اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 تفجيرات العراق بين براءة الذئب والطرب الوحدوي
 

 

 

أغلب الظنّ ان التفجيرات التي طالت مدينتي بغداد وكربلاء في ذكرى عاشوراء، لن تُشكل خاتمة للعواصف الدموية التي تلاحق العراقيين وتكاد تُطيح بآخر مظاهر ”اتحادهم السياسي“، ومثل هذا الترجيح الذي يغلب عليه الرهان على مزيد من الموت المقبل باتجاه العراق، يتأتى من عاملين اثنين، الاول يتصل باستراتيجية ”المقابر الجماعية“ المتأسسة عليها ”المقاومة العراقية“، والثاني يتعلق بانعدام جرأة العقل السياسي العربي (والعقل العراقي جزء منه)، حيال المكاشفة والشفافية والتصارح مع الذات المتشظية والمتطاحنة والمستقرة على وعي كثيف بالمذهبية والطائفية والعشائرية والعائلية التي تحجب الوعي بالدولة بما هي مفهوم يجسد المصلحة العامة في العراق.

دخولاً في التفاصيل وارتكازا على العامل الاول (المقاومة العراقية)، من بداهة القول بداية، ان حاصل جمع الضحايا العراقيين الذين سقطوا جراء العمليات التفجيرية التي استهدفت مراكز الشرطة العراقية ومقرات الاحزاب الكردية والسفارات الاجنبية ومراكز الصليب الاحمر والأمم المتحدة، وقبل ذلك اغتيال السيد محمد باقر الحكيم، تفوق (الضحايا) بأعداد مضاعفة ما أوقعته ”المقاومة العراقية“ في صفوف القوات الاميركية، وكل ذلك يبعث على التساؤل عن ماهية هذه المقاومة، ووظيفتها، وغاياتها ومقاصدها.

لم يحدث في تاريخ مقاومات الاحتلال الاجنبي، على الأقل منذ الحرب الكونية الثانية، حيث راحت معادلة المقاومة الاحتلال، تفرض نفسها اصطلاحا وممارسة، ان بادرت مقاومة وطنية الى التعامل السلبي مع المحتل عن طريق الفتك بمواطنيها مثلما هو حاصل في العراق، كما ان نصف القرن الماضي، لم يُدخل في اوراق تاريخية، مقاومة مجردة من الحلفاء الاقليميين والدوليين، ولا مقاومة مجهولة الوجه والعنوان، ولا مقاومة لا تحمل سوى الوعد بالموت وبالفردوس، والأهم من كل ذلك، لم يسجل تاريخ المقاومات، مقاومة واحدة منبوذة ومقبولة في آن واحد، وبصورة تعبر عن حالة تقترب من ”الشيزوفرانيا“، كما هي حال ”المقاومة العراقية“، حيث يريد لها البعض ان تطرد الاميركيين من العراق، وفي الوقت نفسه، لا يُراد لها ان تنتصر!!! ان يستعيد انتصارها تجربة نظامين طاغيين في العراق وافغانستان.
مثل هذه ”المقاومة“ تطرح على العقل السياسي العربي اشكالية تعريفها كأي مقاومة اخرى، وإلا تحوّلت الى صنمية والى نوع من التدين الوثني السياسي، الناتج عن تعريف تبسيطي يستقر معناه في سياق التعاطف (لاحظ العاطفة الشرقية هنا) معها طالما تؤدي وظيفة التجابه مع القوات الاميركية، وهذه التبسيطية تنسحب على جوانب متعددة وواسعة من التحديات والقضايا المفروضة والمطروحة على الوطن العربي، ولا مجال لمعالجتها في هذه المقالة (العولمة الغزو الثقافي الاصلاحات السياسية والاقتصادية النهضة والتخلف)، حيث التبسيطية (الخفة)، تشكل اطارا جامعا للحرس الايديولوجي القديم والجديد، على ان حصر الكلام في ”المقاومة العراقية“ يستلزم قولاً مفاده، ان عتبة الخروج من التبسيطية تتطلّب الاجابة على سؤالين:
أ ماذا لو خرج الاميركيون من العراق الآن؟

ب من يفتح النار على الاميركيين؟

أجوبة التبسيطيين بطبيعة الحال، تقول ان المهم اخراج الاميركيين من العراق ”ولكل حادث حديث“، وهذه توجز ذروة عجزهم عن ايجاد البديل وصوغ البرنامج والمشروع، فيما أجوبتهم عن السؤال الثاني، بالاضافة الى كونها تؤكد على العجز المذكور، فإنها تنمّ في الوقت عينه عن ايديولوجية حاقدة (والاميركيون من جانبهم يجيدون تعزيز الحقد عليهم)، مهمتها القتل ليس إلا، وأمّا أهمية الوقوف عند من يفتح النار حتى لا تُسقط عليه الشرعية الكفاحية والجهادية، فتتمّ مقابلتها بأهمية فتح النار على الاميركيين بصرف النظر عن المصدر وعن المرجعية.!!!
على الارجح، ان جانبا من معضلة العراق في مرحلة ما بعد سقوط الرئيس صدام حسين في التاسع من نيسان الماضي، تكمن في هذه النقطة بالذات (مرجعية المقاومة)، التي تسهم في تفكيك العراقيين والاسراف في بعثرتهم وتحويل ولاءاتهم الى ولاءات عمودية قاسية، وفي حال استمرار الوضع على ما هو عليه، فمن شأن الفرز الولائي ان يزداد حدة وسخونة بعد كل عملية ”جهادية استشهادية“ ضد المواطنين العراقيين، وبالنظر الى سياق ”العمليات النوعية“ منذ اغتيال السيد محمد باقر الحكيم الى تفجيرات كركوك في عيد الاضحى الاخير، الى تفجيرات عاشوراء، فإن أحداً ليس له قدرة الجزم على ان مثل هذه العمليات لن تعرف تكراراً، بل ان توقّع نظائر ومماثلات لها، هو الذي يغلب على الظن والترجيح.

انطلاقاً من ذلك تغدو عملية احتواء الفرز الولائي في العراق، مرتبطة برزمة من الشروط أهمها:

أ إسقاط الشرعية الدينية عن ”المقاومة العراقية“. وهذه تقع على عاتق الاسلاميين بمختلف فئاتهم وشرائحهم.

ب اسقاط الشرعية الكفاحية والنضالية عن ”المقاومة“ ذاتها وهذه يتحمّل مسؤوليتها القوميون والوطنيون.

ج عدم ممارسة سياسة النعامة والتعامي عن تسمية الاشياء بأسمائها، ذلك ان الذئب الاميركي في العراق بريء من دم المسلمين الشيعة في عاشوراء، ومن دم الاكراد في عيد الاضحى، ومن دماء رجال الشرطة المختلفي القوميات والمذاهب، فجماعة ”القاعدة“ وانصار النظام العراقي السابق، يتحمّلون مسؤولية وقائع الدم والخراب، وأما إلقاء اللوم على ”الامبريالية“ فلا يخرج عن جادة التغافل والتعامي التي تدفن الحقائق وتزرع على أضرحتها أكاليل الشوك.
د وهذه النقطة متعلقة بالمسلمين الشيعة، فتنظيم ”القاعدة“ الذي استهدفهم في عاشوراء وقبل ذلك اغتال السيد محمد باقر الحكيم، هو نفسه، الذي نفّذ عمليات ”جهادية استشهادية“ في السعودية والمغرب وسعى الى اغتيال الرئيس الباكستاني برويز مشرف، وهذا يعني ان استدعاء التاريخ والتسلّح بالغرائز المذهبية والتدشم بالانفعالات الحاقدة، لا ينتج غير ”قاعدة“ شيعية، فيغدو العراق حينذاك، معرّضاً لخراب ناتج عن صراع ”القاعدتين“.
وبالانتقال الى العامل الثاني (الشفافية والمكاشفة)، تقتضي الاشارة اولا، الى ضرورة التصارح الخارجي مع الواقع الداخلي العراقي، فضلاً عن ضرورة التصارح العراقي، العراقي، وهو التصارح الذي لم تظهر مقدماته بعد ولا تفاصيله بطبيعة الحال والتي تنبئ عن انعدام وجود ”مجتمع عراقي“ واحد، بل هناك مجتمعات ومجموعة ولاءات باتت تعبر عن نفسها بالمواقف او المشاريع السياسية، وأبرز هذه الولاءات ثلاثة هي:

أ الولاء الشيعي والذي يوجز حركته السياسية بالدعوة الى الانتخابات العامة.
ب الولاء السني والذي يستبطن تأييد ”المقاومة“ العراقية والعمليات العسكرية تحديداً ضد الاميركيين.

ج الولاء الكردي، والذي يتم التعبير عنه بالدعوة الى الفدرالية.
والى هذه الولاءات الثلاثة، يوجد اثنان ايضا، هما الولاء التركماني، والولاء المسيحي الاشوري.

وفي واقع الحال، ان الولاءات السابقة الذكر، ليست سوى ”مجتمعات“ قائمة بنفسها، او شبه قائمة على أقل تقدير، فيما غنائية الوحدة والتوحّد، لا تنم عن غير اصطفاف كلامي، وليس من شأن هذا الاصطفاف قدرة على بناء عراق جديد موحّد، لتجاوزه الواقع العراقي وقفزه فوق تعقيداته من دون ان تُكتب لها الاستطاعة على اجتراح الحلول، والأخيرة تتأتى من خلال مكاشفة هذا الواقع والتصارح معه ودراسة تعقيداته وخصوماته ونزاعاته وصراعاته، وهذا ما لم يصل اليه العراقيون بعد، ولا يريد مَن هم خارج العراق الاعتراف بالحقائق العراقية الحرّة، وهي حقائق يشكل التعامل الايجابي معها، مدخلا لصوغ عراق جديد متعدد في إطار الوحدة، وليس عراقا يعرف وحدة زائفة مثلما كان الامر في عهد النظام السابق، حين كانت الوحدة قائمة على الظاهر، فيما التعدد الواصل الى حدود الانقسامات، كان باطن العراق وجوهره.
الامر الآخر، الذي يتعلق ايضا بالشفافية والمصارحة والمكاشفة، يكمن في ضرورة خروج العراقيين من ثلاث عُقد قاتلة هي:

أ خروج المسلمين الشيعة من عقدة ”المظلومية الحسينية“، التي تنتج خطابا او مشروعا سياسيا يحتكم الى التاريخ وتلوثاته، من مثل الاعتقاد بأن الشيعة العراقيين انضبطوا في ”دول عراقية“ قاهرة ومتسلطة وجائرة منذ اكثر من ألف سنة، وبالتالي، لم يكن لهم حول ولا قوة ولا نفوذ على امتداد التاريخ السياسي والاداري للعراق، وقد حانت (الآن) لحظة الانتقام من التاريخ، وبالتالي، التعويض عن قهرية الماضي بمفعول رجعي.

ب خروج المسلمين السُنة من عقدة فقدان مدينة بغداد وبالتالي فقدان ”عاصمة الرشيد“. فهذا الانشداد الى التاريخ والتقوقع تحت ظلاله الحارقة، لا يعني اكثر من استدعاء الحرائق الى الراهن والمستقبل، فالتاريخ بما يعني بأحد جوانبه من زمن مضى، يُفترض الخروج من براثنه وأسره لاعتبارات أهمها، ان الاحتكام الى ذاكرته لن يؤدي إلا الى تشظّي ما تبقّى من العراق.
ج خروج الأكراد من عقدة الدولة القومية، او الفدرالية القومية، ذلك ان الخمسين سنة الماضية، أظهرت توافق العراقيين من غير الاكراد على نبذ هذا المشروع، وكذلك دول الجوار العراقي، فقد أجمعت وما تزال، على رذل الدولة الكردية المستقلة او الفدرالية القومية، مما يعني ان المضي في المشروع الكردي، لا يخرج عن إطار يستدعي السكاكين الى الجسد العراقي. والجسد الكردي منه بطبيعة الحال، بالاضافة الى تكويم الاحقاد وتصويبها باتجاه الاكراد، وإنزال الشبهات بهم، الأمر الذي لا يثمر غير حروب انتحارية تُنهك الاكراد وغيرهم من دون طائل او جدوى.

هذه العُقد الثلاث التي تُثقل الواقع العراقي. وتعمل على تكثيف الولاءات والفرز المذهبي والقومي، مؤدى لها ان تُدخل العراقيين في مزيد من عمليات التطاحن، والخروج منها يقتضي القطع مع التاريخ والاحلام الانتحارية من جهة، والاعتراف بالولاءات المجردة من العُقد من جهة ثانية، فيما الجهة الثالثة لا تستقيم على غير الحوار بين هذه الولاءات اذا ما أريد للعراق ان يكون له موقع في خرائط المستقبل.

ووفقاً لذلك. فإن مقاومة الاحتلال الاميركي في العراق، تتشكل ارضيتها (المقاومة) من خلال توافق العراقيين على هوية وطنية جديدة، وعلى نظام سياسي يقوم على منطق التسوية بين الولاءات المذكورة آنفا، وأما الاستمرار في الرزوح تحت وطأة العقد والاوهام، والرهان على ايديولوجية الموت والأحقاد وإسقاط نعت المقاومة عليها، فلن تفعل اكثر من تقديس شلالات الدم وعبادة التاريخ وتأليه الاوهام... والاستغراق في نظم القصائد الوحدوية التي لا تمتّ الى الواقع العراقي بصلة.

--------------------انتهت.

توفيق شومان

  الكاتب:

السفير

  المصدر:

08 آذار - مارس 2004

  تاريخ النشر:

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster