اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 قبل كولومبوس
 

من قبائل الماندان

 نشأنا منذ الصغر على قصة الأمير مادوك الذي عاش في القرن الثاني عشر حيث غادر ويلز مع ثلاثمائة من رجاله وحطت به الرحال في أمريكا، كما يعتقد، ليتحول إلى جزء من شعب ماندان، لهذا جئنا نحقق في هذه الرواية.

قد تبدو قصة انتماء إحدى العشائر الهندية في أمريكا لأمير من القرون الوسطى في ويلز، غير منطقية، على اعتبار أن الجميع يرى في كولومبوس، مكتشفا لأمريكا.

لا يعتبر طوني وكات وليام من سوانسيا أول فريق يدرس الماندانس في شمال داكوتا، بحثا عن أثر للأمير مادوك. عام ألف وسبعمائة واثنين وتسعين، بعثت منظمة إرسالية من ويلز، بجون إيفانس للعثور على الهنود الويلز. بعد أربع سنوات وصل إلى حيث الماندانس وأقام بينهم بضعة أشهر أكد بعدها أنه لا يوجد هنود ويلز.

مع ذلك يعتقد طوني وكاث، أن القصة ربما كانت حقيقية. وهما يبحثان عن أثر للويلز في الحكايات الهندية.

سكنت قبائل الماندان في بيوت من تراب أقيمت على ضفاف نهر ميسوري، وكانت تعمل في الزراعة والتجارة. رأى المستكشفون البيض أن هذه العشائر كانت أكثر تحضرا من غيرها، حيث كانت تعتمد على صيد الثيران، كغيرهم من هنود السهول. وقد سجل تاريخهم على أغطية صنعت من الجلود.

أنجز هذا التصميم للزعيم فور بيرز عام ألف وثمانمائة وعشرون، وهو صديق مقرب للفنان جورج كاتلين، الذي كان على قناعة بوجود صلة بين الويلز وهذه القبائل. لقد كانوا يستخدمون زورقا شبيها بتلك المستعملة في ويلز، كما وضع كاتلن لائحة بالكلمات التي اعتبرها متشابهة بين لغتي الويلز والماندان.

هناك أساطير لدى الويلز تتحدث عن الأمير مادوك الذي غادر بصحبة ثلاثمائة من رجاله متوجها إلى أمريكا حيث نزل في خليج المكسيك، ليتحول في وقت لاحق من التاريخ إلى جزء من عشائر ماندان.

سمعت قصة مشابهة عن أن قبائل ماندان وهيداتساس كانت عشيرة واحدة انفصلت، فتوجه بعض منها إلى أسفل ثم عاد. ولكن الفترة التي تفصل بين الرحيل والعودة قاربت الخمسمائة عام. ولكنهم كانوا يتذكرون بعضهم البعض عبر الحكايات وما شابه ذلك، لقد سمعت بأشياء شبيهة، ولكن من الأفضل التحدث للكبار في السن للحصول على القصة الكاملة.

ربما كانت هذه الرحلة الطويلة ذات معان هامة، ذلك أن الهنود لا يسكنون بعيدا عن الشواطئ، وما كان لأوروبي من القرون الوسطى أن يصل إلى نورث داكوتا. علما أن هناك بعض الآثار التي تؤكد وجود الرجل الأبيض في أمريكا قبل وصول كولومبوس إليها بمئات السنين. نجد هذه الإثباتات إلى الشرق من شمال نيوفونلاند، عند أنز أو ميدو.

هذه أول موقع نروجي، أو اسكندنافي جرى اكتشافه في أمريكا الشمالية، وقد جرى بناؤه على يد النرويجي هيلغا إينستاد عام ألف وتسعمائة وستون. كان الناس في تلك الفترة يبحثون عن مواقع اسكندنافية على الشواطئ الشرقية لشمال أمريكا منذ ما يزيد عن مائة وخمسين عاما.

ولكن المحاولات كانت تؤدي إلى ما هو غير اسكندنافي، ما يصيب بنوع من الإحباط، ولكن حفريات جرت لعدة سنوات لاحقة أثبتت فعلا أنها مواقع اسكندنافية.

ليف إريكسون، هو ابن الزعيم الأكبر لغرين لاند الذي استقر هناك عام تسعمائة وست وثمانين، لاستكشاف ما يعرف اليوم بشواطئ أمريكا الشمالية، فقرر إقامة مخيم رئيسية هناك،  استطلع إريكسون ما هو أبعد من ذلك لكثرة الثروات التي قد تكون ذا قيمة عالية لغرين لاند، وقد وردت هذه المواصفات في كتابات أيسلندية يعود تاريخها إلى العصور الوسطى. إنه المخيم الرئيسي، الذي أقامه ليف إريكسون وحافظ عليه طوال عدة سنوات. ليشكل قاعدة انطلاق لرحلات أخرى.

تعلم بحارة النرويج أصول الملاحة مع خط العرض، وهكذا اكتشفوا ايسلندا عام ثمانمائة وسبعون، وغرين لاند بعد مائة عام تقريبا. من هناك يبقى مائتي ميل فقط عبر مضيق دافيس للوصول إلى جزيرة بافين، التي يسمونها هيليلاند، أو أرض البلاط. ثم تابعوا التوجه جنوبا مع الشواطئ نحو لابرادور، وماركلاند، أرض الغابات. واستمروا جنوبا نحو ما أسموه بفينلاند. أي أرض الدوالي، علما أنه لا يوجد هنا مزارع للعنب. بل هناك ثلاث مجمعات على الشواطئ الباردة المفتوحة.

لكل مجمع ميزته الفنية المحددة ولمختلفة، حيث يعتمد هناك على أشغال الحديد، أما هنا في هذه القاعة فلدينا النجارة. تشتمل هذه القاعة على ثلاث غرف، منها غرفة كبرية للنوم، وأخرى للتخزين، تعتبر كبيرة بالنسبة لذلك العصر، هنا، وبعدها ورشة النجارة،

حيث كانوا يعملون على إصلاح القوارب بين أمور أخرى إلى جانب التخلص من بعض النفايات وبقايا الأخشاب على اختلافها في ذلك المستنقع الذي كان يحتوي على المياه في ذلك الحين، بحيث وجدنا الأخشاب بحالة جيدة، عندما حفرنا هنا، وهكذا علمنا بما جرى هنا.

كان التجمع قادرا على استيعاب ما يتراوح بين خمسة وستين وتسعين شخصا ما يشكل عددا كبيرة. كانت قوة عمل تخرج للقيام بأعمال استكشافية محددة وجمع الثروات والأشياء الثمينة.

من محاسن الصدف أن تكون هذه المباني ذو طابع نعرفه في إيسلندا وغرين لاند.

يؤكد علماء الآثار أن ما جرى اكتشافه ليس مستوطنة، بل مخيما رئيسيا لاستكشاف مناطق في عمق أمريكا الشمالية. يؤدي هذا المدخل إلى فينلاند، التي تمتد نحو الجنوب. ربما كانت حبة الجوز هذه أهم الاكتشافات، لا بد أنها وصل إلى هنا على أيدي بحارة النرويج الذين وصلوا إلى هنا واستكشفوا في أمريكا مناطق أكثر من نيوفونلاند.

أبحر الرحالة الذين حملوا حبة الجوز هذه إلى ما هو أبعد حيث المناخ أكثر دفئا، وحيث ينمو الجوز والعنب البري. ولم يعثر على  المستوطنات نحو الجنوب.

هذه بداية تاريخ ضائع، زار فيه الأوروبيون أمريكا، عبر رحلات كتبت مذكراتها على صفحات الأمواج فقط.

وهكذا أصبح كل شيء جاهز بعد صدور الأوامر، وعصفت الرياح بنا بعد أن غادرنا اليابسة،

غادرنا كاب باين على متن سفينتنا،

وخضنا بها عميقا في زرقة البحر.

يعتقد الناس أنه بعد مجيء ليف إريكسون ورفاقه إلى فينلاند ورحيله عنها، لم يسمع أحد شيئا عن العالم الجديد، علما أن لدى علماء الآثار إثباتات تؤكد بأن بحارة النرويج كانوا يقومون برحلات متقطعة إلى القارة الجديدة، على مدار ثلاثمائة عام تلت على الأقل.

عثر في غالبية قرى الإنويت التي احتلت خلال القرنين الثاني والثالث عشر، أي بين عامي ألف ومائة وألف وثلاثمائة، وخصوصا تلك التي حفرنا فيها، عثر هناك على قطع من المعادن، وصفائح نحاسية كهذه، فيها بعض الثقوب كالتي في الحلي، وهذه مادة نشأت في أوروبا وجاءت عبر المستعمرات النرويجية.

وهناك قطعة، هي السبب في لفت انتباهي إلى هذا الموضوع برمته، قبل خمس وعشرين عاما عندما عثرت عليها. إنها قطعة من صحن برونزي، قد تكون جزءا من سلطانية أكبر مستديرة ومسطحة القاع، عثر عليها في منزل للإنويت بين عامي ألف ومائتين وألف وثلاثمائة. توقعت أن يكون للنرويج، ثم تبين لي أنهم لم يصنعوا البرونز حينها، بل كانوا يستوردونه من آسيا. أي أنه ربما صب أولا في مكان من من آسيا الوسطى، ليصل إلى اسكندنافيا عبر التجار الروس، ليعبر الأطلسي بعدها إلى مستعمرات غرينلاند، ليعبر بطريقة ما القطب الكندي نحو الطرق التجارية لعشائر الإنويت. أي أنه عبر نصف الكرة الأرضية كي يصل إلى مقره النهائي.

أول وثيقة تتحدث عن إبحار الأمير مادوك من الغرب هي قصة كتبها وليام فلاندير عام ألف ومائتان وخمسين، أي بعد ثمانين عاما من تاريخ مغادرته الافتراضي. في القرن السادس عشر، عندما تحدت الملكة إليزابيث المطالبة الإسبانية بالقارة الجديدة، قيل بأن مادوك استقر في أمريكا قبل ثلاثمائة عام من وصول كلومبوس.

تعامل بعض الويلز مع الفكرة بحماس، وفي القرن التاسع عشر اعتبر الماندان جزئيا من الويلز.

على المؤرخ أن يتصرف بحرص ويتساءل دائما عن الإثباتات. وردت عبر مئات السنين  بعض الإثباتات التي تفترض وجود قبائل من الهنود الذي يتحدثون لغة الويلز أو شيئا من هذا القبيل، ولكن على مؤرخ القرن العشرين أن ينظر بحذر إلى ما ورد على لسان المراقبين من القرنين الثامن والتاسع عشر الذي اكتشفوا فجأة وجود قبائل من الهنود يتحدثون لغة الويلز.

ولكن الحذر لم ينقص لحظة واحدة، ومن الصعب جدا أن نرى في مهرجانات باو واو مندان السنوية، مجرد نسخة قريبة من احتفالات إيستفود.

توحي أساطير ماندان القديمة إلى شسء من الغرابة في تاريخهم. ولكن السؤال هنا هو متى وأين بدأت هذه الحكايات؟

إنها حكاية سفينة، قديمة جدا، لها صلة بعشائر الماندان منذ زمن بعيد، وهذه القصة قديمة جدا. صنعت تلك السفينة من ألواح ثقيلة، كانت سفينة كبيرة جدا صنعت من الخشب. وضعت في الماضي أسماء عند مقدمة السفن لا أعرفها، أما تلك السفينة  فقد نحت على مقدمتها رأس ذئب، وكأنه رأس ذئب حقيقي. جاءت تلك لسفينة إلى شعبنا، من مكان ما، وحين نزل البحارة منها، قالوا بأن السفينة يمكن أن تنتظر حتى ينزل الجميع منها، ثم خرج أحد الركاب وأمر السفينة بالقول: يمكن أن تذهبين الآن، لتعودين فيما بعد. وهكذا استدار المركب بكامله، ثم عاد من حيث أتى. وجرى فيما بعد أن عادت السفينة مرة أخرى بمزيد من الركاب. وقد صعد أبناء السكان على متن السفينة في بعض الأحيان ورحلوا بعيدا، عبر نهر ميسوري الكبير الذي أبحرت فيه تلك السفينة الهائلة. وقد قيل أن ليس لتلك السفينة أي نوع من المحركات، ولا شيء لتحريكها باستثناء الصوت، الذي يأتي من أحد أبناء الماندان. جئتم اليوم إلى هنا، خلف أسطورة، تبحثون عن أناس جاءوا من بلادكم، إن كان ما أقوله صحيحا، ربما كانت تلك السفينة هي ما يربطنا بمن تبحثون عنهم.

عرف جدي الأكبر، من طرف والدتي باسم بير غوست ولم يكن له اسم أمريكي آخر، بل كان يعرف فقط باسم بير غوست، وقد علمت منه ومما بلغني من أمي، بأن طوله كان سبعة أقدام، وكان لون بشرته فاتحا كلون شعره وعيناه، كانت هذه ملامحه، حسبما كانت تصفه في أمي. لم أره يوما بالطبع، بل هي مواصفاته التي سمعت عنها.

عرف الماندان في الماضي،، بطولهم إذا؟

بطولهم، فعلا. قامات غالبيتهم طويلة.

منذ اللقاءات الأولى مع الأوروبيين، وصف أبناء ماندان بأنهم أكثر طولا وأفتح لونا من باقي الهنود.

كانت قبائل الماندان يوما عشائر كبيرة تسكن على ضفاف نهر ميسوري. وقد ضمت أراضيهم التقليدية إلى المحميات في الخمسينات، بعد أن تعرضوا للمذابح في القرن التاسع عشر، حيث مات عائلات كثيرة متأثرة بالجدري، فتزاوج الباقون على قيد الحياة مع القبائل المجاورة، ومن بينها هيداتسا وأريكارا. ولم يبقى إلا أشلاء من الذاكرة التي تتحدث عن لقاء أجنبي طويل القامة بدأ تاريخهم معه.

هل تعتبر قصة طويل القامة فريدة لدى شعب ماندان؟

لا أعرف أين بدأت قصة طويل القامة، فهي جزء من التاريخ الذي تناقل شفهيا ومن ابداعنا الأدبي، الذي يتحدث عن البداية مع الرجل الطويل كما يقال بلغتنا: إتسي كواي تي، تقول الأسطورة أن البداية امتزجت مع الرجل الطويل في قيام عالمنا أولا، فولد أولا ما يعرف بالمواشي المتعددة الألوان في حضارة هيداسا.

تقول  الأسطورة أن مواشي طويل القامة ماتت بسرعة، على خلاف الثور الأمريكي، ذلك أنها لم تتمكن من العيش في العراء.

تأتي غرابة القصة من أنها يفترض أن تعود إلى بدايات عصر الماندان، حيث لم يعش في أمريكا إلا الثيران، أما متعددة الألوان فكانت في أوروبا.

تقول الحكايات النرويجية، أنه جرى أخذ بعض المواشي إلى فينلاند، إلا أن الماندان يسكنون بعيدا من هناك.

هل سكن الماندان والهادساس معا باستمرار هنا؟؟

بين الحين والآخر على اعتبار أن تاريخنا يتحدث عن هجرة كبيرة انتهت بنا في خليج المكسيك توجهنا بعدها شرقا عبر الشواطئ إلى نوفا سكوشيا، ثم عبرنا بعدها ما يعرف اليوم بكندا، ثم نزلنا بعدها إلى ميسوري الصغير ومنه إلى النهر الكبير. عرفت تلك بالهجرة الكبرى.

عرف عن الماندان تقاليدهم في التحرك ضمن هذه المنطقة، ومنها ما تمدد عبر نهر ميسوري حتى هذا المكان، كل هذا مؤكد عبر الآثار الباقية. لهذا لا أرى أي تناقض بين ما تؤكده العينات الأثرية وما تتناقله هذه الشعوب من تاريخ شفهي.

لا يوجد إثبات على مرور مادوك من داكوتا، ولكنه ربما التقى بالماندان في مكان آخر. إلى متى يعود تاريخ طويل القامة؟ هناك مؤشر توحي به هذه اللوحة التي رسمها وايت رابت وهو من الزعماء الروحيين للماندان عام ألف وتسعمائة وسبعة. ولم يسبق للوحة أن نشرت من قبل.

إنها تبرز صور من سبقه من زعماء هو آخرهم. وهي تعود إلى ثلاثة وثلاثين جيلا حتى أول الزعماء الروحيين في عصر طويل القامة. لا يمكن أن نحدد تماما ما يعنيه ذلك من سنوات، ولكن إذا عدنا عبر ثلاثة وثلاثين جيلا من سادة بريطانيا منذ عام ألف وتسعمائة وسبعة، نرى بأن أول الزعماء الروحيين يتوافق مع عصر هنري الثاني، الذي حكم إنجلترا مع وصول مادوك إلى أمريكا.

يبدو أن هذا الافتراض يتوافق جدا مع المعالم الأثرية.

تعود أول شعوب يمكن أن نؤكد بارتياح أنها كانت سلفا لقبائل الناندان إلى عام ألف ومائتين، لا شك أن لهم أسلافا سبقوا ولكن تلك الحقبة سجلت بداية لحضارة المادية والحياة التاريخية لهذه القبائل.

يتعرف علماء الآثار بسهولة على حضارة ماندان لأنها بنيت حول ساحة رئيسية، كانت تستخدم لشعائر تخصهم دون غيرهم، لأنها تمثل الاحتفال بعودة طويل القامة.

تقوم هذه المراسيم بلملمة أصول، قبائل الماندان، عبر احتفال فخر واعتزاز بالانتماء إلى حضارة الماندان.

يتمثل ذلك بسفينة من الأعمدة الخشبية يتوسطها جذع أحمر يلعب دور طويل القامة. يعتبر الزعيم الروحي حارسا لهذا الهيكل الذي يحتوي على درع سلحفاة. أما آخر حراس هذا الهيكل فينتمي اليوم إلى الديانة المسيحية، رغم أنه يعتبر زعيما روحيا يعنى بالذاكرة القديمة.

ربما سمعت وقرأت أيضا بعض المشاهد من الكتب السماوية التي تتحدث عن سفينة نوح. هذا ما يمثله الهيكل بالنسبة لحضارة الماندان. كان طويل القامة يحيط نقطة الوسط بأعمدة تغطيها الجلود التي كانت تؤخذ كما يقال من الثور الأمريكي البوفالو، أو كما يسمونها، ثين كوش أوروبريا. أما الماء، فبما أنه يغمر العالم، فقد كان يغطي الهيكل الخشبي ربما إلى أكثر من نصفه، دون أن تغمره تماما، وهكذا ساد اعتقاد عميق به، لهذا بقيت حضارته على قيد الحياة، مع حضارات أخرى.

إنها مصادفة هائلة، فكيف لأمتين تفصل بينهما بحار كالمحيط الأطلسي، أن تجمعان على أسطورة واحدة؟ كحكاية طويل القامة وقصة الحضارة والماشية المتعددة الألوان مقابل الثور الأمريكي الذي جاء به الأجداد الأولون، وإذا تعمقت أكثر تجد أن لدى الماندان سفينة يضعون فيها زوج من جميع الحيوانات لديهم، تحاط بأعمدة تمنع عنها فيض المياه، ثم بعث إلينا بمناد وعاد بعد ذلك ببعض النفايات وصرخ يقول: سوف نبقى على قيد الحياة. كل هذا يؤكد وجود صلة بين الحضارة الأوروبية والماندان بطريقة أو بأخرى.

ولكن المصادفات واردة أيضا، خصوصا وأن لدى الفايكينغ أساطير عن بطل يرسل الطيور ليتأك مما إذا كانت اليابسة قريبة من هناك. هذه الصلة بالفايكينغ ما زالت قائمة.

نعلم بأن السفن النرويجية استمرت بالذهاب إلى أمريكا طوال العصور الوسطى، لا يوجد أي أساطير أو خرافات حول هؤلاء الرحالة، بل مجموعة من الإثباتات القديمة.

هناك سجل يعود إلى بدايات القرن الثاني عشر، كتبه الأب إريك الذي رحل إما لزيارة فينلاند أو للبحث عنها، إذ كان لمهمته أن تعني الأمرين، وهو يشير إلى أن فينلاند كانت مفهوم معروف جدا بعد مائة عام من اكتشافها.

الدليل الوحيد الذي لدينا من آثار أمريكا الشمالية عن معرفة الناس ولقائهم بالأوروبيين، إلى جانب المواد التي انتقلت عبر الطرق التجارية، هو خشبة منحوتة عثر عليها في قرية للإنويت ضمن جزيرة بافين، في الشرق القطبي، جرى احتلالها بين عامي ألف ومائتين وألف وثلاثمائة، نحتت تلك الخشبة على طريقة الإنويت في ذلك العصر، وهي تبرز ملامح مسطحة جدا وأذرع قصيرة. ولكنها بدل أن تبرز ملامح إنسان عادي، تبرز شخصا يرتدي ملابس طويلة قد تصل حتى الأرض، بحاشية عن أسفلها، وتقاطع خطين في صدره. هذه المنحوتة التي عثر عليها في جزيرة بافن، تعود إلى فترة بين عامي ألف ومائتين وألف وثلاثمائة، ترمز بلا شك إلى شخص يرتدي الملابس الأوروبية، وهي دليل قاطع على  أن البضائع الأوروبية كانت تصل إلى أمريكا الشمالية، كما أن الفنان المحلي  شاهد الزائر الأوروبي. لهذا من المحتمل أن يكون النرويجيون قد وصلوا إلى مكان ما في جزيرة بافين خلال تلك الفترة وأن أحدا نحته على هذه الصورة.

كانت ملابسه ثمينة، ولم تكن ثياب القتال. وذلك التقاطع يوحي بارتباطه المباشر بالكنيسة. أما من هو وما إذا كان بمفرده، وما يفعل هناك؟ مسائل غامضة، ولا يمكن العثور على جميع الأدلة بالآثار. عثر على هذه القطع النقدية على مسافة خمسمائة ميل إلى الشمال من نيويورك. ولكن اكتشافات أقل تأكيدا عثر عليها باتجاه الغرب.

عام ألف وثمانمائة وتسع وثمانين، قال أولاف أوهمان، أنه عثر في هذه المزرعة في مينيسوتا، أثناء إقتلاع إحدى الأشجار، على هذه الصخرة بين جذورها.

تتحدث الكتبات التي حفرت عليها عن ثمانية قوطيين واثنين وعشرين نرويجيا خرجوا في رحلة استكشافية من فينلاند، فقتل عشرة منهم. كتب هنا لتحمينا السماء من الشر. أما على الجانب الآخر فورد أن عشرة رجال أبحروا لأربعة عشرة يوما من هذه الجزيرة عام ألف وثلاثمائة واثنين وستون.

قبل التأكد فعلا من وجود آثار نرويجية في نيوفونلاند، فضل المؤرخون اعتبار أي أدلة أوروبية في أمريكا قبل كولومبوس، مزيفة.

بعد أن تأكد عبور النرويج للأطلسي، أصبحت الصخرة الأثرية تجد بعض المدافعين عنها، إلا أنهم يواجهون كفاحا مريرا.

نشأ ادعاء التزييف حول عدة مواضيع، كان من أبرزها قضية خريطة فينلاند الشهيرة، التي يبدو أنها رسمت لدى استشارية باسل عام ألف وأربعمائة وأربعين، حيث تبرز تلك المنطقة وفق ما نعتبره اليوم شرقي كندا. تؤكد التحاليل التي أجريت على المواد والحبر بأنها قد تكون حقيقية، ولكن ما صنعه الحبر يثير الشك لدى البعض، علما أن أشد المعرضين يعترف بأن ما يرد على الخريطة من أراض كان معروفا في أوروبا القرون الوسطى.

أعتقد بأن صخرة كينغستون الأثرية مزيفة، كما أرى بأن خريطة فينلاند ليست أصلية، ولدي ما يكفي من الأسباب لهذا الاعتقاد ولكن من المؤسف جدا أن يركز الناس على أشياء كهذه رغم وجود عدة عناصر تؤكد على مدار العصور الوسطى، حركة الملاحة بين الشواطئ التي نسميها غرين لاند وأمريكا الشمالية. لدينا وثيقة تثبت بأن النرويجيون استمروا بأسفارهم إلى أمريكا الشمالية بعد سنوات طويلة مما يعرف برحلة فينلاند. هناك سجلات تاريخية تعود لعام ألف وثلاثمائة وسبع وثلاثين تؤكد وصول سفينة أبحرت إلى ماركلاند وهي مناطق غابات في أمريكا الشمالية، ولكنها جاءت إلى إسلندا بعد أن فقدت المرساة.

أنجبت غودريد زوجة ثورفين كارلسفين، طفلا كان أول من يولد لأبوين أوربيين في أمريكا الشمالية، فأسموه سنوري وهو اسم جميل اختاره الكثير من الآباء لاحقا في المناطق النرويجية من أمريكا ، المهم هو أن غودريد عادت لاحقا إلى إيسلندا ثم توجهت بعدها إلى روما، بعد أن أنجبت أول طفل أوروبي في فينلاند الأمريكية الشمالية يؤكد حقيقة مفادها أن الناس يكثرون جدا من الأسفار في تلك الفترة التي لم تكن قد اخترعت فيها الطائرات النفاثة وغيرها، وكانت الاتصالات بين الناس تتم عبر الكلمات الشغهية والرسائل المكتوبة بخط اليد وغيرها.

أول أنباء أوروبية وردت عن شعوب أمريكا الشمالية لم تكتب على أيدي النرويجيون، بل كتبها عالم عربي شهير جدا في الجغرافيا كان يعمل في صقلية عام ألف ومائة وخمسين، وهو الإدريسي،  الذي كتب يتحدث عن مواصفات شعوب أمريكا الشمالية في ذلك العام كما كانت شعوب الأبيض المتوسط تعرفها.

من المحتمل أن تنقل المعلومات حينها عبر طرق النورمان التجارية إلى صقلية التي يحتلها النورمان يومها، لهذا من المحتمل أن تكون المعلومات المتعلقة بالمستعمرات النرويجية قد انتقلت إلى أوروبا عبر طرق  النورمان، ومنها عبر طرق الكنيسة، لهذا من المحتمل أن تكون هذه المعلومات قد وصلت إلى استشارية باسل حيث رسمت تلك الخريطة التي ربما كانت تعتمد على المعلومات الجغرافية التي يتم تداولها في المراكز الجغرافية في العالم.

إلا أن ويلز لم تكن من المراكز الجغرافية. إلا أن قبائل الماندان أخذت قصة مادوك على محمل الجد فأرسلت وفدها الخاص إلى ويلز.

بدأ الوفد بالتعرف على القوارب التي صنعت من كتان يحيط بإطار من الأغصان، كان الماندان يستعملونه للتنقل عبر النهر، وقد صنع من خشب الصفصاف المحاط بجلود الثيران. جلس هاري في قارب للمقارنة بينها.

ألقيت نظرة على القوارب وعلى بقايا أي شيء  أراه هنا يمكن أن أجد صلة وصل بينه وبين الماندان، كي  أبلغ شعبي هناك بكل ما أراه هنا.

أنت إذا من المناطق الحدودية بين أمريكا وكندا؟

إلى حد ما، فنحن نسكن على مسافة مائة ميل من الحدود مع كندا، عند ضفاف نهر ميسوري، الذي فاض اليوم وتحول إلى بحيرة، مع أنه كان يوما ما مجرد نهر عادي، مضت حياتنا على ضفافه، قبل أن يبنوا سدا عليه ليتحول إلى بحيرة.

بحيرة من صنع الإنسان أليست كذلك؟

فعلا.

حسنا هذا ما يتكرر باستمرار.

هذه بالنسبة لي حياة نعيم، سافرت كثيرا في حياتي، ولكن للتقدم في السن حقه علينا.. الحيوانات التي في هذا النهر كما نعرف تسكن هنا، فهذه بيئتها. ونحن اليوم نقلل مصادر عيشها، لأنها تعيش على الأسماك.

وما هي الصلة بين رجل هذا القارب والحيوانات؟

هناك علاقة كبيرة على اعتبار أن القارب الذي نستخدمه اليوم هو نفس الإطار الذي أستخدم منذ سنوات طويلة. إلا أنه في تلك الفترة كان مغطى بالجلود.

إينيس مون هي مركز حكم والد الأمير مادوك، في جزيرة إينجلسي، حيث حرصت الإدارة المحلية على أن تعرض لهاري ما لديها من تاريخ الويلز.

ألا ترى بأن الرياح والأمطار لا تنتهي؟ ألا ترى سقوط السنديان؟ ألا ترى كيف أضاعت الشمس وجهتها؟ ألا ترى أن النجوم تتساقط؟

هذا التصميم جزء من حضارة ماندان، فهو يمثل الأشياء التي نعتبرها مركزا، والأشياء التي تتوسطنا جميعا، وتتوسط الطبيعة، كل شيء يعود إلى حيث أتى وكل شيء يأتي من نقطة محددة فيه.

لدينا في هذا الجانب نقطة مركزية تمثل هيكل طويل القامة. وهو نموذج عن مرحلة تعرضنا بها لعذابات قاسية ساعدنا طويل القامة خلالها على تخطي تلك المحنة، ما له صلة مباشرة بقصى مادوك.

يشرفني جدا هاري أن ألتقي بك هنا، عمل خمسة عشر عاما في البحرية، بل عمل تحديدا في جهاز الشرطة البحرية. أثناء الحوار، تعرفنا على كلمتين، في لغتي الويلز والماندان، وهما تعنيان الشيء ذاته.

وهما كلمة نانت التي تعني جدول، وبين، التي تعني رأس. وهما تعنيان الأشياء نفسها باللغتين، هذا ما أبلغني به هاري الليلة، وهناك كلمات أخرى، في لغة الماندان شبيهة بكلمات من لغتنا، لا بد أن يطلع الباحثون عليها.

أقرب ما لدينا من منزل مادوك، هو هذا المبنى أو ما تبقى من ليس روسير، أي قصر روسير، الذي هجر عندما استعمرت إنجلترا الويلز، وضاع تحت الرمال. تقول الأساطير، أن مادوك هو ابن الحاكم أويناب أوينيد.

بعد موت أويند تقاتل أبناءه مع بعضهم البعض. تحولت هذه التلة التي تعتمد اليوم كنقطة علام للمساحة، إلى قلعة لأحدهم. لا يوجد سجلات عن الأمير مادوك، علما أنه كان لدى الحاكم الميت مستخدما اسمه مادوك، ربما كان ابنا غير شرعي، وجد ما يكفي من الأسباب للرحيل بعيدا عن الأنظار.

جرى اكتشاف هذا القصر منذ فترة قصيرة، ما كان أحد يعرف ما فيه، ولكن ما عثروا عليه كان مفاجئا.

ما تراه اليوم هو شيء لم يره أحد طوال عدة قرون، فنحن الآن أمام جزء من تاريخ الويلز.

هذا الجزء من تاريخ ويلز يذكر ديفيد بشعب آخر يختلف بالكامل.

عام أربعة وثمانين حفرت في مكان يقع على الشواطئ الشمالية لأنغليزي، عند رأس جبلي، محصن جدا، فيه بيت بهذه المقاييس والأبعاد، ما يوحي أنه نرويجي. فقد تكون التحصينات التي تحيط في ذلك المنزل نقطة يحط فيها الفايكينغ، بالقرن الثاني عشر، خلال فترة من نزاعات كنا نتحدث عنها. بعد أن رأينا بنية هذا البيت يمكن أن نؤكد التشابه بينهما.

غروفيداب كينون وأبنائه وأحفاده، الواردة أسمائهم في هذه القصة، هم جزئيا من الفايكنغ.

كان للفايكنغ تأثيرا قويا في سياسية اليلز خلال هذه الفترة، وفي التنازع على السلطة بعد موت أوين، حين بدأ القتال بين الأخوين رودري ودافيد للسيطرة على الحكم، كانا يطلبان المرتزقة الفايكينغ أحيانا لمساعدتهما في تلك المعارك. في إحدى المناسبات مع نهاية القرن الثاني عشر،  كثرت حملات الفايكينغ القادمة من دبلن عبر إنغلسي،  التي كانت تعرف حينها بلقب هارفي غوثيل،  أي صيف الفايكينغ،  ما يعني مجيء الكثير من الايرلنديين إلى هنا.

رغم الغموض الذي يكتنف شخصية الأمير مادوك، قد نجد هنا عنصرا آخر لتفسيرات الآثار، وهو تكنولوجيا سفن الفايكينغ. من الواضح أن الويلز لم يكونوا على خبرة ببناء السفن، ولا أرى الكثير المراجع التي تتحدث عن أي دراية محلية في بناء السفن حينها، وأعتقد أن الفايكينغ كانوا يملكون مفاتيح هذه التكنولوجيا. يسمح كل ما سبق لأحد أبناء أوين وجميع أتباعه، ومن بينهم ربما الأمير مادوك، بالتعرف على إمكانية الملاحة إلى اسلندا ومنها إلى غرينلاند، ومن هناك إلى القارة الجديدة. فهل تتحدث أي من أساطير شعبكم عن مواصفات سفينة تشبه تلك التي كان يستخدمها الفايكنغ؟

هناك أسطورة تتحدث عن سفينة بهذه المواصفات، علما أن الماندان يعتمدون على قوارب شبيهة بما تستخدمونه هنا، أما السفينة التي تصفها تلك الأسطورة فهي أكبر بكثير، تتمتع بعنق طويل، في مقدمتها رأس حيوان هائل، هو أشبه بالذئب. وهم يعتقدون بأن السفينة أعادت الماندان إلى هداتسا بعد أن قاموا برحلة طويلة وبعيدة.

خلال فترة رحيلهم، وقبل أن يبدأوا بالعودة من منطقة نيوغونلاند التقوا بشعب آخر يقولون أن له شعر أصفر وعيون زرقاء، كما تقول الأسطورة التي تعلل بذلك سبب تميز بعض أبناء الماندان بهذه الملامح ذاتها التي لا تظهر على جميع الأجيال. أعرف زوجان من الأصدقاء داكني البشرة  فعلا ولديهما طفلان شعرهما أصفر وعيناهما تميل إلى الزرقة.

أي أن أسطورة مادوك، والتاريخ الشفهي لدى شعوب الماندان،  تتوافقان تماما وما نعرفه اليوم عن شعوب النرويج. أما معارف هؤلاء حول فينلاند فقد انتقلت إلى أناس كانوا على صلة بها، ما شمل في الإنجليز في نهاية الأمر. حاكم بريستول الذي شيد هذا القصر في القرن الخامس عشر، جمع أمواله كباقي التجار هناك، إلا أنه كان يتاجر سرا مع بلاد بعيدة خلف المياه.. لا نتحدث هنا عن مادوك. بل كان اسمه جون جاي. هذه أول صورة تعرف ملامح أحد بحارة الأطلسي، الذين يعتقد بعض المؤرخين أنهم كانوا يبحرون إلى أمريكا الشمالية في ثمانينات القرن الخامس عشر.

كانت بريستول على صلة مباشرة بتجارة أيسلندا في السمك. حتى أن أكثر من أربعين أيسلندي كانوا يقيمون هناك في عصر جون جاي، وكانوا يعلمون بأمر فينلاند.

كانت شواطئ نيوفونلاند أغنى مناطق الصيد في العالم، فغطت أسماك شمال الأطلسي احتياجات أوروبا من هذه الثروة. نشبت أواسط القرن الخامس عشر حربا على الأسماك المحيطة بأيسلندا، أبعد خلالها صيادي بريستول عن المنطقة على أيدي الألمان. إلا أن اقتصاد المدينة لم يتأثر. ما يوحي تماما بأنهم توجهوا نحو الغرب.

في فترة ما من القرن الخامس عشر، كان سكان بريستول يصطادون هنا، بالقرب من شواطئ نيوفونلاند.

حل فصل الربيع من هذا العام . فوضعت خطة أخرى لعبور الأطلسي نحو شواطئ نيوفونلاند. لنمضي أشهر الصيف حيث الأمواج بارتفاع الجبال. وطيور البحر تنشد الأغاني الحزينة من حولنا.

في تلك بدأت بعض أراضي ما خلف المحيط بالظهور على عدة خرائط، كمناطق خيالية على الأقل.

إلى جانب فينلاند، كانت تظهر جزيرة البرازيل، والأنتيل، وجزيرة المدن السبع. هناك خريطة تعود لعام ألف وأربعمائة وعشرين وهي ليست مزيفة على الإطلاق، تحتوي على جزيرتين باسم البرازيل.

عام ألف وأربعمائة وثمانين، نعرف أن هناك محاولات هادفة للابحار نحو أمريكا الشمالية أو ما يسمونه بجزيرة البرازيل. يجب ألا نتعامل مع هذه الرحلة على أنها الأولى بل هي أول محاولة للقيام بذلك دون الملاحة عبر غرينلاند، التي كانت دليل الوجهة المعتاد. عاودوا المحاولة عام ألف وأربعمائة وواحد وثمانين، السبب الوحيد الذي جعلنا نكتشف ذلك هو مواجهتهم المشاكل مع الجمارك.

حدث هذا قبل أحد عشر عاما من كولومبوس، وقبل ستة عشر عاما من اكتشاف جان كابوت رسميا لأمريكا الشمالية. وكانت المفارقة أن أبحر منطلقا من بريستول.

شتاء عام ألف وأربعمائة وسبعة وتسعين، كتب انجليزي اسمه جان داي إلى كريستوفر كولومبوس رسالة يحدثه فيها عن نجاح جان كابوت في رحلته إلى أمريكا الشمالية. وفي معرض حديثة عن الوجهة إلى هناك في تلك الرسالة، أشار إلى معرفة كولومبوس بخروج البحارة من بريستول إلى الجزء الشمالي كمحاولات تجري منذ عدة سنوات، دون أن يذكر عددها، لاستخدامه التعبير الإسباني أوتروس تيمبوس،  أي فترات ماضية.

أي أنه لم يحدد الفترة الزمنية. ولكن لو أن رحلة عام ألف وأربعمائة وثمانين فشلت بالوصول إلى اليابسة، لما استعد التجار لتمويل رحلة أخرى في العام التالي.

من عادة الصيادين أن يلوذون بالصمت حيال مناطق صيدهم. ولكن ربما كان كولومبوس قد أعطى العالم فكرة حين رسم خريطته عام ألف وخمسمائة واثنين، ليستعرض شواطئ لم يسبق له أن رآها معززة بخمسة أعلام إنجليزية، كتب تحتها، البحر الذي اكتشفه الإنجليز. جمع كولومبوس كل ما أمكنه من معلومات حول شمال الأطلسي. ومن المحتمل جدا أنه كان يعلم بوجود أراض مسكونة هناك. إلا أن حكام إسبانيا أرسلوه كي يصل إلى آسيا.

كان كولومبوس يعلم بما يعرفه كل البحارة حينها بأنه إذا ما أراد الملاحة عبر المحيط عليه التوجه عبر خط دائري، وربما يقوم بما فعله جان كابوت بالتوجه نحو الشمال أولا حيث يقصر خط العرض حتى تعبر المياه وتأخذ في النزل بعدها. أما كولومبوس فقد اتبع الطريق الأطول مباشرة عبر المحيط. ربما كان يحاول الابتعاد عن كندا وتفادي الوصول إلى فينلاند والابتعاد عن مناطق الأشجارالكثيفة والصخور والأسماك التي لم تكن ما يبحث عنه عندما أبحر باتجاه الغرب.

أي أن كولومبوس لم يكن يسعى للوصول إلى أمريكا على الإطلاق.

أعتقد أن كولومبوس كان يسعى للمرور بأمريكا ضمن محاولة منه للوصول إلى الشرق الأقصى.

كانت الكنيسة على علم من خلال التقارير التي تصلها من الأساقفة وغيرهم بأن أتباعها ليسوا في غرينلاند وحدها بل إن بعضهم أبحر إلى فينلاند حيث تعاملوا مع السكان المحليين هناك. لهذا مانت على علم بوجود سكان فيما يعرف اليوم بأمريكا الشمالية، ورغم أن بحارة النرويج لم يبقوا هناك لفترة طويلة بعد رحلتهم الأولى، مع نهاية القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر. أي أن الكنيسة كانت تعلم بوجود سكان هناك.. تعلم أن النزاعات التاريخية لا تنتهي أحيانا بل تستمر إلى الأبد ، يموت بعض المؤرخين ليحل محلهم آخرين يحملون نظرياتهم، ولا أعرف تحديدا متى ستحل مسألة خريطة فينلاند، ولكني الآن أعتقد بأن المؤشرات واضحة المعالم ولا يمكن تفنيدها، أما من يرفضون صحتها فهم في موقف دفاعي.

يمكن أن نؤكد بأن كولومبوس كان يحمل خريطة ما، لابد أن نعثر عليها في نهاية المطاف، قد تكون هناك بل ربما نتأكد حين نجدها بأنها خريطة فينلاند.

عام ألف وأربعمائة واثنين وتسعون اكتشف كولومبوس جزر الكاريبي. عام سبعة وتسعون، أبحر جان كابوت من بريستول لاكتشاف أمريكا الشمالية. واحتفل العالم طويلا في هذه الرحلات الشهيرة، ونسي كل عمليات العبور التي جرت قبلها.

يبدو من المؤكد أن كولومبوس كان يعلم بشأن أمريكا الشمالية، وأنه فكر بالإبحار من تحتها للعثور على الصين. ومن المحتمل جدا أن يكون قد سبق للرجال الذين خرجوا على متن سفينة ماثيو بقيادة كابوت، أن أبحروا إلى أمريكا الشمالية.

ومن المحتمل جدا أن يكون الممول المادي لهذه الرحلة، وهو تاجر كبير من بريستول اسمه جون أميريك، قد دفع الناس إلى تسمية القارة الجديدة أمريكا.

لا شك أن الآثار المادية التي تركوها خلفهم خلال زياراتهم القصيرة جدا إلى الشواطئ، حيث قاموا ببعض الاستكشافات والتقوا بأعداد قليلة من الناس، كانت قليلة جدا، ومن الصعب جدا العثور عليها.

تبرز صعوبة العثور على آثار مادية كهذه من خلال حفريات جرت للبحث عن مسمكة فرنسية تعود للقرن السابع عشر في نوفا سكوشيا. عثر هناك على مائة وعشرون ألف قطعة، ثلاثة منها فقط تركها الصيادون.

ثلاث قطع أثرية فقط من القرن السابع عشر من أصل مائة وعشرين ألف . مع أننا نعرف من الوثائق أن الفرنسيين كانوا هناك منذ عام ألف وخمسمائة حتى عام ألف وسبعمائة، وكان هناك مناسبة سنوية تدفعهم للذهاب إلى هناك.

من الصعب جدا ملاحقة آثار مادوك وأمثاله، إذ أنهم لم يخلفوا وراءهم شيء يذكر. قد لا يكون كولومبوس قد اكتشف أمريكا ولكن ما فعله بها كان جديد بالكامل.

مبدئيا، جردنا من كل شيء، جردنا من اللغة ومن كل شيء وهو ليس وحده بل ما أتى بعده من أجيال، إلا أنه كان البداية. أكثر ما يزعجني في الأمر هو أن الناس يقدرونه عاليا، مع أنه لا يستحق ذلك.

عندما بنوا السد مثلا أغرقوا أراضينا. أغرقوا الكثير من أبنيتنا القديمة.

متى حصل ذلك؟ بين عامي ألف وتسعمائة وواحد وخمسون ،الف وتسعمائة وثلاثة وخمسون.

امرأة ما يشكل عملا موازيا لإغراق تريولين.

فعلا

هل احتججتم علي ذلك؟

لم يستمع لنا أحد.

ولكن الويلز استمعوا إليه. حتى شعر وكأنه بين أقارب تجمعهم به أشياء أكثر مما كانوا يتوقعون.

لم يتمتع الهنود في تلك الفترة بحقهم في التصويت.

صحيح؟

كأن يتحدث شخص ما كما كانت تفعل هي منذ لحظات عن اعتزازها بهذا المجتمع. كانوا يقولون لنا لا يمكنكم الاستمرار بالعيش هنا وفجأة يذوب كل ما كان يمتلكه مجتمعنا. بما في ذلك تاريخ بأكمله. وبعد أن اكتمل بناء السد توفي عدد كبير من المتقدمين في السن، لأن ما جرى حطم قلوبهم.

حدثني والدي باسهاب عن جدي وأصدقائه الذين توجهوا نحو النهر أثناء ارتفاع منسوب المياه في البحيرة. كانوا من الراشدين، ولكنهم وقفوا يبكون.

هل تعلمون لغتكم في المدارس؟

بدأنا في العام الماضي نعلم اللغة في مدارسنا. أما في السابق فكان العقاب يطال كل من يتحدث بهذه اللغة في المدارس حتى وإن كان من الهداتسا أو الماندان العاملين هناك.

هذا ما كان يحدث في ويلز أيضا.

صحيح؟

حدث ذلك في ويلز حتى عام ألف وثمانمائة وثمانية وتسعين حيث كان أجدادنا يضربون لأنهم لا يتقنون الإنجليزية.

ربما تعرض مادوك للضرب أيضا، لهذا رحل مع ثلاثة عشر سفينة محملة بأتباعه، دون أن يكون لدينا لسوء الحظ أي وثائق ثبوتية تؤكد ذلك. تجدر الإشارة إلى أن مادوك كان من أصول الفايكينغ، على اعتبار أن أوين غوينيد والده من الفايكينغ الذين ولدوا في دبلن وهي مستعمر الفايكينغ الرئيسية حينها.

كلنا يختار ما يناسبه من التاريخ، ويتردد في التخلي عن القصص التي تتعلق بالماضي. ولكن من المحتمل أن تكون قصة مادوك وصلته بالهنود حقيقية، وهي أكثر ما يمكن أن يقال بشأن اكتشاف كولومبوس لأمريكا.

عدنا اليوم إلى ديارنا يغمرنا الابتهاج، مثل طيور البحر التي تبحث عن عشها. نتوجه إلى ديارنا على شواطئ تعج بزباد أبيض يغمر تعرجاتها.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster