|
|
”أمة الإسلاميين“: مشاهد الزحف نحو ”الفتنة الكبرى“ |
|
|
أفلاطون و ارسطو
يختزل الفنان الايطالي رافائيل، عمق الفوارق بين فلسفتي افلاطون
وأرسطو، بلوحة فنية تظهر الأول رافعا أحد اصابعه الى الأعلى، كدلالة على
”المثال“ الذي يوجز الفلسفة الأفلاطونية، في حين يظهر أرسطو، مشيرا
بأحد اصابعه الى الأسفل، اختصارا لفلسفة ”الواقع“ التي ميزت المنطق
الأرسطي. ولو قُدّر للفروقات بين المثال والواقع، ان تتجاوز استحضارها
الفلسفي، لاستقرت من غير تردد على مشهد عراقي بائس تتقاذفه سيول تعيد إحياء
الغرائز في قبورها، الامر الذي يجعل مفردات ومصطلحات مثل ”الرافضة“
او ”النواصب“، وأحفاد ابن العلقمي. او الشرذمة الأموية، طاغية على
نص سياسي فكري تاريخي، يبدو لاهثا وراء استعادة ثانية ل”الفتنة
الكبرى“. انطلاقا من العراق، وصولا الى كل ارجاء ”خير امة أخرجت
للناس“، والى كل مطارحها. وما يجري في العراق من إلهاب وإشعال للغرائز
السنية والشيعية، وما يصاحبه من ارتدادات ”اسلامو قومية“، ما فتئت
منضبطة تحت سقوف ”فكرو سياسية“ قاتمة وقائمة على ثنائية الفرقة
الناجية والفرقة (الفرق) الهالكة، يفسح المجال امام التوكيد على: 1 تفكك
الادعاء بوجود ”امة اسلامية“، مثلما تفككت صغيرتها ”الامة
العربية“. 2 القابلية الذاتية لشعوب العالم العربي وجماعاته للانقسام
والمرواحة على التناحر. 3 عدم نضوج مضموم ”الامة“ في المنطقة
الممتدة بين مائي الخليج والمحيط. 4 استقرار الشرائع البشرية في هذه المنطقة
على ما دون مفهوم المواطنية وتالي مفهوم الدولة. 5 الزعم بالاحتكام الى
”نظام السماء“ لإدارة الانقسام على الارض والاصرار عليه. هذه
الخلاصات التي تستبق القرائن الصراعية الدائرة في العراق وارتداداتها خارجه، تأخذ
في الاعتبار مسألتين في غاية الخاصية وكلاهما يتعلق بالاسلاميين: الاولى:
تشدد على اجادة الاسلاميين لاستغلال أحد اهم مظاهر العولمة، وهو
”الانترنت“ طلبا للتكفير والاخراج من الملة والدين. الثانية:
عجز الاسلاميين عن الوصول الى سبر غور جوهر الممارسة السياسي. وهو منطق التسوية،
وربما هذا موطن فقرهم، اذ باستطاعتهم تخريج محاربين أشداء، وليس بمقدورهم تخريج
سياسيين جيدين. أولا: بكائيات الشيعة بالعودة الى وقائع التطاحن الغريزي
والمذهبي الجارية في العراق، من لزوميات القول بداية، ان العقل السياسي الشيعي،
يختصر مسار الدولة العراقية الحديثة والتي قامت في اوائل العشرية الثانية من
القرن الماضي، بخلاصة تفيد ان الدولة المذكورة نتجت عن تحالف سني مع
”الامبريالية الانكليزية“، فيما يرى العقل السياسي السني ان دولة
ما بعد التاسع من نيسان 2003، مقرر لها ان تقوم على ركائز التحالف الشيعي مع ”الامبريالية الاميركية“. وعلى هذا الاساس، يذهب الطرفان الى
خوض ”أم المعارك“ المذهبية على قاعدة نيل احدى الحُسنيين (النصر او
الشهادة)، وهذا ما يؤدي على سبيل المثال وبعد مراجعة ارشيف شهر كامل لوسائل
الاعلام المختلفة، الى تأطير النص الشيعي وفقا لهذه الصورة: يقول الشيخ عبد
الزهراء السويعدي (تيار السيد مقتدى الصدر)، ”نشجب بشدة ما يقوم به بعض
افراد مدينة اللطيفية (سنية) من اقامة حواجز لمنع الزوار (من الوصول) الى العتبات
المقدسة، والاعتداء عليهم وقتلهم، (وأضاف متوجها الى المصلين)، إلعنوهم... لعنة
الكافرين“ (”الحياة“ 6 11 2004). قُتل ثلاثة من
الشيعة اعضاء في مجالس محافظة بعقوبة (”المستقبل“ 8 11 2004)، وقتل
12 شيعيا من الحرس الوطني بعدما خطفوا بالقرب من اللطيفية. وقبل ذلك، بثلاثة ايام
قُتل ثلاثة من الشيعة في اللطيفية (”الحياة“ 8 11 2004).
”تستهدف العصابات الاموية التي تتخذ من اللطيفية مقرا لها رجال الدين
الشيعة“ (شبكة كربلاء 9 11 2004). قتل مسلحون رئيس البلدية الشيعي
نوري الربيعي في احدى ضواحي بغداد، وهو ثاني رئيس بلدية شيعي يُقتل في الضاحية
نفسها في أقل من عام (الشرق الاوسط“ 14 11 2004). أعلن الشيعة في
البصرة، تشكيل ”كتائب الغضب“. لحماية العراقيين الشيعة ”من
هجمات المتطرفين الوهابيين السلفيين“. (”السفير“ 18 11
2004). وفقا لما جاء في ”الحياة“ (23 11 2004) ”ان
المنطقة السنية التي تقع شرق الفرات، واحدة من أخطر المناطق في البلاد، وفي تلك
المنطقة (قتل المسلحون) زوارا شيعة كانوا متوجهين الى كربلاء والنجف“.
بتاريخ 2 12 2004، اوردت ”الوكالة الشيعية للأنباء“ ”ان الوقف السني يتغلغل في المحافظات الشيعية، وقد افتتح الوقف السني ثلاث
مدارس في محافظة بابل وواحدة في المسيّب“. وعلى ما تقول الوكالة
نفسها، فقد استدعى ممثلو السنة في مدينة سامراء، ممثل السيد السيستاني، وأبلغوه
برحيل الشيعة عن القضاء، والا سوف يتعرضون للإبادة، فيما بلدات الدجيل وبلد تعيش
حالة قلق، وقد سُويت المقامات بالارض، وأما محافظات ديالى وتكريت فتشهد تصفيات
للشيعة، ويقول ”مركز الفقار“، ان السنة قتلوا 134 رجل دين شيعيا
بين تموز وايلول من العام 2004. بتاريخ 6 12 2004، أشارت شبكة كربلاء الى
ان مدينة اليوسفية تشهد حملة تطهير واسعة للشيعة. أدانت رابطة علماء الدين
(شيعة) الهجوم على جامع وحسينية في بغداد، وطالبت في بيان اصدرته ”الاقلية
السنية ان لا تكتفي بالإدانة، وعليها اخراج المتشددين من صفوفها... والا فستتحمل
المسؤولية على عاتقها“ (موقع رافدين (شيعي) 6 12 2004). ورد للكاتب
اسعد راشد في موقع ”لجنة استقلال جنوب العراق“ (شيعي): لم يكن
مفاجئا، ان يطالب وفد مدينة الاجرام (الفلوجة)، بإعطاء السنة حكم العراق، كشرط
لإنهاء القتال في مدينتهم الفاجرة“. ”قامت مجموعة من القتلة
الذين يعتقد انهم ينتمون الى الشرذمة الوهابية، باغتيال سماحة السيد سالم
اليعقوبي احد اشهر خطباء بغداد الحسينيين“ (شبكة كربلاء 12 12 2004).
ثانيا: بكائيات السنة من الوقائع والنصوص الشيعية الى نظيرتها السنية.
وهي توازيها باستدعاء فؤوس التاريخ واستغلال ”بوارج العولمة“.
وتستقر في هذا الاطار: أورد موقع ”الرابطة العراقية“ بتاريخ
11 8 2004، ان ثلاثة اشخاص من عائلة الزامل (أحمد ونعمان وأسعد) السنية التي تسكن
قضاء أبي الغصيب، قُتلوا في البصرة، وان الشكوك تتوجه الى بعض الاحزاب والحركات
الشيعية، والغاية منها تهجير اهالي ابي الخصيب من اهل السنة، وحصره بالشيعة.
وبحسب موقع ”الرابطة العراقية“ (سني) ايضا، جرت الوقائع
التالية: أ سيطر الشيعة على جامع البصرة الكبير الذي بناه عتبة بن غزوان في
زمن الخليفة عمر بن الخطاب. وكان الجامع سابقا يديره شيوخ من اهل السنة (30 9
2004). ب ”اتصل مسؤول هيئة علماء المسلمين في البصرة الشيخ يوسف يعقوب
الحسان، بمدير الشرطة في البصرة، وأبلغه بضرورة ابلاغ عناصر الحرس الوطني بعدم
التعرض لمساجد اهل السنة، وبخلاف ذلك، سيُفتح النار على اي مجموعة من الشرطة
تحاول دخول المساجد (30 10 2004). ج ”قامت مجموعة من الاشخاص وبأمر من
السيد علي السيستاني بتوزيع استمارات على الدور السكنية، وهذه الاستمارات، عبارة
عن جرد او بمعنى طلب معلومات عن كل شخص يسكن المدينة... كيف سُمع لهذه الجهات غير
الرسمية بجمع المعلومات“ (10 11 2004). د ”بدأت حملة اعتقالات
واسعة بعد العيد مباشرة، شملت اهل السنة فقط“، في مدينة البصرة (20 11
2004). نقلت صحيفة ”الحياة“ بتاريخ 6 12 2004، ان ميليشيات
شيعية في الجنوب، تباشر بحملة تطهير طائفي، ادواتها الاغتيال والخطف ومصادرة
المساجد والاوقاف السنية، واستنادا الى ما جاء في الصحيفة انه تم اغتيال العشرات
من وجهاء السنة ورؤساء عشائرهم، وتم الاستيلاء على 40 مسجدا، ولم ينج من عمليات
الاغتيال، أئمة المساجد والموظفون والتجار والاطباء. أعلنت هيئة علماء
المسلمين (سنية) ان مسلحين اغتالوا الشيخ محمد جدوع في جامع الكوثر في بغداد،
وكانت الهيئة اعلنت في وقت سابق، ان الشيخ حازم الزيدي، اختطف في مدينة الصدر
(شيعية) وعثر على جثته امام مسجد السجاد في المدينة (”الجزيرة نت“
4 10 2004). يقول الشيخ مهدي الصميدعي في خطبة الجمعة في مسجد ابن تيمية
”حينما كان هناك هجوم على النجف... وقفنا وقفة رجل واحد، لماذا لا يقف اهل
العراق مع الفلوجة؟“ (”الحياة“ 30 10 2004)، وفي حديث آخر
يقول: ”إن المناطق السنية على يقين بأن إياد علاوي أعلن الحرب على
السنة... وأن صمت السيستاني يعكس تأييده لهذه الحرب“
(”الحياة“ 11 11 2004). في ”شبكة الانبار“،
يمكن قراءة الرسالة التالية والمؤرخة في 27 6 2004: ”ماذا فعل الرافضة
لبلادهم وما هو موقفهم من الاحتلال؟؟ ”لا أدري لماذا يقبع هذا المجوسي
الفارسي السيستاني في سردابه معتزلا الحياة والناس“ ”الخائن
مقتدى الصدر يأمر كل اتباعه بالخروج من النجف وتسليم اسلحتهم للقوات الاميركية
والقوات العراقية العميلة مقابل بعض الدولارات. ”ابناء الهالك (محمد
باقر الحكيم) ركنوا للعمالة والمداهنة. ”العمائم السوداء والبيضاء في
طهران تلوك الدعاية الدينية لاسكات العوام والمحافظة على بريق السلطة.
”حزب الشيطان في لبنان اقام الدنيا وأقعدها من اجل ثلاثة من الاسرى
الاسرائيليين لديه“. نقلت وكالة ”قدس برس“ ان مواجهات
عنيفة قد اندلعت بين مجموعات من الجيش الاسلامي السلفي في مدينة اللطيفية،
وميلشيات شعبية تم تشكيلها مؤخرا وأُطلق عليها اسم ”كتائب الغضب“
تأتمر بأمر المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني (موقع البينة لا ذكر لتاريخ
النشر). أورد موقع ”اسلام أون لاين“، ان مسلحين اغتالوا عضو
هيئة علماء المسلمين الشيخ غالب الزهير، وكان مسلحون قد اغتالوا الشيخ فيض محمد
بشار الفيضي، في وقت سابق، وترى هيئة العلماء ان هذه الاغتيالات تهدف الى اشعال
نار الفتنة الطائفية (23 11 2004). رياح السموم ما تنبئ به الجولة
الارشيفية الواردة آنفا، ذهاب العراقيين الى المغامرة بآخر ارصدة وجودهم، واللجوء
الى هذه المغامرة، والتي يتم تدشيمها بالاستنجاد بالله العظيم وادّعاء التقرب
اليه عبر التطهر بالدم المذهبي، لا يبدو محصورا ب ”الذائقة“
العراقية او الطقس العبادي العراقي وحده، بل تبدو ”الأمة“ التي لا
تظهر معالمها الا في سياقات الدم والايديولوجيات المتعسكرة وغنائيات ”الاسلامو قوميين، ذات قابلية مذهلة للبحث عن عناصر التفكك والتناحر
الداخلية، مما يجعل القول على تمامية الصواب، حين ينحو نحو الحديث عن استقرار
”مفهوم الغزو“ في أنماط التفكير العربية، بصرف النظر عن اشكال
التعبير العملاني عن هذا المفهوم، والذي كان يأخذ في مرحلة زمنية معينة اطار
الغزو القبائلي المتضاد، ثم شهد اول تحولاته في ”الفتنة الكبرى“
بين جناحي الاسلام في نهاية العهد الراشدي، ولينعكس في المرحلة الحديثة غزوات
متقابلة بين الاقطار العربية وليدة مرحلة ما بعد الاستقلالات، ولتظهر ملامحه بعد
حرب العراق في العام 2003 مرتدة عقودا عدة الى الوراء. وفي البحث في ارشيف
قابليات الغزو المتسلحة هذه المرة بأنياب تواريخ المذاهب ومخالبها، اول ما يبرز
في مقدمة الارشيف رسالة النائب الاردني السابق، ليث شبيلات، في صحيفة
”النهار“ اللبنانية، الى السيد حسن نصر الله، في تشرين الثاني من
العام 2003، يختمها بالقول: ”سددكم الله وحماكم وحفظ جهادكم ومذهبكم من كل
سوء“. ولنلاحظ هنا، كيف تم ادخال المذهب في مقالة/رسالة، هدفت الى
معالجة او مناقشة التطورات العسكرية والسياسية في العراق، ولنلاحظ مرة ثانية،
كيفية ذهاب نخب الاسلاميين الى التمترس على حدود (سيوف) المذاهب. وبالتالي
استبداد الانفعال بعقلهم السياسي، وهذه نقيض جوهر الممارسة السياسية مثلما سبق
القول، ومع ذلك، لا تكف مثل هذه النخب عن غنائية ”الامة
الاسلامية“. والتي حين يُسأل عنها، ثمة من يشير الى مؤتمرات ومهرجانات
الفولكلور التي تقام في الفنادق وصالات العرض!!! وتحت عنوان ”الغيرة
على المقدسات حين تتقدم كرامة الاوطان“، يكتب فهمي هويدي فيقول:
”مظاهرات الأكفان التي خرجت في عدة دول عربية واسلامية، احتجاجا على
دخول القوات الاميركية مدينتي النجف وكربلاء... تستدعي اكثر من ملاحظة، ... كنت
في ايران حيث علقت الدراسة في الحوزة الدينية بقم ونشرت الصحف ان طلاب الحوزة
خرجوا حاملين أكفانهم بعدما تناقلت الانباء خبر دخول الاميركيين الى النجف
وكربلاء... وسألت من أعرف في طهران: هل علقت الدراسة في قم وتظاهر طلابها حين
احتل الاميركيون العراق... فأجابو بالنفي“ (”الشرق الاوسط“
26 5 2004). مرة اخرى تستقر قراءة نصية لأحد النخبويين الاسلاميين، على
معايير مذهبية، وهو اذ ينهي مقالته بالقول ”اخشى ما أخشاه، ان يتصور البعض
انه بانسحاب الاميركيين من النجف وكربلاء، تكون المشكلة قد حُلت، وانه لم يعد
هناك ما يبرر الغضب او الاستنفار“، فانه يستبطن اتهاما لهذا البعض
(الشيعي) بالتعاون مع الاحتلال الاميركي، وهذا ما يصرّح به آخرون، فيما يفتحون
نوافذ التاريخ الجهنمية والاتهامية بالقول: ”في العراق نفسه... تواطأ ابن
العلقمي الرافضي مع قادة التتار على اهل السنة. وقصتهم معروفة في مصادر
التاريخ... ان الشيعة والمحتلين الاميركان صرحوا جميعا عندما سقطت بغداد، ان
الشيعة هم الاغلبية في العراق... ليقنعوا الناس بنتيجة الانتخابات التي سيجرونها
في ظل الاحتلال الاميركي“ (الشيخ الدكتور عبد الله قادري الأهدل (يمني)،
أحد كبار الفقهاء اليمنيين راجع مقالته في موقع ”صيد الفوائد“ على
الانترنت). ان النص المذهبي على مستوى فرز العراقيين وتوصيفهم، لا يبدو حالة
استثنائية لهذا الكاتب او ذاك، بقدر ما يعبر عن حالة عامة، ففي دراسة يمكن
مراجعتها في ”المركز الفلسطيني للاعلام“ (التابع لحركة ”حماس“) بعنوان ”مأزق الاحتلال الاميركي في العراق“،
ورد ان احد المعالم الرئيسية على صعيد المقاومة في العراق بعد عام من الاحتلال ”تبلور بغطاء سياسي وشرعي للمقاومة العراقية السنية“ (هكذا)، وأما
ياسر الزعاترة فيكتب في موقع ”الاسلام اليوم“ الذي يشرف عليه
الفقيه السعودي المعروف سلمان بن فهد العودة عن ”الفلوجة برسم التدمير...
ماذا بعد؟“. فيقول لن نتحدث عن موقف المرجعية الشيعية وصمتها المريب على
تدمير المدينة بينما تتحدث بحماس عن الانتخابات التي ستحصد من خلالها ثلثي
المقاعد للطائفة“ (موقع ”الاسلام اليوم“ 7 11 2004).
وتحت عنوان ”غزوة الاحزاب وأحزاب الغزو الجدد“. يكتب القيادي
في حركة ”حماس“ الدكتور احمد محمد بحر وفي موقع ”القسام“ الناطق باسم الجناح العسكري
”حماس“، ما يلي ”أما حرب الفلوجة، فقد بات واضحا انها حرب صليبية صهيونية شيعية على السنة
في الفلوجة (راجع موقع ”القسام“ 5 12 2004). وفي سياق تغطية
مركز ”الاعلام والمعلومات“ الفلسطيني (مقره في قطاع غزة)، للاحداث
العراقية يقول ”تجدر الاشارة الى ان التيارات الشيعية رغبة منها في الفوز
بالنصيب الاكبر في السلطة قررت الانصياع لرغبات الاحتلال“ ويرفض معظم
السنة في العراق، خوض الانتخابات ويواصلون كفاحهم المسلح لطرد الاحتلال، وهو ما
لا يروق لحكومة الاحتلال والتيارات الشيعية ”مركز الاعلام
والمعلومات“ 12 12 2004). وفي منتديات ”شبكة فلسطين
للحوار“، يمكن مطالعة مادة حوارية حملت عنوان ”نصرالله: نحن الى
جانب الشعب الفلسطيني“ (28 11 2004). أ الرافضة لم يفتحوا شبرا من
الارض... هم يركبون الموجة لأجل ستر فضائحهم“. ب ان لهم مؤرخا زنديقا
هو الخوانساري. ج النواصب عند الشيعة هم مجمل اهل السنة. وأما محمد جمال
عرفة (اسلامي مصري كان مديرا للتحرير في صحيفة الشعب المصرية) فيكتب قائلا:
”لا يمكن تفسير الاصرار الاميركي على ضرب وتدمير مدن المثلث السني في
العراق، سوى انه مؤشر على رغبة في تحجيم دور السنة في العراق قبل الانتخابات
المزمعة (موقع اسلام اون لاين 13 9 2004). وكتب حسين الرواشدة في
”الدستور“ الأردنية ”لقد سقطنا بامتياز في امتحان العراق،
وفي امتحان الفلوجة، الا ان سقوط المرجعيات الشيعية كان اكثر صدى وإيلاما، لدرجة
قيل فيها، ان تيار السنة وهو الوحيد الذي يواجه الاحتلال اصبح مطلوب
الرأس“ (الدستور 9 10 2004). وفي عددها الصادر بتاريخ 15 12 2004،
تورد صحيفة ”العرب اليوم“ الاردنية، سلسلة مواقف ”اسلامو
قومية“ تقاطعت مع هواجس الملك عبد الله الثاني من ”الهلال
الشيعي“، فأكد امين عام حزب ”الارض العربية“ الدكتور محمد
العوران على خطورة نشوء هذا الهلال، فيما ناشد القيادي الاسلامي الدكتور علي
الحوامدة ”الدول التي تؤمن بالمذهب السني الى ان تصحو من غفوتها“.
رياح السموم الشيعية، ليست اقل فتكا من مثيلتها السنية، اذ يكتب حسن الزاملي
في موقع ”لجنة استقلال جنوب العراق“: ان مسألة القلق السني من وصول
الشيعة الى السلطة في العراق، لم يكن منحصرا في سنة العراق، بل هو ينسحب على كل
من يؤمن بعمر (الخليفة الثاني)... انهم يتحركون بهواجس اليأس ويدافعون عن يزيد
ويتبركون بكتائب معاوية“. ويقول أسعد راشد في ”شبكة
كربلاء“: ”إن الوقف السني وهيئة علماء الخطف والقتل واجهات سياسية
لدول مجاورة (6 12 2004). ويقول احمد القمري ”أنا شخصيا عملت في لجنة
التقريب بين المذاهب الاسلامية... لكن ما يجري في العراق لا يمكن السكوت عنه،
وكلمة الحق لا بد من قولها، هناك حرب طائفية معلنة من جانب فلول البعث الهارب
ودعاة الفكر الظلامي بشقيه القادم من خارج العراق او من العراقيين السنة
الوهابيين من ابناء المثلث الطائفي (راجع موقع الارشيف العراقي في الدانمارك).
وما حدث في احدى جلسات مجلس النواب البحريني (9 11 2004)، يشي بدلالات لا
تخلو من مشهدية استنفار الغرائز ومخالبها، والوقائع التالية تختزل واقع الحال:
النائب عبد الله العالي (شيعي): مسلحو الفلوجة ارهابيون وقتلة. النائب
محمد خالد (سني) انتم القتلة والسفلة. النائب غانم ابو العينين (سني): كل
إناء بما فيه ينضح (راجع ارشيف صحيفة ”اخبار الخليج“ البحرينية
ابتداء من 8 تشرين الثاني 2004 الى 15 منه). كما ان ما جرى في الكويت على ايقاعات
عرض مسرحية ”حب في الفلوجة“ وتحميل خلفيات عرضها لوزير الاعلام
محمد ابوا الحسن (شيعي) من قبل النواب الاسلاميين السنة، يعكس خللا واضحا في
معادلة ترتيب وتركيب الهويات في الكويت والبحرين وغيرهما من الاقطار العربية.
ما يمكن استخلاصه من الوقائع والمجريات السابقة الذكر، يدور في فلك قصور
الفكر الاسلامي الحركي عن صوغ مفهوم سليم للهوية، فالأخيرة وفقا لأنماط التفكير
لدى الاسلاميين الحركيين وسلوكياتهم العملانية، ما فتئت تقوم على التجزيء الموغلة
جذوره في مضارب القبيلة والعشيرة المستعصية على ادراك التحولات الانتمائية
للجماعات، وانتقالها من زوايا الهويات الضيقة والانغلاقية الى رحاب الهويات
الوطنية وفضائها الفسيح، وربما هذا الخلل في قدرة الاسلاميين على استيعاب مفاهيم
الدولة والوطن والمواطنة، يعكس عجزهم عن صوغ برامج سياسية حقيقية تنطوي على
اضافات جدية للفكر السياسي العربي، فحين يكون الإيمان بالوطن خارج مركبات الهوية
الاسلامية، من الاستحالة بمكان التقدم بمشروع او برنامج سياسي على مستوى الجمهور
العريض (الوطني)، وعلى مستوى آخر، قد يرقد هنا، سبب نجاح الاسلاميين وفلاحهم، في
بناء شبكات الاعانة والصدقات لأنصارهم ومريديهم ومحازبيهم، فمن جهة، تعبر هذه
الشبكات عن استنصار واضح للهوية الجزئية، ومن جهة ثانية، تعمل الشبكات عينها، عن
قصد او غير قصد، على ترحيل الهوية الجامعة (الوطنية) الى زمن غير معلوم. لقد
كشفت حرب العراق، مجموعة مهمة من الحقائق وأزالت الضبابية عن مجموعة اخرى من
الالتباسات لعل أهمها: 1 عمق الهوة الفاصلة بين الحركات الاسلامية وقابليتها
للتناحر، وبصورة تتجرد من المبالغة حين يذهب القول الى ان العداءات والاستحكامات
بين الاسلاميين وفرقهم اوسع بكثير من العداءات والاستحكامات بين الاسلاميين
والغرب، وتحديدا بين الاسلاميين والامبريالية. 2 قدرة الاسلاميين على التعايش
مع الليبراليين العلمانيين، اكثر من قدرتهم علي التعايش بين بعضهم البعض. 3
الفروق الهائلة بين المسلمين والاسلاميين، فالمسلم قادر على حبس انفعالاته واكثر
رحابة في التعاطي مع الآخر، بينما الاسلامي مطبوع بالانفعال وأحادي البصر والتصور
والتفكير. 4 عجز الاسلاميين عن التعاطي مع الطوارئ من الاحداث، فالسيف
والتكفير مجمل تفكيرهم وأنماط افعالهم. 5 اقفال الاسلاميين لباب الاجتهاد
السياسي، مثلما اقفلوا باب الاجتهاد الديني. 6 عدم قناعتهم بالوحدة
الاسلامية، او حتى التقريب بين المذاهب، ذلك انهم عندما ارتطموا بأول جدار في
طريقهم، مثل الجدار العراقي، تفرقوا شيعا وفرقا يكفر بعضهم بعضا. هل هذا نعي
ل”أمة الاسلاميين“؟؟ قد يكون كذلك، او قد يكون ذلك مطلوبا، لأن
العاقبة قد تكون ل”أمة المسلمين“ وليست ل”أمة
الاسلاميين“.
--------------------انتهت.
|
|
|
|
31 كانون أول -
ديسمبر 2004 |
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|