|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
السعودية وأمريكا إلى أين؟
جاءت محتويات تقرير لجنة التحقيقات التابعة للكونغرس الأمريكي والمتعلقة بدور السعودية في أحداث 11 أيلول لتعاود طرح واقع ومستقبل العلاقات بين الرياض وواشنطن بقوة وجدية أكبر، خصوصا وأنه بلغ حد اتهام الرياض مباشرة بتمويل منفذي الهجمات ومساعدتهم عبر مواطن سعودي يؤكد التقرير انه عميلا للاستخبارات السعودية. يحتوى هذا التقرير المؤلف من 900 صفحة على 28 صفحة خصصت للسعودية تحت عنوان "نتائج ومناقشة وسرد حول بعض قضايا الأمن القومي الحساسة"، قالت إدارة بوش أن هذا الجزء لم ينشر "لأسباب تتعلق بالأمن القومي" إذ يتحدث عن "السياسة السعودية في دعم الأصولية وامتناع السلطات عن شن عمليات مضادة لتنظيم القاعدة وعدم التعاون مع واشنطن في هذا المجال منذ عام 1996". فيما أعلنت واشنطن من جهة أخرى وبعد صدور التقرير أنها ستسمح بعودة دبلوماسييها الذين أمروا بمغادرة السعودية بعد تفجيرات أيار الماضي في الرياض، ما قد يفسر على أنه تعزيز للأنشطة الأمريكية في السعودية، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية دعت من جهة أخرى مواطنيها من غير الدبلوماسيين وعائلاتهم إلى تأجيل السفر غير الضروري إلى السعودية محذرة من "احتمال وقوع عمليات إرهابية ضد المواطنين الأميركيين في أي مكان من الخليج"، مشيرة بذلك إلى جدية المخاطر السائدة هناك.
يحق للبعض أن يرى في تقرير يشير إلى دور سعودي رسمي داعم للإرهاب أمر في منتهى الخطورة وكأنه يخرج المملكة من دائرة أصدقاء أميركا ليضعها في دائرة الأعداء المرشحين لمنصب العدو المحتمل، وقد يشجع ما فيه من إسلاموفوبيا على إثارة نزعات جيوبوليتيكية تعيد إلى الأذهان اسطوانة تقسيم السعودية المحدود ( دولة في مكة على غرار الفاتيكان وأخرى نفطية وثالثة شيعية..) أو تفتيتها إلى دويلات بعدد الأمراء السعوديين كما ورد في عدد من التقارير الأمريكية المتعلقة بالجزيرة العربية. سياسة أمريكية واضحة ومعلنة والحقيقة أن تطلعات الولايات المتحدة واهتمامها بمنطقة الخليج ليست وليدة الأمس، إلاّ أنها بدأت مؤخرا تتحول إلى هاجس استراتيجي حيث دخلت المنطقة في خريطة المصالح الاميركية "الحساسة"، وبدأت على أساسها الدوائر الرسمية المختصة تعد الدراسة تلو الأخرى عن كيفية العمل لمنع توقف النفط وتهديد الاقتصاد الأميركي والغربي بصدمات قاتلة.
من أبرز هذه الوثائق المرجعية التي تساهم في تحديد الخطوط الرئيسية للاستراتيجية الاميركية الراهنة، تقرير يرجع تاريخه إلى كانون الثاني (يناير) عام 1988،وهو بعنوان "الردع المميز" الذي صدر عن "لجنة الاستراتيجية المتكاملة الطويلة الأجل" وكانت مؤلفة من رئيسين هما دكتور فرد ايكلي الذي كان وقتها مساعداً لوزير الدفاع للشؤون السياسية، ووهلستيتر وكان رئيساً لمؤسسة "راند" للدراسات، المعروفة بتخصصها في تنفيذ عقود الأبحاث لحساب "البنتاغون"، وخصوصاً لحساب السلاح الجوي الأميركي. بالإضافة إلى 13 عضواً أشهرهم زيغنيو بريجينسكي مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي في عهد جيمي كارتر، وهنري كيسنجر مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي ووزير الخارجية في عهدي ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، والجنرال جون فيسي الرئيس الأسبق لهيئة أركان الحرب المشتركة الاميركية.
يقع هذا التقرير الاستراتيجي في 69 صفحة، غير أن هناك بضعة نقاط لا بد من التطرق إليها يصفها التقرير بقوله: "إن استراتيجيتنا تتضمن أشياء لن تتغير". ويحددها بالقول "إن كافة الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة طوال الأعوام الاربعين الاخيرة وقعت في العالم الثالث حروبا يمكن أن تحطم قدرتنا على الدفاع عن مصالحنا في أكثر المناطق حيوية، مثل الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط"، لهذا تحتاج الولايات المتحدة في العقدين المقبلين إلى أن تكون أفضل استعداداً للتصدي لصراعاتها في العالم الثالث، ما يتطلب أنواعاً جديدة من التخطيط.
ويعدد التقرير بعض الجوانب أهمها استمرار علاقات الاعتماد على المواد الخام خصوصاً النفط والمعادن الأخرى، ما يستدعي ازدياد نفوذ الولايات المتحدة وإقامة علاقات تحالف صحية وقوية. وقد استخدم جورج بوش هذه النقاط بنصها في خطبة إلى الأميركيين وأمام الكونغرس منذ بداية أزمة الخليج، عند الحديث عن التحدي الذي تشكله تلك الأزمة للولايات المتحدة. يؤكد التقرير بعد ذلك إلى "ان النتيجة التي تنتهي إليها مجموعة العمل هي أن باستطاعة الولايات المتحدة أن تكون مستعدة أفضل بكثير، لانجاز الاهداف الاميركية مما كانت حتى الان.
وبالتالي فإن الاقتراح هو "استراتيجية للتدخل الانتقائي". ينبغي أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لأن تقوي الحلفاء والأصدقاء ضد التهديدات الداخلية والخارجية، وتدعم" حركات مقاومة التي تعارض نظما معادية للمصالح الاميركية، إلى حد أن يعرف أصدقاؤنا وخصومنا على السواء أن خياراتنا الاستراتيجية غير محدودة ". وتحت عنوان من كلمة واحدة "حتميات"، يتحدث التقرير عن استخدام القوات الاميركية. وهو يقول أنه " في المستقبل لن يكون هناك خيار أمام الولايات المتحدة سوى التدخل". مصالح ليست مشتركة!
تنبع أهمية السعودية للولايات المتحدة حسبما ورد في دراسة قدمت إلى لجنة الكونغرس الفرعية الخاصة بالشرق الأوسط والتي ترأسها Lee H. Hamilton في بداية الثمانينات، من امتلاك الرياض لأكثر من ربع مخزون النفط العالمي، وموقعها الاستراتيجي على شواطئ الخليج والبحر الأحمر والجانب الجنوبي لمنطقة أمن إسرائيل، وما تلعبه من دور رئيسي في خفض أسعار النفط، كما أنها سابع أكبر سوق استهلاكية في العالم للسلع والخدمات والتكنولوجيا الأمريكية، باستثناء الأسلحة. إلا أن هذا الأخير لا يعني عدم التعاون في المجال العسكري، إذ بلغ عديد القوات الأمريكية في السعودية مؤخرا حوالي 10 آلاف شخص يتوزعون على الجيش وسلاح الجو والبحرية والقوات الخاصة. كما يستخدم سلاح الجو الأمريكي عدة قواعد جوية أهمها قاعدة الملك عبد العزيز القريبة من الرياض وقاعدة الأمير سلطان في المنطقة الشرقية (الغنية بالنفط)، وقد توسعت هذه القاعدة في العقد الأخير بتسهيلات واسعة لتتحول من مهبط بسيط إلى إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط لما فيها من طائرات إي 3 المقاتلة وطائرات أواكس الاستطلاعية وطائرات متخصصة بالمراقبة وأخرى تزود بالوقود جوا بالإضافة مستودعات وقواعد صواريخ وغيرها. وتقول الإحصاءات أن أكثر من 40 ألف أمريكي وثلاثين ألف بريطاني يعملون في المنطقة النفطية المحيطة بالظهران على وجه الخصوص، وذلك في مؤسسات على غرار شركة “فينيل” التي وقع هجوم إرهابي في أوائل شهر أيار مايو الماضي على المجمع السكني المتميز لموظفيها في عاصمة السعودية والتي تتولى تأمين حقول البترول والآبار وخطوط أنابيب نقل البترول، وهي بطول 10 آلاف كيلومتر يشكل بعضها كمنطقة “أبقيق” مركز تجمع يتدفق منه أكثر من ثلاثة أرباع ثروة المملكة.
هذا وتعمل شركة “فينيل” بمقتضى عقد مع شركة “أرامكو” مستخدمة أكثر من عشرين ألف موظف ضمنهم ثمانية عشر ألف حارس مسلح وذلك في نظام أمن وحماية مصالح خاصة أنشأت من أجلها هيئة عسكرية مستكملة تتولى تدريب قوات الحرس الوطني السعودي، قبل نزول القوات الأميركية بكامل سلاحها وعتادها وخططها تعزيزا لما تشهده السعودية مؤخرا من قلاقل واضطرابات.
تحدثت دراسة قدمها ريتشارد بريس وفريق من المحللين إلى لكونغرس أواسط الثمانينات عن المصادر المحتملة لزعزعة الاستقرار في السعودية، ملخصة ذلك بالفساد وعدم تلبية مطالب النخبة الحديثة في حصتها من السلطة والمنافسة الشخصية والخلافات السياسية داخل الأسرة المالكة وطموحات بعض من هم خارج السلطة وتعبئة القادة الإسلاميين الأصوليين للعناصر الساخطة من السكان. وقد نصح هذا التقرير حينها وفي ظروف الحرب الباردة بضرورة تعزيز الاستقرار السعودي عبر انتشار أسرة آل سعود في أنحاء الهيكل الإداري للمملكة والقوات المسلحة والحرس الوطني والشرطة والجمارك وحرس السواحل. وتعزيز التماسك الداخلي لآل سعود من جهة مقابل زرع مزيد من الانقسامات في صفوف المعارضة التي تفتقر إلى قضية معينة أو زعيم يوحد الخصوم في قوة تهدد آل سعود. أما اليوم وبعد أقل من عشرين عاما على ذلك التقرير نرى أن المشهد يختلف تماما على الأرض إذ بدأت التقارير الموجهة للكونغرس تحمل توجهات مغايرة تماما فهي توجه كل السهام نحو الدولة برمتها كما تدعو عبر ما تشنه وسائل الإعلام من حملات تهدف إلى فصل آل سعود عن آل الشيخ، بإلغاء ما تنعم به الوهابية من سلطات تشكل جزءا من عكازين يقوم عليهما النظام السعودي. ثغرات الحاضر مطبات المستقبل
وهكذا تتجلى عناصر التدخل الأمريكي في السعودية فهي تتجسد أولا بعنوان أساسي هو "الإصلاح" الذي تروج من خلاله وعبر وسائل الدعاية وتبرر ضغوطها على القيادة الرسمية السعودية وتحريض الشارع السعودي ثانيا على الجنوح نحو العنف والدعوة إلى التقسيم في التعبير عن استيائه من سلطات الوهابية وما ينجم عنها من المواطنية والعدالة الاجتماعية والسياسية الانتقائية السائدة هناك، كما تعمل ثالثا على تغذية الضغائن والمنافسة بين أفراد الأسرة المالكة. هذه حقيقة ماثلة منذ قيام الدولة التي يعتبر البعض مجازا أنها تجد في الوهابية سلاح الدولة ومؤسساتها، فلدى الوهابيون صحف ومجلات وإذاعة ومحطة تلفزيونية فضائية ويمارسون سلطة الرقابة على الإعلام والأنشطة الفكرية والثقافية المتنوعة ولديهم جهاز أمني وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يوجهون خطباء المساجد ويسيطرون على القضاء و التعليم الديني بجميع أشكاله. من هنا قد نستطيع القول بأن هذا التزاوج بين العائلتين هو شراكة يعتبر فيها دعم النظام للوهابية دعما لذاته بينما ترى الوهابية بالمقابل أن دعم النظام السياسي السعودي يشكل دعما لمذهبها، والعكس صحيح، من هنا تأتي صعوبة خضوع الرياض لضغوط واشنطن المتعلقة بالمؤسسات الدينية هناك. ومع ذلك يبدو أن تصعيد الضغوط الأمريكية الراهنة يشكل جزءا من سعيها لتفاقم الأوضاع الداخلية في الشارع السعودي وتعزيز المنافسة القائمة بين أفراد الأسرة المالكة على السلطات دفعا بالأمور نحو "نضوج الثمرة" وسقوطها في القبضة الأمريكية، أي انفجار الأوضاع الداخلية إلى ما لا تحمد عقباه وصولا إلى تعزيز التدخل العسكري الأمريكي المباشر حماية للمصالح الحيوية الأمريكية هناك. أما المراهنة الأمريكية على الشارع السعودي فهي تنبع من مجموعة معطيات واقعية تروج لها وسائل الدعاية الأمريكية كحقيقة يرد بها باطل، فمأخذ المعارضة السعودية على السلطة مثلا أنها ليست ثنائية قومية عربية وبربرية أو كردية أو دينية بين السنة والشيعة أو المسيحية إنما هي ثنائية بين الوهابية وبقية المواطنين من السنة وغير السنة. أي أن الشيعة ليسوا وحدهم المضطهدين بل يشار أيضا إلى أن الحجازيين مضطهدين أيضا والسنة الذين في المنطقة الشرقية، كأتباع الشيخ عبد الحميد مبارك الذي اعتقل أكثر من مرة، وجميع آل مبارك وآل عبد القادر وعائلات عريقة من أتباع المذاهب الأخرى كالإسماعيليين في الجنوب، حتى يؤكد البعض أن نسبة أتباع السلفية والوهابية لا تزيد كثيرا عن الربع ومع ذلك يفرضون أنفسهم على الآخرين ويصادرون حقوقهم.
ومع أن الشيعة عانوا أكثر من غيرهم في فترة الرفاه إلا أن الشكوى تصدر اليوم عن الاسماعيليين أو الحجازيين والمذاهب الأخرى بحجة التصوف والبدع والشرك وغيرها، وقد كتب في ذلك بعض النجديين أنفسهم مثل منصور المقيدان وبن باز، كما فصل الصحفي السعودي جمال خاشقجي من منصبه كرئيس تحرير صحيفة (الوطن) اليومية لانتقاده الدور الوهابي المهيمن على أمور البلاد، وقال أنه يخشى أن يكون لتبني رجال الدين لمبادئ ابن تميمة علاقة بالكثير من التشدد السائد من قبل الوهابيين الذين يعتبرونه الملهم الرئيسي لمواقفهم. يبدو أن تفاقم الأمور، كما يقول الوزير اللبناني والخبير في الشأن السعودي غسان سلامة في إحدى كتاباته، قد أدى على الأرجح إلى جعل العداء للوهابية يقود إلى عداء للنظام السعودي والعكس صحيح. ومع ذلك لا يتجلى في الأفق مخرج واضح ومحدد في أجواء يتنامى فيها الجدال القائم حول "دولة المذهب ودولة المواطن" التي تمنح الجماعة حق التعبير عن هويتها الثقافية والدينية دون المساس بالثوابت الوطنية.
وقد كتب الصحفي السعودي غيلان الغامدي قبل بضعة أشهر مقالا نشر في السعودية يدعو فيه إلى الاعتراف بأن الشيعة في البلاد العربية يعاملون معاملة مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة وأن هذه ثغرة قد ينفذ منها العدو وأنه يجب معاملة الشيعة على أساس المواطنية، وكأنه يؤكد بذلك أن السعودية لن تستطيع دون إصلاحات سياسية تؤسس لعلاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم، مواجهة المشروع الأمريكي القاضي بإسقاط العائلة المالكة وزوال المملكة أو تفكيكها. يكمن السؤال المطروح بمدى تهيئة الظروف الداخلية السعودية لتنفيذ المشروع الأمريكي وهناك دراسة لخالد الرشيد وأخرى لمتروك الفاتح يشيران فيها إلى أنه (بوجود الوهابية سوف لن تكون هناك هوية وطنية) وأن غياب الإصلاحات والعلاقة الواضحة بين الحاكم والمحكوم ووجود التمييز الطائفي ستصبح البلد قابلة للتقسيم خصوصا أن لكل منطقة خصائصها السياسية، لهذا فإن التقسيم بخطوط الطول كما يتحدث متروك الفاتح أصبحت أسهل مما يعتقد البعض إذا لم يجد النظام من يدافع عنه.
يبدو أن السيناريو الأمريكي لتفكيك المملكة يعتمد على اعتبار العلاقة الجغرافية بين النفط والدين هي المشكلة، فبما أن النفط بعيد نسبيا عن مكة المكرمة، وبما أن نجد مقر آل سعود هي المنطقة الوسطى الفاصلة بين المناطق النفطية والحرمين هناك من يروج وفي أكثر من مجال لفكرة اقتصار الحكم السعودي على منطقة نجد وإقامة إدارة خاصة في المناطق الغنية بالنفط وجعل الحجاز الدينية دولة يحكمها سكانها بمشاركة مجلس ديني بدون جيش أو سلطات تنفيذية، كما تدعي مصادر صحفية أمريكية وعربية كصحيفتي المحرر العربي والمشاهد وصحيفة الهيرالد تريبون مثلا أن هذه الفكرة تلاقي تجاوبا لدى عدد من أمراء الأسرة المالكة. الأسرة المالكة رغم تمتع الملك بكل صلاحيات الدولة دون استثناء إلا أن حالته الملك الصحية لا تسمح له بممارسة أي دور حقيقي في الحكم أو اتخاذ أي قرار على أي مستوى. كما يمكن لمن يراقب مجرى الأحداث السعودية أن يرى بأن السلطة التنفيذية في غياب الملك الفعلي لا تمارس من قبل ولي العهد الأمير عبد الله بل تبدو موزعة على ثلاثة نافذين هم أمير الرياض سلمان بن عبد العزيز ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز ووزير الدفاع الأمير سلطان بن عبد العزيز الذين يتمتعون بكل الامتيازات التي تجعل منهم شركاء أقوياء في الحكم.
من الأمثلة التي يمكن سوقها في الوضع المالي حيث أنشأ الأمير عبد الله ما يعرف بالمجلس الأعلى للتخطيط والاقتصاد وكان من أعضائه وزير الدولة السابق عبد العزيز آل الشيخ الذي استقال من منصبه لأن الأطراف الأخرى أفرغت كل برامجه من محتواها، إذ يقول الدكتور عبد الله الجزيري أن من بيده الصلاحية رفض تطبيق قرارات المجلس وجاهر برفض إعطائه أي صلاحيات لإدارة الجهاز الاقتصادي للدولة، فبقيت السلطة الفعلية بيد وزارة المالية وتحول المجلس إلى مجرد واجهة. وقد نشرت الاستقالة وأسبابها في وسائل الإعلام السعودية ولم يستطع ولي العهد الأمير عبد الله التدخل فلا يكفي إصدار القرار دون القدرة على تنفيذه في الوزارات التي تعني بهذه الحالة الأمير نايف. ويقول الدكتور ابراهيم الغامدي أن ولي العهد لم يغير الشيء الكثير في هامش الحريات الذي توسع قليلا خلال الأشهر الماضية، بل جاء ذلك بإقدام الصحفيين الذين دفع بعضهم ثمن شجاعته بالطرد من منصبه، كما تبع هذه الشجاعة شيء من تنازل وزارة الداخلية المعنية وحدها في تحديد مستوى الحريات لما تمسك به من ملفات حيوية كالبطالة والحج والإعلام والملف السلفي والحدود والسجون، حتى يكاد المراقب يقول أنها تحدد توجه المملكة الداخلي والخارجي. ويستغرب الباحث عبد الرحمن الابراهيم أن يعتبر الأمير نايف وراء قمع الجهاز الديني الذي يرى عناصره في وزير الداخلية شخصية قوية قادرة على حمايتهم، وينظرون إلى ولي العهد على عدو للتيار الديني أو المشايخ علمان أن الثلاثي سلمان وسلطان ونايف هم من الناحية العملية من يسيطرون على القرار الديني في المملكة التي أداروا أجهزتها في عهدي الملكين فهد وخالد وفي عهد الملك فيصل أيضا، وما زالوا يديرون شؤون الدين والإعلام والمالية والجيش والأمن والسجون والمحاكم والسياسة الخارجية بينما اقتصر عمل ولي العهد على قيادة الحرس الوطني وحده. ويقول أسامة قاجقجي الباحث في الشئون الداخلية السعودية أن قرارات ولي العهد الأمير عبد الله في مجملها لا تطبق وهو يعلل ذلك بالقول أن هذه مسألة طبيعية لأن من يحكم أجهزة الدولة ليس الرجل الأول أو الثاني في الدولة.
ويعتبر الأمير سلطان عامل أساسي في حكم الأسرة المالكة ويقال أن طموحه يتعدى منصب ولي العهد الذي أحكم استيفاء متطلبات دفع عبد الله إلى تعيينه في حل توليه منصب الملك، فهو يتمتع بنفوذ واسع في أجهزة الحكم والمؤسسات الدينية وفي البنوك وله حصة بالنفط كما يقف وراءه الجيش والشرطة وقوات الأمن كما يتمتع بعلاقات واسعة مع الدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة التي رصدت أجهزة مخابراتها عدة مكالمات هاتفية له في كثير من المرات المناسبات التي تلت إصابة الملك فهد بجلطة قلبية، يطلب فيها من بينه السفير في واشنطن نقل ارصدة وبيع كميات من النفط وإبرام بعض الصفقات التجارية والعسكرية الضخمة استرضاء للإدارة الأمريكية.
من جهة أخرى وفي إطار إضعاف مكانة ولي العهد تتحدث بعض الشائعات عن دفع ثلاثي الأخوة السديريين لابن شقيقهم عبد العزيز بن فهد الذي عين أمينا عاما للحكومة بزير ووزير دولة في إطار حملات توسيع دائرة التضييق على ولي العهد خاصة بعد طرحه مشروع تقليص صلاحيات الأمراء وإشراك أكبر عدد من المواطنين في المناصب الحساسة المقتصرة على أبناء الأسرة.
وسط هذه الأجواء المتلبدة بين أبناء الأسرة الواحدة تبدو اليد الأمريكية العابثة واضحة المعالم في تأجيج النزاعات الداخلية ووضع العصي في طريق تمكن ولي العهد من تولي مهامه في السلطة، عبر التقارير الاتهامية المتعاقبة التي تتهم القيادة السعودية مباشرة بالتورط بأعمال إرهابية كما ورد في التقرير الأخير الصادر عن لجنة التحقيقات التابعة الكونغرس الأمريكي، أو ما سبقها من اتهام لولي العهد مباشرة عبر ما ذكرته صحيفة الواشنطن بوست من احتمال تورط الحرس الوطني السعودي في بيع أسلحة ضبطت في السادس من أيار (مايو) في الرياض في منزل إحدى الخلايا المرتبطة بتنظيم القاعدة.
تؤكد هذه الوقائع أن السياسة الأمريكية تجاه السعودية لن تقتصر في المستقبل على مجرد تقرير برلماني أو حملات صحفية عابرة بل تعتمد على سياسة واضحة ومحددة المعالم تعد بتأجيج الأوضاع الداخلية على المستوى الشعبي مستغلة ظروف الغبن لدى شرائح هامة من الشعب السعودي لإثارة القلاقل وزرع الاضطرابات على الأرض، بينما تعمل من جهة أخرى على تعميق هوة الخلافات القائمة بين أفراد الأسرة المالكة عبر استمالة البعض وممارسة الضغوط على البعض الآخر بما يضمن لها ضعف الدولة وانحدارها نحو تفكك يبدو أنها تسعى اليوم إليه أكثر من أي وقت مضى. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م