اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 العصابات - التهريب
 

ال كابوني

 

كانت تلك نهاية العشرينيات، ونهاية عصر الجاز.

شهدت البلاد عدد كبير من المتغيرات، تزيد عن أي عصر آخر في التاريخ الأمريكي.

ولم تكن كل تلك المتغيرات نحو الأفضل.

ازدياد الجرائم في الظلام، وانتشار عمليات التهريب، وعدم أخذ القانون بالاعتبار والفساد الذي تخطى جميع المراحل في التاريخ الأمريكي، كلها توافقت مع مرحلة منع الكحول في البلاد.

حولت سياسة المنع المواطن العادي إلى مجرم، وجعلت المجرمين ملوكا.

فجأة أصبح رجال العصابات من المشاهير، ولم يعودوا جزءا مما تحت الأرض، بل أصبحوا اليوم في الشوارع، والنوادي يختلطون بالمجتمع.

حتى أن أشهر رجال العصابات في ذلك العصر الكابوني تصدر صفحات جلة تايم.

إحراج الحكومة الفدرالية جعلها تعيين عميلا خاصا لإحضار الكابوني، ما أدى إلى انتشار أشهر قضية للعصابات في تاريخ العدالة الأمريكية.

ربما لم يكن إليتو نيس الخيار المناسب في السادسة والعشرين من عمره، كانت لديه تجربة عامين فقط في تحقيقات التأمين قبل أن يتولى قضية الكابوني. ولكنه عوض شبابه بالشجاعة والتماسك. وقد جعله عدم خضوعه للفساد يستحق لقب الذي لا يمس.

قام نيس باختيار مجموعة من العملاء الذين كانوا بمستوى المهمة. يقال أنهم رفضوا كل أشكال الرشاوى لدرجة أن رجال ألكابوني تذمروا بالقول:  الجميع متعاون وعلى صلة جيدة بالآخرين فلماذا ترفض ذلك أنت؟

اعتمد نيس أساليب عصرية بوضع الكابوني تحت المراقبة الدائمة. لم تتوانى هذه المجموعة في تدمير أطنان من الكحول المستورد.

لم يتمكن نيس من وضع ألكابوني في السجن، مع أنه سبب له الأذى ماليا، ولكن الكابوني يملك من المال ما لا تأكله النيران.

شاءت السخرية أن يثبت هذا الثراء الفاحش سببا لتدميره.

أصدرت دائرة الضرائب عدة أحكام على الكابوني لتهربه من الضرائب.

ليكن هذا درس لك حتى تدفع الضرائب.

من غير المفاجئ أن ينصف التاريخ نيس ومجموعته على تنظيف شيكاغو، ربما لأنه ملأ حاجة في المخيلة الشعبية، فقد كان رجل القانون الذي يحارب لنصرة العدالة.

ولكن الكابوني لعب دوره أيضا، كمتمرد اختار العيش خارج نطاق القانون. وهكذا أصبحا معها في رأي المواطن العادي بطلان من نوعين مختلفين أحدهما خارج عن القانون والآخر يكافحه.

مع انتقال البلاد إلى الثلاثينيات، التي شهدت الركود الاقتصادي، كانت الحاجة ماسة لصنع الأبطال، من أناس أكبر من الحياة وأهم من مشاكل البطالة والجوع والفقر.

ساعدت هوليود والصحافة الشعبية على تعزيز أسطورة كل من نيس والكابوني. ازدهرت قصص العصابات ومن يطاردونهم، وذلك في الصحف والأفلام والمسارح عبر البلاد. وكان إطلاق النار يضيء المخيلة الأمريكية. جاءت أفلام العصابات لتقوم بدورها، حتى أصبح بعض الأطفال يلعبون دور جون ديلينغر أو ألكابون.

ولكن الواقع كان أشد سوادا، إذ أن قلة قليلة كانوا يعرفون بأن تهديد أكبر يكمن وراء رجل العصابات العادي، إذ أنه كان يزرع جذورا للجريمة المنظمة في أمريكا. هي المافيا.

نشأت المافيا خلال سنوات منع الكحول الثلاثة عشر كقوة  حاسمة في عمليات التهريب على أنواعها. وقد رفضت العودة إلى تحت الأرض بعد إلغاء المنع. ولكنها بدل ذلك وسعت اهتمامها نحو القمار والابتزاز والدعارة والمخدرات.

كان يتم العمل على استيعاب المنافسة أو تفاقمها. 

ولكن قوة المافيا كانت تتعزز في كل مكان بما في ذلك إدارة المدينة.

لم يكن التعامل مع رجال الشرطة والسياسة بالأمر الجديد، فمن خلال الرشوة والدعم في الترشيح والانتخابات أمسكت المافيا بالخيوط المناسبة. ساعد هذا التوافق بين المجرمين والشرطة وإدارة المدينة على عمل الجريمة المنظمة بوقاحة تامة. ولم يبرز ذلك بوضوح أشد من مدينة نيويورك.

منذ بداية القرن التاسع عشر ومدينة نيويورك محكومة من قبل زعماء سياسيين يحتمون بقاعة تاماني، وطالما بقي تاماني مسؤولا، بقيت المدينة محكومة من قبل العصابات. أما مجموعات المهاجرين المخلصين بأصواتهم فكانوا يتلقون الفحم المجاني في الشتاء والثلج المجاني في الصيف. بينما كانت المدينة تحرم من الملايين.

استعمل المهرب الهولندي الشهير شولتز أحد نوادي تاماني كمركز له. أي ان رجل السياسة كان يقدم التسهيلات اللازمة للهولندي، بعد أن تم الاتفاق على  ذلك كما تقول العصابات.

عام أربعة وعشرين، تمكنت آلة تاماني الانتخابية من إيصال كاتب الأغنية السابق جيمي واكر إلى رئاسة البلدية. أدى ذلك إلى بلوغ الفساد حدوده القصوى. بوجود الكازينو في سنترال بارك، وارتقاء الأحكام إلى أعلى مزايداتها.

لقد أحبه الناس جدا لأسلوبه المتهاون وقدرته على غض الطرف عن الفساد في المدينة وتغطية الجرائم في المدينة من خلال العروض والاحتفالات الدائمة.

لا يمكن لمائة وخمسين ألف مواطن في نيويورك أن يكونوا على خطأز
 إلى أن وصلت قصص الفساد إلى مسامع فرانكلين دي روزفلت، الذي كان يومها حاكما على نيويورك. طمع روزفيلت حينها بالوصول إلى البيت الأبيض، وما كان ليسمح بمثل هذه الفضائح في ولايته، فعين القاضي السابق صامويل سيبوري للتحقيق في محكمة نيويورك.

تأتي مفاهيم سيبوري للصحيح والخطأ من أجداده البوريتانيين، فما  كان الضعف في الوظائف الرسمية، وقد أثبت بأنه باحث قدير.

عثر سيبوري على كميات من الفساد بالجملة. عثر على امرأة شريفة تم القبض عليها وتهديدها من قبل أحد ضباط الأمن. ونوادي السياسة تستعمل للقمار ورجال الشرطة يتلقون من الرشوة أموالا تساوي ثلاثة أضعاف أجورهم من البلدية.

ما استمرار تحقيقات سيبوري، كانت جميع أصابع الاتهام تشير إلى رجل واحد، هو جيمي واكر. عندما جيء به للتحقيق نفى رئيس البلدية كل شيء، ومع ذلك فقد عجز واكر عن شرح تدفق الملايين في حسابه المصرفي، فأجبر على الاستقالة في أيلول سبتمبر من عام اثنين وثلاثين. وكانت تلك بداية النهاية لتماني تايغر.

 يمكن لهذا الحدث الكبير أن يختصر بكلمة واحدة هي تاماني.

بعد عام واحد جرى انتخاب فيوريلا لا غارديا رئيسا للبلدية. وذلك بفضل حملة سيبوري نسبيا. وكانت تلك أول إدارة شريفة تخرج عن طاعة تاماني هول.

وكان سيبوري أول من هنأ لا غارديا.

أصبح لدينا اليوم رئيس بلدية في مدينة نيويورك.

 سنحاول أن نثبت بأن حكومة نظيفة وشريفة عديمة الانتماء الحزبي والسياسي ممكنة جدا في مدينتنا.

تكررت الوعود السياسية لتنظيف نيويورك عبر الحملات السياسية منذ سنوات. ولكن لاغارديا أثبت مصداقيته فقد أقال الموظفين الفاسدين، ما جعل أعماله تجد أصداء لها تحت الأرض.

أدت حملته لضرب نقابة آلات القمار في نيويورك إلى إزعاج رجل محدد هو فرانك كوستيلو، الذي كان الرجل الثاني بعد لاكي لوشيانو في مافيا نيويورك. كان كوستيلو يتفهم السيطرة السياسية أكثر من غيره. وقد قيل حينها بأنه يملك تماني هول، ولكن كل تأثيره عاجز عن وقف لاغارديا.

آلات القمار هذه  تشكل موردا هاما يساوي ملايين الدولارات التي تدخل إلى جيوب أفراد الجريمة. وأنا أعلن اليوم بأننا لن نسمح بهذا الابتزاز أو غيره من أي نوع كان في مدينة نيويورك.

أجبر كوستيلو بفضل مساعي لاغراديا على سحب آلاته من نيويورك ونقلها إلى لويزيانا.

هذا عمل روتيني في دائرة الشرطة، التي تصادر الممتلكات التي تأخذها من رجال العصابات. لا يمكن أن نعطيهم أي هدنة.

لم يكن لاغارديا يقاتل بمفرده. فقد اعتمد على حليف أساسي أصبح أشهر مكافح للعصابات في الثلاثينيات. وأكبر عدو شهدته الجريمة المنظمة على الإطلاق. إنه توماس ديوي.

=-=-=-=-=

الجزء الثاني

تكشف هذه الصورة ما كانت عليه مدينة نيويورك، وكل ما فعلنها لتغييرها، المعركة ما زالت في بدايتها. 

وجد سكان نيويورك في المدعي العام الشاب تلبية لدعواتهم. كان توماس إي ديوي يتمتع بنفس حماس رئيس بلدية نيويورك لتنظيف المدينة من الخارجين عن القانون.

 كان يتبع أسلوب واحدا في العمل، وهو الأسلوب المباشر، وقد ألهم الناس وألهمني.

نشأ ديوي في أوسا ميتشغان، حيث غنى في كورس الكنيسة وعمل في صحيفة والده. كان يؤمن بقيم البلدة الأمريكية الصغيرة  التي تعتمد على العمل الشاق والمثابرة والشرف.

بعد دراسة الحقوق في كلية كولومبيا للحقوق أدرك بأن مدينة نيويورك تختلف جدا عن أوسا. عام ثمانية وعشرون، أثناء العمل في الأقطاب خلال الانتخابات حاول ديوي مع بعض أصدقائه أن يمنع عددا من أتباع تاماني الأعضاء في عصابة شولتز الهولندية، من تسليح الانتخابات.  بلغت الأمور حدها فأصيب عدد من أصدقاء ديوي، تلك تجربة لم ينسها أبدا.

عندما عين ديوي مدعيا خاصا عام خمسة وثلاثين، جاء تعيينه فريد من نوعه لمحام في الثالثة والثلاثين من العمر.

كثيرا ما كانت الصحافة تسخر من ملامحه الشابة فأطلقت عليه لقب الصبي الكشاف. فاختصر الخارجون عن القانون هذا اللقب بتسميته الصبي.

وقد علقت ديوي على هذه السخرية بالقول أن الخارجون عن القانون لن يضحكون لمدة طويلة.

سيد ديوي، لقد كلفت بمهمة بالغة الصعوبة، وهي فرصة لتقديم خدمة جليلة لسكان المدينة. ماذا يمكن أن نقدم لك.

أحتاج إلى مجموعة من المحققين كي تخرج للعمل معي بقوة لم يسبق لها مثيل.

كان مثل إليوت نيس، حريص جدا على فريق عمله. كان يختار المحققين مباشرة من الأكاديمية، لتفادي الفساد الذي يعم دوائر الشرطة.

مكتب توماس ديوي. سيد ديوي سيد ديوي هناك مكالمة لك.

فتح ديوي مكتبه لكل من لديه معلومات عن العصابات، وهو يضمن سلامته كما يظهر في فيلم حملة ديوي هذا.

الرجل الذي على اليسار هو الذي ضرب زوجي على رأسه بأنبوب. والرجل الذي خلفه هو الذي هدد بأن يضربني وأن يقطع يداي.

يحظى كل شاهد في أي قضية نتابعها بالحماية اللازمة على الدوام. والآن هل أبلغت باسكوال بذلك؟

طبعا فعلت.

بالاعتماد على فريق من المحامين الشبان خرج يتعقب عصابات الابتزاز والقمار والدعارة والألعاب الأخرى. ولكنه كان يبحث دائما عن رئيس العصابة، عن الرأس المدبر. ولم يستغرب أحد إستهدافه للهولندي شولتز.

ولد الهولندي تحت اسم أرثر فليغينهيمر، وكان رئيس عصابة عنيف يعمل في أعلى المدينة. فعرف عنه أنه يعالج كل المشاكل باستخدام السلاح وهو مستعد دائما للقتال.

كان شولتز آخر رجال العصابات اليهود المستقلين في نيويورك. أما الباقون من رجال عصابات الثلاثينات اليهود فماتوا أو أصبحوا خلف القضبان، أو أخضعوا للعصابات الإيطالية. أما شولتز فما زال  يحتفظ بعصابة خاصة به تعمل في برونكس، وكان يزداد جنونا مع الوقت.

في أحد الأيام وقع شجار بينه وبين أحد شركائه بحضور المحامي الذي يفترض به ألا يشاهد مثل هذه الأمور. أنهى شولتز الحوار بإشهار مسدسه ووقعه في فم الرجل ليرديه قتيلا أمام المحامي.

كان ديوي يتعقب شولتز منذ سنوات لتورطه في حماية الابتزاز والممنوعات ولارتباطه أيضا بآلية تاماني. ولكن عندما صدر الحكم بحقه لم تغرقه إلا قضية التهرب من دفع الضرائب على غرار الكابوني.

تمكن شولتز، رغم عمل ديوي الشاق، من نقل المحاكمة إلى بلدة صغيرة في أعالي ولاية نيويورك، حيث تمكن من شراء القضاة. وهكذا فاز بالقضية وأعلنت براءته التامة.

أغضب ذلك رئيس البلدية لاغارديا وأصدر تصريحا قال فيه أن شولتز لن يقيم في نيويورك، فليس في المدينة مكان له.

لم يشعر شولتز بالقلق إذ رد على ذلك بالقول: يقال أنه لا يوجد مكان لي في نيويورك، ولكني سأذهب إلى هناك كي أرى من سيخرجني من المدينة.

رغم شجاعة شولتز، إلا أنه بدأ يستشعر الخوف في كل مكان، لتأكده من أن ديوي قد وضعه نصب عينيه. وهو على حق في عدة مجالات.

كان من الأشخاص الخارجين عن القانون. فأصر ديوي على بناء قضية ضده، للقبض عليه ومحاكمته وسجنه.

أعلن شولتز أن ديوي هو عدوه، وتحدث في العلن عن تكليف قاتل مأجور للتخلص منه، ولكن عملية بهذا الحجم لا يمكن أن تتم دون موافقة المافيا.

وقف غالبية رجال المافيا في البداية ضد الفكرة، إذ أن قوانين ما تحت الأرض تقول أنهلا يمكن النيل من رجال القانون الشرفاء. أضف إلى ذلك أن مقتل ديوي سيؤدي إلى كراهية عارمة تهدد وجود العصابات. مع ذلك فإن عددا من رجال العصابات في نيويورك الذين يتعرضون لضغوط ديوي وتحقيقاته، بدأوا يتقبلون الفكرة.

أرسلت النقابة مبعوثا خاصا للتأكد مما إذا كان تنفيذ العمل ممكنا.

من المعروف جدا أن ديوي كان يتبع روتينا محددا في الصباح، برفقة اثنين من حراساته الشخصية. مقابل شقة ديوي كان يقف كل صباح والد فخور يدفع صبيا على دراجة هوائية.

كان الطفل يستخدم كوسيلة للتغطية، إذ  لم يعرف عن الرجل أي دور عائلي، وما كان الأب الفخور إلا شخص اسمه ألبيرت أنستازيا، القاتل المحترف الشهير في قسم الاغتيالات التابع لجماعات الجريمة المنظمة. تبع الإثنان ديوي إلى الصيدلية من حيث يقوم بإجراء مكالمته الهاتفية. اتفقت العصابات على أن تتم عملية اغتيال ديوي عند الهاتف بالتحديد.

كتب انستازيا يقول أنه بالإمكان تنفيذ العمل.

تحاور الزعماء حول الأمر. واتخذوا قرارهم النهائي. عندما حانت ساعة التنفيذ جرى ذلك ببرودة أعصاب تميز كل أعمال المافيا، التي قررت التخلص من الهولندي بدل ديوي.

كانت العصابات كثيرة الخوف من شولتز الذي لا يمكن توقعه. لدرجة أن شريكة لاكي لوشيانو صوت لصالح إقالته.

أصبح يشكل خطرا عليهم، لهذا وجدوا من الأفضل التخلص منه لإزالة بعض الكراهية نحوهم. لقد جرت تصفيته على يد رجاله.

يوم الثالث والعشرون من تشرين أول أوكتوبر من عام خمسة وثلاثين، قتل شولتز في حمام بلاس شوب،في نيوارك. تأرجح للوصول إلى الطاولة ثم سقط.

بقي شولتز يهذي في المستشفى على مدار ثلاثة أيام متواصلة.

عندما سئل عمن حاول قتله أجاب الزعيم بنفسه.

ثم قال في عبارته الأخيرة، دعوهم يتركوني وشأني.

بعد إزالة شولتز من الطريق تفرغ ديوي للقبض على رأس مدبر أكبر، هو لاكي لوشيانو.

أما السخرية في ذلك فهي أن لوشيانو قد أنقذ حياة ديوي من خلال التخلص من القاتل شولتز.

سواء كان ديوي يعرف ذلك أم لا، فإن لوشيانو كان رئيس العصابة الأبرز الذي يمكن مطاردته، فهو أقوى من الكابوني. وأقوى ألف مرة من شولتز.

تمكن لوشيانو من التحكم بالمافيا الإيطالية عام ثمانية وعشرون، وذلك بعد حرب دموية جرت في كاسيلماريس. بعد التخلص من كبار رؤساء العصابات في نيويورك نشأت زعامات شابة جديدة، فقام بتنظيم المافيا على طريقة أكثر عصرية. مع خوض المافيا في القرن العشرين أصبح لوشيانو الأول بين المتساوين.

لا نعرف ما إذا كان ديوي يجهل هذه الحقائق أم أنه تجاهلها، المهم أن المدعي العام الشاب تمكن من الرجل.

يبدو أن رئيس العصابات يلقي هنا نظرة أخيرة علىالعالم الخارجي ذلك أنه سيمضي سنوات طويلة في السجن، سيكون عجوزا عن الخروج منه، بعد الحكم الذي صدر اليوم بحقه، لم يعد صاحب لقب سعيد الحظ محظوظا.

حكم على لوشيانو بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثين وخمسين عاما، وذلك بتهمة ترويج الدعارة. وقد أقسم لوشيانو بأنه بريء.

حكم على لوشيانو بواحدة من الجرائم القليلة التي لم يرتكبها. كان توماس ديوي أكبر مكافح للعصابات في الثلاثينات وقد كان بارعا في عمله، فعزز شهرة مميزة بالقبض على المجرمين، لدرجة أنه أقنع المحلفين بلحكم على لوشيانو بتهمة ترويج الدعارة، وبأنه مسؤول عصابات ترويج الدعارة في نيويورك. علما أن لوشيانو لم يكن على صلة بتلك الأعمال. وقد اعترف ديوي بذلك في رسالة كتبها  إلى أحد شركائه حيث قال: لم نتمكن من إثبات تورط لوشيانو بزعامة العصابات. ولكنا وجدنا فرصة لحكمه.  وهكذا تمكن ديوي من زجه في السجن بفضل ما يتمتع به من شهرة في مكافحة الجريمة.

رغم أن لوشيانو قد أمضى عشرة أعوام  فقط في السجن إلا أنها كانت أطول حكم صدر على جريمة من هذا النوع.

كان هذا حكم بالغ الأهمية بالنسبة لديوي لأه شكل بداية لاحترافه المعترك السياسي. لقد فاز باعتراف وشهرة على الصعيد الوطني لمكافحة الجريمة ومرتكبيها.

ينحدر ديوي من حي هادئ جدا في أوسا ليصبح أحد أكثر رجال القانون مهابة في البلاد. وقد تحولت طموحاته اليوم إلى السياسة.

يمكن لأبنائنا أن يعيشوا في المدينة دون خوف من العصابات، بفضل مساعدتك في الانتخابات سنتمكن من إنهاء العمل. 

أعتقد أن دوافع ديوي لمكافحة الجريمة قد تغيرت مع الوقت. لقد كان في البداية مجرد مواطن غاضب مما يجري، وقد أدان ما شاهده في الحياة السياسية من جرائم في نيويورك في العشرينيات. مع مرور الوقت ونيله للشهرة، بدأ يلبي طموحاته الشخصية.

طالما أحب المنتخبون مكافحي الجريمة، ولكن هذا يعكس انزعاج المواطن من الجريمة المنظمة. ما يعني أن وقوف أي مواطن بشجاعة في وجه الجريمة سيجد مكافئة في صناديق الاقتراع. عندما كانت صوره تظهر في الأخبار كان الحضور يصفق له، فراودته الطموحات للمشاركة في انتخابات حاكم الولاية والرئاسة أيضا.

أيام الخوف من العصابات شارفت على النهاية. لقد أثبتنا خلال عامين أننا نستطيع حماية شعبنا، كما يمكنهم التخلص من ويلات العصابات.

مكافحة  توماس ديوي للجريمة جعلته يفوز بالاعجاب والدعاية على الصعيد الوطني. أما من جهة أخرى فكان البعض يشعر حربا هادئة ضد العصابات. إنها حرب متسترة، تتأرجح عواقبها بين الحياة والموت. سنتعرف على قصة صغيرة من مكتب مكافحة المخدرات الفدرالي بعد قليل.

=-=-=-=-=

الجزء الثالث

كان الغموض يسود الحي الصيني في نيويورك خلال الثلاثينيات، تسودها حروب بين العصابات، وشائعات عن تجارة الرقيق والمخدرات. اكتشف أول وكر للأفيون في شارع بيل  عام ألف وثمانمائة وثمانية وستين. ومع حلول القرن الجديد قيل بأن هناك ما يتراوح بين خمسة وعشرين وخمسين ألف مدمن في مدينة نيويورك وحدها.

كانت أوكار الأفيون تعمل بإدارة العصابات الصينية أو التونغ، وهي منظمات سرية تعمل على طريقة المافيا الإيطالية. ولكن التونغ لم تشارك في تجارة المخدرات.

كان الأفيون والمخدرات المشتقة منه تباع في الصيدليات حتى عام أربعة عشر. في ذلك العام صدر قانون هاريسون الذي منعها كليا. لم يعد بالإمكان تمويل المدمنين عبر قنوات قانونية، فانتقلت إلى تحت الأرض. تضاعف عدد المستخدمين فأصبحت المخدرات مشروعا كبيرا. كان الطلب عليها متزايدا، فتولتها المافيا كما في مرحلة منع الكحول.

يعرف عن المافيا أنها لم تتعامل بالمخدرات الصلبة، علما أنها فعلت ذلك دائما. وقد سيطرت منذ الثلاثينيات على تجارة الهيرويين في جميع أرجاء البلاد. أما التحدث عن مبادئ تمنعها من استخدام المخدرات فليست صحيحة.

يمكن وصف الجريمة المنظمة باختصار، أنها تصنع المال. الأرباح التي تنجم عن خمس عمليات تهريب في العام يمكن تفوق ما ينجم عن صناعة الكتب من أرباح خلال خمسة أو عشرة أعوام. كما توازي بين ثلاثة وخمسة أعوام من أرباح القروض. أي أن جميع الأعمال التي قاموا بها كانت مربحة. ولكن المبالغ الكبيرة التي تخصص لتجارة المخدرات بدأت تشكل عروضا لا يمكن رفضها.

كان الأفيون الخام يهرب من الخارج على متن سفن تجارية، ليحقق أرباحا طائلة. كانوا يهربون المزيد بجهود أقل، ما وعد العاملين في تهريب المخدرات بأرباح فاقت تهريب الكحول.

انقسمت دائرة الخزينة التي غمرتها انتهاكات منع الكحول، كي تتعامل مع مشكلة المخدرات.

عين هاري أنسلينغر رئيسا لمكتب المخدرات الفدرالي الجديد. كان يتمتع بتجربة في منع الكحول، واتبع سياسة قاسية تجاه تهديد المخدرات.

تسعى دائرة الخزينة لشن حرب شعواء ضد الذين يتاجرون بنقاط ضعف أخوتهم من بني البشر.

تعود جذور أنسلينغر إلى ذكريات طفولته، حين عمل طفلا لدى مدمن على المورفين لا يكف عن الصراخ. لم ينسى ذلك الصراخ أبدا علما أن الطفل كان يستطيع شراء المخدرات حينها من الصيدليات.

تعامل هاري انسلينغر مع المخدرات من منطق أخلاقي، وقد شبه استخدامها بحالة من الشر والإساءة وعدم الأخلاق. وقد رفض التعامل مع استخدام المخدرات على أنها مرض أو مشكلة، بل كان يربطها دائما بالجريمة.

نظرة أنسلينغر لتجارة المخدرات جعلته من ألد أعداء الجريمة المنظمة.

سرعان ما تنبه إلى أن وقف المخدرات يتطلب ملاحقة نقابات المخدرات، وليس المستخدمين والمدمنين. كان المدمن يحصل على حاجته عبر شبكة من العاملين بالتهريب، الذين يعبرون مسافات طويلة لنقل المخدرات إلى البلد. سرعان ما يتم الكشف عن أحد خطوط النقل حتى يتم اعتماد خطوط أخرى.

كما تنبه انسلينغر إلى أهمية الاستخبارات، ذلك أن معرفة العدو هو نصف المعركة. فصادق على استخدام المخبر المأجور، وبعث بعملائه عميقا تحت الأرض.

هذه عملية بالغة الخطورة فإرسال البعض إلى تحت الأرض يعني مشاركتهم في أنشطة غير قانونية ليتم قبولهم كمجرمين. كما أن المخبر المأجور يثير الجدل أيضا لأنهم من المجرمين أيضا، يبلغون عن أمثالهم من المجرمين، ما يمنح الدائرة سمعة سيئة.

بدأ عملاء المخدرات ينزلون تحت الأرض منذ الثلاثينيات، للعيش على حافة المجتمع الإجرامي.

المكافحة الفدرالية أيها الشبان.

أنزل يداك.

زج أنسلينغر بعدد من العملاء من خلفيات مختلفة للقيام بالعمل السري.

أنا شخصيا من أصول إيطالية ما يجعلني أتمتع بفرص أكبر للعمل بسهولة في الجانب الشرقي أو في أي مكان آخر، أكثر من ذوي الأصول الصينية. وهذا ينطبق أيضا على الأسود الذي هو مقبول أكثر مني في مجتمع أسود. أي أن مكافحة المخدرات استخدمت القوميات بحدودها القصوى.

ضم المكتب الفدرالي للمكافحة أشخاص من أصول إيطالية وصينية وأفريقية وشرق أوسطية ممن يتمتعون بتجارب جدية في الشوارع. كثيرا ما كانوا يوصفون بالتميز نتيجة أساليبهم الملتوية .

نذكر من هؤلاء جورج وايت، صحفي الجرائم السابق الذي اشتهر بتقنيات تحقيقاته الغير اعتيادية. كان شخصية فريدة من نوعها، فهو يتمتع بالقدرة على زيادة وزنه وخفضها حسب مشيئته.

كان يعمل دائما بمفرده ولم يكن شديد التمسك بالأساليب الأخلاقية. لقد عمل خلال الحرب في الأو إس إس، فقتل جاسوس ياباني في كلكوتا، ثم احتفظ بصورة له على جدار منزله متفاخرا بذلك.  لدرجة أن أحد أصدقائه يقول بأن جورج يتناول شريحة لحم على وجبة الفطور في اليوم التالي لقتل شخص ما.

من قضايا وايت التي تثير الدهشة، كان يتعقب أحد تجار الأفيون على الشواطيء الغربية، حتى وصل إلى هيب سينغ تونغ، مركز سلطة المافيا الصينية.

ذهب جورج وايت ينتحل شخصية مبعوث من نقابة الشواطئ الغربية، راغبا بشراء الأفيون. من خلال رجل تحول إلى مخبر، حصل وايت على معلومات عن شبكة التهريب بين الولايات. حصل وايت على رسالة توصية، مكنته من الدخول إلى مركز قيادة هيب سينغ تونغ في الحي الصيني لمدينة نيويورك. كاد ذلك يكلفه حياته.

كانت العصابات الصينية في نيويورك تشتهر بالعنف الدموي خلال حروب تونغ الأسطورية. استمرت الحرب خمسة عقود، حتى بداية الحرب العالمية الأولى، حيث قتل في شارع واحد من الأحياء الصينية في المدينة، ما يفوق أي منطقة أخرى من أمريكا.

تعمل التونغ على طريقة المافيا نفسها. إذ أنها تدير مراكز الابتزاز ولعب القمار في الأحياء المجاورة، وتدفع للشرطة الرشوة لتبقي على أوكار الأفيون لديها مفتوحة.

تمكن وايت من التودد إلى رؤساء عصابات الهيب سينغ تونغ في نيويورك، فأكل في مطاعمهم، ودعاهم لحضور مباريات الملاكمة. وما لا يصدق فعلا هو أ، جورج أصبح عضوا في المجتمع السري الصيني، حتى بدأ بالإجراءات اللازمة ليصبح جزءا من التونغ، ولم يكن هذا إنجاز قليل على شاب غربي.

أمضى وايت عامين في تطوير علاقاته مع التونغ، فاكتشف بأن بأن التونغ الصينية كانت تعمل مع أعضاء من عائلة لوشيانو، رغم أن لوشيانو كان يقبع في السجن. هذا التقارب بين المافيا الإيطالية والتونغ الصينية منح وايت فكرة عن بنية المافيا بما لا يقدر بثمن.

أعتقد أن جورج وايت كان يعرف الجميع، في الجريمة المنظمة، سواء كان ذلك مباشرة أو من خلال الأسماء.

  بدأ جورج وايت بالحصول على معلومات من الشارع ولكنه انتهى بالحصول عليها من مواقع أعلى، وهناك تقديرات تقول بأن جورج وايت تمكن من عبور نصف المسافة نحو القمة.

ولكن شخصية وايت وأساليبه جعلته يتحول إلى جزء من ملفات المكافحة الفدرالية. وكثيرا ما أجبر أنسلينغير على الإتصال الدائم به لتحديد الروابط التي تتقاطع بين عدم شرعية العالم السري وما يجب ان يكون.

ولكن إنجازاته كانت مدهشة، وقد اعتبر انسلينغير أن أداء وايت قد ألقى الضوء على بنية وهيكلية المافيا.

كان هاري انسلنغير في إحدى المناسبات يجيب على عدد من أسئلتي، وقد فتح أحد الأدراج في هذه الأثناء ليخرج ملفا هائلا، فيه عدد كبير من الصور لجميع العاملين في المافيا، فيه مئات الصور والأسماء حسب العائلة والعنوان والخلفية الاجتماعية وسجلاتهم القضائية، كان ملفا قيما بلا شك.

انتشرت شائعات تقول أن أسياد المافيا تخلصوا من بعض جنودهم للابتعاد عن المخدرات، التي كانت خطيرة جدا لانتشار عملاء أنسلنغر في كل مكان.

أراد كبار القادة وزعماء العصابات الانسحاب من العمليات خوفا من قضاء سنوات طويلة في السجون. كانت المافيا تخاف جدا من انسلينغير.

سنعرف المزيد عن حروب المخدرات السرية، عندما نعود إلى تارغيت مافيا.

أعتقد أن هذا سينظف نيو أورليانز لبعض الوقت.

هذا مريح جدا هاري.

يبدو أن هذه العصابات كانت تحاول جمع المال..

رغم محاولاته الدعائية في وسائل الإعلان، إلا أن حرب هاري الجادة كانت سرية. فقد كان عملاؤه يعملون متنكرين ضد عدو يكاد لا يكون مرئيا. حتى أعوام الستينات، كانت بقية أمريكا متعامية عن وجود المافيا. كانت قناعات انسلينغر تنبع من ماضيه الغامض.

عام خمسة عشر عندما عمل محقق شاب في سكك حديد بينسلفانيا، سمع انسلنغر المهاجرين الإيطاليين عن مبالغ يجب أن تدفع إلى الأيادي السود. كان هذا التعبير يستخدم لوصف مبتزي صقلية الذي يعيشون على حساب زملائهم المهاجرين. ربط البعض هؤلاء الإرهابيين  بنشوء المافيا الأمريكية المستقلة لاحقا.

اكتشاف انسلنغر المبكر وضعه في مكانة مميزة. أثناء قيام عملائه بالقبض على رؤساء العصابات عبر البلاد، لم تكن الجريمة المنظمة تقلقه، بل ما هو أقوى وأشد غموضا من ذلك. كان انسلنغر يعتبر أن الأيادي السود والمافيا في كل مكان، وخصوصا في تهريب المخدرات.

هاري انسلينغر هو أحد أبطال مكافحة الجريمة المنظمة في التاريخ الأمريكي وإنجازاته  لا تتمتع بالتقدير الكافي. كان أول رجل قانون الوحيد الذي فهم المافيا ورآها بوضوح شديد، وأدرك ما تسعى إليه فعلا. ولم يتوصل إلى هذا الاستنتاج بسرعة أو بسهولة. لقد تنبه خلال الثلاثينيات بأن الاعتقالات التي يجرونها بدأت تتغير. أخذوا يعتقلون المزيد من ذوي الأصول الإيطالية في هذا المجال، مقابل قلة من الأسيويين واليهود. أما أهمية ذلك فلم يكن واضح في البداية، فقد لاحظوا وجود عصابات إيطالية قوية، يبدو أنها شديدة البأس. ولكنهم لم يفهموا ذلك حتى بداية الأربعينيات.

أما في واشنطن فكانت تحذيرات أنسلغر تجد آذان صماء. فبدل أن يكافأ على حرصه الشديد انتقد لتآمره ومعاداته للإيطاليين. كان العديد من المنتقدين لا يرون ما يكفي من الأدلة. ما كان انسلنغر ليخاطر عن عملائه المتنكرين بالكشف عن عمق اختراقه للعصابات. في الوقت نفسه لم تكن عمليات مكافحة المخدرات مناسبة للاستهلاك الإعلامي. كثيرا ما تخطى العملاء القوانين أو تغاضوا عنها كليا.

لم يهتموا كثيرا بالأساليب فكانوا يحطمون الأبواب ويضربون الشهود إجبارهم على الكلام، ولكنها كانت تعطي نتيجة فعالة.

لم يتطلب مكتب المكافحة إذنا بالتفتيش، إذا ما كنا شركاء وقد تلقيت مكالمة في منتصف ليل الجمعة تقول أن شخصا يخفي ستة كيلوغرامات من الهيرويين، كنا نتصل ببعضنا البعض ونخرج مجموعة من العملاء لنركل الباب بأقدامنا وندخل إلى أي مكان دون إبلاغ مسبق لأحد.

مقابل مكافحة تلك الفترة، لم يكن عملاء المكافحة يحتملون الدعاية. على خلاف هاري انسلنغير الذي أصر على جعل الأمة تدرك شرور وتهديدات المهربين. فكان يعتمد على آلة دعائية فعالة، لدرجة أنه اعتمد على هوليود للتحذير من مضار الإدمان.

هل تعني أني كنت استهلك المخدرات؟

نعم الكوكايين بين أنواع أخرى.

عام سبعة وثلاثون أضاف انسلنغر الماريجوانا على لائحة المواد الخطيرة، فبدأ حملة جنونية ضد العشبة القاتلة.

أعرف ما تريده. تريد أن تقتلني.

كانت قصته المفضلة حول فيكتور لاكوتا، وهو شاب قتل أفراد عائلته. تحدث انسلنغر بالتفصيل عن استعماله البلطة لقتل عائلته لأنه كان تحت تأثير الماريجوانا. وقد كان على حق ذلك أن لاكوتا كان يدخن الماريجوانا وقد قتل عائلته مستخدما البلطة، ولكن ما ألغاه انسلنغر من القصة هو أن لاكوتا كان مصاب بانفصام الشخصية ما جعله ينتحر في نهاية الأمر.

استمر انسلنغر بنشر قصص من الرعب والخوف على مدار سنوات فحصد نتائج مختلطة. الطبيعة المثيرة لانسلنغر وحملته المعلنة على المخدرات جعلت عددا من الناس يتجاهلون نظريته المتعلقة بالمافيا.

يمكن انتقاد انسلنغير حول مواقفه المبالغ فيها المتعلقة بأخطار بعض المواد الممنوعة. ولكنه كان يعي جيدا وجود شيء يعرف بالمافيا، وقد أودع في السجون أعداد من المجرمين بتهم العنف والتهريب تفوق أي وكالة فدرالية أخرى، رغم ذلك فقد نال مصداقية محدودة مقابل ذلك.

لم تكن عدم المصداقية المشكلة الوحيدة لدى المكافحة الفدرالية، إذ قوبلت أيضا بالمعارضة الشديدة من مصادر غير متوقعة.

اعتبر السيد جي مان إيدغار هوفر من أهم رجال الشرطة الأمريكيين، وقد كان على رأس الإف بي أي، وهي أكبر وكالة لتعزيز القانون في التاريخ. كان يفترض أن يقف خلف انسلنغر في حربه ضد المافيا.

حقيقة هي أن انسلنغر بدأ يفهم المافيا عزز موقفه ولكنه جعل هوفر يميل إلى عدم تصديق وجود المافيا على الصعيد الوطني.

أصبح التباين بين الإف بي أي والمكافحة الأقل شهرة، أشد عمقا من الخلافات الشخصية بين انسلنغر وهوفر.

مايكل عميل مكافحة سابق: كنا في حقل المكافحة نعتمد على العملاء المتنكرين لدينا، ما يساعدنا على جمع الإثباتات من خلال المشاركة بالجريمة كي نحصل على الأدلة اللازمة لمحاكمة الشخص الذي يتاجر بالمخدرات.

العمل الجماعي هنا يضمن..

ما كان هوفر يسمح لعملائه بالاقتراب من الجريمة، وتقبل المصائب للمحافظة على الصورة الحسنة. كان جميع عملائه من المتخرجين النظيفين والبعيدين عن الفساد.

.. ولا بد أن يواجهوا هذه التحديات..

كان يلبس عملاء الإف بي أي، ملابس موحدة ذلك أنهم يبدون متشابهون بالهندام والمشي والكلام، حتى أن أحد رجال هاري قال يوما أن فكرتهم عن اختراق العصابات تكمن بانتزاع ربطة العنق.

في إحدى المناسبات قدم انسلنغر لهوفر هدية هي بعض من الأفيون المصادر. ولكن قائد الإف بي أي وزعيم الشرطة الأول في البلاد لم يتعرف عليها. كما أنه لم يتعرف على خطورة الجريمة المنظمة حتى كاد يفوت الأوان.

لماذا يستغرق  توماس ديوي وهاري انسلنغر ورئيس الإف بي أي إدغار هوفر أكثر من عامين لإخضاع أحد رجال العصابات إلى العدالة؟ سنعرف ذلك عندما نعود بالجزء التالي من مافيا تارغيت.

=-=-=-=-=-=

الجزء الخامس.

رجل القانون رقم واحد إيدغار هوفر يعزز من نشاطه لجعل أمريكا مكان آمن يخضع للقانون.

لا بد من إحراز المزيد من التقدم في مكافحة المشاطات السرية الطفيلية المتآمرة والفاسدة أكثر من قبل.

كان المواطن الأمريكي يرى إيدغار هوفر في كل مكان، وفي جميع نشرات الأنباء التلفزيونية والإذاعية وفي جميع الصحف، كان رجل القانون الأول فكرمه الرأي العام.

أحسنت سيد هوفر، أعمالك تشعرنا بالأمان، أريد أن أكون معك حين أكبر.

ولم يفاجأ أحد حين قام شخصيا باعتقال أخطر المجرمين في أمريكا ليبيك بوشالتر.

  هرب ليبيك بوشلتر من العدالة منذ عامين، وقد اتهمته الحكومة الفدرالية بتهريب المخدرات على أنواعها. كما أنه مطلوب لولاية نيويورك بتهمة القتل، ذلك أن المدعي العام توماس ديوي يتهمه بقتل ثمانين شخصا، كلها جرائم ارتكبت بمشاركة أساسية من قبل السيد ليبكي.

استطاع التهرب لمدة عامين من مكتبي هاري انسلينغر وتوماس ديوي.

لا بد من العثور على ليبكي حيا أو ميتا.

يؤكد انسلنغر أن ديوي أصدر إنذار أخير يقول فيه أننا إن لم نتمكن من القبض على ليبيك، من الأفضل لنا أن نوكل العمل إلى العصابات.

مع نهاية ذلك الأسبوع، قام ليبيك بتسليم نفسه. ولكنه لم يسلم نفسه لديوي أو للشرطة بل اعتمد على مساعدة الصحفي الإذاعي والتر وينكيل وعدد من الاتصالات السرية استسلم ليبيك إلى إيدغار هوفر  شخصيا.

النبأ الأول العدو الأول للعدالة ليبيك يسلم نفسه للإف بي أي، يتساءل البعض وكيف عرفت ذلك؟ كيف لا أعرف وقد سلمته منذ لحظات فقط.

كان لعملية الاعتقال نتائج لا تصدق، فقد كان إيدغار هوفر يجلس إلى جانب أهم شخصية في الجريمة المنظمة، ومع ذلك فقد أعلن أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل. جسد ليبيك الجريمة المنظمة وقد أمر بارتكاب مئات جرائم القتل لصالح المافيا وهو يعرف كبار زعماء المافيا في نيويورك. كانت تلك لحظات مباغتة لكلا الرجلين، ومؤشر واضح على أكبر فشل لهوفر.

كان هذا أكبر ضرر قام به على رأس الإف بي أي. كان يترأس الإف بي أي لسنوات طويلة عبر عدد من الإدارات الأمريكية وكان يتمتع بسلطات كبيرة، وكان يحظى بالاحترام الكبير لدى المواطن العادي ورجال الشرطة  بفضل عملياته الفعالة، إلا أن رفضه الاعتراف بوجود المافيا أخر مكافحتها لعقود من الزمن.

لا يمكن لأحد أن يصدق بأن هوفر لم يتنبه لوجود المافيا، ذلك أنه كان ينفي وجود الجريمة المنظمة في العلن واعتبر فكرة عمل عدد من رؤساء العصابات على المستوى الوطني كذبة كبيرة. لقد اعتبر هوفر أنها مشكلة محلية يمكن محاربتها بقوة رجال الشرطة  المحلية.

التي ستعمل على المستوى المحلي..

هناك إثباتات  توحي بأن إيدغار لم يكن يتصرف عشوائيا لصالح الجريمة المنظمة، بل يبدو أ،ه متورط بها بشكل ما.

يمكن لهذه الروابط أن تنطلق من ادمان هوفر على المقامرة، ذلك أنه لم يفوت موسم سباق واحد، وهو ينتقل من منتجع إلى آخر بحجة متابعة بعض المهمات.

كان إيدغار يعشق القمار، وعندما كانت الكاميرات تصوره كان يقف عند نوافذ الدولارين، مع أنه في الواقع كان يقف على نوافذ المائة دولار. ويبدو أن هوفر كان يحصل على النصائح من فرانك إيريكسون أحد أكبر اللاعبين.

والحقيقة أن إيريكسون كان مجرد عميل لامبراطورية قمار فرانك كوستيلو. منذ أيام ملك آلات القمار ارتقى كوستيلو إلى مكانة رئيس وزراء ما تحت الأرض، ويقال أنه كان صاحب أهم علاقات في البلاد.

كيف لأهم رجل قانون في أمريكا أن يكون على صلة بكوستيلو؟

أعتقد أنها كانت السابعة صباحا عندما سمعت طرقا على الباب، فوجدت شابا يحمل علامة مميزة، كان فرانك كوستيلو. فدخل وجلس واحتسينا بعض القهوة، اخبرني خلال ذلك بعدد من القصص. كان شديد الحذر، وكأنه مستعد للذهاب إلى أقصى الحدود. ولكنه كان يحدثني عن كيفية لقائه بمراكب الروم في ميناء نيويورك خلال فترة المنع. ومع ذلك فقد استمعت إليه لبعض الوقت. وأخيرا سألته سيد كوستيلو، ما هي طبيعة العلاقة التي بينك وبين المدير إيدغار هوفر؟ فتأمل كوستيلو مليا في وليام الذي قال له: هيا تحدث لا بأس فهو شاب جيد. فقال حينها لا يمكن أن يعرف ما هو عدد السباقات التي عالجتها مسبقا مقابل العشرة دولارات التي كان يراهن بها. وهذا كل ما قاله. ورفض أن يقول أي شيء آخر.

القمار والقمار المنظم هو إدمان شرير، فهو يفسد الشبان، ويسهل الطريق للقيام بجرائم أخرى...

يمضي نفاق هوفر إلى ما هو أعمق من ذلك، من خلال شبكة عملائه المدهشة على الأرض تمكن هوفر من جمع معلومات قيمة حول كبار السياسيين، بدءا من الموظفين المحليين وانتهاء بالبيت الأبيض.   ولم يتردد باستخدام هذه المعلومات .

السخرية في الأمر هو أنه ربما راح شخصيا ضحية الابتزاز. سارت شائعات تقول بأن رئيس الإف بي أي كان لوطيا، وكانت هذه الشائعات تحوم حول مساعده كلايد تولسون، والحقيقة أنهما قلما كانا يفترقان. من المحتمل جدا ان تكون العصابات الخبيرة بالابتزاز، قد حصلت على إثباتات جسدية لعلاقات هوفر الشاذة، واستخدمتها لابقاء الإف بي أي بعيدا عن عملياتها.

كان هوفر يتملك أربع أسلحة لمكافحة العصابات لو أراد ذلك، ولكنه تجاهل العصابات ربما لأنها تمتلك صورا تثبت قطعا علاقاته الجنسية الشاذة. ربما كان يخاف الابتزاز إذا ما لاحق العصابات.

أيا كانت الأسباب يمكن القول بأن المافيا لم تكن تأبه بإيدغار هوفر والإف بي أي.

لقد تربينا على اعتقاد يقول بأن إيدغار هوفر من أقارب السيد المسيح، وأن كل ما يقوله حقيقة مقدسة، ليتبين فيما بعد بأنه غشاش مخادع من الدرجة الأولى فيما يتعلق بالتعامل مع الجرائم.

إلى جانب هذا كله، كان هوفر سياسي لامع، وقد استخدم سمعته في مكافحة الجريمة لدعم مسيرته. ولكنه تخطى الحدود بطريقة ما. من السخرية أن يبقي رجاله بعيدا عن الحرب ضد الجريمة المنظمة، خوفا من تعرضهم للفساد، علما أنه كان على ما يبدو شريكا لأيدي الفساد السوداء.

ما زالت الحرب ضد المافيا مستمرة حتى اليوم على أيدي أجيال جديدة من رجال المكافحة. أما التحديات فما زالت على حالها رغم أنها أقل فتنة من حقبة نيس والكابوني. ولكن رجال قانون اليوم يدينون بالوفاء لإنجازات أوائل رجال مكافحة العصابات الذي كشفوا أسرار المافيا. كانت كفاحات طويلة، وضعت أبطال العدالة الأمريكية وجها لوجه ضد الملامح السوداوية للبشر. كثيرا ما يكون الثمن باهظا في محاربة الجريمة، ولكن هذه هي طريقة صنع الأبطال. معكم سيمون بريبيل، كونوا معنا في الحلقة المقبلة من تارغيت مافيا.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster