كان طفلاً مولعاً بأحلام اليقظة، لم
تكن لديه لعبة واحدة، بل كان يجد في أحلامه وتأملاته كل سلواه، وما زال
حتى اليوم يتوجه إلى الأفق البعيد في وضح النهار ليرى فيه حلمه.
دبت الحياة في أوصال مخيلته للمرة الأولى حين كان يجلس على
ضفة النهر في ذلك الصيف الحار، فرأى حجراً أبيض يتحرك في مكانه، وجلس
يراقبه وكأنه ينتظر لحظة انطلاقه ليعرف أي وجهة سيأخذ.
إلا أن الحجر لم ينطلق، بل استمر في مكانه إلى أن ذهب إليه
ورفعه في حذر شديد بأطراف أصابعه ليجد تحته ضفدعاً اندفع بقفزة واحدة
نحو الماء، مما أثار فيه الخوف والدهشة، ولكنه تمالك نفسه فيما بعد،
حتى أصابته نوبة من الضحك.
وضحك مرة أخرى حين سمع جده يخبره عن قصة سرطان مدلل كان يطلب
من أبيه أن يعلمه كيف يطير، وقد أنصت جيداً وهو يسمع جده يكرر أن فاقد
الشيء لا يعطيه. وتساءل في نفسه: - كيف سينهي جده تلك القصة نهاية
سعيدة كما تعود، وهو يعرف أن السرطان لا يحسن المشي باستقامة على الأقل
فكيف له أن يطير؟؟
وطار السرطان في قصة الجد بعد أن ثابر وتعلم القراءة
والكتابة وجعل من منكبيه جناحين فطار، وحلق فوق الشاطئ، وحيا من
الأعالي أصحابه وأهله وأحباءه، وأنهى جده تلك القصة بجملة قال فيها:
"من جد وجد".
وطار هو أيضاً كالسرطان مع الأمير الصغير من كوكب إلى آخر،
وتعلم معه كل ما يعلم، وانبهر بقصة الملك والصداقة، والوردة، والحية
التي ابتلعت فيلاً فأصبحت تشبه القبعة، وصار يبحث عن الضفادع تحت كل
حجر يتحرك.
رغم كل هذه الأحلام أنعم عليه بعمر مديد، وهو ما يزال يتطلع
نحو الأفق البعيد كأنه يردد مقولة حكيم تدعوه لأن يستخدم خياله مرطباً
للواقع الجاف يساعده على التغيير والتكامل في العمل ويدفع به إلى
الأمام…
وكأنه كان وما يزال طفلاً مولعاً بالأحلام.
--------------------انتهت.
