اضطررت فجأة للدوس بكل ما أوتيت من قوة على الكوابح كي أوقف
السيارة عند مفترق الطرق، حيث كان شرطي المرور يقف عند الإشارة المعطلة
ليحدد وجهة السير هناك، فتمكنت، لحسن حظي، من التوقف بالوقت المناسب
قبل أن يتحرك سيل العربات منطلقاً من الطريق العرضي باتجاه الناحية
المقابلة من الجادة.
شعرت بنشوة الانتصار لحظة وقوفي عند الخط الأصفر تماماً رغم
السرعة التي كنت انطلق فيها، ثم نظرت حولي وأنا أتوقع أن أرى عيون
الإعجاب محدقة بي على تلك الوقفة البطولية، إلا أن أحداً لم يكترث بي،
ولم يلحظ وجودي هناك أحد من المارة الذين كانوا منهمكين في عبور الجادة
نحو الاتجاهين بطريقة روتينية ورتيبة.
طرق بائع الصحف على زجاج السيارة فجأة مشيراً إلى ما لديه من
نشرات أسبوعية وجرائد يومية برزت عناوينها بشكل ملفت ومثير، يتحدث
بعضها عن بدء الحملة الانتخابية تحت البحار وثان عن أول حلة زفاف فوق
سطح القمر، وثالث عن آخر تقليعات الموضة بين قبائل الهنود الحمر.
أطرقت النظر فجأة في أقرب صحيفة مني فوجدت صورة ملونة لملامح
وجهي، فتحت نافذة السيارة بسرعة لأمعن النظر بالصورة وأتأكد إن كنت
فعلاً مطبوعاً على صدر الصحيفة، وإذا بالصورة تحدق بي كما أحدق بها
وتقترب ملامحها كلما زدت اقتراباً منها، حتى كاد رأسي يخرج من النافذة
ويلتصق بالصحيفة فنهرني بائع الصحف بفظاظة وهو يقول:
أهذه أول مرة تشاهد نفسك فيها بالمرآة؟
حينها فقط تنبهت إلى أن الصحيفة لا تتحدث عني، وأن ذلك لم
يكن سوى مرآة صغيرة يعرضها بائع الصحف على سائقي السيارات، شعرت بالخجل
الشديد من نفسي، ولكن أكثر ما أخجلني حينها هو رؤية جميع المارة ينظرون
نحوي بسخرية، والوجوه تبتسم من تلك الواقعة الهزلية، وتوقف الجميع
ليضحك على ذلك المشهد، وقد لحظ وجودي كل المارة فتوقفوا عن عبور الجادة
في الاتجاهين بطريقة روتينية ورتيبة.
ولحظت شرطي المرور يبتسم متهكماً للمرة الأولى، وطال انتظاري
عند إشارة السير للمرة الأولى، ما كدت أضيق ذرعاً من ذلك المشهد وأشيح
بنظري نحو السيارة التي تقف إلى جواري، حتى رأيت فتاة بابتسامتها
الساحرة تتطلع نحوي، وما كدت أمعن النظر فيها حتى أطلق شرطي المرور
العنان لصفارته لينطلق بعدها صفير العجلات وسباق السيارات في منافسة لن
تنتهي إلا عند إشارة مرور قادمة.
--------------------انتهت.
