|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
الياكوزا
لا تكشف أسرار المنظمة! لا تنتهك أطفال ونساء عضو آخر!لا تتورط شخصيا
في تجارة المخدرات! لا تتمسك بأموال العصابة! لا تتردد في إطاعة
الأوامر العليا! لا تلجأ للشرطة أو لرجال القانون!
إنهم ينحدرون من أصول النبلاء والمحاربين، ولكنهم اكتسبوا سمعة سيئة
على مدار الأربعمائة عاما الماضية. إنهم يتحكمون بالأموال والحكومات،
ويشكلون حلفاء أقوياء وخصوما مخيفين. وقد وصفهم البعض بالمبتزين وتجار
المخدرات والرقيق. إنهم رجال الجريمة اليابانية المنظمة. إنهم
الياكوزا.
لا تتردد في إطاعة الأوامر العليا! لا تلجأ للشرطة أو لرجال القانون!
لا تكشف أسرار المنظمة! لا تنتهك أطفال ونساء عضو آخر!لا تتورط شخصيا
في تجارة المخدرات! لا تتمسك بأموال العصابة!
هذه هي المواثيق الستة التي تربط بين عناصر شبكة أشد عصابات الجريمة
فسادا في العالم. الياكوزا اليابانية.
سنحاول أن نخترق جدار الولاء والسرية. إنه جدار حاول الكثيرون من أبناء
الغرب اختراقه، فوجدوا أنفسهم سجناء المجهول. لم يدركوا سبل تورط
مجموعة من النبلاء في عصابة الياكوزا للجريمة العالمية، التي تعمل من
جهة في مشاريع قانونية علنية، وتتورط من جهة أخرى بأسوأ جرائم الشر،
كتلك التي شملت مؤخرا ما عرف عالميا بالدعارة الآسيوية للأطفال.
تعود جذور الياكوزا كغيرها من العصابات الاثنية إلى مئات وربما آلاف
السنين. أما السجلات المعاصرة فتعيد جذورها لعام ألف وستمائة واثني
عشر، عندما تشكلت مجموعات عرفت بلقب كابوكي مونو، أو المجانين. نشأت
هذه المجموعات مما عرف أصلا بهاتاموتو ياكو، أي خدم الشاغون، ضمت هذه
المجموعات نصف مليون محارب من الساموراي الذين أجبروا على البطالة
فترة السلام من عصر توكوغاوا، فأصبحوا بذلك من الرونين أي محاربين بلا
أسياد. تحول البعض منهم إلى قطاع طرق ينهبون القرى والبلدات في بعض
أنحاء اليابان. ولكنا لا نستطيع اعتبار الرونين أسلافا للياكوزا،
الذين يعتبرون أسلافهم من الماشي جاكو أو خدم المدينة. حمل هؤلاء
السلاح ليدافعوا به عن القرى بوجه الهاتاموتو ياكو، وقد كانوا من
الكتاب وأصحاب المتاجر والمطاعم والحرفيين والمحاربين المشردين وغيرهم
من الرونين. كان كل من الماشي ياكو عنصر يساعد على تطوير شبكة من
العلاقات بين بعضهم البعض وبين قادتهم، تماما كما هو الحال في ياكوزا
اليوم. سرعان ما تحول الماشي ياكو إلى أبطال شعبيين يحترمهم سكان القرى
لأعمالهم الخيرة التي كثيرا ما شبهت بأعمال روبن هود في إنجلترا، ما
جعلهم يتحولون إلى مواضيع لكتابة الأدبيات والمسرحيات.
مع هذا الدور جاءت السلطة، التي عادة ما تفسد أيضا. فتحول ما كنا
نعتبرهم نبلاء إلى الطمع والجشع. تتجسد أفضل طريقة لوصف دورهم عبر فيلم
معاصر بعنوان العظماء السبعة، هو نسخة أمريكية لقصة تاريخية يابانية
لسبعة محاربين من الساموراي. انهم أشخاص يتم استئجارهم للقيام بمهمات
قذرة، تنجز بعيدا عن أعين الناس العاديين والطبقات الحاكمة. ضمت عصابات
الماشي ياكو عناصر من المقامرين أو ما يعرف بالباكوتو. وقد برزوا لأول
مرة عام ألف وسبعمائة حين استأجرتهم الحكومة مراهنة على أعمال البناء
والري. كان في ذلك استعادة لجزء من الأجور التي يتلقاها العمال.
ولكنهم يذكرون العاملين معهم من الناس بما يقدمونه من حماية للإنسان
العادي. وما زالت هذه الصورة تعتمد حتى اليوم في الياكوزا المعاصرة.
يقول المشرع السابق والبروفيسور القانوني تيري غيغار أن الياكوزا ترى
في نفسها حتى اليوم دور البطل الشعبي الياباني الخارج عن القانون.
عادة ما يعملون على نشر صورة إيجابية عن أنفسهم وكأنهم من فاعلي الخير
لا يأخذون شيئا من الضعفاء، وهذا صحيح إلى حد ما حتى انهم بنوا سمعتهم
على هذا النحو، ومن الصعب أن تجد من يتخطى حدود مناطق نفوذ الياكوزا.
هذا ما نحذر منه دائما.
ولكن تأثير وقوة الياكوزا بدأت تنمو في هذا القرن. نمت قوتها وجبروتها
في اليابان أولا. وتضاعفت في مجال السياسة حيث اعتمدت عقوبات رسمية
لبعض نشاطاتها. استخدمتهم بعض الحكومات اليابانية كوحدات دعم حتى كادت
تصبح قوة شرطة موازية. سبق أن وضعوا رجالا أقوياء في خدمة المتطرفين من
أصحاب السلطة لمناهضة الحركة الديمقراطية في فترة الثلاثينات، التي
شهدت تحرك بعض اليابانيين نحو الديمقراطية، فساهمت ياكوزا مع بعض
القوميين في إعدام رئيس الوزراء وعدد من أتباعه السياسيين حينها. أي أن
ياكوزا كانت على أهمية بارزة في المجتمع ساهمت من خلالها بإيصال بعض
الرجالات إلى السلطة. ندرك بأن تاريخهم يعود إلى ما قبل ذلك بكثير
ولكنهم تمكنوا منذ العشرينات والثلاثينات فقط في ترك بصماتهم على
السلطة والمجتمع على النحو الذي هم عليه اليوم.
أجرى الدكتور جوزيف سيراكوسا، المتخصص بالجريمة والعقاب، مقارنة حاسمة
بين واقع الياكوزا وجذورها التاريخية.
مع بدء التوسع الياباني عشية الحرب العالمية الثانية، أعدت الياكوزا
نفسها لتنقض على هذه الفرصة الذهبية، فأخذت تسير مباشرة وراء قوات
الإمبراطورية اليابانية حيثما ذهبت. حتى أن بعض المؤرخين يؤكدون بأن
الياكوزا استولت على مواقع هامة ابتزت من خلالها الأراضي التي احتلتها
اليابان. هناك شخص من الدرجة الأولى ارتبط اسمه بجرائم الحرب وكان على
صلة قريبة بالياكوزا، وقد أحاطت بحياته الشائعات والغموض الأسطوري.
حتى أوصله إعجاب الناس به إلى القمة.
كان روشي ساساكاوا شخصية معروفة في الثلاثينات والأربعينات فبلغ رتبا
عالية في الجيش حيث ساهم في تدريب الطيارين العسكريين، لهذا حصل على
فرص كثيرة لبناء العلاقات وجمع المال، وحاز على احترام النازية
والفاشية والسلطات حينها.
تجمع هذه الصورة بين ساساكاوا والدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني في
لحظات المجد. وصف ساساكاوا موسوليني بأنه رجل من الدرجة الأولى، وفاشي
ودكتاتور بامتياز. تحول ساساكوا لاحقا إلى أحد أهم فاعلي الخير في
العالم إذ تبرع بأكثر من ملياري دولار لأعمال الخير. ولكن عندما تبحث
عن صلته بالجريمة المنظمة ستجد أن تاريخ ساساكاوا في اليابان يتميز
بجانب يعتريه الغموض والسواد. إذ أن الصحافة وصفته علنا بلقب العراب
ساساكاوا، وسيتذكره الجميع دائما كشخص حاول شراء الاحترام بالمال.
تحقق هذا الاحترار عبر الخدمات الجليلة التي قدمها للفاشية التي كانت
في أوجها في ذلك الوقت، ما أثر إيجابا على الياكوزا ومنحها دفعا فريدا
استطاعت الاستفادة منه في الثلاثينات والأربعينات حيث انتشرت في كل
مكان، أي في صفوف الجيش وتحت الأرض معا، حتى فترة ما بعد الحرب حيث
اخترقت أركان المجتمع الياباني بسرعة هائلة.
هناك يوم تاريخي مأثور سجل تحولا في الطريقة الفريدة لأسلوب العصابات
اليابانية. إنه يوم قصف بيرل هاربر المفاجئ. دخلت الولايات المتحدة في
الحرب فحكمت بالموت على مستقبل العسكرية اليابانية. أعادت المعارك
الطاحنة اليابانيين إلى جزيرتهم، حيث تعرضوا لضربة نووية حاسمة.
المفارقة هنا هي أن الهزيمة النكراء التي أصابت اليابان أنذرت بقدوم
عصر ذهبي للياكوزا. بعد تمزق السلطات واحتلال البلاد، عاد اليابانيون
إلى جذور الساموراي، فوجدت الياكوزا موطئ قدم لها في جميع مرافق
الحياة، وعملت بطريقة منفصلة مع انتشار الاحتلال في البلد.
لا شك أنها أشبه بعصابات الكوزا نوسترا في أمريكا، ولكنها استفادت أكثر
من فترة ما بعد الحرب لأن الولايات المتحدة كانت تجهل سبل مطاردتها،
وهي تملك السلاح على خلاف السكان، واستفادت من علاقاتها للتحكم بالسوق
السوداء وما فيها من بضائع أساسية يحتاج إليها الناس في تلك الفترة
العصيبة التي اصطادت فيها الياكوزا فرص أعمال هائلة. شهدت تلك المرحلة
انتقال هذه العصابات من صفوف الفاشية إلى مناهضة الشيوعية تمشيا مع
الرغبات الأمريكية، فساعدها ذلك على عدم ملاحقتها جديا. استفادت
الياكوزا كثيرا من هزيمة اليابان في الخمسينات حتى أصبح عدد أفرادها
يفوق عدد أفراد رجال الشرطة اليابانية نفسها.
نشأت بذلك بنية عصابات متكاملة. جلس في أعلى الهرم الأويابون، أو
الأب، ومن تحته السايكو كومون، أو المستشار، الذي يعتمد بدوره على فريق
من المحامين والمحاسبين والسكرتيرات. يليه الواكاغاشيرا، الذي يعتبر
الثاني من حيث السلطة، ولكن ليس المستوى. يعتبر هذا الوسيط الذي يعمل
على تنفيذ أوامر الأويابون بحذافيرها. نجد الشاتي غاشيرا في مستوى أعلى
ولكن سلطاته أقل، ومن تحته الأخوة، أو زعماء العصابات. وتستمر البنية
في النزول إلى ما هو أدنى من عصابات صغيرة يلقبونها بالأطفال. يمكن لكل
طفل من هؤلاء أن يتحكم بعصابة تخصه. يستمر الأمر على هذا النحو إلى أن
يصبح تعداد العشيرة بالآلاف. مع تنامي الاقتصاد الياباني وازدهاره في
الخمسينات والستينات نمت الياكوزا وترعرعت إلى جانبه. أدى ذلك إلى
تعديل أساليب العصابات القديمة وشعائرها وعقوباتها عبر وحشية فترات
الحرب، ليمسك بها الياكوزا بطريقة أفضل أو البوريوكودان كما تسميها
السلطات اليوم.
يبدو أنك لا تفهم حجم الخطأ الذي ارتكبته والمشاكل الجدية التي سببت
بها لنا جميعا. لقد وضعتنا في خطر، وأنا لا أحب ذلك، هل يعجبك هذا
ميشيهيرو؟
كلا.
كوتارو، هل تحب أن تكون عرضة للخطر؟
كلا.
هل أجد هنا من لا يوافقني؟
لهذا عليك أن تتعلم من أخطائك.
كلا!!!
يجب أن تجعل غيري يرى قوة التزامك بالتمسك في يوبيتسومي. هذا تذكير
دائم بخطأ تقديرك. سوف تشكرنا على ذلك.
للباكوتو أو المراهنين مساهمات جليلة في تقاليد اليابان المراهنة، إلى
جانب تقاليد بتر الأصابع لدى الياكوزا، بالإضافة إلى كلمة ياكوزا نفسها
التي تأتي من لعبة ورق يطلقون عليها لقب هنافودا، أو أوراق الورد
الشبيهة بلعبة بلاكجاك. يعطى اللاعب الواحد ثلاثة أوراق ليحتسب الرقم
الناتج في المجموعة رقم الحصيلة. تعتبر حصيلة العشرين الأسوأ فهي تعني
بالمقابل حصيلة الصفر. من الأرقام الخاسرة معا الثمانية والتسعة
والثلاثة، أي باليابانية يا كو سا، لهذا اشتهرت هذه الأرقام بأنها
تعني عديم الجدوى. بدأ استخدام هذا التعبير لوصف الباكوتو على اعتبار
أن لا فائدة منهم للمجتمع. أدخل تقليد يوبيتسوما، أي بتر الأصابع من
قبل الباكوتو. تبقى العلقة الأعلى للإصبع الصغير مشوهة كي تعني بذلك
ضعف اليد، إشارة إلى أن صاحبها لا يستطيع حمل السيف بثبات. اتبع تقليد
يوبيتسوما عادة كتعبير عن الاعتذار أو الغيري تجاه الأويابون. عند
استمرار الخطأ تبتر العلقة التالية أو أعلى الإصبع الآخر. كما يعتمد
هذا التقليد كعقاب طويل الأمد قبل الطرد. يعود استخدام الوشم أيضا من
الجانب الإجرامي للباكوتو. عادة ما كان المجرم يوشم بحلقة سوداء حول
ذراعه حيال كل جريمة يرتكبها. ولكن سرعان ما تحول الوشم إلى وسيلة
لاختبار القوة، خاصة وأن إنجاز الأسود منها أحيانا ما يستغرق مئات
الساعات. كما اعتمد الوشم أيضا علامة لتحديد الأشخاص الغير راغبين
بالتأقلم مع المجتمع.
قال محرر الجرائم في آسيا والمؤلف والمستشار بوب بوتوم أنه خلال فترة
ما بعد الحرب لم يستغرق الأمر كثيرا لظهور الياكوزا الحديثة كقوة
إجرامية صلبة على المسرح العالمي.
تملك عناصر الياكوزا مكاتب لها في الشوارع الرئيسية من المدن
اليابانية، وتضع أسماؤها على لوائح المباني علنا ودون تمويه كما تفعل
عصابات المدن الأمريكية أو البريطانية وغيرها. أي أنها تفتح مكاتب
علنية وتعقد اجتماعات عامة لعناصرها الذين ينتشرون بأعداد كبيرة حتى
بلغ عدد عناصر العصابة الواحدة أكثر من أربعين ألف شخص.
إنهم يعملون بطريقة علنية وصلوا من خلالها إلى الصحف، التي نذكر من
أبرزها الياماغوش غومي التي تحمل شعاراتهم، التي يبرزونها حول مكاتبهم
الرئيسية وعلى صدور عناصرهم باعتزاز لتحديد هوية كل منهم. وهم يسعون
إلى البروز بملامح من يحملون تقاليد الساموراي، حتى أن زعامتهم برزت في
إحدى الأزمات السياسية مؤخرا حين سبقت الحكومة اليابانية بتقديم
المساعدات الإنسانية للاجئين، ما يؤكد رغبتهم بالظهور كمحاربين يمثلون
تقاليد الساموراي، ويشقون طريقا لهم بمواجهة العالم.
عام ألف وتسعمائة وستين كان لدى الياكوزا مائة وأربعة وثمانون ألف عضو
يتوزعون على عصابات دموية في شوارع المدن اليابانية. ساهم في تعزيز
الياكوزا ضعف القوانين.
من بين المسائل الشيقة في اليابان بعد الحرب أنها لم تسجل وقوع الجرائم
إلا منذ بعض الوقت، وتحديدا في تبييض الأموال. أي أن العصابات كانت
قادرة على إيداع أموالها في المصارف وصناديق التأمين وغيرها، ضمن
موافقة مبدئية من قبل المجتمع. ولم تسوء الأحوال بالنسبة لها إلا بعد
وقوع المعارك الداخلية فيها، ما أبعد المجتمع الياباني عنها وتركها
عرضة لتدخل الشرطة ومكافحتها. ولكنها رغم ذلك ما زالت حتى اليوم تعمل
هناك بطريقة هي أشبه بتحول المافيا في أمريكا إلى الشرعية التامة. تعمل
الياكوزا اليوم عبر الكثير من الشركات دون أن يمنعها أحد من ذلك.
سرعان ما تنبه زعماء العصابات إلى أن القتال الداخلي ليس في مصلحة
الجريمة المنظمة في اليابان التي شهدت حينها ازدهار في الأعمال.
مع تحقق المعجزة الاقتصادية في اليابان كانت الياكوزا أيضا على مستوى
الحدث، فنشأت بنية جديدة للعصابات انطلاقا من البنية السابقة ضمن
تعديلات تتوافق مع العالم التجاري الحديث، فانتشرت هذه المرة في
الأوساط السياحية اليابانية وصولا إلى هاواي أولا ومنها إلى مناطق أخرى
من المحيط الهادئ. تحولت العصابات للعمل في الجولات السياحية حيث لم
تعمل في مجال السياحة مباشرة بل كانت وصية عليها تطلب المال مقابل
ضمانات تجارية للجرائم الكبرى التي تحولت إلى أعمال تحصل على أعلى
المستويات.
اعتمدت أساليب تتميز بالكفاءة العالية ركزت ياكوزا فيها على تحديد
المشاريع التي يرتادها السياح اليابانيون. ما أن يتحدد أي منها حتى يتم
التقرب من صاحبها ليعرضوا عليه في البداية اتفاقا بسيطا، يشترط أن تحصل
العصابة على نسبة مئوية مقابل حصرية العمليات السياحية لتلك الشركة
وحدها. إذا رفض صاحب الشركة الاتفاق يصبح الأمر سيئا لدرجة التهديد
باستخدام العنف، أو تدمير منشآت المشروع السياحي. كثيرا ما تمتد
التهديدات إلى عائلة صاحب المشروع. لا داعي للقول بأن قلة من الناس
يرفضون. ما أن يصبح المشروع تحت سيطرة الياكوزا حتى يكون صاحبه على
مسافة قصيرة من اكتشاف أنه لم يعد هو المالك، بل حتى أنه شخصيا أصبح
ملك للياكوزا.
برز اهتمام الياكوزا في اليابان من خلال الاستثمارات المالية الكبيرة
التي توظفها في عدة مشاريع نذكر منها العقارات والمباني، التي أصبح
بعضها ملك لعصابة الياماغوشي غومي الأكبر، التي اشترت مبان لها عل
شواطئ الخليج، لم تذهب ياكوزا إلى هناك للتمتع بالشمس بل لتركز جل
اهتمامها اليوم في مجال السياحة حيث تعرف جيدا ما سيجري هناك لاحقا.
أما العمليات الرئيسية فما زالت تركز عل الجرائم المتنوعة كتجارة
الأسلحة والمخدرات وغيرها. تستخدم هذه العصابات دائرة الجرائم لديها كي
تعزز قدراتها على المنافسة في المجالات السياحية على وجه الخصوص، حيث
أصبحت تتمتع بقدرات عالية عبر أشخاص عاديين في الأسواق، ما يمنحهم صبغة
الشركات العادية جدا، لهذا يحققون النجاحات الكبيرة في السيطرة على
السياحة.
وهكذا صاروا على استعداد للانتقال من الاتفاقات المشبوهة إلى وضع
اليابانيين في فنادق ومنتجعات ودية، ومن هناك إلى بنائها. حتى أصبح
رجال العصابات منافسون سياحيين، علما أن منافستهم تتميز بأساليب وحشية.
مجال الأعمال الآخر الذي تركز عليه الياكوزا هو العقارات وتحديدا منها
مجمعات المباني الكبيرة والعالية على وجه الخصوص، حيث يقومون مثلا
بشراء ثلاثين أو أربعين من المتاجر الكبيرة في منطقة محددة، كما حدث
مرة. وعادة ما لا يجدون منافسة كبيرة في شراء الأراضي المحيطة التي
تصبح لهم بعد حين. عادة ما يتبع ذلك نموا تجاريا في المنطقة التي
يفتتحونها. وإذا فعلوا ذلك بسرعة، قد تشهد عدة مناطق نموا متعدد
الجوانب.
هناك كتاب يتحدث عن محاولات الياكوزا التسلل إلى بلد أجنبي مع بداية
عقد الثمانينات. تحولت الشواطئ الذهبية في ولاية كوينز لاند الأسترالية
إلى هدف رئيسي للسياحية اليابانية. وكما شرح المحامي الجنائي كريس
نيست، وصلت العصابات إلى الشاطئ الذهبي إلى جانب السياح.
شهدت بداية التسعينات مرحلة من الاستثمارات الكبيرة مع وصول
اليابانيين، وقد تبين بوضوح تام في تلك الفترة أن هناك مبالغ كبيرة
تدخل البلد يبدو أنها غير مشروعة، وذلك في ظل شخصيات يابانية مشبوهة،
يتم الحديث في الأروقة عن ارتباطها باليواكوزا لحصولها على دعم من
الأموال النقدية فقط بعيدا عن المصارف. جرى الكثير من التحويلات
المشبوهة جدا في تلك الفترة أيضا، وخصوصا في مجال العقارات الجارية في
هذا البلد. وقد أثبتت التحقيقات التي تعرضت لها العقارات اليابانية في
عدد من مناطق أستراليا، أن هناك حالات سلم فيها رجال حسابات الشركة
حقائب تحتوي على ربع ملبون دولار. وعندما لاحقنا الموضوع وجدنا بأنها
ممارسات عادية لديهم وهي تتكرر مرة بعد أخرى إلى ما لانهاية حيث يدفعون
خمسون ألف دولار هنا ومائتين هناك وثلاثة في مكان آخر بشكل يومي،
وخصوصا في مشاريع الممتلكات الخاصة. أي أن هناك عدة أنشطة يومية من
هذا النوع تتم عبر أشخاص قد تكون على ارتباط بالعصابات اليابانية.
وهناك أنشطة أخرى مشابهة في الملاهي الليلية، حيث عادة ما يحمل الناس
معهم أموالا نقدية يبددونها بعدة أشكال، ولكن هناك ما يأتي أحيانا
بمائة وخمسين ألف دولار نقدا، تشير التحقيقات إلى احتمال ارتباطه
بالعصابات اليابانية في الشاطئ الذهبي، إلى حيث يأتون بمبالغ من
الأموال الغير مشروعة بهدف تبييضها هناك. يقضي العديد من الأشخاص
أوقاتهم بالسفر ذهابا وإيابا من أستراليا إلى عدد من البلدان الآسيوية،
تحوم الشبهات حول بعضهم بتهمة العمل على تبييض الأموال النقدية التي
يأتون بها معهم بحجة الراحة والاستجمام.
في مثل هذا الوقت بدأت السلطات في الولايات المتحدة وبلدان أخرى على
شواطئ المحيط الهادئ تكتشف انتشار تأثير وقوة الياكوزا. أعد هذا
التقرير لصالح جهاز الشرطة في لوس أنجيلوس من قبل اثنين من العملاء
السريين. وهو يحتوي على تفاصيل دقيقة حول تنظيم الياكوزا والبوريوكودان
وأساليب تسللها إلى المشاريع القانونية ومفاتيح نجاحها مستخدمة وسائلها
الإجرامية.
تعتبر البوريوكوندا أشبه بالشركات اليابانية، إذ تتميز مجموعاتها
بالتنظيم الجيد وإيلاء الأهمية العالية للروابط الهيكلية حيث يلعب
الأويابون والكوبون دور الروابط التي تعزز من تماسك المنظمة معا. أصبحت
الجريمة اليابانية المنظمة اليوم تتألف من مئات العصابات المتشاركة
المتميزة بالوحشية والانتشار العالمي. ينفرد عناصر البوريوكودان
بالعدوانية والوحشية على خلاف السائح الياباني العادي. فهو محتال يتبجح
في خطواته. تغلب على ملامحه القسوة ويبان في عينيه شبح الموت. وعندما
تسأله عن وظيفته عادة ما يتردد في تحديد نوع الأعمال التي يقوم بها.
تعمل عصابات الجريمة اليابانية المنظمة تقليديا في مجال الحانات
والمقاهي والمطاعم والنوادي الليلية والقروض والبناء والعقارات
والإدارة والمواصلات والشاحنات. وهناك شركاء ممن لم يمروا بالمراسيم
التقليدية المتبعة. وهم عادة ما يتولون قيادة عمليات المنظمة خلف
البحار، ما يحول دون اكتشاف من ورائهم. يتألف الشركاء من مواطنين
عاديين يقبلون بالتعاطي مع العصابات لتلبية احتياجاتهم المالية أو
المدنية التي لا تقدمها المؤسسات المالية القانونية. أحيانا ما يلجأ
الشركاء لأساليب التهديد والابتزاز في سبيل استعادة القروض أو حل
الخلافات. يعتبر الشركاء بالتوافق مع ما يعرف بالوجوه الخاسرة أشد
تهديد إجرامي يصيب أمريكا الشمالية ذلك أنهم يعملون بهدوء تام. وهم
عادة ما يتمتعون بتجربة في الأعمال ولا تبدو عليهم الملامح المعتادة
للبوريوكودان، كما هو حال الوشم والأصابع المقطوعة وسلوك التبجح
وغيرها.
مهما حاولت الياكوزا إبراز دورها في التاريخ والتقاليد، فإن الحقيقة
تختلف عن ذلك بالكامل، وتحديدا في عصابات الجريمة المعاصرة. لأن عناصر
ياكوزا اليوم لا يمتون بأي صلة إلى النبلاء والمحاربين. إذ يتم تجنيدهم
من الشوارع ليدربوا على أسوأ الأساليب الإجرامية. عمل مارك كريغ رقيب
سابق في الشرطة ومحاضرا في الدراسات الاستخبارية، كما يعتبر اختصاصي في
عمليات عصابات الجريمة الآسيوية. لقد عمل في اليابان ثلاث سنوات
متتالية وهو يقول أن الياكوزا لا تستطيع الادعاء بانتمائها إلى نبالة
الماضي.
أعتقد من وجهة نظري أن هذه مجرد خرافات. يجب أن نعرف بأن عناصر
الجاكوزا يجندون عادة في نوادي الملاكمة والجيدو وغيرها بين الشباب
الضال هناك ممن يبحثون عن كنف يضمهم.
تعمل الياكوزا بشكل خاص في مجال المراهنات وعبر أوساط العاطلين عن
العمل. كما أن أنشطتها لا تقتصر على ما هو غير قانوني. فهي رغم
انشغالها أصلا في هذا المجال إلا أن الأمر بدأ يختلف مع الوقت ليصبح
متعدد الأوجه خصوصا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين بدأت
تنتقل إلى عالم الشركات.
النمو بالنسبة لهذه العصابات أمر هام كأي مشروع آخر في الوطن أو خارجه.
تعتبر هاواي حالة فريدة على اعتبار أنها أول مكان استقرت فيه خارج
اليابان، وكان السبب الرئيسي في ذلك لحاقها بالسياحة اليابانية
وروادها، ثم عملت لاحقا في استثمارات البناء في أواسط الثمانينات،
تماما كما فعلت في أستراليا لاحقا. وهكذا أقامت موقعا هاما في هاواي،
مستفيدة من بطء الحركة لدى الشرطة التي ما أن تنبهت للأمر حتى وجدت
صعوبة بالتخلص منها.
ولكن الياكوزا تعاني من منافسة قد تكون في بعض الأحيان إلى جانبها
مباشرة.
هناك ظاهرة شيقة في اليابان وهي أن عصابات الجريمة اليابانية المنظمة
تعمل في جميع أركان الاقتصاد. تغلب على اليابان قومية واحدة، لهذا فهو
لا يعتاد قبول التحديات من قبل مجموعات اثنية أخرى، ولكن هذا هو ما
يحدث أحيانا. استقر المهاجرين الغير شرعيين القادمين من عدة مناطق
صينية في أحد أحياء يوكوهاما وطوكيو، حيث أقاموا حيا واسع النطاق،
وبدأوا بتشكيل عصابات خاصة بهم، يقومون بعدة أعمال من بينها عقود خدمات
مقابل ألفين وسبعمائة دولار فقط. وهم لا يخافون اليابانيين، بل سجلت
حالات قامت بها العصابات الصينية بالسطو على مواقع العصابات اليابانية
بالأسلحة الحية، وهذه مسألة ما كان المجتمع الياباني ليقبل بها.
عودة إلى يوكوهاما هناك حادثة وقعت هناك منذ عدة سنوات، حيث كانت
عصابات المافيا اليابانية تبتز مطعما للأطعمة الصينية مقابل حمايته.
وحين أرادت المافيا الصينية ابتزازه رفض أن يدفع للفريقين فأمسك أحد
رجال المافيا الصينية ساطورا قطع به رأس أحد الموظفين أمام جميع
الزبائن والعاملين هناك، ليدرك الجميع أنهم أسياد الموقف بلا شك.
يحتاج المرء إلى خطة عمل حتى في العالم السري. وكلما تسلح بالكتمان في
تنفيذ الخطة كلما كبرت غنيمته.
تختلف الأساليب التقليدية كليا إذ لا بد من جميع المال بالطرق
الإجرامية لتبييضه فيما بعد ضمن مشاريع قانونية. فالعصابات اليابانية
تجني ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار مثلا من تجارة المخدرات في
الولايات المتحدة، ولا بد من تبييض هذه الأموال في مكان ما. لهذا تقوم
بتحويلها إلى خارج البلاد أو تستثمرها في مشاريع قانونية. أتذكر الآن
قضية إحدى الشركات المالية التي تورطت بهذه العمليات وأخضعت للتحريات
في عهد الرئيس بوش، ويبدو أنها كانت تعمل في ظله حين كان ضمن مؤسسة
استشارات عالمية، درست عدد من الشركات اليابانية، ثم قامت بشرائها،
وجعلت لها مقرا في نيويورك وتكساس، ثم حصلت على عمولة بقيمة مليون
دولار، دون أن تعرف بأنها تعمل لصالح عصابات المافيا، بل تقوم بعمل
قانوني ومشروع.
رغم الازدهار الذي شهدته اليابان في فترة الثمانينات إلا أن الأمور
بدأت تسوء بالنسبة لعصابات الياكوزا حينها. أولا انتشار أحداث عنف
جعلت الشعب الياباني يعارض من اعتبرهم حماة له لفترات طويلة. لم يعد من
المرغوب أن تسكن حي يقيم فيه عضو في الياكوزا.
هذا ما كان عليه الحال في الثمانينات عندما كنت أسكن في اليابان، التي
سادها جو من السلامة. بعد ذلك أخذت تنتشر أعمال عنف في الشوارع سقط
ضحيتها عدد من الأبرياء. من الصعب الحصول على الأسلحة النارية. في
اليابان ولكن عصابات ياكوزا لم تجد صعوبة كبيرة باستيرادها من الفلبين
والولايات المتحدة. أدى انتشار هذه الأعمال أصبحت هذه العصابات غير
مرغوبة. عام اثنان وتسعون، صادق البرلمان الياباني على قانون يمنع
بموجبه عصابات الياماغوشي غومي التي اعتبرت إجرامية، ما جعلها تلوذ
بالعمل السري، ما أثر جذريا على تفاعل المجتمع الواسع النطاق
بالعصابات. ولكن هناك ما نخافه دائما، خصوصا بعد لجوئها إلى العمر
السري إذ لم يعد أحدا يعرف أعدادها.
أصبح عناصر الياكوزا غير مرغوبين اليوم لدرجة أنهم أجبروا على تمويه ما
اعتبر في الماضي رمزا للشجاعة والقوة كما هو حال الوشم الذي حاول البعض
التخلص منه عبر عمليات تجميل جراحية.
شهدت السنوات العشر الماضية بعض ظواهر التمويه التي نجد من خلالها مثلا
قيام أحد الأفراد بعملية جراحية لعلقة بترت من إصبعه. عادة ما تترك
عملية التجميل أثرا واضحا ولكن من السهل أن يرى المرء أن الإصبع لم يعد
ناقصا.
ومع ذلك في بداية الثمانينات تمكنت عصابات ياماكوشي غومي من السيطرة
على ألفين وخمسمائة مؤسسة تشمل مراكز قروض مالية ورياضة وتسلية ومخدرات
وتهريب وأسلحة ودعارة وقمار. ولكن تدفق الأموال هنا يجري مترافقا مع
العنف. يختص أكبر قسم في عصابات الياكوزا، الياماغوشي غومي بجرائم
القتل التي راح ضحيتها الرجل الثاني لديها في تلك الفترة ماسورا
تاكومي، حيث قتل رميا بالرصاص في
إحدى مقاهي مدينة كوبي البحرية.
استضافت كوبي عام خمسة وثمانين أكثر من ألف رجل من ذوي الستر السوداء
الذين اجتمعوا في مراسيم دفن زعيمهم القتيل. احتشد هناك أربعمائة عضو
في شرطة القمع لمراقبة ما يجري. يعتبر هؤلاء الرجال عناصر في
الياماغوشي غومي، الذين قتل زعيمهم ماساهيسا تاكيناكا وهو في الحادية
والخمسين من عمره، في شقته الواقعة في أوساكا، حيث نالت منه عصابة
منافسة تقول الشرطة أنها بقيادة ملازم من الياكوزا يطلق عليه لقب
السلاح.
لم تتعادل العصابات مع نقل جثة تاكاناكا إلى مدينته. تناقلت الصحف
اليابانية أنباء عن سباق بين الياماغوشي غومي والشرطة للعثور على ثلاثة
مسلحين. قاد تاكاناكا عصابات الياماغوشي غومي لبضعة أشهر فقط. وقد أدى
انتخابه إلى انفصال فريق عن الياماغوشي غومي، قام لاحقا بقتله. يعرف
هذا الفريق بلقب إيشيوا كاي، الذي يتألف من ألف رجل. ينتمي الفريقان
إلى الياكوزا وهما يشكلان معا مائة ألف جندي، يمكن التعرف عليهم من
خلال أصابع بعضهم المقطوعة بسبب ما ارتكبوه من أخطاء دفعتهم إلى
اليوبيتسوما. لم يعد هذا نظاما سليما يمكن حكمه. حتى أن زعيمهم السابق
كازو تاوكا البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاما نجى من عدة محاولات
اغتيال ضاق بعدها من كونه أويوبان ومات متأثرا بذبحة صدرية. نجم عن هذا
الصراع على السلطة وحروب العصابات الداخلية إلى جانب بعض النجاحات في
أوساط الشرطة اليابانية، تقلص هذه العصابات إلى أقل من نصف ما كانت
عليه في الماضي. تخضع العصابات الكبرى اليوم للمراقبة الدائمة ضمن حرب
أعصاب مستمرة. كان الأمر يختلف جدا قبل بضعة أشهر من مراسيم الدفن هنا
في كوبي حيث كانت الشرطة في مواجهة مباشرة مع الياماغوشي غومي. شهد ذلك
الوقت استلام زعيمهم الجديد. فاز تاكاناكا في الصراع على السلطة، في
فترة كان زعيم العصابة فيها مجبر على إخفاء هويته وما يفعله. هذه
مراسيم تقليدية تنصبه زعيما على مشاريع بقيمة خمسة مليارات ونصف
المليار دولار. بعد نخب الساكي استلم رداء الأويابون أو الزعيم. يقع
المقر الرئيسي للياماغوشي غومي في مبنى يحمل رمز العصابة كي يشاهده
الجميع دون حاجة لإخفائه. تعمل الياماغوشي غومي كأي مؤسسة شرعية
بالاعتماد على هيئة إدارية تجتمع دوريا لتناقش إنجازاتها وتحديد
أهدافها. قد يصبح الشخص الناجح هنا عضو شرف فيها. خلال هذه الفترة من
الصراعات المتنامية لم يقتصر العنف على هذه المستويات، فالياكوزا على
استعداد دائم لمطاردة من يرفض السير ضمن قوانينها.
لا أظنهم يترددون أبدا في اتخاذ الإجراءات الحاسمة ضد من يعارضهم.
قام منتج أفلام يابانية على سبيل المثال بإنتاج فيلم يوضح الفارق بين
محاربي الساموراي وعصابات المافيا هذه التي تدعي السير على خطى العراقة
والأصول النبيلة. ردت هذه العصابات بإرسال شخصين انتظرا المخرج عند باب
مسكنه ومزقوا ملامح وجهه بالسكاكين. وقد فعلوا ذلك انتقاما منه دون أن
يكترثوا برجال القانون.
يبدو أن ارتباط الياكوزا بعالم التجارة والأعمال في التسعينات كان
السبب في ما عانته من تراجع. المفارقة هنا هي أن الاستثمارات وليس
الشرطة، هي السبب في تنكيس الأعلام المالية للعصابات.
بدأ المصرف المركزي الياباني يبحث في الشركات التابعة للياكوزا أو تلك
التي تعمل على تبييض أموالها أو أخرى تقترض منها المال. تبين أن هناك
مليارات الدولارات الغير مشروعة في الأسواق، حتى أن البعض أخذ يسعى
محاولا استرداد المال من الشركات التابعة لها، ما أدى إلى شبه انهيار
مالي هائل.
بعد ما أصاب الياكوزا من كارثة في بداية التسعينات لم تعد تنعم بالرفاه
الذي شهدته في السنوات الخوالي.
سوف تختنق الياكوزا في المهد لأن هدفها الرئيسي هو أن تصبح مشروعة. وهي
تسعى في هذا الإطار للعثور على الخيط الرفيع الذي يجمع بين منافسات
الأسواق الصعبة والعمليات الإجرامية. اعتادت الياكوزا على اختيار
الجانب السلبي ولكن اكتشافها ليس سهلا ضمن أوساط المنافسة القوية.
سيكون من الصعب جدا الكشف عن هويتها إذا تمكنت من الاستقرار.
مع ابتعادها عن الوطن أخذت العصابات المنظمة تجدد نفسها وتعمل بشكل
أساسي ضمن إطار المحيط الهادئ والولايات المتحدة الأمريكية.
اعتبرت الشواطئ الغربية للولايات المتحدة موطن تقليدي للعصابات
المتخفية، ومن بينها العصابات الصينية وعصابات الياكوزا والفيتمناميين
في منطقة سان فرانسيسكو، الذين يبدون من أسوأ العصابات في الولايات
المتحدة. ولكن ذهاب الياكوزا إلى هناك يتم عبر إقامة مشاريع قانونية
وشرعية، لهذا فإن العثور على بصمات الياكوزا في الولايات المتحدة مسألة
عصيبة جدا، لأنها على ارتباط وثيق بالاستثمارات القانونية. وهذا ما
تحاول القيام به.
لا شك أن الولايات المتحدة منطقة جذابة لأنها تجذب أموال العالم إليها،
لهذا تتجه عصابات الجريمة المنظمة إلى هناك. قد يأتي الوقت الذي تتحالف
فيه الياكوزا مع منظمات أخرى تسعى للانتقام من الولايات المتحدة، فقد
تجد في التحالف قضية مشتركة تجمعها معا. وهذه مجرد مراحل أولية لمثل
هذه التحالفات بين المنظمات العرقية على أنواعها التي تعتبر الولايات
المتحدة عدوا لها. ولا شك أن القضاء عليها كليا شبه مستحيل، لا يمكن
لأحد أن يؤكد إمكانية التخلص منها إلا إذا كان يجهل التاريخ، ويصر على
تكراره دون جدوى.
تمتد سلطاتهم اليوم من الأزقة حيث تجند العاطلين عن العمل إلى اللوبي
السياسي الحاكم. كما يوظفون الاختصاصيين في الجريمة والمال لتنفيذ
مشاريعهم العالمية.
وهم يعتمدون على خدمات استخباراتية أفضل من بعض البلدان، ويطورون أجهزة
الإعلانات لديهم. قد يظهرون بملامح المتدينين جدا، مع أنهم أشد قسوة من
ملامح اليابان في الحرب العالمية الثانية. وهم يعملون اليوم سرا منذ أن
صدر قانون لمواجهة البوريوكودان الجديد في اليابان. لا يخطط الخبراء
لديهم لاجتياح المؤسسات الأمريكية القائمة بل يعملون على توظيف
الاستثمارات.
شهدت التسعينات أيضا نشوء تجارة سوداء أخرى ضمن إطار عملياتهم، ومن
بينها تهريب الأسلحة. تشتهر آسيا بتجارة الرقيق الواسعة النطاق، وقد
اشتهرت ياكوزا منذ عشرات السنين بتهريب الشابات من عدة بلدان آسيوية.
تقنية التجنيد لدى الياكوزا معروفة جدا. سبق أن طردت الياكوزا من قبل
مكتب التحريات في فلبين واليابان. وقد أجمع الرأي العام على تعبير شعبي
جديد يتعلق بالإتجار بالشابات الآسيويات وهو مصطلح جابايوكي. تتحدث
إحدى التحقيقات التقليدية عن تعرض بائعة عقارات قوقازية من هاواي
للابتزاز كي تعمل ضمن استعراض خلاعي في إحدى النوادي الليلية التي
يملكونها. تقول المرأة أنهم احتجزوا جواز سفرها لمنعها من الحركة
وفرضوا عليها مبالغ كبيرة لتغطية مصاريف الإقامة والنقل والحماية.
قضت الياكوزا الثلاثين عاما الماضية تتنقل إلى عدة أماكن، تذهب إلى حيث
المال فوطأت أقدامها نيويورك ولاس فيغاس ومدن أمريكية أخرى. وبدأت
تستثمر في سياحة الملاهي. وقد واجهت الياكوزا بعض المشاكل عندما دخلت
مثل هذه الأسواق في هواي لوس أنجيلوس، حين حاولت تجنيد الفتيات
الأمريكيات في كليفورنيا وهاواي.
يؤثر ذلك سلبا على الاقتصاد الياباني حتى يكاد في بعض المراحل أن يسبب
في ركوده، لهذا عملت الشرطة على مطاردة أعمالهم على أنواعها، ولكن هذا
لسوء الحظ جعلهم أكثر فسادا وأكثر إجرامية. حتى أصبحوا اليوم أكثر
تورطا في عمليات شراء الأطفال من الصين والتجارة بهم حول العالم. حتى
وصلت نشاطاتهم إلى إيطاليا، بين أماكن أخرى تؤكد تورك الياكوزا.
وهكذا مع حلول بداية القرن الجديد نجد بأن عصابات الجريمة المنظمة التي
تدعي انحدارها من أصول النبالة في اليابان، تحولت إلى مطاحن للرقيق
والموت.
يقول اختصاصي الجرائم الدكتور بول ويلسون أن هذا الجزء الجديد في
تاريخهم يجعلها أشد خطورة.
سوف يستمرون بالمجيء إلى هنا دون خوف من رجال القانون، ليضاعفوا ما
أنجزوه عبر التاريخ بمئات بل آلاف المرات.
دقت السلطات الأسترالية ناقوس الخطر قبل عشرة أعوام لانتشار العصابات
الآسيوية، فشكلت وكالة رائعة لدعم القانون، تتألف من قوة متميزة تنسجم
فيها مهارات رجال الشرطة في الشوارع مع إدراك المحامين والمحاسبين
المدعومين من قبل خبراء الإلكترون. وذلك بقيادة بيتير لامب، محارب قديم
في مقارعة الجريمة المنظمة يبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما، وقد عين
مديرا عاما للسلطات الوطنية لمكافحة الجريمة.
نقوم بتعزيز الوسائل القانونية في أرجاء البلاد عبر زيادة المحامين
ورجال المباحث والخبراء في عدد من المجالات التقنية المتنوعة التي
تحاول العمل على خطة مشتركة يلعب فيها رجال الشرطة المدربين والمجهزين
دورا هاما في الشوارع مع مختلف الحالات وضمن الانضباط اللازم للعمل
المشترك والتوقيت المحدد بما يحقق النجاح الذي سيتحدد مع الوقت على أي
حال.
تغير الاهتمام الرئيسي بالنسبة لكثير من البلدان والعديد من مراكز دعم
القانون حتى في الولايات المتحدة. فهم يدركون اليوم بأن السلاح المعاصر
لعصابات الجريمة الآسيوية المنظمة لم يعد الخنجر أو السيف، بل أجهزة
الكمبيوتر المحمولة.
فعلا، وبالتحديد في حركة الأموال. لقد ساعد التقدم الإلكتروني على نقل
الأموال حول العالم بلمحة بصر، وهذا ما يتم بين الحين والآن. ولكن هذا
ينطبق أيضا على ملاحقة المجرمين قضائيا، حيث يمكن التعرف على بعض
المجرمين المطلوبين في بلدان أخرى لارتكابهم جرائم عنف، عبر صفحات
الإنترنيت ولكن لا بد من القول أن السباق جار هنا بين استخدام هذه
الوسيلة لخدمة القانون واختراقه أيضا.
وهكذا فإن ملاحقة عصابات الجريمة اليابانية المنظمة كثيرا ما تتم
اليوم عبر محطات شبكات الكمبيوتر، بدل التجوال في شوارع المدن. ولكن لا
بد أن للشرطة أدوارا تقوم بها عبر مهام تأخذها إلى ما تحت الأرض. ذلك
أن المواطن العادي يمتلك اليوم أيضا قوة الكمبيوتر والإنترنيت. أطلق
النداء من اليابان إلى المجتمعات العالمية لمطاردة العصابات أو
البوريوكودان. هذه هي صفحة نسيب اليابانية الخاصة بالمركز الوطني
للقضاء على البوروكودان. صدق على قانون مكافحة البوروكودان عام ألف
وتسعمائة واثنين وتسعين، وهو يدعو إلى تأسيس لجنة الأمن العام الوطني
لمؤسسة تحول دون ممارسات عناصر البوروكودان الإجرامية وتحمي الضحايا من
هذه الممارسات. ترمز نسيب إلى الجمعية اليابانية للوقاية من الجريمة.
أما هدفها الرئيسي فهو نشر الإعلانات والمعلومات المشابهة لهذه الصفحة
على الإنترنيت، وتدريب المستشارين والباحثين والإحصائيين للمساهمة في
تقليص أعمال العنف. يشغل جوانبها عدد من الكفاءات كالمحامين والخطباء
ورجال الشرطة السابقين. هناك معلومات حول ما يجب عمله إذا تعرض المرء
لعناصر البوروكودان، وكيفية التعامل مع العنف والابتزاز وسبل عرقلة
الأعمال.
ولكن ماذا عن المستقبل؟ إذا تحدثت إلى الخبراء يؤكدون لك بأن الياكوزا
قد أصيبوا بجراح عميقة، ولكنهم ما زالوا على قيد الحياة كعصابات
إجرامية تنشر أطرافها حول المعمورة. فهل هناك أمل للضحايا؟
لا شك أن عصابات الجريمة المنظمة تعمل اليوم للاعتماد على الطاقات
البشرية المجربة والنوعية إلى جانب السبل التكنولوجية المتوفرة لأنها
بحاجة إلى جميع الوسائل التي تحويل عملية البحث عنها مسألة أشد
وتعقيدا. كما أنها في الوقت نفسه تراكم الخبرات وتفتح فرصا للعمل
بطريقة غيرت كليا أسلوب مطاردتها عما كان عليه في الماضي، وجعله أشد
تعقيدا.
عرف عن الياكوزا أنها عصابات تتميز بالعنف دون أن تتردد لحظة واحدة في
قتل أي شخص يعترض طريقها.
تأقلمت الياكوزا مع جميع الظروف والمتغيرات عبر مرور الزمن وانسجمت مع
سبل جديدة للعمل، وهذا ما فعلته عدة مرات في الماضي.
لا أعتقد أن أي شيء يمكن أن يقف عقبة في طريقهم الآن بعد أن كبروا جدا
وأصبحوا يعملون شرعيا. ولكنا مع ذلك نلاحظ بأن الفساد بدأ يميز جميع
أعمالهم أكثر مما مضى، حتى أصبح من الصعب أن تجد صفحة فساد على
الإنترنيت لا تقف وراءها الجريمة المنظمة، هذا بالإضافة إلى تجارة
الرقيق والدعارة، حتى بلغ الأمر مؤخرا تجارة الأطفال على أنواعها. يمكن
القول الآن أنه لا يوجد أي عمل تجاري لا أخلاقي في العالم إلا وتقف
وراءه عصابات الياكوزا.
بدأت سمعة ياكوزا تنهار في المجتمع الياباني على مدار السنوات العشر
الماضية التي شهدت عددا كبيرا من الفضائح المتنوعة. كما تردد الشرطة
اليابانية والإف بي أي والإنتربول بأن الياكوزا تراجعت جدا في اليابان
حيث انتهت كليا في بعض الأماكن. وهناك من يقول بأن الياكوزا تريد أن
تعمل شرعيا وتعالج كل ما تسببت به من أضرار، ولكن هذه أحاديث خالية من
المنطق كتلك التي تقول بأن المافيا لدينا قد انتهت لأن جان غاري يقبع
في أحد السجون. مع أنهم يعرفون بأن هناك ألف جان غاري مستعد لأن يحل
محله، وألف عنصر من الياكوزا مستعد ليحل محل زعيمه. لأن المافيا تقدم
فرصا للعيش برخاء، وتعرض على الناس إمكانية جمع أموال طائلة في فترة
قصيرة من الزمن. خلاصة ذلك هو أنه طالما تعززت في العالم عبادة المال
مجازيا سيبقى أناس من هذا النوع للحصول عليه بأسرع ما يمكن. لهذا ستحيا
المافيا إلى الأبد، كما ستحيا الياكوزا إلى الأبد، وستعمل المحاكم دون
توقف، لأن هناك من يعبد المال ويسعى للحصول عليه بسرعة.
ستستمر المعارك طالما استمرت الياكوزا بعملياتها الدولية. ولكن هذه
المعركة لن تقع في الشوارع الخلفية المكتظة بتجار المخدرات فحسب، بل
ستجري على شبكات الإنترنيت وغيرها من الوسائل والمجالات العصرية. معكم
روبرت ستاك. شكرا لمرافقتي وإلى اللقاء.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م