|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
عادت بشائره
أخيراً حلت بشائره الأولى، أتت تلك الطيور المغردة التي ترافقه صيفاً
شتاءاً، وتسبقه أنى يذهب لتملأ المكان زقزقة وغناءً، وأنشدت تلك
العصافير أجمل ألحانها، وكأنها تحتفل بحلوله بيننا، كأنه فصل الربيع.
ولكنه مجرد كائن طبيعي، كل ما فيه يؤكد أنه شاب عادي وبسيط جداً، كان
يأتي إلى ساحة البلدة عصر كل يوم ليتناول الشاي معنا، وكنا نتحدث عن
أمور متنوعة، عن الموسم والمحصول والأيام الخوالي، وكنا نتذكر معاً
سنوات طفولتنا، حلوها ومرها وكل أفراحها.
كان يحدث ذلك عصر كل يوم بلا انقطاع، وكانت تلك العصافير تسبقه بلا
تردد وتبقى هناك بانتظاره تطير من غصن إلى آخر ويحط بعضها على كتفيه
دون أن يكترث هو بها أو يتفاخر بوجودها، وكأنها أمر عادي جداً، حالها
كحال تلك الريشة البيضاء التي تعلو رأسه وتبرز بوضوح تام لتناقض لونها
مع سواد شعره القاتم.
أذكر جيداً تواضعه في التعامل معنا وعدم لجوئه مطلقاً إلى عصافيره تلك،
كما أذكر جيداً عدم تفاخره بجمال الريشة التي كانت تتألق فوق رأسه
وتزيد من بهائه ووسامته، كان شديد الثقة بنفسه ولكنه لم يكن متبجحاً أو
مغروراً بهالته أو بروعة حضوره وخفة ظله.
رغم ذلك كله ساد بين الغالبية منا شعور بالفضولية ورغبة بالتعرف على
السر الكامن وراء تلك العصافير المغردة والريشة البيضاء التي تعلو
رأسه، وسألناه عدة مرات عن ذلك لكنه كان يجيب بكل بساطة أنه يجهل وجود
أية أسرار، وأن كل ما في الأمر هو أنها معه منذ الصغر ولا يعرف إلى متى
ستستمر…
إلى أن كان، آخر يوم رأيناه فيه، حين لجأنا للاستهانة به واستفزازه
وكأن ما يحيط به مفتعل وموجود بفعل منه وعن سابق إصرار وترصد، وهاجمنا
العصافير بأيدينا، وبذلنا جهداً كبيراً في محاولة لانتزاع الريشة
البيضاء دون أن نفلح، حتى تأكدنا أنها ملتصقة بفروة رأسه لا تزول، أما
هو فقد حافظ طوال الوقت على هدوئه التام حتى أصابنا التعب من شدة
العناء، فتركنا أسرى الإرهاق وعاد إلى بيته.
وبقينا على هذا الحال أسابيع طويلة، نقضي الأيام نواجه السام بدونه،
حاولنا عدة مرات إعادة تلك الجلسات السامرة إلى سابق عهدها ولكننا لم
نفلح، وكابدنا وصبرنا وسعينا للاستعاضة عنه بشتى السبل… دون جدوى،
فأيقنا أن جلساتنا أصبحت هالكة بغيابه وأن حضوره بيننا ضروري لا محال.
وأخيراً حلت بشائره الأولى، أتت تلك الطيور المغردة التي ترافقه صيفا
شتاءاً، وتسبقه أنى يذهب لتملأ المكان زقزقة وغناء، وأنشدت تلك
العصافير أجمل ألحانها، وكأنها تحتفل بحلوله بيننا فتشدو ترحيباً
بوصوله.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م