اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 العصابات - المخدرات
 

عصابات المكسيك

 

كان ملك الدعم السياسي لتهريب  المخدرات في المكسيك.

اشتهر كورريا بفكرة أن القانون يدعو للتخلص ممن على صلة بالأمر، ليقضي على الخيانة.

قال أنه لا بد من شخص يكافح في سبيل المكسيك الثانية، وإن كان هذا يعني التخلص من المخدرات، فلنتخلص منه.

=-=-=-=-=

شهد التاسع والعشرون من أيلول سبتمبر من عام تسعة وثمانين، أضخم عملية لمصادرة الكوكايين في التاريخ البشري، بلغ وزنها أكثر واحد وعشرون طن بقيمة تساوي سبعة مليارات دولار، اكتشفت داخل مستودع بضائع في سليمار كليفورنيا.

بلغ ارتفاع صناديق المخدرات ثمانية أقدام، وإلى جانبها عشرة ملايين دولار من الأموال النقدية. 

عند مصادرة هذه الكمية الهائلة من المخدرات اكتشفت المباحث بأن هذه الممنوعات تدخل إلى الولايات المتحدة عبر جسر يربط بين الباسو تكساس وبلدة أورلينز  المكسيكية الحدودية، وهو اسم حفظته المباحث الأمريكية لعدة سنوات، وما زالوا يواجهون تأثير زعيم المخدرات المكسيكي الغامض والمعروف بلقب أمادو كاريو فوينتيس. التعرف على صعوده إلى السلطة يدفعنا لإلقاء نظرة خاطفة على عالم المخدرات  السري، للجريمة المكسيكية المنظمة.

قال أريد أن أبلغك باسمه، فقلت اعرف إنه أمادو كاريو فوينتي، فقال هناك شيء آخر سأخبرك به إياك أن تردد هذا الاسم بصوت مرتفع(..).

كان ملك الدعم السياسي لتهريب المخدرات في المكسيك.

مرت مرحلة نقلت المخدرات فيها عبر شركات الطيران الجوية. نقلت بالأطنان. بل نقل عشرة أطنان من الكوكايين، عبر شركة طيران للركاب، من هنا ظهر لقبه الشهير. إلسينيور دي لوس سيلوس. سيد الأجواء.

الحدود المكسيكية الأمريكية التي يبلغ طولها ألفي ميل، جلبت الاهتمام منذ منع الكحول في أمريكا حين كانوا ينقلون الوسكي إلى الراغبين به في تكساس وأريزونا. أصبحت المريغوانا مخدرات مرغوبة في الثلاثينات. وبعد الحرب العالمية الثانية زاد إدمان المصابون على المورفين من حجم الطلب على الهيروين. ساهم المهرب المكسيكي طول أكثر من مائة عام في التأثير على الرغبات الأمريكية في الإدمان.

عادة ما تنطلق عمليات التهريب أولا من ولاية سينالوا، المشهورة منذ زمن بعيد بأنها مصدر المريغوانا والهيروين. لدرجة أن الإدارة الأمريكية لمكافحة المخدرات منحت هذه المنطقة لقبا مميزا..

يوجد أعداد كبيرة من الفلاحين الفقراء جدا في تلك المنطقة، وهم يطلقون على هذه المزارع لقب جوراسيك بارك، على اعتبار أن سادتهم القدماء خرجوا من هناك.

يعمل تشارلز بولدن في الصحافة والكتابة،  إذ يحتوي كتابه بعنوان خواريس: مختبرات مستقبلنا،  على نظرة ناقدة إلى القوى التي تحدد ملامح المكسيك المعاصرة.

علينا أن نفهم بأن سينالوا تميزت دائما بثقافة غنية بمعنى الكلمة، إنها ولاية كاملة خرج منها أحد القديسين.

والحقيقة هي أن للولاية تقاليد عريقة في التهريب،حتى أن  لها قديس خاص بها. كان هيسوس مالفيردي رجل عصابات في بدايات القرن، اشتهر بتقديم المساعدة للفقراء. بعد إعدامه على يد السلطات الحكومية عام ألف وتسعمائة وتسعة، أخذ المواطنون يعزون إليه حصول عدد من المعجزات. وكثيرا ما يزوره المهربين للحصول على بركاته قبل الرحيل أو للإعراب عن شكرهم لما حصدوه من نعم.

في هذه الأجواء تحديدا ولد أمادو كاريو فوينتي عام ألف وتسعمائة وخمسين. لا نعرف الكثير عن طفولته، ولكن في بداية السبعينات منحه عمه إيرنيستو فونسيكا، عملا في حصاد المريغوانا. أي أن كاريو بدأ المهنة من الحضيض.

كان فونسيكا مهرب معروف يعمل في المنطقة كجزء من عصابة غوادالاهارا الشهيرة، التي يرأسها ميغيل أنهيل فيليكس غياردو، أحد ضباط الشرطة السابقين، الذي سعى لضمان التعاون بين رؤساء العصابات التنافسة، ما شكل فلسفة اتبعها كاريو شخصيا بعد سنوات من ذلك.

تعززت نظرية التعاون هذه عبر الانتماء إلى عصابة تتمتع بوضع يفدها من الكوارث التي تصيب العصابات الأخرى.

أدى إطلاق النار إلى مقتل ثلاثة أشخاص..

عام اثنين وثمانين انتشرت وحدات مكافحة المخدرات عبر أرجاء فلوريدا الجنوبية وقطعت أوصال الشبكة الكولومبية التي توزع الكوكايين. بعد أن فاجأتهم الخسائر،  أصبح الكولومبيون بحاجة ماسة إلى وسلة يعتمد عليها في نقل المخدرات إلى داخل الولايات المتحدة. اقتنص ميغيل أنهيل هذه الفرصة على الفور. سبق لعصابته أن هربت الكوكايين من قبل، ولكن أسلوبه الجديد سيضمن تهريب كميات أكبر ويعود بأرباح أكبر، قد تصل إلى ألفي دولار للكيلو الواحد. لم يطل الوقت على عصابات المخدرات حتى بدأت تحصد أرباح أكبر من أي وقت مضى.

لا يوجد تيار كهربائي هنا في سيرا ماذري. ومع ذلك أخذت تنتشر النوادي الليلية المغطاة بالرخام، في منطقة نائية. والناس هناك يتنقلون بالأسلحة، فهل يمكن أن تعتقد بأنهم من مزارعي الذرة؟

لا أحد يعرف بعد كيف انتقل كاريو من زراعة الماريغوانا إلى تهريبها. يعتقد البعض أنه انتهى من مرحلة التعلم وأصبح جاهزا للقيام بدور أكبر في العصابة. وربما كان لهذا الدور أن يكتمل بعد قضاء خمس سنوات في جهاز الشرطة المكسيكي السري، الدي إف إس.

سميت هذه الشرطة بأمن المخدرات الفدرالي، وهي الشرطة السرية للحكومة التي تديرها وزارة الداخلية في المكسيك، وكان أمادو أحد العاملين فيها.

عمل تيرانس بابا في الثمانين مراسلا لشؤون المخدرات في صحيفة هيرالد بوست. كما أن كتابه أسياد المخدرات يعتبر من أكثر الكتب مصداقية التي ألفت عن عالم المخدرات في المكسيك.

كانت تلك مرحلة مجمعات البوفالو للمخدرات في منطقة شوالو المكسيكية الزراعية، التي استثمر فيها ملايين الدولارات في تشغيل أكثر من سبعة آلاف مزارع في حقول المريغوانا.

إنها أكبر حقول لزراعة المخدرات في العالم، لدرجة أن الأقمار الصناعية الأمريكية كانت تشاهدها بوضوح.

ولكن حقول المخدرات تعرضت للكشف على يد عميل الاستخبارات السرية إنريكي كامارينا، الذي تعرض للخطف والتعذيب والقتل من قبل زعيم عصابة غوادالاهرا الشهيرة، غاليوز أنهيل أماندا. 

أثناء التحقيقات التي أجريت لاحقا، تبين أن الاستخبارات كانت متورطة في حماية هذه العملية إلى جانب الشرطة الفدرالية والجيش المكسيكي.

جرت عملية الاغتيال الجبانة، لإنريكي كمارينا، العميل الخاص في الإدارة الخاصة لمكافحة المخدرات،  على يد الحكومة المكسيكية، بالتعاون والشراكة والتفاهم مع زعماء عصابات المخدرات.

تقاعد بيل جوردن من إدارة المكافحة بعد ثلاثين عاما  من الخدمة أمضى عشرة أعوام منها كعميل خاص مسؤول عن مكتب دلاس، وعاما واحدا مسؤول عن إيبيك، أي مركز الباسو للاستخبارات، وهو أكبر مركز معلومات للمخدرات حول العالم. وقد كان صديق شخصي لكمارينا.

لم تعتذر الحكومة المكسيكية حتى اليوم على اعتقالها وتسليمها إنريكي كمارينا لزعماء التهريب.

يبدو أن الضغوط الدولية وتحديدا الصادرة عن الولايات المتحدة أدت إلى صرف جهاز مكافحة المخدرات لأربعمائة من عملائه، ولا بد أن كارريو أمادو كان واحدا من العملاء الذي طردوا في ذلك الوقت.

عام خمسة وتسعون، قام كاريو بزيارة إلى أوهيناغا الحدودية، البلدة القريبة نسبيا من مدينة تكساس والتي سرعان ما تحولت إلى مركز رئيسي للمخدرات في  شمال المكسيك.

لم تقل أهميتها أبدا بالنسبة للهيروين والكوكين، ولكن بعد تحول المخدرات من الكاريبي إلى المكسيك، تحولت إوهيناغا إلى مركز رئيسي للكوكين.

كان بابلو أكوستا في ذلك الحين الزعيم الأوحد للعصابات في أوهيناغا،  بعد أن هرب الكوكين والهيروين من المنطقة طوال خمسة عشر عام، فاستولى على السلطة فيها قبيل ثلاثة أعوام. ضمن عملية عرفت بلقب بيغي ماكين، ضمت عصابات غوادالاهارا كميات إضافية من الكوكين إلى عمليات أكوستا المحترمة جدا.

كانت قوة بابلو أكوستا تكمن في أنه ينعم بالحماية في تلك المنطقة، أي ان الكوكين الذي يدخل إلى هناك كان مضمونا، ولا داعي للقلق بشأنه، فهو آمن إن كان يخص بابلو.

وصل كاريو إلى  أوهيناغا عام خمسة وثمانين، فأوقفته سلطات الجمارك الأمريكية  لأنه يدخل بندقية أوتوماتيكية معه إلى المكسيك، فكانت تلك المرة الأولى والوحيدة التي اصطدم فيها بالسلطات الأمريكية. ومن هنا خرجت الصورة الوحيدة التي عرفت لاحقا لأهم زعيم العصابات المخدرات في المكسيك.   تحدث كاريو بحرية مع رجال الجمارك، ومنحهم كما كبيرا من المعلومات الشخصية، ورغم أن رجال الجمارك كانوا يعرفون أن كاريو كان مهربا كبيرا، ولكنهم ما كانوا يعرفون أنه يحتل مكانة مميزة في عصابة بابلو أكوستا.

يبدو أنهما كانا على صلة ودية، حين قابلت بابلو وجدته يفخر بالسلسلة الذهبية التي حول عنقه فسألته عنها ليقول أنها من أمادو ثم أشار إلى ساعة الرولكس المصنوعة من الذهب الخالص، والتي قال أيضا أنها هدية حصل عليها من أمادو. يبدو أنه كان فخور جدا بهما، حتى أنه عند مماته كانت الساعة نفسها حول معصمه.

توافق وصول كاريو مع فترة قدوم كميات كبيرة من المخدرات جوا إلى أوهيناغا، هناك اعتقاد يقول بأن الهدف من وصول كاريو إلى الحدود كان مضاعفا، تنسيق المخدرات التي يبعث بها عمه أنهيل من جهة والتدرب على يد أهم زعماء التهريب في المكسيك.

تركت شبكات تهريب المخدرات كما يقول المثل الشائع هنا لخصوبة مخيلة المهربين. تستخدم الأكثر شيوعا منها السيارات، وصفائح الشاحنات، وبعض أخاديد الأجسام البشرية، أي انهم لم يوفروا شيئا..

اسطوانات الغاز. لا شك أنهم كانوا يفتحون الاسطوانة أولا لحشوها، ثم خلصوا لاحقا إلى فكرة وضع أسطوانة غاز داخل أخرى، أي أنهم يضعون أسطوانتين صغيرتين داخل أسطوانة كبيرة، يحتوي كل منها على أكثر من مائة رطل من الكوكين بداخله.

كان بابلو أكوستا خبيرا في تهريب المخدرات يتقن ما يفعله وقد علم أمادو كل ما يعرفه. ولكن أمادو كان أشد ذكاء منه. بعد أن أصيب أكوستا بالإدمان اصبح في طريقه المبكر إلى القبر دون الحاجة إلى قتله.

فرخ البط عوام، هذا ما يقوله المثل الشائع، ولكن كاريو تخطى حدود التعلم، فبعد اعتقال عمه بتهمة قتل العميل السري كمارينا، من الممكن الاعتقاد بأن كاريو ورث عمليات عمه. في نهايات عام ستة وثمانين، التقى تيرانس بوب كلا الرجلين، ليجد بأن الفرق بينهما كبير جدا.

كنا نجلس في غرفة فوق مبنى الإذاعة، فيها منفضة سجائر مليئة والأسلحة الفردية في كل مكان، ومسدس من عيار خمسة وأربعين مليمتر على وسطه. بعد لحظات أخذ بعض الكوكين وصودا الطهي ومزجها معا فوق شمعة صغيره، فذابت وشكلت بعض الفقاقيع وامتزجت،وبعد ذلك أمضى الليلة يحشو المزيج في صنع لفائف من السجائر يضعها في جيبه أو يدخنها. كان الجميع يتحدث عنه وعن سقوطه في الإدمان على الكوكين. وبعد ذلك دخل أمادو أذكر جيدا أنه كان يرتدي ملابس على الطريقة الغربية، شعرت أنه ودود جدا، بل كان يبالغ بالودية. بعد لحظات تبين لي من ملامح أمادو معرفته بأن بابلو كان يتحدث إلى صحفي أمريكي، أعتقد أن أمادو كان يعرف ذلك. كان يسعى للاستيلاء على الأمر، والاستيلاء على الأمر يعني التخلص من بابلو.

لا أحد يعرف ما إذا تحدى كاريو سلطات بابلو يوما، ولكن عام ستة وثمانين شوهد الرجلان يتبادلان عبارات ساخنة في إحدى المطاعم أوهيناغا.

كانت أعمال بابلو وأمادو  تشمل مزرعة لا تبعد أكثر من عشرين ميلا عن المدينة، كانت تحتوي على خزان قديم تحت الأرض هو أشبه بخزان البنزين، إلى جانب مدرج.

عند هبوط الطائرة كانوا ينزلون ما تحتويه من حمولة ثلاثمائة رطل من الكوكين ويدفنوها في الخزان. دون أن يعرف أحدا بشأن هذا الخزان، ولكن مكافحة المخدرات علمت بطريقة أو بأخرى عن وجوده.  كما أدرك أمادو بطريقة ما أن المكافحة تعرف مكانه. بين رجاله ورجال بابلو هناك ستة أشخاص يعرفون بشأن الخزان. فأخضع كل منهم للتعذيب حتى الموت، للتأكد من تسرب معلومات أخرى إلى المكافحة عنه.

لم يعرف أحد منهم شيئا، ولكنهم ماتوا جميعا.

سأل بابلو كاريو عما أحرزه بقتل ستة رجال أبرياء.

تخلص من الجميع، فتتخلص من المشكلة..

عذب ستة أبرياء حتى الموت، ولكن المذنب الوحيد نجى بدون عقاب.

أعتقد أن أمادو تلقى بعض الدروس من بابلو، ولكنه لم يتعلم درس إضعاف الكوكين جيدا لأن هذا ما فعله طوال حياته، إلا أنه تعلم بأن الحركة والظهور يسببان المشاكل.

أثناء مقابلته مع تيرانس بوب، كشف بابلو عن جانب من الحماية التي تتمتع بها عصابات التهريب من قبل السلطات. ولكن للحفاظ على هذه الحماية عليه أن يدفع باستمرار مبالغ دائمة للجيش والشرطة الفدرالية. ما أن تم نشر تلك المقابلة حتى جاءت أوامر من الحكومة الفدرالية لاعتقال بابلو أكوستا.

طاردوه طوال الأشهر الخمس التالية، في جميع أرجاء المكسيك، حتى انتهى به الأمر مختبئا في إحدى القرى القريبة من ريو غراندي، وقد اختبأ في إحدى الأقبية لمدة ساعة كاملة حتى انتهاء تبادل إطلاق النار الذي قتل أثنائه بعد أن رفض الاستسلام.

اختفى كاريو نهائيا عند تعرض أكوستا للمطاردة، يعتقد البعض أنه على صلة بمقتله.

أستطيع الكلام انطلاقا من المعلومات المتوفرة لدينا حينها والتي تقول بأن أمادو كاريو فوينتيس دفع إلى الشرطة الفدرالية مليون دولار لتقتل بابلو أكوستا.

لا تبرز تحركاتك ولا تتحدث إلى الصحفيين ولا تسمح لأحد بأن يعرف اسمك واقتل كل من ينطق باسمك في العلن. وهذا هو السبب في مقتل أكوستا، بعد أن أصبح شخصية معروفة جدا، فأخذ يشكل إحراجا كبيرا للحكومة المكسيكية التي توظفه. وهذا ما فعلته.

حقيقة مدهشة. الاتفاق الذي تتولى عصابات التهريب العمل من خلاله بحماية الشرطة والجيش، هي جانب من الحقائق المدهشة والمخيفة في حياة الجريمة المكسيكية المنظمة، وهي مدهشة لتعقيداتها، ومخيفة لأبعادها.

تحصل الشرطة والحكومة المكسيكية على نسبة من كل شيء بما في ذلك الجرائم. إذا

أردت أن تصبح مجرما، عليك أن تعلن بأنك المسؤول عن الساحة وأنك تمثل عناصر الإجرام، ثم تذهب إلى القائد، كي تتفق معه، ليقول القائد حينها أنه سيدعك تفعل كل شيء، ولكن إذا سببت المتاعب، سيقتلك أو يعتقلك ويسجنك. ولكن إن لم يحدث ذلك، سأكتفي بالحصول على حصتي، لتستمر بأعمالك. هذه هي الطريقة التي تجري عليها الأمور.

ما هو حجم تورط السلطات في المكسيك؟ يعتمد ذلك على من تتحدث إليه، إذا تحدثت عن الدي دي إيه، ستؤكد لك أنها متورطة جدا.

يعمل تريسي إيتن مراسلا لجريدة دلاس مورنيغ في المكسيك، وقد كتب عن جميع مراحل تجارة المخدرات المكسيكية التي تساوي ملايين الدولارات، وقد حصل على مصادر معلومات هامة بين رجال القانون في المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية.

يكمن  الأمر في أن حزب سياسي واحد يحكم المكسيك، وهو الحزب الدستوري الثوري، أو البري، لسبعين عاما. وهل تعرف ما يقولونه عن السلطة؟ كنت أتحدث يوما عن مدعي عام في دائرة المباحث، كان مسؤولا عن وحدة خاصة. أخبرني سرا عما يقوله مدعي عام آخر عن الحصول على تلك الوظائف، سأل قائلا، أما زال نظام واحد اثنان ثلاثة ساري المفعول؟ فأجابه الآخر نعم النظام نفسه: مليون دولار لوزارة الداخلية، ومليونين للشواطئ، وثلاثة ملايين للحدود، كل هذا بالعملة الأمريكية. هذا ما يدفعه الناس للحصول على وظائف الشرطة والمدعين العامين.

السبب الذي يجعلك تدفع هو أنك تكسب على أكثر من ذلك. والوسيلة الوحيدة لكسب المزيد هي الحصول على أموال المخدرات.

ما تحصل على الوظيفة عليك أن تبدأ بالإنتاج لتدفع الإيجارات وغيرها. والعملية سارية المفعول بشكل رائع، وهي مجدية لأصحابها.

يصعد غالبيتهم على سلم الترقيات إلى مواقع أعلى في الحكومة، دون عوائق تذكر.

يقول أحد العملاء السابقين في الإف بي أي المقيمين في المكسيك أن البري استعان بالمهربين لجمع المال، كما أن النظام المشترك بين البري والحكومة فرضوا عليهم الضرائب، وابتزوا منهم الأموال، حتى تحول المهربون إلى قطيع.

مع الوقت أصبح من الطبيعي لبعض الأفراد أن يوسعوا تحالفاتهم،  أستاذ كاريو الأصلي ميغيل أنهيل فيليكس غاياردو، وسع عملياتها شمالا نحو الحدود، ليشكل بذلك عصابة توانا. خوان غارسيا ألبيرغو شكل مجموعة من العصابات العاملة على طول الشواطئ ليشكل منها عصابة الخليج. أما عصابة خواريس فكانت بزعامة رفائيل أغيلا غياردو، ضابط سابق في مكافحة المخدرات زميل متخرج مع كاريو. من الغرابة في شأن أن يهبط كاريو بطائرته في جنوب كولومبيا بعد أيام قليلة من دفن بابلو أكوستا.

تمكن أغيلا عبر الشرطة الفدرالية من الحصول على طرق التهريب عبر البلاد، وهي معلومات ساعدته كثيرا في توسيع مجالات عصابته. يسود اعتقاد بأن أغيلا كان مهتم بالصلة مع مهربي كالي قبل أن يظهر كاريو على الساحة. إلا أن وصوله إلى الساحة لقي ترحيبا كبيرا.

في آب أغسطس من عام تسعة وثمانين، اعتقل كاريو في غوادالاهارا، بتهمة التهريب مع الكولومبيين. صادر الجيش ستة من طائراته، نوع أربعة منها جيت. ثم أطلق سراحه بعد أشهر من ذلك.

حتى في التسعة والثمانين كان يتمتع بالقوة الكافية لدفع ما يلزم من المال والخروج من السجن. المثير في الأمر هو أن عمه إيرنيستو فونسيكا أقام علاقات مع الجيش قبل سنوات من ذلك، وما أعنيه بالعلاقات هنا هو أنه كان يدفع للجيش. ليتبين لاحقا أن هذا ما أفاد أمادو، لأن أمادو حافظ على تلك العلاقات مع الجيش في غوادالاهارا، كانوا بعضا من أهم حماته في المدينة.

عندما تم اعتقاله التقطت له بعض الصور المختلفة جدا عن تلك التي التقطت له في أوهيناغا حين تقدم بطلب للحصول على بطاقة لعبور الحدود.   والطريقة الوحيدة التي أعرفها لتغيير ملامح الشخص على هذا النحو هي عمليات التجميل.

كان كاريو في السجن حين اكتشفت السلطات الأمريكية أطنان المخدرات الحادية والعشرين في سيلمار كليفورنيا. من المحتمل جدا أن يكون زعيم العصابة الشاب قد ساعد في نقلها عبر شمال المكسيك.

كنت مسؤولا عن مكتب الباسو عندما حصل ذلك، وكنا نعرف بأن  كميات من المخدرات تدخل البلاد، ولكنا لم نعرف بالأطنان التي دخلت عبر حدود الباسو، ولا شك أنها مرت بتوجيهات من كاريو أمادو فوينتيس.

تمكنت مكافحة المخدرات الأمريكية من تسجيل حوار بين عصابات التهريب الكولومبية  في لوس أنجلوس، يسأل أحدهم الآخر: وهل صادروا العشرون طن الأخرى؟ (..) أصابت كميات سيلمار مكافحة المخدرات الأمريكية بالذعر من الحجم الذي يمكن أن يبلغه التهريب، كما ذعرت لأن مصادرة هذه الكميات الكبيرة لم تؤثر على أسعاره في الشوارع.

مع حلول ربيع عام تسعين، أصبح كاريو خارج السجن، بينما كانت عصابة خواريس تشهد نعوا من الهدوء النسبي، أما غرب المكسيك فقد تحول بالمقابل إلى منطقة حروب. بعد قليل جرى اعتقال ميغيل أنهيل فيليكس غياردو، انشقت عصابة تيوخوانا. خواكين التشابو غوسمان، وهيكتور لويس بالما، شكلا عصابتي سينالوا. نفذ الشقيقان غاليانو، قريبي ميغيل أنهيل،  عملية اغتيال انتقامية  لبالما وزوجته وأبنائه.  فردت عصابة سينالو على ذلك بإرسال أربعين مسلحا للهجوم على أحد ملاهي عصابة غاليانو. إلى أن انتهى حمام الدم بعملية اغتيال وقعت هام ثلاثة وتسعين، وقع ضحيتها كارلوس خوان خيسوس بوساداس أوكامبو، الذي قتل رميا بالرصاص في مطار غوادالاهارا.

تسببت عملية القتل هذه بإثارة غضب المجتمع المكسيكي، وهي تكشف عما وصلت إليه عصابات التهريب، كما تكشف عن احتمالات كبيرة من تحويل المكسيك إلى كولومبيا أخرى.

كان انتقام عصابات التهريب أشبه بالحرب الأهلية لتوسيع رقعة سيطرتها ما أوقع المهربين تحت مرمى النيران. حتى بلغ الأمر لجعل الكولومبيين مجبرين على الالتزامات.

قرر كاريو بأن المكسيك لن تقبل بمجرد أجر على نقل الكوكين الكولومبي، بل تريد نصف البضاعة، وعند حصوله على نصف البضاعة بدأ ينافس الكولومبيين في الولايات المتحدة عبر أنظمة التوزيع، وحينها بدأت شحنات الأموال تصل إلى المكسيك، وهذا ما حدث بين عامي خمسة وثمانين وتسعين. لم يكشف عمن كان وراء ذلك، ولكن الشخصية الحقيقية هي أمادو كاريو. فهو يتمتع بدماغ ساخن وقلب بارد لمثل هذه الأعمال.

العام الحاسم لبروز أمادو في عصابة خواريس هو عام ثلاثة وتسعين، ذلك أن هذا العام شهد تعرض بعض زعماء أمادو لدخول السجن أو القتل أو ما شابه ذلك.

قتل أغيلا بعد يومين فقط من تهديده بالإعلان على الملأ عمن يقدم الحماية لرجال المخدرات، بعد أن سئم من المبالغ الإضافية التي يطلبونها منه. 

في اليوم الذي قتل فيه لم يأتي حارسه الشخصي للعمل، وبعد أسبوع من ذلك تبين أن الحارس الشخصي نفسه بدأ يعمل لدى أمادو كورريا، لهذا يبدو أن أمادو متورط في مقتل أغيلا، وبعد ذلك استولى على ساحة عصابته. ولكن يجب أن نعلم بأن خواريس ليست مجرد مدينة أخرى، إذا جلس المرء وفتح خريطة للولايات المتحدة، سيجد بأن خوارس هي أقرب مدينة لأكبر شبكة طرقات داخلية للولايات المتحدة تربطها بالمكسيك. أي أنها الموقع الأفضل، على الأرض، لشبكة توزيع المخدرات في أمريكا الشمالية. لهذا فهي بالغة الأهمية ولا بد لكورريا أن يستولي عليها.

بدأ كورريا بالعمليات على الفور، فحمل إنتاج العصابات إلى المناطق الأكثر عصرية، مستخدما طائرات الشحن والركاب حتى بلغت حمولته خمسة عشر طن من الكوكين في وقت واحد.  

تمكن على هذا النحو من نقل بضائعه الممنوعة  عبر أساطيل الشحن الجوية التجارية الشهيرة، التي لو أرادت طائرات المكافحة المكسيكية أن تطاردها جدلا، لفقدت أنفاسها قبل المحاولة. لم يمض وقت طويل قبل أن يمنح كورريا لقبه الأشهر،  سيد الأجواء.

شهرة كورريا العالمية جعلت من الصعب عليه البقاء متخفيا. في تشرين الثاني من عام ثلاثة وتسعين نجا من محاولة الاغتيال الجدية والوحيدة التي تعرض لها في حياته.

كان أمادو كورريا يتناول العشاء مع زوجته وابنه عند المساء، في مطعم للسمك، وفجأة دخلت مجموعة من الأفراد إلى المطعم وبدأت تطلق النار.

نجا كورريا من الحادث بأعجوبة، والحقيقة أن سبب نجاته هي أن الأشخاص الذين أطلقوا النار عليه لا يعرفون ملامحه فاكتفوا بقتل حراسه.

لا أحد يعرف بعد من كان وراء المحاولة. يعتقد البعض أنه رئيس عصابة يدعى خوان غارسيا أرغويو، الذي حاول التخلص من منافسه الرئيسي. بينما يرى البعض الآخر أنهما الأشقاء أوريانو من عصابة تيوخوانا، لغضبهما من وقوف كارريو إلى جانب غريمهما خواكين التشابو غوسمان.

محاولة اغتيال كاريو دفعته إلى الاختفاء بعيدا في أجواء السرية المطلقة. فكان يقوم بأعماله على الهاتف وعبر وسطاء يثق بهم. وإذا ما أجبر على الظهور العلني كان يحاط بالحراسات. ولا شك أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم القوي، لهذا استمر في توسيع رقعة تأثيره وقوته.

هناك عبارة في الاسبانية تقول: بلاتا أو بلومو، أي الفضة أو الرصاص، بما معناه إما أن تدفع المال أو تتلقى رصاصة. هذا هو  أسلوب عملهم.

يشدد كاريو اعتماده على الوفاء، كما لا يبدي أي رحمة بالمتمردين، أما المخطئ سواء كان ذلك عامدا أو غير متعمد، يتلقى معاملة بنفس القسوة.

اشتهر كورريا بفكرة أن القانون يدعو للتخلص ممن على صلة بالأمر، ليقضي على الخيانة. وهذا ما فعله.

ارتكب كورريا عامي ثلاثة وتسعين وأربعة وتسعين جرائم كثيرة، كان يربطها بشريط أصفر كرسالة.

ولكنه تحسن تدريجيا مع الوقت، بفضل أحد النمور الفريدة في العالم. هناك قصة عن مهرب مخدرات يحب النمور، وقد هرب منه أحد النمور عام ستة وتسعين وأخذ يجول في الشوارع، وتم القبض عليه في شوالو المدينة التي وضع فيها ذلك النمر. في ذلك الوقت كان الناس يظهرون في الشوارع بعد تعرضهم للقتل والذبح والرمي بالرصاص، ولكنها كانت تغطى بنوع من القماش المموه بجلد النمر. حين يوجد ذلك الغطاء فهو يحمل رسالة، لأنه عميل قانوني، أي أن كورريا كان دقيق جدا لا يتهاون مع أحد.

تحولت خواريس تحت سلطة كورريا إلى إلى مدينة محاصرة، تتأثر بعنف حاكمها.

ولكن صغار الفلاحين في بلدته موي تشيليتو  كانوا ينعمون بعطاءات الزعيم السخية.

إنه يحسن معاملة الشعب هنا.

ماذا فعل لأجلكم؟

أهم ما فعله بناء الكنيسة.

السكان هناك يحبونه، أي أن الناس الذين يقيمون في تلك المنطقة من الفلاحين، وهو يمثل المال والثروة والأبوة بالنسبة إليهم.

مع نهاية كانون أول ديسمبر من عام أربعة وتسعين أصيبت العملة المكسيكية بالانهيار. حافظ كورريا كغيره من رجال العصابات على ثروته بالدولار، ما جعله أثرى من قبل بنسبة ثلاثين بالمائة. مع ذلك وقعت أحداث عام خمسة وتسعين لتجعل إمبراطوريو كورريا أكبر من قبل. تمكنت الشرطة الكولومبية من اعتقال الأخوين رودريغيز أوروبينا، وهما صلة وصل كوررياس الوحيدة بين عصابات كالي. بعد وقوع زملائه في كالي بأزمة مشابهة، اقام كورريا اتصالات لشراء الكوكين من مزارعي المخدرات في البيرو وبوليفيا.

ما فعله كورريا هو التحول إلى بائع للكوكين بالجملة، فتوصل إلى اتفاق مع زعماء العصابات الأخرى، بعد أن قدم لهم عرضا واضحا. لدي كميات كبيرة من الكوكين ليست موجودة في البلد، إن تأتوا إلي سأبيعها لكم بالجملة، لن أحتفظ بها، وسنتقاسم الأرباح التي نجنيها من التوزيع في الولايات المتحدة ونعيش بسلام. أكد ذلك أن أمادو يدرك جيدا بأن الحرب تكلف أكثر من السلام.

أدرك الكولومبيون مصدر الخطر الرئيسي، بعد أن حصل كوريا على مصادر أخرى لبضائعه وقطع بالتالي دابر المنافسة على الأسواق الأمريكية، التي تستهلك سنويا أكثر من أربعمائة طن من الكوكين سنويا. وفي النهاية أصبحت العصابات الكولومبية توكل عملية توزيع الكوكين في مدينة نيويورك، إلى العصابات المكسيكية.

في أواسط التسعينات بلغ الأمر بأمادو أنه أصبح قادر على تصدير الكوكين عبر ألفي ميل من الحدود المكسيكية الأمريكية وحده. حتى أنه كان ينطلق من تيخوانا مباشرة إلى مدينة لوس أنجلوس، رغم وجود أحد منافسيه هناك إي عصابة فيليكس، المعروفة جدا بالعنف. ولكن أمادو كان يفضل صنع السلام، إذ كان يعتقد، كما قال له ميغيل أنهيل فيليكس غياردو مرة، أنه من الأفضل التعاون مع أخيك المهرب لجمع المال، من أن تقتله، أما إذا اضطررت لذلك فاقتله، ولكن إذا عملت معه ستنجحان معا، وهذا ما فعله لعدة سنوات.

تحول إلى سيد مطلق فعلا، كان عدد العصابات قبل ذلك يصل إلى ثمانية أو أكثر، وكانت الحكومة تجلس في القمة وتطلق الواحد ضد الآخر. أما هو فقد تعزز وأصبحت قوته تضاهي الحكومة.

قررت الحكومة الأمريكية مهاجمة إمبراطورية كاريو بكل ما أوتيت من قوة، بدءا بأهم تقنيات جمع المعلومات إلى رجال القانون.

الأدوات التي اعتمدت لضرب مراكز كورريا أمادو فوينتيس هي وسائل تقنية عالية لجمع المعلومات، والقوة البشرية، والتكنولوجيا الحديثة،  التي لا أستطيع الإفصاح عنها لأنها تستخدم الآن لمطاردة المهربين الآخرين.

اعتمد كورريا أيضا على التكنولوجيا، فحسن وسائل الاتصالات الداخلية بين  العصابات، وكثيرا ما كان يستخدم الهاتف العادي والخلوي أما الخلوي فكان يستعمله لعبور الحدود، لتحديد الصف الذي يجب أن يعتمد لتفادي التفتيش. حتى أنه كسب إحدى الهجمات التكنولوجية ضد المكافحة.

مركز مكافحة المخدرات في الباسو هو الأكبر في العالم. منذ فترة وجيزة كانت مجموعات المكافحة تقوم بالتأكد من رخص القيادة في جميع السيارات التي في موقف السيارات العام،  لتتنبه فجأة إلى أن أجهزة الهاتف لديهم مخترقة، أي أن كاريو يسمع ما يجري من حوار بين عناصرها. لم يعد للمكافحة مكان آمن إلا خطوط الجيش الهاتفية، ولا أعتقد أنها بعيدة عن منال كورريا.

كثيرا ما تواجه أجهزة مكافحة المخدرات الأمريكية وغيرها عدم التعاون من قبل الحكومة المكسيكية، ما يؤكد بأن دعم كورريا يصدر عن أعلى المستويات في الدولة.

ظهر التعاون الرفيع المستوى الذي ينعم به كورريا عبر محاكمة أمريكية فدرالية جرت بعد ثلاثة أعوام. رونالد ماسياس، أحد ضباط الشرطة المكسيكية سابقا، شهد بأن دوريات السلطات المحلية اكتشفت شحنة جوية  من المخدرات التابعة لكورريا في ولاية ساكاتيكاس.

نحن أمام طائرة كبيرة الحجم تحط في مدرج ترابي ضمن منطقة  نائية، تبدو أشبه بالبوينغ سبعمائة وسبعة، مليئة بالكوكين وليس فيها أي مقاعد، أي أنها واحدة من الشحنات التقليدية لكورريا.

يؤكد ماسياس أنه عندما وصل مع زملائه في الشرطة إلى الموقع، أمر الضابط الذي معهم رجال الدورية بالانسحاب.

نحن من الشرطة الفدرالية وسنتولى الأمر بأنفسنا.

ثم ساعد ماسياس في تحميل المخدرات إلى الشاحنات. ثم شهد ماسياس أنه تلقى أوامر في مركز الشرطة باستبدال الكوكين بالخشب والأشياء الأخرى.  جرى في هذه الأثناء تحميل الكوكين في شاحنة كبيرة، كي تنقل من هناك إلى إحدى مراكز كورريا السرية.  ثم أشعل النار بعد ذلك بالخشب، على أنه مخدرات وسط احتفال رسمي حاشد.

ليست هذه إلا شكليات مزيفه لذر الرماد في العيون، يمكن أن أؤكد بأنه لم تحرق أي كمية من الكوكين، بل عادة ما تعاود الوصول إلى الأسواق الاستهلاكية الأمريكية.

في اليوم التالي أمر ماسياس بحمل حقيبة كبيرة  مليئة بالأموال النقدية المصادرة إلى مدينة المكسيك، ليضعها في سيارة تقف أمام مركز القيادة الرئيسي. ويؤكد ماسياس أن الشخص الذي كان يجلس وراء المقود هو نائب المدعي العام ماريو رويس ماسيو، أحد زعماء المخدرات في المكسيك حينها. كان ماريو من حماة أعمال أمادو كورريا فوينتيس.

كل ما نتبادله من معلومات مع سلطات المكافحة المكسيكية ينقل مباشرة إلى أمادو فوينتيس.

في الربيع من عام ستة وتسعين قام أحدهم في الجي دي إيه، بتبادل المخبرين مع مكافحة المخدرات المكسيكية، بعد ثلاثة أشهر من ذلك عثر على الجثث بين النفايات. هذا ما يؤكد إبلاغ المعلومات للعصابات.

تصادر الجمارك الأمريكية ما يقارب المليون رطل من المخدرات كل عام، وهي تسجل نجاحا كبيرا في المكافحة عبر الوسائل الجوية المحلية، التي تراقب  حركة الطائرات عبر البلاد، وعندما تحدد هوية إحدى الشحنات الجوية الغير شرعية، يتوجه العملاء نحوها ويطاردونها حتى يجبرونها على الهبوط.

إنه يخرج شيئا من الطائرة وهو يقذف به منها قذف بشيء ما من الطائرة.

أما الحدود البرية فهي مجهزة بأجهزة تصوير للأشعة قادرة على كشف جميع الحقائب والأكياس المحشوة في الأخاديد. ورغم أرقى التكنولوجيا ما زالت كميات المخدرات تتسرب إلى الولايات المتحدة، ما يؤكد وجود ثغرات أخرى.

أكثر المعابر الحدودية ازدحاما هي التي بين الولايات المتحدة والمكسيك، إذ يعبرها أكثر من ربع مليار شخص في العام الواحد. من شبه المستحيل مراقبتهم جميعا. قد تسأل الجمارك إن كان يفتش عشرة بالمائة من السيارات فيجبك بالنفي. يعني ذلك أنهم إذا أرسلوا المخدرات في عشر سيارات سيعبر منها تسعة على الأقل.

مصاعب الحدود في مصلحة المهربين، عند وصول الكوكين إلى المكسيك يبلغ ثمن الكيلوغرام الواحد بالجملة حوالي ألفي دولار مقابل رطلين فاصلة اثنين، وما أن تصل إلى الحدود حتى يقفز سعرها إلى خمسة آلاف دولار للكيلوغرام الواحد نفسه. عندما تعبر الحدود قد يبلغ ثمنه عشرون ألف دولار للكيلوغرام الواحد ذاته. حتى لو افترضنا بأن عمليات المصادرة بلغت خمسون بالمائة، تحقق العصابة أرباحا بنسب تتراوح بين مائتين وخمسمائة بالمائة. وإذا أخذنا بالاعتبار فساد الشرطة الأمريكية، تقفز الأرباح إلى أرقام خيالية.

سجلت لدينا حالات دفع فيها للمفتش الواحد مليون دولار، ليغض الطرف أثناء مرور شحنة من الكوكين عبر الحدود.

إذا تأملت بثلاثين من رجال أعمال التفتيش الجارية على الحدود، ترى بأنك لا  تحتاج لشراء الثلاثين مفتش، لن يلزمك إلا مفتش واحد، وستدفع لواحد فقط. لتمرر المخدرات أثناء وجوده في موقع العمل. لا داعي لإفساد العديد منهم. وإذا أردت حماية رجالك، تبلغ الضابط بأن هناك شحنة خلفك تحمل مائتين وخمسين رطل من الكوكين، فتبدو وكأنك شخص نظيف.  هذا ما يحدث باستمرار. إنها حلقة مفرغة من المال والفساد والمخدرات التي تفسد كل شيء، وفي أي مكان.

يقول بعض الخبراء بأن فتح الحدود وفق معاهدة التجارة الحرة بين البلدين، شكل عقبة في طريق الجهود المبذولة لمكافحة المخدرات.

حركة النقل في صالحهم، سواء كانت زيادة النقل مناسبة للأعمال أم لا، آمل أن تكون مناسبة للأعمال، المهم أنها في واقع الأمر تخدم مصالح المهربين، ذلك أنها تفتح مجالات لم تكن متوفرة لهم في الماضي.

لديهم أشخاص يدرسون معاهدة نافتا  لمعرفة سبل استخدامها، كما أن القلق يتصاعد الآن بشأن شراء المهربين لوسائل تشكل بنية مواصلات تحتية، أي أنهم يشترون وسائل تربطهم بكولومبيا وأخرى تربطهم بالولايات المتحدة. عندما بدأ المهربون بشراء الطائرات وارتداء السلاسل الذهبية وأحذية الجلود النمساوية، أصبح من الصعب اكتشافهم بعد أن تحولوا إلى أشخاص محترمين.

لماذا نقبل بتحمل ما يجري بهذا الشأن في أمريكا، معاهدة نافتا هي السبب في ذلك، قد لا يقبل السياسيون بذلك ولكنها الحقيقة.

ما زالت نقطة الضعف الرئيسية لدى التهريب هي الأموال النقدية، التي تبقى مبالغ بلا قيمة لا يستطيع كورريا لمسها إلا بعد تبيضها لتصبح دولارات محترمة.

لم تعد أموال المخدرات مخزنة في البراميل تحت الأرض، بل أصبحت تستثمر في التجارة مع الأموال الأخرى، وهي تصل إلى هناك لأن شركات التبييض تعتمد التسهيلات نفسها التي لدى الشركات الشرعية، لكسب المال.

يعمل وليام غيستلي عميل جمركي خاص في عمليات كاسابلانكا، التي تعتبر أهم المباحث الجنائية الأمريكية السرية في نظام المصارف المكسيكية، عبر تاريخ تعزيز القانون الأمريكي.  باستخدام مخبرين سريين يعملون مع العصابات الكولومبية، عقدت العملية  اجتماعا مموها مع مستشارين ماليين لعصابات التهريب لمناقشة فرص التبييض. يقوم المستشارين بعدها بمناقشة العرض مع حفنة من أهم السلطات المصرفية في المكسيك. جرى تصوير هذه الاجتماعات سرا على أشرطة الفيديو.  سرعان ما ستبدأ عمليات التبييض بعد موافقة السلطات المصرفية، لتنطلق عملية التمويل في جميع أنحاء العالم.

إنه عالم مخيف. سواء كنا في طوكيو أو في لندن أو في أوروبا الشرقية أو في أمريكا الوسطى والجنوبية، حتى لو كنا في حتى كوسوفو. عندما ندخل في النظام نصبح على مستوى من الأهمية يسمح لنا بالكشف عن كل ما نريد معرفته لنبقى على ذات الأهمية، ضمن النظام.

تجري عملية التبييض في غاية البساطة،  وذلك ضمن اتفاق سري بين المهربين والمصارف، يتم تهريب الأموال التي تجمع من المخدرات في الولايات المتحدة فتعود إلى المكسيك، كي تودع في أي من البنوك المتعددة، لتصدر البنوك بعدها إلى مندوبي المهربين شيكات درافت بالدولار الأمريكي، يمكن سحبها من حسابات المصارف المكسيكية الكبرى في بنوك أمريكية. بعد ذلك تنقل الأموال النقدية عبر الحدود بسيارات مدرعة، كي تودع في الولايات المتحدة. حينها يصبح المصرف مستعدا لتوظيف الأموال في العقارات والاستثمارات حول العالم.

هذا يوم سيء جدا لمهربي المخدرات في هذه المنطقة..

مع نهاية العملية جرى اعتقال أكثر من مائة وثلاثين شخص. وصودرت مبالغ بقيمة مائة مليون دولار. وصدرت اتهامات بحق اثنين من البنوك الأمريكية وأخضعت للمحاكمة.

وسط هذه الإجراءات، توفرت لدى المخبرين معلومات صحيحة، تبلغ حدودا واسعة النطاق.

أثناء اجتماعنا بأحد كبار المصرفيين أبلغنا بأنه يملك في الولايات المتحدة مبالغ نقدية بقيمة نصف مليار دولار. وأنه يملك نصف مليار نقدي آخر في هولندا، وأنه يملك مائة وخمسون مليون دولار أخرى في العاصمة المكسيكية، وأن هذه المبالغ الأخيرة كانت مخزنة بالطرق اللازمة في أرض يملكها أحد جنرالات المكسيك. وفي الاجتماع التالي حددت هوية الجنرال، على أنه وزير الدفاع المكسيكي. لم يذكروا اسمه ولكنهم حددوا هويته، بالقول أنه وزير الدفاع المكسيكي. في آخر اجتماع عقدناه مع أحد المستشارين في المافيا، أبلغنا بأن هذا حقيقي وأنه لا ينصحنا بالتورط في العملية لأن بعضا من هذه الأموال هي ملك ليس لوزير الدفاع وحده، بل ولأعضاء آخرين في حكومة سيديو. هذه مسألة بالغة الخطورة عليه، تكمن خطورتها في أنه لم يشأ تحمل مسؤولية مليار دولار تملكها البنية السياسية في البلد، وهي خطيرة لأنه يعتقد بأن خسارة جزء بسيط منها  قد يؤدي إلى موته.

وردت هذه المعلومات على هامش جدول أعمال عملية كاسابلانكا، ما يطرح تساؤلات حول الأسباب التي منعت رفع دعوى رسمية في هذا الشأن. كما أن أشرطة الفيديو والوثائق المتعلقة بالاجتماعات لم تخرج إلى العلن أبدا.

بدأت عملية كاسابلانكا على الحدود الأمريكية، ومع ذلك لم يراود الفضول أحد حول مصير الأموال، رغم معرفتنا بأن مئات الملايين تدخل في حسابات المصارف مثل سيتي بنك. سأعطيك مثال بسيط: يوجد في سان أنطونيو تكساس فائض بقيمة ثلاثة مليارات دولار في نظامها المصرفي، لا يمكن ضمها في أي حسابات، ضمن الاقتصاد الشرعي. يصل هذا المبلغ في ميامي إلى خمسة وعشرين مليار، وفي مالباسو سبعمائة وخمسين مليون، إذا أردت الضرر بالمهربين عبر الضرر بأموالهم، ستصيب كلا الطرفين، ولكن أحدهما قادر على معاقبتك، أعني بنوك هذاالبلد.

اللوبي الأكبر في صالح معاهدة نافتا لم ينشأ في المكسيك، بل في الشركات المالية الكبرى للولايات المتحدة، لأنها المستفيد الأكبر من كل الأموال التي تأتي بها المصارف والشركات المكسيكية إلى الولايات المتحدة، التي تستثمر المال بين ليلة وضحاها لتسجل أرباحا طائلة.

يقول البعض أن أرباح كورريا تقدر بعشرة مليارات دولار في العام الواحد. وتؤكد التقديرات أنه يستثمر ما بين سبعة وثمانمائة مليون دولار في الرشوة. بعد وصوله إلى قمة هذه المهنة، هناك أدلة تؤكد أن سيد الأجواء يبحث عن وسيلة للتخلص منها.

في كانون الثاني من عام سبعة وتسعين، بعث أمادو فوينتيس برسول إلى الرئيس المكسيكي إيرنيستو سيديو، يحمل له رسالة تقول: أريدك أن تكف عن ازعاجي، وأن تترك أعمالي وشأنها، وأن تترك عائلتي وشأنها. إذا فعلت ذلك، لن أوزع المخدرات في هذا البلد، وإلا سأغادر هذا البلد لينهار اقتصاده. وهذه حقيقة مؤكدة بلا شك. فعام سبعة وتسعين كانت باماكس أكبر شركة تصدير للنفط في المكسيك، بلغت عائداتها سبعون مليار في العام الواحد، وفي عام سبعة وتسعين، بلغت عائدات المريغوانا السنوية في المكسيك اثنين وثلاثون مليار دولار.

ربما كانت هذه الرسالة سببا في الغارة التي كانت تجهز لاعتقاله في مجمعاته العائليه في سينالوا يوم السادس من كانون الثاني، بمناسبة زواج أخته التي جاءت تحتفل مع العائلة بالمناسبة. قررت الشرطة اعتقال الزعيم بعيدا عن حراساته نسبيا. ولكن مكالمة مجهولة أخرجت كوريا قبيل وصول الشرطة إلى هناك. أخذ كورريا بعين الاعتبار المبالغ الهائلة التي يدفعها للحكومة مقابل حمايته، فاعتبر الغارة بمثابة إهانة له.

يقول بعض المحامين وغيرهم، أنه قومي جدا، يقول أنه لا بد لشخص ما أن يتولى الأمر لبناء المكسيك الجديدة.  وإن كان هذا يعني دعم المخدرات فليكن طالما انه في صالح الاقتصاد المكسيكي.

يحتوي شريط الفيديو هذا على واحدة من صورة قليلة لأمادو كوريا فوينتيس،  حيث يبدو بملامح متعبة جدا.

يبدو بحالة سيئة، يبدو بملامح شخص أمضى ثلاثة أسابيع  في عمل متواصل دون أن يعرف النوم. يقول البعض أنه تأثير الوسكي والكوكين. كما يمكن القول أنه يتعرض لضغوط كثيرة، وكأنه يعاني من إصابات متعددة.

في شباط فبراير من عام سبعة وتسعين، بدأت إمبراطورية كورريا بالتمزق. أكتشف مؤخرا الجنرال خيسوس غوتييريس ريبويو الذي عين مؤخرا مسؤول عن دائرة مناهضة المخدرات المكسيكية، أكتشف أنه يسكن في شقة فاخرة يدفع كورريا أجرها.

كانت تلك فضيحة كبرى. أتعرف ما يعنيه أن يكون المسؤول عن مكافحة المخدرات في البلد شخص يتلقى أجرا من أهم رؤساء عصابات المخدرات؟

وكأنك تعتمد على شخص يعمل في لوس ألاموس وهو يقدم كل المعلومات النووية السرية إلى الصين.

اعتقل الجنرال بعد أسبوعين فقط من عقد اجتماع له مع الجنرال الأمريكي المسؤول عن مكافحة التجسس في واشنطن باري مكابري، لمناقشة عمليات سرية مشتركة لمكافحة التهريب. أعرب مكابري للصحافة عن اعتقاده بأن الجنرال هو ضابط على مستوى عال من الاستقامة. 

يمكن أن أؤكد لك بأن العديد من رجال الاستخبارات كانوا متورطين. لأنك ما  أن تعطي المعلومات السرية إلى الجنرال، كان يعطيها مباشرة إلى أمادو كورريا فوينتيس.

بعد فترة وجيزة من تعيينه، عقد الجنرال خيسوس غوتييريس ريبويو اجتماعا مع مندوبي الصحافة، قال فيه أن المشكلة لا تكمن في عصابات التهريب الكبيرة العاملة في المكسيك، بل علينا أن نهتم بالعصابات الصغيرة، لأنها دون شك أكثر أهمية من كبار الزعماء. تبين بعد ما عرفناه الآن، أنه يبعث من خلالنا برسالة يقول فيها أنه لن يقوم بمطاردة أمادو.

تقوم الولايات المتحدة سنويا بجمع الأجهزة التي تتولى مكافحة المخدرات حول العالم ضمن محاولة لتنسيق المساعي بينها تيمى أنوال سيرتيفيكيشين. تواجه البلدان التي تتخلف عن المساهمة عقوبات تجارية.

كشفت الحكومة ووسائل الإعلام عن معلومات جديدة، تؤكد شكوك سابقة، حول مستوى إفساد المخدرات للمؤسسات المكسيكية.

كشفت العلاقة القائمة بين غوتييريس وأمادو من قبل الحكومة المكسيكية نفسها، ولا شك بأن هذا جاء نتيجة الضغوط المفروضة على المكسيك من خلال اجتماعات، الأنوال سيرتيفيكيشين.

فشل المكسيك في مواجهة هذه العصابات، لا يحمي أي طفل في أي شارع، من أي مدينة  في الولايات المتحدة الأمريكية.

نحن نؤيد بلا شك أن تعتمد الولايات المتحدة على المكسيك الذي ينعم بالضمانة، وسوف تطرح على الكونغرس معالجة هذا القرار، فلا نرى جدوى في ابتعاد الولايات المتحدة عن المكسيك، ونحن نعمل بشكل مشترك في معركة ضد المخدرات.

أصبحت السيرتفكيشن أشبه بمراسيم تقليدية مع حلول موعدها في شباط فبراير، ينتهي الأمر بالمكسيك بأن تقدم تضحية ما أو قربان.

تعرضنا جميعا لصدمة كبيرة حين تم الكشف عن فضيحة الجنرال غوتييريس ريبويو، وارتباطه بالجريمة.

هناك بعض الأشياء التي يجب أن يعرفها الجميع بشأن السيرتيفيكيشين. أولها أنها خالية من المضمون ولا تغيير شيئا في المكسيك، وثانيا أنها لرفع المسؤولية عن الذات، لأن البلد الذي يستحق الإدانة هو الولايات المتحدة، حيث يعيش خمسة بالمائة من سكان العالم، ومع ذلك فهي تستهلك نصف إنتاج الكوكين فيه. أي أنه من الكذب والتضليل أن نتهم المكسيك بتدمير بلادنا بالمخدرات. أي طلب على المخدرات يخلق سوقا. وستبقى المخدرات موجودة طالما هناك من يستعد لشرائها، وإن لم تأت من المكسيك ستصل من أي مكان آخر. ولكن هذه مشكلتنا نحن وليست مشكلتهم.

بعد اعتقال الجنرال اختفى كورريا كليا، ويقال أنه شوهد خلال هذه الفترة في كوبا وأوروبا وفي أماكن بعيدة مثل روسيا. يفكر البعض الآن بنقل هذه العمليات من المكسيك إلى تشيلي. إن لم يعد له مكان في المكسيك، سيحمل كورريا تجارته إلى أسفل القارة الأمريكية.

ولكن كورريا فاجأ الجميع بعودته إلى العاصمة المكسيكية في تموز يوليو من عام سبعة وتسعين، استعدادا لإجراء عملية تجميل في الوجه، فدخل إلى المستشفى باسم مستعار. شارك فريق من أربعة أطباء طوال تسع ساعات في جراحة كورريا، حيث عمل أحدهم  على إزالة عشرون رطل من الدهن في أنحاء جسمه، والآخر على تعديل ملامح الوجه، وفي النهاية تسببت جرعة مهدئ إضافية بموته على طاولة العمليات.

تقول المصادر الرسمية أن كورريا مات في أكثر الظروف غرابة فهل هناك من يصدق ذلك؟ فهذه على أي حال ليس المرة الأولى التي يلجأ فيها فار من العدالة إلى تزييف موته ليخلف وراءه جثة مجهولة.

سمح لبعض أجهزة مكافحة المخدرات أو للإف بي أي بأن تأخذ عينة من بصماته، ثم قارنتها ببصمات أمادو فوينتيس التي أخذت عام خمسة وثمانين عند عبوره الحدود الأمريكية المكسيكية، ما سمح لتوماس كونساتانتين الذي كان مسؤولا عن الدي جي إيه حينها، بأن يعلن للسلطات المكسيكية بأنها بصمات أمادو، ما يعني أن الجثة كانت حقيقية فعلا.

بعد أربعة أشهر من ذلك تم العثور على جثث أطباء كورريا في براميل نفط وضعت على جانب منطقة نائية من الطريق السريع. تعرضت الجثث لتعذيب شديد.

هناك اعتقاد يقول بأن أفراد العائلة فعلوا ذلك بالأطباء.

من المحتمل جدا أن تسعى العائلة لمعرفة أسباب قتله، فعذبوا الأطباء حتى الموت لمعرفة من وراءهم.

تقول مصادر أحد الأشخاص الذين شاهدوا الجثة ليلة موته، وقال أن الجروح لم تقفل بالقطب، علما أن الجراح يقفل الجروح التي فتحها كي تتمكن  العائلة من التعرف على ما جرى. ما يؤكد أن أحدا قتله متعمدا بالإبر.

يكمن السؤال في من حقن الإبر.

هل قتلته الحكومة؟ أم نفس العصابة؟ أم عصابة أخرى؟ أم رجال القانون الأمريكين؟ أم السي أي إيه؟

السلطات المكسيكية متأكدة من أنه قتل ولكنها لا تقدم أي أدلة.

أعتقد أنه مات فعلا في العملية الجراحية، فهو يستخدم الكوكين لأكثر من عشر سنوات، ما يؤثر بطريقة عمل الكبد والقلب وغيرها. ولكن الحقيقة هي أن عائلته ستكون آخر من يعلم بأسباب وفاته.

شكل موت كورريا المفاجئ ضربة هزت العصابات المكسيكية، ولكن يبدو أنه لم يظهر بعد شخصا يحل محله من بين أوساطها حتى الآن.

بعد موت أمادو فوينتيس نشأت من جديد حروب المخدرات بمعنى تقاتل العصابات فيما بينها.

يحبون القول بأن المكسيك تتمتع بهدوء نسبي علما أن الإف بي أي اعترفت بمقل أكثر من ألف مهرب مخدرات خلال أقل من عامين.

ليس من الواضح بعد من يمسك الآن بزمام الأمور.  فيسينتي كورريا هو شقيق أمادو الأصغر. يقال أن البعض سمعه يقول: حصلت على بعض الملايين، وخرجت من اللعبة، اتركوني وشأني واتركوا عائلتي وشأنها.   من بين الأشخاص الذين ظهروا حديثا يبرز خوان خوسي اسبراغوسا مورينو، وهم يلقبونه بالأسول، أي الكحل، وقد حصل على هذا اللقب لأن لون بشرته داكن جدا لدرجة أنها أشبه بالكحل. يعرف عنه أنه آخر زعماء التهريب القدماء  الذين آمنوا فعلا بالوحدة والسلام. وتؤكد مصادر الإف بي أي أنه يسكن في أحد فنادق خواريس الكبرى.

أعتقد شخصيا أنه عندما ينشأ أمادو جديد لن يعرف اسمه أحد، لأنه لن يقبل بأن يموت مثل أمادو.

قيل يوما أنه لو عرضت رئاسة المكسيك يوما على أمادو فوينتيس، لاعتبر ذلك تقليلا من شأنه، وكأن سيد المخدرات أعلى شأنا من الرئيس الأمريكي، أو لأن الرئيس أقل منه شأنا. المهم في نهاية الأمر أن الشعب المكسيكي ما زال عرضة للسؤال نفسه: بلاتا أو بلومو، الفضة أو الرصاص؟ فهل يغض الطرف عن الفساد والمشاركة به؟ أم أنه سيحارب عالم أمادو كورريا فوينتيس السري، ويخاطرون بكل شيء يملكونه؟

سبق أن فزنا في الماضي بمعارك كبرى، ولكنا ما زلنا أبعد من أن ننتصر في الحرب.  

مات أمادو كورريا في تموز يوليو من عام سبعة وتسعين، ولم أعثر على أمريكي واحد يجد صعوبة في شراء الكوكين أو يجده باهظ الثمن،  فهو على أرصفة الطرقات متوفر بالكميات. أي أن موته لم يؤثر على أحد وكأنه موت أم الجنرال، فجحافل الجنود تتابع المسيرة دون توقف. إذا أردت التخلص من الشر يجب أن تواجه وقائعه.

إذا سألت الناس في المكسيك عن أمادو كورريا فوينتيس، سيجيبك العديد منهم أنه ما زال على قيد الحياة. فالبعض يؤمن جديا بقوته وأسطورته وبطولاته لدرجة لا يصدق أنه مات. إنه سيد الأجواء لا يمكن أن يموت.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster