يحتاج التحضير لدراسة تعالج واقع الشباب الفلسطيني في أكبر تجمع سكاني
للاجئين في لبنان إلى مصادر حية وتجوال في الشوارع والأزقة ومقابلة
الشبان من مختلف الفئات للتعرف على همومهم عن كثب، لأن المصادر
المكتوبة حول الموضوع شبه معدومة، إن لم نقل معدومة بالكامل، إلا من
بعض الإشارات العرضية التي لا يمكنها أن تغطي موضوعا على هذا القدر من
الأهمية.
والمشكلة في التحضير لهذه المادة تكمن أيضا في غياب المؤسسات الجدية
التي يمكن أن تحصل منها على المعلومات اللازمة بهذا الشأن، ففي المخيم
بعض المؤسسات المتواضعة التي تعنى بشؤون الطفل أو المرأة مثلا ولكن ليس
فيه مؤسسة واحدة تهتم جديا بأوضاع الشباب وتعنى بواقعهم وتملك
المعلومات أو الدراسة الموضوعية عن أوضاعهم، رغم وجود بعض الأندية التي
تركز جل اهتمامها على جانب من التعبئة السياسية للشباب.
طبيعة المخيم الذي نحن بصدده تدعو لأخذ الحيطة والحذر من الجزم في أي
معلومات تتعلق بواقعه نتيجة الفوضى التي تعمه، ولإعطاء مثال على ذلك
نورد أن تعداد الأونروا لسكان عين الحلوة لا يتعدى الـ 35000 نسمه،
علماً أن تقديرات كثيرة، وخصوصا من سكانه تؤكد أن العدد الصحيح هو
الضعف. لهذا سوف نعتمد في هذه المادة على الإحصاءات الرسمية أو شبه
الرسمية المنشورة منها وغير المنشورة.
يعيش شبان المخيم، موضوع الدراسة، في وسط يمكن أن نصفه، دون أي تردد،
بحالة نموذجية من الفوضى والفلتان الأمني والعنف والازدحام الشديد
والأزمة السكانية والبطالة شبه الكاملة والفقر والتفكك العائلي وغياب
التضامن والمساعدات وشاشة العناية التربوية وانتشار الأمراض وازدياد في
نسبة الأمية وشبه الأمية. رغم ذلك يؤكد الكثيرين ممن يسعون لمغادرة
المخيم والبلد بأكمله، أن الضغوطات الأمنية ربما كانت السبب الرئيسي
الذي يدفع الشبان إلى الهجرة، خصوصا الحروب الداخلية التي حصدت اكثر من
45 فلسطينيا خلال عام 1994 وما زالت تنذر بمزيد من احتمالات التقاتل
الفصائلي الذي يتأجج كنار تحت رماد بناءاً على تأكيدات عدد من
المسؤولين على اختلاف انتماءاتهم.
هذه الاشتباكات المؤجلة، بحكم أن لا مصلحة "للجهات الخارجية" الآن في
اثارتها، لم تعد وحدها الضغوطات التي تدفع الشباب نحو الهجرة بل جاءت
حواجز الجيش وتضييق الحصار على المخيم ، دون الدخول لبسط السيادة
والسلطة فيه، لتشكل تهديدا ينذر الجميع بويلات لم تسلم عائلة من
آثارها، خصوصا وان عددا من المطلوبين للعدالة وجد ملجأ لنفسه هناك، مع
أن البعض يتحدث عن علاقة بين السلطات وبعض هؤلاء العناصر ممن يزودونها
بالمعلومات مقابل التغاضي عن اعتقالهم أو حتى تأمين الحماية لهم
أحياناً. إلا أن هذه الضغوطات المباشرة لدفع الشباب الفلسطيني إلى
الهجرة أصبحت غير فعالة وبالتالي غير إنسانية بعد أن اصطدمت بإجراءات
إدارية أخرى تجبر الفلسطيني وحده ودون غيره من المقيمين في الأراضي
اللبنانية، على دفع رسومات قد تصل إلى ما يقارب المئتي دولار أمريكي
والمشكلة في هذا الإجراء ليست مالية فقط، بل تكمن أيضا في أن هذا
الشاب، عندما يغادر لبنان، لم يعد يذهب للعمل في بلدان الخليج، الذي
اصبح مغلقا في وجه العمالة الفلسطينية القادمة من لبنان منذ سنوات بل
يغادره سعيا للسفر إلى ألمانيا أو الدول الاسكندنافية على أمل طلب
اللجوء هناك، وبما أن قبوله لم يعد مضمونا بعد اتفاق الطائف، فقد اصبح
هو وعائلته رهينة أن لا يتمكن من العودة بعدها في حال فشله.
خصوصا وان معاملات طلب العودة في سفارات لبنان في الخارج أصبحت معقدة
ودون جدوى.
تؤكد بيانات المسح الشامل لمخيمات لبنان الصادرة عام 1990 عن ندوة
نظمها المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني والأمم المتحدة، صندوق
الإسكان، إن نسبة الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاما في
مخيمات لبنان وصلت إلى 1.26 بالمائة، مما يسمح بقبول التقديرات القائلة
بان اكثر من ثلث سكان المخيمات هم من الشباب، على اعتبار أن مشكلات
الشباب الفلسطيني تصيب من تزيد أعمارهم عن ذلك ببضع سنوات.
وتجمع التقديرات على أن ما نسبته 35 بالمائة من هؤلاء الشبان في مخيم
عين الحلوة متزوجون في حين أن النسبة الأكبر مازالت تسعى لتحديد سبل
عيشها لدخول الرابط الزوجي وما يلقيه ذلك من مسؤوليات اقتصادية
واجتماعية جسام على كاهل الشباب.
ويواجه مخيم عين الحلوة كل المشاكل التي يعاني منها مجمل الشعب
الفلسطيني في لبنان وهي متعددة، إلا أنه بالإضافة إلى ذلك يكابد
خصوصيات آتينا على ذكر بعض منها، أما المشكلة الأبرز التي تواجه الشبان
هناك فهي الكثافة السكانية والازدحام وفقدان المأوى إذ يصل بدل إيجار
غرفة واحدة في الشهر إلى مائة دولار في حين يكلف شراء منزل عادي في
إحدى الأزقة اكثر من عشرة آلاف دولار.
أما أسباب ذلك فتكمن في قيام الدولة بإجلاء المهجرين من مخيمات بيروت
عن البيوت التي كانوا يشغلونها ودفع تعويضات لا تسمح لهم إلا
بالاستئجار أو البناء في المخيم، وكان تضخم عدد السكان يزداد بعد كل
جولة قتال، كما تحصل بعد تهديم مخيم النبطية وأثناء حصار مخيمات بيروت،
وعلى اثر إخلاء منطقة السكة التي كانت تشغلها 75 عائلة معظمهم من
الفلسطينيين وهم يقيمون الآن في منطقة البراكسات الواقعة في الطرف
الشمالي من المخيم المهددة أيضا بالهدم.
أي أن التعويضات التي دفعت لم تحل مشكلة السكن لدى هذه العائلات بل
زادت من الازدحام والكثافة السكانية في المخيم، خصوصا بعد القيود التي
فرضت على البناء والترميم في ميمات بيروت، ويمكن لأي زائر أن يرى
عائلات كثيرة تبيت في اماكن لا تصلح احيانا لإيواء البشر، فكيف لأي شاب
ان يبدأ حياته في ظروف سكنية كهذه؟ علما ان مناطق اخرى واسعة من
المنازل مهددة بالهدم، خصوصا الناحية الغربية للمخيم المحاذية لخط
السكة، لبناء اتوستراد الجنوب.
من الواضح اذن ان فقدان المأوى هو أكثر المشكلات خصوصية بالنسبة لشباب
المخيم، علما ان البطالة لا تقل عنها شأنا لأنها تمس كل الشبان، سواء
من يفكرون بالانتقال الى حياة جديدة، او من يتكفلون بإعالة اشقائهم
الأصغر وأفراد عائلاتهم. ورغم غياب الاحصاءات الجدية بهذا الشأن فان ما
يقال عن وجود ثمانيني بالمئة ممن يعانون البطالة هو رقم قريب من
الواقع، خصوصا ان كنا نعني بالعمل تلك الوظائف التي تعني راتبا شهريا
ثابتا وتعويض عن نهاية الخدمة وضمانات أخرى كالتي يحصل عليها موظفو
الاونروا.
وتطال البطالة فئة كبيرة من الشبان ممن لا يعملون ولا يحصلون على أي
دخل رغم مسعاهم للحصول على العمل، وترتفع هذه النسبة لدى الشبان ممن
يعتبرون الشغل واجب اجتماعي في حين يتردد الاناث في الإعراب عن سعيهم
للعمل ويمتنعن عن اعتبار انفسهن في حالة البطالة. علما ان الشابات هن
الجزء الرئيسي من موظفي المؤسسات الخيرية الغير حكومية، ويعمل بعضا
منهن مدرسات وبائعات في محلات تجارية وفي تنظيف الشركات والمباني
والمستشفيات والمدارس وغيرها.
تشمل البطالة غالبية الشبان على اختلاف مستوياتهم التعليمية، الا أنها
تؤثر بنسبة اكبر على خريجي المعاهد الفنية المتوسطة والجامعات ممن
يجدون أنفسهم مجبرين على التعامل مع اقتصاد يسوده التمييز ويعد
الكفاءات الفلسطينية لدى الشبات بمزيد من التدهور والانهيار. رغم ذلك
فإن الكثافة السكانية والازدحام في عين الحلوة لهما جانب انساني اذ
انهما يوفران بعض سبل كسب العيش كالخدمات والتجارة والبناء وسيارات
الاجرة. أما توزيع الشباب العاملين في هذه المجالات فهي بنسب تقارب الـ
50 بالمئة في البناء و 25 بالمئة في الخدمات و 15 بالمئة في المجالات
الأخرى.
في ضوء سوق العمل التي تستبعد المهنيين الفلسطينيين في لبنان وخارجه،
لا تقدم اية حلول تذكر على الاطلاق، حتى ان نظام التعليم في الانروا
بدأ يفقد هدفه الرئيسي، فلا يخرج عن برنامج التدريب المهني المتبع في
سبلين والذي يستوعب ما يقارب ال 600 طالب، مما لا يشكل حلا للبطالة شبه
الكاملة المنتشرة بين الشباب الفلسطينين، بل يدفع الكثير من هؤلاء لبدء
العمل، تحت السن القانوني لتعليم مهنة ما.
بالنسبة للتعليم ايضا فقد اكد مسح غير منشور لست مدارس تابعة للاونروا
في مخيم عين الحلوة لفترة 1992- 1995 وجود نسب عالية لاستنكاف عن
مواصلة الدراسة، ومع توقف المنح التي كانت تأتي من الاونروا ومنظمة
التحرير اصبح قليلا عدد الطلاب الذين يتابعون الدراسة الثانوية أو
الجامعية. وتجدر الاشارة الى ان عدد طلاب المستويات التعليمية الثلاث
في الاونروا في سوريا هو ضعف عددهم في لبنان مع ان عدد الفلسطينيين في
لبنان اكبر منه في سوريه.
انهم لا يتقنون القراءة والكتابة جيدا، بالاضافة الى ان 5 % من هؤلاء
الشبان يمكن اعتبارهم اميين بالكامل، كما ان عدد الخريجين من الجامعات
قد تأثر بنسبة عالية ففي حين تخرج من الجامعات عام 1980 تسعة شبان تقل
اعمارهم عن ال 24 سنة لم يزد عدد هؤلاء عام 1989 عن الثلاثة شبان.
ولا شك ان الحالة هذه الايام تزداد سوءا لأن قلة من شبان عين الحلوة
بالتحديد ومخيمات الجنوب عموما تنتسب الى الجامعات في بيروت للارتفاع
الكبير في الرسوم وثمن الكتب التي لا يمكن لسكان المخيم ان يتمكنوا من
تغطيتها حتى وان ساهم صندوق الطالب في الرسوم بكاملها، لن تتمكن الاسرة
المقيمة في المخيم من تلبتها. لذا تجد ان عددا بسيطا من الشبان ينتسبون
الى الجامعة العربية.
باختصار شديد يمكن ان نلخص واقع شبان المخيم الفلسطيني الأكبر في لبنان
بأنه غارق في حالة نموذجية من الفوضى والفلتان الأمني والعنف والازدحام
الشديد والازمة السكانية والبطالة شبه الكاملة والفقر والتفكك العائلي
وغياب التضامن المساعدات وهشاشة العناية التربوية وانتشار الأمراض
وزيادة في نسبة الأمية وشبه الأمية.
مما يتطلب القيام بجهود شعبية فلسطينية ولبنانية مشتركة تساهم فيها
شخصيات ومؤسسات ثقافية وتربوية واعلامية واجتماعية واقتصادية بتنسيق
المساعي بين المؤسسات والأفراد لمنح الفلسطينيين حقوقهم المدنية.
والسماح لهذا الجيل من شباب المخيمات بأن يساهم في إعادة اعمار لبنان،
والخروج من المحنة العصيبة التي يمر بها.
المصادر الرئيسية
المستقبل العربي، عدد 209، تموز 1996.
مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد23، صيف 1995.
الفكر العربي، عدد 81، صيف 1995.
مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد5، شتاء 1991.
بيانات المسح الشامل لمخيمات العرب الفلسطينيين في لبنان عام 1989، المكتب
المركزي للإحصاء، الدائرة الاقتصادية، م.ت.ف.
The Report of the
European Countries to the Refugee Working Group. December 1994
--------------------انتهت.
