اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 العصابات - شيسلوف إيفانكوف
 

شيسلوف إيفانكوف

 

كثيرا ما يشمل أسلوبه الوحشي في الإقناع العنف والتعذيب. إنه شيسلوف إيفانكوف أحد أبرز المجرمين الذين ظهروا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق.

هناك من يؤكد بأن شهرة إيفانكوف تعتمد على المخيلة أكثر من الوقائع. ولكن الحقيقة هي أن شيسلوف إيفانكوف سافر من روسيا إلى  الولايات المتحدة ضمن برنامج محدد.

=-=-=-=

لم تعترف الحكومة الأمريكية في عهد الاتحاد السوفيتي بوجود الجريمة المنظمة رسميا. لم تقتصر العصابات على الولايات المتحدة وحدها، فقد أعطت الشيوعية مفاجأة صاعقة. فمع نهاية البريسترويكا بدأت تبرز إلى العلن ظاهرة غريبة، حين تفجرت بعض المطاعم وأطلق النار على البعض في الشوارع. وانتشرت شائعات حول المافيا الروسية في أرجاء الاتحاد السوفيتي والعالم أجمع.

عام ستة وتسعين أحرزت السلطات الأمريكية انتصارا ساحقا حين أعلنت عن قبضها على زعيم العصابات الإجرامية الروسي شيسلوف إيفانكوف.

ولد شيسلوف إيفانكوف في بداية الأربعينات في جمهورية جورجيا السوفيتية. أثناء طفولته في موسكو قاوم المجتمع الشيوعي واستخف بعظمة ستالين.  تعرض عدد من أفراد عائلته ومن بينهم والده للمعانات تحت سلطة ستالين. عندما بلغ رشده استمر إيفانكوف على طريق المقاومة، دون أن يقبل بشرعية الشيوعية. انكب على الرياضة حيث أحرز بعض النجاحات البارزة. حتى أصبح بطلا احتل مكانة هامة بين الرياضيين في روسيا.

أي أنه لم يأت من أصول عصابات الشوارع أو ما شابه ذلك بل كانت تغلب عليه ملامح الشخص التقليدي والعادي جدا، الذي تعرض للاعتقال كما يدعي بعد تورطه في حركة للدفاع عن المرأة. وهناك في السجن تمكن من إقامة علاقات مع زملائه خلف القضبان، من هناك بدت احتمالات تورطه في الأعمال الإجرامية.

يعمل جيمس بينغينا أستاذا للقضاء الجنائي في إحدى جامعات نيو جرسي. وقد ألف ست كتب كان آخرها عن المافيا الروسية في أمريكا، حيث يلقي نظرة ثاقبة على الهجرة الروسية إلى الولايات المتحدة، وجذورها في الاتحاد السوفيتي السابق.

لقب إيفانكوف الروسي هو يابونشيك،  وهي كلمة تعني بالروسية الياباني الصغير. بلغني أنه يحمل هذا اللقب لسبب ما، وهو أن ملامحه تحمل بعض العلامات الآسيوية.

بعد خروجه من السجن بدأ إيفانكوف ينتهك القوانين عبر الخوض في الاقتصاد المزدهر جدا للسوق  السوفيتية السوداء.

في السبعينات ازدهر ما يعرف بالسوق السوداء على اعتبار أن مصادر الأموال كانت متعددة جدا في موسكو، المهم أن هذه الأموال زادت من حجم الطلب على المواد الاستهلاكية لدى السكان، وهي متطلبات ما كان النظام الإنتاجي السوفيتي قادرا على تلبيتها.

ازدهرت السوق السوداء لأن النظام السوفيتي لم يكن فاعلا كنظام اقتصادي بل كان يركز على التكنولوجيا العسكرية التي تضمن بقائه كقوة عسكرية عظمى، دون أن يلبي الحاجات الغذائية للسكان. أو المواد الاستهلاكية كالألبسة مثلا.

وسط هذه الأجواء تورط إيفانكوف في عدد من الجرائم كالابتزاز والمقامرة والتجارة بالمخدرات، حتى أسس عصابة في موسكو أسماها سونسيسكايا.

من بين أساليبه تمثيل دور الضابط الروسي والسطو على منازل الأثرياء.

كان يدعي بأنه يجري تحقيقات حول أعمال السرقة وينتهز الفرصة ليقوم هو نفسه بالسرقة. أي أنه كان يستخدم الزي الرسمي كوسيلة للقيام بأعمال إجرامية.

كان زملائه من المجرمين يعتبرونه بالغ القسوة، وبالغ الذكاء يمكن الاعتماد عليه. إذا كان المرء عضوا في مجموعات إجرامية هذا هو الشخص الذي يحتاج إليه. شخص لا يتخلى عن زملائه بل يقف إلى جانبهم ماليا وجسديا على الأرض.

عام واحد وثمانين ألقي القبض عليه بتهمة السرقة وتهريب المخدرات وحمل الأسلحة والتزييف. فأمضى أربعة عشر عاما في واحد من أشد السجون قسوة في سيبيريا. تحدث عميل الإف بي أي الخاص كيفين دونالد  عن ذلك فقال:

تورط إيفانكوف بعدد كبير من العمليات الإجرامية في روسيا كان من بينها الإبتزاز والرشوة وعصابات الحماية، إلى جانب انتهاكات قانونية أخرى وجدت أرضا خصبة لها في واشنطن.

تعززت شهرة إيفانكوف أثناء إقامته في السجن. فكان سجين مشاكس كافح من خلف القضبان لتغيير نظام السجون في الاتحاد السوفيتي، ما جعله يحظى بإعجاب السجناء الآخرين وينال عن استحقاق لقب ورونزاكونيا، أو  اللص القانوني. وهو لقب تحظى به نخبة قليلة من محترفي الجريمة،  ممن يتمتعون بالشهرة الزعامة الرفيعة. 

ترفض هذه النخبة الصغيرة أي تعامل مع السلطات أي أنها لا تتعاون معها بأي شكل كان، وترفض العمل أو المشاركة في البرامج التربوية، أي أنها ترفض كل شيء وتخلق حالة من الأمر الواقع وبالتالي فهي تتبنى حياة من الإجرام، كما ترفض الروابط العائلية وما شابه ذلك.

عمل جيم مودي مساعد سابق لمدير الإف بي أي لشؤون المباحث الجنائية. أمضى ثلاثين عاما من عمره في محاربة الجريمة المنظمة، ويقال أنه أول مسؤول أمريكي من الإف بي أي يزور الاتحاد السوفيتي.

تأكد أنه يحمل لقب لص قانوني فعلا، أثناء قضاء حكم بالسجن بتهمة القيام بأعمال تعذيب وابتزاز لأفراد للاستيلاء على أموالهم. أي أنه مارس الابتزاز منذ أن كان في روسيا عندما حكم هناك آخر مرة.

أثناء وجوده في السجن كان يقود أعمال الإجرام من هناك، وتبين أنه كان متحمسا لتعزيز تهريب المخدرات، فأطلق حربا ضد العصابات الشيشانية الأخرى للتحكم بهذا المجال.

أثناء وجوده في السجن شهد الاتحاد السوفيتي العديد من التغيرات على يد الرئيس الجديد ميخائل غورباتشوف، الذي انضم إلى الحزب الشيوعي وهو شاب بعد، من حيث تدرج عبر بنية الحزب، إلى أن أصبح زعيما للاتحاد السوفيتي وهو في الرابع والأربعين من عمره.

شكلت إصلاحات غورباتشوف في الستينات وصفا دقيقا لسبل قيام الجريمة المنظمة، فأول ما فعله حين جاء إلى الحكم هو تشريع الإدارات الذاتية. ما ساعد الجريمة المنظمة، في الحصول على عشرة بالمائة من الدخل القومي، كل عام.

عام سبعة وثمانين أقر غورباتشوف سياسة عرفت بلقب بريسترويكا. عنت هذه السياسة مبدئيا منح المزيد من السلطة للمدراء وفي بعض الأحيان للعمال أنفسهم ضمن المؤسسات، وذلك بهدف إصلاح الطريقة التي تعمل بها هذه المؤسسات. هذا ما أدى إلى زيادة عدم الكفاءة.

من سوء حظ النظام أن هذا ما ساعد على نشوء مجموعة من الموظفين الفاسدين داخل النظام أقامت تحالفات مع أصابع الجريمة التقليدية، لسرقة أموال وممتلكات الدولة.

بقي جزء من هذه الأموال في روسيا ولكن السواد الأعظم منها ذهب إلى المستثمرين الذين كانوا يوظفون تلك الأموال في جميع أرجاء العالم. كانت مبالغ طائلة في ذلك الوقت تحلق من روسيا إلى عواصم أخرى، بما في ذلك الأموال التي يملكها الحزب الشيوعي، كانت تختفي في حسابات مصرفية أجنبية.

هذه الأموال بالإضافة إلى ما كانت تستثمره الحكومات السوفيتية السابقة،  خلق حالة ازدهار ما بعد السوفيت ودمرها في الوقت نفسه. أي أن ما رأيناه من الخارج، وكأنه نوع من الأسواق المزدهرة، كان في واقع الحال مجرد ظاهرة شكلية مزيفة لا أكثر. ذلك أنها كانت تعتمد على تحكم ما يعرف بالسوق السوداء، في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، التي كان يتحكم بها بشكل رئيسي الجريمة المنظمة والفساد الإداري.

عام واحد وتسعون، أطلق سراح إيفانكوف، ليسدل الستار على الاتحاد السوفيتي في العام نفسه، وينتهي بذلك عصر بكامله.

حصلت لجنة التحقيق الفدرالية على تقرير من الوزارة الروسية للشؤون الداخلية، يؤكد بأن إيفانكوف قد أرسل من قبل مجموعة أخرى من زملائه إلى الولايات المتحدة ليسيطر هناك على الجريمة الروسية المنظمة. ولكن لفهم إيفانكوف بشكل أفضل لا بد أولا من فهم أفضل للجريمة الروسية المنظمة.

قال أحد زعماء العصابات الروسية يوما أن الاتحاد السوفيتي تخلص من الفئات البورجوازية والمثقفة في روسيا، ولكنه لن يتمكن أبدا من تحطيمنا.  فلدينا قوانين خاصة بنا وجميع الأفراد لدينا يعيشون حياة جماعية. نحن مع روسيا ولسنا مع الشيوعية.

عشية القرن العشرين كانت حدود روسيا تمتد من الصين إلى أفغانستان، عبر مساحات شاسعة على طول المحيط الهادئ.

عام ألف وثمانمائة وسبعة وثمانين توج آخر قياصرة روسيا نيكولاس الثاني، فاعتلى العرش. 

كانت روسيا مع نهاية القرن الماضي بلد زراعي متخلف، يعمل ثمانين بالمائة من سكانه في الزراعة، عبر صغار الفلاحين، كما أنه من الناحية السياسية كان يشكل إمبراطورية تتميز بمركزية السلطة.

طالما سادت حالة من الشقاق بين من يملك ومن لا يملك في روسيا. بعد الحرب الروسية اليابانية أجبر نيكولاس الثاني على التنازل للإصلاحيين بما في ذلك إقامة مجلس تشريعي منتخب يسمونه الدوما.

عند تصنيع العديد من مدن الغرب، بدأ العمال الروس ينظمون أنفسهم في منظمات سياسية محلية اسمها السوفيت، الموحدة تحت لواء الحزب الديمقراطي الاشتراكي.

عام ألف وتسعمائة واثني عشر انشق هذا الحزب إلى حزبين مختلفين: الراديكالي البلشفي تحت قيادة فلاديمير لينين. وآخر أكثر اعتدالا  هو المنشفي.

كانت الجريمة  الروسية المنظمة منذ بداية هذا القرن على صلة وثيقة بالحكومة.

أمضى الصحفي ستيفين هاملتون ستة أعوام في موسكو حيث عمل مسؤولا عن مكتب جريدة تورونتو ستار هناك. وقد ألف كتاب رفاق ومجرمين، الذي يعالج الجريمة الروسية المنظمة عن قرب.

اعتبر أوال الثوار البلشفيك أن هذه العصابات الإجرامية تشكل نموذجا للكثير من منظماتهم البروليتارية. يعود السبب في ذلك إلى بنيتها الهيكلية المتماسكة جدا، والتي كان يصعب اختراقها من الخارج، كانت مجموعات أو خلايا صغيرة، الفعالة جدا. نعرف بأن لنين وستالين اعتمدا أساليب الجريمة المنظمة الأولى كوسيلة لتعزيز قضيتهم.

انطلقت الثورة الروسية لسبب رئيسي واحد، وهو نشوب الحرب العالمية الأولى، التي ادت إلى خسائر بشرية هائلة، زرعت الفوضى في النظام السياسي، الذي يتزعمه القيصر.

يعمل يانويل تريسمن أستاذ للعلوم السياسية في جامعة كليفورنيا لوس لأنجيلوس، وقد أمضى عدة سنوات في البحث والكتابة عن الاقتصاد الروسي؟

انطلقت الثورة الأولى بقيادة القوى الديمقراطية تحت لواء رأس المال. كان النظام عام سبعة عشر عاجزا عن القبول بسلطات استشارية. ولكن ظروفه ساءت جدا في العاصمة أخيرا، حيث أصبح البلشفيك تحت قيادة لينين قادرون على السيطرة عبر مجموعات محلية عسكرية صغيرة. وهكذا بدأ بناء ما سمي لاحقا بالاتحاد السوفيتي.

رغم أن البلشفيك كانوا يتمتعون بدعم كبير في موسكو وسانبيربيرغ، إلا أنهم سيطروا على البلاد بأكملها بعد نشوب حرب أهلية.

