|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
خريطة السودان
عصية على الحصر، هي المرات التي قيل فيها، إن اتفاقية السلام النهائية بين
السودانيين، سوف تستقر على جادة الإنجاز، إلا أن التعقيدات التي كانت
تعصف بآفاق الحل منذ اتفاقية مشاكوس في تموز من العام 2002، وضعت
طموحات السلام السودانية، أمام أجوبة محورها، أن "الإنجاز" الذي تمت
بلورته لغاية اللحظة، يقوم على إخراج السودان من حالة الحرب وإدخاله في
حالة اللاحرب واللاسلم، والمنعطف الجديد في مفاوضات السلام السودانية ـ
السودانية، والمتمثل في عقدة منطقة أبيي ومصيرها الاستلحاقي بين الشمال
أو الجنوب، تشكّل نموذجاً لطائفة من العقد التي تلاحق عملية "توليد"
السلام العتيد. غير أن الحديث عن واقع هذه العقدة (أبيي) وأبعادها
تسبقه أولاً الإشارة إلى عاملين مهمين يُثقلان مفاوضات السلام
المأزومة:
الأول: ويتعلق بواقع السلطة المركزية في الخرطوم فهي الحلقة الأضعف في
عملية المفاوضات، اذ انها مجردة من الحلفاء المحليين والإقليميين
والدوليين. ذلك أن نسيج علاقاتها السياسية مع القوى الشمالية
السودانية، لا يخرج عن سياقات التفكك والهشاشة، فيما الجامعة العربية
مستبعدة تماماً عن عملية التفاوض، وكذلك مصر، ومثل هذا الاستبعاد شكل
قاعدة أساسية لرعاية الادارة الأميركية لمفاوضات السلام السودانية،
بينما الطرف الآخر في عملية التفاوض، أي الحركة الشعبية لتحرير
السودان، بقيادة جون قرنق، دخلت إلى بهو العملية التفاوضية، وفق مروحة
واسعة من الحلفاء، تبدأ بدول الجوار الإفريقي، وتنتهي بالعلاقة الوثيقة
مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
الثاني: ويكمن في
طريقة الادارة الأميركية للمفاوضات، فهي ترعى الأخيرة من غير أن تمارس
ضغوطاً لإنجاحها، وهذا ما يجعل جون قرنق، يتجاوز العديد من نقاط
الاتفاق، التي تم التوصل إليها في اتفاقية مشاكوس، ومنها على سبيل
المثال، مصير منطقة أبيي ، حيث نصت الاتفاقية على الالتزام بالحدود
الادارية لاتفاقية الاستقلال في العام 1956، وتأتي مطالبة قرنق باعادة
النظر بمنطقة أبيي والحاقها بولاية بحر الغزال، لتعصف باتفاقيتي مشاكوس
والاستقلال معاً.
إن أهمية منطقة
أبيي تكمن في اختزالها ثلث حقول النفط السودانية المكتشفة حتى الآن،
(ينتج السودان بحدود 300 ألف برميل يومياً وعائداته تُقدر بملياري
دولار سنوياً)، وتشكل مع منطقتي جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة، وهما
منطقتان مطروحتان على بساط اعادة البحث الإداري، تبلغ مساحتهما مع
منطقة أبيي ما يوازي نصف مساحة السودان، وفي حال تمت الاشارة إلى أن
أكثر من تسعين في المائة من حقول النفط تقع في مناطق الجنوب، يغدو
واضحاً سقف المطالب الذي يطمح اليه قرنق بضم المناطق الثلاث الى
الجنوب، ومنها منطقة أبيي بطبيعة الحال.
على العموم، يستند
جون قرنق في مطالبته بالحاق أبيي بولاية بحر الغزال إلى مرتكزين:
الأول: يتمثل
بالاعتراض على الواقع السياسي ـ الإداري الذي أفرزته اتفاقية الاستقلال
باعتباره واقعاً مفروضاً أنتجته غلبة الشمال للجنوب، والآخر، يستمد
عناصره من استيطان قبائل من الدينكا التي ينتمي اليها قرنق في المنطقة.
في المقابل، تذهب
وجهة المعارضة (ومنها الرسمية)، إلى القول، بأن أهالي منطقة أبيي،
يتوزعون على مجموعة من القبائل، من ضمنها، قبيلة الدينكا، وقبيلة
المسيرية ذات الأصول العربية، وكذلك قبيلة الرزيقات، وغيرها، والذي حدث
في العام 1956، عشية نيل الاستقلال، ان زعيم الدينكا، دينغ ماجوك،
وزعيم الرزيقات، بايو نمر علي، اتفقا على ضم منطقة أبيي الى كردفان.
والملاحظ أن هذه
المنطقة، استمرت بعيدة عن العمليات العسكرية طوال فترة الحرب الأهلية
المندلعة منذ العام 1983، واذا كان بعض قياديي الحركة الشعبية لتحرير
السودان، يعودون بجذورهم الى هذه المنطقة، فان المفارقة انه طوال مرحلة
الحرب، لم تتشكل أية سرية أو كتيبة عسكرية من أهالي المنطقة، موالية
للحركة الشعبية، أو قاتلت في صفوفها.
المفارقة الثانية
في النطقة ذاتها، أن ابناء الزعيم دينغ ماجوك، وقعوا مؤخراً على وثيقة
تؤكد تبعية منطقة أبيي إلى غرب كردفان. ومن هؤلاء الدكتور فرنسيس دينغ
ماجوك، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، لشؤون اللاجئين، وكذلك
ادوارد لينو القيادي في الحركة الشعبية، كما أكّد ناظر الدينكا الحالي،
آدم دينغ، ان الهدف من الحاق أبيي ببحر الغزال، لا يخرج عن إطار اثارة
الشقاق بين أهالي المنطقة، في حين أن اوراق قبيلة المسيرية العربية
تشير الى أن أبناء هذه القبيلة وصلوا الى أبيي،قبل وصول ابناء الدينكا،
بحوالي قرن كامل.
بالاجمال، ثمة
مجموعة من المقترحات، المتعلقة بمصير أبيي، احدها ما يطرحه جون قرنق،
اي الحاقها بولاية بحر الغزال، فضلاً عن اجراء استفتاء للاهالي، يقررون
من خلاله مصيرهم المتراوح بين الشمال أو الجنوب، اما السلطات السودانية
فلا يبدو انها ترفض مبدأ الاستفتاء العام انما تربطه بمرحلة انتقالية
قوامها ست سنوات يُصار بعدها الى اجراء الاستفتاء، وخلال المرحلة
المذكورة، تُلحق أبيي بالرئاسة السودانية مباشرة.
الاتجاه الأميركي،
لا يبتعد كثيراً عن اتجاه السلطة المركزية في الخرطوم بخصوص الحاق أبيي
بالرئاسة السودانية ولكن بالنظر الى "استنباش" هذه القضية من خارج
اتفاقية مشاكوس التي رعاها الأميركيون، تنبئ الأمور باحتمال اطالة امد
حل هذه المعضلة، وفي حال حدوث العكس، يستقر الكلام آنذاك، على تحوّل في
الادارة الأميركية للمفاوضات، محورها ينهض على الانتقال من مرحلة
الرعاية إلى مرحلة الضغط، وهو الأمر الذي يشوبه ضباب كثيف حتى هذه
الآونة.
--------------------انتهت.
الكاتب:
المستقبل
المصدر: 1 نيسان -
أبريل 2004
تاريخ
النشر:
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م