اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 ملفات الإف بي أي - فورة القتل
 

ملفات الإف بي أي

 جرى إعادة تمثيل بعض مشاهد هذا البرنامج، بما في ذلك تلك المشاهد المتعلقة بالتحريات الجارية في مواقع حدوث الجريمة.

        كان ذلك يوم الأحد عيد الأمهات، من عام ألف وتسعمائة وأربعة وثمانين. فترة ظهيرة دافئة من فصل الربيع في تامبا فلوريدا. بعد تمضية الوقت مع الوالدة خرج الطفلان يصنعان المظلات من أكياس البلاستيك. وكأنها أفضل طريقة لتمضية يوم الأحد. ولكن سرعان ما جاءت الرياح بنسمات غريبة، ذهبا للتأكد منها ليرا مشهدا بقي في ذاكرتهما إلى الأبد.

=-=-=-=-=-

 شهدت جنوب فلوريدا عام أربعة وثمانين فترة من إطلاق العنان لقاتل مغتصب، عرف بقسوته ووحشيته البشعة، هو أحدث ما عرف عن مجموعة قتلة تعرف بالجرائم المتسلسلة. كان يقتل رغبة بالقتل، وهو لا يختار ضحاياه عشوائيا، بل يقع عليها بعد دراسة أولية، مهنة المرأة، أو حتى تسريحة شعرها، تكفي لجعلها هدفا له. استغرق الأمر بعض الوقت، وقد قتل شخصان على الأقل، حتى تم التعرف على أسلوبه.

معكم جيم كالستر، المدير السابق لمكتب الإف بي أي في نيويورك. تثير الجرائم المتسلسلة اهتماما مميزا، فهي تدعو من جهة للقبض الفوري على الفاعل، وتتطلب من الجهة الأخرى الإعلان الواسع النطاق عن الجرائم. أما عملنا فيكمن باستخدام كل ما بوسعنا لاستخدام التوازن في مصلحتنا.

(فورة القتل)

عثر الطفلان على جثة امرة ملقاة على الأعشاب إلى جانب الطريق. أثبت الفحص الطبي أنها ألقيت هناك منذ ثلاثة أيام. وقد أوثق رسغيها خلف ظهرها. كما لف الحبل حول عنقها، وقد غطت جسمها الحشرات والذباب على أنواعها. ولكن وضعية الجثة أكدت للمحققين أنها ليست جريمة قتل عادية.

        كان الرائد غاري تيري والنقيب تيري قد عينا حديثا على رأس وحدة الجرائم الكبرى عند وصول الاتصال الهاتفي.

المسألة الفريدة بالنسبة لي هو انفراج الساقين حوالي خمسة أقدام بين الكعب والآخر. وهذا مشهد لم أره من قبل ولن أنساه أبدا.

 كانت وضعية بشعة، ولا شك أنها ثبتت على هذا النحو عمدا، وكأن القاتل أراد أن يسبب صدمة لمن يعثر عليها. قام خبراء مواقع الجريمة بتصوير الجثة، وقياس المسافة التي تفصلها عن الطريق. ثم جمعوا بحذر شديد كل الأدلة المحيطة بها، كقطع الملابس المنتشرة هناك.

        عثر التحري بوبس بيكير من دائرة بلدية هيلز بيرل على آثار إطارات سيارة، وقد عمل تلك الليلة للحصول على نسخة منها. يساعد الحصول على هذه النسخ في جعل الخبراء يقدرون حجم السيارة التي كان يقودها المجرم ونوعها. كما يمكنهم من إعادة بناء موقع الجريمة.

        في هذه الأثناء أخذت الجثة إلى مركز الفحص المخبري لدراستها وتعزيز جمع من معلومات حولها. أكد الطبيب الشرعي أن الضحية قد اغتصبت ثم خنقت حتى الموت. أدت وحشية القتل إلى ضرورة التعجيل في التحريات الجارية.

اتصل النقيب تيري بمختبرات الجرائم الغريبة التابع للإف بي أي في واشنطن تقديرا لاحتمالات ألا تكون هذه جريمة منفصلة.

سلم تيري الأدلة التي تم جمعها للتحري هاند كاري في مختبرات الإف بي أي. وهو على علم بأن ذلك يعني تسليم الأدلة النشطة مبكرا، ما يجعل الإف بي أي شريكا مباشرا في التحريات الجارية.

تعتبر مختبرات الإف بي أي الأكثر تقدما في البلاد. إذ يضم خبراء في جميع أنواع الأدلة. من رصاص إلى أنسجة إلى أجزاء السيارات والعقد. قام خبراء العقد بدراسة طريقة ربط الحبل حول الرسغين والعنق. وقد أبقيت على حالها أملا بأن توقع القاتل بشر أفعاله. كما أنها قد تقول شيئا عن ماضيه، ربما يكتشف الخبراء أنه كان مجند سابق في البحرية أو الجيش. وقد تبين أنها كانت عقد عادية بسيطة، من تلك التي يقوم بها أي شخص.

عمل خبير الأنسجة على دراسة الأنسجة التي عثر عليها فوق الجثة. استخدم الفرشاة لإسقاط البقايا العالقة على قطعة قماش فوق ورقة معقمة. ما هي الآثار التي خلفها القاتل وراءه؟ أخضع المحلل الجزيئات لفحص بالمكبر، ولكنه لم يتوقع العثور على الكثير. ذلك أن الجزيئات قد تضيع وسط نسمات الريح أو عناصر ملوثة أخرى من موقع الجريمة. خصوصا أن قانون أدلة الأنسجة يؤكد أن ثمانين بالمائة منها يضيع بعد ثمانية ساعات من وقوع الجريمة. وقد يضيع منها ستة وتسعون بالمائة بعد ثمانية وأربعين ساعة، أما بعد ثلاثة أيام، فإن احتمال العثور على أي شيء يصبح شبه معدوما. لهذا فوجئ حين عثر على جزيئات صغيرة من أنسجة النايلون الحمراء. كانت تتألف من جدائل ثلاثية، مغطاة بنوع من الغشاء اللامع. استنتج من الحجم والشكل واللون أنها قد تكون أنسجة غطاء، ربما كانت من سيارة القاتل. أما وجودها هناك فهو عجيب فعلا.

طلب عامل المختبر من ضابط المباحث أن يبقي هذا الاكتشاف سرا، فإن كان هذه جزء من جرائم متسلسلة، فإن نشر هذه المعلومات قد يدفع القاتل إلى تغيير مواصفات سيارته، ما يزيد من صعوبة إيجاده.

حقق مختبر إطارات الإف بي أي بعض الإنجازات أيضا. فقد تبين أن الإطارات كانت من نوعين مختلفين، أو ربما كانت منقلبة، وضعت فيها الحاشية السوداء نحو الخارج. لا شك أن هذا الاختلاف يشكل دليلا قاطعا.

        عملت الشرطة في المدينة على الكشف عن هوية الضحية عبر ملابسها. تبين أنها لانا لونغ البالغة من العمر واحد وعشرون عاما، وهي راقصة ملاه مشهورة في شارع ريد لايت. تعرف صديقها إلى ملامحها عبر صورة ظهرت في الصحف. وقد تحول إلى المشبوه الأساسي. استجوبت الشرطة زميلاتها في الشارع دون الحصول على أدلة تثبت تورط صديقها بالجريمة.

وبعد أسبوعين من ذلك، ظهرت جثة ضحية أخرى.  يوم أحد لا ينسى، تم الاتصال بالتحري بوبس بيكير والنقيب غاري تيري من دائرة الجرائم الكبرى، للاطلاع على ضحية ثانية ألقي بها أيضا في منطقة نائية من الولاية نفسها.

كانت جثة الضحية لفتاة على غرار لانا لونغ في عمر يتراوح بين الثمانية عشر والعشرين. وكانت موثوق الرسغين والعنق أيضا كما في المرة الأولى، مع اختلاف في الربطة، حيث ظهرت وكأنها قد اعدت للشنق. 

ما زلت أذكر وأنا في الطريق إلى هناك أني دعوت الله ألا يكون للضحية علاقة بسابقتها. قلما وقعت عام أربعة وثمانين جرائم قتل من هذا النوع. وأول ما سألته للضابط عند وصولي إلى هناك، هل هي مربوطة؟ فأجاب نعم أنها مربوطة. أي أننا انتقلنا من غياب حالة الضحايا المربوطة، إلى اثنتين خلال أسبوعين فقط. أي أننا حيال مشكلة معقدة.

 لم تقتل هذه الفتاة منذ زمن بعيد.

ما زالت دافئة.

 بما أن موقع الجريمة ما زال حديثا سيتم العثور على مزيد من الأدلة.

        حثر المحققون على قميص رجالي أخضر وعليه بعض الشعر الذي تبينه أنه ليس للضحية. كما عثر على مسافة قصيرة من الجثة سروال ومعطف أبيضين مضرجين بالدماء. أدرك المحققون من عمق جراحها أنها عاركت القاتل دفاعا عن حياتها، وأنها  كافحت عنفه ووحشيته بقوة.

        لقد تعرضت للاغتصاب، والخنق، والضرب، ثم ذبحت من الوريد إلى الوريد. أكد الطبيب الشرعي ثلاثة أسباب للموت، وهي الخنق، وجراح في الرأس، ونزيف جراح العنق.

        عثروا هنا أيضا على آثار عجلات سيارة، وقد نسخت أيضا ليتم مقارنتها بتلك التي وجدت بالقرب من الضحية الأولى.

        مرة أخرى أرسلت أدلة الجريمة إلى مختبرات الإف بي أي في واشنطن. عثر الخبراء على أنسجة السجادة نفسها التي وجدت في الموقع السابق، وفي هذه المرة أيضا عثر على الأنسجة الحمراء اللامعة أيضا. يقولون هنا أن أدلة الأنسجة أشبه بالشاهد الصامت. أما هذه فهي تؤكد أن الجريمتين على صلة ببعضهما. ولا يمكن لصديق لانا لونغ أن يكون على صلة بالجريمة الثانية. فما عاد يعتبر مشبوها.

        كشفت الأدلة التي عثر عليها في مكان الجريمة عن إثباتات أخرى. القميص الأخضر من الحجم الكبير، ما يوحي بشخص متوسط القامة عريض الكتفين.

        لون الشعر يميل إلى البني وكأنه من أصول قوقازية، تقدم هاتين المعلومتين أدلة جسدية محددة، عممت على أجهزة أمنية أخرى.

        تولت خبيرة إطارات الإف بي ساندي ورسيمان مهمة تحليل آثار العجلات ومقارنتها. لتؤكد أنها تتطابق مع عجلات سيارة الجريمة الأولى. وقد أصبحت تعرف الآن موقع كل عجلة في السيارة، التي تأكد أنها من الحجم الوسط

ساندي ورسيمان: أهمية الحصول على نسخة من آثار الإطار بدل الصور هو أني أستطيع مطابقتها والتأمل بها من جهات وزوايا مختلفة. وإن كان قد علق فيها بعض الحجارة أو أنها تعرضت لتمزق ما، سأتمكن من رؤيته بوضوح في النسخة.

 ولكن الدليل القاطع قد ظهر فيما لا تعرفه. كانت تعلم أن اثنتين من العجلات هما من ماركة غود يير فيفا، أما الثالثة فلم تكن على لوائح عجلات الإف بي أي الواسعة جدا.

لم يتمكنوا من التعرف على إحدى العجلات عبر ملفات نماذجهم، لهذا قدموا لنا اسم اختصاصي بالإطارات، وهو صانع إطارات في أكرينو هاور. وقد توجه أحد المحققين إلى هناك شخصيا وهو يحمل نموذجا عن نسخة الإطار. والتقى بأقدم العاملين في مصنع الإطارات، حتى تعرف عليه وهو من نوع ديفو غيتار، الذي كان عام أربعة وثمانين يصنع بكميات قليلة ولا يدخل في دائرة التسويق. لهذا لم نر هذا النوع من الإطارات سابقا.

 قيل لرجال الشرطة أنهم إن عثروا على إطار من هذا النوع، وقد ثبت في السيارة بحواشيه نحو الخارج، سيوازي ذلك عثورهم على بصمات الفاعل شخصيا.

        كشفت التحاليل التي أجريت للجرح أن القاتل يحمل سكينا عرض شفرتها ثلاثة إنشات.

أصبحنا أمام ضحيتين مربوطتين وهما علي صلة عبر الأدلة، ما يؤكد أننا نواجه جريمة متسلسلة.

 أخذ النقيب تيري يضع إشارات على خريطة تحدد أماكن وقوع هذه الجرائم، على أمل كشفها عن نمطه أو سلوكه. ثم طلب من دوريات الشرطة أن تبحث عن شاب أبيض بني الشعر متوسط القامة، يقود سيارة متوسطة الحجم مقلوبة العجلات. وقد يحمل معه سكينا عرض شفرتها ثلاثة إنشات. وقد اتبع نصائح الإف بي أي ولم يشر في البيان إلى أسباب البحث عن هذا الشخص.

        تم التعرف على هوية الضحية الثانية  بعد نشر صورها في الصحف المحلية. وهي فتاة في الثانية والعشرين اسمها ميشيل سيمنز لها ماض قضائي بسبب تورطها بالدعارة. وقد أعلن عن اختفائها قبل يوم واحد.

        كان التحري راندي لاديمير من أهم عناصر فريق المباحث العاملين في هذه القضية.

أدركنا في تلك المرحلة أننا حيال قاتل مهووس يستهدف المومسات، لهذا أخذنا نتوجه إلى منطقة انتشار المومسات ونحذرهم من حقيقة ما يجري، وقد وزعنا عليهن أرقام هواتفنا على أمل الاتصال بنا عند رؤية ما يثير القلق لأننا نبحث عن معلومات. أصابنا الإحباط لعدم التوصل إلى طرف خيط يدلنا على الفاعل.

 ويوم أحد آخر في الرابع من حزيران يونيو تم الاتصال بتيري وبيكير  ولاديمير لزيارة موقع جريمة ثالثة. وجد أحد العمال الجثة  على جانب الطريق، وهي لفتاة ثالثة. ولكن الأسلوب بدا مختلفا، إذ أنها مرتدية ملابسها، وغير موثوقة، أي أنه لا حاجة للاعتقاد بأنها على صلة بسابقتيها. ولكن رجال المباحث لم يلغوا الاحتمالات.

        أرسلت ملابس الضحية إلى مختبر الإف بي أي، علهم يعثرون هناك على أي صلة تذكر.

لم يكن خبير الأنسجة الذي عملوا معه في الماضي هناك هذه المرة، فأوكلت المهمة لشخص آخر. لم يطلب منه مقارنة الأدلة الجديدة مع القديمة فلم يفعل. كما أنه لم يبدأ التحليل مباشرة.

تفسخت الجثة بشكل كبير لدرجة أنها كانت تزن خمسة وعشرون رطلا فقط بما في ذلك الملابس. استغرق الأمر بعض الوقت لتحديد هويتها ليتبين عند ذلك أن حياة الضحية لم تتطابق مع نمط الفتاتين السابقتين.

تبلغ إليزابيث لودينباك اثنان وعشرون عاما من العمر وهي من مدينة تامبا. كانت عاملة تركيب خجولة تسكن مع العائلة.  ليس لها ماض قضائي وليست متورطة بالدعارة. رغم أنها كانت تزور نوادي العراة في مدينة تامبا.

أوصت إليزابيث لودينباك بالسؤال عن صديقها إن تعرضت لأي مكروه، لهذا أخضع الشاب لجلسة كشف الأكاذيب.

محقق: سأطرح عليك بعض الأسئلة، عليك الإجابة عليها بصدق. مفهوم؟

شاب: نعم.

محقق: هل تعرف إليزابيث لودينباك؟

شاب: نعم.

محقق: هل كنت على علاقة بإليزابيث لودينباك؟

شاب: نعم.

محقق: هل سببت الأذى لإليزابيث لودينباك؟

شاب: كلا.

 رسب في امتحان الكذب، ما جعله مشبوه أساسي.

        في أواسط أيلول سبتمر، وبعد ثلاثة أشهر من العثور على جثة إليزابيث لودينباك والفتاتين الأخريين، وصلت نتيجة التحاليل. توصلت الإف بي أي إلى سبيل للمقارنة، فقد عثر حول الجثة على أنسجة شبيهة بتلك التي كانت وسط الضحيتين السابقتين. أي أن الجرائم الثلاثة على صلة ببعضها البعض. فأضاف تيري إشارة ثالثة على الخريطة. وأخذ كل تحري في فرقة الجرائم يعمل على هذه القضية.

        أخذت طبيعة التحقيقات تتغير، فبدل التركيز على معارف الفتيات وجيرانهن، أخذ المحققون يبحثون عن قاتل مجهول يهدد حياة نساء تامبا.

تيري: كرسنا وحدة الجريمة بكاملها كي تركز على هذه القضايا، وأخذنا نجمع المعلومات ونتلقى اتصالات حول أشخاص نقوم بالتأكد منهم. وأخذنا نحقق في ماضي الفتيات الثلاث، ولكن دون جدوى. ما أجبرنا للأسف على الانتظار حتى وقوع  جريمة أخرى، فكانت تلك الضحية الرابعة.

 بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر، تصدع هدوء يوم أحد آخر. في السابع من تشرين أول أكتوبر، عثر أحد العمال على جثة عند مدخل مزرعة كي بار إلى الشمال من تلة بلو كافيتي.

        عمل هذه المرة التحري ستيف كريويرد على المساعدة في التحريات الخاصة بمكان الجريمة. ولكنه لم يجبر  مع تيري وبيكير ولاديمير إلى الابتعاد كثيرا للعثور على أول دليل قاطع. كانت حمالات الضحية معلقة على باب المدخل. كانت الجثة العارية لفتاة سوداء قريبة من هناك. وإلى جانبها بعض الملابس. اعتبرها غالبية المحققون جزء من ضحايا جريمة متسلسلة. فقد تم اغتصابها، ولكنها على خلاف الأخريات تعرضت للقتل رميا بالرصاص دون أن تكون قد ربطت. أضف إلى أنها كانت سوداء اللون، وعادة ما لا يعبر مرتكبي الجرائم المتسلسلة الحدود العرقية.

        أثناء تحليل الإف بي أي للأدلة، تعرف المحققون على هوية الضحية عبر بصماتها، وهي شينيل ديفين وليامز البالغة من العمر ثمانية عشر عاما، التي أطلق سراحها من السجن مؤخرا بعد تورطها بالدعارة. شوهدت آخر مرة تعمل في حي ريد لايت القريب من جادة نيبراسكا مع صديقة لها هي مومس أخرى، قبيل أيام قليلة. وقد قتلت منذ ستة أيام.

        كشفت مختبرات الإف بي أي أن الجريمة من عمل قاتل متسلسل. عثر على نفس الأنسجة الحمراء على ملابس شينيل، إلى جانب الشعر البني نفسه. أي ان القاتل قد غير أسلوبه بعد أن عبر الحدود العرقية واستعمل نوع آخر من الأسلحة. علما أن تغيير الأنماط نادر جدا في الجرائم المتسلسلة، ما يزيد من صعوبة العثور عليه.

        أضيفت شانيل إلى الخريطة، عند حدود التلة الواردة هناك. بعد سقوط أربع قتلى، بلغ المحققون حدود اليأس من العثور على القاتل، رغم هواجسهم في القضية.

لا نعمل في هذه القضايا بل نعيشها ونتنفس بها في كل لحظة من حياتنا. حتى أننا في البيت، نحلم بهذه القضايا. نفكر بها حتى ساعات  الطعام. كنت أذهب في المساء إلى البيت، وأنظر إلى الهاتف، بانتظاره حتى يرن. وبما أن الجرائم كانت تقع أيام الآحاد، لهذا لم أعد أخرج في تلك الأيام بل أمضيتها في البيت.

 والحقيقة أنه يوم الأحد الذي تلى العثور على جثة شينيل، تم الاتصال بتيري ولاديمير وكريويرد وبيكير لمشاهدة جريمة أخرى، عثر عليها بالقرب من بحيرة نوتيساسا، الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة تامبا.

وقد  عثر على الجثة شخصان من هواة البحث عن الآثار. وجدا  جثة امرأة إلى جانب الطريق، وهي محاطة بغطاء سرير ذهبي اللون، ومربوطة بسترة زرقاء اللون.

        تبين تحت الغطاء أن ساقيها قد ربطا بحبل عادي. كما ربط رسغيها بوشاح  أحمر. ثبت أنها تعرضت للضرب والاغتصاب وتلقت صدمة على جبهتها وجرت وسط النفايات. وكأن القاتل عاد إلى أسلوبه القديم.

        جرى التعرف على المرأة سريعا من خلال بصماتها وهي كارين دينزبريند البالغة من العمر ثمانية وعشرين عاما. نشأت وسط عائلة من الضواحي، تورطت في الدعارة بعد إدمان المخدرات. وقد شوهدت آخر مرة قبل ساعات قليلة من قتلها.

        لم يكن هناك حاجة لمزيد من الأدلة، فقد شاهد المحقق ستيف كريويرد الأنسجة الحمراء فوق جثة كارين. وكأنه أصبح يتمتع بحاسة سادسة للعثور عليها.

حين يعرف المرء ما يبحث عنه، يأخذ بالتوجه إليها مباشرة عند الضحية. علما أنه من الصعب على الشخص العادي أو حتى على المحققين الآخرين رؤيتها. والحقيقة أن هذه الأدلة أصبحت دليل قاطع فكلما توجهنا إلى مكان وقوع جريمة، كنا نبحث أولا، عن تلك الأنسجة.

 عملت الإف بي أي على مقارنة هذه الأنسجة في مختبراتها مع تلك التي أخذت من مواقع الجرائم الأخرى، ليتبين أن القضايا الستة على صلة بالقاتل نفسه.  دون أن يتم العثور بعد على اسم الشخص أو ملامحه، كما لم يتم اعتقال أحد.

  يصاب المرء بالإحباط حين يعرف أن شخصا آخر سيقتل لأنه لم يتمكن من القبض على الفاعل. لدينا معلومات كافية للتأكد من أنه القاتل، ولكنها لا تكفي لمعرفته حتى لو اصطدم بك وسط الحشود أثناء التسوق.

أذكر في تلك الفترة أن سبب قلقنا الرئيسي هو أننا إن لم نعثر على هذا الشخص قد يقتل امرأة أخرى يوم غد أو ما بعده. وهذا ما جرى فعلا.

 بعد أسبوعين من ذلك وفيما يعرف بالبربارة، ظهرت ضحية أخرى. أثناء حفر أحد المقاولين في الأرض عثر على جثة امرأة أخرى. دعي تيري وبيكير ولاديمير وكريويدر إلى مكان الجثة.

        أكد الفحص الطبي أن الجثة قد دفنت هناك منذ حوالي شهر. أي أنها أتلفت كليا، ما يعني أن التعرف عليها يتطلب قياسات مميزة. تحتاج المختبرات إلى جلد الأيدي للحصول على البصمات. رغم صعوبة  التعرف على الضحية، إلى أن المحققون تعرفوا على أسلوب القاتل فورا.

كانت الجثة قد أتلفت بالكامل، وقد فصلت الحيوانات البرية الرأس عن الجثة، لم يكن فوقها أي قطعة قماش أو أي ملابس. ولكن ما أن ينظر المرء إلى الجثة حتى يدرك بوضوح أنها جريمة متكررة. تكون لدينا حدس بهذا الشأن، بعد أن تكرر ما رأينها من جريمة بعد أخرى وضحية بعد أخرى. كلها تشير إلى القاتل نفسه. وقد ثبت ذلك فعلا.

 في تمام السابعة والنصف من صباح الأحد الموافق في الرابع من تشرين الثاني نوفمبر، وصل إلى مركز الشرطة في تامبا اتصال هاتفي لا يوحي  بصلته بالأمر. إذ اتصل رجل يقول أن ابنته قد خطفت واغتصبت.

        كانت ليزا ماكفي البالغة من العمر سبعة عشر عاما تغادر عملها في متجر كعك يقع بين شارعي كرستي وغرين، وذلك في تمام الثانية والنصف فجرا. هاجمها شاب وهي على الدراجة، وحملها إلى سيارته حيث ألقى بها هناك وانطلق مسرعا. أشبعها ضربا ودفعها أسف المقعد كي لا يراها أحد، وأمرها بأن تنزع جميع ملابسها.

        ثم أخذها إلى شقته موثوقة مغمضة العينين. سبق أن تعرضت للاغتصاب من قبل وقد تعلمت قراءة أفكار المغتصب. أدركت أن المقاومة ستزيد من غضبه. لهذا فعلت كل ما أمرها به. حاولت أن تتذكر كل ما تستطيع حول ما يحيط بها. كانت في البداية تسترق النظر من تحت الضماد، وما أن نزعه عن عينيها حتى رأت كل شيء بما في ذلك ملامحه، وقد تأكدت الآن أنه لن يتركها على قيد الحياة. أخذها إلى غرفته وكرر اغتصبها طوال أربعة وعشرين ساعة. أحيانا ما كان يستغرق في النوم، ولكنها تعرف أنه سيقتلها إن حاولت الفرار.

        بعد يوم كامل من الأسر طلب الرجل من ليزا أن تستحم، ثم أعطاها بعض الملابس وحضر لها طعاما. فاجأها جدا حين قال أنه سيعيدها إلى البيت.

        حوالي الثالثة فجرا توجها إلى حيها المجاور. توقف على الطريق لسحب المال من آلة مصرفية لملئ خزان الوقود. بذلت ليزا جهدا لتذكر المزيد من التفاصيل. متجر هاورد جونسون، في شارع سايمونز. وكلمة ماغنوم على واجهة سيارته. وأخيرا سيأخذها إلى بيتها.

        بعد أن سجلت دعوتها على مجهول باغتصابها جرى استجوابها من قبل إحدى ضباط الشرطة.

أريد أن أسألك عن كل ما جرى تلك الليلة بعد مغادرة العمل، وسوف أسجل أقوالك.

 فوجئ رجال الشرطة بذاكرتها التفصيلية وإصرارها الشديد على ضرورة القبض عليه.

غادرت العمل بعد منتصف الليل..

 رغم نجاة ليزا من القتل ولكن هناك تشابه كبير بين ما تعرضت له وما جرى لفتيات الأحد. الخطف والاغتصاب، والشاب العريض الكتفين ذات الشعر البني، إلى جانب الفرش الداخلي الأحمر لسيارته. أرسلت الشرطة قميص ليزا إلى مختبرات الإف بي أي.

اعتمدا على مختبرات الإف بي أي للبحث عن الأنسجة ومقارنتها. كنا نرسل كل ما له صلة بحالات الاغتصاب والاعتداء والخطف إلى مختبرات الإف بي أي لمقارنة الأنسجة.

 في هذه الأثناء وبعد أسبوع واحد من العثور على الجثة الأخيرة، جيء المحققين الأربعة لرؤية مكان جريمة أخرى، وذلك في السادس من تشرين الثاني نوفمبر من عام أربعة وثمانين، حين عثر على ضحية أخرى في نفس المكان الذي ظهرت فيه جثة الفتاة الرابعة شنيل وليام، سوى أنها ألقيت إلى الشمال ضمن بلدية كاستيل.

        اتصل محققو كاستيل بزملائهم في هيلز برو إلى باحة خالية قريبة من حديقة موبل هوم. كانت الجثة في بلدية أخرى، إلا أن العلامات الفارقة كانت مألوفة للجميع. رغم أن الجثة قد أتلفت بالكامل، إلا أن حبال الخنق كانت حول العنق بعد، إلى جانب وثاق آخر حول الرسغين. عثر إلى جانب الجثة على بعض القطع النقدية، إلى جانب قطع مجوهرات. انتشرت عظام الجثة ضمن مساحة مائة متر.

        حين جمعت العظام معا تبين أنها لفتاة بيضاء اللون، تبين لاحقا أنها لفرجينيا جونسون البالغة من العمر ثمانية عشر عاما. كانت فرجينيا تمضي الوقت بين كونكتد وفلوريدا، حيث كانت متورطة بالدعارة. وقد اختفت أثناء ذهابها لشراء السجائر قبل أسابيع ثلاث.

قد يبدو مستحيلا بعد مرور هذا الوقت، ولكن مختبرات الإف بي أي عثرت على جزيء واحد من الأنسجة الآنفة الذكر في شعر فيرجينيا.

خلال نفس الأسبوع وفي الثاني عشر من تشرين الثاني نوفمبر، وقعت بلدية أخرى ضحية القاتل. فقد تم العثور على جثة أخرى إلى جانب جادة نورث أورليان ضمن حدود مدينة تامبا. حين وصل المحققان بيكر وتيري عثرا على فتاة بيضاء البشرة وسط الأعشاب على جانب الطريق. كانت ملقاة على وجهها، عند استدارتها، أدركت الشرطة من ملامحها أنها تعرضت لضرب شديد، وأنها قاومت بعنف. وقد وجدوا آثار لحبال لفت حول عنقها ورسغيها، دون العثور على الحبال. أما البنطلون الأزرق وقميصها الوردي، فكانا بالقرب من الجثة.

يرعان ما تنبه المحقق بيكر إلى وجود شيء عالق بالبنطلون الأزرق: جزيء من النسيج الأحمر.  عثر في جيب البنطلون على رخصة قيادة الضحية، وهي كيماري سوان البالغة من العمر واحد وعشرين عاما وهي تدرس بعد الظهر وتعمل في الليل راقصة في الملاهي. شوهدت آخر مرة وهي تغادر متجر قريب من منزل والديها ظهر اليوم السابق.

يبدو أن القاتل توقف إلى جانب الطريق وقذف بالجثة من سيارته. فهناك آثار خفيفة للعجلات فوق الأعشاب إلى جانب الطريق. وهي تطابق النسخ التي أخذت سابقا.

أخذ القاتل يسرع في وتيرة القتل حتى بلغ عدد الضحايا ثمانية. تملك اليأس بتيري وبيكر. فتوجها إلى أتلانتا لمقابلة التحري الذي ساهم في حل لغز قضية وين ويليامز، وهو قاتل متسلسل يعتقد أنه مسؤول عن سبعة وعشرين جريمة.

كانت هذه مسألة تقلق الرأي العام سنة أربعة وثمانين، ماذا يمكن أن نفعل حين يرتفع عدد الضحايا على هذا النحو؟ دون أن نتمكن من التوصل إلى مشبوه محدد. ماذا يمكن أن نفعل؟ كنا نتحدث في المكتب حول هذه المشكلة حين رن جرس الهاتف، ليتبين أنه اتصال من الإف بي أي في واشنطن. تأكد من خلاله أن المختبرات هناك قد طابقت، بين الأنسجة لديها، وتلك المقدمة من قبل حالة اغتصاب.

 تبين أن تلك الحالة هي ليزا ماكفي التي خطفت وتعرضت للاغتصاب قبل أسبوع واحد. كانت الشرطة قد أرسلت ملابسها إلى مختبرات الإف بي أي، حيث تطابقت الأنسجة الحمراء التي على قميصها مع تلك التي لديهم. فكان هذا هو الاكتشاف الذي ينتظرونه.

        عاد تيري إلى تامبا مباشرة، وشكل قوة متخصصة من محققي وضباط البلدية ومكتب الشريف وشرطة فلوريدا والإف بي أي، إلى جانب مباحث تامبا التي كانت تتولى القضية أصلا. ثم وزعهم على فرق تعنى كل منها بمهمة محددة.

        وهكذا بدأت عملية صيد واسعة النطاق، انتشرت خلالها الدوريات في شمال تامبا، بحثا عن شقة القاتل وسيارته دودج ماغنوم الحمراء، وفق المعلومات التي حصلوا عليها من ليزا ماكفي.

        أخذت قوى الدعم الإضافية التي جلبت بناء على إفادة ليزا ماكفي عمليات البحث عن خاطفها.

        وبما أن الخاطف قد استعمل آلة نقد مصرفية، توجهت مجموعة من المحققين إلى عنوان الجهة التي تشرف على جميع آلات النقد المصرفية. وعمل فريق آخر على تحضير لائحة بأصحاب سيارات الدودج ماغنوم في في بلدية هيلز برو والتي تقارب الأربعمائة سيارة. ثم قورنت حسابات المصرف الآلي بلائحة أصحاب الماغنوم، بحثا عن تطابق في الأسماء.

لم نعثر في اللائحتين إلا على اسم واحد مشترك، وهو روبرت جو لونغ. وقد ثبت أنه أجرى تلك الليلة عملية سحب مالية من مصرف آلي، في ساعات الصباح الأولى، وقد تبين أنه يملك سيارة الدودج ماغنوم أيضا.

 وفي تلك الليلة أيضا تمكنت قوة دعم منتشرة في تامبا من العثور على سيارة ماغنوم حمراء في جادة نيبراسكا، تنطبق مواصفات القاتل على صاحبها. أوقف الضابط السيارة، قائلا للسائق أنه يبحث عن مشبوه بتهمة السرقة. تبين عبر الرخصة أنه روبرت جو لونغ. قاموا بتصويره وإعداد تقرير على الأرض. كان متعاون، ولكنه لم يسمح لهم بتفتيش السيارة.

اتصلوا بمركز القيادة حين  أوقفوه. فطلبنا منهم البقاء خلف السيارة ومراقبتها بعد المغادرة ومعرفة مقرها.

جمعت في تلك الفترة أعداد من الصور التي وضعت أمامها كي تنظر إليها جيدا، وبعد ثوان معدودة قالت: هذا هو الشاب الذي خطفني. وهي تشير إلى روبرت جو لونغ.

 أمسك النقيب تيري بالرجل، ولكنه ما كان ليرتكب الخطأ باعتقاله. كان يحتاج إلى بعض الوقت للحصول على إذن باعتقاله وتنظيم فريقه. ولكنه لضمان السلامة العامة، أخضع جو لونغ للمراقبة الدائمة على مدار الساعة.

        كلفات وحدات خاصة لتعقبه في جميع تحركاته. ربما لاحظ أنهم يراقبونه لأنه أخذ ينظف المنزل، وأخذ الضباط يجمعون النفايات من ورائه. حتى عندما نظف السيارة صادرت الشرطة المكنسة، أي أنها استعادت كل ما كان يعمل على التخلص منه.

        بعد أشهر من ملاحقته المستمرة ما كانت الشرطة لتدعه يفلت منها. بعد أقل من أربعة وعشرين ساعة على تحديد ليزا ماكفيل لهوية جون لونغ، تم الحصول على إذن بالقبض عليه، فتحركت قوات المهمة نحوه.

        لحقوا به إلى قاعة سينمائية. أثناء مشاهدته الفيلم كان تحت أنظار المباحث المتخفية. بدا وكأنه لا يكترث بما حوله.

أثناء جلوسه في قاعة السينما كنا نحضر في مركز العمليات لخطوات تجري بسرعة هائلة. وضعنا فريق مراقبة داخل القاعة تراقبه، وفريق آخر في الخارج يراقب السيارة، وكانت تتردد على مسامعي عبارات تقول هل هذا هو الشخص الذي تطارده منذ ثمانية أشهر؟ هل هذا هو الشخص الذي قتل تلك المجموعة من الفتيات؟ على أي حال أمرت فريقا آخر بالتوجه إلى السيارة والعمل على التأكد من نوعية العجلات التي يستعملها.

        وجاء الرد من فريق الخبراء يقول أنها جميع من نوع غود يير باستثناء عجلة غريبة واحدة يبدو أنها من نوع بيغ فول أو ما شابه ذلك. ما أن قال ذلك، حتى تأكدنا من الأمر.

حين أدركنا أن مواصفات السيارة جميعها متطابقة وأن الإطارات هي نفسها أيضا وأن سجادة السيارة ومقاعدها الداخلية تحتوي على تلك الأنسجة، لم يعد لدينا أدنى شك في أنه المشبوه المناسب.

 أصدر تيري الأمر بالقبض عليه. تبع المحققون لونغ حين غادر السينما. لم يغب عن أنظارهم لحظة واحدة. ما كانوا يعرفون إن كان مسلحا، فما أن اقترب من السيارة حتى انقضوا عليه وألقوا به أرضا. لم يبد أي مقاومة.

كان على الأرض حين توجهت إليه ووضعت شارتي إلى جانب وجهه معرفا عن هويتي كرجل قانون، قائلا أنه رهن الاعتقال.

 أخذوا السيارة إلى كراج بلدية هيلز بيرل. انتزع ستيف برويكلي قطعة من سجادة السيارة وأرسلها إلى مختبرات الإف بي أي في واشنطن.

        في هذه الأثناء قامت مجموعة من المحققين المتخصصين باستجواب روبرت جو لونغ، الذي تخلى عن حقه في الحصول على محام.

        كانوا مستعدين لاستجوابه، بعد استشارة أكاديمية العلوم لدى الإف بي أي حول سبل إجراء المقابلة.

        ركزت الخطة بداية على توجيه أسئلة حول قضية ليزا ماكفيل فقط. فاعترف لونغ على الفور.

بعد اعترافه بخطف واغتصاب ليزا ماكفيل عن الأسباب التي دفعته إلى إطلاق سراحها، فبرر ذلك كما كان متوقعا، فطرحت عليه سؤالا حول المومسات وما إذا كان قد اعتاد على التعامل معهن سواء كان ذلك في ميامي أو تامبا، فأجاب، حسنا، ربما فعل ذلك.

حين بدءوا التحدث معه حول جرائم القتل، نكر في البداية، ارتكاب أي جريمة.

 أثناء استمرار الاستجواب، تفحص مختبر الإف بي أي أنسجة السجادة الحمراء. ثم قارن هذا النموذج بما لديه. كانت تلك لحظة الحسم.

ما أن جرت المقارنة في المختبرات حتى اتصلت الإف بي أي معلنة النتيجة. تم التأكد من أن أنسجة السجادة الحمراء تتطابق مع الأنسجة التي وجدت مع مختلف الضحايا.

 أبلغ تيري المحقق بالنبأ. ليخبر هذا الأخير لونغ بالنبأ، وحدثه عن الأنسجة وأهميتها، وأخبره عن شعر لونغ البني الذي عثر عليه في مواقع الجريمة، إلى جانب أنواع العجلات، مؤكدا له أنهم حين عثروا على الجثة الثانية، أخذوا يطاردونه. كانت الأدلة أكثر من كافية.

أطرق النظر إلى سطح الطاولة وما بين قدميه قائلا نعم هذا ما فعلته. سألته ماذا فعلت؟ فأجاب نعم لقد قتلتهم جميعا أنا من قتل جميع هؤلاء الفتيات. وبعد ذلك أخذ يتحدث عن تفاصيل قتله الواحدة بعد الأخرى.

 وصف لونغ كل جريمة قتل ارتكبها ضمن اعترافاته. استمر استجوابه خمس ساعات ونصف الساعة.

لم يبد لونغ أي تعاطف أو رافة أو شفقة، بل تحدث بطريقة الحوار العادية التي تجري الآن بيننا. وفي النهاية لا أعرف كيف سألته لماذا فعل ذلك. فأجاب بأنه سيحتفظ بالسر ويأخذه إلى القبر معه.

 أثناء المقابلة، اعترف لونغ بجريمة تاسعة.

حيث عثر المحققون على الجثة وجدوا من حولها المزيد من أنسجة السجادة الحمراء. تم التعرف على الضحية عبر سجل أسنانها، وهي عاملة المطاعم فيكي ألياد البالغة من العمر واحد وعشرون عاما. ساعد لونغ على معرفة ضحيته السادسة التي اكتشفت جثتها في البربارة، وهي كيمبرلي هامس البالغة من العمر واحد وعشرين عاما والتي عرفت في الشارع بلقب شوغر، التي شوهدت آخر مرة من قبل صديقها وهي تركب سيارة كرايزلر حمراء، أو ربما دودج ماغنوم حمراء.

        في وقت متأخر من تلك الليلة عقد النقيب تيري مؤتمر صحفي. ظنت الصحافة أن الشرطة ستعلن عن العثور على جثة أخرى، ولكنها فوجئت بنبأ القبض عليه.

تم القبض على روبرت جو لونغ، وهو متهم بقتل بتسع جرائم قتل في ثلاث بلديات ضمن مدينة تامبا. وقد تم القبض عليه دون مواجهة، ليعترف بعد ذلك مباشرة بارتكاب عدد من الجرائم أمام المحققين. أي أسئلة أخرى؟ نعم..

 تبين لتيري وبيكير في الأيام التالية أنهم لم يتعقبوا لونغ بمفردهم. فوجئ تحري القوة المفروزة عن بلدية هالز بيل شارلز شوي بنتيجة التحريات، ليؤكد أن مواصفاته تنطبق بالكامل على الشاب اقتحم شقة امرأة قبل شهر واحد.

        داهم شوي شقة لونغ بحثا عن أدلة، فعثر على ألبوم مليء بصور عدد من النساء تشمل ضحايا الاغتصاب والقتل.  اعترف لونغ في السجن، وتحدث بإسهاب عن جرائمه.

        عثر المحققون على ملابس ومجوهرات تخص عدد من الضحايا. من عادة القاتل المتسلسل أن يحتفظ بذكرى من الضحية التي يقتلها.

        تبين للمباحث أن لونغ هو مغتصب الإعلانات المبوبة الذي يتصل بالنساء لشراء ما لديهن من قطع أثاث، وحين يصبح داخل المنزل يغتصبهن بوحشية. ولم يسبق أن تم القبض عليه. يمكن القول أن لونغ قد اغتصب أكثر من خمسين امرأة بين عقدي السبعينات والثمانينات، كما أنه قتل عددا منهن.

        بعد أن أصبح لونغ في السجن، أخذ المحققون يتمعنون في دروس تجربته،

تبين هذه التجربة أهمية الأدلة، كما تؤكد على أهمية التعاون مع المختبرات وما يمكن أن تفعله في هذا المجال، هذا إلى جانب الوقت الذي تمضيه في أماكن الجريمة، لا يمكن أن نكون على عجل في رؤية ما يجري بل أن نتمهل ونمضي الوقت اللازم هناك، فكثيرا ما تكون الإجابة واضحة أمامك، وأحيانا ما تكون التفاصيل الصغيرة مفتاحا يكشف عن لغز القضية بمجملها.

 مع استعداد المحققين للتمتع بعطلة بداية الربيع، اعتقدوا أنهم تخطوا أخيرا تجربة أعمال القتل الوحشية التي دامت عدة أشهر. جمعوا صناديق الأدلة على أمل التمتع بنهاية أسبوع هادئة. ولكن يبدو أن ذلك أشبه بالمستحيل.

        خلال عطلة الربيع، عثر شابان أثناء النزهة على جمجمة، وعظام وبعض الملابس، إلى جانب ثلاث قطع من الحبال المربوطة بالطريقة المعهودة.

لا شك أنه كان يتمتع بما يسببه من ألم أثناء التعذيب، والسلطة التي يمارسها على ضحيته. يمكن ملاحظة ذلك عبر جرائمه الأولى، حيث ظهرت الحبال مربوطة حول الأعناق، وقد كان يشدها حتى تفقد الوعي، ثم ينتظر حتى تستيقظ الضحية، كي يعاود جلدها وضربها وتعذيبها. كانت هذه وسيلة لمتاع السيد لونغ. أما القتل، فهو سبيل للتخلص من الشهود. كان يفعل ذلك دون أي مشاعر، أو أي مشكلة تذكر.

 حين قارن طبيب الأسنان بقايا الجثة بتقرير عن اختفاء إحدى الفتيات، اعترف لونغ بوضوح، أن الضحية هي أرتيزان ويك، فتاة في الثامنة عشر من عمرها اختفت من شمال شرقي تامبا وهي على وشك الزواج يوم الثامن والعشرين من آذار مارس. اختفت منذ ثمانية أشهر. المفارقة هي أن أنها كانت ضحيته الأولى، ولكنها آخر من تم العثور على جثتها. وصل عدد الضحايا إلى عشرة. ولكن تيري يعتقد أن هناك المزيد.

أنا متأكد من أنه قتل المزيد من الأشخاص، فهل سنعثر على جثثهم. لست متأكدا من ذلك.

 لم يتلق جو لونغ حكما بتهم اغتصاب الاعلانات، وذلك لمرور الزمن على ارتكاب تلك الجرائم حين تم القبض عليه. وقد حكم عليه ستة مرات بالسجن مدى الحياة وستمائة ثلاثة وتسعين عاما، لاعتدائه على النساء عامي أربعة وخمسة وثمانين. أما في بلدية هيلز برو فقد تلقى لونغ ثلاثة وثلاثين حكما بالسجن مدى الحياة، كما حكم عليه بالاعدام لقتل فيرجينا جونسون وميشيل سيمنز. بعد صدور الأحكام غادر لونغ مقر المحكمة دون اكتراث.

يمكن القول أنه، آلة قتل. أصبح بارعا فيما يفعله، أحرز مهارة عالية، وإذا أطلق سراحه مرة أخرى عليك أن تتبع خطاه لتكشف عن مزيد من جثث ضحاياه التالية. لأنه سيقتل من جديد، إنها متعته.

ما زال لونغ في السجن ينتظر دوره في الاعدام، دون تحديد موعد لتنفيذ الأحكام.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster