|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
تقع بلدة مجدل حيميق في أعماق إسرائيل والناس هنا لا يواجهون الأخطار. فالغضب الفلسطيني بعيدا عنهم في الخليل وغزة ورام الله. ومع ذلك يشعر الناس هنا أنهم مهددون، وقد جاء اليوم إليهم رجلا يلقبونه بلدوزر ليؤكد أنهم على حق.
اعتمد أريل شارون على مبدأ الخوف كعنوان أساسي في حملته الانتخابية للوصول إلى سدة رئاسة الوزراء في إسرائيل. وهو اليوم يردد مقولته: أنتم بحاجة إلى الأمن، أنتم تستحقونه، لكم الحق بالسلامة. ويؤكد لهم: سوف أحميكم. أعرف ما يجب عمله. طبعا كان شارون يتحدث إلى مجموعة من مؤيدي اليمين وحفنة من الملتزمين الذين يستمعون إلى رسالته. ولكن الحماسة فاترة. وكأنهم يريدون شارون أن يصبح رئيسا للوزراء ولكنهم يتمنون لو أن هذا لم يتم بهذه الطريقة. عاش أريل شارون فترة طويلة بملابسه العسكرية حتى منذ ما قبل قيام دولة إسرائيل، وهو يعارك أعدائه العرب ويدفعهم إلى الخلف. وهو من أتباع المواقف المتصلبة الذين لا يأبهون برأي العالم أو حتى بآراء الإسرائيليين أنفسهم. قلة من السياسيين هنا يشعرون بالاشمئزاز أو الكراهية نحوه. كان أوري دان مستشار شارون زميلا له لعدة عقود، وهو ناطق باسمه ومستشاره في بعض الأحيان وهو يقول: "ما يثير المزيد من الجنون لدى الإسرائيليين اليهود الذين يحبون أنفسهم، ويكرهون شارون، هو أنه رغم كل ما يبذلونه من جهود، يجدون أنه كان دائما هناك طوال الخمسين عاما الماضية في محور جميع الأحداث الهامة التي وقعت في هذا البلد. تخيل أيضا أنه اليوم مرشحا للمنصب الأساسي في إسرائيل". وكان أريه ناور سكرتير حكومي عندما كان شارون وزيرا وهو يقول: "ما كان ليعتمد على منطق الناس العاديين كالأخلاق ومعاني السلطة والحقيقة القائمة، كانت لديه حقائقه الخاصة".
من حقائق شارون أنه يرى ضرورة الانتقام للدم اليهودي على الدوام. وهو يتصرف بعنف لا يترك مجالا للشك بالعدو الذي يتعامل معه. عام أربعة وخمسون قاد شارون كضابط في الجيش غارة على الأراضي الأردنية.
يعمل زئيف شيف صحفي ومؤرخ عسكري شارك في التحقيق بالغارة على بلدة قبية الفلسطينية. وهو يقول: "طُلب منه تدمير اثني عشر منزلا هناك ردا على مقتل امرأة إسرائيلية وصبيان. كانت أوامر واضحة ولكن الرجل استعان بسبعمائة كيلوغرام من التي إن تي. يمكن لأي شخص يعرف القليل عن الشؤون العسكرية والمتفجرات، أن يدرك ما تعنيه سبعمائة كيلو غرام".
أدت الغارة إلى إحراق خمسة وأربعين منزلا وقتل تسعة وستين شخصا نصفهم من الأطفال والنساء. مع تنامي شهرته هذه اضطرب رؤسائه حيال مبالغته. عام خمسة وخمسون وأثناء اجتياح الأراضي المصرية قتل شارون ثمانية وثلاثون جنديا مصريا. بعد عام من ذلك، وأثناء اجتياح لصحراء سيناء اتهم بالمغامرة وتخطي الأنظمة، وقد دفع ثمن ذلك هذه المرة بأرواح جنوده. لا أحد ينكر أنه كان جنرال لامع. عام سبعة وستون في حرب الأيام الستة، اتبع تكتيكات ما زالت تدرس في الأكاديمية العسكرية. عام ثلاثة وسبعون حين شنت مصر وسوريا حرب أكتوبر، تمكن شارون من عبور قناة السويس فاعتبر ذلك منعطفا تاريخيا في الحرب.
ويقول أريه ناور: "بعد عبوره قناة السويس، أصبح جنوده يعبدونه. حتى أمكن اعتباره من أفضل القادة في العالم، في عالم ذلك اليوم، أعني فترة السبعينات. كان قائد عمليات لامع، ولكن الجميع يعرف أن الجنرال ماك آرثر أيضا كان جنرال ناجح".
تعرض لبنان عام اثنين وثمانين لاجتياح أراد وزير الدفاع الإسرائيلي أريل شارون من خلاله منع المقاتلين الفلسطينيين من مهاجمة الحدود الشمالية لإسرائيل. ولكنه وعد رئيس الوزراء حينها باجتياح محدود يتوقف خلاله عند أربعين كيلومترا في الأراضي اللبنانية. لكنه لم يتوقف هناك.
ويضيف أريه ناور في هذا المجال أن شارون أقنع الحكومة يوما بعد يوم بالتقدم أكثر فأكثر نحو الشمال اللبناني بحجة أنه لا بد من القيام بذلك سعيا لحماية أرواح الجنود".
بينما يقول زئيف شيف هنا أنه: "بحجة حماية الجنود كان يأتي بمزيد من المدفعيات والدبابات والوحدات الجوية إلى ما هنالك. طبعا الجميع يريد حماية أرواح الجنود في حالة كهذه، وهذا ما حصل تماما".
سرعان ما وصل شارون إلى العاصمة بيروت، ليجري المقابلات العلنية في المدينة التي فتحها حديثا حتى بلغت به المفاخرة حد القول: " لقد جئنا إلى هنا بهدف واحد، هو الدمار والدمار".
لم يتمكن من ذلك طبعا، لكنه قتل آلاف من الفلسطينيين واللبنانيين المدنيين، كما جرت تحت أنظاره واحد من أبشع الجرائم التي ارتكبت في التاريخ الصهيوني. أواسط أيلول سبتمبر من عام اثنين وثمانين سمحت القيادة الإسرائيلية لعناصر من مليشياتها العميلة باجتياح مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين في بيروت. وقف الإسرائيليون يراقبون قيام حلفائهم بذبح ما يزيد عن ثمانمائة شخص حسب المراجع الإسرائيلية. علما أن الأرقام الفعلية تتحدث عن أكثر من ثلاثة آلاف شخص.
خرجت المظاهرات في تل أبيب، اعتبر آلاف الإسرائيليين أن شارون قد بالغ جدا. في هذه الأثناء كان عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي قد تخطى عدة مئات، وهو يعد بوقوع المزيد في الأشهر التالية. ولكن شارون بدا متأكدا مما يفعله، حتى بلغ به القول: "لقد حققنا الهدف الذي يكمن بتحرير البلدات، وسكانها المدنيين، والبلدات والمستوطنات، من تهديدات وقوعها أسيرة إرهاب منظمة التحرير الفلسطينية".
ولكن الخزي والمهانة لحقا به. فقد اعتبر في إسرائيل نفسها مسؤولا غير مباشرا عن لمجزرة من قبل لجنة تحقيق إسرائيلية. أدى ذلك إلى إخراجه من وزارة الدفاع ولكن ليس من الحكومة. وقد اعتبرت مسيرة السياسية ميتة. ولكن صديقه العزيز أوري دان دافع عنه، حين قال في ذلك الوقت أن الذين لم يتعاملوا مع شارون كوزير للدفاع، سيجبرون يوما ما على التعامل معه كرئيسا للوزراء.
وقد أكد أوري دان حينها بالحرف الواحد: "اتخذت جميع القرارات من قبل السيد بيغن وحكومته، لم يتخذ أي قرار كبير في الحرب دون معرفة وقرار السيد بيغن". ثم أضاف في مناسبة أخرى يقول: "تكمن الحقيقة الواقعة في حصوله على الإذن الحكومي". ثم تساءل مشككا: "فهل كشفت الحكومة كل الحقائق الضرورية؟ وهل قدمت لها كل التقديرات الضرورية للوضع أم لا؟"
وحين سئل عما إذا كان شارون يفكر بتخطي الأربعين كيلومترا عند اجتياحه لبنان أجب بالقول: " طبعا اسأل أي من الضباط العسكريين الذين كانوا يعملون معه في ذلك الوقت. فقد حصلوا جميعا على أوامر بالسير قدما نحو بيروت".
ولكن الخزي والمهانة لم يوقفا شارون، إذ أنه بقي في الحكومة ليتابع حقائق أخرى، وتحديدا منها تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، فأقام المستوطنات الإسرائيلية في أرجاء الضفة وغزة ليحاصر المدن الفلسطينية، وقد حصل خلال هذه الفترة على لقب البلدوزر. هناك أكثر من مائتي ألف مستوطن يسكنون اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، كل هذا إلى حد كبير بفضل شارون.
يقول زئف شيف "إنه صاحب هذه الفكرة. هل هذه استراتيجية؟ بل هي في الواقع السبب في صعوبة التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، لأننا اليوم إن أردنا إخلاء هذه الأماكن المعزولة، سيؤدي ذلك إلى موجة من اللاجئين الإسرائيليين".
وهذا تحديدا هو المقصود بالطبع، كان شارون منذ عدة سنوات يدعو المستوطنين للاستيلاء على جميع التلال الممكنة قبل نفاذ الوقت. وكان بذلك يدافع عن سياسة المنطق اليميني الأكثر تشددا هناك.
يقول شارون موضحا سياسته في هذا المجال: "كل هذه المجمعات التي بنيت في يهودا والسامرة وقطاع غزة ومرتفعات الجولان لا تشكل عوائق في طريق السلام، بل عوائق في طريق الحرب".
مع نهاية الخريف الذي سبق افنتخابات أصبح بطلا في أوساط المتطرفين الإسرائيليين دون غيرهم. وصار ينبئ الفلسطينيين بالشر كما اعتبر من الديناصورات السياسية على لسان زميل قال أن المستقبل أصبح من ورائه. ووصف بالمتشدد جدا حتى من قبل عدد كبير من أتباع اليمين الإسرائيلي. عند ذلك توجه إلى الحرم الشريف في مدينة القدس معلنا الملكية اليهودية للمنطقة بكاملها.
يقول زئيف شيف هنا: "لو أن أحدا أخبرنا يوم الثامن والعشرين من أيلول سبتمبر من عام ألفين عندما ذهب إلى جبل المعبد قبل يوم واحد من الانتفاضية بأن شارون سيصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل، لقلنا أنه مجنون، لأن هذا أمر مستحيل".
بدأت الانتفاضة في اليوم التالي، وبدأ معها تحسن فرص شارون في رئاسة الحكومة. ولكنه حين بدأ حملته الانتخابية أدرك بوضوح أن الإسرائيليين لن يحتملوا تلك الحلول التي يتبعها منذ سنوات. وهكذا تم العمل على ترويج ملامحه كرجل سلام. كرجل يخافه العرب ويحترمونه كما يقول مؤيديه، وأن مجرد وجوده سيكفي لإخافتهم ويقلل من تطلعاتهم. لما يقال من أنه محارب قديم وعرّاب حكيم.
ولكن شارون لم يقل تحديدا كيف سيجلب السلام، وهو يعرض على الفلسطينيين أقل من نصف ما قدمه لهم إيهودا باراك. وإن لم يقبلوا بذلك كما قال، فلن يقبلوا به.
ولكن ما لم يقله شارون ورد على لسان أريه ناور حين قال:"لا أعتقد أن شارون يريد صنع السلام. لا أعتقد ذلك. ليس في حياته السياسية ما يساعد على تصديق ذلك".
لا شك أن شارون يقول للذين يصوتون له أن العرب
يعرفونه. وخصوصا الفلسطينيين. يعرفونه من مراحل أخرى، وحروب أخرى، لا أحد يخطئ في
تقديره. ولكن الإسرائيليين بانتخاب شارون حققوا إنجازا واحدا على الأقل، وهو أنه
يعيد الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين إلى نقطة الصفر كلما لاحت بالأفق أي
احتمالات بالتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م