العقل السليم في الجسم السليم. هذا المثل الشائع الذي كان بيتا كتبه الشاعر الروماني جوفينال قبل ألفي عام، يؤكد أن القدرات العقلية كانت ولمدة طويلة تعتبر غير قابلة للانفصال عن الأداء الجسدي.
الرياضيون ممن يشاركون في الألعاب الأولمبية اليوم، يخضعون لتمارين مكثفة متشابهة. قدراتهم الجسدية قابلة للمقارنة، وهي غالبا عندما تكون في ذروتها لا تمكنهم من الفوز بجميع الميداليات الذهبية.
الفرق بين الرياضي العادي وبطل العالم هي النفسية بالتحديد. لهذا اصبح علم النفس جزءا أساسيا من التمارين اليومية لنخبة الرياضيين، وهو يسير جنبا إلى جنب مع رفع الأثقال ونوع الغذاء.
يحلم جميع الرياضيين ممن يشاركون في المباريات بفوز الميداليات. يدفعهم هذا الهدف لمضاعفة التمارين والضغط على أنفسهم. إلا أن علماء النفس ينصحون الرياضي بأن يحدد لنفسه أهدافا مرحليه.
فعندما يقرر الغطاس مثلا أن يعدل وضعية يديه، وينجح في ذلك ستشعر انه حقق تقدما ما، رغم انه ربما أخفق في جوانب أخرى من الغطس. إلا أن تحقيق هذا الهدف الصغير يحمسه ويساعده على الاحتفاظ في الرغبة بالفوز.
على الرياضي أيضا أن يركز فقط على الأشياء التي يمكن التحكم بها في أي لحظة كان.
عليه أن يحاذر مثلا ويركز اهتمامه على تشنج العضلات. كما وعلى حركات أدائه.
على الرياضي أن يتحكم أيضا بأفكاره. إحدى التقنيات التي تساعده على ذلك هي الإيحاء الذاتي.
تكمن هذه التقنية بتحفيز الرياضي لنفسه بنفسه.على الرياضي أن يقنع نفسه بأنه جاهزا، ومسترخيا ومستعدا للفوز.
وعلى الرياضي ألا يسمح لنفسه بأن يتلهى بأمور لا يمكنه السيطرة عليها، كما هو حال المدربين، والتعليقات أو أداء وتصرفات غيره من الرياضيين. وعليه أيضا أن يتغاضى عن كل التوقعات.
القدرة على التركيز التام هو إنجاز هائل حين يتعلق الأمر بالنجاح في مباراة رياضية. هذه مسألة صحيحه، خصوصا في الألعاب التي تتطلب دقة متناهية كرمي السهام.
اثبت العلماء انه في لحظات التركيز القصوى تتبدل موجات الدماغ.
يرسل الدماغ عدة أنواع من الموجات التي لها صلة بحالة محدده من التنبه.
تماما حين يكون الرامي على وشك إطلاق سهمه، تغمر الجانب الأيسر من دماغه موجة أوليه. هذا التغير في الدماغ يضع صاحبه أحيانا في حالة من الاسترخاء التام.
هناك استراتيجية على الرياضي أن يتبعها لتحقيق أعلى نسبة من التركيز. وهي تكمن بتكرار مجموعة من الحركات قبل الأداء.
على سبيل المثال، يضع رامي القوس قدميه في مكان محدد، ثم يمسك بالسهم ليضعه داخل القوس. يضع إصبعه على الوتر، والقوس على الجانب الأعلى من كتفه ونحو الهدف.
تثير هذه الشعائر العملية الأوتوماتيكية التي طورها الرياضي أثناء تمارينه.
يتنفس الرياضي رامي السهم عميقا، ثم يطلق الزفير بهدوء ، ليتوقف عندما يطلق العنان لسهمه.
وحينها يطلق زفيره بالكامل، ليمدد حركته في اتجاه السهم. بعض النخبة من الرماة يتمكنون من التوصل إلى مستوى من التركيز بحيث يمكنهم الرمي بين دقة قلب وأخرى.
وهم بهذا يتحاشون ارتعاش العضلة التي تخفق مع كل دقة قلب. حتى أن بعض الرياضيون قادرين على التخفيف من سرعة دقات القلب، ولكنهم نخبة قليلة.
التخيل الفكري هو تقنية أخرى تساعد الرياضي على برمجة وتحسين هذه العملية الأوتوماتيكية. يمكن للغطاس عبر مخيلته أن يفكر بالمراحل المتعددة لحركته المعقدة في الدماغ.
حين يتعلم اللجوء إلى مخيلته يفعل ذلك في أدائه من وجهة نظر المراقب. ومن ثم يركز على جسده، وهكذا فهو يتخيل كل الأحاسيس التي تنتابه وهو في خضم العمل.
فهو يرى المياه أمامه، يشتعل حماسا، ويشعر بعضلاتها تتأرجح، وقد يشعر بأدق التفاصيل، فيتنبه لأخطائه. بهذه الحالة، سيتمرن على الأمر في دماغه، إلى أن يتحسن.
يؤكد العلماء أن اللجوء إلى المخيلة يبعث النشاط في جوانب من الدماغ، التي عادة ما تسهم في العمل خلال الأداء والحركة.
وحده الجهاز المحرك، الذي يأمر العضلات مباشرة، لا يساهم في المخيلة. كما أن المخيلة تدفع كمية من النشاط الكهربائي في العضلات التي لها دور في الأداء.
التوتر هو عنصر آخر يمكن أن يكون حاسما في أداء الرياضي أثناء المباراة.
للتخلص من التوتر، يلجأ الرياضي إلى مخيلته لإحياء افضل قدرات الأداء في دماغه.
كما يلجأ إلى تقنيات التنفس لتساعده على الاسترخاء. عدد كبير منهم يتبع جلسات استرخاء بشكل مستمر.
يتفق الأخصائيون اليوم على أن خمسة وثمانون بالمائة من أداء الرياضي يعتمد على ثقته بنفسه، وتركيزه،وحماسه، ومحفزاته.
نعرف تماما أن العقل السليم لا يضمن دائما جسما سليما، فالأمر يحتاج إلى تمارين توضع لها خطط محدده، بشكل مسبق، لأنه كلما ازدادت نسبة الجهد الذي يبذل، تزداد احتمالات، تعرضه للإصابة.
تعتبر التمارين التي تخضع لها نخبة الرياضيين بالغة القسوة على نظام الجسم البشري. فالرياضي يترك عضلاته رهينة التمارين القاسية طوال أربعة أو ستة ساعات في اليوم.
قد تؤدي التمارين المكثفة التي لا تتخللها أي فترات من الراحة، أو تلك التي تتم في ظروف غير ملائمة، إلى عواقب وخيمه.
أولا، ينتج عن تشغيل العضلات كمية هائلة من السخونة. يجري التخلص منها عبر سبل عده، بما في ذلك التعرق.
عندما يستمد الجسم الماء من الدم، يضاف إلى هذه المياه نسبة من السوديوم والبوتاسيوم والحامض الحليبي. وهكذا تضع غدد التعرق هذا المزيج على سطح البشرة.
عند تبخره، يترك العرق إحساسا بالانتعاش. والحقيقة أن الماء يحتاج إلى سخونة كي يتحول إلى بخار. وهو يستمد السخونة من البشرة.
إلا انه حين يكون الهواء مشبعا بالرطوبة، لا يجف العرق جيدا. أضف إلى ذلك انه إذا كانت الحرارة تبعث على التعرق أيضا، فقد يصاب الرياضي بصدمة سخونة.
تنجم هذه الصدمة عن حالة جفاف وارتفاع في حرارة الجسم.
بحالة كهذه يمكن لغدد التعرق ان تفرز ما يوازي اللتر ونصف من العرق في الساعة، دون أن تنخفض حرارة الجسم أثناء ذلك.
يقلل فقدان المياه بكثرة من كمية الدم. في أقصى الحالات يمكن أن يؤدي ذلك إلى خلل في دقات القلب. أو حتى إلى توقفه.
تعرف إحدى العواقب الناجمة عن ذلك بالتشنج.
عادة ما يحدث الانقباض العفوي والمستمر في العضلات نتيجة فقدان أيونات الكالسيوم والصوديوم، ما يحدث بعد إسراف في تعرق الجسم.
قد تؤدي المبالغة في التمارين أيضا إلى فقدان جدي في الحديد.
عندما تدوس القدم على الأرض تتحطم أعداد هائلة من الأوعية الدقيقة في كعب القدم.
وتتحطم الخلايا الحمر الجارية في تلك الأوعية الصغيرة بالكامل. بهذا نفقد الحديد أيضا الذي يشكل جزءا من تركيبة الخلايا الحمر.
تؤدي المبالغة في التمارين أيضا إلى إتلاف الأوعية الدموية في الأمعاء ما يؤدي إلى نزيف مجهري. رغم أن هذا النزيف ليس خطيرا، إلا أنه يؤدي أيضا إلى فقدان الحديد.
أضف إلى ذلك أن كمية كبيرة من الحديد تخرج مع العرق. وتتعرض المرأة الرياضية إلى فقدان كمية إضافية من الحديد أثناء الحيض.
يمكن لهذا الفيض من فقدان الحديد أن يؤدي إلى فقر في الدم. الرياضي الذي يعاني من فقر الدم يشعر بالتعب الشديد ومن السهل أن يتعرض للإصابة.
يعتبر الحديد مركب رئيسي في الهيموغلوبين، الأوكسجين الذي يحمل بروتين في خلايا الدم.
بما أن نقصان الحديد يقلل من إنتاج الهيموغلوبين، سيعني ذلك أن كمية اقل من الأوكسجين ستصل إلى العضلات.
للحؤول دون فقر الدم، يوصى بأن تحتوي وجبة الرياضي على مزيد من اللحوم، وان تتضمن في بعض الحالات جرعات من الحديد.
المبالغة في التمارين يمكن أن تؤدي أيضا إلى خلل في الهرمونات.
قد تتعرض المرأة العداءة التي لا تحمل بعضا من احتياطي الدهون، وهي معرضة لبعض التوتر في حياتها، إلى خلل جدي في الهرمونات.
يمكن للتمارين أن تعرض المرأة الرياضية لخلل في إفراز الهيبوتالاموس والغدد التي تؤثر على المبيض.
إلى جانب حقيقة أن هذه المسألة قد تؤثر على المبيض لدى المرأة، يمكن القول أن هناك احتمال بتوقف الحيض نهائيا لديها.
لا شيء يؤكد بعد إذا ما كان الخلل في المحيض سيشكل خطرا على خصوبتها، إلا أنه دون شك سيترك آثارا سلبية على هيكلها العظمي.
فنقصان الأستروجين، وهو هرمون يصدر عن المبيض، يؤدي إلى إضعاف العظام.
كما يؤدي ذلك مباشرة إلى تقلص تدريجي في حجم العظام، ما يترك الرياضية عرضة للإصابة بالكسور.
هذا النوع من الكسور الناجم عن وقع الأقدام المتكرر على الأرض، يأتي أيضا نتيجة إصابات متكرر بالتوتر.
عادة ما ينتهي هذا النوع من الإصابات بتشقق في العظام، ما يعني كسور العظام دون انفصالها عن بعض. عادة ما يترافق هذا التشقق بآلام مبرحة ، وهي كثيرا من تصيب عظام الساق والقدم.
العداء الذي يركض بين مائة وخمسين ومائتي كيلومتر في الأسبوع، يتعرض إلى هذا النوع من الإصابات بشكل خاص.
إحدى السبل التي تساعد على تحاشي هذا النوع من الإصابات يتم بارتداء أحذية رياضية تخفف من ارتطام الكعب بالأرض بنسبة تتراوح بين العشرة والخمسين بالمائة.
في سباق الضواحي مثلا، تمتص القدم صدمات توازي ثلاثة أضعاف وزن الجسم. هذا هو الحال أيضا بالنسبة للسقوط بقفزة ناجحة، إذ أنها توازي تسعة أضعاف وزن الجسم.
السر في برامج التمارين السليمة هو في التعافي بقدر بذل الجهود. فالاستراحة تمكن الجسم من التعود على ظروف التمرين.
إذا ما فشل الرياضي في الاستراحة بما يكفي، ربما يقع ضحية عواقب ظاهرة المبالغة في التمارين.
عوارض المبالغة في التمارين هي الشعور بالتعب المستمر، وأداء الجسم بأقل مما هو معتاد. والتوتر الذي يستمر لعدة أيام. من هنا أهمية تعزيز برنامج علمي ومنطقي للتمارين.