|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
لا يمكنني العيش معك
أمسك المفتاح بين أصابعه ثم وضعه
بالمزلاج وأداره حتى فتح الباب وبدت الغرفة أمامه واسعة رحبة، سقفها
أعلى مما كان يتوقع وجدرانها كالحة اللون، طلاؤها باهت ومتناسق مع
عراقة ذلك البيت القديم.
أثناء تفحصه للغرفة الجديدة التي جاء للسكن فيها طيلة ذلك
العام الدراسي، شاهد فأرة تراقبه باهتمام وكأنها تتفحص مزايا الساكن
الجديد لتقرر ما إذا كانت تقبل الإقامة معه أم لا…
لم يتفاجأ أبداً بوجود مثل هذه الحيوانات هناك، إذ أنه اعتاد
وجودها في مختلف الأبنية السكنية للطلاب، إلا أن طريقة استقبالها أثارت
لديه الدهشة والإعجاب، كما أن خطبتها الترحيبية البليغة جعلته يتأكد
أنها تقيم هنا منذ زمن بعيد وأنها معتادة على التلذذ بطعم الكتب
الفصيحة المهملة.
أدخل حقائبه بهدوء تام، وقام بمسح الغبار عن الكرسي الوحيد
الموجود فيها، ثم رتب الطاولة قبل أن يضع أدواته فوقها ويجلس خلفها
ليفرغ ما لديه من وجدانيات، دون أن يكترث بوقوفها أمامه، خاصة بعد أن
أيقن أنها سوف تسكن معه لا محال، وعليه أن يقبل بالأمر الواقع بلا
جدال، فقبل. أمسك القلم بين أصابعه ثم وضعه فوق الورق وأداره حتى تفتقت
أفكاره وبدت آفاق وجدانياته رحبة واسعة، سقفها أعلى مما كان يتوقع…
فكتب يقول:
كم أنا مغرم بالجنون، وبصوت الحسون وبالأوزان والأنغام وعجة الخشب
بالعزف على الأوتار والرغبة والقسوة وأسرار القيثار. وبتفوق أنكر
الأصوات على إيقاع الهدوء…
ما كاد يضع أخر نقطة بعد آخر حرف حتى اقشعر بدنه حين شاهد
تلك الفأرة واقفة عند السطر الأخير وهي تتلذذ بقضم قطعة من ورق كوشيه
كتب عليه أبيات من الشعر الجاهلي، وتمسك بنظارتها كي تتذوق بتمعن كل
الكلمات، حتى رفعت رأسها عندما تأكدت من وجود آخر نقطة بعد آخر حرف
كتبه.
تطلعت نحوه بازدراء ثم قالت وكأنها تحدث نفسها: أي هراء هذا؟
أين المعلقات والقوافي والبحر الوافر والرمل والبسيط والخفيف؟ أين
المضمون؟ فأنا لا أفهم شيئاً مما تقوله، وكأنني أمام كلمات متقاطعة في
شبكات متداخلة ضمن لعبة صورة وسهم معقدة جداً، أصعب من تلك التي تنشر
على صفحات كل الألقاب والمخصصة للأذكياء فقط أي ورق الكوشيه؟… لا مجال
للتعايش مع شخص مثلك.
قالت هذه الكلمات ثم حزمت حقائبها وتركته مشدوهاً بدون حراك،
ورحلت.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م