تعتبر حرب الخليج أكثر النزاعات تلفزة في التاريخ، وقد انتهت هنا على طريق البصرة.
هي حرب قتلت خمسة وثلاثون ألف شخص، دون أن تسفك في الظاهر قطرة دم واحدة.
أين الجثث التي على الرمال؟ ومشاهد الموت التي كانت ستجبرنا على رؤية الوجه الرهيب
والوحشي للحرب. أرسلت مئات الكاميرات إلى الخليج، ولكن أين هي صور تلك الأسلحة
الفتاكة القديمة والجديدة؟ ما الذي كان يجري في الواقع بعيدا عن عدسات الكاميرات في
ساحات معارك عاصفة الصحراء؟
كنت في بغداد أرسل التقارير عن الحرب. وقد عدت إلى هناك بعد خمس سنوات في محاولة
لتقويم السجلات.
كانت حرب استخدمت فيها المعلومات كجزء من العتاد. كنا جزء من الوحدات العسكرية وقد
سمحنا لأنفسنا بذلك.
لقد فعل غالبيتنا ما طلب منه، رغم وجود حفنة المتمردين.
اكتشفنا خلال هذه الرحلة ما كان يجب علينا أن نعثر عليه حينها. من حرب عراقية
كيميائية سرية، واستخدام قوات الحلفاء للنابالم والقذائف المعززة باليورانيوم
المستهلك.
بدأ الاجتياح في الثانية فجرا، حيث عبر مائة ألف جندي عراقي للحدود وانطلقت مسرعة
نحو الكويت العاصمة، على مسافة ثمانين ميل إلى الجنوب:
صدم العالم باجتياح العراق رغم التحذير المسبق.
بعد خمس سنوات عادت الكويت إلى حياتها العادية. يتدفق منها النفط، ويعاد بناء
القصور، والشوارع مزدحمة بالسيارات الأمريكية الباهظة الثمن.
ولكن شعب الكويت يصر على عدم نسيان الاجتياح.
أقاموا مركز أبحاث مجهز بإسراف. وذلك لتوثيق وحشية الاحتلال العراقي.
ولكنهم يستثنون من وجهة النظر التاريخية هذه تفصيلا واحدا عن كيفية استخدام الحكومة
الكويتية بعد أيام من الاجتياح لشركة علاقات خارجية أمريكية بكلفة أحد عشرة مليون
دولار.
كانت الدعاية التي توزعها استشارات هيل ونولتون للعلاقات العامة، تبتلع بالكامل من
قبل القيادة السياسية الأمريكية.
جرى اعتقال شابان كانا يوزعان المناشير، وجمعت عائلتهما حيث قتلا أمامها رميا
بالرصاص وهما في الخامسة والسادسة عشرة من المعمر. كما قطعوا علاج عمليات غسل الكلى
لبعض الكهلة كي تشحن الآلات إلى بغداد. كما أخرج بعض الأطفال من الحواضن كي ترسل
الآلات إلى بغداد.
عندما كنت هناك رأيت جنود عراقيون يأتون إلى المستشفى بالأسلحة. وأخرجوا الأطفال من
الحواضن، وأخذوا الآلات تاركين الأطفال يموتون على الأرض الباردة. كان ذلك رهيبا.
نايرة الصباح هي ابنة السفير الكويتي في واشنطن، ولم يسبق لها أن عملت في الحواضن.
كما أن الممرضات اللواتي عملن هناك يؤكدن أنهن لم يشاهدنها أبدا. لقد دربت للإدلاء
بشهادتها أمام الكونغريس من قبل هيل ونولتون، وقد تولى ذلك روبرت
من الصعب جدا على الديمقراطية كما تعرف، أن تحصل على تأييد الرأي العام الشديد لخوض
الحروب. ولكن الإدارة اتخذت قرارها، لهذا كانت مهمتنا تكمن في إقناع الرأي العام
الأمريكي بفوائد الحرب لضمان دعمه وتأييده.
أعتقد أن الصدمة كانت هائلة، وأظنها كانت قصة..
لقد عمل أندريو وتيتلي
Andrew Whitley في منظمة مراقبة حقوق الإنسان في
الشرق الأوسط، وعندما تحقق من القصة لم يتثبت من صحتها.
كان العراقيون مستعدون للقيام بما هو أسوأ من ذلك. لقد جرى تخزين غالبية الحواضن
التي سرقت من هناك. عندما ذهبنا إلى مستشفى الأمومة رأينا بأن هناك جناح كامل مغلق
وضعت فيه جميعا في غرفة مستودع.
من الطبيعي أن أستعد للاعتذار إذا ما ارتكبت خطأ. لدي ما يكفي من الرجولة للاعتذار
في أي ظروف كان إذا تطلب الأمر. إذا اقتنعت بضرورة الاعتذار فعلا من أي شخص ضللته،
ولكني آمل أن يعرف الجميع بأنه تضليل غير مقصود، وآمل أن تفهمي ذلك أيضا.
أعتقد أنها كانت كذبة كبيرة. لا أعتقد أن هناك حقيقة في قيام العراقيون بإجلاء
الأطفال من الحواضن عشوائيا، بهدف سرقتها. وأعتقد أن ذلك ترك أثرا كبيرا على الرأي
العام في هذا البلد.
هذه حقيقة من نتعامل معه، إنه تجسيد لشخصية هتلر، التوتالية والوحشية ذاتها..
اقتنع ما يكفي من عدد أعضاء مجلس الشيوخ بقصة حواضن الأطفال للتصويت لصالح
استخدام القوة. حصل بوش على قرار بالحرب.
أدى الإسراف في تشويه سمعة العراق السيئة أصلا، إلى تحقيق الهدف.
..إنها تتبع مسار القصف المتبع نفسه..
.. تستمر قوات الحلفاء بتوجيع أعنف ضرباتها الجوية.
..كانت أضواء بغداد ما زالت تشتعل عندما بدأ قصف طائرات عاصفة الصحراء..
أسقطت حتى الآن ثمانون ألف قذيفة ومئات الصواريق فوق أجواء..
..تحدد صواريخ كروزير مسارا لها على خريطة ذاتية..
..إنها فوق الفندق ومع ذلك لم نتمكن بعد من سماع سقوط القذيفة هناك الكثير من
الأضواء في سماء العراق.
سرعان ما وقف بيتر أرنيتPeter
Arnet
أشهر مراسل عسكري أمريكي، على الجانب الخاطئ للسلطات العسكري.
متى بدأت علاقاتك الجيدة مع السلطات العسكرية الأمريكية تتعرض للإساءة؟
مع تطور العمليات وقيامي يوميا بالكشف عن عمليات المبالغة، وخصوصا أعمال القصف
العشوائية في القرى التي دمر فيها ما يتراوح بين عشرين وأربعين منزل مدني.
هذه ليست لعبة، هذه أرواح بشرية. أرواح بشرية، كفوا عن ضرب المدنيين!
ستة بالمائة فقط من القذائف المستخدمة في العراق تعتمد على الصواريخ الموجهة، وقد
كانت تسقط على أبرز الأهداف المحددة في بغداد، أما في المناطق الأخرى فكانوا
يستخدمون القذائف الخرقاء، التي دمرت الكثير من المناطق التي قمنا بزيارتها.
بدأت المشكلة عندما واجه أرنيت القوات الأمريكية بخصوص الهجوم الذي استهدف ما قال
أنه مصنع لحليب الأطفال. ادعت الاستخبارات الأمريكية أنه كان يستخدم للأسلحة
البيولوجية، وما كان أرنيت ليقبل بذلك.
خرج مارلن فيتزوايزر
Marlin Fitzwater في البيت الأبيض ليقول بأن بيتير أرنيت دمية
ساذجة لدى صدام حسين. وهذا ما يؤكد ذلك. وقال لدينا إثباتات لدينا ما يؤكد بأن هذا
المصنع الذي يقول بأنه لحليب الأطفال يستخدم جزئيا في برنامج تجربة الأسلحة
العراقية.
لو كان هذا مركز لتجربة الأسلحة البيولوجية، لما سمحوا لنا بالتجوال في جميع
أرجائه، ومرافقتنا إلى هناك والسماح لنا بأن نلمس كل شيء، ونأخذ عينات مثل الأكياس،
التي استعملناها في القهوة، وصلت بي الثقة إلى هذا الحد.
الحكومة الأمريكية قادرة فعلا على الكذب لتحقيق أهدافها، في مراحل الأزمات القومية.
وهذا ما فعلته. وقد كان ذلك فعالا لأن السنوات التي تبعت حرب الخليج، شهدت تكرار
دائم لهذا السؤال. ماذا عن مصنع حليب الأطفال؟ ولم يتبعه سؤال دائم يقول: ألم
تكونوا سذج فعلا؟ هذا بالنسبة لي هو الجزء الأشد سوادا من الدعاية العسكرية الذي
رأيته في حياتي، وقد عملت في هذا المجال منذ خمسة وثلاثون عاما.
كانت هذه شواطئ الخفجي على الحدود الكويتية. حيث تكافح الضحية الأولى لهذه الكارثة
للخلاص من مخالبها.
لم يعرف أحد من أين جاء النفط ولكن الطيور أصبحت بين ليلة وضحاها رمز آخر لفساد
صدام، الذي أعلن الحرب على الطبيعة أيضا.
هل قام العراقيون فعلا بدلق النفط؟ لم يتأكد أحد من ذلك، ولكنها كانت قصة أفضل من
أن تدمرها الحقيقة.
كان بيل أركينBill
Arkin
يعمل في الاستخبارات العسكرية، وهو يسكن اليوم في فيرمونت. اطلاعه على السجلات
العسكرية للبنتاغون منحه رؤية فريدة عن حرب الخليج.
أعتقد أن أحد أهم العمليات التي تسترت في الحرب هي تلك التي قامت خلالها قوات
الحلفاء الجوية بقصف المراكز النفطية العراقية بما فيها الناقلات النفطية، ولم تشأ
الاعتراف بأن هناك نقاشات جدية حول هذه النقطة بالذات. لهذا ادعوا أنها عملية إرهاب
بيئية عراقية لتفادي النقاش الدائر حول ما إذا كانت هذه أهداف شرعية أم لا.
يتهم الرئيس بوش صدام بأنه إرهابي بيئي، ومع ذلك فإن الأمريكيين والحلفاء كانوا
يقومون بالأعمال نفسها.
نعتقد أن كل ما تسببت به طائرات الحلفاء هو حوادث غير مقصودة. وإن كنت لا ترين في
إشعال تسعمائة وستين بئر نفط أو ما شابه عملية إرهاب بيئي فلا أعرف ما تسمينها إذا.
هل تعني بحادثة أن القذائف سقطت منهم أم ماذا؟ ماذا تعني بالحادث العرضي؟ الأهداف؟
كلا، ليس مراكز التخزين النفطية لا أعتقد أنها كانت أهداف محددة. أما مراكز التوزيع
فبلى.
وماذا عن السفن ماذا عن الحاملات النفطية؟
كلا، لقد أوقفت هذه ولم يتم إغراقها. لا أذكر أن أي منها قد أغرق.
لقد قصفوا اثنين من أرصفة النفط في مينا البكر والخبر. كما أنهم قاموا في الفترة
نفسها بقصف سفن كانت تعمل في مجال النفط.
في الثامن عشرمن كانون الثاني وفي اليوم الثاني من الحرب قامت طائرات فرنسية بقصف
سفينة نقل عراقية رست في ميناء الأحمدي على الشواطئ الكويتية. هذه هي السفن نفسها
التي تم الادعاء بعد بضعة أيام أنها تقذف النفط في البحر.
ما هو حجم الأضرار البيئية الناجمة عن بقع الزيت التي سببها الحلفاء؟
من الواضح جدا أن قصف الولايات المتحدة للمنشآت النفطية في البحر ولحاملات النفط
الذي أعتقد أن عددها في الحرب الجوية قد وصل بمجموعه إلى خمسة، من الواضح أنه تسبب
بما يتراوح بين عشرين وثلاثين بالمائة من كمية النفط التي قذفت إلى البحر. أي أن
عمليات الحلفاء تسببت بقذف ما يتراوح بين مليونين أو ثلاثة ملايين برميل في البحر.
ألا تذكر أي حوار حول الأضرار الجدية التي تسببها هذه العمليات وما إذا كان يجب
الاستمرار بها أم لا؟
كنا نجري عدة حوارات حول النفط وكنا حساسين جدا تجاه الإضرار بالبيئة، وقد بذلنا ما
بوسعنا لاحتوائه بلا شك. ولكن ليس من المنطقي أن نقول بأن العراقيين أبرياء لمجرد
أننا تسببنا ببعض الأضرار، لا يعقل أبدا.
ليس هذا ما أقوله ليس هذا ما أقوله.
أي أنها عملية حظيت بالتغطية الكاملة؟
بالكامل. لا شك في ذلك على الإطلاق.
هل تعتقد أنهم كذبوا بهذا الشأن؟
طبعا كذبوا بخصوصه، فهل قرأت أي تقرير عن أن البحرية الأمريكية والوحدات الجوية
الفرنسية قد هاجمت ناقلات النفط العراقية وأنها مسؤولة عن الكثير من النفط الذي
تدفق في البحر؟ كلا، فهل يغطون الأمر ويكذبون؟ لا شك في ذلك.
صدام حسين موجود في كل مكان من بغداد، حيث يهمس الناس باسمه همسا، ويعيشون حالة من
الرعب منه.
عندما انتفض شعبه ضد من شدة اليأس قمعه بشدة، وشنق زعمائه دون تردد.
أدت العقوبات إلى دفع أربعة ملايين شخص إلى حد الجوع في هذا البلد الذي ازدهر يوما،
ولكن صدام لا يكترث. وهو يقوم اليوم بتشييد قصر جديد في بغداد، على مسافة ميلين من
مكان يصطف فيه البعض طلبا للطعام.
يخترق صاروخ توماهوك طريقه في سماء الخليج الحالكة السواد. أما في أعماق غرف
التحكم ذات الإنارة الزرقاء، فيتتبع البحارة الأمريكيون عبر الرادارات مسارها نحو
بغداد.
وهنا نظرائي في موقع القيادة في بغداد..(..)
وما أن تحولت الحرب إلى عروض فيديو حتى ازدادت مرضا وبذاءة وخيالية.
علينا أن نلقي نظرة على المبنى من جميع الجهات أثناء تحليق الطائرة من فوقها لتسقط
القذيفة.
حسب البيان العسكري الصادر في السعودية، يمكن أن تضرب ثمانية عشر ملون شخص، دون
إصابة أحد بأذى.
ولكن الإمعان في تشويه سمعة صدام حسين كان كاملا، لدرجة أنها طالت شعبه أيضا. فأصبح
أطفال العراق أبناء الشرير، الذي لا يهم ما نفعله بهم.
حتى سقط صاروخين يزن كل منهما ألف رطل، من فتحة الهواء الخاصة بأحد الملاجئ في
بغداد عند ساعات الصباح الأولى من أحد أيام شباط فبراير. عندها فقط لمعت حقيقة
الحرب بوجوهنا مباشرة لأول مرة.
كانت المخابرات الأمريكية في بغداد قد أرسلت تقارير تؤكد بأن سيارات عسكرية عراقية
ستقف خارج الملجأ في هذه الليلة بالتحديد. لم يأبه الجاسوس بالمجيء على ذكر
الثلاثمائة طفل وامرأة الذين داخل الملجأ، يشاهدون الفيديو.
كان من بينهم أفراد عائلة طارق محمد، زوجته وأولاده الأربعة، قتلوا جميعا في تلك
الليلة.
=-=-=-=-=-=نهاية الجزء الأول
الجزء الثاني:
أسوأ كابوس لدى الحلفاء هو احتمال أن يستخدم صدام أسلحته الكيميائية والبيولوجية،
عبر صواريخه الشهرة بلقب الحسين سكود. طالما نفت الجيوش الغربية استخدام الأسلحة
الكيميائية. يمكن تفهم نفيهم لذلك أثناء الحرب، إذ أنهم لم يرغبوا بترهيب الجنود.
ولكن خلال تحقيقاتنا التقينا بعشرات الجنود الذين يقولون بأن الأسلحة الكيميائية
كانت تستعمل، وهي حقيقة تصر الحكومة البريطانية على نفيها.
ريتشي تورنبول
Richie Turnbul
هو أحد الشهود العيان، الخبير الكيميائي في الطيران الملكي. وقد كان يحط يوم
العشرين من كانون الثاني يناير في واحدة من أكبر قواعد الحلفاء الجوية في الظهران
السعودية.
كنت أناوب في تلك الليلة، وفجأة انطلق صاروخ باتريوت من مكان مجاور لموقعنا، فوقع
انفجار هائل فوق رؤوسنا عند اصطدامه بالسكود. سقط الصاروخ على مسافة أربعمائة يارد
من موقعنا، فأخذت صفارات الإنذار تنطلق من كل مكان، ما جعلنا نستخدم كل الأجهزة
الوقائية، وذلك ضمن حالة قصوى من الاستنفار التام. ثم أجرينا لاحقا المزيد من
التجارب، باستخدام ما يسمونه بالكام، وهو جهاز كاشف للعناصر الكيميائية، الذي أكد
وجود عناصر عصبية. ثم اعتمدنا جهاز ثالث، يقوم بما يسمى كاشف الترسبات البخارية.
يعتمد على زجاجة حواجز صغيرة، تمتص الهواء عبر قرص حساس تجاه المواد الكيميائية.
وقد جاءت نتيجة ذلك إيجابية أيضا. أجرينا بعد ذلك فحصين عبر كاشف الترسبات البخارية
الكيميائية، وأبلغنا مراقبة الخلايا النووية والبيولوجية والكيميائية عن وجود عنصر
عصبي في القاعدة.
انطلقت جميع صفارات الإنذار في المنطقة، وكانت بمجموعها سبعة وعشرين تنطلق في آن
معا أي أنه لم يكن مجرد جهاز واحد. ثم بلغنا أنه مجرد إنذار خاطئ نجم عن عدم اشتعال
الوقود في إحدى الطائرات أثناء الإقلاع.
في اليوم التالي حاولت تشغيل جهاز الإنذار باستخدام وقود الطائرات، ولكنه لم ينطلق.
وعندما أخضعته لمادة التجريب المقلدة عمل مباشرة.
أنا متأكد من تعرضنا لهجوم بالأسلحة الكيميائية، وقد أخبرني المصنعون عندما تحدثت
إليهم، أنه إذا ما انطلق جهاز الإنذار فإن ذلك يعني وجود الأسلحة الكيميائية.
أجرينا مقابلات مع عدد من الجنود الذين شاركوا بحرب الخليج وهم يعتقدون بأنهم
تسمموا بمستوى منخفض عبر هجوم بالأسلحة الكيميائية. يتأكد ذلك أيضا عبر عدد من
التقارير الكيميائية من قبل العراقيين، ما الذي تعرفه عن ذلك؟
لم تصلني أي معلومات عن هذا الموضوع، كما لم أسمع بأي إثباتات تؤكد ذلك. ولكن في
نهاية المطاف وعلى أي حال، ربما كان يملك شيئا ولكني لا أعتقد أنه ذات أهمية تذكر.
مع أنها ذات أهمية كافية بالنسبة لريشي تورنبولRichie
Turnbull، فهو مريض كغيره من الجنود البريطانيون الأربعة
آلاف، فهو يعاني من مرض في الرئة، عليه أن يخضع ساعة كاملة يوميا لجهاز التهوئة.
تأكد تعرض ريشي تورنبول للهجوم الكيميائي من قبل فريق تشيكي، يعمل الآن بالقرب من
براغ. وهم يتحدثون عن وصول أوامر من القيادة المركزية تدعوهم لتجاهل النتائج، وهي
أوامر غريبة لأن التشيكيين من الطلائع العالميين في الحروب الكيميائية. وهم على
خلاف أمريكا وبريطانيا يدربون على المواد الكيميائية الحية، ويمضون سنوات من التخصص
في المجال، وهم الوحدات الفريدة التي تعتمد على مختبرات متحركة، للتأكد من
استنتاجاتهم.
لقد شاهد ريشي تورنبول سقوط السكود في الظهران. وكان التشيكيون يعملون في مدينة
الملك خالد العسكرية، حيث عمل الميجر بيتير زيلينسكي.
في الحادي والعشرين من كانون الثاني يناير، لست متأكدا من التاريخ تحديدا، ولكني
كنت حينها في مدينة الملك خالد العسكرية. وكانت دورياتنا في ذلك الوقت، تراقب
المنطقة المحيطة بالمدينة. وقد حثرت على مواد كيميائية. انطلقت صفارات الإنذار
الكيميائية مباشرة، ما جعلنا نضع الأقنعة على الفور. وكانت الرياح تعصف في تلك
اللحظات، من الشرق إلى الغرب. أي أنها تأتي من جهة الميناء البحري. يمكن للرياح أن
تأتي عالية أو منخفضة. والرياح التي كانت تعصف حينها جاءت على مستوى الأرض، من
ميناء الظهران.
عملت فرق الأمم المتحدة على مدار السنوات الماضية أن تخرج الحقيقة من العراق، حول
الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وقد أرعب ما عثروا عليه علماء العالم.
كان العقيد تيرري تايلور مندوب بريطاني في فريق أبحاث هيئة الأمم.
عنصر الخردل هو أكثر ما كانوا يستخدمونه في الأسلحة الكيميائية، وهو عنصر قاتل يمكن
أن يتسبب بحروق مكثفة وجروح جدية تسبب العجز، كما أنه عنصر يسبب الألم الحاد جدا.
أما العناصر الأخرى فكانت عصبية. أما في الجانب البيولوجي فكانوا يستخدمون عنصرين
قاتلين في الأسلحة. أحدهما الأنثراكس، والثاني هو البوتولينوم توكسين. كانت هذه
توضع في قذائف جوية من عيار مائة واثنين وعشرين ملمترا، وفي رؤوس صواريخ الحسين
سكود، لقد توصلوا إلى ذلك.
كانت السلطات موزعة حينها وكانت هذه الأسلحة تحت تصرف قادة المناطق.
كان هذا الرجل أحد قادة المناطق، وهو عقيد في جيش الحرس الجمهوري. وقد أكد بأن
الأسلحة الكيميائية كانت مخزنة في الخطوط الأمامية العراقية.
أي نوع من الأسلحة الكيميائية كان هناك، وكيف كانت تخزن؟
لقد تعرض جنود الخطوط الأمامية إلى الخيانة عدة مرات في تاريخ الحروب المعاصرة. نصب
فيتنام التذكاري في واشنطن يحمل أسماء الآلاف ممن قتلوا هناك. دون أن ترد هناك،
أسماء الآلاف من المرضى، أو الذين ماتوا متأثرين بالعنصر البرتقالي، المادة
الكيميائية المستخدمة لتطهير الأدغال، الذي كان يسمم الجنود الأمريكيين أيضا.
كافح مقاتلو فيتنام القدامى من رئاسة إلى أخرى، إلى أن أطلعوا على الحقيقة.
التاريخ يعيد اليوم نفسه. فقد تأكد إصابة سبعين ألف جندي في الولايات المتحدة، بمرض
حرب الخليج. يتذكر بعضهم تجارب مشابهة من هجمات الغاز خلال حرب الخليج.
يريد نيك روبرت أن يعرف ما أصاب وحدته، عند انفجار صاروخ سكود عراقي بالقرب من
معسكرهم في السعودية.
بوي باتلير هو عضو في المجموعة نفسها، وهو يخضع لفحوص طبية لمعرفة أسباب مرضه.
كان روي ونيك يعملان في قاعدة مقرها ميناء الجبل في السعودية.
تم إيقاظنا في الثالثة فجرا بأصوات انفجار عالية جدا، صدمت الخيمة بكاملها، حتى أن
الجميع شعر وكأن العالم شارف على نهايته.
هل تريدين صورة تقنية واضحة؟ رأيت كرة نارية تتجه كالبرق نحو ميناء الجبل. وعند
سماع صدى الانفجار ذهبنا إلى الملجأ.
وعندما كنا في الخارج شعرنا برذاذ من المادة الرطبة التي كانت أشبه بالمطر.
كانت يداي ووجهي تلسعاني وتحرقاني، وانتاب شفتاي حالة غريبة من التخدر، عند ذلك
بدأنا نسمع صفارات الإنذار.
وضعت القناع أثناء ذهابي إلى الملجأ، ولكني انتزعته عندما وصلت كي أمسح أنفي، الذي
كان مقفل بالكامل، فأخرجت كل ما فيه من مخاط سائل. ثم عاودت وضع القناع. وبدأت أشعر
بتخدر في شفتي العلوية والسفلية.
عند ذلك بدأت أسمع عبر الراديو نداء يقول " حالة استنفار كيميائية قصوى عليك بالخط
الرابع. ما يعني ارتداء كل العتاد الكيميائي. كما سمعنا عبر الراديو أنه قد "تأكد
عنصر البشرة"
تلقينا أوامر بألا نتحدث عن ذلك مع أحد. وقد جاء ذلك على شكل أوامر صدرت عند
التشكيل في اليوم التالي أو ما بعده. كي لا نتحدث عن ذلك أيدا. لأن ذلك قد يؤدي إلى
حالة من الإرباك والاضطراب والذعر بين الرجال، كي لا نتحدث عنه.
اتبعنا سلوكا سيئا في هذا الصدد، وبعد تلك اللحظة بدأنا نتعامل مع الأمر جديا. كنا
نعرف أنهم يكذبون علينا وأننا لن نحصل على أي مساعدات طبية. لم يتمكن أحد من
الإجابة على أسئلتنا، مع أننا مصابون بالمرض. بدأنا نصاب بالمرض بعد أسبوع واحد من
الانفجار. كان البعض يمضي اليوم في السرير وهو يتعرق ليلا، وحالات من الرشح والحكة،
أورد كل ذلك في سجلاتنا الطبية. ولم يعد لهذه السجلات أي وجود.
ما هو موجود وقد أطلق مؤخرا في إطار قانون حرية العلومات، هي سجلات القيادة
المركزية الخاصة بالكشف الكيميائي. استغرق الأمر أربع سنوات لإطلاق هذه المعلومات،
مع أن جزء كامل منها ناقص.
كان جيم تويت
Jim Tuit
العميل السابق في السي أي إيه، المسؤول عن أبحاث مجلس الشيوخ الخاصة بالهجمات
الكيميائية. وقد سألناه عما يرد في التقرير عن الليلة التي أدت إلى مرض روي بوتلر
ونيك روبرت.
ما قالوه للجنود هو أنها قنبلة صوتية، ولكن هناك مسألة نعرف أنها تفند ذلك، وهي
الكشف عن العناصر الكيميائية، ثانيا لقد تم رؤية اثنين من الانفجارات، ثالثا أن
الجنود أصيبوا بالمرض. بالدوخة والتقيؤ واللسعة والحرقة. كما أنهم أصيبوا بعد أيام
بعوارض أشبه بالزكام، ما يتوافق مع مواصفات التعرض للعناصر التي من المحتمل أن تكون
البيوتوكسين أو البيو كيميائية، المسممة عبر الجراثيم.
كما نعرف بأن العراقيين كانوا يعملون على العناصر الكيميائية والبيولوجية، وهي
أشياء مثل الأفلوتوكسين، التي تصيب بالمرض على المدى القريب، وتسبب الدوخة والتقيؤ،
ولكنها تسبب الأورام الخبيثة على المدى البعيد.
أعاني اليوم من سرطان الليمفوما، عندما أصبت به كان في مرحلته الثالثة، وهو يضرب
نظام المناعة، والغدد اللمفاوية، وقد تعرضت حتى الآن إلى ثلاثة مراحل مختلفة من
العلاج الكيميائي.
لقد عجزت وزارة الدفاع عن قول الحقيقة حول هذه الأمور منذ انتهاء الحرب. كما عجزت
عن قول الحقيقة خلال الحرب، كما عجزت عن ذلك عندما سألناهم لأول مرة عن المعلومات
التي تتعلق بما تعرض له الجنود وعن تجربتهم خلال الحرب. لهذا بالنسبة سؤالك عما إذا
كذبوا على جنودنا، فأجيبك أنهم كذبوا فعلا.
=-=-=-=-=-نهاية الجزء الثاني.
الجزء الثالث
تحولت الحرب حينها إلى عروض تلفزيونية جيدة وما زالت. كانت مأساوية وجذابة. لقد
انشغل العالم في حرب جيدة.
اخترقت الوحدات الأمريكية حدود العراق في شباط فبراير من عام واحد وتسعين، عبر
تكتيك لم يسبق أو شوهد في حروب مضت. لقد استخدمت جرارات مجهزة خصيصا لدفن العراقيين
أحياء. كان جو كوين من ألاباما بين أوائل الذين وصلوا إلى الدفاعات العراقية. فحصل
على النجمة البرونزية.
كانت مهمتي تكمن بتغطية الخنادق وحفر الملاجئ، في الأماكن التي كان يسكنها
العراقيون، بحيث يعجزوا عن اجتياحنا من جديد باحتلال المواقع نفسها.
وهل استمر العراقيون باطلاق النار عليك؟
عندما عبرت بالجرار أصيب بعضهم بالذهول والصدمة لدرجة أنهم خرجو مسرعين.
كيف تجلس هناك والعراقي يقف هنا في الخندق تحت..
لا يمكن أن اراه، لهذا أقول أني لا أعرف تحديدا من في الخندق أو في الملجأ. يجلس
المرء هناك نصف مخفي ما يحجب عنه الرؤية ولكنه لا يريد أن يتعرض للإصابة. يعرف
المرء ما يجب أن يفعله وقد قام بذلك عدة مرات وهو يستطيع القيام به مغمض العينين،
لهذا يمكن أن يجلس في القعر كما هو الحال الآن، لينظر عبر فتحة الرؤية ويتابع تنفيذ
المهام.
أي أننا بدأنا الحرث قبل أن نصل إلى ساحاتهم. حرثنا خطوطهم الدفاعية، ودمرنا
الخطوط الدفاعية بالجرارات، ولو أطلق النار لوضعنا محراث على كل من جانبي الخنادق
العراقية لندفنهم جميعا وهم في الخنادق أحياء. وقد دفنا فعلا حوالي أربعمائة عراقي
وهم في خنادقهم.
هل رأيت أيا من الذين دفنوا في الخنادق؟
رأيت بعض العراقيين الذين أصيبوا وهم في الخنادق أثناء تقدمي، ولكني كنت أركز على
ما يجب أن أفعله وأتابع العمل بانسجام مع القافلة لهذا لم أكترث جدا، ولا أعرف ما
الذي في الملجأ عندما أدفنه، وما كنت أنتهي من ذلك حتى أغادر المكان.
ما هو عدد الذين قتلوا في الخنادق؟
ألف قتيل من جنود صدام حسين لا يساوون حياة جندي أمريكي واحد. لهذا عززنا الدبابات
بالجرارات، وكنا نطلق النار على الخنادق، فإن رفعوا الأعلام البيضا واستسلموا كنا
نسمح لهم بذلك، أما إذا ردوا على النار بالمثل فكنا ندفنهم أحياء ونستمر بمتابعة
أعمالنا.
عندما تم الكشف عن قصة الجرارات ودفن الجنود أحياء، وعندما انتشرت شائعات عن
استخدام النابالم، وعندما تحدث الناس عن احتمال استخدام الولايات المتحدة لمتفجرات
الوقود الهوائي، أو عن تلك القنابل الهائلة التي تزن خمسة عشر ألف رطل أو حتى قيام
البي اثنين وخمسين بعمليات قصف للتمشيط كانت الولايات المتحدة تنفي ذلك لسبب أو
لآخر. تعرفين أنهم دائما يقولون لم يحدث ذلك.
وأنا هنا لأقول لك الآن أن هذا حدث فعلا. وعلى المرء أن يقول أحيانا وما في ذلك
طالما أن هذا ما يحدث في الحروب. ولكن السخرية في الأمر هي أنه كلما يتم الكشف عن
إحدى هذه المسائل تأتي ردة فعل البينتاغون الأولى بالقول أن هذا غير صحيح وأنه لم
يحدث أبدا. ثم تأتي ردة الفعل الثانية للقول: دعني أوضح لك أمرا وهو أن الحروب
مسألة رهيبة وهذا ما يحدث فيها. ولكنهم لا يريدون الناس أن يرونها.
ما رايك بردة فعل الشعب الأمريكي لو علم بأن الجنود العراقيون يدفنون أحياء؟
هذه هي الحروب. هل ترين أن دفن المرء حيا أسوأ من إطلاق النار على رأسه؟
هذا ما أراه فعلا.
صحيح؟
أفضل أن أموت رميا بالرصاص على أن أدفن حية.
إذا هل هل ، هل تفضلين، هل تفضلين، إرسال وحدات مسلحة إلى داخل الخنادق لقتل
العراقيين وليقتلوا؟ إن كنت تستطيعين قتلهم بمجرد دفنهم، ما هو الفرق ؟ باستثناء
دقيقة أو اثنتين من حياتهم؟
أسقطت حوالي خمسمائة قنبلة نابالم على الخنادق العراقية، ولكنا لم نراها . وهذا شيء
آخر لم تسمح لنا القوات الأمريكية برؤيته.
ألا تعتقد أن الشعب الأمريكي سيصعق إذا علم بأن الجيش الأمريكي أطلق قذائف النابالم
على العراقيين؟
(..)اعتقد ذلك فهو سلاح كريه، نعم. ولكن في بعض الحالات لا يوجد سبيل آخر لإخراج
القوات المعادية من خنادقها المحكمة والعميقة. لا يوجد طريقة أخرى لإخراجهم من
هناك.
عندما تلغي صفة الإنسانية عن شخص ما يمكن أن تفعل به ما تشاء. لقد أطلقت الإنسانية
هناك من النافذة. لهذا قمنا بنزع صفة الإنسانية عن العراق وصدام حسين قبل أن تقع
هذه الحرب. وقد ساهمت الصحافة طوعا بنزع هذه الصفة الإنسانية.
عمل كين جيراسكي
Ken Jarecke مصورا حربيا لدى الأسوسيتيد بريس.
لقد قرر أن تكون هذه آخر حروبه. لقد منعت صوره من النشر.
لا أحد يريد أن يسيء إلى حرب جيدة، بصور كهذه.
التقطت صورة محددة لقيت انتشارا واسعا في بريطانيا، وتركت أثرا عميقا.
الرجل الذي يحاول الخروج من الشاحنة. كانت ملامحه الإنسانية هناك، يمكن للمرء أن
يشعر وكأنه ما زال حين يرزق يحاول أن يبقى على قيد الحياة، حتى اللحظة الأخيرة،
عندما كان جلده ينسلخ هن عظمه، كانت الحياة عزيزة عليه وهو يحاول التمسك بها. وظننت
أني عندما أحمل الصورة إلى أمريكا ستعرض الصورة في كل مكان.
ولكن الأسوسيتيد بريس منعتها من التداول عندما وصلت إلى نيويورك ولم توزعها على
الصحف، أي أنها فرضت الرقابة عليها هناك.
تصوير القتلى لا يرضيني ولا يجعل أمي تفتخر بي ولكني لو لم ألتقط هذه الصور وتلك
المشاهد قد يعتقد الناس أن الحروب هي أشبه بما يشاهدونه في الأفلام .
بدأ يسوء حال الفيلم على طريق البصرة، حين أدرك بوش أن الراي العام الذي بدأ يواجه
حقيقة الحرب لن يحتمل المزيد منها.
لا تقتصر آثار حرب الخليج اليوم على الجنود المرضى فحسب، بل وفي ساحات المعارك
الملوثة في العراق والكويت.
كنا أول فريق عمل غربي يسمح له بدخول ساحات معارك الخليج منذ انتهاء الحرب.
هذه الآليات العسكرية المدمرة مغطاة بغبار إشعاعي رقيق، جاء من القذائف المعززة
باليورانيوم المستهلك، المادة الأثقل التي يعرفها الإنسان.
تعتبر القذائف المثقلة باليورانيوم المستهلك أسلحة جديدة تجريبية، استخدمت لأول مرة
في حرب الخليج. تكمن مشكلتها في أن الذرات الإشعاعية التي تنجم عن الانفجار، تبقى
لتلوث المنطقة لآلاف السنين.
يمكن لهذه القذائف أن تعبر المدرعات كما يعبر السكين بالجبن.
ذهبنا للبحث عن دلائل تثبت أن ثلاثمائة طن من اليورانيوم المستهلك قد لوثت الصحراء
العراقية.
خلال جولة من ثلاثة أيام غطت منطقة تبلغ مساحتها ألف ميل، حثرنا على بقايا الإشاعات
تنتشر في أرجاء المنطقة.
التعرض لمستوى منخفض من الإشعاعات كالتي تخرج من اليورانيوم المستهلك، يؤدي إلى
الإصابة بالسرطان ومهما كان…
يسكن الدكتور إريك هوسكينEric
Hoskins
في تورونتو، وهو عصو في فريق هارفرد الطبي الذي ذهب إلى العراق قبل عامين لدراسة
تأثير الحرب على أطفال العراق، وخصوصا المشكلة الناجمة عن اليورانيوم المستهلك.
تنفجر عند إصابة الهدف فتنجم عنها حرارة شديدة تسمح لليورانيوم المستهلك بأن
يتأكسد، وعندما يتأكسد يتحول إلى جزيئات تطير في الجو. ما يعني أنه يلوث البيئة
بسهولة كبيرة، وهو يفعل ذلك على شكل جزيئات هوائية، تطير في المناطق المحيطة وعادة
ما يتجرعها الناس أو يتنفسونها، لتنتهي هذه الجزيئات في الرئتين، ما يجعل المرء
معرضا طوال حياته لقصف دائم من الإشعاعات المنخفضة المستوى. يتسبب ذلك مع مرور
السنين وفي عدد قليل من الناس بحالات من السرطان.
ما هو عدد الناس، برأيك ومن وجهة نظرك، الذين يعيشون اليوم وهم يحملون الجزيئات
الإشعاعية في رئتيهم؟
لقد تعرضت أعداد هائلة من المدنيين العراقيين لليورانيوم المستهلك، كما تعرض له عدد
كبير من الجنود الأمريكيين والبريطانيين أيضا.
كانت مهمة تيرري واكر
Terry Walker
تكن بتنظيف مخلفات الحرب. لم يكن يعرف شيئا عن مخاطر اليورانيوم المستهلك، ولم يطلب
منه اتخاذ أي إجراءات احتياطية.
لقد دخلنا إلى السيارات العراقية كي نرى ما يمكن أ، نأخذه منها للذكرى، وإنقاذ ما
بقي منها، ونرى ما هي الأجهزة التي كانت لديهم، وكنا نقود الشاحنات عبر الحطام
أيضا، وكنا ننام إلى جانبها ونأكل إلى جانبها، وإذا ما تعطلت إحدى الآليات معنا
وهذا ما حصل لإحدى الدبابات، كنا نقف هناك إصلاحها، وكنا نسأل الجنود عن الذخيرة
التي يحملونها، وكانوا يستعرضونها معنا. وكانت من القذائف المشحونة برؤوس
اليورانيوم المستهلك التي كنا نحملها أيضا.
عندما ننظر إلى داخل السيارات كنا نجد الجثث فيها محترقة، أو أشلاء الجثث منتشرة في
كل مكان. أما في الداخل فكانت تسود حالة من الفوضى المحترقة تماما، لم يكن هناك شيء
على الإطلاق.
كان اليروانيوم المستهلك يستعمل أيضا في الرصاص الذي يطلق من الأسلحة الرشاشة في
الطائرات.
كنت في مقعدي بالطائرة عندما كنا نطلق النار عليهم في الخارج…
تعرضت دبابة
Robert Sanders
للإصابة أثناء حوادث حرب الخليج الشهيرة بالنيران الودية، تعرض أكثر من سبعين جندي
أمريكي وبريطاني للقتل أو الإصابة خطأ بنيران وحداتهم.
وقد مرت إحدى قذائف اليورانيوم المستهلك من أمامي، على هذه المسافة مني، وبعد بضع
ثوان تلقيت ضربة أخرى أصابت مؤخرة الدبابة هذه المرة. فاستدرت كي أنظر إلى الخلف،
وعندما كنت أمعن النظر جانبيا، تلقيت رشا من الشرار في وجهي.
كانت ألوان قطع المعادن قبل إزالتها من وجهي تتغير في بعض الأيام، فكانت تنتقل من
اللون الأخضر إلى الأزرق أحيانا، وهذا ما لفت انتباهي، لم أفهم أبدا لماذا يحدث
ذلك.
عند خروجنا مع بدء الحرب منحنا جهاز لقياس كمية الإشاعات الموجودة في المنطقة. كان
أشبه بالساعة أسود اللون على شكل قبة قريبة من ورقة الخبيزة. وكان يجمع المعلومات
داخل القبة، على المرء أن يرسلها إلى شخص يتعامل بالإشعاعات، ليتولى تحديد كمية
الإشعاعات التي كانت في المنطقة حينها.
يأخذون عينة من البول كل ستة أشهر، وعندما فعلوا ذلك لأول مرة عثروا على أربعة
فاصلة ستة ميكروغرام في الديسلتر الواحد، أي أربعمائة ضعف ما يجدونه لدى عمال محطات
الطاقة النووية المعرضين بشكل دائم. وهكذا ترتع هذه الكميات الهائلة من الإشعاعات
في جسمي.
خرج وزير القوات المسلحة مؤخرا ليقول أن جهاز الدوسيمتر لم يوزع أبدا على الوحدات
التي خرجت إلى الخليج. وهذه كذبة كبيرة لأني كنت أحمل واحدا منها وكان أعضاء الوحدة
جميعا يحملونه، إلى جانب وحدات أخرى أيضا. وفي نهاية الحرب، جمعوا منا أجهزة
الدوسيمتر، ولم نعاود رؤيتها بعد ذلك أبدا.
عند ذلك اختفت جميع وثائقي بكاملها. لا أحد يعرف إطلاقا أين أوراقي، وعندما أتصل كي
أتحدث مع شخص ما، يتقاذفونني بين خمسة أو ستة ضباط في مكاتب مختلفة. هناك مسألة
تميز الحكومة الأمريكية، هي أنها عندما ترسلك إلى عدة أماكن يعني ذلك أنها تخفي
شيئا عنك.
اليورانيوم المستهلك مشكلة حقيقية، وهذا ما فكرنا به عند تطويره. وقد جرى تطويره
وفق المعايير المناسبة وبحذر كامل. ليتبين لاحقا ربما أنه تقدير خاطئ.
إنها مسألة تستحق المراجعة، وهناك إيحاءات يتم نفيها، تتحدث عن تسببها بمشاكل يوحي
بها الناس. علينا أن نراجع الموضوع ونتأكد مما جرى فعلا وإذا ما كان هناك أسباب
تدعو للقلق، حسب ما يمكن العثور عليه، عنها نقرر ما إذا كنا سنتراجع عن استخدامه أم
لا.
مما تخاف؟ ما الذي تخاف أن يصيبك؟
أخاف على المدى البعيد، ربما بعد عشرة أو خمسة عشر عاما، أن أصاب بمرض السرطان، هذا
ما أخافه.
شهدت السنوات الثلاث الماضية حالات من التشوه الخلقي، وتحديدا باللوكيميا، حسب
سجلات السرطان الوطنية العراقية. قامت الدكتورة سلمى حداد بدراسة شخصية على مجموعة
من مرضاها في مستشفى جامعة بغداد. وقد تبين لها أن النمو الأكبر يرد بين الأطفال
القادمين للعلاج من المناطق الجنوبية، أي مناطق الحرب.
لنلق نظرة على هذه ماذا وجدت هنا؟
نرى في هذه الورقة أن هناك نمو في الحالات التي تعاني من أورام الدماغ بعد عام
اثنين وتسعين، كما تثبت الأرقام.
هل ترد هنا حالات اللوكيميا؟
نعم يمكن أن نلاحظ هنا أن هناك نمو مستقر في عدد حالات الليمفوبلاستيك لوكيميا، كما
تؤكد الأرقام، كما أن زملائي يؤكدون زيادة في حالات السرطان بعد الحرب.
يعاني هذا الطفل من تصاعد في حالة اللوكيميا لديه ولم نتمكن بعد من الحصول على
الفيني كريستين له. ومع ذلك نأمل أن نتمكن من الحصول عليه مع نهاية الأسبوع.
تؤدي العقوبات إلى عدم وجود ما يكفي من الأدوية لمعالجة الأطفال من السرطان، كما
تعني أن ثلث أطفال العراق، يعانون من سوء التغذية.
من السهل أن نرضى بالحرب والدعاية والأكاذيب. لقد اعتدنا على استهلاك الأكاذيب.
هذه هي الحرب، كما يحب الجنرالات أن يقولوا.
ولكن الحرب هي القتال باسمنا ولا يحق لأي جنرال أو سياسي أن يمنعنا من معرفة
الحقيقة.
كي نرى فعلا ما نقبل به، من وجه حقيقي للحرب.
--------------------انتهت.
