا. ولكن، أعتقد أنها لم تتغير بالمقدار الذي كنا نتمناه.

(روشستر أكتوبر 1902)

        عزيزتي السيدة ستانتون..

        حلمنا قليلا عندما بدأنا هذه المعركة، وقد أملنا عبر تفاؤل الشباب المتحمس، أننا بعد نصف قرن، سنغادر ساحات المعارك، إلى جيل آخر من النساء. سيحل جيل هذه المرأة الصلبة محلنا ويكمل ما بدأناه من عمل، هناك جيش منهن، بينما كنا مجرد حفنة صغيرة.

        ونحن، صديقتي القديمة، علينا الانتقال إلى دائرة الوجود الأخرى، الأعلى والأوسع، لا يمكن أن نتردد في الإيمان. ما عادت المرأة تحتل مرتبة أدنى، بل سيتم الترحيب بها، في مكانة عالية، لمواصفاتها الفكرية والروحية الكاملة.

        تحبك إلى الأبد، سوزان بي أنطوني.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster