لغتنا تواكب العصر

قرار اقتحام مناطق السلطة تحدده واشنطن وليس شارون.

في ظل طغيان حديث الحرب الاقليمية نتيجة انسداد آفاق التسوية الشرق أوسطية، تبرز الى واجهة الاسئلة احتمالية اقتحام سلطات الاحتلال مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية، وتحديداً المنطقة (أ) في الضفة الغربية، والهدف وفقاً للاحتمالية سابقة الذكر، توجيه ضربة قاصمة للسلطة الفلسطينية لأجل ارجاعها الى "الصواب التفاوضي" ودفعها للموافقة على الشروط الاسرائيلية. ان الاجابة عن السؤال الاحتمالي ذاك تتطلب الخوض في تفاصيل الاحتمال انطلاقاً من شقّين، الأول يتعلق بانعدام امكانية حدوث الاجتياح الاسرائيلي للمناطق، والثاني يتعلق بالبيئة الناشئة التي قد تدفع شارون لغزو الضفة الغربية او غيرها. بداية لا بد من الاشارة الى ان اتفاقية "اوسلو" التي قامت على اساسها السلطة الفلسطينية، هي حلقة من حلقات التسوية الشرق الأوسطية المنطلقة من استراتيجية اميركية شاملة هادفة الى اعادة صياغة الشرق الاوسط وفق الضوابط الأمنية والسياسية والاقتصادية المعبرة عن المصالح الاميركية في المنطقة. وعلى هذا الاساس فإن مشروع التسوية هو مشروع اميركي لا يملك آرييل شارون او غيره مفاتيح اسقاطه، ولو امتلك مفاتيح اعاقته او تعويقه، ومن هنا فإن قرار اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية يعني اسقاط اتفاقية "أوسلو" ذات النتاج الاميركي، ومثل هذه المغامرة لا يستطيع شارون تحمل تبعاتها، وخصوصاً الاصطدام مع الموقف الاميركي، وتالياً مع الموقف الدولي الموافق بدوره على "مشروعية" السلطة الفلسطينية، وكونها نتاج التقاطع الاميركي - الدولي الاقليمي، وكل هذا يدفع الى القول ان بقاء السلطة الفلسطينية وعدم تقليص رقعتها الجغرافية مرهون بالتوافق الدولي والقرار الاميركي، ومثل هذا التوافق ومثل هذا القرار لا يبدوان لغاية اللحظة غير متوافرين، بل ان العكس صحيح، وتحديداً بالنسبة الى القرار الاميركي غير المنقلب على عرفات وسلطته.. وبمعنى آخر فإن حماية مناطق السلطة غير مستمدة من القدرة الفلسطينية الذاتية، بل من حماية المجتمع الدولي لها وسعي المجتمع المذكور الى المحافظة على "اوسلو" وما بعدها.. الأمر الآخر يتعلق بقدرة شارون على احتواء المواجهات لدى اقتحام مناطق السلطة، وفي هذه المسألة تحديداً يمكن الاشارة الى ان مجمل التقارير الاسرائيلية تؤكد استحالة استئصال المواجهات والعنف الفلسطيني اذا اقتحم شارون مناطق السلطة، لا بل ان الأمور سوف تزداد اشتعالاً وسوف تنتقل المواجهات من مداخل المدن كما هي الآن الى الشوارع والأزقة داخل المدن، كما ان المنطقة "ب" غير الداخلة في هذه الآونة في المواجهات ستتواصل مع المنطقة (أ) المستقلة، مما يعيد الأمور الى مرحلة الانتفاضة الاولى بين الأعوام 1987 و 1993. والأهم من كل ذلك، ان اقتحام المناطق الفلسطينية من شأنه ان يؤدي الى اضعاف تيار السلطة المصنّف في خانة الاعتدال، ويمد التيارات المعارضة بعوامل القوة، ويسهم برفدها بالتشدد الايديولوجي كما يقول الباحثون والمراقبون في تل أبيب نفسها. اضافة الى ذلك، فإن قرار الحرب او اجتياح المناطق الفلسطينية ليس بيد شارون وحده، فشركاؤه في حزب العمل الذين أسهموا باتفاق أوسلو يعارضون مثل هذا السلوك، وحتى لو حصل شارون على موافقة شمعون بيريز، فإن وضعية حزب العمل الحالية وانقساماته الداخلية قد تؤدي الى انشقاقه وذهاب كتلة كبيرة منه لتشكيل تيار يساري من أركانه حركة "ميرتس". ان الكلام الوارد آنفاً لا ينفي احتمال اقدام آرييل شارون على اقتحام مناطق السلطة والاقامة مؤقتاً فيها، او التوغل الى بعض مناطق (مدن) السلطة، وإنزال التخريب والتصفيات فيها، ومن ثم الانسحاب على غرار ما جرى منذ اشهر في منطقة بيت حانون، وأغلب الظن ان هذا الاحتمال هو المرجح في الفترة المقبلة اذا استمرت المواجهات وتصاعدت.. وأما اذا حدث واقتحم شارون مناطق السلطة وأقام فيها مجدداً، فهذا يعني انه حصل على ضوء أخضر أميركي، وعندها من المفترض ان يكون التعاطي مع المستجدات على قواعد وآليات جديدة، ومعنى ذلك أيضاً ان الادارة الاميركية تكون قد غيرت قواعد تعاطيها مع المسار الفلسطيني ومع عملية التسوية.. ومع المنطقة ككل.    --------------------انتهت. توفيق شومان   الكاتب: الإنتقاد   المصدر: 27-07-2001   تاريخ النشر: