اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 العصابات - لويزيانا
 

عصابات لويزيانا

 

المؤسف أن سكان لوزيانا لا يحتملون الفساد ويطالبون به.

إنها أول مدينة في أمريكا الشمالية بدأت مافيا صقلية تسكنها.

أعتقد أن أي شخص على صلة بالعصابات يمكن أن يسبب الأذى لأحد.

كان أكثر الذين يتمتعون بالقوة والتأثير والثراء ضمن العصابات الإيطالية الأمريكية يعرف بالزعيم، الذي أحيانا ما كان يقود العصابة من خلف الكواليس، دون أن يجاهر في تحركاته، بينما يتمتع البعض الآخر بالشهرة الواسعة على الصعيد الوطني، كما هو حال زعيم المافيا المطلق في نيو أورليانز لفترة طويلة من الزمن، كارلوس مارسيلو.

بعد قرون من المتغيرات السياسية، تم شراء لويزيانا من قبل توماس جيفرسون وأصبحت السيطرة في مدينة نيوأورلينز بيد الولايات المتحدة. ازدهرت هذه المدينة في القرن التاسع عشر ما جعلها الوجهة المفضلة للهجرة الإيطالية.

الفريد في الأمر هو أن تسعون بالمائة من سكان المدينة، ينحدرون من أصول إيطالية في صقلية،  وهم يشكلون أول مجموعة من المهاجرين في هذا البلد. وعلى خلاف ما يعتقد الكثيرون بأن الإيطاليون كانوا هنا في أواسط القرن الماضي بأعداد تفوق أعدادهم في نيويورك، حتى بلغوا الضعف لحوالي ثلاثين عاما وبعد ذلك تفوقت نيويورك علينا، ولكن نيوأورلينز بقيت لفترة طويلة المركز الرئيسي للهجرة الإيطالية.

تزايدت هجرة أبناء صقلية إلى أمريكا بعد توحيد إيطاليا عام ألف وثمانمائة وستين. أدت هذه الوحدة إلى إغراق صقلية في الركود الاقتصادي، ما دفع أبناء الجزيرة للهجرة إلى شمال أفريقيا، وشمال إيطاليا والولايات المتحدة.

بدأ الأمر عند قيام غار بوربي عام ألف وثمانمائة وستين بالاستيلاء على صقلية وسلم الجزء الجنوبي إلى الملك فيكتور مانويل، ما شكل أول مرحلة من توحيد الأمة، فتحولت إيطاليا إلى أمة لأول مرة منذ العصور الرومانية عام ألف وثمانمائة وسبعين. حينها أغدقوا الكثير من الوعود على الجزء الجنوبي من إيطاليا، ولكن عندما عجزوا عن الوفاء بتلك الوعود، بدأ الناس يبحثون عن الفرص في أماكن أخرى، وهكذا بدأت موجات الهجرة الجماعية، التي غادرت البلاد.

توجهت الهجرة الإيطالية إلى نيوأورلينز تقديرا لمناخها الدافئ، والفرص المتوفرة هناك، والتي كانت تختلف عما تقدمه نيويورك.

كانوا في نيويورك يعملون في حفر الأنفاق، أو عمالا في المصانع. ولكن الأمر اختلف هنا، حيث لم يجبروا على العيش في مبان من ثمانية طوابق بدون ماء ساخن، أو حتى بدون ماء، كانت حياتهم مختلفة قريبة من الحياة في أوروبا. أي أنهم كانوا يتأقلمون حال وصولهم على ظروف العيش،  التي كانت تشبه الحياة في الوطن. كان ذلك انتقال طبيعي.

جرى انتقال طبيعي آخر إلى نيو أورلينز مع أنه كان أقل ترحيبا، إذ جاء بمجموعة صغيرة وبارزة من سكان صقلية. إنها منظمة سرية تعرف بالمافيا،  التي كانت جزء من الحياة في صقلية لزمن بعيد، ظهرت في البداية كردة فعل على الحكومات الظالمة في إيطاليا.

يشرح لنا أسباب ذلك جون إيتش كندي مؤلف كتاب مافيا كينغ فيش.

نيو أورلينز هي أول مدينة أمريكية سكنتها المافيا مع مجيئها من صقلية، قبل فترة طويلة من نيويورك وشيكاغو وغيرهما. وقد فضلت نيوأورلينز عن غيرها من مدن الولاية لأنها تشبه صقلية نسبيا، لهذا جاءت لتنمو هناك. ومع حلول القرن الجديد، بلغ عدد عناصر المافيا حوالي مائة عضو.

المواقف المتساهلة في نيوأورلينز جعلت منها أرض خصبة للجريمة والفساد.

قد يعود الفساد في نيوأورلينز إلى ما يقارب المائة عام، أي حوالي عام ألف وثمانمائة وتسعين كما أظن، عبر الأداء المتساهل للسلطات، لا أعني أن الشرطة كانت فاسدة ولكن الأمور التي يتغاضون عنها في المناطق الفرنسية، لم يغض الطرف عنها في المناطق.

مع وصول أبناء صقلية إلى نيو أورلينز، عمل الكثيرون منهم في المزارع والموانئ. فبدأت المافيا تسيطر في هذه القطاعات بالتحديد.

عام ألف وثمانمائة وسبعين تقدمت المافيا خطوات للسيطرة على الأسواق والموانئ حتى تحكمت بجزء كبير منها. أما وسيلة السيطرة على هذه القطاعات فكانت المعتادة لديها، العنف.

بين عامي ألف وثمانمائة وسبعين وألف وثمانمائة وتسعين، اتهمت شرطة نيو أورلينز عصابات المافيا بقتل أكثر من مائة مواطن. تحول فرض السيطرة عبر العنف الواسع النطاق في صقلية، إلى أسلوب معتمد في لويزيانا أيضا.

تصاعدت أعمال العنف في الموانئ والأسواق أثناء تنافس العائلات للسيطرة عليها.  عبر أعمال العنف هذه تم اغتيال مسؤول الشرطة المتورط في الفساد ديفيد هيميسي، وذلك على يد أعضاء من العصابات المتحاربة.

أدى غضب المواطنين المناهض لسلوك المهاجر الإيطالي،  إلى انتقامهم من بعض الإيطاليين المشتبه بتورطهم في السجون والحبس الاحترازي. أدى ذلك إلى احتجاج التجمعات الإيطالية في الولايات المتحدة وفي إيطاليا.

رغم تفاؤل الصحافة بالتخلص من المافيا في المدينة، فقد كانت على خطأ. فقد تشكلت العصابات بعد سنوات قليلة من جديد، ومع بداية العشرينات تمكنت عائلة واحدة من السيطرة على نيو أورلينز. وأخيرا برز لقب أحد المهاجرين الأميين في إيطاليا، ليكون من أهم رؤساء العصابات الإيطالية.

ولد كارلوس مارسيلو عام ألف وتسعمائة وعشرة في تونس شمال أفريقيا إلى حيث هاجر والداه.  سافر بعد ذلك والده جوزيف مارسيلو إلى لويزيانا. وعندما بلغ كارلوس الشهر الثامن ذهب مع أمه إلى والده حيث وطنهم الجديد.

توسعت العائلة الصغيرة هناك، فعملت في إحدى المزارع المحيطة بنيو أورلينز. عندما أصبح كارلوس شابا تولى مهمة نقل ثمار مزرعة عائلته إلى أسواق المدينة، حيث أصبح على اتصال بأبناء صقلية ممن يسيطررون على الأسواق، فتعرف حينها لأول مرة على المافيا، ليدرك حينها بأنه لا ينتمي إلى حياة المزارع.

كان كارلوس مارسيلو شاب يتمتع بالكفاءة والذكاء الشديدين، فقد تخلى عن مزرعة عائلته في الضواحي، وبدأ بارتكاب الجرائم في مدينة نيو أورلينز.

اقتصرت جرائم مارسيلو الأولى على مجموعة من السرقات الصغيرة. بعد قيامه بسرقة أحد المصارف أودع كارلوس خلف القضبان لمدة عشر سنوات. لم يتعدى العشرين من عمره عند صدور هذا الحكم. تمكن والده عبر اتصالات بالمافيا أن يحصل على عفو من حاكم نيو أورلينز حينها أوكي آلين. وهكذا تلقى الفتى وعن قرب درسا هاما حول فوائد الاعتماد على صداقات في مواقع هامة، وكل ما يمكن للمافيا أن تفعله.

أواسط عقد الثلاثينات، كانت المافيا على صلة بجميع المستويات الحكومية في نيو أورلينز.

بعد قضاء فترة سجنه القصيرة، عاد كارلوس إلى المدينة ليفتح حانة أسماها براون بامبر، تيمنا بالملاكم جون لويس.

سرعان ما بدأ بتوزيع شبكة من آلات المقامرة على مجموعة من الحانات والمطاعم في مختلف أرجاء المدينة. أما الحانات التي ترفض التعامل مع مارسيلو أو شقيقه، فكانت تجبر على ذلك.

هل فكرت بما نعرضه عليك؟

نعم، ولكني كما أخبرتك أملك واحدة من هذه الآلات.

عليك بواحدة منا.

ليس لديك واحدة من آلاتنا مع أنها جيدة جدا.

ولكن..

كل الحانات في البلد تستعمل آلاتنا، لا يمكن أن تكون الشخص الوحيد الذي يرفض ذلك، قد يضر هذا بأعمالك.

سيضره جدا..

أعتقد أنه  اعتمد على الخوف، ولا أعرف إلى أي مدى كان اعتماده  واقعيا، أو مدى قدرته على تنفيذ تهديده، ولكن الكثيرين اعتقدوا أنه يستطيع ذلك. أعتقد أن كل شخص يملك المال والعلاقات، يستطيع أن يسبب الأذى لأحد، لا شك في ذلك.

ارتبط كارلوس مارسيلو بزعيم المافيا في نيو يورك فرانك كاستيلو،  الذي تعرض لضربات السلطات في الشمال، فقرر أن ينقل آلاته المقامرة إلة منطقة نيو أورلينز.

بدأ ارتباطه بالمافيا بعد أن جاء كاستيلو بكل آلات المقامرة، ونجح كارلوس من تثبيتها في جميع الحانات والمطاعم، ما جعله يصبح ثريا، لأنه يحصل على نسبة أرباح من كل آلة يوزعها على الحانات، تقاسم الأرباح ما كستيلو. 

حقيقة أن المقامرة كانت ممنوعة في لويزيانا لم تخف أحد. لأن موافقة سيناتور لويزيانا ويلي لونغ، على تعود به من أرباح، جعل الشرطة تغط الطرف عنها. والحقيقة أنه كان يتقاسم الأرباح الناجمة عن آلات القمار. وهكذا عزز مارسيلو سلطته بيد من حديد. تحولت قدرته على إخضاع الناس إلى ما يشبه الأسطورة.

كان مشهور جدا بالعنف..

يقال أنه كان يأخذ بعض الأفراد إلى أرض له في الأرياف والتخلص منهم هناك.

كان يملك قطعة أرض في ضواحي المدينة، ملأ حوض منها بالأسيد، كان سيء الطالع يوضع فيه حتى يتحلل كليا.

لا يصدق الجميع بسمعة العنف هذه.

من وجهة نظري الشخصية، لم تشتهر سمعة مارسيلو بالعنف، بل اتهامات، لسنوات مضت، تدعي احتمال أن يكون متورطا في أعمال عنف جرت على شواطئ المسيسبي، ولكنها كانت مجرد شائعات، لا يمكن الاعتماد عليها. حتى أنه من وجهة نظري لم يكن يعتمد في ذلك الوقت على تقنية استخدام العنف. لسبب بسيط وهو أنه كان في أعماق الجنوب، حيث لم يواجه منافسة العصابات الأخرى، بل كان بمفردة، في واحدة من أكثر الولايات المتحدة هدوءا. لهذا أعتقد شخصيا أنه لم يلجأ كثيرا إلى استخدام العنف.

سر كاستيلو جدا لشراكته مع مارسيلو في إدارة آلات المقامرة في نيو أورلينز، لدرجة أنه حين افتتح آخر  كازينو له في جيفيرسون لاس فيغاز، أبقى لكارلوس فيه نسبة اثني عشر ونصف بالمائة من العائدات.   

عندما بلغ السابعة والثلاثين،  كان مارسيلو قد جمع ثروة كبيرة من الصفقات الغير مشروعة. عام سبعة وأربعين أصبح زعيما للمافيا في نيو أورلينز، وأحد أثرى سكان لويزيانا، عبر العشرات من الصفقات الغير مشروعة.

حمل لقب الرجل الصغير رغم أن طوله يتعدى الخمسة أقدام، ومع ذلك تحول إلى أهم زعماء المافيا في نيو أورلينز، وأحد أبرز أثريائها، إذ قدرت ثروته بأربعمائة وخمسين مليون دولار.

اعتبرت المخدرات من أضخم أعماله،  خاصة الهيروين المستورد من صقلية عبر ميناء المدينة ليوزعه كارلوس على مدن تكساس ولويزيانا ومسيسبي وألاباما وجميع الولايات الجنوبية الأخرى.

امتدت مناطق مارسيلو من حدود نهرالمسيسبي عبر غالبية ولايات الخليج، فأصبح سيد يدفع لكل من يساهم في تسيير أعماله بسهولة، فتمكن بذلك من الحفاظ على عملياته بعيدا عن التدخل القانوني، ما دفع البعض إلى استدعاء موظف سابق في الإف بي إيه للتحقيق في أداء الشرطة في نيو أورلينز.

أخذ أيرين كونر يتحقق مما يجري في لويزيانا، حتى استرعى الأمر عناية روبرت كندي، ولجنة من السناتور للتحقق من الفساد.

مع وصوله إلى أعلى مركز في زعامة المافيا عام سبعة وأربعين، استمرت ثروة وسلطة مارسيلو في النمو، رغم محاولات الحكومة الفدرالية المتكررة لوقف جميع أعماله،  ولكن إثبات التهمة عليه كانت شبه مستحيلة.

بدا وكأن مجموعات المافيا العاملة معه قادرة على العمل دون أن يتعرض لها أحد. ولكن هذا الأمر بدأ يتغير،  بفضل جهود مكافحة الفساد التي بذلها العديدون من أمثال مدير عام الشرطة في الولاية فرانسيس ريفينبيرغ، وعميل الإف بي أي السابق إيرين كونر.

بعد أن جاء إلى نيو أورلينز عام ثلاثة وخمسين للتحقيق في الفساد داخل دائرة الشرطة، عير كونر رئيسا للجنة التحقيق في جرائم العاصمة.

عين ريفينبيرغ  مديرا عاما لدائرة الشرطة عام اثنين وخمسين، حيث قال بأنها تتميز بتاريخ عريق من الفساد.

سبق ل لونغ أن نظمهم في البداية عام خمسة وثلاثين، واستخدمهم كجيش صغير خاص به. ولكنهم جميعا من السياسيين.  أي أنهم من الأشخاص الذين يطلب السياسيون منه مساعدتهم. وهذا ما فعله. لهذا تمكنت من التخلص منهم على الفور. طردت البعض منهم مع أني تمنيت أن أطرد المزيد. لأن هؤلاء الأفراد اعتادوا على قبول الرشوة لدرجة جعلتني أواجه المشاكل معهم.

بعد توليه المنصب تمكن ريفنبيرغ من ضبط المزيد من بؤر الفساد المتفشية في دائرة الشرطة.

أغرت على مكان يسمونه نادي فور ليف أكثر من عشرة مرات. وعندما أغرت عليه في المرة الرابعة، رأيت عدد من صغار الفتيات يعملن في الدعارة، بعلم من مكتب الشريف، دون أن يقاضيهن، ليتبين أن الشريف كان يملك نصف وكر الدعارة هذا. أودعنا شريكه في المشروع لعشرة أعوام في السجن، ولكن أحد القضاة الذين تسلموا المنصب لاحقا ألغى الحكم بعد عامين من ذلك.

ولكن نشاطات كارلوس مارسيلو المخلة بالقانون تخطت التحكم برجال الشرطة فقط. تمكن المدعي العام الفدرالي السابق إيفس هول، من الاطلاع على حدود هذا التأثير.

كان يسيطر على الأطر التقليدية على طول شواطئ الخليج الجنوبية، وتحديدا في لويزيانا، وإلى حد ما في ميسيسبي. هناك ادعاءات تتحدث عن تأثير له حتى في تكساس. أعني بالأطر التقليدية مثلا، تلك العاملة في ترويج الدعارة، والمقامرة الغير مشروعة، وما شابه ذلك من ا‘مال أخرى.

يعلق جون ديفيس على ذلك بالقول:

كان متورطا في مشاريع كثيرة بين المقامرة وإدارة المطاعم، وقطاع النفط، ومجالات واسعة، قد تفوق سبعين مشروع مختلف، كلها تحت مظلته.

تبين عبر تحقيقات كونر أن كل أصابع الاتهام تشير إلى منظمة كارلوس مرسيلو، الذي يبدو أن وضع دوائر الشرطة في جيفرسون ونيو أورلينز في جيبه. واكتشف كونر أن لمارسيلو علاقة بثلاث جرائم قتل، لم توجه التهمة له بأي منها.

عام تسعة وخمسين تمكن كونر من وضع تقريره أمام لجنة ماكلنين ورئيسها روبرت كندي، الذي كان يطارد المافيا حينها في كل من نيويورك وشيكاغو.

تبين أن عصابات المافيا في لويزيانا على صلة مصلحة مشتركة مع شركائها في مناطق أخرى، ما يعني أنها تتحرك في جولات وزيارات حول البلاد. على خلاف عصابات المافيا في مناطق أخرى لم يجد كارلوس مارسيلو نفسه عرضة لاتهامات رسمية من قبل الشرطة. مع أن كارلوس مارسيلو ما زال حتى اليوم لا يخضع لما يمليه عليه القانون، فهو ينعم بالتساهل وغض النظر، والأسوأ من ذلك أنه على صلة بعدد من ضباط وموظفي  العدالة.

سرعان ما تمكنت لجنة روبرت كندي من الكشف عن الصفقات والمشاريع المتعددة التي كان يعمل بها. وذلك عبر قوانين عززها كندي. عبر تركيز مجموعة من المدعين العامين، بعد أن أصبح مدربا على التحقيق في الشبكات التقليدية للجريمة المنظمة.

أدرك مارسيلو أن الزعماء الذين ظهروا أمام اللجنة رفضوا الاعتراف بوجود المافيا. وقد تزامن ذلك مع تولي جي أدغار هوفر منصب إدارة الإف بي أي، الذي طالما أكد منذ زمن بعيد بأن المافيا هي أسطورة.

ومع ذلك أغير على ستين من زعماء المافيا عام سبعة وخمسين داخل منزل في ولاية نيويورك. يبدو أن هذا الحدث أثبت كليا وجود ما يعرف بالجريمة المنظمة على المستوى الوطني. تغيب عن هذا الاجتماع كارلوس مارسيلو.

كان يتمتع ببعض الامتيازات الخاصة في إطار المافيا، تعفيه من حضور أي من تلك الاجتماعات الكبيرة، ومنها تلك التي جرت في أبيليشين، حيث شارك زعماء جميع العائلات، حين أغارت الشرطة عليهم، ولكن مرسيلو كان معفي من هذه الاجتماعات.

أيا كانت أسباب تغيب مرسيلو، تم الإصرار على وقوفه أمام لجنة ماكلينين، حيث لجأ إلى القانون الخامس والخمسين الذي يسمح له برفض الإجابة على أسئلة اللجنة، فرفض مارسيلو دون تردد الإجابة حتى على سؤال يتعلق بمكان ولادته، ما دفع روبرت كندي للتمسك أكثر في مطاردة المافيا. هذا الرفض المتعنت لتقديم المعلومات حول ولادته جعلت كندي يعتمدها في إصراره على تعقب مارسيلو. تبين لكندي أن مارسيلو قد حصل على شهادة ميلاد غواتيمالية وإذن بالدخول يعتبره مواطن من غواتيمالا. لجأ كندي إلى المؤسسة الوحيدة التي لا تأثير فيها لمارسيلو.  دائرة خدمات الهجرة والتجنيس. فأمر الأي إم إس بأن تطرد كارلوس مارسيلو من الولايات المتحدة الأمريكية دون تأخير.

في الرابع عشر من نيسان أبريل من عام واحد وستين كان مرسيلو يقوم بإجراء روتيني في دائرة الهجرة فطلب منه الجلوس، ليتقدم موظف الهجرة  بمضمون الرسالة إلى مارسيلو.

كارلوس مارسيلو بلغني هنا في المكتب أنك من مواليد جمهورية غواتيمالا، وبالتالي فأنت مواطن رسمي في ذلك البلد. ولدينا أوامر بإعادتك إلى ذلك البلد على الفور.

ماذا تعني بما تقوله.

إقامتك في هذا البلد أصبحت لاغية.

لماذا تفعل ذلك بي ماذا يحدث هنا؟

أخذ مارسيلوا مباشرة بسيارة إلى الطائرة التي نزلت به في مطار مدينة غواتيمالا. علما أنه كثيرا ما خضعت  قانونية  الطرد للتساؤل.

راجعت جميع ملفات الهجرة في هذه القضية، ودعني أخبرك بما يلي، لا أعتقد أنه تم اتباع أي من الإجراءات المعتمدة في عملية الاعتقال هذه، إذ أنه لم يخضع للمحاكمة، ولم يسمح له بالتحدث مع المحامي، كما بلغني أنه لم يسمح للمحامي بأن يتحدث مع أحد من العاملين في وزارة العدل. أي أن هذا الشخص أخذ بالقوة ووضع في السيارة، وأخذ إلى الطائرة ليطرد من البلد. ليس هذا أسلوب العمل الذي  اعتادت الحكومة الفدرالية عليه، في التعامل مع أحد، سواء كان مواطنا أم غريبا.

أمضى مارسيلو عامان من المعانات في المنفى. وبعد عبوره مسافات من غابات المطر، تمكن من العودة إلى لويزيانا. لا أحد يعرف كيف تمكن مارسيلو من العودة إلى الولايات المتحدة بعد. يعتقد المحقق إيد باكر أن مارسيلو استخدم علاقاته للتسلل والعودة إلى الوطن.

كانت سفن صيد نيو أورلايانز هناك، فهم كثيرا ما يذهبون إلى هناك، مرتين في الأسبوع على الأقل. وما عليه إلا أن يجري اتصالا هاتفيا يقول فيه أنه سيكون بانتظار المركب في تمام الثامنة مساء، وإبلاغ الأمر لشخص يثق به، لا أكثر، ولكنه لا يستطيع ركوب الطائرة أو السيارة ليوقفونه على الحدود. من الطبيعي ألا يستخدم الطائرة أو السيارة. خصوصا وأن عناصر الإف بي أي ينتشرون دائما في المطارات، وهم يعرفون زعماء المافيا عبر الصور الكثيرة التي أخذت لهم، عند نزولهم من الطائرات.

يبدو أن ردة الفعل على قرار الحكومة بطرده قد أعطت مفعولها.

تمكنه من التسلل والعودة إلى البلد جعلت منه أكثر منه في أوساط المافيا بطلا أقوى مما كان عليه قبل أن يتعرض للطرد. فالجميع كان يعرف بأنه العراب الأكبر للولايات المتحدة.

عودته إلى البلد دفعته إلى مواجهة مسألة ما كان لينساها،  تحول تقرير كندي إلى  هاجس مستمر. ثار غضب كندي لتمكن مارسيلو من العودة إلى البلد، فتصرف بسرعة، وأمر بمطاردة مارسيلو لدخوله  بطريقة غير مشروعة. ما دفع دائرة الهجرة لإعلانه شخص غير مرغوب به. وسعت مرة أخرى لطرده، عبر قرار استأنفه محامو مرسيلو. وبقيت جنسية مرسيلو تقض مضجعه طوال حياته.

لم يكفوا عن المحاولة، لم تكف واشنطن عن محاولاتها لطرد مارسيلو. ونحن لم نتورط في الأمر مباشرة. باستثناء تنفيذ ما يأمرونا به. ولكن واشنطن لم تتخلى أبدا عن الرغبة بطرده.

يقول المحامي أن الهجرة لا تعترف بأن السيد مرسيلو أمضى فترة طويلة في الولايات المتحدة ولا يمكن طرده بهذه البساطة ما رأيك بالأمر؟

أعتقد أنه على حق..

لم ينس مرسيلو المهانة التي أخضع لها عندما طرد بالقوة عبر أمر من روبرت كندي.

في بداية الستينات كان مرسيلو يواجه اتهامات جادة بحق إمبراطورية المالية الفاسدة، في ظلال الإدارة الأمريكية المنتخبة حديثا.

تسلم الرئيس جون كندي البيت الأبيض وعين شقيقه روبرت في منصب المدعي العام. بعد أن تمتعت السلطة بقوة أكبر، فتابع روبرت كندي والرئيس حملاتهما للإطاحة بمرسيلو. ما يحتاجه مرسيلو هو التخلص من ذلك التهديد، وهذا ما حدث يوم الثالث والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر من عام ثلاثة وستين حين كان الرئيس كندي بزيارة إلى دلاس كجزء من حملات الحزب الديمقراطي الانتخابية. كان من المتوقع أن يمر في ساحة ديلي، عندما سمعت طلقات نارية مفاجئة. أصابت الرئيس. فنقل إلى مستشفى باركلين القريب. بعد ساعة من ذلك أعلن موت حون إف كندي.

بعد فترة وجيزة تمكنت الشرطة من اعتقال شاب يسمى ريهاربي أوزولد،  رغم توجه أصابع الاتهام إليه في قتل الرئيس نفى أوزولد تورطه.

لا أعرف ما يجري حتى الآن إلا أني متهم باغتيال أحد رجال الشرطة.

هذا ما قاله أوزولد أثناء استجوابه عبر إحدى النوادي الليلية في دلاس عبر صفوف الشرطة شخص اسمه جاك روبي..(..) لم تتمكن الشرطة من حمايته، بل جرى اغتياله أمام العشرات من عناصر الشرطة ورجال الصحافة والمصورين.  

مات أوزولد بعد ساعات من تعرضه لإطلاق النار على طاولة العمليات. ما خلق نوع من الحيرة والارتباك لكل ما يكتنف مقتل الرئيس كندي وأوزولدن فأخذت شائعات التآمر تنتشر في العالم. وقد شملت هذه الشائعات الاتحاد السوفيتي، الذي دعم كوبا عشيتها في أزمة الصواريخ. وكوبا التي اجتاحها الغضب حيال اجتياح خليج الخنازير. والسي أي إيه التي هدد كندي بتفكيكها. إلى جانب اتهام الرئيس كندي بأنه المسؤول عن مقتل رئيس جمهورية فيتنام الجنوبية ييم. وبلا شك، المافيا. التي كان لها أكثر من عدو في عائلة كندي.

أخذت الحكومة والصحافة تنظر عن قرب إلى عملية الاغتيال. عام تسعة وخمسين وبعد خيبته من الولايات المتحدة، تخلى أوزولد عن جنسيته الأمريكية ولجأ إلى الاتحاد السوفيتي، حيث عاش لمدة عامين وتزوج من امرأة روسية اسمها مارينا. ولكنه شعر بالمرارة من الاتحاد السوفيتي فعاد إلى الولايات المتحدة ليعلن أنها أقل شرا.

لا شك بأني أعتنق الفكر الماركسي ولكن هذا لا يعني بأني شيوعي.

حاول أوزويل الاستقرار عند عودته، ولكن فشل في الحصول على عمل، ولكنه كثيرا ما كان يزور نيو أورلينز للمشاركة في عمل تطوعي لصالح لجنة التضامن مع كوبا. اقتصرت مشاركته على توزيع المنشورات في شوارع نيو أورلينز. مشاركة أوزويل في هذه الحركة جعلت الكثيرين يفكرون بتورط فيديل كاسترو في عملية الاغتيال. تدعي نظرية أخرى وجود اتفاق بين السي أي إيه والمافيا بهدف توريط كاسترو لعدة أسباب. اعتبرت السي أي إيه أن فيديل يمثل دمية بيد الاتحاد السوفيتي وتهديد للأمن القومي. أما المافيا فقد اعتبرت أنه المسؤول عن تدمير نوادي المقامرة التي كانت لهم هناك.

بعد فشل اجتياح خليج الخنازير حملت السي أي إيه الرئيس كندي المسؤولية عن فشل هذه العملية وبالتالي بقاء كاسترو في السلطة. عدم تأكيد أي من هذه الاحتمالات دفع لجنة التحقيق للتوصل إلى خلاصة مفادها أن أوزويلد تصرف بمفرده.

بعد خمسة عشر عاما من ذلك أي عام تسعة وسبعين، قررت لجنة التحقيق بأن تعيد فتح الملف. كشفت بعض الدلائل عن احتمال أن يكون أوزويلد قد اغتال الرئيس لصالح كارلوس مرسيلو.

عام اثنين وستين عزز روبرت كندي ولجنته من شد الخناق على مرسيلو، باتخاذ قرارات جديدة كان من بينها أمر بطرده من البلاد، ما جعل كارلوس يعيش كل يوم بحالة من عدم الثقة.

لم يجر الأمر على هذا النحو، لا يوجد إثباتات تؤكد مثل هذه الاحتمالات.

برزت معلومات جديدة تؤكد وجود علاقة بين أوزويل ومارسيلو. كان أوزويل في نيو أورلينز يسكن مع عمه دوكس ميريت، الذي كان على صلة بأعضاء في نوادي مرسيلو للمقامرة. هناك احتمال بأن يكون أوزويل على صلة بديفيد فيري، الذي كان على صلة بمنظمة الجبهة الكوبية المعادية للثورة، وهي منظمة يمولها  كارلوس مارسيلو بسخاء.

عشية إعلان كندي للقيام برحلة إلى دلاس، خطط كارلوس مرسيلو وديفيس فيري للمشاركة في تحضير للدفاع عن مرسيلو في قضية  يفترض أن تبدأ جلساتها في بداية تشرين الثاني نوفمبر. بالإضافة إلى اجتماعه بمرسيلو في فندق تاون، ذهب فيري لعقد لقاء مع أوزويل في الزاوية الفرنسية. هناك نظرية تقول بأن مرسيلو كان يبحث عن شخص من خارج المنظمة كي يتخلص من كندي، فالتقى بقريب دوكس ميرت هارفي أوزويل.

دلاس هي المدينة التالية بع نيوأورلينز التي تعتبر جزءا هاما من إمبراطورية مرسيلو. تحولت هذه المدينة إلى التبعية لمرسيلو دون أن يكون فيها عائلة خاصة بها.

اكتشفت صلة وصل بين أوزويل وجاك روبي وكارلوس مارسيلو أيضا. عام ستة وأربعين، قبل عام واحد من استيلاء مرسيلو على السلطة في لويزيانا، سعت إحدى عصابات شيكاغو للعمل على استلام السلطة في دلاس، والسيطرة بذلك على وحدات الشرطة هناك. ساهم في هذه الحملة جاك روبي، الذي بقي في دلاس حيث فتح ناد ليلي وعمل كصلة وصل بين الشرطة والمافيا. أقسم جاك روبي أنه أطلق النار على أوزويل انتقاما للرئيس.

لا يمكن نكران حقيقة أن  لي أسباب ودافع..

هناك من يوحي أيضا بأن كارلوس مارسيلو أراد شخصا قريبا من شرطة دلاس ليسكت أوزويل، فكان روبي الشخص المناسب.

خضعت الصلة بين مرسيلو وجاك روبي وأوزويل للدراسة والبحث والتوقعات ليتم استخلاص ما إذا كان سيتأكد بأن لمرسيلو أو لأي عصابة أخرى صلة تذكر بعملية اغتيال الرئيس كندي. ولكن لا بد من القول بأن أحد الأسباب الرئيسية للصداع لدى مرسيلو فارق الحياة يوم الثالث والعشرون من تشرين الثاني نوفمبر من عام ثلاثة وستين.

قبل فترة طويلة من أن يصبح جون كندي على اللائحة السوداء، كان زعيم عصابات نيو أورلينز يتمتع بالمناعة تجاه السلطات القضائية في الولاية بكامله. عام ثلاثين تمكن كارلوس مرسيلو بتفادي اتهامات رسمية تؤكد ارتباطه بالجريمة المنظمة.

وقف كارلوس مرة للرد على الاتهامات التي تحدثت عن ارتباطه بالعصابات فقال:

ما هو ردك على الاتهامات التي تتدعي ارتباطك بالعصابات؟

هذه تهم باطلة.

أما بخصوص مشاريعه المالية فكان لديه إجابات واضحة.

في الأراضي والاستثمارات والفنادق.

ما هو ردك على اتهامك بالتورط في العصابات؟ هل أنت على صلة بالرجل الصغير أو غيره من عصابات لويزيانا؟

هذه مجرد أكاذيب وادعاءات لا أساس لها من الصحة، تصدر عن أناس يعيشون على هذه القصص.

عام ستة وستون أصبح من المستحيل نفي هذه التهم. اعتقل مرسيلو على يد رجال شرطة نيويورك في مطعم في كوينز بصحبة أحد أبرز شخصيات الجريمة المنظمة. عندما أطلق سراحه وأصبح في الطريق إلى نيو أورلينز، أحاط الصحفيون والكاميرات به. كما وضع نفسه في ظروف أصعب عند لقائه بعميل الإف بي أي باتريك كولينز.

عند عودته إلى المطار ارتكب خطأ جسيما، حين واجه أحد ضباط الإف بي أي الذي قال حين رآه في المطار: سمعنا كارلوس أنهم ألقوا القبض عليك  في أحد مطاعم نيويورك، فلم يحتمل مرسيلو ذلك ورد على الرجل بالضرب، فأودعوه السجن لمدة ستة أشهر.

كان لمرسيلو والمحامين وجهة نظر أخرى عن الحادث.

لم يكن موكلي يعرف أنه من عملاء الإف بي أي، كما تؤكد الإثباتات أن السيد باك كولور تصرف بعدوانية واضحة في تلك اللحظة، وقد بدأ حديثه مع السيد مرسيلو قائلا: هل تريد المشاكل هل تبحث عن المشاكل. وبدل أن  وضح من هو، قال مباشرة أنه يستطيع التعامل مع المشاكل، وثبت على الفور أنه يريد العراك. 

ولكن القضاء حكم عليه بعامين من السجن. إلا أن مرسيلو تمكن كالمعتاد من استخدام تأثيره السياسي لخفضها إلى ستة أشهر.  

فشلت وزارة العدل حتى عام سبعين بالحكم على أي من العائلات المافيا الكبيرة، ما دفع الحكومة الفدرالية إلى إصدار قانون عرف بلقب ريكو ستاتوس، الذي شكل دعما جديدا لسبل ملاحقة الجريمة المنظمة. عندما كان مايكل شيرتوف مدعيا عاما للولايات المتحدة في نيويورك، رحب بصدور هذا القانون.

ساعد هذا القانون الجديد في التركيز على رؤساء عصابات، ممن لا يشاركون في الجرائم بشكل مباشر، بل يعملون في اتخاذ القرارات على أرفع المستويات، بما في ذلك الجرائم الكبرى التي تمتد لعدة سنوات، وفي أماكن متعددة. من خلال ربط مجموعة من الجرائم المرتكبة، وإيجاد الصلة بينها وبين زعيم العصابة، يمكن توجيه التهمة لرأس العائلة أو المافيا الذي يخطط لعشرات الأعمال الإجرامية، أو كانوا على صلة بأولئك الذين خرجوا لمواجهة مخاطر الجريمة المنظمة.

عبر هذا القانون بدأت وزارة العدل تلاحق العصابات في أنحاء الولايات المتحدة. إلا أن مرسيلو تابع أعماله في لويزيانا و ولايات الخليج، معتقدا أنه لن يواجه الكثير من التدخل القانوني في عملياته.

كان يعتبر أهم زعيم لعصابات المافيا في أمريكا، ولديه أكبر عدد من الأفراد بين الجميع، إلى جانب انه كان أقوى إمبراطوريات المافيا دون  استثناء، وكان يعتبر الزعيم الأوحد للمافيا في البلد. بحيث يجد كل زعيم نفسه مجبرا على استئذان مرسيلو للظهور أمام القضاء. ما يعني أنه إذا ما ظهر أحدهم بدون استئذانه، يقتله مرسيلو مباشرة.

إلى جانب قوته على المستوى الوطني، استمر مرسيلو بتعزيز تأثيره السياسي على رجال السياسة ضمن شروطه الخاصة.

في إحدى التقارير التي تدين الفساد في لويزيانا نشرت مجلة لايف صورا لمرسيلو وهو يمارس سلطته على  عدد من الموظفين الرسميين.

 يدعي تقرير المجلة أن مرسيلو تمكن من إقناع حاكم ولاية لويزيانا في صرف أموال الضرائب على تحسين الظروف المحيطة بمزرعة له تبلغ مساحتها ستة آلاف وأربعمائة إيكر والمعروفة بلقب مزرعة تشرشل.

بعد هذه التحسينات المحيطة أصبحت المزرعة تساوي ما يزيد عن ستين مليون دولار في الأسواق العقارية. استغرق الأمر أكثر من أربع سنوات لإنجاز مشروع كلف الولاية أكثر من مليون دولار لم يستفد منه أحد هناك باستثناء كارلوس مرسيلو.

منذ ما قبل الوصول إلى عصر السناتور هيولي لونغ  كانت الحياة السياسية في لويزيانا مجرد تعبير عن نظام الفساد السياسي الكامل.

كثيرا من كان يضطر المعارض الرئيسي للمقامرة الغير مشروعة رئيس الشرطة السابق فرنسيس غرفنبيرغ، لمواجهة عدد من الساسة المتعاونين.

كانت المافيا تتحكم بالمقامرة في جميع أرجاء لويزيانا، وهم للقيام بذلك أجبروا على شراء رجال السياسة، ما يعني أنه رشوا الشريف، ولجنة المدعين والقضاة، وكل من يمكنهم رشوته. ولكنهم ما كانوا يقولون لي بأنهم رشوا أحد، بل إنهم قاموا بشرائهم.

ما كان لأحد أن يفهم صلة الوصل القائمة بين السياسيين والفساد في لويزيانا، أكثر من المحامي جان بولز، الذي رشح نفسه في جولتين لمنصب الشريف، ومدع عام للمقاطعة المعنية.

أعتبر أن لويزيانا لاية معروفة بالفساد، ولكن ما هو السبب؟ لأن فيها العديد من  الموظفين الفاسدين، ليسوا جميعا، ولكن الكثيرين منهم، بأعداد كبيرة. يقال أن شعب لويزيانا لا يحتمل الفساد ويطالب به. لهذا عثروا على من يقوم بأعمال غير قانونية، ولكنه يحتج. يعتبرون ذلك تصرفا جيدا، فيه الكثير من التسلية. الجميع ليسوا على هذا النحو لا أعني هنا أن تعميم الظاهرة، على جميع أبناء الولاية، فأنا أعرف شأن هناك مواطنية صالحة لا تريد رؤية ذلك. ولكن هناك العديد من رجال السياسة المتساهلون.  

بعد مواجهة لجنة التحقيق عام واحد وخمسين، وأخرى جرت بعد عشرة أعوام من ذلك، خرج كارلوس مرسيلو من الاثنتين معا دون أي أذى يصيب سمعته أو إمبراطوريته.

ولكن مرسيلو واجه تحديات جديدة عام تسعة وسبعين عندما قامت لجنة من البيت الأبيض بإعادة فتح التحقيقات المتعلقة بمقتل الرئيس كندي، بالاعتماد على إثباتات جديدة، وشهود جدد.

كان من بين هؤلاء الشهود هيد باكر أحد رجال المباحث في لاس فيغاز الذي اخترق حياة المافيا والمقامر.

التقى هيد عدة مرات بمرسيلو عام اثنين وستون ضمن اجتماعات عمل مشتركة،  كما تمكن من كسب ثقة العصابات عبر شتى السبل.

قلت في إحدى المناسبات أن روبرت ليس مسرورا بعودتك إلى البلد، وأن الجميع يتحدث عن ذلك في لاس فيغاس، تغذية لغروره، فأخذ يتحدث بإسهاب عن روبرت كندي وعائلته. ثم أدلى بتصاريح تؤكد أن جون كندي لن يبقى طويلا في السلطة وأنه متأكد من ذلك، وبالتالي فإن روبرت سوف يرحل معه. عندما تحدث عن هذا الموضوع كان يشعر بالغضب الشديد لدرجة أنه استخدم إحدى الجمل الإيطالية، التي حفظتها عن ظهر قلب، لأني لا أتحدث الإيطالية، ولكني كثيرا ما أعتمد على ذاكرتي القوية جدا فحفظتها كاملة. ثم بحثت لاحقا عن مترجم إيطالي كي أعرف ما تعني. فتبين أنها تقول مجازا: اقطع الرأس فيموت الذيل. وهو يعني بهذه العبارة أنه بدل أن يقطع الذيل وهو المدعي العام للولايات المتحدة روبرت كندي، وهذا تفكير منطقي سيلجأ بدلا منه إلى التخلص من الرأس  أي رئيس الدولة جون كندي.

في النهاية، لم تتوصل لجنة البيت الأبيض للتحقيق باغتيال كندي  إلى تقرير حاسم. فنجا مرسيلو كما في جميع المرات السابقة، وتخلص من الملاحقة القانونية.

ولكن عام تسعة وسبعين تمكنت وزارة العدل من ملاحقة مرسيلو بعد أن تمكنت الإف بي أي من تنفيذ عملية سرية أطلق عليها لقب برايلاب، اختصارا لعبارتي الرشوة والعمل. تمكنت الإف بي أي من اختراق عصابة مرسيلو عبر شخص وشى به.

هناك شخص واحد تعاون مع الشرطة وهو السيد جو هاوزر. بدأنا نتيجة ذلك مجموعة من الأنشطة الإلكترونية الهادفة لمراقبة أجهزة الهاتف، داخل مكتب مرسيلو. وقد سمحت لنا المحكمة بأن نشدد المراقبة عبر أجهزة الميكرفون في مكتبه ضمن منطقة نيو أورلينز. حتى أذكر مرة أننا اخترقنا هاتفه المنزلي.

تمكنت الإف بي أي من تجنيد هاوزر، وهو مجرم معروف كان يواجه تهمة تقضي بسجنه عشرة أعوام للرشوة والممنوعات.

ما هي فائدتي من ذلك.

اتفق مع دائرة العدل على أن تخفض عقوبة هاوزر مقابل تقديمه بعض المعلومات للحكومة.

كانت الفكرة تكمن بمنح مرسيلو فرصة لمساعدة هاوزر في الحصول على عقود تأمين حكومية. قدمت له هذه الفرصة فقبل بها. لم يكتف مرسيلو بالقبول بها بل حدد له سبل التصرف والوساطة المطلوبة..

يمكن الخوض في الولاية بكاملها إذا لزم الأمر..

لضمان عقود التأمين الخاصة بموظفي الولاية.

ما لم يعرفه مرسيلو هو أن الحوار بينهما كان يسجل على جهاز مخبأ داخل حقيبة يد كانت مع هاوزر.

ما أن سجلت هذه المعلومات حتى بدأ سباق، كان مرسيلو الشخصية الأساسية فيه، كموجه لهاوزر، ضمن المراقبة الشديدة للإف بي أي، عبر أفراد كانوا يلعبون دور المندوبين الموثوقين لشركة التأمين على الحياة.

تم الاتفاق على أن يتلقى مرسيلو مقابل اتصالاته وتأثيره مبالغ نقدية من الأرباح التي يجنيها كل عقد يتم التوصل إليه من خلاله.

تمكن عملاء الإف بي أي من الوصول إلى مسؤول إدارة الولاية، أي الشخصية الثانية بعد الحاكم، وهو السيد تشارلز رومر، الذي تمكنا من إثبات أنه تلقى مبالغ من المال، توازي خمسة وعشرون ألف دولار، لتحريك مشروع التأمين على حياة الموظفين، لصالح هذه الشركة بالتحديد. وقد تمكنت الإف بي أي في هذا المجال من التنصت على مكالماته لتسعة عشر شهرا.

بالإضافة إلى الخمسة وعشرون ألف دولار، وعد مرسيلو السيد تشارلز رومر بالحصول على ثلاثة وأربعون ألف دولار شهريا طالما استمر العقد ساريا.

أعتقد أن أهمية القضية لا تكمن فقط في ملاحقة وإثبات التهمة على شخصية كانت تحتل مكانة عالية في الجريمة المنظمة. بل اكتشاف حقيقة أن زعماء الجريمة المنظمة كانوا يعتمدون على الموظفين الرسميين.

شعر مرسيلو بالقلق، لاحتمال أن يفقد رومر منصبه في موقع الحاكم الجمهوري للولاية، فقرر أن يقطع الطريق على  رومر وعرض رشوة على الحاكم الديمقراطي حينها الملازم جيمس بيتز مورس.  اعتقد مرسيلو أن مورس قادر على توجيه العقود على طريقته، خصوصا إذا فقد رومر منصبه. ابتلع جيمس الطعم، وقبل رشوة مرسيلو بقيمة عشرة آلاف دولار.

في كانون الثاني من عام ثمانين، سجلت على جهاز وضعه الإف بي أي عبارات صريحة لمرسيلو يقول فيها أن رومر سوف يعتني بكل ما يلزم وأن العقد قد أرسي على شركة التأمين المعنية. 

انتهى عصر العراب الأكبر للمافيا الأمريكية كارلوس مرسيلو عام ثمانين، حين وجدت لجنة القضاة بأن الرجل البالغ من العمر سبعين عاما مذنب في التهم الموجهة إليه، بعد أن تمكن مرسيلو طوال أربعة عقود من تفادي الملاحقة القانونية، فنفى الاتهامات وقاوم قرار الطرد الصادر عن دائرة الهجرة.

بعد سنوات من جمع المعلومات عن مرسيلو تمكنت الإف بي أي من توجه التهمة إليه لقيامه بأعمال غير شرعية تتراوح بين التآمر والتهديد وعقد صفقات يعاقب عليها القانون.

تلقى حكمه بناء على تهمة التآمر وأعتقد أنه حكم بالسجن لمدة سبع وثمانين عاما. اعتمد ذلك على معلومات قمنا بجمعها في نيو أورلينز عبر المراقبة الهاتفية. عند ذلك جرت ملاحقته عبر محكمة لوس أنجيلوس، بتهمة محاولة رشوة قاض فدرالي، فتلقى أيضا  حكما بذلك هناك. أي أن الأبحاث التي قمنا بها أدت إلى إصدار حكمين بحق مرسيلو. ولكنه تلقى بعض التخفيضات فقضى حوالي تسع سنوات في السجن.

الشخصيات التي ساندت مرسيلو لفترات طويلة هي رومر، أيروفينغ وديفينسون، الذين عملوا للدفاع عن مرسيلو عبر اللوبي الأمريكي في واشنطن وساهموا في تقديم هاوزر لمرسيلو، ومحامي مرسيلو فينسينت مرينيلو .

ثبتت جميع التهم الموجهة لديفينسون ومرينيلو، كما تأكدت التهمة على رومر الذي قضى فترة في السجن.

في الأول من حزيران يونيو من عام اثنين وثمانين، أخذ مرسيلو نتيجة أوضاعه الصحية السيئة إلى المستشفى الأمريكي  الخاص بالسجن الفدرالي الواقع في ولاية ميزوري لقضاء فترة عقوبته.

بعد إصدار الحكم على مرسيلو، تقلص تأثير عائلة المافية والجريمة المنظمة بين رجال السياسة والموظفين. عام ثمانية وثمانين وجهة تهمة تبييض الأموال لسامي مرسيلو شقيق كارلوس، فأفلس عدد كبير من  مطاعم عائلة مرسيلو في لويزيانا.

حاول الجيل الثاني من عائلة مرسيلو تفادي العمل في المشاريع السرية، وبذل جهدا للتأقلم مع المجتمع الأمريكي عبر مشاريع وأعمال قانونية.

يصف ديفيد ميتشيل من الإف بي أي السبل  التي لجأت إليها لا كوسا نوسترا للقيام بعمليات إجرامية جديدة.

بعد الأبحاث التي أجريت وأدت إلى الحكم على السيد مرسيلو، ركزت الإف بي أي جل اهتمامها على المقامرة الممنوعة التي كانت تنمو في نيو أورلينز وعبر شواطئ الخليج، ليتبين بأن العصابات كانت تخترق صناعة فيديو المقامرة، وذلك باستخدام بعض الأشخاص للحصول على أذون تسمح لهم باستخدام أجهزة فيديو المقامرة، لنشرها عبر شبكة، كانت تغذي  مجموعة من الجرائم التي تنتهك القوانين الفدرالية.

استمرت الإف بي أي بعد موت مرسيلو من مراقبة الأشخاص المشتبه بتوليهم العمل في الممنوعات. اتبع انطوني روداستي عضو لجنة الجرائم في نيو أورلينز تسلسل الأحداث.

بعد موت كارلوس مرسيلو قبل خمسة أعوام، حل محله أنطوني كورولو، الذي كان متورطا في أعمال المقامرة، وكان يلتقي برجاله في مطعم ضمن المنطقة الفرنسية في مدينة نيو أورلينز، دون أن يعلم أي منهم أنهم مراقبون من قبل الإف بي أي، التي تمكنت من إثبات تآمرهم على التخطيط لعمليات واسعة النطاق في جميع أنحاء لويزيانا. وهناك شخص جاء من خارج المدينة اسمه تين فيل، كان على صلة بمافيا عائلة غامبينو الإيطالية.

تمكنت وسائل إف بي أي للتنصت من اكتشاف ما تسعى إليه عائلة غامبينو  وبرونو سكارتو الإجرامية  من محاولات لجعل موانئ نيو أورلينز مراكز رئيسية هامة لتهريب وترويج المخدرات.  وهنا تدخلت الوكالة من جديد.

تمكنت الإف بي أي في بداية التسعينات من إطلاق مجموعة أبحاث دامت خمس سنوات بدأت عام تسعين، وأدت إلى نتائج محددة حكمت فيها على عشرين عضوا وشريكا في ارتكاب جرائم متنوعة. تعتبر  الوكالة اليوم أنها تتعامل مع مدينة مفتوحة. أعني هنا أنه لا يوجد عائلة واحدة تعمل في النشاطات الغير مشروعة. الأمر يختلف هنا عما هو الحال في نيويورك التي تتمتع ببنية ثابتة من العائلات، يسيطر كل منها على مجال  محدد من الجرائم.

يؤكد ذلك أن بنية الجرائم في نيو أورلينز قد تغيرت كما تغير معها فئة المهاجرين التي كانت على صلة تقليدية بها.

لدينا جريمة آسيوية منظمة هنا.  نعتمد اليوم على مجموعة من المهام الهادفة للبحث والتحقيق حول هؤلاء الأفراد. يركز هذا الجانب من الأبحاث على سبل توزيع المخدرات، وعمليات السطو وسرقة المنازل، إلى جانب الابتزاز وأنواع أخرى من الجرائم.

نقوم في هذه المنطقة بالتحديد بالتركيز على العصابات الفيتنامية للجريمة المنظمة. هناك جيوب ومجموعات تعمل معا لتنفيذ عمليات مشتركة يتم فيها انتهاك القوانين.

يبدو أن الروابط التاريخية في نيو أورلينز بين زعامات الجريمة المنظمة والقادة السياسيين والموظفين الحكوميين تكرر نفسها على الدوام.

عثرنا منذ زمن ليس ببعيد في دائرة الشرطة التابع لنيو أورلينز، على عناصر لها صلة وثيقة بعائلة مرسيلو. كما تبين قبل شهرين فقط أن نائب الشريف إحدى الضواحي كان على صلة بعائلة غامبينو،  وتحديدا مع سامي ذيبول، وعندما جرى تعيينه لم تتأكد لجنة البحث والتدقيق من أنه حكم مرتين في مدينة نيويورك، ويحمل ثانوية مزورة، أما صلته بعصابات الجريمة المنظمة فكانت مؤكدة بوضوح. جمعنا هذه المعلومات للشريف، الذي اتخذ إجراءات مباشرة وأوقفه عن العمل فورا.

ومع ذلك هناك تأكيدات تشير إلى أن الفساد الحكومي حقيقة قائمة.

أتوقع بلا شك انتشار الفساد هنا، نعم هناك فساد في أمريكا، وأعتقد أن الفساد سيبقى هنا. لهذا على رجال القانون أن يبقوا متيقظين ليستمروا على الدوام في البحث عن أعمال الفساد، هذه هي الوسيلة الوحيدة لمحاربته، لأنه لن ينتهي على الإطلاق، طالما بقي الكائن البشري على حاله. لا بد من القيام بذلك لأنه يقلص الانتهاكات. على الحكومة من جهة أخرى أن تعمل ضمن القانون، وأن تتذكر أهمية ذلك باستمرار.

يبدو أن غيوم الماضي تبددت، ليتأكد بأن مستقبل نيوأورلينز أكثر إشراقا.

تبين على مدار السنوات الأربع الماضية لدى الشرطة بأن الأمور أخذت تشهد بعض التحولات، وأن مستوى الحياة في نيو أورلينز بدأ يتغير نحو الأفضل. ذلك أن انتهاك القوانين تدنى بنسبة عالية لدرة أن جرائم القتل التي تعدت الأربعمائة في الماضي، تدنت بنسبة أربعين بالمائة، كما أن مستوى الحياة على مستوى البلاد قد تحسن.

تورط النظام السياسي بعمليات الفساد، واعتماد الرشوة لإخضاع الموظفين، ساعدت مرسيلو على بناء إمبراطورية من الثروات. وحدهم الموظفين الشرفاء بدعم كامل من قبل رجال القانون المخلصين، تمكنوا أخيرا من الإطاحة بعراب نيو أورلينز وديناصوراته.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster