|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
بإطلاق مبادرة "شراكة من أجل التقدم ومستقبل مشترك مع منطقة الشرق الأوسط
الواسع وشمال أفريقيا" تكون الولايات المتحدة الأميركية, قد مهدت
الأرضية لملء الفراغ الاستراتيجي الذي عصف بالمنطقة "الأفرو - آسيوية"
بعيد سقوط الاتحاد السوفياتي في أوائل تسعينات القرن الماضي.
والواضح من خلال إطلاق مفهوم "الشرق الأوسط الواسع وشمال افريقيا", وليشمل
دولاً غير عربية, ان الدول الكبرى صانعة القرار الدولي, ستذهب بعد
العاشر من حزيران (يونيو) 2004, وبقيادة الولايات المتحدة, الى التعامل
مع هذه الجغرافيا الواسعة, باعتبارها إقليياً استراتيجياً واحداً, يخضع
لعوامل التغيير الثقافي والسياسي والاجتماعي ذاتها, فضلاً عن تفيوئه
بمظلة أمنية, وسياق اقتصادي متفاهم عليهما, وهو الأمر الذي يمكن
ملاحظته في أقاليم أخرى, شهدت فراغات استراتيجية مماثلة إثر انهيار
القطب السوفياتي. فدول أوروبا الشرقية جرى ويجرى إلحاقها بمنظومة
"الناتو" على المستوى الأمني - العسكري, والقارة الافريقية, سيُصار الى
تعزيز قوة السلام الدولية فيها لتتجاوز الستين ألف جندي, مع اعطاء
منطقة القرن الأفريقي وضعية خاصة, عنوانها في هذه المرحلة, تعزيز مشروع
السلم الأهلي في السودان قبل الانطلاق نحو الصومال وأريتريا.
ووفقاً لذلك, يبدو التوقف عند العناوين التي أطلقتها قمة "سي آيلاند",
والمتراوحة بين توفير آليات الدعم للعراق الجديد, والحث على الاصلاحات
السياسية والاقتصادية والقلق من أسلحة الدمار الشامل والإرهاب, وما
يتعلق بالعاملين الأخيرين من اتجاه نحو تعزيز صلاحيات الهيئة الدولية
للطاقة الذرية, وكذلك اتخاذ تدابير (ثلاثين تدبيراً) جديدة لحماية
النقل الجوي وتبادل المعلومات في هذا الشأن, وكذلك صوغ قوانين جديدة
للنقل البحري, تبدو كلها عناصر خاضعة لمفاهيم الأمن الاستراتيجي الآيلة
لمواجهة مناخات ما بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001, إضافة الى
الإملاء الاستراتيجي مثلما سبق القول.
ولئن كانت مجموعة الدول الثماني قد تأسست في العام 1975, وعُرفت بمجموعة
الست, وانضمت اليها كندا في العام 1976 وروسيا في العام 1998, بناء على
انشغالات اقتصادية, فإن التسييس الذي رافق مسيرتها, لم يدخلها في نسق
يرسم الاستراتيجيات الدولية مثلما كان الحال في قمة "سي آيلاند", حيث
بدت قريبة الى حد كبير من صورة "مؤتمر يالطا" بعد الحرب الكونية
الثانية, والذي هدف الى تقاسم النفوذ الدولي.
وضمن هذا الاطار, جاء توافق مجموعة الثماني على صوغ الشرق الأوسط الواسع
وشمال افريقيا. فبعد اعتراض روسي سافر الوضوح على استراتيجية الأمن
القومي الأميركي التي أطلقها الرئيس جورج بوش في أيلول من العام 2002,
وشروحات وزير خارجيته كولن باول في أوائل السنة الجارية, وتالياً
المشروع الفرنسي - الألماني الاعتراضي - على - والمكمل لورقة الاصلاح
الأميركية الخاصة بالشرق الأوسط الكبير, (الأوروبيون كشفوا عن ورقتهم
في شباط/ فبراير الماضي), انفضت مجموعة الثماني عن رؤية استراتيجية
للمنطقة تعكس مجموعة من العوامل البيئية منها:
1 - وجود مساحة من المصالح المشتركة بين الدول صانعة القرار الدولي, خصوصاً
في المجالين الاقتصادي والسياسي. ففي مقابل التسليم الروسي - الأوروبي,
بالمتغير العراقي, خرجت قمة "سي آيلاند" بتفعيل آمال الطرفين المذكورين
للعودة الى المنطقة من خلال الإسهام في إعادة إعمار العراق وتحريك عجلة
الرباعية الدولية بما يختص بعملية التسوية على المسار الفلسطيني.
2 - إدخال تعديلات على المصطلحات والمفاهيم والآليات التنفيذية. فبعدما استقر
الأميركيون على مصطلح مشروع الشرق الأوسط الكبير, أدخل الأوروبيون
مصطلح "مبادرة الشراكة", فضلاً عن اصرارهم على نقد التغيير من الخارج,
وكل ذلك يُسهم في تقريب المسافات بين الأوروبيين ودول المنطقة.
3 - اضافة شمال أفريقيا الى الشرق الأوسط, وهذا اعتراف أميركي بالمصالح
الفرنسية تحديداً, مما يشي بقواعد تبادل المصالح بين الأوروبيين
والأميركيين. ففي موازاة الاعتراف الأميركي بالمصالح الأوروبية
(الفرنسية) في شمال أفريقيا, يُعترف بالمصالح الأمنية والنفطية
الأميركية في المشرق العربي وصولاً الى أفغانستان.
4 - تقاطع المؤتمرين في قمة "سي آيلاند" حول ضرورة التغيير في المنطقة
استناداً إلى قاعدة تجفيف منابع الإرهاب, إذ ان الأطراف المعنية مثقلة
بالأعباء الناتجة عنه, ابتداء من روسيا (الشيشان) مروراً بأوروبا
(تفجيرات مدريد والملاحقات الأوروبية للمشبوهين) وانتهاء بالولايات
المتحدة وعُقدة ما بعد التفجيرات الأيلولية في واشنطن ونيويورك.
هذه التقاطعات التي دفعت باتجاه اعادة تشكيل المنطقة وفقاً لرؤى وتصورات
القوى الدولية الأكثر نفوذاً في اللحظة الراهنة, لم تحل دون محاولة
الادارة الأميركية, أن تجعل العراق على رأس أولوية القمة, ولهذا جاءت
زيارة الرئيس جورج بوش الى ايطاليا وفرنسا قبل عقد القمة, وكذلك إحالة
الملف العراقي الى مجلس الأمن الدولي واستصدار القرار 1546, لردم الهوة
العميقة الفاصلة بين الموقفين الأميركي والأوروبي, إلا أن ذلك, بقي دون
متطلبات الطموح الأميركية, إذ أظهرت مداولات القمة وما أعقبها من مواقف
فرنسية على وجه التحديد, ان توحيد القرار الدولي حيال المعضلة العراقية
بحاجة الى مزيد من عوامل الثقة من جهة, والى مزيد من الاعتراف بالمصالح
المتبادلة.
ففي حين سعت الولايات المتحدة, الى الانطلاق في مشروعها التغييري في الشرق
الأوسط, استناداً الى ورقة إزاحة اكثر الأنظمة الطغيانية في المنطقة
(العراق) وانهماكها في ترتيب أوضاعه الداخلية اعتماداً على دمقرطته في
جانب, والعمل على عدم تحوله الى ملاذ لجماعات الإرهاب في جانب آخر,
ولذلك عملت على دعوة الرئيس العراقي غازي الياور لحضور القمة, وطرحت
فكرة إلغاء ما نسبته تسعين في المئة من الديون العراقية, ورعاية ما لا
يقل عن 400 عالم نووي عراقي حتى لا تستغل أوضاعهم جماعات الإرهاب أو
"الدول المارقة". فالملاحظ ان المواقف الفرنسية والروسية, وعلى رغم
تماشيها مع الكليات الأميركية العليا, إلا أنها توقفت عند التفاصيل,
وأهمها:
1 - ان روسيا مستعدة لإلغاء قسم من ديونها على العراق (7 بلايين دولار) ,
وبما يصل الى 65 في المئة, شريطة اعادة النظر بالعقود الموقعة مع
شركاتها من جانب النظام العراقي السابق.
2 - ان فرنسا, تلتزم بالغاء قسم من ديونها على العراق (5 بلايين دولار), إنما
بما تقرره مجموعة الـ19 في "نادي باريس", وكذلك الحال, بالنسبة الى
دورها في مشروع اعادة إعمار العراق وحصص شركاتها فيه.
3 - ان موافقة فرنسا على دور القوة المتعددة الجنسيات في العراق, بحسب ما جاء
في منطوق قرار مجلس الأمن الدولي الأخير, لا يعني الموافقة على دور
لحلف "الناتو" مثلما طالبت الولايات المتحدة في قمة "سي آيلاند"., وهذا
الموقف الذي أعلنه الرئيس جاك شيراك خلال القمة, واكبه موقف من خارج
القمة, إذ أكدت اسبانيا انها تجاري الموقف الفرنسي في رفضها لأي دور
لـ"الناتو" في العراق.
هذا التباين لأطراف مجموعة الثماني من العراق, من شأنه أن ينسحب - ربما - في
المستقبل على مواقع خلافية أخرى, والموقع المرشح لذلك, هو عملية
التسوية الاقليمية بجانبها المتحرك في هذه الآونة المسار الفلسطيني.,
وفي هذه النقطة, يمكن القول, ان نزول الأميركيين عند رغبة الأوروبيين
في إقران عمليات الإصلاح الشرق أوسطية بحل الصراع العربي - الاسرائيلي,
لا يعني الخروج من العناوين العريضة الى التفاصيل, ولا تبدو الاثارة في
البيان الختامي للقمة الى "ان النزاعات الاقليمية يجب ألا تشكل عقبة في
وجه الاصلاحات, فالواقع ان الاصلاحات تستطيع أن تقدم مساهمة كبيرة
لحلها" سوى البقاء في حلقة مفرغة, لا تقرّب المواقف من بعضها بعضاً.
واما معاودة عمل اللجنة الرباعية استناداً الى خطة فك الارتباط في غزة,
فتظهر كلزوم ما لا يلزم, فالخطة انطلقت كمشروع لرئيس الوزراء
الاسرائيلي ارييل شارون وبدعم واضح من الادارة الأميركية, فيما تحرك
اللجنة الرباعية المفترض أن يبدأ بعد شهر من الآن, لن يخرج عن سياق
الرعاية الدولية لخطة شارون في حال اكتمالها. ومع أهمية القول هنا, ان
عمل اللجنة الرباعية, ليس له علاقة باجتراح الحلول, فالتفاهم الأميركي
- الاسرائيلي منذ رسائل التطمينات التي حملها جيمس بيكر في العام 1991
الى قادة المنطقة عشية مؤتمر مدريد, قضى (التفاهم) بإبعاد أي طرف دولي
بما فيه الأمم المتحدة عن المشاركة في صناعة السلام الاقليمي.
وفي مختلف الأحوال, يمكن النظر الى الدعوة لحل الصراع العربي - الاسرائيلي,
كأحد عناصر الاصلاح في المنطقة, باعتبارها مسعى الاحتواء الأصوات
العربية المعترضة في الأصل على المشروع الأميركي, ومن دون أن يعني ذلك,
الارتباط المحكم بين الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية
بعملية التسوية, أي ان تسير العمليتان في مسار واحد وبالتالي دعمهما
بصورة متوازية, وما يجدر التوقف ازاه في هذه المسألة. ان الحديث عن
الاصلاح في المنطقة, ترافق مع فعل "الدعم" كما ورد في البيان الختامي.
وأما الحديث عن التسوية الشرق أوسطية فقد ترافق مع فعل "التأييد", ولا
شك في أن الفارق كبير بين الدعم والتأييد (راجع الفقرة السادسة من نص
الوثيقة - "الحياة" - 11/6/2004). وبصورة عامة, تحمل مبادرة الشراكة
للشرق الأوسط الواسع وشمال افريقيا, طموحات دولية حيال المنطقة مجردة
من اللبس, إنما السؤال الكبير يبقى متمحوراً حول الآلية التنفيذية
للمبادرة, ونصيب الأطراف المعنية فيها وأي مستوى تطبيقي يمكن أن يسبق
الآخر؟ ولكن في ظل سيطرة البعد الأمني على المبادرة, حيث تبدو كل عناصر
المبادرة ملحقة بالاستراتيجيات الأمنية, فعلى الأرجح, ان يتقدم الأمني
فيها على ما عداه من عناصر, ولذلك, فإن "مبادرة الشراكة", مرشحة لأن
تفقد الكثير من حيوية اغراءاتها الاصلاحية, واذا ما أمكن رسم جدول
بياني عن طريقة التنفيذ, فغالب الظن ستكون على الشكل الآتي:
أ - مواجهة الإرهاب في عموم المنطقة, ليكون تنظيم "القاعدة" على رأس
الاستهدافات.
ب - مواجهة ما غدا يُعرف في الولايات المتحدة, ببيئة الإرهاب, وهذا يتعلق
بشبكة واسعة من مناهج التعليم والتربية والحياة الاجتماعية والسلوكيات.
ج - اشتداد الضغط على حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني, وبما
يؤدي الى ادراجها في خانة واحدة مع تنظيم "القاعدة".
د - ممارسة أنماط متعددة من الحصار والعقوبات على سورية وإيران.
هـ - المزيد من التصدع في العلاقات العربية - الدولية, وتحديداً الأميركية مع
كل من السعودية ومصر.
و - المزيد من الجهود الدولية وبخاصة الأميركية في اتجاه العراق.
ز - مشاركة دولية أوسع في إعادة بناء أفغانستان.
ح - السعي الى تعزيز قطاعات المجتمع المدني, وهذا ما قد يوتر العلاقات
الأميركية مع الكثير من الأقطار الإقليمية, ويُسقط اشكاليات مرة على
تيارات المعارضة العربية.
ط - اهتمام بالقطاعات الاقتصادية.
ي - تركيز على عملية التسوية.
ان هذه الجدولة التقديرية لآليات التنفيذ, متأتية من رزمة عوامل, أهمها اتفاق
المجتمعين في "سي آيلاند", على مخاطر الإرهاب الذي يُبهظهم, واختلافهم
على ما تبقى إلا بحدود العناوين وما تحتها بقليل, على ان الأمر الذي
يرجّح مثل هذه الآلية التنفيذية, خلو وثيقة "سي آيلاند" من البرامج
العملية المفترض أن تتم وفقها البرامج الاصلاحية وبخاصة على المستوى
الاقتصادي والسياسي, فخطة مجموعة الثماني لدعم الاصلاح مثلما هي منشورة
في صحيفة "الحياة" (11/6/2004), تعطي الحيز الأوسع لقضايا التعليم
والمرأة, وهنا يعود الأمر مرة أخرى الى ما يُعرف بـ"بيئة الإرهاب"
وإحداث تغيير معرفي وثقافي في هذه البيئة, فيما الملاحظة الأساسية
والختامية حول وثائق القمة تتصل بـ"المصالحة" التي أرادتها الولايات
المتحدة مع النظام العربي الذي اعترض على الاصلاحات من الخارج, فجاءه
التأكيد ان هذه الاصلاحات لن تكون من الخارج... بل وفق ما "تستجيب له
ظروفه المحلية", أي بما يرغب هذا النظام أو ما يريد...
--------------------انتهت.
الكاتب:
الحياة
المصدر: 19 حزيران -
يونيو 2004
تاريخ
النشر:
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م