|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
أصبح منهم
اعتاد أن يذهب معهم نحو النهر، الذي
يقع في طرف القرية، أيام العطل المدرسية، رغم شعوره بنظرات الازدراء
والاستهانة التي كانوا يجزرونه بها على اعتبار أنه قادم من المدينة
وليس من سكان تلك القرية.
إلا أن أساليب لهوهم كانت تحيره، لكنه بذل جهداً لتقبلها
فغاص في النهر حتى وسطه ليصطاد الضفادع من النهر، وساعدهم بذبحها وسلخا
وإضرام النار بالأعشاب الجافة والحطب لشيها، حتى أنه تجرأ وذاق طعم
بعضها معهم ثم أكلها بنهم ليثبت للجميع أنه أصبح منهم.
رغم ذلك كله كأن يشعر بأنه لم يتمكن بعد من نيل التقدير
والثقة به، حتى أنهم كانوا يتهامسون عليه ويهزءون منه كلما بدءوا
بلعبتهم الغريبة التي كان يهابها ولم يكن لديه أي استعداد للمساهمة
فيها، لما تمثله من خطر على حياته.
ولكن ذلك كان يشعره بالضعف وكان يتساءل باستمرار، ألا يستطيع
أن يفعل مثلهم؟ ألا يستطيع أن يبحث عن الثعابين بين الصخور؟ هل يجرؤ
على الإمساك بها وفتح فمها واستئصال أنيابها السامة بمسمار حزامه
ليضعها بعد ذلك بعبه أو حول عنقه كما يفعلون؟
عاد يردد هذه التساؤلات كلما انطلقوا بحملة صيد الثعابين على
ضفاف النهر، ويزداد غضبه كلما حاول أحدهم إخافته بحية صغيرة ليطلق
الباقون ضحكاتهم استهزاء بضعفه وتهكماً على وجوده بينهم، إلى أن حسم
أمره وتخلى عن التردد في سعيه لاصطياد الثعابين كما يفعلون.
شاهد خيطا أسود يتحرك تحت حجر كبير كان يحركه عند ضفة النهر
فأدرك أنه هالك لا محال، ولكنه سمح أصوات الجميع يهتفون به: لا تدعه
يهرب منك!
وضع خوفه جانباً وبذل جهداً كي يثبت لهم، على الأقل، بأنه
يحاول الإمساك بالثعبان دون جدوى، على أمل أن يجد فرصة ما للتخلص منه.
فداس على جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم أمامه مخلفه بقليل حتى بدأ الثعبان
يبتعد عن ضفة النهر ويدخل رأسه في جحر حائط قريب من المكان، فكر في أن
يوهمهم بأنه يسعى للإمساك به، حتى يمنحه وقتاً للهرب، إلا أن الجحر كان
صغيراً على ما يبدو، بحيث لم يتسع لحجم الأفعوان، وبقي ذيله خارج
الجدار والجميع يهتف به كي يمسك الذيل وينتزع الحيوان بكل عزمه.
وجد نفسه في وضع مرغم فيه على التصرف وكأنه بطل فأمسك بذيله
بخوف هز أوصاله، لكنه لم يتردد لحظة واحدة ليشد ذاك الذيل نحوه على أمل
أن تخرج تلك الطريدة من حجرها بعد دقائق من الملاحقة بدت وكأنها دهر
بأكمله من السعي خلف حية تحول الإمساك بها إلى مسألة حياة رغيدة أو …
طال به الأمر وهو يحاول سحب ذلك الحيوان من الجدار، وكم كان
يتمنى لو يستطيع إفلاته والعودة إلى المنزل ليجلس بالقرب من أمه ولا
يبتعد عنها لحظة واحدة، لكنه شعر حينها بالاستياء يتملكه فنتر الثعبان
بقوة وبسرعة حتى رآه وقد خرج بكامله من الجحر ليرتد نحو يده كي ينفث
فيها سمه، فأشاح برأسه خوفاً من ذاك المشهد المريع وأخذ يلوح بذراعه
وكأنه يحمل مقلاعاً فارتطم رأس الأفعوان بالأرض حتى تهشم ونزف.
ما أن تأكد تماماً من أن الحيوان لم يعد يقاوم، وأن قواه قد
خارت تماما حتى حل حزامه وأمسك مسماره بيد، ليضع يده الأخرى عند أسفل
راس الثعبان حتى فتح فمه فزج بالمسمار بين أنيابه ليحطمها بالكامل، ثم
أعاد الحزام إلى مكانه ولف الثعبان حول عنقه ورفع رأسه عالياً وهو يشعر
بأنه يكاد يلامس السحاب … لقد أصبح منهم.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م