بدأ عدد كبير من العصابات الروسية في محاربة البلشفية الأولى، التي أخذت تعمل في جميع أرجاء البلاد،  عبر استفزاز المسؤولين الشيوعيين.

بعد موت لينين عام أربعة وعشرين، تسلم جوزيف ستالين زمام السلطة في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية الجديدة أو ما عرف بالاتحاد السوفيتي. بعد خمسة عشر عاما ولد شيسلوف إيفانكوف في ظل قوانين ستالين الحديدية، التي تسببت بمقتل ثلاثة أفراد من عائلة إيفانكوف خلال الحكم الأشد قسوة الذي عرفته أوروبا في تلك الحقبة.

انتشرت الجريمة المنظمة على الطريقة التقليدية وتعززت في كل مكان أثناء فترة القمع الستالينية، ذلك أنه في مناطق الأشغال الشاقة التي عمل فيها السجناء السياسيين والمجرمين معا، تلاقوا على خط مشترك، حتى نشأ نوع من التعاون المشترك، بين السجناء السياسيين وعناصر عصابات الجريمة المنظمة، التي كانت تقرر ما يجري خارج السجون.

يمكن أن نرى اليوم أن هناك مجموعة من زعماء العصابات الذين يطلقون على أنفسهم المنشقون الأوائل، والحقيقة أنهم كانوا أول من أدركوا فعلا بأن النظام السوفيتي كان مناهضا لروسيا ومعاد للأعراف السماوية، واعتبروا أنفسهم الحماة الحقيقيين للتقاليد الروسية. كما أطلقوا على أنفسهم لقب عالم اللصوص. وهو يضم مجموعات صغيرة وشديدة التنظيم، كان يقودها عدد من الزعماء في قمة الهرم يلقب كل منهم باللص القانوني. ما يعني أنهم يعتمدون قوانين خاصة بهم.

أي أن تاريخ هذه المجموعات يعود إلى زمن بعيد يقول البعض أنها قد يصل إلى نهايات القرن الماضي، كما أن ميراثها في المقاومة يمكن أن يرتبط أيضا بشيسلوف إيفانكوف.

عدد كبير من الجرائم التي كانت ترتكب في ظل السلطات السوفيتية كان يدار من داخل السجون وأنظمتها، حيث يمضي المعتقلون بين عشرة وعشرين عاما.

كانت الجريمة المنظمة في ظل ستالين وما قبله، تشكل نوع من الثقافة التحتية المنفصلة يعيش فيها مجتمع منفصل، يعتمد على لغته الخاصة، التي تتألف من عشرة آلاف كلمة، تعرب عن المبادئ التي يجب أن يتصرف الأفراد من خلالها، أو ما يسمونه بالتفكير السليم.

يكمن المفتاح  الرئيسي للتعابير الإجرامية المعتمدة بعدم إقامة أي صلة رسمية بالسلطات. ما يساعد المجرمين في المحافظة على استقلالهم، ونقائهم كما يقولون.

يعتمد لصوص القانون على ما يعرف بكلمة الشرف، 

 ومجموعة المبادئ التالية:

=العمل من أجل العائلة، 

=عدم الزواج، أو بناء عائلة خاصة، دون أن يحول ذلك دون خليلة له.

= عدم العمل. والاعتماد على الجريمة كوسيلة للبقاء.

= مساعدة غيره من اللصوص.

= وتجنيد وتدريب أعضاء جدد.

= عدم الإسراف في الشراب والمقامرة لدرجة الإدمان.

= عدم إقامة أي صلة بالحكومة.

= ورفض الخدمة الإجبارية.

= والوفاء بالوعود التي يقطعها على غيره من اللصوص.

= والخضوع للعقوبات التي يفرضها غيره من لصوص القانون.

حافظ لصوص القانون على بنيتهم طوال وجودهم في السجون، حيث نشأت مجموعة من لصوص القانون للمستقبل.

شهدت روسيا ثورتين خلال قرن واحد. ولكن الثورة الأخيرة تركت أثر إجرامي كاد ينتشر في أرجاء العالم، ذلك أن نشاطات الجريمة الأمريكية الروسية المنظمة سجلت في أكثر من عشرين ولاية، علما أن ازدهارها الاقتصادي برز بوضوح في نيويورك، ولوس أنجلوس وسان فرنسيسكو وميامي.

عام واحد وتسعون أطلق سراح إيفانكوف من معتقلات سيبيريا بعد قضاء عشرة أعوام من الأربعة عشر عاما المحكوم بها أصلا. وكان يتمتع كغيره من زعماء العصابات منذ الثمانينات بعلاقات سياسية على أرفع المستويات.

هناك ادعاءات أخرى تتعلق بإطلاق سراحه المبكر من السجن تقول بأنه رشا أحد القضاة، ليأمر بإطلاق سراحه، وقد حدث ذلك ليؤكد أنه كان يتمتع بعلاقات واسعة على أرفع المستويات، إليك مثلا أنه كان على صلة بشخص اسمه يوري تروبانوف، الذي يقال أنه زوج ابنة الرئيس بريجنيف. علما أن تروبانوف نفسه أدخل إلى السجن لتورطه في عدد من الاحتيالات في أوزباكستان، ما يؤكد لنا بأن إيفانكوف لم يكن مجرم عادي وإلا لما كان على صلة بأشخاص من مستوى تروبانوف زوج ابنة زعيم سوفيتي سابق. أي أن له علاقات واسعة.

تعمل الدكتورة لويس شالي أستاذة في الجامعة الأمريكية في واشنطن دي سي ومديرة لمركز الجرائم والفساد العالمي، وقد درست مشاكل الجريمة المنظمة في روسيا والعالم.

تشتري الجريمة المنظمة مرشحين للانتخابات المحلية، لمن سيصبح نائبا في البرلمان، ويتمتع بالحصانة البرلمانية، التي تحول دون تمكن المباحث من التحقيق في أعماله. وهناك شخصيات معروفة من الجريمة المنظمة، أذكر من بينها عضو لا يمكن أن نمنحه فيزا لزيارة الولايات المتحدة، وقد أصبح مؤخرا مطربا شهيرا، وعضو في البرلمان الروسي يمثل مجموعة إثنية صغيرة عن إحدى مناطق سيبيريا. أي أنه قام بشراء كرسي في البرلمان يمنحه الحصانة اللازمة. لا شك أن هذه ظاهرة تتكرر على المستوى المحلي وعلى المستوى الوطني، هذا إلى جانب مشاكل مشابهة على مستوى الحكومات المحلية أيضا المتورطة في الجريمة المنظمة.

علم أنه بعد إطلاق سراح إيفانكوف من السجن مباشرة، عقد اجتماع هام في منطقة تسمى فيدينسو، خارج موسكو في كانون أول ديسمبر من عام واحد وتسعين.

في الشهر الأخير من عام واحد وتسعين،  في الشهر نفسه الذي أنزل فيه المنجل والشاكوش عن مبنى الكرملين، عقد اجتماع لعدد كبير من زعماء المافيا، في منطقة داشا، خارج موسكو. عادة ما تجري هذه الاجتماعات لتوزيع مسؤوليات الحكم في مناطق مختلفة من الاتحاد السوفيتي السابق. وقد طرح على  جدول الأعمال سؤال يقول: ما العمل؟ بعد أن أصبح النظام عرضة للانهيار.

اجتمع زعماء العصابات هنا لوضع الخطط المتعلقة بالهجرة إلى الولايات المتحدة. وقع الاختيار على شخص محدد لتولي أعمال الجريمة المنظمة في الولايات المتحدة،  هو اللص القانوني رفيع المستوى، شيسلوف إيفانكوف.

في هذا الاجتماع والاجتماع التالي الذي عقد عام اثنين وتسعين بدأوا العمل على سبل تطوير بنية جديدة، وفي هذا المجال نشأت بعض النزاعات على المصالح حول الأفراد الذين تم اختيارهم.

عام اثنين وتسعون، دخل إيفانكوف إلى الولايات المتحدة واستقر في منطقة برايتون بيتش التابعة لمدينة نيويورك، والتي تضم واحدة من أكبر التجمعات الروسية خارج الحدود الروسية، حتى أنها تسمى أحيانا بروسيا الصغيرة أو أوديسا الصغيرة، التي كثيرا ما تصفها الصحافة بالصدر الذي يضم الجريمة الروسية المنظمة.

في بداية عقد الثمانين تحول برايتون بيتش إلى محط اهتمام للهجرة الروسية.

لا شك أن برايتون بيتش هو المنطقة المفضلة لدى المهاجرين الروس في الولايات المتحدة، لجميع الذين جاءوا بمختلف السبل، وتحديدا الذين هاجروا في السبعينات، عندما بدأت تصل مجوعات يهودية كبيرة من الاتحاد السوفيتي السابق، حيث كانت تنزل أولا في مطار كندي، ولكنهم بعد ذلك يتوزعون على مناطق عدة لينتهي بهم الأمر في نهاية المطاف ضمن مناطق تجمعهم في البلد.

أذكر أني ذهبت مرة إلى برايتون بيتش، في السبعينات، حيث زرت إحدى المطاعم، فجاء مدير المطعم إلي، وكنت أعلم بأنه أحد مراكز لجريمة المنظمة، في موسكو، أعرف أنه كان مدير المطعم فبدأ يخبرني عن عدد المرات التي تعرض فيها للاعتقال، ضمن القوانين السوفيتية، وكيف تمكن كل مرة من الخلاص.

حال وصوله إلى برايتون بيتش لم يبدد إيفانكوف الوقت دون أن يعيد ترتيب الجريمة المنظمة  في الحي الروسي. 

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في أواسط التسعينات أصبح بإمكان جميع السوفيت مغادرة البلاد، ما ساعد الكثير من أصحاب السوابق الروس على الهجرة أيضا.

بين بداية السبعينات  ونهاية الثمانينات دخل  الولايات المتحدة أكثر من مائتي ألف مواطن سوفيتي. أعتقد أن ألفين من هؤلاء كانوا من أصحاب السوابق.

ولكن في أواسط التسعينات عند انهيار النظام الشيوعي السوفيتي، وشرع البلد أبوابه للجميع، للمغادرة، بدأنا نرى أن المجموعات الإجرامية الروسية الرسمية تغادر البلد، أحيانا بأوامر من زعمائها في روسيا للاستقرار في أمريكا، وأخذت توظف الأموال وتتورط في الأعمال الإجرامية. وكثيرا ما كانت هذه المجموعات التي وصلت إلى برايتون بيتش بوقت مبكر توسع من أطر أعمالها أكثر وأكثر.

حاز إيفانكوف على فيزا لدخول الولايات المتحدة على اعتبار أنه مدير تصوير سينمائي.

من المحتمل أن كوكود  كان في ذلك الحين أحد أهم زعماء الجريمة الروسية  المنظمة العاملة في الولايات المتحدة،  كان  يتمتع بالقدرة على طلب الدعم من منظمات إجرامية أخرى في المناطق الروسية، كما أنه كان قادر على اختراق المجموعات الإثنية الروسية في الولايات المتحدة، وذلك نتيجة الشهرة التي كان يتمتع بها في روسيا.

لم يأت عناصر الجريمة الروسية المنظمة إلى الولايات المتحدة وهو يحملون معهم خططا لجمع المال فقط، بل كانوا يحملون معهم تجربة عريقة في اختراق الإجراءات البيروقراطية، كانت هذه المجموعة تتمتع بخبرة عريقة في التزييف والنصب والاحتيال.

يعمل ريتشارد وور مدير تنفيذي لكلية القضاء الجنائي التابعة لجامعة سان هيوستون في هانسفيل تكساس. كما يعتبر مرجعا في الجريمة العالمية المنظمة.

لاشك أن منظمات الجريمة الرزسية المنظمة تختلف كليا عن غيرها أما السبب في اختلافها فيكمن في أنها تعتمد على أفراد قمة في الذكاء يتمتعون بالتجربة الواسعة للقيام بأنشطة متنوعة جدا، وغير مشروعة. بدءا من أوراق الهجرة مرورا باحتيال التأمين وانتهاء بالجرائم داخل روسيا والتورط المتصاعد  في الولايات المتحدة.

الجريمة الروسية المنظمة في الولايات المتحدة عنيفة جدا، علما أن مجمل الجريمة المنظمة عنيفة، ولكنها تستعمل مستويات مختلفة من التعقيد، كما هو حال منظمات لا كوسا نوسترا الأمريكية التي تعاون خمسة أفراد منهم معنا وبدأوا يخبرونا عن جرائم القتل التي ترتكب وقد بلغ عددها أكثر من مائتين وثلاثين جريمة، علما أن هناك أربع جثث فقط بينما اختفى غالبية الآخرين. أما المنظمات الروسية فهي تختلف لأنهم يقتلون الناس دون تعقيدات كهذه، ولكنهم يقومون بتعذيب الضحايا، قبل القضاء عليهم.

من بين وسائل تحقيق أكثر الأرباح لديهم طريقة معقدة تتطلب أرقى أشكال الدعم والمساندة. أطلق على هذا الأسلوب لقب سلسلة المذهلة.

بدأت الجريمة الروسية المنظمة أولا بإنشاء شركة مزيفة، تشتري الوقود من ولاية نيوجرسي، ثم تنقله إلى ولاية نيويورك،  من حيث يصل إلى شركة مزيفة أخرى، توثق فواتير الضرائب وترسلها إلى شركة مزيفة ثالثة، لتقوم هذه الشركة الثالثة بتوزيع الوقود على الناس، من حيث تجمع الضرائب الفدرالية والولاية، توزع هذه الضرائب على رجال العصابات. ما أن تبدأ الحكومة في البحث عن الضرائب حتى تختفي الشركات نهائيا دون أن تترك أي أثر.

تعتبر السلسلة المذهلة نموذجا عن طريقة عمل عصابات الجريمة الروسية. ذلك أن هؤلاء الأفراد المتورطين بالجرائم هنا خرجوا أولا من نظام السوق السوداء التي كانت تعمل في الاتحاد السوفيتي، لهذا ترى أن السلسلة المذهلة تجسيدا لها.

عبر مراقبة فرضت على جان غادي، تبين أنه أراد استئجار أحد الأذكياء الروس، لمساعدته في التهرب من الضرائب، على البنزين، وهكذا سيطروا على محطات الوقود، ضمن مناطقهم، ولكنهم لم يتمكنوا من متابعة التعقيدات الحسابية التي تحرم الحكومة الأمريكية من الضرائب. إلى أن تمكن الأذكياء الروس كما يقال من حرمان الولايات المتحدة من ضرائب تقدر بربع مليون دولار.

مقابل  حماية المافيا الإيطالية قدم الروس جزءا من أرباح عمليات الوقود. شيسلوف إيفانكوف الذي أعجب بسير عمليات المافيا في نيويورك، حاول تقليدهم في ذلك والتحكم بالجريمة الروسية المنظمة في أمريكا.

اتصل إيفانكوف بأحد ضباط الشرطة وأوهمه  أنه يسعى للقيام بمشروع مالي. لا شك انه لص ومحتال، ولكنه ذكي أصبح في نيويورك. فتحول إلى تجسيد لما عرف بالمافيا الروسية في أمريكا.  خصوصا بنظر  القانون، ووسائل  الإعلام. 

عندما بلغ أعلى سلم الجريمة المنظمة في أمريكا، اشتهر إيفانكوف بممارسة أسوأ الأساليب الوحشية، ضمن البقاء التقليدي على قيد الحياة خارج القانون.

تبين بذلك، أنه الشخصية الأولى في الولايات المتحدة دون شك، لقد تأكدنا من ذلك كما أكدت لنا ذلك السلطات الروسية. علينا أن نفهم بوضوح أن سمعة إيفانكوف أصبحت أكبر في روسيا مما هي عليه فغي الولايات المتحدة.

أثار وصوله إلى برايتون بيتش الرعب في أوساط الجالية الروسية، التي تحولت إلى مركز لعملياته. وسرعان ما بدأ العمل في عدد من الشركات المزيفة عبر أعمال غير قانونية. وهكذا قام بتأسيس شبكة موسكو لعصابات الجريمة، ولم يتوانى عن طلب أموال الحماية من رجال الأعمال المهاجرين الروس.

كانت عملياته الغير مشروعة تطال الابتزاز والدعارة وبعض القمار والمخدرات، علما أنه لم يتخلى أبدا عن  الابتزاز بل كان يمارسه باستمرار. كما نشط جدا في تبييض الأموال. لا نعرف بعد ما إذا أجبرت بعض الشركات التي عملت معه في تبييض الأموال على ذلك بالقوة، فهو الشخصية القوية هنا،  التي اشتهرت بتعذيب الناس، وقتلهم في الوقت نفسه، لهذا فإن بعض الذي عملوا معه، كانوا ضحية له في الوقت نفسه.

دفع لروسية تحمل الجنسية الأمريكية خمسة عشر ألف دولار كي تتزوج منه ليحصل بذلك عل الإقامة القانونية. كان عمله المعتاد ارتكاب الجرائم، ما جعل الإف بي أي تتنبه إلى وجوده في نيويورك، لتسارع مباشرة في فتح ملف له.

ركز أولى نشاطاته على مركز وسط المدينة في نيويورك، ولكن لا شك أن خلفيته الإثنية في الجالية الروسية، أمضى الكثير من الوقت في برايتون بيتش، حيث تقرب من جاليته، كما أمضى الكثير من الوقت في ميامي ولوس أنجلوس ودنمبر، حيث أجرى اتصالات مع تلك الجاليات، وعناصر أخرى من الجالية الروسية، بهدف تعزيز نشاطاته الإجرامية.

تنبهت لوجود إيفانكوف لأول مرة أثناء التحدث مع السلطات الروسية، حين طلبنا منهم مساعدتنا في تحديد هوية المجرمين في الولايات المتحدة، الذين خرجوا من روسيا. وعندها قدموا لي اسم إيفانكوف. وعندما بحثنا عنه كان يتنقل من مدينة إلى أخرى مع أنه كان يستقر في نيويورك، ولكنه يتنقل منها إلى بوسطن ودنفر وفي لوس أنجلو وفي ميامي وسان فرانسيسكو حتى أ،ه قد يعود إلى روسيا، ليلتقي وفي لوس أنجلو وفي ميامي وسان فرانسيسكو حتى أنه قد يعود إلى روسيا، ليلتقي غيره من اللصوص. أي أنه كان كثير الترحال فواجهنا صعوبة كبيرة في العثور عليه. علمنا من هو وأين هو بعد أن تم القبض عليه لاحقا، وأنه يحمل عدة جوازات مزورة.

العمل في المباحث الجنائية يتطلب فهم عماد المجرم المحترف. تكمن قوته في سريته. ونقطة ضعفه في سريته، ونقطة ضعفه الأخرى هو أنه لا يتوقف عن القيام بأعمال غير مشروعة، لأنه إذا توقف عن ممارسة هذه الأعمال يفقد موقعه، في الجريمة المنظمة، أي أنه بغض النظر عما يجري عليه أن يستمر في ممارسة الأعمال الغير قانونية.

=-=-=-=-=-=-=-=

وهكذا بدأت المباحث تحقيقاتها في الأمر عام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين، حتى عملنا مبدئيا ضمن دائرة نيويورك  في مجال التحقيقات المتعلقة بالجريمة العالمية. وتمكنا من الاعتماد على أخصائيين من مباحث  الإف بي أي في مانهتن، بالإضافة إلى  أن دائرة الشرطة في نيويورك أخذت تركز على تجارة المخدرات.

كان ينشط مبدئيا ف روسيا، ولكنه يتابع بعض العمليات الجارية في إسرائيل، والولايات المتحدة.

عمل كيفين نورمان عميلا خاصا تولى دائرة نيويورك في الإف بي أي، التي تشمل جهاز متابعة شؤون الجريمة المنظمة. أنشئ هذا الجهاز عام تسعين، وهو ينكب على التحقيق في الجريمة المنظمة التي ينفذها المهاجرون السوفيت.

نعمل هنا منذ عام ألف وتسعمائة وتسعين ضمن مهمات ساخنة بالتعاون مع دائرة الشرطة في نيويورك بفروعها التي تركز على الأنشطة الجنائية. نذكر هنا أن مشاركة دائرة الشرطة في الأنشطة الجنائية ليست بمسألة حديثة العهد، ذلك أن هذه الأنشطة بما فيها المخدرات والإرهاب، وجرائم العنف تتطلب وحدات التدخل بالقوة.

عام خمسة وتسعون، وبعد ثلاثة أعوام من دخول إيفانكوف إلى الولايات المتحدة، كان يعمل على جني عدة ملايين من الدولارات عبر ابتزاز شركة استشارات كبيرة، يشرف عليها اثنين من رجال الأعمال الروس الناجحين.

لا شك أنه استهدفهما لأنهما من الروس، ولأنهما يبدوان من رجال الأعمال الناجحين في هذا البلد، وبما أنهما من رجا الأعمال يعني ذلك أنهما يملكان المال، لهذا فهما الهدف المناسب لأعماله. كما أنهما مستهدفان لأن لديهما عائلات، في الاتحاد السوفيتي السابق.

يبدون أن للمال المقصود ابتزازه جذور في موسكو، طلب إيفانكوف  من رجلي الأعمال الروس تحويل مبالغ من المال عبر مصرف في موسكو  دون اتباع الإجراءات المصرفية المعتادة. وهكذا يتورط الجميع ما أن يتم تحويل المبالغ بطريقة غير مشروعة.

 رغبة منه في السيطرة على الأمر سعى إيفانكوف لضمان التنفيذ المباشرة للعملية، وعندما رفض الرجلين ذلك، لجأ إفانكوف إلى إحدى أساليبه المعتمدة في موسكو.

تعرض والد أحد رجلي الأعمال إلى الضرب حتى الموت في إحدى محطات القطار في موسكو. ولم تعرف السلطات شيئا عن المجرم.

تبين بوضوح تام أنه لا يوجد مخرج من إيفانكوف وشركائه.

علمنا بما يقوم به من أعمال عبر الضحايا الذين بادروا بالاتصال بنا فتمكنا من خلالهم من العمل على اتباع تقنيات معقدة، للتوصل إلى خلاصة منطقية في هذه القضية.

اتصل إيفانكوف عبر هاتفه الخلوي بشركائه لترتيب موعد له مع رجلي الأعمال. وصل الخبر ووافق الرجلان على دفع ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار.  كتب إيفانكوف بعدها المبلغ المطلوب دفعه على قطعة ورقية، فقبل الجميع وتم التوقيع على الورقة.

بعد بضعة أيام، وفي الثامن من حزيران يونيو من عام خمسة وتسعين، اتهم إيفانكوف بالابتزاز.

تمنينا القبض على منظمته بكاملها، وإخضاعهم للملاحقة القانونية، على أمل أن نضعه في السجن لبقية حياته. في موسكو لا يعتمدون فترات السجن الطويلة حتى أن حكم العشرون عاما يعتبر طويل جدا. ولم يعرف بعد أي حكم بالسجن مدى الحياة. أما نحن فقد نجحنا من خلال أسلوب التحقيقات في إثبات تهمة الابتزاز، وبما أن هناك أشخاص  معرضين للقتل، وضعنا القضية أمام القضاء بوقت مبكر. 

أدى اعتقال إيفانكوف إلى صدمة كبيرة في المدينة، وأصيبت أوساط الجريمة الروسية المنظمة في أمريكا بالدهشة. ظهر خبر اعتقال أيفانكوف في جميع الصحف الروسية، ونشرت مجموعة من البرامج التلفزيونية التي تتحدث عن نشاطاته الإجرامية، في روسيا وخارجها. 

كان الدفاع سيء جدا لدرجة أني لو منحت الفرصة للتحدث لنفيت كل الأكاذيب التي قيلت هناك، لهذا منعت من الكلام. لم يكتف بمنعي من الكلام بل كثيرا ما كانوا يطالبون المحامي بإقناعي في التخلي عن حقي في الكلام. وقد تبين بعد ذلك وقت طويل أنها كانت مؤامرة مدبرة ضدي. كانوا يقاطعون كلامي باستمرار الذي كنت أسعى من خلاله إلى تفنيد ما قيل بالحقائق الدامغة وعبر توالي الأحداث، وإثبات أن ما قيل مجرد أكاذيب مزيفة، وهذه ليست إلا مؤامرة سخيفة للإيقاع بي.

إنه مجرم محترف لديه شبكة للجريمة المنظمة، ويتورط بشكل يومي في الأنشطة الغير مشروعة، يعمل يوميا على إثبات وجوده الدائم في هذه الأعمال الإجرامية للحفاظ على موقعه وسط مجموعات الجريمة المنظمة.

وعندما تقوم السلطات بملاحقته ومطاردته، ستتمكن من تحديد الأنشطة الغير قانونية التي يتورط بها وبالتالي جمع الأدلة التي تضمن محاكمة العادلة.

أعلن السيد إيفانكوف أنه غير مذنب، نحن نثق بالقضاء وسوف نبدأ محاكمته اليوم.

قضية إيفانكوف بالغة الأهمية لأنها تدل على السهولة محاكمة العاملين في مجال الجريمة المنظمة، وعائلاتهم التي تمكنت من التسلل إلى المجتمع الأمريكي. استطعنا تحديد الجرائم التي ارتكبها بمساعدة عناصر من أفراد المجتمع، وبعض الزملاء، وشخصيات حول الولايات المتحدة والعالم أجمع، ممن قدموا لنا يد العون، ونذكر منهم دائرة الشرطة الكندية، وعدد آخر من المؤسسات التي تسمح لنا بتتبع أثر نشاطات إيفانكوف. الذي حكم عليه الآن بالسجن لمدة عشر سنوات يقضيها اليوم في سجن ألاغون في بيتسلين.

يقال أن البنية الرئيسية لعالم اللصوص شكلت في كنف المرحلة الأخيرة من حياة الاتحاد السوفيتي وتحولت إلى جزء هام من بنية عالم ما بعد السوفييت. يتمتع هذا العالم اللصوصية بهوية شخصية يعيها جيدا، ومع ذلك فقد أصبحت اليوم عرضة للاستنزاف مع نمو الاقتصاد الروسي الجديد.

نجم اعتقال إيفانكوف والحكم عليه عام ستة وتسعين، عن انتصار حقيقي تم إحرازه في محاربة الجريمة الروسية المنظمة.

من بين الأشياء التي شغلت الإف بي أي عدم السماح للجريمة الروسية المنظمة بالتوسع والامتداد كما حصل مع المافيا الإيطالية، بين عقدي الأربعينات والثمانينات. لهذا نبذل قصارى جهودنا اليوم في التحقيق بالجرائم التي تنمو وسط المجموعات الإثنية عبر الولايات المتحدة.

منذ ذلك الحين لم نقم بعمليات اعتقال كبرى، علما أن هناك جرائم قتل ترتكب في عدة مناطق من مدينة نيويورك وضواحيها، لم يتم اعتقال أحد بشأنها لذا تسود حالة من الغموض البالغ. فهناك عمليات قتل جرت في مناطق عامة كالنوادي الليلية مثلا ومع ذلك لا أحد يرى شيئا، ولا أحد يرغب بتقديم معلومات عما جرى،

إيفانكوف هو عراب  الجريمة الروسية المنظمة لا شك في ذلك، لهذا فإن اعتقاله ومحاكمته وسجنه كلها رسائل توجه إلى المجتمع الإجرامي في روسيا تحذره من المجيء إلى الولايات المتحدة.

أعتقد أن رغبتهم بتحقيق الهدف توافقت مع حصولهم على هذه الفرصة المناسبة، كانوا يبحثون عن سمكة كبيرة فوجدوا فيه الصيد الثمين الذي منحهم تلك الفرصة فألقوا القبض عليه. 

رغم أن القبض على إيفانكوف ومحاكمته شكل انتصارا هاما على الجريمة الروسية المنظمة في الولايات المتحدة، اختلفت الآراء حول حجم السلطات التي كان يتمتع بها. يعترف جميع الخبراء على أن إيفاكوف كان لص بالقانون، ولكن البعض يشك في أنه كان عرّاب الجريمة الروسية المنظمة العاملة في الولايات المتحدة.

أعتقد أن الحقيقة ما زالت بين هاتين المسألتين، أعتقد أن إيفانكوف لم يأت إلى الولايات المتحدة لتصوير الأفلام كما كتب على طلب الفيزا الذي قدمه، بل للتورط في الأعمال الإجرامية من آفاق أعلى وربما تنظيم هذه الجرائم من وجهة نظرة وانطلاقا من التجارب التي راكمها في روسيا وحملها معه إلى الولايات المتحدة.  وأعتقد أن هذه كانت مجرد وسيلة أخرى لجمع المزيد من الأموال. علما أن إيفانكوف من وجهة نظري قد جاء لضرب بعض الرؤوس وتحقيق أهدافه.

أعتقد أن هناك العديد من المحاولات الهادفة إلى مقارنته بزعماء لا كوسا نوسترا وعائلات المافيا. لا مجال هنا للمقارنة. زعماء لا كوسا نوسترا يتصرفون بطريقة مختلفة جدا، فهم يتقنون أسلوبا محددا يضمنون من خلاله الاحترام التام والمستمر. أما هذا الشخص فهو يشتم ويضرب ويركل، إنه سيء الأطباع فعلا،  وسبب يثير كل تلك التساؤلات من حوله.  ذلك أنه لا يتصرف بطريقة مشابهة لهم. لهذا يجد الجميع صعوبة في مقارنته مع كبار زعماء العصابات التقليدية لدينا في البلد.

لا شك أنه من كبار زعماء الجريمة المنظمة. المشكلة هنا هي أننا لا نستطيع أن نترك القضية تستمر لنخاطر في ذلك بحياة شخصين  هما ضحية الابتزاز.

تذكر تعبير الإل سي إن المعروف جدا الذي يتحدث عن أفراد عائلة العراب. فهو ما نطبق جدا على تلك القضية بالتحديد.

قد لا يتمكن أحد بعد من الإجابة على السؤال المتعلق بحجم الدور القيادي لإيفانكوف في الولايات المتحدة. ولكن الخبراء يؤكدون أنه مع سقوط الاتحاد السوفيتي وقيام الدول المستقلة، أصبحت الجريمة الروسية المنظمة ظاهرة متنامية.

إنها أول خمسة أشكال لظهور الجريمة المنظمة التي شهدها عالم اليوم. فالكلومبية تركز على المخدرات، والمكسيكية تعنى بتهريب المخدرات، بينما تعمل الروسية والأوكرانية معا في أوسع إطار من الأنشطة الممنوعة الذي تعمل به أي مجموعة للجريمة المنظمة في عالم اليوم.

أكثر ما يدهشني في روسيا هو أنها تشهد ظاهرة من حياة الجرائم الكلاسيكية، التي توجه مبدئيا من قلب السجون الروسية، من حيث سيرت أعمال السوق السوداء طوال خمسون عاما من الحكم السوفيتي، فأدركوا سبل التعامل مع المجرمين في ذلك النظام. ولا شك أن جيلا جديدا ورث عن تلك العصابات أساليبها وتجاربها المتراكمة وتنظيمها. ذلك الجيل الذي كان على صلة بالسلطات، ربما من خلال الكي جي بي السابق والجيش السابق والحزب الشيوعي السابق أيضا، الذي تورط بعض أعضائه في الجريمة في روسيا.

ألف  هاندلمن كتاب رفاق وجرائم، لأنه وضع قدم في الشرعية والأخرى في العالم السري تحت الأرض الذي ازدهر مع انهيار الشيوعية.

تختلف عصابات الجريمة الروسية عن غيرها لأنها تتمتع بمستوى من الاحتراف، الناجم عن سنوات طويلة من الخبرة في التعامل مع نظام بالغ الصعوبة، فتعلموا سبل التعامل معه ومع الشرطة والموظفين عبر أساليب الإخضاع والرشوة. ينتمي الكثيرون منهم إلى فئة رجال الأعمال الناجحة.

من المشاكل التي نشاهدها، تبييض الأموال الروسية في المشاريع القانونية، وتمرير الجرائم عبر الأعمال القانونية. الظاهرة التي سادت في نهايات الحكم السوفيتي هو أن المال كان يخرج من البلد، بينما تقوم الجريمة المنظمة في إيطاليا وكولومبيا والمكسيك باستثمار الأموال في البلد، ولكنها لا تستثمر على الإطلاق في أي من الجمهوريات السوفيتية السابقة، أي أنها تستولي على اقتصاد البلد دون أن تعيد إليه أي من رؤوس أمواله.

أخرج العديد من رؤوس الأموال الروسية من البلد عبر بنوك أجنبية، سواء كانت قبرصية وغيرها المهم أن تكون أجنبية. أما سبب ذلك فهو في غاية البساطة تفادي دفع الضرائب. هذا ما تفعله المافيا وما تفعله الشركات الخاصة أيضا. هذه أعمال غير مشروعة ولكن هناك سبل للتحايل على القانون لجعلها غير قانونية، بل يجعل منها مجرد وسيلة لزيادة حجم الأرباح، لأن خفض الضرائب يعني المزيد من الأرباح، هذا هو السبب الذي يجعل بعض جزء المتوسط تراكم أموالا طائلة على حساب الاقتصاد الروسي.

تتورط عصابات الجريمة الروسية المنظمة في مختلف أنواع الأنشطة. يمكن أن تجدها عبر صناعة البناء في مختلف أنحاء العالم، إلى حيث لجأ لتبييض الأموال. يمكن العثور عليها في أسواق الأسهم، فقد جرى مؤخرا القبض على عصابات للجريمة المنظمة تتحكم بالأسهم. علما أن هذا من أكثر سبل الجريمة المنظمة تقدما حتى الآن.

هناك عدة سبل لحصول الجريمة المنظمة على مبالغ  طائلة من الأموال بسرعة هائلة، عبر المصارف المتخلفة والتي لا تتمتع بالخبرة اللازمة.

وجدت المافيا الروسية منذ بلد بعيد ولكنها ازدهرت تحديدا مع انهيار المنظومة الاشتراكية والاقتصاد السوفيتي الذي منح الجريمة المنظمة فرصة للاستيلاء على الوضع، ولا شك أنها استولت على قطاعات واسعة من الاقتصاد. يكمن الجانب الآخر من الأمر في القدرة على الهجرة. لدينا أعداد هائلة من المهاجرين الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة من أوروبا الشرقية، وهم في الغالبية يعملون اليوم في مجالات تحقق لهم حياة شريفة وعيش كريم، ولكنا نرى إلى جانبهم مجموعات أخرى جاءت من هناك ومن آسيا وغيرها جاءت للقيام بأعمال إجرامية.

هجرة  الآلاف المؤلفة من المواطنين الروس وغيرهم، تدفع السلطات في الولايات المتحدة والعالم أجمع إلى مضاعفاتها تحدياتها.

يعتبر بعض الأفراد الذين تعرضوا للمحاكمات في الولايات المتحدة، من الشخصيات الرئيسية للجريمة المنظمة في هذا البلد، كما هو حال إيفانكوف. لا يوجد قوة قانونية عالمية، هنا تكمن المشكلة، ولهذا لا نجد أي جهد قانوني عالمي قادر على التعامل مع هذه المشكلة. تنكب الولايات المتحدة على التعامل مع الجريمة المنظمة، كما تدعي الاعتماد على تعزيز القانون في البلدان الأخرى، ذلك أن بعض هذه المجموعات تنفذ عملياتها في سبعة أو ثمانية من بلدان العالم في وقت واحد.

تتبادل الجهود الدولية لعم القانون المعلومات المشتركة على نطاق واسع لم يسبق له مثيل. نتبادل المعلومات حول أفراد يقومون بأنشطة في الولايات المتحدة وخارجها. من بين المسائل التي نتبادل المعلومات بشأنها تلك المتعلقة بالحصول على دعم من ضباط تعزيز القانون في الإن في دي كي تعمل معنا جنبا إلى جنب وخصوصا في القضايا المشتركة. تمكنا من الاستعانة بتجاربهم ومعارفهم، وتبادلنا ذلك بخبرات ومعارف الضباط العاملين لدينا. هذا مجال نعتبر التعاون فيه مع جهات أخرى لدعم القانون في طور التوسع للنيل من عصابات الجريمة المهاجرة.

من الضروري جدا للقيام بتحقيقات على المستوى العالمي، أو للتحقيق بالمجرمين العالميين، أن نعود إلى البلد المصدر، لنعرف هوية الأشخاص المشتبه بهم. فالبلد الأصل كفيل بالتحدث عنه وعن بنية المنظمة الإجرامية التي ينتمي إليها، ونوع الأعمال التي يقوم بها.

من المستحيل ملاحقة الكثير من جرائم الروس في تبييض الأموال من بلد إلى آخر لأن غالبية ما يفعله الروس، يختفي وراء ستار قانوني كما يفعل غالبية المجرمين في العالم. تمكنت مكافحة الجريمة مؤخرا من تحقيق بعض النجاحات في الوصول إلى بعض هذه المجموعات، والقبض على اثنين من زعماء العصابات العاملة في أمريكا، ولكن المعركة ما زالت في بدايتها.

ما زال إيفانكوف يدعي البراءة حتى اليوم. ويؤكد أن عملية اعتقاله وما يحيط بها من أكاذيب جاء نتيجة مؤامرة، تم التوافق عليها بين الإف بي أي والحكومة الروسية.

ما كنت لأعامل على هذا النحو لو أني من أي بلد آخر. لقد جردت من حقي في إلقاء الكلمة الأخيرة. طالبت عدة مرات بأن أقول شيئا. يقول الدفاع أني أستطيع ذلك الآن، ولكني لم أمنح الحق في الاطلاع على قوانين المحاكمة. لقد حاولوا الوقوف إلى جانب سلطات الأمن السرية الروسية، كما أن دفاعي في القضية كان إلى جانب سلطات الأمن السرية الروسية. لقد قالوا: نحن في أمريكا، ساعدنا في إنجاز هذه المحاكمة ونعدك في المرة القادمة، بأن نساعدك بكل ما تريده.

تعتبر مصادر الإف بي أي أن إيفانكوف شيسلوف ليس إلى سمكة قرش كبيرة تسبح في بحر من الجرائم العالمية. تقول التقديرات أن الجريمة الروسية المنظمة تعمل في خمسين بلدا من حول العالم.

لا أذكر شخصيا أي بلد لا تعمل به هذه العصابات. فمن بين المسائل التي يتقنونها جيدا، هي العمل في جزر صغيرة من حوض الكاريبي أو جنوب المحيط الهادئ التي لم نسمع بها.

التحديات التي تواجه رجال القانون في التعامل مع الجريمة المنظمة، تركز بشكل رئيسي على الاتصالات والاستخبارات والتعاون عبر الأنظمة القانونية، إذ ليس هناك محكمة جنائية عالمية مثلا، تساق إليها مثل هذه القضايا لهذا من بين المشاكل التي تواجه المحاكم المحلية مسألة تحديد الجريمة، فما يعتبر جريمة في بلد ما قد لا يشكل جريمة في البلد الآخر.

ولكن ستيفين هاندل يعتبر أن التهديد الأكبر يستهدف استقرار الدولة الروسية بكاملها.

من المسائل التي تحتاج إلى التركيز، هي أنه رغم مجيء المجرمين الروس إلى الولايات المتحدة، بأعداد كبيرة، فهم لا يعتبرون هذا البلد مركزا رئيسيا لعملياتهم، بل يرونه مكان مناسب لإيداع الأموال في حال ساءت الأمور جدا. لهذا ما زال اهتمامهم الأساسي يركز على توزيع السلطات في روسيا، حيث النزاعات على ثروات الإمبراطورية السوفيتية السابقة، ما تزال قائمة، حيث يكافح الناس بشدة، على السلطة، والتحكم الاقتصادي بالثروات السوفيتية السابقة.

تؤكد وزارة الداخلية الروسية، أن ثلثي الاقتصاد الروسي تقريبا يرزح تحت سلطة عصابات الجريمة. تحتوي مصارف سويسرا على عشرة مليارات دولار من أموال عصابات الجريمة الروسية، و:ان روسيا قد تحولت إلى ما يشبه قوة الجريمة العظمى، ولا يشكل شيسلوف إفانكوف  أكثر من شخصية واحدة في بلد مزدهر بالجرائم. معكم روبرت ستاك، شكرا على مرافقتنا.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster