اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 العصابات - الحرب على المافيا
 

ليولوكا اورلاندو

 

التاسع والعشرون من تشرين أول أكتوبر من عام ثلاثة وأربعون. شهدت المافيا انبعاثا قويا منذ اجتياح صقلية، ما سيترك أثرا كبيرا على الحاضر والمستقبل.

أصبحت المافيا الآن في وضع يمكنها من المطالبة. لقد انطلقت مرحلة من المقايضة..

تتمنى الارتباط بنوع من الوفاء والسرية إلى السياسة..

ما أن يتم الاتفاق على مسألة ما هنا لا يمكن التراجع عنها.

لم يكن للمافيا أي صلة على الإطلاق باجتياح صقلية. وأتحدى أي شخص كان ينجح في الحصول على الإثباتات.

استخدمنا المافيا بالطريقة التي كانوا يحاولون بها استخدامنا.

ما هو الخيار الذي تملكه؟ أي شيء يمكن أن تستغله على أمل الدفاع عن أمريكا ودعم ما تفعله وما يمكن أ، تفعله.

منذ الحرب العالمية الثانية قامت منظمة إجرامية بقتل آلاف الأشخاص في صقلية.

ولكن قبل خمسين عاما وخلال الحرب العالمية الثانية قامت الولايات المتحدة بالتحالف مع المافيا سرا.

هذه هي قصة المعاهدة التي بين الولايات المتحدة والمافيا.

=-=-=-=-=

خلال خمسين عاما أصبحت الفوضى تعم صقلية. ينتشر الجنود في شوارع باليرمو، لأن القضاة والزعماء السياسيون يخافون على حياتهم من انتقام المافيا.

على رأس لائحة المافيا السوداء ليولوكا أورلاندو، زعيم المعارضة الشعبية الذي يصر على التخلص من المافيا المتسلطة على صقلية.

لقد شاهد زملاءه يقتلون الواحد بعد الآخر.

أريد أن يعرف العالم بأن الضحية الأولى للمافيا هو المواطن في صقلية.. فهو الذي يدفع أغلى ثمن لمنظمة المافيا لا تنسوا ذلك.

أريد  أن أقول لأمريكا أنها لها مسئولة كبرى في تقوية المافيا. لهذا السبب أريد أن أوجه دعوة للأمريكيين كي يدرسوا تاريخهم. لأن تاريخكم هو تاريخنا.

أصبح مجتمع صقلية يؤمن بالخرافات، وقد اعتاد على الموت لدرجة أنه حوله إلى نوع من المعتقد. والعمل بهذا الهاجس مستمر  في السراديب الواقعة تحت باليرمو. لا تتوقف المافيا عن قتل أولئك الذين يقفون في طريقها. والقتل بالنسبة لها مسألة شرف. وفق هذه المعايير المنحرفة، جرى بناء الإمبراطورية السرية.

مذيع: قبل سبعين عاما من اليوم دمرت المافيا بالكامل، على يد رجل دعى إلى مواجهة القوة بالقوة.

في أيار مايو من عام أربعة وعشرين، قام بينيتو موسوليني بأول جولة رسمية له في هذه الجزيرة المستقلة. جاء إلى هناك وهو يحلم بتوحيد إيطاليا فوجد أن المافيا تعترض طريقه. وقفت المافيا مسلحة بالفخر والاعتزاز عقبة في طريق طموحه بالسلطة الكاملة. فأمر قبضته الحديدية سيزار ماوري بأن يشن حملات القمع. حصل ماوري من خلال الأوامر الفاشية الجديدة على حرية كاملة في الحركة. في سبيل إخضاع المافيا اتبع شعار بسيط يقول: للقضاء على المافيا يجب أن يتصرف بقسوة أشد منها.

نشر ماوري شبكة واسعة النطاق للقبض على المافيا في عقر دارها في صقلية. وقد اتبع في ذلك أسلوب ريتاتا، أي عملية تطهير جماعية. عند قمة الحملة في كانون الثاني يناير من عام ستة وعشرين، جرت العملية الكبرى في منطقة مادونيا الجبلية.

جاء ماوري إلى بلدة المافيا الشهيرة غانجي.

رجل: كنا صغار بعد، يمكن أن نقول بأن البلدة بكاملها أخضعت لحصار كامل، وكانت تعج برجال الشرطة والفاشيون.

وكانوا يوقفون الناس الذين يقولون.. ها هي الشرطة أنظر ماذا يجري!

أين كانت الشرطة؟

 في جميع أرجاء القرية. في المنازل وفي المناطق الريفية المجاورة.

لا يسمح لأحد أن يدخل القرية أو يغادرها. كانت تعتقل عائلة بكاملها حتى يخرج زعماء المافيا من مخابئهم.

اعتقل جميع الأقارب لإلقاء القبض على أولئك المجرمين. ثم قاموا بضرب السجناء في مركز القيادة. وعذبوهم كي يدلوا بالاعترافات.

كانوا يجبرونهم على شرب الماء المالح ليدفعونهم إلى الكلام. إنها تلسع. اعتقلوا الكثير من الناس. ثم أرسلوهم إلى الأشغال الشاقة لخمسة سنوات، سواء كانوا مذنبين أم لا.

كان ماوري يدخل جميع القرى والبلدات في غرب صقلية، ليسمعه الناس وهو يدين أعمال المافيا الشريرة حيثما ذهب.

وصل مجموع من اعتقلهم ماوري في صقلية إلى أحد عشر ألف شخص.

ضربت حملة موسوليني المافيا بجميع مستوياتها. بما في ذلك الشخصيات التي لم يسبق لها أن تعرضت للاتهامات وهي في أعلى البنية الإجرامية للمافيا.

وكان دون كالدورو فيشيني واحد منهم. إذ كان زعيما قويا، ينمو بسرعة هائلة في أوساط المافيا. أما قاعدته الأساسية فكانت قرية فيلالبا الواقعة في وسط صقلية. حيث كان يعرف هنا باسم دون كالو.

كان الجميع يطيعونه بسهوله، كما يخافه العدو والصديق على حد سواء. وكان من حيث المظهر يبدو كشخصية قروية أنيقة وبارزة، لا يتفوه بالعبارات البذيئة، ويكثر من الصلاة مع شقيقه المتدين.  أما في الواقع فكان واحدا من أسوأ المجرمين الذين عرفتهم صقلية على الإطلاق.

مذيع: ولكن حتى دون كالو فيشيني لم  من  عدالة ماوري القاسية. فقد أعتقل أولا، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في بلدته. وجرى اعتقال زعيم مؤثر آخر في المنطقة المجاورة هو دون غيسيبي جينكو روسو، الذي سجن لمدة ثلاث سنوات بسبب جرائم المافيا.

وتحولت حملة موسوليني إلى نبأ عالمي، الرجل الذي ثبت مواعيد القطارات تجرأ الآن على ضرب المافيا والانتصار عليها. صفقت التايمز لموسوليني على مهاجمته الوحش الكاسر في وكره والنجاح بخنقه في مهده. وفي نيويورك أعلنت عناوين الصحف بأن المافيا قد ماتت لتفسح المجال لولادة صقلية جديدة.

والحقيقة أن المافيا لم تتحطم بالكامل، إلا أن عددا من رجالها أودعوا السجن. بينما كان البعض يخفض رأسه مختبئا وسط قرى معزولة في أعالي الجبال.

ضربة موسوليني أضعفت المافيا بشكل لم تشهده من قبل.

يوم العاشر من حزيران يونيو من عام أربعين، دخلت إيطاليا الحرب، فكان ذلك أول نذير بتراجعها. إذ حصد موسوليني منها الهزيمة. ولكن على مسافة أربعة آلاف ميل، شهدت المافيا بصيص أمل كانت بأمس الحاجة إليه.

الولايات المتحدة عام أربعين؟ كانت الأضواء مشتعلة، وبروكلين تتمتع بفريق جيد، وكان الحصاد وافرا في ولايات الحبوب، والسيارات تتزايد في كل مكان..

اعتبرت الولايات المتحدة لأجيال من الإيطاليين أراضي الوفرة والعطاء. عام أربعين هاجر أكثر من نصف مليون مواطن من أبناء صقلية إلى الولايات المتحدة لبناء حياة جديدة هناك. ولكن المافيا جاءت معهم لتجد مكانا لها بين كبرى النقابات الإجرامية هناك، والتي يعرف المواطن أنها تدمر الأسس الأخلاقية لأمريكا.

خلال العامين الماضيين وصلت العصابات الإجرامية إلى مستوى سيطر فيه الرعب والخوف على المواطن في جميع أرجاء البلاد. انتقل فيها الخارجون عن القانون من ولاية إلى أخرى مثل قطعان الذئاب المسلحة التي تجتاح أمريكا.

لا توجد عقوبة قاسية مهما عظم شأنها على هؤلاء المجرمين، إنهم يستحقون أعمدة المشانق وأكثر.

لا أخاف من الكلام، أنا مستعد للقيام بكل ما أستطيع لمساعدة الشرطة الفدرالية على وضع هؤلاء المسلحين خلف القضبان، حيث يستحقون فعلا.

ضعوا هؤلاء المجرمين خلف جدران السجون. من المؤسف جدا أن نجبر أيضا على دفع المال لمساعدتهم. سيبعث التخلص منهم على مزيد من الراحة والرضى.

كان هناك حرب على الجريمة في أمريكا كما وفي صقلية .

كلما أصاب الرصاص جسم عدو فعلي لأحد أعداء المجتمع، كلما قلت أعمال القتل والخطف.

وكان عدو المجتمع رقم واحد في مدينة نيويورك، وزعيم المافيا الرئيسي في أمريكا هو سلفاتوري لوكانيا، الذي ولد في وسط صقلية. تعود جذوره إلى موطن المافيا التي هاجمها ماوري. وهو يعرف اليوم في نيويورك بلقب شارلز لوكي، لوشيانو.

كما تنعته الصحافة أيضا بلقب: عبقري الرذيلة المنظمة. فهو بمحكوم بتهمة إدارة مجموعة من علب الليل والتجارة بالرقيق، علما أن السلطات تعرف بأن ذنبه أعمق من ذلك، إذ كان لوشيانو عرّابا لأكثر العصابات وحشية في مدينة نيويورك.

أرشيف: نقدم لكم الآن برنامج جيلو برعاية حلويات جيلو أند جيلو،  وهو من أداء جاك بيني.

لماذا يبدو الياباني خائفا، وكأنه ذاهب إلى طبيب الأسنان؟

لأن الأمريكي قادم إليه.

ولكن عدو المجتمع بدأ يتغير، بعد أن مضت ثلاثة أشهر فقط على ضرب ميناء بيرل. كانت زوارق يو تعمل على مرأى من العين المجردة في ميناء نيويورك.

بالسرعة القصوى.

بين إعلان الحرب في السابع من كانون أول ديسمبر من عام واحد وأربعين وآذار مارس اثنين وأربعين تم إغراق مائة وواحد وخمسون سفينة تجارية على طول الشواطئ الحدودية الشرقية.

ما كنا نعلم بأن الغواصات كانت تمولها بالوقود الإضافي كي تبقى في مياهنا. وما كنا نعلم أن هناك معلومات تنقل إليهم.

عززت البحرية استخباراتها على الحدود البحرية، ضمن عالم من الخارجين عن القانون. حيث توزعت أسواقها وأعملها بين العصابات الإجرامية في نيويورك. وكانت أسواق السمك في شارع فيلتون واحدة من هذه المناطق، التي تسيطر عليها عصابات الابتزاز ولا تدخلها الاستخبارات البحرية.

لم تتمكن الشرطة يوما من إثبات قضية ابتزاز واضحة المعالم على الشواطئ. لهذا أفضل ما يمكن أن تقوم به حينها هو أن تحظى بمساعدتهم كمواطنين أمريكيين.

كان لسواق السمك في شارع فولتون استخباراته الخاصة. تستقر في أدنى الجانب الشرقي واحدة من أكثر الإمبراطوريات فسادا في مانهاتن، حيث يعمل عددا من المهاجرين الإيطاليين تحت سيطرة المافيا. ولم تكن الاستخبارات البحرية متأكدة من موقع الوفاء في شارع فولتون.

تبينت احتمالات وقوع عمليات التخريب بوضوح يوم التاسع من شباط فبراير من عام اثنين وأربعين. عندما اشتعلت النيران في الإس إس نورماندي، بعد أن جهزت لتكون سفينة عسكرية، في الجانب الغربي من الشواطئ.

عندما أمرت بأن أتوجه مع فريق كامل للتحقيق في حريق النورماندي، كان أول ما فكرت به هو أنهم نجحوا في تنفيذ عملية تخريبية، لأنها تستطيع أن تتفوق بسرعتها على أي غواصة لدى الألمان. كان ذلك انفجارا هائلا.

كانت هذه لحظات عصبة بالنسبة للاستخبارات البحرية في نيويورك. فحسمت أمرها للتسلل إلى منطقة الشواطئ، ورسمت خطة سرية كاملة. وقف على رأسها شارل ريد هافندين، المحقق الخاص السابق والمعروف بأساليبه الخيالية في المباحث.

خلال اجتماع خاص عقد مع الإدعاء المحلي في نيو يورك، وافقت هذه السلطات على تسليم البحرية جميع الملفات الإجرامية المتعلقة بالمافيا.

ثم جاء الاجتماع الثاني الذي كان علي فيه أن أضع فيه خطة عمل محددة.  كيف لنا الاستفادة من أحد يملك القدرة على المساهمة في الحرب؟ وهكذا برز على السطح اسم سوكس لانسا.

رسميا كان وكيل أعمال يونايتد سيفود وركرز، جو سوكس لانسا، مرؤوسا لدى لاكي لوشيانو، وقد اشتهر جدا بعنفه.

كان سوكس بالغ القسوة. يسيطر على أسواق السمك أسفل الجانب الشرقي، ويتمتع بقوة كبيرة، بحيث لا أحد يبيع السمك دون موافقة منه، وربما كان يتلقى مبالغ مقطوعة مقابل حمايتهم أو ما شابه ذلك. هذه هي مواصفات سوكس بالمنحى العام.

يوم السادس والعشرين من آذار مارس من عام اثنين وأربعين، اتخذت الاستخبارات البحرية قرارا ترك أثرا كبيرا حتى في صقلية. لقد طلبوا من سوكس لانسا أن يتعاون معهم. كان الاجتماع سريا بحيث انعقد في منتصف الليل في حديقة عامة على ضفة نهر في نيويورك. سئل لانسا عما إذا كان مستعدا لمساعدة البحرية. فأجاب ببساطة أنه مستعد لذلك مائة بالمائة.

لم يتضح ما أراد لانسا، زعيم الأسواق أن يكتسبه من تقديم المساعدة. ولكنه كان يواجه حكما بالسجن بتهمة الابتزاز والتهديد. وزع سوكس لانسا الأوامر من مكتبه الرئيسي في فندق ماير. فعلم جميع الرجال العاملين على الشواطئ تحت جسر بروكلين، من حمالين وعمال السفن والصيادين، أن عليهم الإبلاغ عن أي أمر مشبوهة.

أي أن عليهم البحث عن أشخاص قد يتعاطفون مع بلدان المحور. ليقتصر ما سيفعلونه بعدها على مراقبة جميع نشاطاتهم، وخصوصا فيما يتعلق بتحميل السفن، وكل ما له علاقة بإبقاء الخطوط مفتوح.

وماذا تعني بالاقتصار على المراقبة؟

ألا تثير المتاعب، ألا تثير المشاكل، فأنت مسالم.

بقي هافيندن على اتصال دائم بلانسا، وهو يحصد النتائج. نظم لانسا بطاقات نقابية مزورة لعملاء البحرية، فهربهم إلى الحانات والأرصفة وعلى متن السفن. أي أن شراكة نشأت بين استخبارات البحرية والمافيا في شارع فولتون. ولكن طموحات هافندن كانت أبعد من شارع فولتون. كان يحلم بتوسيع المشروع إلى ما هو أبعد من حدود العالم السري في نيويورك. إلا أن تأثير لانسا كان محدودا. إذا أراد هافندن المزيد سيكون عليه أن يتوجه إلى مستويات أعلى. فاقترح عليه لانسا شخصية يمكن أن تضمن له نيويورك بكاملها.

إنه زيل السجن رقم تسعمائة واثنين وتسعين ألف ومائة وثمانية وستين، لاكي لوشيانو.

كان لاكي إنسان لطيف. كانوا في الماضي يحسنون التصرف وليس بسلوك رجال العصابات اليوم. إذا صادف أن اصطدم بك في الشارع لوشيانو مرة عن غير قصد وليس متعمدا قد يعتذر منك.

كان لوشيانو على مسافة ثلاثمائة ميل من نيويورك على الحدود الكندية في سجن يتمتع بالاحتياطات الأمنية القصوى يلقبونه بسيبيريا. لم يتردد هافندن باتخاذ خطوة أقرب من قلب المافيا. فقرر أن يتحدث مع لوشيانو من خلال محاميه. وافق بولاكوف على أن يتصل بلوشيانو، ولكن شرط أن ينتقل موكله إلى سجن أقرب من المدينة. يوم الثاني عشر من أيار مايو من عام اثنين وأربعين، نقل تسعة مساجين إلى حبس يسهل الوصول إليه من نيويورك. وكان من بينهم شارلز لاكي لوشيانو.

عرف مركز غريت ميدو لإصلاح المجرمين حينها بلقب نادي الريف. بدأ لوشيانو عامه السادس من الحكم في هذه الأجواء الأكثر تجانسا.

كان لديه فترة طويلة تتراوح بين أربعين أو ستين عاما.

لا بد أنه كان يقوم بعملية كبيرة بلا شك.

فترة طويلة من حياته.

فعلا.

فعلا أربعين أو ستين عاما من حياته فترة طويلة.

كان سيمضي بعض الوقت كما نقول عادة ولكنها فترة طويلة بلا شك. أيا كانت هذه المدة، فما هي سنوات حياتك؟ هذا هو الأهم.

بعد ثلاثة أيام من وصوله إلى نادي الريف، استقبل زيارة غير متوقعة.

دخل على لاكي وقال: أي جحيم تفعلونه هنا؟ كان مندهش فعلا. شرحنا له الهدف من المهمة فأجاب على الفور نعم سوف أساعد.

وافقت أقوى شخصية مافيا في أمريكا على مساعدة البحرية الأمريكية. في الشهر التالي قامت شخصيات بارزة من كبار زعماء الجريمة في نيويورك بزيارة غريت ميدو.

عينت لمرافقته من الزنزانة تحت إلى غرفة مميزة في مبنى الإدارة  حيث يجلس ثلاثة أو أربعة من الغرباء، وبعد الوصول إلى الغرفة ظننت أن من واجبي البقاء معه لأنه أحد السجناء. فقالوا كلا لن نحتاج إليك يجب أن تنتظر خارج الغرفة في الممر.

لم تسجل أي معلومات عن هوية هؤلاء الزوار من عالم نيويورك السري أو عما يتحدثون مع لوشيانو.. وهكذا أصبحت الإستخبارات البحرية تعتمد على هذه الحفنة من المجرمين.

كانوا أعداء للمجتمع. طبعا. ولكنا كنا نستخدم أي شخص يمكنه أن يقدم لنا يد العون، سواء كان لوشيانو أو بوغسي سيغال، وسواء كان كوستيلو، أو ماير لينسكي، بما في ذلك أبي سلمان  ومايك لاسكاري وشخصيات أخرى على هذا الطراز.

لقد كشفت الآن سرا، إنه عسل أو نجم. ولكن العدو يتنصت، لهذا لن أفصح عنه. لأني حين أكتشف سرا، أقفل فمي عليه.

لا شك أن البحرية أحرقت كل الوثائق والسجلات المتعلقة بصلاتها السرية مع المافيا، بما في ذلك دفتر ملاحظات هافندن الخاص، والذي يحتوي على أسماء من اتصل بهم من المجرمين.

فقد الكثير من تفاصيل هذه المؤامرة. ولكن المؤكد هو أن استخبارات البحرية شجعت المافيا على العناية بالأشغال على الشواطئ. عززت هذه الشرطة الغير رسمية العمليات الوحشية في قيادة المافيا، بما في ذلك جرائم القتل. اتصلت البحرية عبر لوشيانو بشخصيات على غرار القاتل كو أي ديون. تؤكد بعض مصادر العالم السري أن ديون وزملائه قتلوا مشبوها بالتجسس لصالح ألمانيا أثناء فترة العمل مع البحرية.

هناك شائعات تتحدث عن قيام ديون وسوليفان بقتل شخصان يقال أنهما كانا متهمين بالتجسس. ما هو تعليقك على هذه الشائعات؟

بدون تعليق. بدون تعليق.

شهدت كاسابلانكا لقاءا بين القائدين الأولين للحلفاء. الرئيس روزفلت، ورئيس الوزراء تشرشل،اللذان بعثا بثلاث كلمات لألمانيا واليابان وإيطاليا هي: الاستسلام الغير مشروط.

بعد كاسابلانكا نشأ هدف ثالث لمشروع لوشيانو.

مقدمات الاجتياح.تقوم قاذفات الحلفاء من مئات قواعد الجزر الأفريقية بقصف المواقع الإيطالية المحصنة في إحدى الجزر.

عززت النجاحات التي تم تحقيقها في شمال أفريقيا مسألة اجتياح أوروبا، فكانت صقلية هي نقطة الانطلاق. حيث أصبحت الاستخبارات هي الأولوية الأهم. قرر هافندين أن يستغل علاقاته مع المافيا لتقديم المعلومات التي يمكن أن تساعد في الهجوم. وضعت المعاهدة السرية رهن التطبيق على خطوط الجبهة في أوروبا. فوصلت أصابعها الأخطبوطية إلى صقلية.

بأوامر من لوشيانو جاء الأمريكيون من أبناء صقلية بما لديهم من معلومات عن الوطن إلى مركز قيادة الاستخبارات البحرية، حيث عمل طوني مارسلو مترجما لهم.

أشد ما أثار اهتمامي هو نوع  الصور التي كانت بحوزتهم؟ وأي أقرب لديهم في إيطاليا؟

وأين يقيومون؟ وماذا يفعلون؟ هذا ما كانوا يقدمه من يستطيع ذلك. بعضهم كان معاديا. كل ما استطعت قوله هو شيء واحد: هنا حصلتم على رزقكم. هذا هو البلد الذي أعطاكم المأوى. وأنتم مدينون إليه، حتى بحياتكم. ويكفي كل ما يمكن أن تفعلونه لإنقاذ طفل أمريكي واحد.

ألم تتخيل أن يكون بعض الذين تقابلهم من المافيا؟ وأن عائلاتهم قد تكون على ارتباط بالمافيا في صقلية أيضا؟

لم أكن أهتم بانتماءاتهم ومن هم. طالما أنهم يقدمون المعلومات التي يمكن أن تساعد في المجهود الحربي.

أطلقت القيادة العليا للأمم المتحدة في شمال أفريقيا أكبر عملية بحرية في التاريخ العسكري عرفت باجتياح صقلية.

 اعتقدت السلطات الأمريكية أن المافيا يمكن أن تقدم معلومات إستخباراتية محلية مفيدة، بعد إنزال الحلفاء. وعرضت هذه السياسة على القيادة العسكرية المشتركة.

الخطة العسكرية الخاصة للحرب النفسية في صقلية. إقامة اتصالات مع المجموعات السرية. ومنها المافيا مثلا. وتقديم كل المساعدات اللازمة لها.
 .. لا يمكن التعامل بدقة مع الخطة التي وضعت قبل شهر. أسطول يزيد عدده عن ثلاثة آلاف سفينة بالقرب من شواطئ صقلية..

حصلت الاستخبارات الأمريكية من خلال لوشيانو على لائحة بأسماء مفاتيح المافيا للاتصال بها بعد الاجتياح. ومنها أشخاص مثل فيتو جينوفيس، الذي يعتبر رسميا ساعد لوشيانو الأيمن، الذي يختبئ في إيطاليا هربا من تهمة أمريكية بالقتل.. ودون كالو فيشيني. الذي ما زال  يمضي الحكم في صقلية موسوليني.

ونزل الحلفاء في العاشر من تموز يوليو.

أخذت الوحدات الأمريكية العاملة بقيادة الجنرال باتون، تتحرك عبر المناطق الغربية من صقلية، وتستولي على قرية بعد الأخرى، وهي تسعى للانضمام إلى وحدات مونتغامري في الجيش البريطاني الثامن، وقد استولواعلى كاميني وميسالا وكابيني وباليرمو، وهي متشابهة فيما بينها.

يوم الرابع عشر من تموز يوليو وبعد خمسة أيام من الانزال، وصلت دبابتان إلى شارع فيلالبا. فنزلت إلى الطابق السفلي وبدأت أصرخ بالسكان.. وصل الأمريكيون وصل الأمريكيون!! فذهبنا لاستقبال الدبابات. فتناولت عصا طويلة ووجه وسادة أبيض، لأصنع منهما علما أبيض خرجت به لاستقبل الدبابات عند مدخل القرية. كانت الدبابات تقترب من القرية حين خرج صوت  المكبر يقول نادي على دون فيشيني. نادي على دون فيشيني.

فتح باب الدبابة فصعد دون كالو وابن أخيه ثم دخلا إليها وبقينا نحن نجول في المكان. عندما غادروا المكان  تركوا لنا حفنة من السكاكر والسجائر ثم رحلوا.

سقطت صقلية خلال ثمانية وثلاثون شهرا، كما تحررت الجزر الصغيرة المحيطة بها، إلى حيث بعث موسوليني باعداد من رجال المافيا المعتقلين لديه. من بين الفريق الذي حررهم كان هناك بعض من عناصر الاستخبارات البحرية الأمريكية. وكان على رأسه الكابتن ماكس كورفو.

تنبهنا إلى أنهم جميعا كانوا من السجناء السياسيين. ولم نرى أي شخصي يمضي عقوبة إجرامية.

لو أن رجال المافيا كانت هناك بسبب جرائم ارتكبتها لما انزعجنا منهم. ولا شك أنهم بعد تحرير الجزيرة تمكنوا من الحصول على وسيلة نقلهم تعيدهم إلى اليابسة.

بعد شهرين من الاجتياح أجبر الحلفاء على الاعتراف بأن بعض السجناء السياسيين الذين أطلق سراحهم كانوا من المافيا. تأثر النظام سلبا بعد الفوضى التي سادت بعد الاجتياح، فانتعش ما عرف بالسوق السوداء. فكانت تلك أرض خصبة لإعادة انبعاث المافيا.

أصبح استعادة القانون والنظام من مسئوليات الحكومة العسكرية للحلفاء، التي تختصر بعبارة أمغوت، وقد أقامت مقرا رئيسيا للغرب صقلية في فيازا بريتوريا وسط بالميرو.

لأول مرة في الحرب يتحرر بلد ما لا بد من إدارته. فعادت مسئولية الارتباط مع سلطات صقلية المحلية إلى العقيد شارل بوليتي، الحاكم السابق لنيويورك.

لم يكن لدينا أي مشكلة مع المافيا على الإطلاق.. لم يسمع أحد بها. أثناء وجودنا هناك لم يسمع أحد بذلك. على اعتبار أن المصادر التي يعتمد عليها الجنود والجيش أعني جيشنا يمكن أن تفعل أي شيء. لا يوجد مشكلة في ذلك. حتى أن أحدا لم يسمع بالأمر، وبالتالي لم يتحدث به أحد.

إلا أنه ضمن قيادة أمغوت يتذكر قادة الاستخبارات أحداث مختلفة . تولى جوزيف روسو مسئولية مكتب الأو إس إس، سلف السي أي إيه.

ذهبت إلى صقلية واستوليت على الأمور. فكان أول ما فعلته هو البحث عما يسمونه هناك بالمالافيتا، أي المجرمين، ليتبين لاحقا أنهم في الغالب من المافيا.

سرعان ما تحول هؤلاء إلى أهم مصادر المعلومات السياسية للأو إس إس.

أعجبهم إسمي جدا وحقيقة أن كورليون هي مسقط رأس والدي، والمهد الدافئ للمافيا أيضا. المهم أني تعرفت على هؤلاء الأشخاص، أعني القادة الأوائل منهم، وهم كبار لا بد أنهم كبار فعلا، إذ لم يستغرقوا كثيرا في إعادة بناء أنفسهم وصلات التضامن القائمة بينهم  كعصابات، لقد تعرفت على كل فرد منهم .

كانت المافيا تعرف ثمن المقايضة التي تم التوصل إليها في نيويورك. وكان على شعب صقلية أن يدفع الثمن.

تجسدت مهمة أمغوت الرئيسية بعد التحرير، بإعادة بناء الحكومة المحلية، وذلك بتعيين رئيس بلدية في كل بلدة وقرية. أما في فيلالبا فكان دون فيشيني على وشك العودة من الظلام.

كان زعيما للمافيا في صقلية. بعد استشارة لاكي لوشيان علم الأمريكيون والضابط هافندر ما هي مواصفاته، وإلى من كان يرسلهم. وكانوا أيضا يعرفون من هو دون كالو وما الذي يمكن أن يفعله في صقلية.

يوم الثاني من تموز يوليو من عام ثلاثة وأربعين عين دون كالو فيشيني رئيس بلدية لفيلالبا.

عندما عين دون كالو فيشيني رئيس بلدية للقرية اجتمع غالبية السكان هناك في الساحة. فتحدث الملازم الأمريكي أمامهم بلغة إيطالية ضعيفة وقال: هذا هو سيدكم!

ولم يكن هذا حال فيلالبا وحدها، بل جاء قادة المافيا الواحد تلو الآخر.

خمس وتسعون بالمائة من رؤساء البلديات الذين عيونوا  في القرى والبلدات.

بعد دخول الحلفاء؟

نعم تحولوا إلى رؤساء بلديات. وأحمل المسؤولية..

من هو المسئول عن ذلك؟

أمغوت. حكومة الحلفاء العسكرية، بوليتي.

نصب شخص يحمل اسم كالو فيشيني رئيس بلدية لقرية فيلالبا وهو زعيما للمافيا، ما هو رأيك في ذلك؟

لم أسمع بالأمر.

هل كنت مسئولا عن تعين رؤساء البلديات؟

كان ضباطي في المحافظات رؤساء بلدية، أين كان ذلك؟ أين كان؟

في فيلالبا.

لا أعرف أين تقع فيلالبا.

هل كنت تعلم باحتمال أن يكون بعض رؤساء البلدية أعضاء في المافيا؟

كلا، على الإطلاق. حتى أني لاأعرف أين تقع فيلالبا. لا يمكن أن تكون مكانا هاما. لم أسمع بها من قبل.

كانت فيلالبا بلدة تضم أكثر من أربعة آلاف مواطن، وهي موقع إداري هام في إحدى المحافظات الواقعة تحد سيطرة بوليتي. وكان هناك عدة بلدات أخرى.

عين كالو فيشيني في بلدة فيلالبا، وسالفاتور مالتا في فيلالونغا، وجينكو روسو مراقبا للشئون العسكرية والمدنية في موسوميلي، ما يعني أنه يحكم نصف المنطقة تقريبا.  وجد دون كالو ورجاله أنفسهم في مواقع يمسكون من خلالها السلطات العسكرية والمدنية معا. وبدل أن يستعيدوا الحرية مع نهاية الحرب، قاموا بقمعها والقضاء عليها.

عقد اجتماع في قاعة البلدة في ماتسالا دي فالو، ضم كابتن الجيش الأمريكي ورئيس البلدية والأسقف ومسئول الشرطة للبحث في سبل التعاون بين السلطات المحلية والحلفاء.

وهكذا أرادت المافيا من خلال شرعيتها السياسية الجديدة، أن تتحدث عن المستقبل.

كانت لدي نافذة تطل على الشارع العام عبر البوابة الحديدية، فشاهدت مجموعة رجال تدخل في سيارة فأوقفهم الحارس وأجبرهم جميعا على النزول. ثم سألهم باللغة المحلية لصقلية. ماذا تفعلون هنا؟

دخلوا مع زعيمهم كالو فيشيني إلى مكتبي وبعد أن جلسوا، بدأ كالو يسأل عما يمكن أن يتوقعه، كمواطن من صقلية، وما الذي سنفعله بالشيوعيين الأبالسة، لأنه  من الأفضل التأكد من ذلك. فأجبته بأننا لن نفعل بهم شيئا. لأنهم الآن حلفاء لنا. فنظر إلى الطبيب الذي توجه إلي إلي وقال: يقول أنه لا يصدق ذلك أيها القائد.

كانت المافيا على حق لقد تغير العدو. فبعد إخراج موسوليني من صقلية وإيطاليا من الحرب، حسم الحلفاء أمرهم لدعم التعاطف المتنامي مع الأفكار الشيوعية بين الفلاحين في صقلية.

اتفق الثالوث المتحكم في سلطة صقلية، والمؤلف من الكنيسة الكاثوليكية، وملاكي الأراضي والمافيا، على كراهية الشيوعيين. فللثلاثة مصلحة في علاقات  النظام الإقطاعي البائد، الذي يصر الشيوعيون على إسقاطه.

تحولت المافيا التي عاملها موسوليني كعصابات إجرامية، إلى حليف سياسي للحلفاء على أيدي الأمريكيين. وعزز جهاز الأو إس إس روابطه مع المافيا، مستخدما أبناء صقلية ممن يتمتعون بمناصب رفيعة في المافية.

أحد الأشخاص الذين اعتبرت اللجنة الإيطالية البرلمانية المناهضة للمافيا أنه على صلات من هذا القبيل، هو الكابتن فيتو غواراتسي، الذي اعترف أنه تعاون عن معرفة منه مع الأو إس إس. ومن بينهم جو روسو وزميله فينسينت سكامبورينو.

لدى الأو إس إس العديد من الناس الذي يتمتع بعضهم بكفاءات عالية، ومنهم سكامبورينو وروسو وكورفو، الذين بذلوا ما بوسعهم لإقامة مستوى من المعلومات والتعاون.

ألم تتحدثوا عن المافيا؟

كلا لم نتحدث عنها. ولم نكن على علم بها، فلم نعنى بالعالم السري، ما يشير إلى أننا لم نثق به.

ولكن رسالة كتبها القنصل لأمريكي في صقلية إلى السفير في روما تشير إلى تقارير تتحدث عن اجتماع بين قادة المافيا عقد في منزل فيتو غوارتزي في باليرمو. وقد حضر الاجتماع حسب الرسالة زعماء المحافظات الثلاث في غرب صقلية.

أرفض كليا ما يتم الحديث عنه، لم يعقد في منزلي أي اجتماع من هذا النوع. ربما عقد اللقاء في مكان آخر، ولكن ليس في منزلي. أي أني لم أر هؤلاء الأشخاص معا. طبعا كنت أ‘رف كالوغيرو فيشيني، ولكني لا أعرف برونو. وكنت أعرف كوتوني لأنه إحدى الشخصيات البارزة في ألكامو، وأصل عائلتي من هناك، ولكن ليس في منزلي، وليس للأهداف المعلنة أعلاه.

هل ساعدك غواراسي على الاتصال بشخصيات من المافيا؟

كلا، لقد كان محام مستقيم جدا.

لدينا تقارير تتحدث عن اجتماع لشخصيات من المافيا عقد في بيت غواراسي.

صحيح؟

هل تعرف ماذا كان يفعل غواراسي في شمال أفريقيا مع سكامبورينو في أيلول سبتمبر من عام ثلاثة وأربعين؟

نعم، هذا من شأن سكامبورينو.

هل كانوا يتحدثون عن المافيا؟

كلا حسب معلوماتي، ولا أريد متابعة الحديث عنه لأن غواراسي ما زال على قيد الحياة، ولديه عائلة رائعة.

يتضح مستوى التقارب في هذه العلاقات في مذكرة لدى الأو إس إس تتحدث عن الظروف السياسية الفعلية لسكان صقلية، وهي تحمل تاريخ الثالث والعشرين من شباط فبراير من عام أربعة وأربعين.

تلعب المافيا اليوم وأكثر من أي وقت مضى دورا فعالا في الحياة السياسية للجزيرة. وهي تسعى لإثبات وفائها وإخلاصها بطريقة سرية، للإرادة السياسية للولايات المتحدة.

في شباط فبراير من عام أربعة  وأربعين، أنشئت قنصلية أمريكية في صقلية، لتكون الأولى التي يتم إنشاؤها في أوروبا المحررة.

وكان القنصل ألفريد نيستير يعتمد على الأو إس إس في معلوماته الإستخباراتية. وكانت الأو إس إس بدورها تعتمد في ذلك على المافيا، التي كانت وجهات نظرها تنقل مباشرة إلى واشنطن، حيث أقيمت رموز للأسماء، فكان دادي هو القنصل ألفريد نيستير، ولم يكن بولفروغ إلا زعيم المافيا دون فيشيني. وكان السيد إكس ضابط اتصال الأو إس إس بينهما جوزيف روسو.

ما هي وثيرة اللقاء معهم؟ أتعني مع زعماء المافيا؟ مرة في الشهر على الأقل. أما الأسباب التي تدفعهم إلى المجيء لزيارتي فهي أنهم كما ا‘تقد كانو يبحثون عن دعم معنوي أكثر من أي شيء آخر. والعجلات أعني عجلات السيارات فهم طبعا بحاجة إلى وسيلة يتنقلون ويتحركون بها، حتى يتمكنوا من القيام بعمل أفضل، لمتابعة مصالحهم التي لم أكترث يوما بالتحقق من طبيعتها.

في أيلول سبتمبر من عام أربعة وأربعين، شنت المافيا حربا جديدة لتدمير معارضتها السياسية الجديدة. فكثفت حملة من الاغتيالات والترهيب .

شخص أمريكي واحد فقط دق ناقوس الخطر. بعد ثلاثة أشهر من الإنزال، قام الكابتن في الجيش دوبل يو سكوتن، الذي يتمتع بتجربة دبلوماسية في صقلية، بكتابة تقرير إلى الأمغوت يحمل عنوان مشكلة المافيا في صقلية.

شهدت المافيا حالة من النهوض القوي منذ احتلال صقلية، ما قد يؤثر سلبا على الحاضر والمستقبل. ويبدو أن هناك ثلاث احتمالات مفتوحة. ألف: أن يتم القيام بإجراءات صلبة وحاسمة يتم فيها السيطرة على المافيا. باء: التفاوض على اتفاق مع زعماء المافياي. جيم: التخلي عن أي محاولة للسيطرة على المافيا. أما الخيار الثالث فهو الأقل مقاومة. قد يعني ذلك أ، تترك الجزيرة إلى حكم الجريمة لفترة طويلة من الزمن. إلا أن فرص نجاحها بالمقابل مضمونة بالكامل.

وكانت توقعات سكوتون في مكانها. وصل الإرهاب إلى حدوده القصوى في أيار مايو من عام سبعة وأربعين، إذ تحولت بورتيلا دي لا غينيسترا إلى أشهر وأول مذبحة سياسية تشهدها صقلية.

كنا نقوم كل عام بالاحتفال هنا وسط أجواء من الهدوء والمرح. كان الجميع يستمع إلى الخطابات حين بدأ إطلاق النار. اعتقدنا في البداية أنها ألعاب نارية للاحتفال، إلى أن اخترقتنا العيارات النارية فتبين لنا ما نحن عليه من بؤس. أخذ الناس يصرخون ويتراكضون فوق بعضهم هربا، إلا أن الرصاص كان مستمرا.. سقط الكثيرون بين قتيل وجريح. على مسافة عشرين مترا رأيت سيدة تجلس على ظهر جوادها فأطلقوا النار على الجواد الذي سقط أرضا فوق السيدة فقتلها، وماتا معا.

كل حجر في بورتيلا  يرمز إلى ضحية للمافيا. كتبت على النصب عبارة تقول: يرقد هنا رجال ونساء وأطفال، استهدفتهم رصاصات المافيا وملاك الأرضي، وسقطت عليهم كالمطر.

شعرت بالإساءة جدا، ليتك ترى تلك المذبحة لأشخاص تضرجت الأرصفة بدمائهم. كان مشهدا مريعا. كأن ترى والدا يحمل جثة ابنه وهو عائد إلى قريته. حتى أن من رأوه لم يتمكنوا من مواساته. لأن الولد كفلذة الكبد.

غيرت الحرب كل شيء بالنسبة للمافيا في صقلية. حيث وجدت عصابة إجرامية نفسها فجأة تتمتع بقوة سياسية، دافعت عنها بقسوة بالغة. يعتبر مقتل القاضيان فالكون وبورسيلينو، جزء من سيرة طويلة من الاغتيالات السياسية، التي قامت بها أجهزة المافيا.

أشعر بالذنب لأن إيطاليا لم تتمكن من إنشاء حكومة تسيطر على شعبها. ولكن ما جرى لهؤلاء الرجال لم ينجم عن اجتياحنا أو عن هزيمة إيطاليا، بل نجم عن إخفاق أربعة وخمسون حكومة كانت تنقصها الرغبة والقدرة على وقف المافيا.

يشرف ليولوكا أورلاندو القاضي الأشد حماية في إيطاليا، جميع زملائه الذين قتلوا على يد المافيا، وهو يعرف اليوم أنه قد يلحق بهم.

للعمل المنفرد معان كثيرة، كما أن للقلق من ارتشاف القهوة في البيت، والتحدث مع صديق دون حماية شخصية معان كثيرة أيضا. صرت أغير المكان الذي أنام فيه كل ليلة، أنام اليوم في مبان عسكرية، ويتولى الجنود حماية بيتي وعائلتي.

تعتبر حياتي في خطر منذ عدة سنوات. وما زلت حتى اليوم. إذ أن حياتي تحولت إلى سباق مع الزمن، إذ أن علينا أن نسرع جدا في تغيير النظام السياسي. لأن تغيير النظام السياسي وحده هو الكفيل بأن يجعل الحياة أقل خطورة.

لا بد أن نكافح، لقد تعبنا من البكاء في باليرمو، أصيب الشعب بكامله هنا بالتعب.

عنى دخول قوات الأمم المتحدة  بالنسبة لآلاف المرهقين من الحرب في صقلية، التحرر من الفاشية. وهو بالنسبة للشبان الذين يركبون سيارات الجيب الشهيرة بمثابة بزوغ فجر جديد.

ليس هناك ما يمكن أن أقوله إلا أن ما جرى سيء جدا، لأننا لم نقم بواجباتنا، يكفي أن أقول ذلك.

من المحتمل أن أتعرض للقتل يوما ما، ولكني حينها لن أقتل على يد المافيا وحدها، بل على أيدي كل السياسيين الذين يدافعون عن المافيا. قد يكون القاتل عضو من المافيا، أما الرأس المدبر للجريمة فسيكون رأس سياسي.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster