|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
ملفات الإف بي أي
منحت براري ألاسكا الكثيفة القاسية، الغطاء
الملائم جدا لقاتل وحشي فتاك.
كان يستهدف النساء، فيخطفهن ويغتصبهن ويعذبهن.
كان يعتبر المرأة طريدة، إشباعا لرغباته المنحرفة.
=-=-=-=
كان الناس خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات يذهبون إلى ألاسكا بحثا
عن فرص جديدة، للبداية من جديد، أو للاختفاء لبعض الوقت. أحيانا ما كان
البعض يختفي رغما عنه. معكم جيم كالستر، الضابط السابق المسؤول عن مكتب
الإف بي أي في نيويورك.
بدأ البحث عن قاتل بالتسلسل بعد العثور على جثث فتيات لم تدفن
بالكامل، في براري ألاسكا. كان القاتل يسكن هناك، إلا أن البحث عنه بدأ
على مسافة ثلاثة آلاف ميل حيث عملت الإف بي أي على دراسة عقلية القاتل.
(لعبة الصياد)
كانت عارضة أزياء شابة، تبحث عن استراحة لها. قبلت بالعمل لدى رجل يدعي
بأنه مصور. ليتبين أنه قاتل لا يعرف الشفقة. لم تكن ضحيته الأولى، ولا
الأخيرة.
تحولت براري ألاسكا منذ السبعينيات وحتى أواسط الثمانينيات إلى محطة
شعبية يتوجه الكثيرون إليها للمساهمة في بناء خط أنابيب النفط، ما أدى
إلى زيادة عدد السكان.
يوم الثالث عشر من آب أغسطس من عام اثنين وثمانين، كان اثنين من ضباط
الشرطة يصطادون الغزلان على ضفاف أحد الأنهر، على مسافة عشرين ميلا من
أكريج.
أثناء تقدمهما في أعماق الغابات الكثيفة عثرا على رفات بشرية شبه
مدفونة، فغادروا المكان دون لمسها.
وصلت في اليوم التالي إلى هناك مجموعات البحث والتدقيق في أماكن
الجرائم التابعة لشرطة ألاساكا. وقعت هذه الجريمة ضمن المنطقة الإدارية
لولاية ألاسكا. عثرت فرقة المباحث إلى جانب الملابس والضمادات
المطاطية، على مظروف فارغ لرصاصة من عيار مائتين وثلاثة وعشرين بالقرب
من الرفات.
تم التعرف على صاحبة الرفات، ليتبين أنها شيري مورو البالغة من العمر
ثلاثة وعشرين عاما، والتي كانت تعمل راقصة حين أبلغ خطيبها عن اختفائها
قبل عام من ذلك.
اتصل به رجال المباحث لإعلان الخبر. كانت الملابس شبيهة بتلك
التي وصفها عند الاختفاء. أما الميدالية الذهبية التي كانت ترتديها
باستمرار فقد اختفت.
يبدو أن مورو قد قتلت بعد فترة قصيرة من اختفائها، لتمنح
القاتل أكثر من عام لمحو أثره. أي أن العثور عليه، أشبه بالمستحيل.
بعد عام من العثور على جثة شيري مورو، أخذ المزيد من الجثث
يظهر هناك. حتى أصبح بالإمكان القول أن العثور على الجثث في براري
ألاسكا لم يعد غريبا. فكان بعض المتزلجين أو المتنزهين يضيعون مرتين أو
ثلاثة في العام الواحد ويغيبون عن الوجود ولكن لتنامي أعداد الجثث،
أسباب أخرى هذه المرة.
أثناء تعبيد طريق جديد في الثاني من أيلول سبتمبر من عام ألف وتسعمائة
وثلاثة وثمانين، عثر على رفات بشرية جديدة بالقرب من المكان الذي تم
فيه العثور على جثة شيري مورو قبل عام واحد.
لا شك أن العظام هناك منذ فترة ما، ولكن هذه المنطقة من ضفاف
النهر كانت بعيدة جدا لدرجة يصعب بلوغها إلا عبر النهر أو الجو.
تبين أن الرفات تعود إلى بولا غولي البالغة من العمر سبعة عشر
عاما، وهي سكرتيرة انتقلت من هواي إلى ألاسكا، وقد اختفت منذ خمسة
أشهر. وقد قررت كشيري مورو العمل راقصة هناك لبعض الوقت. وقد عثر إلى
جانبها أيضا على مظروف فارغ من عيار مائتين وثلاثة عشرين. خشيت سلطات
ألاسكا بذلك من وجود صلة بين الضحيتين.
عند ذلك أخذت الأمور تثير الخوف لدى الجميع وذلك للتشابه بين الراقصتين
العاملتين في نوادي المدينة الليلية. عند ذلك ساد اعتقاد بوجود قاتل
متسلسل في المنطقة.
تم العثور على جثتين، ولكن المباحث تعتقد أن هناك المزيد، ما دفعها
إلى مراجعة تقارير اختفاء أخرى، كان الكثير منها يتعلق براقصات نواد
ليلية، أصبح اختفاءها في ألاسكا شبه اعتيادي.
لا تحظى تقارير الاختفاء بالأولوية لدينا، فإن كان المرء ناضجا يحق له
الاختفاء. وهناك الكثير من الحالات التي يتبين بعد ذلك أن الشخص قد
استقل طائرة ورحل.
وصل بين عامي ثمانين وثلاثة وثمانين تقارير عن اختفاء اثني عشر امرأة.
ولكن هذه كانت حفنة من المجوعة التي لم يعلن عنها. أخذت المباحث تعمل
على معرفة عدد ضحايا القاتل من المختفيات. وهذه مهمة بالغة الصعوبة.
أرسلت مباحث ألاسكا أدلة شيري مورو وبولا غولي التي عثر عليها
في مكان الجريمة إلى مختبرات الإف بي أي في واشنطن لتحليلها.
عملت هذه المختبرات على التأكد من أن الضحيتين قد سقطتا
بالسلاح نفسه. ليتبين لها لاحقا أن الشخص نفسه ارتكب الجريمتين، كما
أكد المختبر أنهما سقطتا بالسلاح نفسه. تأكد حينها لسلطات ألاسكا أنها
تتعامل مع قاتل بالتسلسل. أخذت الشرطة تبحث عنه في البراري ليتبين لها
أن المشكلة في مدينة أنكيرز.
لكل مدينة مشاكلها، وأنكيرز لا تختلف عن غيرها. سوى أن الليل في ألاسكا
أطول، وأشد ظلمة. كانت أكيرز بين السبعينيات والثمانينيات بلدة حدودية،
يأتي الرجال إليها للعمل الشاق، فتتبعهم المرأة للتخفيف من وحدتهم.
عمل بعضهن في النوادي الليلية من أجل الكسب السريع، بينما عمل البعض
الآخر في الحانات بانتظار بلوغهن الفرص الأفضل، التي لم تبلغ الكثيرات.
وكان القاتل يجول طليقا في الشوارع، يختار ضحيته بحذر، وقلما
يرتكب الأخطاء. من الصعب على المرء الاختفاء وسط مدينة تتألف في
غالبيتها من الغرباء. غاب بعض اللواتي اختفين من إنكيرز من الوجود
نهائيا، ولكن البعض ظهر بسلامة وأمان. أي تقارير الشرطة لم تكن عن
الاختفاء وحده.
صبيحة الثالث عشر من حزيران يونيه من عام ألف وتسعمائة وثلاثة
وثمانين كانت سيندي بوسن البالغة من العمر سبعة عشر عاما تعدو وسط
إحدى الشوارع شبه عارية ومكبلة اليدين، وقد تمكنت من إيقاف إحدى
الشاحنات العابرة، كي تنجو بنفسها.
أوصلها السائق إلى إحدى الفنادق المتواضعة. اتصل عامل
الاستقبال برجال الشرطة، ليفك أحد الضباط قيدها ويحاول تهدئتها. وقد
تذكر ضابط الشرطة غريك بيكير تلك الحادثة بالقول:
كانت شبه عارية ومكبلة اليدين. كانت يائسة جدا، أسيرة الخوف الشديد
والرعب. وقد أخبرتنا بقصتها.
كانت بوسن تعمل بالدعارة، وقد أبلغت بوسن أنها ركبت سيارة شاب في
الليلة السابقة. وصفت ملامح سائق السيارة مضيفة أن طوله حوالي ستة
أقدام، وأنه يضع نظارة على عينيه. لم تر فيه من يوحي بالخطورة. ولكن ما
أن ركبت سيارته حتى قيدها بالأصفاد، وصوب المسدس على رأسها.
قاد السيارة إلى منطقة سكنية راقية، حيث أدخلها إلى بيته. قالت أن
البيت بالغ الفخامة، مليء بغنائم الصيد.
كان يعلق سلسلة من سقف حجرته. فعلقها بالسلسلة ونزع ملابسها،
ثم أخضعها للاغتصاب والتعذيب المتكرر لساعات طويلة. ثم ذهب للنوم
وتركها هناك.
ولكنه لم ينته بعد. فقال أنه سيأخذها إلى كهفه في البراري. قال
أنها حاولت لفت انتباه أي كان سوف يقتلها. وأضاف أنه قد درس الخطة
بإحكام، وأن أصدقائه مستعدون للكذب من أجله، وأن أحدا لن يصدق قصتها.
انتهى بها الأمر في المطار، حيث رأته يضع بندقية في طائرة صغيرة. وقد
تحينت فرصة للفرار، كانت فرصتها الوحيدة للنجاة.
ما كانت قصتها لتصدق، ولكن حالتها اليائسة دفعت الضابط بيكير
للتثبت منها.
وجدت نفسي أمام امرأة تقول أنها اغتصبت بقوة السلاح، في مكان حددت
مكانه بدقة متناهية وحددت مواصفاته الداخلية حين وصفت الحجرة، حتى أنها
وصفت أنواع الحيوانات المحنطة على الجدران.
عندما أخذت إلى المستشفى كي تخضع للفحوص، أصرت بولسن على التوقف في
المطار كي تشير للشرطة إلى الطائرة التي رأتها صباحا. أكدت أنها
الطائرة نفسها.
أثناء وجودنا هناك جاء إلينا أحد الحراس، وقد توافق وصفه
للسيارة مع وصف سندي لها، إلى جانب رقم لوحتها. وقد تبين أن رقم اللوحة
يؤكد إقامة صاحبها في المكان الذي وصفته لنا سندي، أعني عنوان البيت.
توجهت الشرطة إلى العنوان للتحدث مع صاحب السيارة. وصلوا قبيل لحظات
من وصوله، في السيارة التي وصفتها سندي بولسن. تبين حتى تلك اللحظة أن
كل ما قالته سندي كان صحيحا. ولكن المشتبه به أدلى بالقصة من وجهة
أخرى.
أكدت الأبحاث ان السيارة التي وصفتها سندي بولسن هي ملك لروبرت هانسن،
الذي يعمل صاحب فرن في المدينة. هانسن، الذي تنطبق عليه الأوصاف التي
أدلت بها سندي، أجاب على جميع الأسئلة بهدوء تام. قال أنه كان في منزل
أحد الأصدقاء من الخامسة حتى الحادية عشر مساء، يصلح مقعدا لطائرته. ثم
انتقل إلى منزل صديق آخر بقي فيه حتى الخامسة والنصف من فجر ذلك اليوم.
ثم ذهب إلى المطار، لتركيب المقعد.
وافق هانسن على قيام الشرطة بتفتيش البيت. تبين للشرطة أن أوصاف المنزل
تنطبق على ما قالته سندي بولسن. ولكن هذا يؤكد أنها كانت في البيت،
ولا يثبت أنها تعرضت فيه للتعذيب والاغتصاب. لم يعثروا في البيت على أي
نوع من الأسلحة. ولكنهم لاحظوا اختلاف أحد الأسقف المستعارة، ليعثروا
خلفها على بعض الأسلحة المتنوعة، ولكن هذا لم يكن مفاجأ، لأن هانسن من
هواة الصيد. وقد عثروا على مسدس لا ينطبق على ما وصفته بولسن. لم يتم
العثور على السلسلة أو الغطاء أو المسدس الذي وصفته في أي مكان.
سيارة هانسن كانت نظيفة جدا. لم تعثر الشرطة في السيارة على ما
يؤكد قصة بولسن.
تأكد لنا أنه أمضى الليلة في الأماكن التي تحدث عنها، ثم أطلق
سراح السيد هانسن لعدم اكتفاء الأدلة.
كانت بولسن متأثرة بعد من كابوسها، وقد تمكنت من تحديد صورة هانسن وسط
مجموعة من الصور المتعددة. ولكن عندما عرضت عليها فكرة الخضوع لامتحان
كشف الأكاذيب رفضت بشدة أدنى شك بأقوالها من قبل الشرطة، ما دفعها إلى
عدم الثقة بالشرطة، واعتبرت أن الشرطة لا تتعامل معها بجدية. بعد ذلك
غادرت المدينة محاولة تخطي كل ما أصابها. وكانت سلطات المدينة راغبة
بطي الملف.
وجدت السلطات أن حجة هانسن كانت دامغة، كما واجهت المشاكل مع
بولسن لظهورها وغيابها المفاجئين، وهذا أسلوب عيش لا يساعد المباحث،
وهكذا أقفلت القضية.
لم تجد الشرطة أدلة ثابتة تؤكد ارتباط قصتها بروبيرت هانسن. ولكن
الضابط غريك بيكير، لم ينه القضية، ذلك أنه كان يصدق ما تقوله بولسن.
وهكذا بقي القاتل حرا طليقا في شوارع أنكيرز، يبحث عن مزيد من الضحايا.
أطلق سراح روبرت هانسن لغياب الأدلة الدامغة في قضية اغتصاب بولسن،
ولكن الضابط بيكير استمر في فضوله. خصوصا لاهتمام الشرطة في المدينة
لاختفاء المومسات من أمثال بولسن أو العاملات في النوادي الليلية أو
راقصات الملاهي. ما قالته بولسن عن أنه كان على وشك حملها في الطائرة،
جعل بيكير يعزز من شكه تجاه هانسن.
أخذها إلى المطار سعيا للتحليق بها بعيدا، بعد أن وعدها بأنها
إن لاذت بالصمت سيعيدها إلى هناك ويطلق سراحها. ولكن سندي كانت متأكدة
إنها سترحل دون إياب. وكانت هذه قناعتي أيضا. لهذا اعتبرت أنه قد يكون
مشبوها محتملا لاختفاء الراقصات.
أوقف ضباط بيكير البحث في ملف روبرت هانسن. ولكن بيكير لم يتخلى عن
الموضوع، إذ وجد أن قصة سندي بولسن تحتوي على تفاصيل أكثر من ألا تضم
شيئا من الحقيقة، التي يصدقها بيكير، وهكذا تابع تحقيقاتها بالأمر.
لم يجد بيكير في الملفات شيئا يعزز شبهاته تجاه روبرت، فعاد
إلى ما قبل وصوله إلى بلدة إيكيرز قادما من أيوا قبل ستة عشر عاما
ليفتح الفرن فيها. وقد حقق نجاحا باهرا. وقد أسس عائلة تتألف من زوجة
وأبناء. عندما يغيب عن الفرن يستمتع بتحليق طائرته الصغيرة، وهي من
نوع سوبر كاب بايبر. وبعد أن تحط الطائرة يتوجه إلى الغابة. أي أنه كان
يتسم بمواصفات المواطن الصالح، الذي لا يتسم بمزايا القاتل المتسلسل.
وقد كانت ألاسكا تعج بأشخاص أقرب إلى تلك المواصفات منه، إذ لم يكن
لديهم عائلات أو أعمال، على خلاف هانسن، الذي يراهن على خسارة كل شيء.
عمل فرانك روس تشايلد مدعيا عاما في قضية بولسن.
كان يملك فرنا، عادة ما يذهب رجال الشرطة لشراء ما يلزمهم من هناك. كان
محله بالغ الشهرة هناك. ذلك أنه عرف بتودده للزبائن، وبأنه يعمل بجد
ونشاط.
لم تكن المباحث على علم بما يقوم به بيكير في أنكيرز من تحقيقات،
فتابعت السعي للتعرف على هوية القاتل المتسلسل. واستمر ظهور الجثث في
براري ألاسكا.
أقامت المباحث فريقا لدراسة المواصفات المشتركة بين النساء
المختفيات. وذلك للتوصل إلى طرف خيط يقودهم إلى المشتبه. أثناء سعي
الشرطة لمعرفة المزيد عن القاتل، قدمت التوجيهات اللازمة للراقصات
والمومسات لضمان أمنهن وسلامتهن. وقفت الشرطة والمومسات لأول مرة على
جبهة مشتركة. اعتبر روس تشايلد أن الهدف من ذلك هو حمايتهن.
عملت أجهزة الشرطة في تلك الفترة على تحذير العاملات في علب الليل
والملاهي لأخذ الحيطة. وقد حذرن من وجود مهووس في الشوارع يخطف النساء
ويقتلهن.
كشفت التحقيقات الإضافية عن أن تاريخ هانسن الإجرامي كان واسعا. فقد
ثبت أنه قبل اثني عشر عاما، أي سنة واحد وسبعين، قبض عليه بتهمة الخطف
والاغتصاب بقوة سلاح قاتل. وهي اتهامات شبيهة جدا بما تعرضت له سندي
بولسن. عجز بولسن عن تقديم هذه الأدلة لرئيسه، بعد أن أقفل ملف القضية
رسميا، أي أنه يتخطى أوامر سلطته، ما لم يترك له أي خيارات أخرى.
بعد أن جمعت التقارير القديمة والحديثة المتعلقة به سلمتها جميعا إلى
رجال المباحث.
عندما تلقى رجال المباحث تقارير السيد بيكير ساد بينهم جو من التفاؤل.
ذلك أن تقارير بيكير المعززة بإفادة سندي بولسن وسجلات الشرطة المحلية،
جعلت من هانسن المشتبه الرئيسي في القضية. اعتبرت المباحث أنها حيال
مهووس تقليدي، وهكذا تحول روبرت هانسن إلى هدف أساسي للتحقيقات
الجارية.
أعتقد أن الجميع ركز الاهتمام عليه نظرا لتاريخه الحافل بجرائم الخطف
والاغتصاب.
المشكلة الأساسية هي الإثبات. فرغم ماضيه الحافل بأعمال الخطف
والاعتداء الجنسي، إلا أن شيئا لا يؤكد احتمال تورطه بأعمال القتل. ولم
تظهر أي إشارة لعلاقته بشيري مور وبولا غولي، وغيرهن من الفتيات
المختفيات. أي أن المباحث ما كانت تملك بعد ما يكفي من أدلة تكفي
لتفتيش بيته. كل ما يعرفونه هو موت ثلاثة نساء واختفاء اثني عشر
أخريات. أي ان هناك قاتل متسلسل يجوب الشوارع، ولا بد من القبض عليه
قبل أن يقتل من جديد. كانوا بحاجة إلى مساعدة.
كنا نعرف أن هناك قاتل بالجملة في الشوارع، وهذه مسألة لم تعتد ألاسكا
عليها. يدرك البعض أن الإف بي أي تتمتع بخبرة في هذا الشأن كما أنها
أقامت فريقا خاصا يحاول تقديم المساعدة والاستشارة في مثل هذه الأعمال.
لجأ رجال المباحث لطلب المساعدة في القبض على القاتل عبر مسافة ثلاثة
آلاف ميل. وحدها الإف بي أي تتمتع بالإمكانيات الكفيلة للغوص أعماق
تفكير القاتل.
حين ثبت لرجال المباحث أنهم يتعاملون مع قاتل متسلسل، تبين
أنهم لا يتمتعون بالخبرة اللازمة للقبض عليه. ولكنهم يعرفون من هو
القادر على ذلك.
تضم فيرجينيا مقرا لفرقة دعم خاصة لأجهزة المباحث، يعمل الأخصائيون هنا
على تحديد مزايا القاتل عبر التركيز على دراسة أفعاله.
ساهم عميل الإف بي أي المتقاعد جون دوغلاس في تعزيز خبرة المبتدئين في
مجال المباحث، وما زال يعمل مستشارا. وهو يعتمد في خبرته على خمسة
وعشرين عاما في إجراء مقابلات مع القتلة المحكومين. أي أن دوغلاس يعرف
ما هي طريقة تفكيرهم، ويدرك بأن القاتل يتصرف اطلاقا من أحلامه في
السيطرة والتحكم. يعمل دوغلاس على كسب ثقة القاتل، ثم يعود به تدريجيا
إلى موقع جريمته.
عندما أتمكن من جعله يتحدث، أعود معه في الذاكرة إلى آلاف الأميال،
فيعود إلى ما جرى قبل سنوات عشر أو عشرين حيث ارتكب جريمته، وإلى موقع
الجريمة حتى يخوض في أدق تفاصيل ما جرى هناك. تعلم أن الذاكرة هي كل ما
يملكونه في السجن وهم يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة. لهذا عليّ
التوصل إلى ما في تلك الذاكرة وما أن أبلغها حتى أحصل على معلومات
هامة.
وهكذا مكنته المقابلات من تحديد العادات والتقاليد التي يتقاسمها
القتلة بالجملة. من هذه العناصر المشتركة أن وحشيتهم تبلغ حدود القسوة
الحيوانية، كما أنهم يكتسبون المزيد من الخبرات مع كل عملية قتل جديدة،
ما يعطي فكرة عن سبل تطور القاتل.
لا بد لفهم القاتل أن نتعرف على الجريمة، وقد يتم التوصل إلى هذه
المعلومات الأولية عبر تقارير الشرطة السابقة، وصور مكان الجريمة،
ومواصفات الضحية، وتقارير التشريح. مراجعة هذا كله من صور وتقارير
تتحدث عن الجريمة والضحية من جميع الجوانب، بما في ذلك مواصفات الأماكن
التي ارتكبت فيها الجرائم، وهكذا نكون فكرة عن القاتل انطلاقا من هذه
المجموعة من المعلومات.
عبر تفحص جميع جوانب الجريمة الغير مقفلة، يتمكن المخصص من تحديد بعض
المزايا الخاصة بذلك القاتل. من بينها العمر والمهنة، وبعض المواصفات
الجسمانية.
اتصلت المباحث بالإف بي أي للتأكد مما إذا كانت هذه التحاليل
تنطبق على قاتل أنكيرز، فأملت أن تعزز من وضوح التحقيقات، وتخرج إلى
الضوء مزيدا من جوانبها. قدمت المباحث للإف بي أي ما تحتاجه هذه لتحديد
مواصفات القاتل. ذلك أن هذه المزايا تتطلب معلومات من المباحث العاملة
في القضية مباشرة، دون أي طرف آخر.
في هذه الأثناء تابعت الباحث تحقيقاتها، لم تشأ إضاعة مزيد من
الوقت خصوصا أن التقرير الذي وصلها من الضابط بيكير عزز من الشبهات
المحيطة بروبرت هانسن، ولكنهم بحاجة إلى مزيد من المعلومات.
كانت السجلات في بداية عصر الكمبيوتر، وما كانوا على إطلاع بما
هو أبعد من مدينتهم. وهكذا بلغت حدود البحث إلى ملفات المحكمة العليا.
عادت التحقيقات إلى تحديد جميع الأماكن التي سكنها هانسن، فتم
الحصول على أول تقرير يتعلق بهانسن منذ عام ألف وتسعمائة وواحد وستين.
جمعت كل المعلومات التي يمكن حملها، وأرسل الباقي عبر الشاحنة إلى
المدينة.
مع انتهاء هذه التحقيقات التاريخية كانت الإف بي أي قد أنهت
تقريرها المتعلق بمواصفات القاتل المتسلسل.
ورد في التقرير الذي صاغه دوغلاس، أن القاتل يستطيع العيش في
المجتمع دون أن يلحظ وجوده أحد. وأنه شخص يستطيع الاعتماد على نفسه،
ويخوض على الأرجح في مجال الأعمال. كما أنه يتمتع بقدرات مالية عالية،
بما أن الجثث قد اكتشفت في مناطق بعيدة نائية.
بما أن الضحايا كن من المومسات، استنتج دوغلاس أن القاتل يواجه
صعوبة في التحدث مع النساء. وأنه يستهين جدا بنفسه، ويعيش خارج إطار
الفئات الاجتماعية.
اعتمد دوغلاس على خبراته الواسعة لدى شخصيات مشابهة، لوصف
الأسباب المحددة التي تنجم عن مشاعر القاتل لارتكاب جرائمه. وقد جاء
وصفه مطابق جدا لشخصية روبرت هانسن.
تحدث التقرير عن شخص قليل الكلام نسبيا، ولكنه كثير الحركة في الظل،
هذا ما أوحى التقرير باحتمالات التوصل إليه.
أشار تقرير الإف بي أي إلى روبيرت هانسن. ولكن مواصفات دوغلاس كانت
على وشك التأكد.
عمل فريق المباحث على دراسة ملفات هانسن السابقة، وقد تبين لهم أنه
أمضى ثلاثة أعوام في الإصلاحية، بعد أن أشعل النار في موقف حافلة
المدرسة الثانوية. انطلاقا من عملها مع قتلة سابقين، أكدت الإف بي أي
أن القاتل يتمتع بماض من العنف المشابه.
وصف التقرير القاتل بأنه غير اجتماعي، وقد أكدت ذلك تقارير
الأطباء النفسيين الذي تعاملوا مع هانسن أثناء إقامته في الإصلاحية.
وقد شكل ضعفه الاجتماعي حاجزا في طريق تعزيز ثقته بنفسه. وكلما حاول
تخطي ذلك يتعرض لصفعة قاسية.
لدي أشغال كثيرة فإما أن تتركني وشأني أو أتصل برجال الأمن.
وهو لا ينسى أبدا، أنه كلما حاول التصرف كعنصر اجتماعي عادي، كان يفشل
بالكامل. تؤكد السجلات أن هانسن بدأ العمل في الفرن وهو في الثلاثينيات
من عمره، وقد دفعه النجاح إلى التبجح بالتفوق والقوة. كما كان يتبجح
بمحبته للصيد. كان يسهب في وصف متعته البالغة بإثبات تفوقه على
الطريدة. فكان يحاصرها، ثم يجرحها، إلى أن أصبح يتقن الصيد بمهارة،
ليفوز بجوائز شهيرة. انتقل عام سبعة وستين إلى ألاسكا ليبدأ حياة
جديدة، يتمتع فيها بصيد وفير.
بعد ثلاثة أعوام من وصوله إلى هناك تبين أنه سجن بتهمة محاولة
اغتصاب عاملة استقبال شابة بقوة السلاح. ادعى أنه لم يستخدم السلاح
القاتل في أي مناسبة. بعد أقل من شهر واحد اتهم بالتحرش بفتاة في
الثامنة عشرة من عمرها عند باب شقتها.
ما أن وصل إلى ألاسكا، حتى تورط في قضايا اعتداءات وعنف ومحاولات
اغتصاب، وقد خضع لتحليلات نفسية أثبتت أنه يعاني من اهتزاز شخصي وعدم
استقرار نفسي لديه الكثير من المخيلات الجنسية الخصبة الغريبة جدا.
ثبت تعريف الإف بي أي فقد اعتبر هانسن مواطن محترم، فتهاونت المحاكم
معه. وقد ادعى في إحدى القضايا فقدان الذاكرة ما جعله يتلقى علاجا
نفسيا ضمن برنامج لإطلاق سراح السجناء.
استولى على إحدى ضحاياه الأوائل خارج إحدى المقاهي، وأخذها إلى
منطقة نائية في البراري، ليغتصبها بقوة السلاح. كانت حينها في السابعة
عشر من عمرها.
هدد بأنه سيتعقبني ويقتلني إذا ما بلغت الشرطة عنه، وقال أنه رجل أعمال
ناجح وثري، لم يتحدث قبل الاغتصاب أو بعده عن أنه رجل متزوج ولكنه قال
أنه رجل أعمال ناجح، وأني فتاة صغيرة لن يصدقني أحد.
وقد كان على حق. كل ما ورد في تقرير الإف بي أي حول شخصية القاتل،
يتطابق مع روبرت هانسن، أي انه كان قاتل خطير، مقنع بملامح عادية جدا
بين الحشود.
أثناء تعقب المباحث له، عملت أيضا على البحث عن مزيد من جثث الضحايا في
المناطق المجاورة لأماكن العثور على الجثث الثلاث. ساد اعتقاد بأن
الراقصات المختفيات قد دفن في قبور محاذية. ولكن المباحث عادت خاوية
اليدين. إذ أن المساحة كانت أوسع من أن تستطيع تغطيتها بالكامل.
رغم أهمية تقرير الإف بي أي، والتقارير المتعلقة بتاريخ هانسن،
إلا أن المباحث كانت تفتقد إلى العناصر المحددة التي تربط هانسن
بعمليات القتل، ذلك أن التقارير كانت مجردة، والأدلة أضعف من أن تقدم
لتدعيم أي قضية تثار ضده أمام المحاكم. أمل رجال المباحث من سندي بولسن
أن تقدم المساعدة، إذ أنها الضحية الوحيدة الباقية على قد الحياة من
أعمال عنف هانسن الحالية. ربما كانت تذكر شيئا آخر من ذلك الكابوس.
أدلت بولسن بإفادة جديدة، وقد تعرفت خلالها على نوع البندقية التي كانت
بحوزة هانسن.
لم يتأكد تورط هانسن بأي محاولة اغتصاب منذ أكثر من عشر سنوات
باستثناء اعتدائه على بولسن. ولكن انطلاقا من الملفات التي جمعت، تمكن
رجال المباحث من الوصول إلى ضحية أخرى اعتدى عليها قبل سنوات مضت،
توافقت إفادتها مع ما قالته بولسن. ورغم أن هذه الضحية لا تسكن في هذه
المنطقة، إلا أن المباحث تعقبتها، وطلبت مساعدتها.
تلقيت اتصالا من ألاسكا سئلت فيه إن كنت أستطيع المساعدة في تقديم
إفادة بحق السيد هانسن. وقد تحدثوا عن اعتقادهم بأنه قتل سبع نساء على
الأقل، وأن آخرهن قد لاذت بالفرار.
وافقت على تقديم الشهادة ضده عندما يحين الوقت، ولكن قضية المباحث لم
تكتمل بعد. اعتبر رجال المباحث أنهم على الطريق الصحيح، ولكنهم لا
يملكون الأدلة الدامغة على أنه القاتل المتسلسل. يؤكد ضابط الشرطة غريك
بيكير، أن هانسن كان يشعر بتعقب الشرطة له.
مررت بالسيارة في أحد الأيام من جانب الفرن، بحجة الحصول على بعض
الكعك، وكان هانسن يحدق من إحدى النوافذ بإسهاب، وهو يزيد بعض الكعك.
أذكر أنه أسهب النظر إلي، كان توتره واضح جدا، وكأنه يعرف ما ينتظره،
وقد سرني ذلك.
رغم تأكد المباحث من أن هانسن هو القاتل المقصود، إلا أنهم يحتاجون
إلى الأدلة الدامغة على ارتكاب جرائمه.
بعد التثبت من تطابق مواصفات التقرير مع الجاني، سافر دوغلاس
إلى ألاسكا لمراجعة القضية، ولتقديم الاستشارة لفرانك روس تشايلد حول
سبل التعامل مع المشتبه به. كان دوغلاس على ثقة بأن دوغلاس هو القاتل
المتسلسل. فتحول الصياد بذلك إلى طريدة.
كان الهدف من طلب التحليل هو التأكد من مدى تطابق الأوصاف والمساعدة
على جعل العاملين هناك يتعرفون على صحة المعلومات التي جمعت حول
الجريمة، فجاء الرد على نحو يؤكد الثقة بما تقوله تلك المومس وأن هذا
الشخص قادر على ارتكاب جرائم متكررة.
تقدم دوغلاس باقتراح يدعو من خلاله إلى استجواب مفاجئ لهانسن، أثناء
قيام المباحث بتفتيش منزله. كي تحصل المباحث على إذن بالتفتيش، عليها
أن تقدم لائحة بالأشياء التي تنوي العثور عليها في المنزل. أرادوا
العثور على البندقية التي وصفتها سندي بولسن، وتلك التي تم استخدامها
لقتل شيري مورو وبولا غولي. ولكن هذا لم يكن كافيا، كانوا بحاجة إلى
دليل قاطع، يؤكد تورط هانسن في جرائم القتل. سئل دوغلاس عما إذا كان
هناك شيء آخر يمكن إضافته إلى لائحة إذن التفتيش.
دعوتهم لإضافة البحث الأشياء التي عادة ما يحتفظ بها القاتل المتسلسل،
وهي أشياء عادة ما يحتفظ بها القاتل كذكرى من ضحيته.
ساعد دوغلاس المدعي العام في صياغة طلب إذن التفتيش، انطلاقا من السعي
للبحث عن تلك الأشياء التي يحتفظ بها القتلة كذكرى عن ضحاياهم. يمكن
لهذه الأشياء أن تقتصر على قطعة مجوهرات للضحية أو حتى رخصة قيادته.
ولكن هذه الأشياء لم يسبق ان اعتمدت لطلب إذن التفتيش والمداهمة في
الولايات المتحدة الأمريكية. أدرك روس أن عليه تدعيم ذلك بمزيد من
المعلومات المقنعة.
لا شك أن إذن التفتيش والمداهمة هذا يحتاج تدعيم يؤكد فعاليته. على
اعتبار أن قضية القاتل المتسلسل بالغة التعقيد ولا بد لإنجازها من
ضرورة التأكد بأن الأدلة الدامغة موجودة هناك كي لا يذهب الجهد سدا.
ملأت مبررات طلب المداهمة ثمانية وأربعون صفحة. فوافق القضاة
على ثمانية أذون لتفتيش ممتلكات هانسن. وهكذا أصبحت المباحث الآن تحتاج
إلى هانسن وحده، وهي تعرف مواعيد تحركاته وأوقات دوامه.
في الثالث والعشرين من تشرين اول أكتوبر من عام ثلاثة وثمانين،
ذهبوا لإلقاء القبض عليه في الفرن. ولكن هانسن لم يكن هناك. أدى ذلك
إلى انتظاره حوالي ثلث ساعة عن مواعيده المعتادة. عندما طلب منه
مرافقته للاستجواب لم يبد أي مقاومة.
كانت غرفة الاستجواب قد أعدت لاستقباله، بهدف جعله يفقد
توازنه، على أمل أن يعترف بكل ما لديه، لتفادي الخوض في قضية طويلة
الأمد.
ساهم دوغلاس في مساعدة المباحث لإعداد غرفة التحقيق بما يتناسب
مع ضرورة إحداث الصدمة النفسية. ألقيت المواد المتعلقة بمواقع ارتكاب
الجرائم وصور الضحايا في كل مكان، كي يتأملها هانسن قبل بدء المقابلة.
وصل المحققون في الوقت المحدد كي تبدأ اللعبة النفسية.
دربت الإف بي أي فرانك روس تشايلد على سبل التعامل معه.
طرح الأسئلة بطريقة تثير المزيد من النقاشات. كان هذا أول قانون في
اللعبة ولا شك أننا قمنا بدراسة جميع القضايا التي تم التحقيق بها،
وذلك في محاولة لدفعه لحديث عنها.
كان يحاول التأكد مما لدينا، ومما نعرفه. وهكذا تبين أن خطته في
اللعبة تكمن في استطلاع ما نعرفه كي ينطلق منه. ولا شك أن خطتنا في
اللعبة كانت تكمن في استطلاع، ما يعرفه.
أثناء محاولة روس تشايلد إقناع هانسن بالاعتراف، عملت المباحث على
تنفيذ أوامر التفتيش.
كانت زوجته في المنزل. عمل رجال المباحث بدقة وحذر، فقاموا
بتصوير عملية التفتيش كاملة. يمكن العثور على ما يبحثون عنه في أي
مكان، حتى في الأماكن العادية جدا.
أدرك هانسن أن الشرطة على علم بسجلات ماضيه النفساني، فلم يبلغ
السلطات بأي شيء مما لا تعرفه. تحدث عن نشأته المؤلمة، وعائلته
الصارمة، وعن غضبه. اعترف بخروجه مع الراقصات والمومسات في بداية
السبعينات، وأنه كان يغضب جدا حين ترفع كل منهن سعرها. ولكنه نفى
تهديده لأي منهن. ولم يعترف بشيء.
أثناء الاستماع إلى قصة هانسن، وقلب منزله رأسا على عقب، ذهبت
مجموعات أخرى تفتيش الفرن والطائرة الخاصة. ولكن دون جدوى.
تحول المنزل إلى نقطة تركيز رئيسية في التحقيق. وأخيرا أدى
التفتيش الدقيق في غرفة النوم العليا للتوصل إلى اكتشاف غريب ومثير
للفضول. يكمن في خريطة جوية للمنطقة تغطيها سبعة وثلاثين علامة تقاطع.
يبدو أنها وضعت حول المنطقة التي تم فيها العثور على الجثث. ولكن عدد
الإشارات كان أكبر بكثير من الجثث. حتى ذلك الحين.
استمرت أعمال البحث حتى بلوغ العلية. وجد رجال المباحث خلف
العوازل بعض الأسلحة، عثروا من بينها على بندقية من عيار مائتين وثلاثة
وعشرين، كتلك التي استخدمت في قتل شيري مورو وبولا غولي. إلى جانب
المسدس الذي وصفته بدقة سندي بولسن. اتصل فريق التفتيش للتبليغ عن
الخبر السار.
هل تعرف هذه الفتاة؟..
أخذ الحصار يشتد حول هانسن وهو يدرك ذلك. ولكنه لم يكن مستعدا للكلام
بعد. يمكن أن يستمر الاستجواب ساعات طويلة، دون أن يبدو الاعتراف
واردا.
أثناء قيام الفريق بجمع الأدلة شهدت القضية تقدما ملحوظا. اقتربت إحدى
جارات هانسن من المباحث بدافع الفضول حول ما يقومون به. فوجئت جدا
بالنبأ، ثم أدلت بإفادة قضت بالكامل على قصة هانسن. قالت للشرطة أن
زوجها منح هانسن تبريرا لوجوده ساعة ارتكابه جريمة الاغتصاب بحق سندي
بولسن. وقالت أن زوجها كذب لحماية صديقه دون أن يدرك مدى خطورة
الاتهامات التي توجه إليه. اتصل زوجها بالشرطة لاحقا ليتراجع عن
إفادته، ما أدى إلى اختفاء تبريرات هانسن.
مع استمرار التفتيش عثرت المباحث على أهم دليل ظهر حتى تلك
اللحظة، وهو دليل كان دوغلاس يدرك أنه في مكان ما هناك. تم العثور على
عقد شيري مورو، إلى جانب أشياء أخرى لعدد من الفتيات المختفيات، كان
هانسن يحتفظ بها للذكرى.
اتصل المحققون بالمركز، حيث كان هانسن يرفض الاعتراف بالتهم
الموجهة إليه. علما أن السلطات أصبحت تملك ما يكفي لسجنه بقضية سندي
بولسن. حددت الكفالة بقيمة نصف مليون دولار. أصبح لدى المحققون ما يكفي
من الوقت لتعزيز التهمة الموجهة إليه، كقاتل متسلسل. ثم اتصلت
المباحث بالضحية السابقة للتأكد من استعدادها للإفادة ضده.
ساد اعتقاد بأنه قتل أعداد كبيرة من النساء، فسئلت عما إذا كنت مستعدة
للإفادة ضده مؤكدين بذلك حاجتهم لأقوالي، لأنه رفض الاعتراف.
توافقت ثلاث نقاط من تلك الظاهرة على الخريطة مع أماكن ثلاث جثث عثرت
عليها المباحث. وهناك علامة رابعة تشير إلى مكان عثور الشرطة المحلية
على جثة رابعة قبل بضع سنوات. وكأن العلامات الأخرى تشير إلى قبور
المزيد من الضحايا، قد تصل إلى العشرات.
كان التأمل بالخريطة يثير القشعريرة. لأننا، صدقنا ما تحتويه، وبأنها
خريطة قبور بشرية، من وجهة نظرنا. أي أنه سجل جميع أفعاله، لم يحتفظ
بقصاصات من الصحف، بل بتلك الخريطة.
حين أدركت المباحث أنها تملك ما يكفي للحكم على هانسن بأربع جرائم قتل
على الأقل، قاموا بمواجهته مع المحامي. لم يتمكن هانسين من النكران، لم
يعد أمامه أي ملاذ آخر.
وأخيرا حان وقت الاعتراف، فعمل على التوصل إلى اتفاق محدد.
أبدى هانسن استعداده للاعتراف بجرائم القتل الموجهة إليه، شرط ألا يتم
نشر أي معلومات عنها، وأن تترك عائلتها وشأنها. طالب بأن يتم سجنه خارج
ألاسكا عند انتهاء المحاكمات. كما وافق مقابل حكم بأربع قتلى، بأن يدل
المباحث على القبور التي دفن فيها مزيدا من الجثث.
اتصلت المباحث بالضحية الأولى لإبلاغها بالنبأ السار.
اتصلوا في المرة الثالثة للقول أنه اعترف بجرائمه وأنهم ليسوا بحاجة
إلى إفادتي. وهكذا، أقفلت الخط بعد المكالمة، وأرسلت ابني إلى المدرسة،
وانتظرت حتى خروج زوجي إلى العمل، وفقدت السيطرة على أعصابي، بدأت أبكي
دون توقف، حتى كدت أنهار بالكامل، وكأني أرى كل من تلك الفتيات، وطريقة
موتها، على طريقة الحيوانات الطريدة، التي تصاب بجروح عديدة حتى الموت.
وصف هانسن في اعترافاته كيف كان يأخذ الضحية إلى الغابة ويصطادها
كالطريدة. خلال اثني عشر عاما من إقامته في ألاسكا اغتصب أكثر من
ثلاثين امرأة، طور خلالها عدة سبل للإيقاع بهن.
عندما يعثر على ضحية محتملة، عادة ما تكون امرأة عازبة كشيري
مورو، يحاول التقرب منها، ويتفق معها على لقاء في مطعم سريع. إن كانت
راقصة أو عارضة أزياء، كان يعرض عليها دفع كلفة جلسات التصوير. كان
ينتظر دخولها إلى المكان، للتأكد من وصولها منفردة، دون أن ينتظرها أحد
في موقف السيارات. ما يعني غياب الشهود. عند ذلك يدخل للقاء ضحيته
الجديدة.
كان يعد جزءا من الأصفاد على جانب المقعد. أكد هانسن أن إخراجه المسدس
أثناء انشغال الضحية بالأصفاد أصبح سلوك روتيني. بعد ذلك يأخذها إلى
البيت، أو إلى غرفة نائية، للاغتصاب والتعذيب. بعد ذلك يغمض عينيها،
ويقودها إلى منطقة نائية خارج المدينة، حيث يمارس هناك طقوس المطاردة
والصيد. أي أنه يداعب الطريدة قبل أن يقتلها.
اعترف هانسن أنه توصل صيف عام ثلاثة وثمانين إلى ما أسماه بخطة
الصيف. أرسل عائلته في إجازة ليتمكن من إحضار الضحايا إلى البيت، وعن
الانتهاء منها، كان يتخلص منها في البراري.
في السابع والعشرين من شباط فبراير من عام أربعة وثمانين، سجن روبرت
هانسن بتهمة قتل أربعة نساء، وقد حكمة عليه بالسجن مدى الحياة إلى جانب
أربعمائة وواحد وستين عاما، دون أي فرصة بتقليصها.
بعد تلقي الحكم، رافق هانسن رجال المباحث للعثور على قبور
المزيد من الضحايا، التي ظهرت بعلامات على خريطته. تم العثور على
ثمانية جثث. لم يتم الكشف عن بعض الأماكن في الخريطة. بينما نهشت
الدببة والحيوانات البرية أشلاء الرفات. لم تتمكن المباحث من تحديد
نسبة العلامات التي تمثل ضحايا هانين على الخريطة. يؤكد مايك دوغلاس أن
علامات الخريطة قد تشير إلى بعض من حقول صيده المتعددة.
عادة ما يقيم هذا النوع من المجرمين علاقات مع النساء، ولكنه يعتمد على
المخيلة في كل شيء، وقد لا تعجبه ملابس الشخص مثلا أو طريقة كلامه،
وهذا يكفي لجعله يقرر من سيقتل ومن سيبقي على قيد الحياة. أعتقد أنه
كان قادرا على ارتكاب المزيد من الجرائم.
أعتقد أنه سافر إلى ألاسكا للتخلص من تاريخه الحافل بأعمال العنف في
الولايات السفلية.
ثبت بالبرهان القاطع أن ما يتراوح بين خمسة وثلاثين وخمسين قاتل
متسلسل كهذا ينتشرون في أرجاء الولايات المتحدة في أي وقت كان. وقد
ساهمت الخبرة في تسهيل الكشف عن هويتهم. كلما تم القبض على أحدهم،
يتعلم رجال المباحث المزيد عن دوافعهم، ما يسهل عملية القبض على القاتل
التالي.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م