|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
خريطة المعارك
نصر الصحراء
تحقق نصر الحلفاء الساحق في حرب الخليج بفضل تكنولوجيا الأسلحة والاستراتيجية
الفعالة. لم يكن الهدف المعلن للحرب الاستيلاء على العراق، بل السيطرة على الكويت
وإضعاف القوة العسكرية لبغداد. سنتحدث في هذا التقرير عن الأسلحة والاستراتيجية
المعتمدة في عمليات عاصفة الصحراء، وما ستعنيه في الحرب المقبلة.
قد لا تنطبق الدروس التي تعلمناها من عمليات عاصفة الصحراء على الحرب القادمة. قد
يكون النزاع العصري المسلح أكثر تعقيدا من اختصاره بلائحة من الدروس. ساهم عدد كبير
من العناصر في انتصار الحلفاء على القوات العراقية في الكويت.
قرر صدام حسين سحب قواته إلى مواقع دفاعية في مواجهة تقدم الحلفاء المتراكم، الذي
بلغ تعداده عشية بدء العملية ما يقارب المليون عسكري يمثلون أكثر من اثني عشر بلدا.
قرار صدام حسين بالانتظار والسماح للحلفاء بحشد القوى أوقع به الكارثة . تعزز
التأثير السلبي لقراره على القوات العراقية في الكويت بالموقع الجغرافي الذي وقعت
فيه المعركة. مواجهة حرب في ظروف طبيعة ليس فيها أماكن للاختباء عزز هزيمة القوات
العراقية كمصير مؤكد.
كانت الظروف طبيعة عامل واضح في صالح الحلفاء، ذلك أن طبيعة الأرض المسطحة للصحراء
باختلاف درجة الحرارة الكبير بين الليل والنهار، شكل ساحة حرب نموذجية لاستعمال
الأسلحة الذكية. فقد ثبت أن التكنولوجيا الحديثة المستخدمة من قبل الحلفاء كانت
قادرة على اكتشاف الخنادق التي يختبئ فيها الجنود والعتاد.
دونيغنا: أثبتت حروب الصحراء في هذا القرن بما فيها خلال الحرب العالمية الثانية
والحروب العربية الإسرائيلية وحرب الخليج، بأنها سريعة الحسم ذلك أن القوات لا تجد
مكانا تختبئ فيه. أي أن كل طرف يرى ما يخفيه الطرف الآخر، ما يعني أن كل من الطرفين
يستطيع الخوض مباشرة في تدمير أسلحة الطرف الآخر وتحقيق نتيجة سريعة. تكمن المشكلة
في أنه إذا استخدم العديد من أسلحة المستقبل في حروب البلقان أو كوريا، سيجد الطرف
الآخر فيها قدرة على الاختباء بعدة سبل. ما سيزيد الأمر سوءا. أما حرب الخليج فكانت
محددة جدا، ولو أنها تمت في مناطق أخرى لاختلفت النتائج من حيث المدة التي
استغرقتها وعدد الإصابات التي تعرض لها الحلفاء. تحدثت مع طياري الإيه عشرة الذين
حلقوا في حرب الخليج بعد أن خدموا في كوريا، وهم يقولون أن الأمر يختلف جدا في
المنطقتين. فما يمكن القيام به في الصحراء لا ينطبق على كوريا والعكس صحيح، وهذا هو
الحال أيضا في البلقان. قد نواجه أخطارا أكبر، ونضرب عددا أقل من عربات العدو
وقواته، وهذا لا ينطبق على الإيه عشرة وحدها بل على جميع الطائرات سواء كانت من
الهليكوبتر أو الإف خمسة عشر.
حددت أهداف الحملة التي انطلقت من التوجهات السياسية، سبل القتال في هذه الحرب.
رغم الكميات الهائلة لمصادر النيران المستخدمة من قبل التحالف في الخليج كان مجال
النزاع ضيق جدا. الأهداف المحددة للحرب من قبل الحلفاء ساعدت صدام حسين على
الاستمرار في حكم العراق، رغم إصرار الأطراف الدولية على إسقاط نظامه. أدت هذه
الوقائع إلى إساءة تقديم حجم النصر الذي أحرزه الحلفاء.
رغم تعرض الرئيس العراقي صدام حسين للإدانة السياسية في أنحاء العالم، إلا أن
الأهداف العسكرية وتحديدا السيطرة على الكويت، هي التي شكلت دليلا على مدى استعداد
وإرادة حكومات الحلفاء للسير في هذه العملية.
تعتمد استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على مبدأ توازن القوى. بحيث لا
تسمح لأي بلد في المنطقة بأن يضعف لدرجة عجزه عن الدفاع عن نفسه. كما لا تسمح
بالوقت نفسه لأي بلد في المنطقة بأن يبلغ من القوة ما يمكنه من السيطرة على
المنطقة. يساعد ذلك على فهم استراتيجية الحلفاء الهادفة إلى السماح للعراق بامتلاك
جزء من بنيته العسكرية التحتية مكانها.
ساعدت بنية الحلفاء بحد ذاتها أيضا على تحديد طبيعة وأهداف هذه الحرب.
دونيغان: لدينا تحالف تنضم إليه بعض الدول العربية، التي كان لها رأي في أهداف
الحملة، لا يوافق على احتلال دولة عربية أخرى، هي العراق في هذه الحالة، بل أرادت
الاكتفاء باستعادة الكويت. أما المشكلة الأخرى فهي كما شرحت في نهاية الحرب شعرنا
بالانتصار المجيد ونحن في الصحراء. أما لو صعدنا إلى دجلة والفرات حيث يسكن
العراقيون، سنعرض أنفسنا إلى فيتنام أخرى. قد لا يوافق حلفاؤنا العرب والمنتخب
الأمريكي على دخولنا إلى بغداد لاعتقال صدام حسين شخصيا.
إلى جانب أهمية طبيعة الأرض والأهداف المحددة من قبل الحلفاء، نجد أن نوعية وكميات
الأسلحة المستخدمة لإنجاز عملية عاصفة الصحراء أكثر من أن تحتملها القدرات
العراقية. وقد برز ذلك بوضوح تام من خلال التفوق الجوي.
بدأ الهجوم الجوي بعد أشهر من التحضير في السابع عشر من كانون الثاني يناير من عام
واحد وتسعين، حيث سجلت في الليلة الأولى أكثر ألفي طلعة جوية لضرب الأهداف
العراقية، وقد بلغت هذه الطلعات مع نهاية الحرب أكثر من عشرة آلاف مهمة.
أصبحت صور فيديو الحرب بالأبيض والأسود للقذائف الذكية التي أطلقت على أهداف دقيقة
ومحددة مألوفة جدا. ولكن هذه الصور تمثل النتيجة النهائية لضربات استغرقت القوات
الجوية عقودا لتصميمها. استخدم هذا التناسق في القوة للتخلص من الدفاعات الجوية،
وضمان التفوق الجوي وخفض عدد الإصابات بين الأفراد والطائرات إلى حدودها الأدنى.
توقع واضعو الخطط من العراق أن يبدي مقاومة جدية للهجوم الجوي. فقد تعلمت القوات
الجوية والبحرية الأمريكية في فيتنام، أن الدفاعات الجوية الحديثة كالصواريخ
والأسلحة الموجهة بالرادار، قادرة على توجيه ضربة قاتلة للطائرات المهاجمة. دفعت
التجربة الفيتنامية بالقوات الجوية الأمريكية إلى تكريس اهتمام خاص بالأساليب
الجديدة الكفيلة بالتخلص من الدفاعات الجوية للعدو.
هومير: يكمن السبب في تحقيق النجاح الباهر الذي حققته عاصفة الصحراء في عامل
المفاجأة الذي أصاب الدفاعات الجوية للعدو. حظي ذلك بالأولوية عبر عدد من السبل
المتنوعة بدءا من قصف المدرجات، مرورا بقصف أبنية الهاتف ومواقع الرادارات وانتهاء
بإسقاط طائرات الميراج في الجو. هذه هي العوامل الحيوية في أي حملةنقوم بها حيث
يتمتع العدو بقوة جوية أو أنظمة دفاعية. وأنا لا أعرف أي دولة في العالم لم توظف
أموالا طائلة على هذه القدرات.
تكمن الخطوة الأولى في الحرب الجوية باقتلاع عيون الأعداء. إذا منعنا راداراته
من الرؤية ستصبح دفاعاته الجوية عاجزة عن الحركة. هذا ما حدث في فيتنام والخليج على
حد سواء حيث دمرت الرادارات عبر صواريخ تتجه نحو الإشعاعات. كانت تلك مهمة الإف
أربعة وايلد ويزيل، التي كانت تحدد موقع الرادار عبر أجهزتها الحسية، لقصفها
بصواريخ هارم المضادة للرادارات.
يكمن الأسلوب التقليدي الثاني بالازدحام الإلكتروني الذي قامت به الإف مائة وأحد
عشر رافين، وذلك بتحليقها فوق منطقة المعارك لتعطل رادارات العدو بنظامها
الإلكتروني القوي.
إيزبي: هزمت شبكة الدفاعات العراقية مبدئيا خلال الساعات الأربع والعشرين الأولى.
لينخفض بعد ذلك مستوى فعاليتها إلى حد البقايا. وبما أن الأمر يتطلب طلعات جوية
موجهة طوال فترة الحرب، لم تعد تشكل عاملا هاما في التحليل النهائي. بل أصبحت هذه
الدفاعات تشكل تهديدا بريا بدل التهديد الجوي المعقد. يكمن السبب الآخر لانهيار
الدفاعات الجوية العراقية بالحجم الهائل والمعقد للجهود التي بذلت ضدها. استخدمت
الحرب الإلكترونية ضد الدفاعات العراقية بطريقة لم يسبق لها مثيل في أي نزاع آخر،
حتى أنها كانت أشد تعقيدا من تلك التي اتبعت في فيتنام، أو حتى تلك المستخدمة في
حروب الشرق الأوسط .
سجلت الحملة الجوية على العراق أول معارك جدية تشهدها طائرات التسلل إف مائة وسبعة
عشر، التي جسدت أسلوبا حديثا في التعامل مع الدفاعات الجوية، حال شكل وبنية هذه
الطائرة دون اكتشاف الرادارات العراقية لها، إلا على المسافات القريبة جدا. وقد
لعبت دورا لا يقدر بثمن في الهجمات الأولى عبر قذائفها الموجهة البالغة الدقة.
رغم أن مجموعات التسلل شكلت اثنين ونصف بالمائة فقط من قوة الهجوم، إلا أن الفضل
يعود لها في ضرب واحد وثلاثين بالمائة من الأهداف الذي أصيبت في اليوم الأول. عندما
كانت الدفاعات الجوية هي الأقوى.
هومير: لا أعتقد أن هناك أدنى شك في أن طائرات التسلل شكلت ثورة في الصناعة
الحربية،وقد تأكد ذلك عبر المائة وسبعة عشر. الشيق جدا في الأمر هو حجم الانتقادات
الشديدة التي جاءت حتى من بعض العاملين في سلاح الجو خلال فترة السبعينات
والثمانينات، ولكنها تمتعت بهذه القدرات بعد أن اشتهرت بقدراتها الفعالة. لا بد من
ذكر أن أي من طائرات التسلل لم يتعرض للإصابة من النيران الأرضية، أو أي نوع من
الدفاعات المعادية، رغم قيامها بأصعب المهام. هذه هي الطائرات التي كانت ترسل إلى
بغداد ليليا لتنفيذ مهام أثبتت تفوقها.
سجلت الإف مائة وسبعة عشر مع نهاية الحرب ثلاثة آلاف طلعة، قذفت خلالها ألفي طن من
المتفجرات. لا شك أنها نسبة قليلة من مجموع ما أطلق فوق العراق من قنابل، ولكنها
بالغة الأهمية. أطلق ثلث القذائف ذات التكنولوجيا العالية عبر هذه الطائرات على وجه
الخصوص.
ولكن طائرات التسلل تعني أكثر من هزيمة العدو عبر الاختفاء شبه التام، بل يعني
القدرة على التنسيق بين قدرات عدد من الطائرات في طائرة واحدة. إلى جانب قيامها
بعمليات الضرب والاشتباك، فهي لا تتطلب مساعدة من الطائرات الحربية الإلكترونية مثل
الوايلد ويزيل، أو الرافين. فقيام ستة عشر طائرة من نوع إف ستة عشر التقليدية بضرب
مفاعل نووي بالقرب من بغداد، تطلب أربعين طائرة دعم، ومع ذلك لم يحقق النجاح
التام. كما تطلب القيام بعملية متابعة من قبل طائرات البي إف مائة وسبعة عشر دعما
من طائرتي شحن بالوقود. أكثر من ثمانين بالمائة من القذائف التي أطلقت فوق العراق
بهذه الطائرة أثناء النزاع أصابت أهدافها.
رغم أن شراء طائرات التسلل أكثر كلفة من طائرات الهجوم التقليدية، فقد أثبتت ملحوظا
في الكلفة الشاملة للعمليات الهجومية. تحدد هذه التجارب شكل معارك الطائرات في
المستقبل. أجيال الطائرات القتالية في المستقبل كما هو الإف اثنان وعشرون المقاتلة
وطائرة كومانش الهليكوبتر الاستطلاعية، والبي اثنان سبيريت القاذفة، جميعها تعتمد
على مبدأ التسلل في الإف مائة وسبعة عشر المقاتلة.
تبرز الذخائر الموجهة نحو الهدف من بين العناصر الأهم في حرب الخليج . السخرية في
الأمر هي أن القذائف الموجهة بأشعة الليزر لم تكن جديدة بالقدر الذي يتوقعه غالبية
الناس، أما الجديد فيها فهو الدور الذي لعبته في الحملة الجوية.
فريدمان: لا أعرف لماذا اصطدم الناس إلى هذا الحد بالقذائف الموجهة على الليزير مع
أنها اخترعت أثناء حرب فيتنام، حيث استخدمت بنجاح تام وأحرزت سمعة طيبة حينها.
فهناك على سبيل المثال جسر شهير اسقط باستعمال القذائف الموجهة. كما استخدمت
القذائف الموجهة أيضا في الغارات على طرابلس عام ستة وثمانون، وحازت على الكثير من
الدعاية. وأعتقد أنها استخدمت أيضا في الهجمات على إيران عام سبعة وثمانين وبالكثير
من الدعاية. المفاجئ في الأمر هو أنها لم تكن كثيرة. ذلك أن القذائف الموجهة
بالليزر يتطلب الفيديو. غالبية ما شاهدتموه على الفيديو هو جزء من الهجمات التي تمت
بتوجيه من الليزر، وأعتقد أنه لم يسبق لغالبية الناس أن شاهدوا هذا النوع من
الفيديو من قبل. أما القذيفة بحد ذاتها فلم تختلف كثيرا عن تلك التي نشاهدها منذ
السبعينات. فهي أداة بسيطة جدا وفعالة.
كان حوالي تسعة بالمائة من القذائف المستعملة هناك من تلك الموجهة بالليزر، أو
أشكال أخرى من الدقة في التصويب. رغم كلفة هذه الأسلحة الباهظة الصناعة، فهي أكثر
قيمة من القذائف التقليدية. ذلك أنها تتطلب مهمات قتالية أقل لتحقيق الأهداف، فهي
عادة ما تحرز دقة إصابة بنسبة تسعين بالمائة من الحالات، بينما نادرا ما تصيب
القذائف التقليدية أهدافها بأكثر من نسبة ثلاثين بالمائة من المرات. عادة ما يستغرق
القيام بعمليات كضرب الجسور عشرات العمليات الغير موجهة قبل تدميره فعليا. أما تلك
الموجهة، فيحتاج تنفيذها مهمات أقل، ما يعني تعرض عدد أقل من الطائرات والأفراد
لخطر الدفاعات الجوية للعدو.
بعد تحطم النظم الدفاعية شبه التام وسيطرة القوات الجوية للحلفاء على منطقة النزاع،
لم يبق للقوات الجوية العراقية أكثر من خيار تحاشي المعارك الجوية وحماية
طائراتها. وهكذا فإن المعارك الجوية التي جرت كانت من جانب واحد فقط، إذ لم تتمكن
الطائرات العراقية من إسقاط أي من طائرات الحلفاء، بينما أسقط الحلفاء خمس وثلاثون
طائرة حربية عراقية. وهكذا لم تتمكن الوحدات الجوية لبغداد، رغم شهرتها الإعلامية،
من إبداء أي مقاومة جدية هناكز
بعد عجزها عن مواجهة طيران الحلفاء لجأت قيادة القوات الجوية العراقية إلى إخفاء
طائراتها تحت ستائر من الإسمنت سرعان ما باشر الحلفاء بتحديد استراتيجية لضرب هذه
الستائر وتحطيمها .
دمر ثلاثمائة وخمس وسبعون ملجأ للطائرات في الحرب من بين الخمسمائة وأربع وتسعين
تحددت هويتها أثناء الحرب. بهدف حماية ما تبقى من الوحدات الجوية لاذت مائة من
الطائرات العراقية بالفرار إلى إيران، التي رفضت إعادتها واعتبرتها تعويضا عن خسائر
الحرب العراقية الإيرانية.
رغم عهدم تدمير هذه الطائرات الفارة إلا أنها أخرجت من ساحات المعارك. بعد تشتت
وعجز القدرات الدفاعية الجوية للعراق ركزت القوات الجوية للحلفاء اهتمامها على
الوحدات العراقية في الكويت والأراضي المجاورة لها.
بعد الفوز في الحرب الجوية بدأت القوات الأرضية للحلفاء في العمل. تحت غطاء من
التفوق الجوي تحركت قوات الحلفاء نحو نقاط انطلاقها، متقدمة غربا على طول الحدود
السعودية مع العراق. افتقاد القوات العراقية لوسائل استخباراتها وطائراتها
الاستطلاعية جعلها تجهل الحشود الجارية غربي الكويت. ادعى الحلفاء هجوم مباشرا
وهددوا بإنزال برمائي، بينما استخدموا تفوقهم في الحركة لضرب خاصرة الوحدات
العراقية. مع بداية الهجوم البري للحلفاء عجزت الوحدات العراقية العاملة في الكويت
عن الرد على الهجوم الذي اخترق العراق من الغرب.
ما كان للاختراق الذي قام به الحلفاء أن يحقق أي نجاح يذكر لولا الأداء المتفوق
للأسلحة البرية للحلفاء.
الاعتماد على عربات من طراز إم واحد إيه واحد، ودبابات أبرامز وعربات برادلي إم
اثنان المقاتلة، مكنت الحلفاء من القيام بحرب من المناورات. سجلت فرقة المشاة
المؤللة الرابعة والعشرون رقما قياسيا في سرعة التقدم على الأرض، إذ عبرت مائتان
وعشرون ميلا خلال أربعة أيام، أي ما يوازي خمسة وخمسون ميلا في اليوم الواحد.
واجهت دبابة أبرامز إم واحد، التي اعتبرتها الصحافة عشية الحرب غير مجدية للنفع،
الانتقادات التي وجهت إليها على الأرض. لم تتمكن الدبابات العراقية التي تتألف بشكل
رئيسي من التي خمسون والتي اثنان وسبعون السوفياتية الصنع، من مواجهة غريمتها الإم
واحد إيه واحد الأشد فتكا،والتي مكنها المدى الأبعد في النيران من تدمير عدد كبير
من الدبابات العراقية وهي على مسافة من مرمى نيرانها بعد، كما أن سرعتها منحت قوات
الحلفاء قدرة أكبر على سرعة الحركة.
كما أن وحدات المارينز الأمريكية التي اعتمدت على دبابات الإم ستين سلاحا رئيسيا
لها أثبتت قدرتها الفاعلة ضد المدرعات العراقية. حتى أن الدبابات القتالية
المشابهة، كاتاري إيه إم إيكس ثلاثين، تمكنت من مواجهة دبابات التي خمسة وخمسون
العراقية أثناء معركة الخفجة، ما أشعل النيران في أربعة منها وهجرت الخامسة.
بفضل التفوق الجوي تمكنت عربات مقاتلة مثل برادلي التي وصفت قبل الحرب بأنها فخ
قاتل، لتخصصها العالي ودروعها القليلة، تمكنت من إبراز القيمة العالية لتحركها
ونيرانها الثقيلة.
السلاح الآخر الذي لقي اهتماما بالغا قبل الحرب هو طائرات الهليكوبتر إيه إتش أربعة
وستون أباتشي، إذ أن أداؤها في عاصفة الصحراء أثار أسئلة كثيرة لا تتعلق بقدراتها
فقط بل بأهمية هذه الطائرات في الحروب المقبلة. لعبت هذه الطائرات أثناء عاصفة
الصحراء دور أساسي مختلف عن ذلك الذي قامت به في الحروب السابقة، إذ أنها استخدمت
في كوريا وفيتنام لنقل الجنود على وجه الخصوص. بقي لهذا الدور في حرب الخليج أهمية
بارزة، ولكن قدرة الهليكوبتر المميزة على تحريك مصادر النيران سريعا للقوات الأرضية
جعلها شديدة الوضوح. تمكنت هجمات الأباشي من تدمير حوالي ألف عربة مدرعة، ليجعل
منها أشد الأسلحة المضادة للدروع فتكا. تستطيع طائرات الأباشي ونظيرتها في المارينز
والجيش الكوبرا، اكتشاف وتحديد أهداف دقيقة كالدبابات بسهولة أكبر من الطائرات
السريعة. رغم قدراتها العالية، فإن أهمية الهليكوبتر في الهاجم غير معترف بها على
مسنوى واسع النطاق بعد. رغم أن بعض المراقبين بدون اهتماما خاصا بها. تؤكد دراسات
عسكرية سوفيتية سابقة بأن استخدام الجيش الأمريكية للهليكوبتر في الهجوم يزيد من
القدرات القتالية للوحدات بما يزيد عن خمسين بالمائة.
غيزبي: يمكن اعتبار حرب الخليج الساحة الأكثر فعالية لهجمات الهليكوبتر، التي أصبحت
في كثير من الأحوال نجمة للحرب الأرضية، فقد تميزت أولا بالتقدم على الأرض. من
الطبيعي أن تفتقد الصحراء لمواصفات الأدغال، إذ أنها تفتقر لأماكن اختباء الأهداف،
ما يعرضها لجميع التهديدات. تمكنت الهليكوبتر من القصف ليلا نهارا، ما لم تتمكن من
القيام به في فيتنام، أو حتى في حروب الشرق الأوسط المبكرة، رغم أن غالبية عمليات
المارينز والجيش كانت تتم ليلا. كان التهديد الجوي أقل خطورة. لم يكن عناك أي نوع
من الطائرات القادرة على المجيء لمطاردتها. دمرت الدفاعات الجوية بشكل شبه كلي منذ
اليوم الأول من الهجوم الجوي، ما يعني أنها عاجزة عن تهديد الهليكوبتر. لم يكن هناك
مواقع لاختباء الدفاعات الجوية، كما قد يكون عليه الحال في حرب أوروبية. أي أن هذه
الطائرات تمكنت من إحراز نتائج أفضل من تلك التي قد تحققها في أوروبا، وبحجم أقل من
الخسائر. كما أنها كانت قادرة على القيام بذلك دون أن تستغرق الكثير من الوقت في
العثور على الهدف كما يفترض أن يحدث في العالم الثالث. أي أنها كانت نموذجا
للهليكوبتر المحاربة فعلا. لست متأكدا من فعاليتها الموازية في حرب أقل كثافة من
هذه، وفي ظروف طبيعية أسوأ، أو في نزاع أشد كثافة في أوروبا مثلا، رغم ذلك فقد
أثبتت هذه الطائرة أنها هنا لتبقى ورغم ضعفها فهي ليست أقل ضعفا من أي أداة أخرى في
ساحات المعارك الحديثة، حيث نستطيع تدمير على كل ما يمكن رؤيته.
دمرت الوحدات العسكرية العراقية في الكويت خلال أيام فقط. صور مئات العربات المدمرة
المنتشرة على طول الطريق المؤدية إلى العراق تشكل دليلا واضحا للطريق عبر الصحراء.
فوجئ الضباط العراقيون الذين استسلموا للحلفاء حين علموا بأن أكثر من ستين جندي
عراقي أسروا أثناء العملية الخاطفة.
من السهل أن نعتبر بأن الحرب المعاصرة لا تتعدى السباق التكنولوجي في العتاد. لا شك
أن هذه الآلات ليست إلا أدوات في أيدي الجنود من الشبان والشابات أحيانا، نجد أفضل
مثال على ذلك في معارك الدبابات الصحراوية، حيث تفوقت دبابات الحلفاء تكنولوجيا على
مثيلتها العراقية. ولكن الفارق التكنولوجي لم يكن كبيرا بما يكفي لشرح الأسباب التي
جعلت العراق يفقد مئات الدبابات مقابل انعدام الخسائر في صفوف دبابات الحلفاء.
نستنتج من ذلك أن العنصر البشري لعب دورا موازيا لنوعية الأسلحة.
إيزبي: تعود الطبيعة الوحيدة الجانب لجميع المعارك الأرضية، وتحديدا منها الخاصة
بالدبابات، إلى ما هو أكثر من تفوق دبابات الحلفاء على الدبابات السوفيتية الصنع
التي لدى العراق. لا شك أن أبرامز إم واحد إيه واحد الأمريكية وشيفتين البريطانية،
والإيه إم إكس ثلاثون الفرنسية تتفوق جدا على التي اثنان وسبعون، التي روجت لها
الصحافة، والتي خمسة وخمسون، فخر الجيش العراقي، وكلاهما من التصاميم السوفيتية
القديمة. ولكن التكتيك والتماسك وكثافة النيران أهم من هذه التفوق التقني. ولا شك
أن الحلفاء كانوا متفوقين جدا في هذه المجالات. وقد شاهدنا في الماضي كيف أنه رغم
تفوق أحد الطرفين، كانت المعارك تنتهي بنتائج مشابهة. في بعض المعارك الأولى التي
شهدتها الجبهة الروسية في الحرب العالمية الثانية، وفي بعض معارك حرب عام سبعة
وستين في الشرق الأوسط، يمكن أن نرى نتائج من جانب واحد، في حين كان أحد الطرفين
جاهزا، والآخر مدربا، كما كان أحد الطرفين متماسكا في مواجهة مجموعات من الرجال
داخل دبابات بالكاد يعرفون سبل قيادتها وإطلاق النار فيها،ولكنهم لم يتعلموا سبل
القتال الجماعي مع فرق قتالية أخرى في ظروف الحروب المعاصرة البالغة القسوة.
دفعت تجارب فيتنام بالمؤسسة العسكرية الأمريكية إلى الاعتقاد بأن التدريب الذي
يتلقاه الجندي والطيار الأمريكي ليس بالمستوى المطلوب. ما دفع إلى اعتماد برامج
التدريب الأسطوري في مدرسة طياري البحرية توب غان. والريد فلاغ للقوات الجوية. أما
الأقل شهرة منهما والأهم بالنسبة لحرب الخليج فكان مركز تدريب الجيش الوطني، في
صحراء جنوب كليفورنيا.
إيزبي: نشوء التدريب الفعال في الغرب، كما هو الحال في مركز تدريب الجيش الوطني في
كليفورنيا، وتدريبات الريد فلاغ للقوات الجوية وتمارين الغرين فلاغ الجارية في
قاعدة نيلز الجوية في نيفادا، كانت هذه التدريبات بمجموعها بالغة الأهمية لتحقيق
النصر في حرب الخليج. كانت تلك تدريبات عملية لم نشهد مثلها من قبل في حروب أخرى.
ولا قبل فيتنام، أو حتى قبل الحرب العالمية الثانية بالطبع. كانت الولايات المتحدة
وحلفائها مستعدة لتوظيف الأموال اللازمة لجعل التمارين تبدو أقرب ما يمكن إلى ظروف
الحرب. فحاولوا المبالغة من خلق الظروف. لا شك أن التدريبات عادة ما تعجز عن ذلك.
حقيقة أن التدريب في إيروين لا يشمل سفك الدماء وضع حدا لإمكانية خلق ظروف مشابهة
بظروف الحرب. ومع ذلك فإن الحيرة والارتباك وما أسماه كلاوزويتس باحتكاك ساحات
المعارك، والارتباك الذي يجعل الناس يتركون احترافهم على خطوط القتال، كان بالغ
الأهمية، لدرجة أن أحد الضباط المتخرجين من هناك علق بعد انتهاء الهجوم البري على
ذلك بالقول أن الأمر والحمد لله لم يكن بصعوبة مركز التدريبات الوطني في إيروين.
لم يتحقق النصر في حرب الخليج بفضل نقاء الجنرال دايناميك وماك دونيل دوغلاس، بل في
قاعات الدراسة واجتماعات القواعد العسكرية التي يعرفها غالبية الأمريكيين. تعتبر
الثمانينات فترة زيادة المثقفين في القوات المسلحة للولايات المتحدة، التي لم تعرف
بميولها الثقافية، فطرح في البداية سؤال يقول: لماذا خسرت أمريكا الحرب في فيتنام؟
أثارت دروس هذه الأبحاث شهية الكثير من الضباط المحترفين. انتشر حماس شديد بين
أوساط قادة المعارك الطموحين لدراسة فنون الحرب، وقد تحقق النصر في حرب الخليج بفضل
هذه الدراسات إلى جانب القدرات العالية للأسلحة.
كارتوس: من الصعب جدا أن يحدد المرء ما إذا كان قد فاز في الحرب بسبب قوته أو ضعف
خصمه. ولكني أعتقد بأن هناك حقيقة واضحة هنا وهي أن الطريقة التي جرت فيها هذه
الحرب كانت مميزة. الجماعات المسؤولة عن وضع الخطط لها من جانب الحلفاء كانت تعي
نقاط قوتها ونقاط ضعفها، إلى جانب نقاط قوة عدوها ونقاط ضعفه. ويبدو أن هذه القيادة
قد أفلحت في استغلال نقاط قوتها والتقليل من نقاط ضعفها من جهة، إلى جانب التقليل
من أهمية القوة العراقية والاستفادة من نقاط ضعفها. هذا أسلوب في الحرب لم يكن
معتمدا من بين الأساليب الأمريكية التقليدية. إذ أنها اعتمدت في هذه الحرب تحديدا
على ما لدى الخصم بشكل خاص إلى حد بعيد.
كانت الأسلحة العالية التقنيات المستخدمة من قبل الحلفاء على مستوى التدريب الجيد
الذي تلقاه الجنود عليها. بفضل عقود من التدريبات، تمكنت هذه القوات من التعامل مع
التنوع الكبير في الأسلحة التي استخدمت خلال النزاع، فنجحت بتنفيذ مهماتها. بعد
التأكد من صحة العلاقة بين السلاح والجندي، لم يبق أمامنا سوى التعرف علىالأسلوب
الذي استخدمت فيه هذه القوة الفتاكة للقيام بالعمليات الهادفة للسيطرة على الكويت.
بعد تأكد العراق من عدم قدرته على مواجهة الحلفاء مباشرة اضطر للجوء إلى وسائل
أخرى، فلم يجد خيارا أفضل من محاولة توسيع رقعة الحرب مستخدما صواريخ سكود لضرب
إسرائيل والأهداف العسكرية في السعودية.
أملت العراق بأن تؤدي مشاركة إسرائيل في الحرب إلى خلق شرخ في صفوف الحلفاء بين
أعضائها من دول عربية وغير عربية.
السلاح العراقي الوحيد القادر على زج إسرائيل في الحرب وتحقيق الأضرار في أهداف
أبعد من العراق والكويت هي صواريخ سكود البالستية، التي استهدفت من مواقعها في
الصحراء الغربية للعراق المدن الإسرائيلية. أثبت عدم دقة هذه الصواريخ في الإصابة
أنها سلاح قادر على دب الرعب، وإثارة القلق على الصعيد العالمي.
كاروس: لم تتسبب صواريخ سكود بدمار وأضرار على مستوى الصدمة التي خلفتها، ولكنها
السلاح الوحيد الذي تمكنت العراق من خلاله تحقيق أي شيء. إذا أجرينا مقارنة بين
السكود وسلاح الجو مثلا أو الجيش بكامله يمكن القول بأن السكود أفادهم أكثر من أي
شيء آخر. وأعتقد أن هذا يبرر جزئيا أسباب استمرارهم في الاعتماد عليه. والأهم من
ذلك هو أن قوة هذا السلاح خلفت تأثيرات سياسية هي أبعد من الأهمية التي نجمت عنها
كعمليات عسكرية. لو تمكنت العراق من زج إسرائيل في الحرب فسيكون ذلك عبقر قصفها
بالصواريخ، لأنها الطريقة الوحيدة للنيل من إسرائيل، والحقيقة أنها أوشكت على ذلك
فعلا. لولا سعي الولايات المتحدة وحلفائها للخروج من هذه الأزمة بالسبل المناسبة،
لكان من المحتمل جدا أن تغير هذه المشكلة جذريا من طبيعة هذه الحرب وظروف ما بعد
الحرب التي ستنجم عنها.
لم تحسب العراق حسابا لفعالية صواريخ باتريوت، إذ لم يسبق أن تم إسقاط الصواريخ
البالستية في المعارك من قبل. انطلقت بعض الانتقادات منذ الحرب، تقول بأن الباتريوت
لم يتمكن من إسقاط جميع صواريخ سكود التي استهدفها. ولكن الحقيقة هي أن قلة من
الأسلحة المضادة للطائرات أو الدبابات أو السفن تمكنت من تسجيل الأرقام القياسية في
دقة الإصابة التي أحرزها الباتريوت أثناء حرب الخليج.
قادت وحدات الحلفاء حرب الخليج بالاعتماد على مفاهيم الحروب الأرضية الجوية، التي
تعتبر فكرة قديمة تحمل اسما جديدا، فهي لا تتعدى حدود التنسيق بين العمليات الجوية
والأرضية لتحقيق النصر. تعززت الطبيعة الثلاثية الأبعاد لتعامل الحلفاء مع الحرب من
خلال شبكة معقدة من وسائل الاستطلاع الفضائية والجوية. لقد مكن هذا التفوق الهام من
الحصول على معلومات أساسية لقوات الحلفاء العاملة في الكويت.
كانت منطقة المعارك محاطة بأجهزة جمع المعلومات، كما وجهت الأقمار الصناعية للعثور
على آثار لمنصات صواريخ سكود. أما على الأرض فكانت طائرات التي آر واحد الاستطلاعية
تحلق فوق ساحات المعارك لتلتقط صورا محددة عن المواصلات العراقية. وكانت دوريات
الغواصات تجول عبر الشواطئ، لتلتقط موجات بث الراديو العراقية، بينما عملت طائرات
أواكس وجي ستار على مراقبة الخطوط التي خلف خطوط المواجهة لتسجيل كل حركة فيها.
عززت الجي ستار الصلة بين جميع العمليات الجارية على الأرض وفي الجو.
هومير: يكمن الدور الرئيسي للجي ستار في مسح جميع أهداف العدو التي خلف خطوط
المواجهة، وقد حققت ذلك بنجاح، فقدمت معلومات هامة إلى قيادات الجيش، تبلغه فيها
عما يجري خلف الخطوط، وقد شكل ذلك بالنسبة لنا في القوات الجوية تحديدا أساسيا
للأهداف. أي أننا استعملنا الجي ستار لمسح الأرض تماما كما كانت تقوم الأواكس بمسح
الأجواء.
ما أن تحقق الفوز في الحرب الجوية، حتى ركزت طائرات الحلفاء اهتمامها على دعم
القوات الأرضية. وفي النهاية استهدف عشرون بالمائة من الطلعات الجوية للحلفاء مواقع
القوات العراقية على الأرض.
بعد أيام قليلة تمكنت القوات الجوية من التجول كما تريد فوق العراق، رغم معارضة
التحليق على ارتفاع منخفض لتفادي المضادات الجوية التقليدية. ما يعني أن القوات
الجوية للحلفاء تستطيع القيام بدور تكتيكي يكمن بضرب تجمعات القوات العراقية
والدبابات والمدافع في ساحات المعارك التالية. ويبدو أن الطائرات العالية التقنية
لم تحقق النجاح بمفردها. توقع واضعو الخطط في القوات الجوية مواجهة مع الدفاعات
الجوية شبيهة في أوروبا الوسطى، لهذا استخفوا بطائرات الوارتهوغ إيه عشرة، وسبيكترا
إيه سي مائة وثلاثون، وطائرات بطيئة أخرى باعتبارها ليست بمستوى ظروف الحرب
الحديثة، ولكن في مواجهة العراق العاجز عن إقامة درع جوي لحماية وحداته، فقد أثبتت
هذه الطائرات أنها مناسبة جدا للهجمات عن قرب. لقد تحولت حرب الخليج إلى وسيلة تذكر
بالسلة الوطيدة بين المعارك البرية والجوية.
بذل واضعو خطط الحلفاء جهودا كبيرة للقضاء على المشاكل التي قد تنشأ بين الوحدات
الأرضية والجوية.
هومير: تكمن المشكلة في أن نعرف ما الذي تحاول القيادة الأرضية أن تفعله، وكيف ندفع
الوحدات الجوية لتقديم أفضل دعم لأهدافها ونواياها. ما يعني بأن القيادة والتحكم هي
المفتاح للدعم الجوي المقرب، كما وزيادة التحكم الجوي، بحيث يضمن وجود ضابط من
القوات الجوية على الأرض قادر على إسداء النصيحة فيما يمكن القيام به وما هي
حدوده،وبالتالي يستطيع تحديد التوجهات للطيارين للتأكد من إصابتهم للهدف المناسب في
الوقت المناسب. هذا ما فعلناه في هذه الحرب، حيث كان لدينا أكثر من ألفي شخص من
القوات الجوية على الأرض،مع كل من الجيوش البرية الأمريكية والمصرية والسورية
والفرنسية، وجميع القوات الأخرى باستثناء البريطانية التي كانت تعتمد على ضباط
متابعة معها.
تمت العمليات المشتركة للقوات الجوية والبرية بنجاح تام، كما غاب الخط التقليدي بين
القوات الجوية والأرضية عبر أسلحة مثل الهليكوبتر، التي أبلت بلاء حسنا في سرعة
تحريك مصادر النيران للوحدات الأرضية ودمرت أكثر من ثمانمائة دبابة وعدد كبير من
الأهداف الأخرى أثناء الحرب.
تكمن القوة الرئيسية في التنسيق بين القوات الأرضية والجوية في فكرة بذل قصارى
الجهود لإحراز النصر والتعرض لأقل عدد من الإصابات. وقد منحت حرب الخليج أفضل نموذج
على هذه السياسة.
دونيغان: عملت الوحدات الجوية التي التفت حول خاصرة القوات العراقية على وضع
الدبابات في المقدمة بدل المشاة، ورغم أن المدرعات كانت رأس الحربة في أي مقاومة
تواجهها، إلا أنها كانت في هذه الحالة تتراجع وتطلب تدخل طائرات الهليكوبتر
والمدفعية،وذلك لإضعاف هذه المقاومة وتشتيتها قدر الإمكان، ذلك أن المفهوم الأساسي
كان يعتمد على مبدأ تقليل عدد الإصابات في صفوف الأمريكيين قدر الإمكان.
شاركت البحرية في طريقة تعامل القوات البحرية والجوية مع الحرب، وذلك باستخدام
الطائرات البحرية لضرب الأهداف العراقية انطلاقا من حاملات الطائرات في المنطقة.
وقد أحرزت نجاحات هامة عبر صواريخ التوماهوك، التي مكنت الحلفاء من تحقيق أهداف
كانت تعتبر بالغة الخطورة.
فريدمان: قدم التوماهوك مساعدة جليلة حيث جرى إطلاقه في الأماكن التي تثير القلق
حول مصير الطيارين. كما وفي الأماكن التي لا تعتبر رؤية الهدف فيها مسألة بالغة
الأهمية، لهذا استخدم الصاروخ أيضا في المناخ السيئ. رغم أن رأس التوماهوك لا يحمل
شحنة كبيرة، إلا أن الفوائد التي ذكرت سابقا تجعله ذات قيمة عالية، بل هو سلاح خطير
إذا حل محل الطائرة. يبلغ وزن رأسه ألف رطل فقط، ولكنه يمنح القدرة على ضرب أهداف
أساسية مثل الرادارات ومراكز الدفاع الجوي، ما يساعد الطائرات على رمي حمولة أكبر،
وأعتقد أن هذا ما فعلناه تماما.
استخدم العراقيون السكود بهدف توسيع رقعة الحرب وشق صف الحلفاء، وذلك ضمن
استراتيجية دفاعية محضة. توقع العراق شطر الحلفاء قبل أن يتمكنوا من توجيه ضرباتهم
نحو أهدافه في الكويت. لم تفلح هذه الاستراتيجية لسببين، وهما أن القوات الجوية
للحلفاء ومجموعات صواريخ باتريوت تمكنت من التقليل من أهمية السكود قبل أن تتعزز
فعاليته. جرى إطلاق أكثر من مائة صاروخ سكود خلال فترة الحرب بكاملها.
كما أن استراتيجية الحلفاء المتحركة والقوات الأرضية السريعة أوقعت خسائر وأشرار
كبية في الصفوف العراقية لدرجة أنها لم تسمح لتهديدات السكود بأن تصبح فعالة.
يمكن القول في التحليل الأخير أن هناك احتمال ضئيل بأن تواجه القوات الأمريكية حرب
خليج أخرى فيما بعد. النصر الساحق الذي حققه الحلفاء سيتحول إلى ما يشبه العصى التي
تخيف الدول من التعرض لمثل هذه الشروط. ليس من المحتمل إطلاقا أن تمنح أي قوة في
العالم فرصة للولايات المتحدة وحلفائها كي تجهز قواتها لإحياء معركة في مثل هذه
الظروف النموذجية.
دونيغان: تعرض العراق لهزيمة خاطفة لأنه اعتقد بأننا لن نقاتل. وهذا هو خطأه. لقد
دفع بوحداته في قلب الصحراء دون أن يضمن لها الحماية الجوية. لا يحتاج الأمر إلى
أخصائي في الصواريخ أو خبير في التحليل التاريخي ليتنبه إلى أن الهزيمة كانت تتطلب
كثافة نيران مؤكدة. لقد خضنا حملة عسكرية بحتة. أما صدام حسين فكان يقاتل على
الصعيدين السياسي والإعلامي، فخسر. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م