اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 رجل كانويك
 

رجل كانويك

 

أثناء حضور زوج من الشبان لمسابقة للزوارق أخذا يمشيان على ضفة نهر عثرا عندها على ما اعتقدا أنه حجر كبير. التقطه أحدهما وأداره ليتبين أن له أسنان.

        عندما رأيت الجمجمة ظننت أنها لأحد الأسلاف الأوروبيين، كانت تبدو حديثة نسبيا. تركتها لتجف قليلا ثم أخذت أنظف العظام الأخرى. عند ذلك وجدت شيء رمادي في تجويف الحوض. تبين أنه شريحة حجرية على شكل ورقة الشجر مدببة الرأس.

        وبعد إخضاعها لأشعة الكربون تبين أن عمرها ثمانية آلاف وأربعمائة وعشر سنوات. قد تزيد أو تقل ستين عاما. مقاييسه الجسدية تختلف عن ملامح السكان الأصليين الحاليين للقارة الأمريكية. 

        تبين أن هيكل نهر كولومبيا العظمي هو أقدم هيكل بشري عثر عليه في الأمريكيتين، وهو يحمل اسم، رجل كانويك، وحاز على شهرة عالية.

        إن لم تكن ملامح أول القادمين إلى القارة الأمريكية على شاكلة الهنود الأمريكيين، فمن هم إذا؟ فتح اكتشاف شاتر بعض الجروح القديمة.

        قصد الدكتور شاترز إدخال فكرة القوقازي في المعادلة، وسرعان ما تلقفتها الصحافة حتى بلغنا أن فايكينغ  مينيسوتا وصلوا إلى القارة الأمريكية قبل الهنود. وقد قيل لي عبر زملاء للدكتور شاترز كي أطلب منه بأن يقيس جمجمته، ليتأكد بأنها هندية وليست قوقازية.

        أولا لم يسبق أن قلت بأنها جمجمة أوروبية، حين أدركنا بأنها جمجمة قديمة. كل نقوله هو أن السكان الأوائل ليسوا كما كنا نتوقع أن يكونوا. أقرب ملامح لسكان أمريكا الأوائل شبيهة جدا بملامح ذوي الأصول اليابانية، وشعوب ما قبل التاريخ وبولينيزيا الحديثة. هذا لا يعني أنهم أوروبيون. ولا أعني بهذا الشعوب البيضاء قد وصلت إلى هنا أولا.

        طالب هنود أوماتيلا الذين يسكنون المناطق التي عثر فيها على رجل كينيويك، بالرفات، معلنين رغبتهم بدفن الهيكل العظمي.

هذا ما يجرح مشاعر الشعوب الهندية عميقا، عندما تعتبر رفات أسلافنا مجرد آثار، تقدم معلومات لمصلحة الشعب الأمريكي. أنا مواطن أمريكي. ماذا عن وجهة نظري؟

        حيال معارضة مجموعة من علماء الآثار البارزين، أغلقت منطقة الاكتشاف لإعاقة المزيد من الحفريات.

        رفع رجال الآثار دعوى لبقاء العظام  لمزيد من الدراسات.  روبينسون بونشسين هو أحد المدعين.

روبينسون بونشسين:فحوص الدي إن إيه لعظام كينيويك هي الدراسة المنطقية لمعرفة ما إذا كان هناك أي صلة بين الهيكل العظمي والشعوب الحديثة. بغض النظر عن مكانها.

        دينيس ستانفورد يقاضي أيضا.

        أخذت التكنولوجيا لدينا تتحسن جدا، وتصبح أسرع، لهذا فإن الأشياء التي يمكن أن نكتشفها ونتعلمها واسعة النطاق. ما الذي سنعرفه خلال عشر سنوات وما الذي سنتعلمه خلال هذه الفترة؟ ولكن إذا فقدنا المصدر لن نعرف أبدا.

        إنهم يحاولون تبرير ماضيهم. الأفعال المشينة التي ارتكبوها بحقنا، باسم العلوم. قطعوا رؤوس الناس ونبشوا المقابر، وعبثوا بالرفات، وقاسوا الجماجم ووزنوا الأدمغة، كل هذا باسم العلوم والدراسات.

هناك مائتي ألف قطعة من بقايا السكان الأصليين الأمريكيين في المتاحف الأمريكية. تقبع الغالبية العظمى منها في الأدراج دون أن يلمسها أحد منذ استخراجها. بعد عقود من احتجاجات الهنود الأمريكيين، أقر الكونغريس قانونا يحمي بموجبه مقابر الهنود الأمريكيين، ويدعوا إلى إعادتها. عام ألف وتسعمائة وتسعين.

        صار على المتاحف والكليات والمعاهد أن يعيدوا ما لديهم من بقايا بشرية إلى قبائل الهنود هناك.

        أيها الأقارب، نحن الآن هنا، جئنا لاستردادكم، جئنا لإعادتكم إلى الوطن.

        تقول بعض المعتقدات الهندية بأن الروح لا تغادر الجسد كليا بعد الموت.

        يمكن للأرواح الهائمة أن تؤذي وتتعرض لأذى الأحياء. وأن وجودها في الأرض يربط الناس بأماكنهم.

        ألقت قضية العظام أضواء جديدة على التاريخ الأمريكي. أثيرت بعض الأسئلة قبل ثلاثمائة عام، حين عثر الرحالة على بعض القبور الهندية.

        في تشرين الثاني نوفمبر من عام ألف وستمائة وعشرين، توقفت سفن الرحالة في ككاب كود وتوجهوا إلى الشاطئ بحثا عن إحدى القرى. تتحدث إحدى المذكرات عن ذلك بالقول:

        بعد عبور مسافة ميل تقريبا على شاطئ البحر، عثروا على خمسة أو ستة رجال برفقة كلب، متوجهين نحوهم. وعند مشاهدتهم فروا إلى الغابة، وصفروا للكلب كي يتبعهم.

        وصلت سفن إنجليزية أخرى إلى هنا، آخذة  عددا من أبنائنا عن الشواطئ معها، دون أن نعاود بعد ذلك رؤيتهم. لهذا لم يعد من عادتنا الخروج والترحيب بالإنجليز عند مجيئهم إلى هنا.

        سرعان ما عثروا على حقول مزروعة بالذرة وعدد من الروابي الصغيرة الغريبة. فحفروا في أحدها وقد كانت مغطاة بحصر منسوجة من القصب.

        عثرنا على مجاذيف، إلى جانب السهام، ولكنه كانت متلفة اعتقدنا أن هناك أشياء أخرى كثيرة، ولكن حين اعتقدنا أنها قبور، وضعنا السهام ثانية، وأعدنا كل شيء إلى مكانه. لاعتقادنا أننا سنثير حقدهم علينا إن عبثنا بقبور أموتهم.

        ما لا يعرفونه هو أنه قبل عشرة أعوام من وصولهم، انتشر وباء قاتل أعلى وأسفل شواطئ إنجلترا الجديدة، الممتدة من منطقة بلايموث إلى ساكو مين. أو ما كان يعرف بمنطقة مساشوسيس، وأدت إلى مقتل تسعين بالمائة من السكان الهنود هناك.

        عثر الرحالة على قريتين مهجورتين، عثروا فيهما على مستودعات من الأغذية المدفونة.

        تابعنا الحفر فعثرنا على كميات كبيرة من حبوب الذرة الجيدة المدفونة هناك. أعدنا كل شيء ووضعنا كمية من الذرة المتداعية في وعاء لاثنين من الرجال ك يأتيان به.

        كانت هذه المناطق مليئة بالحقول الفارغة والقرى المهجورة من السكان. حين تجد هذه المساحات الخصبة خالية من السكان، أي خلاصة تتوصل إليها؟ حمدا للسماء. لقد منحت عبيدك المخلصين بما وعدتهم به.

ظهرت أمامهم مقبرة بحجم غير اعتيادي.

        تساءلنا عن تلك الربوة، وقررنا حفرها. عثرنا فيها على أوعية وصحون وأوان متنوعة. حملنا معنا بعضا من أجمل الأشياء التي تم العثور عليها. ثم أعدنا دفن الجثث من جديد.

        أعتقد أن مايفلور أمضى هنا في كاب خمسة أسابيع. من السهل أن يقرأ المرء الكثير عن تلك اللحظات، ولكن لا بد من القول بأن السنوات الثلاثمائة التي تلت تلك الأسابيع الخمسة حملت معها أحداث تاريخية متتالية وبالغة الأهمية هنا في كاب.

        ما زال أجدادنا تحتنا يصنعون لنا الأدوية، عندما تضطرب قبورهم تضطرب معها أدويتنا أيضا. أحيانا ما أتساءل عما إذا كان الإنجليز يدركون هذا، وأن ما فعلوه كان جزءا من خطة الغزو.

         بعد أكثر من مائة عام من ذلك، تحول توماس جيفيرسون، قبل أن يصبح رئيسيا للولايات المتحدة، تحول إلى أب مؤسس للآثار الأمريكية. وكان يحفر المقابر الأمريكية باستمرار، بالقرب من ديار طفولته في فيرجينيا.

        قام بحفرها من النصف ليرى ما في داخلها. فعثر على عدد من البقايا المنتشرة فيما اعتقد أنه جزء من الطقوس المتبعة في تقاليد الموناكان. التي تدفن العظام جميعها بنوع من الأكوام.

        كانت العظام المنتشرة على السطح أقل تلفا، إذ لم نعثر في أي منها على الثقوب، كالتي تنجم عن الرصاص أو السهام أو الحراب. أعتقد أن هذه المقبرة تحتوي على أكثر من ألف هيكل عظمي. توماس جيفرسون.

        من المخيف والمؤلم جدا أن يرى فيما يفعله البيض في مقابرنا مجرد فضول لا أكثر.

        ليس من عادة هنود أمريكا مثلا أن يذهبوا إلى روما مثلا أو ايرلندا أو ألمانيا، لحفر مقابر الناس هناك في مصلحة العلوم، وبالتحديد علومهم.

(بناؤا الروابي الضائعة)

        كان جيفرسون يدرك بأن الهنود بنوا الروابي التي حفرها. ولكن بعيدا نحو الغرب، في المناطق المنتشرة من مسيسبي إلى مينيسوتا، حيث تبرز الروابي الهندية بوضوح أكبر، وجد الأكاديميون لها أسباب أخرى. وهم عادة ما يثقون بأنها لزوار قدامى، كالويلش، والفراعنة والفنيقيين.

صمويل جي مورتون هو طبيب من فيلاديلفيا أصر على حل هذا اللغز، فقارن الجماجم التي أخرجها من القبور بجماجم الهنود المعاصرين، فتبين له أن أبعادها متشابهة.

        هناك نظرية، توصل إليها مورتون الذي يفترض أن يكون أب التاريخ الجسدي البشري، تقول أنه عند قياس الجمجمة يمكن أن نعرف مدى اتساعها وحفرة الدماغ فيها، فكلما كبر الدماغ ازدادت حضارة المخلوق.

        يقول مورتون أن للبيض جمجمة أكبر من تلك التي لدى الأفارقة، أما جمجمة الهندي فهي فيما بينهما. للتأكد من ذلك خرج أتباعه يبحثون عن مزيد من الجماجم.

        قد تحزن العقول الخيرة لعدم قدرة الهنود على استيعاب الحضارة، ولكن بنية دماغه تبدو مختلفة عن بنية دماغ الأبيض. صمويل جي مورتن.

        يمكن القول أنه طوال قرنين من الزمن، جرى التعامل مع مقابر الهنود في أمريكا الشمالية، على أنها مصادر معلومات، يجتاحها الأوروبيون والمستوطنون باستمرار. يمكن أن نرى ذلك منذ البداية حين كانوا يبحثون أولا عن الحضارات الراقية التي يمكن أن تربط أمريكا بالعالم الكلاسيكي، وبعد ذلك أخذوا يبحثون عن أدلة على النمو والتطور الذي انتهى، بوصول الأوروبي طبعا.

        تنبع الفكرة من مبدأ أن علم التشكيل قادر على تحديد الأعراق، وذلك من خلال بنية عظام الكائن. وقعت أحداث مخيفة في ساحات القتال. حيث كانوا يقطعون رأس هندي ميت نصفين ويحملونه إلى سميسونيا، بعد أن يسرقوا القبور الهندية في الليل.

        سكنت قبائل باوني في نيبراسكا شمال كينساس واعتادت على الاستقرار حول نهر لوب لتصطاد الثيران البرية في منطقة كنساس حول نهر ريبوبليكان في سموكي هيل.وهم غير عاديين مقارنة مع الآخرين لأنه كانوا مزارعين يسكنون القرى المستقرة. دمرت قرى الباوني بالكامل على أيدي قبائل السو، بعد أن تعرضوا في الفترة نفسها إلى أوبئة شبيهة بالجدري. لهذا أجبروا على البحث عن طريقة للبقاء على قيد الحياة.

        عام ألف وثمانمائة وتسعة وستون، استقر البيض في مناطق كنساس التي يصطاد فيها البوني، وطلبوا من الجيش أن يحميهم من غارات قبائل السو والشايان. أرسلت القوات من قلعة هاركير لتلقين الهنود درسا.

        كانت قبائل البوني ودية جدا، فتجاهلت تحذيرات الجيش وتوجهت إلى مراعيها جنوبا نحو كنساس.

        كان البوني يقاتلون السو والشايان والأراباهوس، وأحيانا ما كانوا يقاتلون مزيجا من هذه المجموعات في آن معا. ثم حاول الزعماء أن يتحالفوا مع حكومة الولايات المتحدة، لهذا خدم العديد من أبناء بوني ضمن وحدات خاصة سمين طلائع البوني. وقد عملوا في مجلات التعقب والقتال، وفي حراسة سكك الحديد. أي أن لدينا تاريخ من التحالف مع الولايات المتحدة، خرج فيها رجالنا للقتال في حروب الولايات المتحدة.

في التاسع والعشرين من كانون الثاني يناير من عام ألف وثمانمائة وتسعة وستين، توقف عشرة من رجال البوني في منزل شارلز مارتين يطلبون الطعام. فخرج جيران مارتين لحمايته ما دفع البوني للفرار إلى مولبري كريك.

        توجه بعضهم جنوبا عبر الجدول إلى ربوة عالية. أثناء البحث عنهم خرج أربعة هنود يقفون إلى جانب بعضهم البعض. كانوا يحملون تصاريح من الجيش، قام أحدهم بتسليم التصريح إلى البيض. جرى بعد ذلك تمريرها من واحد إلى آخر. في هذه الأثناء قفز ألفيرسون الذي كان معنا عن جواده وأطلق النار على مسؤول المجموعة الهندية فقتله، أخذ الهنود يطلقون النار حتى ظهرت القوات الحكومية في المنطقة. ريتشارد كلارك.

        عند الغروب كان ستة من البوني قد قتلوا، ولكن القصة لم تنته.

عام ألف وثمانمائة وثمانية وستين أصدر جنرال جراح أمريكي أمرا للعاملين في الدائرة الطبية للجيش بالحصول على أدمغة عدد من جماجم الهنود لاستخدامها في متحف الجيش الأمريكي في واشنطن.

        حلت على جمجمة لأحد أبناء البوني للمتحف، وكدت أحصل على غيرها لولا إصرار الهنود بعد الاشتباك مباشرة، على مراقبة موتاهم عن قرب، لدرجة أن الدليل الذي أرسلته لم يضمن لي إلا جمجمة واحدة. بعد يومين تقريبا حال الجليد دون المزيد من المحاولات. أرسلت بالأمس دليلا يعرف المنطقة، من المحتمل أن أتمكن من الحصول على باقي الجماجم بعد أيام. بي إي فراير، بريد الجراح. حصر هاركر كنساس.

        بعد شهرين فقط شحن فراير ستة وعشرون رأسا إلى واشنطن، بما في ذلك رؤوس هنود البوني الذي قتلوا في كانون الثاني. طالب زعماء البوني الجيش بإنصافهم، موضحين أن الضحايا كانوا محاربين في صفوفه. رفض الجيش إيراد سجلات بقتلهم.

        كنا مجرد مصادر معلومات أثرية للولايات المتحدة حتى حصولنا على قانون استعادة الجثث عامي تسعة وثمانين وتسعين.

        حصلت هذه الأشياء على مدى التاريخ وبين مختلف الحضارات، ولا يمكن أن نغير ذلك الآن بمجرد الاعتذار. سوف تبقى هناك وقد تأتي أجيال أخرى في المستقبل وتطلب الاعتذار من جديد، على هذه الأحداث لأنها ما زالت هناك، وهي جزء من التاريخ.

        عام ألف وثمانمائة وتسعون كانت هوبي التي تعرف اليوم باسم أريزونا واحدة من القبائل القليلة التي تسكن في وطنها الأساسي. كانت  ترفض السياسة الفدرالية الداعية لجلبها إلى العالم المتحضر.

أخذت الوكالات الهندية تفكر من جديد بهذا الجدول للتأثير على زعماء الهوبي الذين لم يبتعدوا أبدا عن المحميات. وهكذا مولوا رحلة بحجة مقابلة زعيم البيض الأكبر. وهكذا خرجوا على الجياد أولا، وبعد ذلك ركبوا قطار سانتافي، ثم توقفوا على الطريق في قلعة ليفينوورث، حيث شاهدوا ذلك السجن الهائل. لم يسبق أن تعرفوا على ذلك الجانب من حياة البيض، بوضع الناس في السجون.

        وعندما أخذ زعماء الهوبي يتأملون بمزارع كنساس أدهشوا تماما. وشاهدوا مدينة كنساس وسانت لويس، حيث شاهدوا الملايين من البشر. وأخيرا وصلوا إ‘لى مدينة واشنطن وحازوا على فرصة لمقابلة الرئيس. ولكنهم لم يتوقفوا هناك. بل منحوا جولة كبيرة في الأكاديمية البحرية لأنابولي، وبعد ذلك زاروا قاعدة عسكرية في مكان ما، حيث سارت أمامهم وحدات من آلاف الجنود المحملين بالبنادق. وقد قيل لهم هناك بأن القبائل التي تعرض تمحى بالكامل. عادوا بعد ذلك إلى قرى هوبي بصدمة هائلة.

        ما أن أخضع هنود هوبي كليا، حتى تغير سلوك أمريكا.

        مع نهاية القرن التاسع عشر تعرض السكان الأصليين للتشتت، وذلك من خلال الأمراض الأوروبية والدارونية الاجتماعية، التي تصر على أن الهنود الأمريكيين لم ينم بالكامل ككائنات بشرية، وقد اعتمدت السياسات الحكومية على هذا المنطق قائلة، لا شك أنكم كائنات بشرية ولكن على الحكومة الفدرالية أن تقدم إشرافا أبويا على اعتبار أنكم غير قادرين على إصدار الأحكام.

        كان عدد من طيبي القلوب ينظرون إلى الهنود وهم يتعرضون للذبح، فقالوا بعد جيلين من الآن لن  يدرك أحدا بأن هذه الأمة كانت هنا لهذا من الأفضل أن نحاول حماية أي معارف قد يملكونها.

        والآن هناك نظرية تتحدث عن فناء الهنود الحتمي، تحولت إلى ما يشبه الظاهرة في الثمانينات، لهذا تداعى معهد سميسونيا ومتحف بيبودي في هارفرد ومتحف  شيكاغو ومتحف التاريخ الطبيعي في نيو يورك، لتمويل حملة أبحاث تستهدف المجموعات القبلية هناك.

        قام مكتب الإثنية الذي يشكل اليوم جزءا من معهد سميسونيا، بإرسال المؤرخ البشري فرانك كوشينغ إلى الجنوب الغربي، للعمل بين قبائل زوني وهوبي.

        اعتقد كوشينغ أنه لن يجد وسيلة أفضل من المجيء وعرض التبادل على هذه القبائل للحصول على ما يريده منها كمواد حضارية.

        كانت أراضي الهوبي مع بداية الألف وثمانمائة عرضة لعدد من مواسم الجفاف، ما جعل مخزون الذرة يتقلص جديا، ما أدى أيضا إلى موت أعداد كبيرة من الأبقار لقلة المراعي أيضا. لهذا وجدت بعض العائلات حلا في مبادلته المعلومات للحصول على الطعام.

        ما زلنا في أشكال عدة نعيش تحت الوعي  الشعبي القائل  في الولايات المتحدة على الأقل، بأن الهنود قد انتهوا كليا، لم يعد هناك ثيران برية ولم نعد نرى البوني المطلي.

        كانت المتاحف الطبيعية تساعد الأمريكيين على رؤية الحقب الماضية حيث كانت المخلوقات كبيرة ومخيفة ومدهشة. ولكن اكتشافا جديدا وضع الهنود الأمريكيين في تلك الصورة.

        لو أردنا التحاور في هذا قبل نصف قرن من الآن، قد يدور الحديث عما إذا كان الإنسان في أمريكا منذ ألفين أو ثلاثة آلاف عام. وقد جاء جيسي فيجين من هذا المتحف أواسط العشرينات وقام بحفريات منطقة فولسوم في نيو ميكسيكو، ليؤكد بأن البشر كانوا هنا منذ العصر الجليدي قبل عشرة آلاف عام.

        أثبت حينها وجود أدوات بشرية، بين تلك العظام. أسر ذلك جزء من المخيلة الأمريكية حينها، على اعتبار أن البشر عاشوا هنا في عصور كانت تعتبر جزءا من قبل التاريخ.

        لهذا اعتقد البعض أنهم يستطيعون الخروج إلى أماكن شبيهة من الجداول، وقد عثروا فعلا على عظام أخرى مشابهة.

        عملت في الحفريات بالقرب من نهر كولومبيا في جزيرة بلالوك، قبل أن يتم بناءسد جون داي الهائل. عثرنا هناك على عدد من الهياكل العظمية وقد زرت تلك الأماكن مع صديق لي من قبيلة أوماتيلا أعرفه منذ أيام الدراسة في الثانوية. وقد سألني يومها قائلا: ديوارد هل ستحفر اليوم قبر جدتي أم قبر جدتي؟.. فأجبته بالقول: ما كنت أعرف أننا نحفر قبر جدك أو جدتك.. فأجاب قائلا: نعتقد أن هذا ما تفعله.. منذ تلك اللحظة بدأت أتساءل عن حقيقة ما نفعله. لأننا نتصرف وكأن الهنود ليسوا هناك.

        لا شك أن السكان الأصليين في أمريكا لم يختفوا. بلغت أعدادهم ربع مليون شخص تقريبا عام ألف وتسعمائة وعشرة، وهي اليوم تقارب المليونين. نشهد اليوم نهضة كبيرة في أسلوب التفكير ومفاهيم القيم، التي تغوص عميقا في جذور الماضي.

        في بداية السبعينات، رفع سكان أمريكا الأصليين أصواتهم عاليا، محتمين بحركات الحقوق المدنية ومناهضة الحرب.

        حقوق الهنود الأمريكية التي تم التوافق عليها مع الحكومات الأمريكية المتعاقبة..

        حركة القوة الحمراء، وحركة الهنود الأمريكيين، سعت غالبية هذه الحركات السياسية لتعزيز وإبراز الروح الحقيقية للسكان الأصليين. وكأنها جاءت كردة فعل منطقية تؤكد أننا معنيون بالتشتت القائم.

        بدا واضحا لي أن صبية الطلائع أخذوا يخرجون إلى البراري ويحفرون قبور الهنود. كانوا يمضون أوقاتا سعيدة يستمتعون بشمس الأحد الدافئة ويعبثون برفات أجداد الهنود. كانوا يتصرفون ببراءة كاملة دون أن يدركوا شر أفعالهم. ولكن أعدادا أخرى كانت تحفر القبور مقابل المال، ولجمع العظام.

        بدأت أعي أهمية القبور الهندية في نهاية السبعينات، عندما كنت أقود سيارة على جادة أي سبعة عشر وشاهدت إشارة. قد يتساءل البعض لماذا لم يثر الهنود هذه المسألة بمراحل مبكرة؟ يعتبر الكثيرون منا أن موضوع العبث في رفات الموتى في قبورهم مسألة تثير التقزز، ونحن نرى في ذلك أذى لأرواح وأجساد الأموات منا كما والأحياء أيضا.

        كانت هذه المقبرة الهندية في سيلاينا كنساس، على مسافة أميال قليلة من موقع مجزرة مالبوري كريك. المقبرة ملك لعائلة برايس، التي تديرها كوسيلة لجلب السياح. في بداية الثمانينات، طورت ولاية كنساس خطة لتحويل المعرض إلى متحف عصري.

        معنا اليوم رجل يتمتع بمعارف واسعة النطاق عن هذه المقبرة بالتحديد، وهو يمثل ولاية كنساس، السيد توم ويتي مستشار الولاية للشؤون الأثرية.

        دعت جامعة هاسكيل للشعوب الهندية الجهات المهتمة لمناقشة خطة الولاية.

        أعمل في آثار كنساس منذ خمسة وعشرين عاما، كنت فيها على اتصال دائما ومباشر في التعرف على ثقافة الهنود في كنساس. أي أني على معرفة وتفهم لثقافتكم ولشعبكم.

        أتساءل، عما سيفعلونه بنا إن عثرت إحدى القبائل الهندية يوما على عظام غير هندية، وقررت وضعها في معرض لجمع المال؟ ماذا سيفعلون بنا؟ 

أول اهتمام لدينا، الذي نأمل أن يتحقق، هو إغلاق هذه المقبرة فورا.

        إذا فهمت بأن للكثير من هذه الحركات والنشاطات صلة مباشرة بتقاليدنا الروحية والدينية، ستدرك بأن هذه المسألة ستتصدر جدول أعمالنا المشتركة جديا.

ولكن هناك أساتذة في جميع أرجاء البلاد، إن لم تتعلموا اليوم جميع دروسهم، ستخفقون في الامتحان، لأنها تشمل مفهومهم، لأسلوب حياة الهنود.

        لندفن هذه الرفات يجب ان ندفناها لا نريدها أن تبقى معروضة أعتقد أنها تعرض هنا منذ نصف قرن، وهذه فترة كافية، إن عجز علماء الآثار في العثور على شيء خلال نصف قرن فلن يعثروا بعد ذلك أبدا.

        سكنت هذه العشائر في تلال سموكي، لمئات بل آلاف السنين قبل وصولكم إلى هنا، بأي حق تقومون، بحفر هذه القبور، وتحققون الأرباح، باستغلال حتى الموتى من الهنود؟

        هناك تشريعات جارية اليوم في ولاية ويسكانسن أيضا، أي أن كنساس ليست وحدها في التورط بهذا الموضوع..

        غير مجمع هاسكيل العلمي خطة توم ويتي، وقامت ولاية كنساس بشراء المقبرة، بهدف إغلاقها.

        تم شراء هذا العقار عبر اتفاق أو تفاهم حضره والتر إيكو هاوك، وقد سمي بمعاهدة سموكي هيل. وقعت عليه عائلة برايس التي تملك العقار. هذا عندما اشترتها الولاية، والبلدية وجمعية الولاية التاريخية. وقد ثبت في الاتفاق أن تخصص فترة شهر كامل لدراسة هذه البقايا. حسنا؟

        قمنا بالدراسة ثلاثين يوما، عمل فيها أربعة منا بشكل يومي، وبعد ذلك دفنت المقبرة بالرمال، وما أن وصلت الرمال حتى أعلى الجدار حتى وضعت فوقها طبقة من اٌسمنت تبلغ سماكتها ستة إنشات.

        تنبهت بعد ذلك، وخلال فترة ليست بقصيرة، أن هذا ما يجب أن يحدث، لأنهم لو تصرفوا باللياقة واللطف لما قبلت ذلك. لدينا مثل سائد هنا يقول: لا بد من ضرب الدابة على رأسها بشدة كي تفهم ما تعنيه.

        عادة ما يجفل البعض عندما نخرج من صمتنا المعتاد بين الحين والآخر لنقول: نحن هنا.

        علمت قبيلة بوني التي تسكن اليوم في أوكلاهوما أن قراهم في نيبراسكا تتعرض لأعمال حفر على أيدي الأثريين.  فأرسلوا المحامي والتر إيكو هوك، من جمعية حقوق الهنود الأمريكيين ليحقق في الأمر.

سبق لمقابر قبائلنا أن حفرت وانتهكت على أيدي المستوطنين الأوائل في نيبراسكا مباشرة بعد إجلاء القبائل من هناك على يد الحكومة عام ألف وثمانمائة وسبعين. وعام ألف وتسعمائة وعشرون جاء علماء الآثار بقيادة أسا هيل وحفروا جميع مقابر قبائل بوني بكاملها.

        تحول هيل كما يسميه إلى أب الآثار في نيبراسكا، وقد عثر على مزرعة قال أنها غنية بالبقايا الهندية، وقد اشترى تلك المزرعة، ليتمكن من حفر مقابر البوني. بدا ذلك وكأنه مفهوم للقيم يتخطى المصالح الهندية. عندما نتحدث عن آثار الغزاة نعني بذلك آثار لا تتصرف بمسؤولية تجاه الهنود، بل تعنى بمصالحها وعلومها فقط.

        حالفنا الحظ في العثور على الكثير من الهياكل، ولدينا الكثير من الزوار. إيه تي هيل.

        أقام صداقة مع البوني، وأصبح يناقش معهم ما يفعله. وكانوا يوافقون كليا على ما يفعله، كان هذا في العشرينات والثلاثينات. حتى بلغ بهم الأمر أن تبنوه، وهناك رسائل من قبائل البوني إلى إيه تي هيل في جمعية ولاية نيبراسكا التاريخية حتى اليوم، تبدأ دائما بعبارة أخي العزيز هيل.

        أنا لا ألعب الغولف، هوايتي الوحيدة هي هذه الأبحاث الهندية. آتي إلى هنا أيام الآحاد لأحفر مقابر الهنود، وكأني أمارس الغولف فوق هذه الربوة.

        تعلم أن شعوب ما قبل التاريخ لم تترك لنا سجلات أخرى غير عظامها، وأدواتها التي هجروها أو أضاعوها. لهذا إن أردنا أن نعرف شيئا عن هذه الشعوب ليس لدينا إلا هذا الكتاب.

        لم يكن هناك سلطات قانونية للقيام بذلك، لهذا ساد شعور من الخيبة والانزعاج الشديد جدا لرؤية العلماء يتبعون سلوكا من هذه الطبيعة.

في نهاية حياته المهنية باع هيل مجموعته لجمعية ولاية نيبراسكا التاريخية، مقابل مبلغ رمزي، هو دولار واحد.

        استاءت قبائل بوني جدا وقلقت جديا حين بلغها بأن الجمعية التاريخية تملك مئات ومئات من رفات أبنائها وأقاربها. أصرت الجمعية في ذلك الوقت على موقفها من أن هذه الأشياء ملكا لها وأنها إذا أعيدت لقبائل بوني ستخسر الكثير من المعلومات العلمية.

        المشكلة الفلسفية التي واجهتها كمدير لمنظمة تدير هذا المتحف، هو سؤال يقول: هل يمكن أن أخضع لضغوط الرأي العام أو مجموعة منه للتخلي عن مجموعة للمتحف؟ هل أقبل بتدمير ودفن مجموعة علمية استغرق جمعها خمسة وسبعين عاما؟ 

        استأجرت جمعية الحقوق الهندية خدمات المؤرخ أورلان سفينجين لمعرفة ما يملكه المتحف.

        تحدثت مع مدير المتحف هانسون ليتبين بعد ذلك مباشرة أني لن أتمكن من الحصول على السجلات المطلوبة للإجابة على أسئلة جمعية حقوق الهنود الأمريكيين.

        تم الحصول على البقايا البشرية والأدوات بمعرفة من المدعي العام في نيبراسكا، كما جمعت وفق القوانين والقيم المرعية في ذلك الوقت.

        أتخذت الجمعية التاريخية  مواقف عدائية تعارض إعادة أي من البقايا. وقد لجأت إلى آراء خمسة من المدعين العامين، ومفاوضات بالغة الصعوبة وجلسات استماع مكثفة قبل أن ترضخ أخيرا إلى القانون الذي يجبرها على إعادة رفات الموتى من أقاربنا.

        والآن يمكنهم أن يحدوا، للعلماء ما يمكنهم دراسته، ومدة دراستهم للدراسة إن سمحوا بذلك أصلا مهما بلغت قيمة هذه الدراسة لأنهم سيقررون في النهاية إعادة دفنها.

        عام سبعة وثمانون، قام صيادو الآثار بدفع المال لمزارع محلي لفتح ستمائة وخمسين قبرا قديما ضمن مزارع سلاك في كيتاكي. احتلت القصة عناوين الصحف، عززت الضغوط المتنامية لصدور قوانين تحمي مقابر الهنود.

        ظهرت أعداد كبيرة من صائدي الآثار وجامعي السهام والرماح ولصوص المقابر الذين لا يكترثون بما يعبثون به من قبور لأجداد أشخاص يعتبرونها شبه مقدسة.

        عام سبعة وعشرون قام الدكتور ديكسون من إيلينوي، بتحويل مقبرة للهنود في مزرعة العائلة إلى معرض للعامة.

        كثيرا ما كنا في المدرسة الابتدائية نخرج في رحلة إلى ربوة ديكسون، التي كانت أول تجربة أتعرف من خلالها على الثقافة الهندية.

        كان الدكتور ديكسون ينزل إلى أحد القبور ليتحدث من هناك عن الثقافة. وكنت أتساءل كطفلة عما كان عليه الحال بالنسبة للهنود. منحني ذلك بعض الاحترام لهم.

        كان يزرع فينا أحاسيس التعاطف تجاه الهنود. هذه نظرتنا للهندي الأمريكي، ذلك الإنسان القوي الذي عاش في هذه الأرض حتى صرنا نتشبه به.

        ماتت عائلة ديكسون وباعوا الملكية للولاية التي قامت متحويل المعرض إلى متحف عصري.

أقيم المبنى الجديد فوق مقبرة الهنود، وحل عالم الآثار ألان هارن محل الدكتور ديكسون.

        إذا تأملنا عن قرب، إلى مائة وستة، إلى الترقوة، سنجد أنها تحطمت كليا، من الجهة اليمنى.

        نحن بحالة من العزلة هنا، وسط إلينوي، لدرجة أن المواطن العادي في الولاية، لم ير هندي حقيقي. أي ا، اتصاله الحقيقي الوحيد بالثقافة الهندية والشعوب الهندية تأتي عبر مجيئه إلى هذا المتحف.

        يمكن أن يتعلموا المزيد، عبر التحدث إلى الهنود الأحياء، مما يمكن أن يتعلموه بدراسة الموتى.

        يشعر الناس إلى حد ما أنهم يتصرفون باحترام، فهم ينظرون إلى تلك الرفات بعبارات تدعوا للصمت، احتراما لهذا المكان، يجب أن يروا هذه البقايا ولكن يجب أن يفعلوا ذلك باحترام كبير. وبعد ذلك يغادرون المكان ويذهبون إلى المقهى المجاور، لشراء بعض الأطعمة، والتمتع بالسيرك المجاور حيث يستقبلهم المهرج بالبالونات.

قرر الهنود الأمريكيون أن يتخذوا موقفا حيال متحف ديكسون.

        تحول ذلك إلى جدال من طرف واحد في تلك الفترة لم يكن هناك نقاشا بل استعراض الهنود لوجهة نظرهم مقابل معارضة السكان المحليين بإصرار.

        هذا مكان مقدس، وسيتعرض كل من يواجهنا للملاحقة القانونية.

        قمنا بعدد كبير من المظاهرات التي جرت خلال عام ونصف العام. حتى أجبرنا أخيرا على النزول إلى المقبرة بأنفسنا، والاستعانة بالرفوش لتغطية الرفات بالتراب. وصرخت بهم أن يعتقلوننا، إن كان هناك قانون يمنع دفن موتانا، فلا بد أن نراه.

        حاولنا التعاون مع هؤلاء الناس، رجوناهم، وتحدثنا معهم، وذهبنا إلى أعضاء الكونغريس. من الضروري أحيانا أن يأخذ المرء حقه، لا أن يكتفي بتنفيذ القانون.

        كنت من المعجبين جدا بالهنود الأمريكيين، منذ أن بدأت القراءة، كما أن سنوات مهنتي تشهد على بطولاتي في دعم الهنود والشعوب الهندية عموما. والحقيقة أني صدمت جدا حين بلغني فجأة، أني أعتبر جزءا من مشروع سييء.

        لم نفكر بأن ما نفعله كان سيئا، لم نعتقد أبدا أنه عمل سيء.

        في نهاية عام تسعة وثمانين، قرر متحف إلينوي الذي كنت جزء منه، أن يقترح إغلاق معرض مقبرة الهنود أمام الزوار. أدى ذلك إلى استياء كبير بين السكان المحليين، ورجال السياسة المحليين، لأن أحدا لم يلفت نظرهم لهذه المشكلة التي ليتنبهوا إليها حتى صدمتهم.

         اتلحقيقة هي أن الأطفال يواجهون هنا حقيقة الموت لأول مرة، ويعلمون أنهم سيموتون يوما ما. والأهم من ذلك هو ما يدركونه من أن الهنود الذين يرونهم هناك هم في الواقع بشر.

        جميل جدا جميل جدا.

    سيشتاقون للمعرض كثيرا، لا شك أنهم سيشتاقون للمعرض، يؤسفني جدا ما حدث.

        هل تعتقدين أنهم على حق؟

        لا أعرف، لا أعرف، لا أعتقد فهناك العديد ممن يقولون اليوم أن لهم الحق بهذا ولهم الحق بذاك.

        جزء كبير من المشاكل القائمة اليوم في مناطق إقامة الهنود هو نتيجة مباشرة لعدم امتلاك هوية، وعدم امتلاك تاريخ ننتمي إليه، لهذا فإن تعزيز جزء من احترامنا لأجدادنا يمنحنا مكانة ما وبالتالي يمنحنا قاعدة ننطلق منها لمواجهة هذه المشاكل.

         ليست هذه إلا حفنة قليلة من سكان أوكلاهوما، يحاولون التقدم بقضيتهم على حسابنا نحن..

         عندما نقفل مكانا كهذا، وكأننا نقضي عليه. علما أن جزء من ميراثنا ومن ماضينا حصل هنا.

        رغم مقاومة السكان المحليين ورفضهم، أقفلت قاعة العرض في متحف ديكسون أبوابها أخيرا.

        هناك نساء صرخن بالرجال قائلين: هل فقدتم دم المحاربين فيكم؟ نريد أن نطلب من هؤلاء النساء أن يجبعن أعقاب السجائر ويضعنها على الأبواب.

نعم لقد تم الاستيلاء عل ميراثنا الثقافي، وذلك على أيدي العلماء والمؤرخين ممن يشعرون بأنهم في مواقع أفضل، للتحدث عن تاريخنا. الهنود ليسوا شعب الماضي فقط، بل هم شعب الحاضر والمستقبل أيضا.

        عام تسعون تحول ما يجري في الولايات إلى سياسة وطنية، حين أقر الكونغريس قانون حماية المقابر الأمريكية وحقهم في استعادة الموتى إلى أوطانهم.

        أقمنا معلومات إلكترونية لتخزين السجلات الفردية.

        يدعو هذا القانون جميع المؤسسات المدعومة فدراليا، والوكالات الحكومية، والكليات والمتاحف بأن يقدموا لقبائل الهنود قائما بالبقايا البشرية،وأشياء القبور وما يتعلق بالطقوس لديهم. أصبح لكل قبيلة الحق بأن تطالب بما هو لها.

        هناك عشر سجلات تتعلق بكورن هيل، وهذا سجل متعلق بالبقايا البشرية.

        وقعنا كشعوب هندية عدة معاهدات مع الولايات المتحدة ولكنا لم نتخلى فيها عن الموتى. تخلينا عن جزء من أراضينا، وحصلنا مقابلها على أشياء من الحكومة الفدرالية، ولكنا احتفظنا بحقنا تجاه الموتى.

        تتعلق هذه بقوانين حقوق الإنسان، وبقوانين الحقوق المدنية أيضا.

        هذه لحظات متقدمة من حركة تفعيل الهنود التي بدأت في نهاية الستينات، تدعو الشبان والنساء الهنود كي يلعبوا دورا في تقرير مصير أمتهم بأنفسهم. نحن أول جيل يحصل على مستوى تعليمي جامعي. هذا ما يمنح الهنود الأصليين الخبرة والمعارف للتعامل مع هذه الأمور عبر المؤسسات المرعية المناسبة في هذا المجتمع.

        لاحق البروفيسور جيمس رايدنغ، قضية ضحايا مجزرة مالبري كريك في العاصمة واشنطن، وذلك نيابة عن قبيلة بوني، داعيا مؤسسة سميسونيا لإعادتهم.

        الشعب الأمريكي بكامله يشعر بالقلق حيال مصير موتانا. فالشعب الأمريكي على سبيل المثال قد تعهد بإعادة  رفات جميع الجنود الذين قتلوا في فيتنام. وبما أني من المحاربين في فيتنام أستطيع التحدث عن ذلك أيضا. لا بد من استعادة تلك الرفاة لدفنها كما تستحق.

        وافقت سميسونيا على إعادة كل ما لديها من بقايا أموات البوني، بما في ذلك موتى مالبوري كريك.

        ذهب المحامي والتر إيكو هاوك وإليزابيث بلاكول، رئيسة اللجنة الاستشارية لقبيلة بوني إلى سميسونيا لاستعادة الرفات.

        يمكن أن نصف ذلك بأنه يوم امتزجت فيه مشاعر حلوة ومرة في آن معا، أثناء استعادة الرفات وإعادة دفنها. لا شك أنه انتصار كبير لأنه شمل مرحلة طويلة من الكفاح القانوني وأشكال مختلفة من النداءات وما شابه ذلك حتى يتحقق. ومع ذلك شعرنا ببعض الحزن في نفس الوقت، على اعتبار أننا أمام رفات لأقارب لم ينعموا بالراحة التي يستحقها الموتى كما يجب. لا شك أنها تجربة لا يمكن أن أنساها ما حييت.

        طلائع البوني، إلى جانب رفات أخرى من وكالات فدرالية، وجمعية نيبراسكا التاريخية، دفنت جميعها في مقبرة بالقرب من جنوا في نيبراسكا. سبق أن استخرج  العديد من هذه الرفاة من مقبرة مجاورة لقبائل البوني.

أشعر بالفخر والاعتزاز كما تعلمون بجميع الشيوخ وزعماء القبائل الذين عملوا بجد كي يحصل هذا. يمكن أن نقول بأنه كان عمل شاق.

        أهم ما حدث هنا هو أن البوني قد نجحوا. هذا نموذج حقيقي عن الديمقراطية، كان هؤلاء الناس يتحفظون على جزء من حياتنا وقد كافحوا  للحصول على التحكم به. وهو نموذج عما يجب أن يحدث لثقافتنا في هذا المجتمع بما فيها من تنوع، ولكنه ينعم بالديمقراطية أيضا.

        فتح الجنود والمستوطنون النار على هؤلاء الرجال لغاية ما، وقد حدث ذلك حسب ما ورد في مذكرات شهود عيان، عندما كانوا يسلمون الجنود والمستوطنين التصاريح التي لديهم.

        استعادة رفات اجدادنا اليوم تبعث فينا البهجة والسرور. ندرك اليوم أنهم عادوا إلى يدي الخالق، وإلى حيث أرادهم الخالق أن يكونوا. يسعدنا جدا ما قمنا به، يسعدنا جدا أن نحطم هذه الممارسات التي تجاهلت حقوقنا الإنسانية. كان علينا أن نكافح ونناضل، ولا بد لهذا النضال أن يستمر، حتى نتمكن من استعادة رفات أجدادنا من متاحفهم. علينا أن نناضل لعدة سنوات قادمة، لا يمكن أن نستسلم.

        عام ألف وتسعمائة وستة وتسعون، بعد عام  من استعادة ودفن طلائع البوني اشد الجدال الدائر أكثر من أي وقت مضى.

        أخذ شخصية معروفة ووضعها في قدر لغليه وأخذ عظامه إلى المتاحف هو عمل شائن فعلا، هو عمل لا أخلاقي، لا نعتبره اليوم مناسبا. لهذا من الطبيعي استعادة هذه الرفات وتسليمها لعائلاتها.. أما أن تمتد بهذا التاريخ إلى جميع الأزمان..

        لا نعرف بدقة بعد كيف سكنت القارة الأمريكية بداية. اعتقد البعض منذ عدة سنوات أن هناك هجرة واحدة جرت قبل أحد عشر ألف وخمسمائة عام. هذا هو النموذج الذي تحدث عن شعب عبر جسر بيرينغ الأرضي. ولكن هناك أدلة جينية وبعض الدراسات الأثرية والأبحاث اللغوية توحي أن الكائنات البشرية كانت تأتي عبر شواطئ الهادئ، مستخدمة زوارق صغيرة يعود تاريخها إلى ما يقارب الثلاثين ألف عام.

        ملامح رجل الكينويك شبيهة جدا بملامح شعوب الأنيو، أعني السكان الأصليين في اليابان، إنه شبيه جدا بهم. ما نستنتجه من ذلك، ولا يمكن تأكيد هذه النظرية دون مزيد من الأدلة، هو احتمال أن تكون هناك هجرة مبكرة قد جرت عبر شواطئ المحيط، سبقت ذلك الاجتياح الذي انطلق من شمال آسيا المنغولية التي جاءت لاحقا.

        تعرف أن كمية المواد اللازمة لإجراء هذه التحاليل قليلة جدا. وأعتقد أن بعض هذه التحاليل قد يعتبر حاسما. لا يمكن أن عرف بدون تحليل الدي إن إيه كيفية ترابط هذه البقايا بغيرها من التجمعات البشرية محليا أو عالما.

        يصرون دائما، على أن المعلومات الناجمة عن دراساتهم ستحدد تاريخنا، مع أننا نعرف تاريخنا. قد لا تكون مكتوبة، ولكننا نعرف تاريخنا.

        في مرحلة ما من المستقبل، ربما ليس في هذا الجيل أو في الجيل التالي، ولكن أخيرا سيصر الناس على المعرفة، وقد يكون الأوان قد فات.

        ما يقوله الكبار في السن هو أنه عندما تدفن الأجسام في الأرض، يجب أن تبقى هناك حتى نهاية الدهر.

        تحول الآن إلى عدة أشياء بالنسبة لعدة أشخاص، ولكن من هو؟ إنه رجل عجوز، تعرض للضرب الشديد، وتحمل الكثير، منذ زمن بعيد. النشطاء السياسيين للهنود يصرون على أخذه ودفنه في الأرض تعبيرا عن قدرتهم على القيام بذلك.

        إنه ناطق باسم شعبه، جاء إلينا كي نعرف ما كان عليه شعبه وزمنه.

        دعه وشأنه، دعه وشأنه وعامله وكأنه من أفراد عائلتك.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster