|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
قرود فيروسكس
نص مترجم.
جون روس:
مرحبا، معكم جون روس، إلى جانب حقيقة أن قرود فيروسكس تعتبر من بين
الأشد اختلافا في الملامح على وجه المعمورة، يمكن القول أنها أيضا من
أشد أنواع القرود غرابة في العالم. ولكنها للأسف الشديد، نتيجة طبيعتها
الخجولة وظروفها البيئية المحددة والضيقة، تعتبر اليوم مهددة بالانقراض
في المستقبل القريب.
تعيش قرود فيروسكس في مكان واحد من العالم، هو جزيرة بورنيو، ربما تجد
منها في البراري اليوم حوالي خمسة وعشرين ألف، وهو رقم يشير إلى تدن
ملحوظ على مدار العشرين عاما الماضية. المشكلة هي أن هذه الحيوانات ضمن
بيئتها العادية مجبرة على العيش على ضفاف الأنهر البرية، وهي مناطق
تتعرض اليوم للتوسع السكاني البشري. وقد جئت إلى بورنيو في إندونيسيا
لأتعرف عن قرب على سلوك هذه القرود الغير اعتيادية.
ابقوا معنا كي نذهب للتعرف عن قرب على هذا النوع من القرود الخجولة.
=-=-=-=-=
حديقة تانجن بوتي الوطنية هي أوسع محمية شواطئ طبيعية في بورنيو
الإندونيسية، وهي تضم أكبر كمية من قرود فيروسكس التي ما زالت على قيد
الحياة. إنها ساعة بزوغ الفجر، ونحن نخوض عميقا في المنغروف، خلف
أصوات مجموعة كبيرة منها. إنها أنثى كبيرة وقطيع من اثني عشر، بدأت
نطلق بعيدا عن مكان نومها. وأخيرا نزل الذكر الناضج الوحيد في
المجموعة، ليتبع رفاقه.
تزن أنثى فيروسكس خمسة وعشرون رطلا، ولكنها قد تصل إلى خمسة وأربعين،
ما يجعلها من أكبر أنواع القرود في العالم. ولكن رغم حجمها فهي قادرة
على القفز عبر مسافات تزيد عن عشرة أقدام أو أكثر. أخذت تأكل فوق شجرة
منغروف كبيرة. للأنثى وصغار الذكور أنوف صغيره. أما الذكر البالغ فهو
صاحب أكبر أنف في المجموعة. وهو كبير لدرجة أنه أحيانا ما يجب على
إزاحته من الطريق ليأكل. تعيش هذه القرود على النباتات بشكل رئيسي،
وتشكل أوراق الشجر وتحديدا أشجار المنغروف حوالي خمسين بالمائة من
وجباتها. أوراق الشجر صعبة الهضم، كما أنها تمنح القليل من الطاقة،
أمعاء هذه القرود كبيرة وواسعة، أي أنها تحوي كميات كبيرة من الأطعمة
لتغذيتها. كميات البكتيريا في أمعائها على تفتيت الأوراق وتحويلها إلى
طاقة. ولكن عليها أن تقوم باختيار النباتات بدقة كبيرة. غالبية نباتات
أشجار الشواطئ تعج بأوراق قديمة، أي أنها كثيرة الأنسجة حتى على عملية
هضم هذه القرود. كثيرا ما يحتل ذكر القطيع أعالي الشجر، ليتمكن من
مراقبة الأنثى، ولمراقبة الذكور المنافسة في المجموعات الأخرى. ولكن
المكان الذي اختاره الذكر، يقع على مسافة قريبة من عش نسر كبير، وهذا
موسم بناء العش لهذا الطير.
على مسافة خمسين يارد وقف زوج من النسور البحرية البيضاء البطن، وقد
شاهدت الدخيل يهدد عشها. انطلقت الأنثى نحوه أولا.
ولكن هذه النسور ليست بحجم يمكنها من اصطياد هذه القرود الكبيرة، أي أن
القرود ليست معتادة على الدفاع عن أنفسها تجاه الحيوانات الجوية
المفترسة. ولكنه سيتنبه فورا إلى أن النسر يشكل تهديد حقيقي. سرعان ما
ينضم الذكر إلى الهجوم. وأخيرا تعرض القطيع بكامله للهجوم.
حتى الذكر الذي يزن خمسون رطلا، لا يستطيع مواجهة النسر البحري الغاضب،
لهذا لا يتردد بالفرار.
بعد التخلص من الدخلاء، استعادت النسور منطقتها.
تولت أنثى القرود الطليعة، ليتبعها القطيع عبر الشواطئ لتعثر على مكان
آمن تأكل فيه.
=-=-=-=-=
إنه منتصف النهار على ضفاف نهر تانجن بوتي، حيث توقف قطيع الاثني عشر
يقتات إلى جانب مجموعة أخرى من الذكور. صاح ذكر المجموعة الأكبر ليعلم
ذكر المجموعة الأخرى بأنه على مسافة قريبة من أنثاه. عاد الذكر الدخيل
إلى قطيعه. هناك هدفين وراء هذا السلوك، أولهما إبعاد الذكور الآخرين
عن أنثاه، والثاني هو إثارة إعجاب الأنثى نفسها بقوته الجسدية.
يبدو أن هذا الاستعراض أعطى نتيجة، إذا قلبت أنثى من القطيع شفتها
السفلية، تعلن عن رغبتها بالتزاوج. مرة أخرى تتحداه جموع الذكور
البالغة في المجموعة. لا يقتصر التزاوج هنا على موسم محدد. هناك حتى
الآن ستة صغار في هذه المجموعة. تعتمد هذه القرود على أحد الأنظمة
اجتماعي الأكثر ليونة في فصيلة القرود.على اعتبار أن الأنثى والذكر على
حد سواء، يغيرون القطعان طوال حياتهم. أي أن الرابطة الأكبر في المجتمع
هي القائمة بين الأم وابنها. يبقى الصغار على مقربة من أمهاتهم لأكثر
من عامين. ولكن الفضول أحيانا ما يستولي على الصغار، وتجعل طفل كهذا لا
يتعدى شهره الثاني يسعى لاستكشاف عالمه الجديد. ولكن رغم وجود الأم
على مسافة بضعة أقدام، يشعر الطفل بالوحدة بمفرده. بعد الولادة بقليل
تتولى شؤون الطفل بعض من أنثى القرود الأخرى في القطيع. أحيانا ما تترك
الأم صغيرها بعناية أحدها. هذا صغير جائع، ويبدو أن الأنثى التي ترعاه
لا تملك الحليب لإرضاعه.
تستمر صغار القرود بالرضاعة خلال العام الأول من حياتها. بدأت هذه الأم
تفطم صغيرها عن الحليب، بإبعاده عن صدرها أثناء محاولة الأكل.
الصغير الأكثر استقلالية يخرج بمفرده للبحث عن غذاء صلب. عندما يتمكن
من الاعتماد على نفسه، في سن يقارب العامين، ينطلق الصغير بمفرده للبحث
عن قطيع جديد، حتى يعثر أخيرا على زوجة له. من بين السلوك الاجتماعي
الغير عادي بين قرود فيروسكس هو كثرة تغييرها للقطيع، فقد تغير هذه
الأنثى القطيع الذي تنتمي إليه عدة مرات في حياتها. ما قد يشكل مفتاحا
في الأحجية المتعلقة بالحجم الهائل لأنف الذكر، ضمن دورة النمو في هذا
النوع. تتحدث بعض النظريات عن أنه يساعد على تحديد الأصوات الصادرة
عنها، أو وسيلة للتنفس أثناء السباحة، ولكنها لم تثبت. يعتقد الآن أن
حجم الأنف الكبير ليس إلا وسيلة للفت انتباه الأنثى، والفوز بها.
كلما طال أنف الذكر، وبرزت قواه وعدوانيته، كلما رغبت الأنثى في التقرب
منه، والانضمام إلى قطيعه.
=-=-=-=-=
مع حلول ساعة العصر على ضفاف النهر، عادت مجموعة الاثني عشر من قرود
فيروسكس تتحرك من جديد. رغم أنها غالبا ما تتنقل عبر الأشجار، أحيانا
ما تفعل ذلك على الأرض، حيث تستعرض القرود كفاءتها الغير اعتيادية في
القفز والتنقل وسط الوحل. كما أنها تمضي فترات طويلة في مناطق عالية
مطلة، حيث تستريح، وتراقب ما قد يحيق بها من خطر. إلى جانب أوراق
الشجر، تتغذى قرود فيروسكس على أشياء متعددة، منها جذور بعض النباتات،
بما في ذلك المنغروف. يختار هذا الحيوان طعامه بدقة وهو على الأرض أيضا
كما يفعل فوق الأشجار. تحتوي بعض النباتات على مضادات حيوية، قد تقتل
البكتيريا الضرورية التي تساعد أمعائه المتخصصة على الهضم. تأكل هذه
القرود بعض النباتات السامة، أي أن أمعائه قادرة على عزل السموم في عدة
نباتات يمكن أن تقتل حيوانات أخرى. تستهلك قرود فيروسكس بعض الثمار
والبذور الغير ناضجة أيضا. أما الثمار الناضجة فهي سهلة الهضم، إلا أن
قوة بكتيريا أمعاء هذه القرود كفيلة بالتعامل مع هذه الثمار بسرعة
هائلة، ما قد يسبب النزيف أو حتى الموت.
تأكل هذه القرود أكثر أنواع النباتات وفرة، أي أن استمرار استهلاكها،
يمكن الأنواع الأخرى من النمو. هذه مسألة أساسية في تنوع النباتات
العضوي، كما أن التنوع العضوي الحيواني يعتمد على ذلك أيضا. أي أن قرود
فيروسكس تلعب دورا هاما في تحسين ظروفها البيئية. وإذا ما اختفت يمكن
أن يؤدي ذلك إلى اختفاء العديد من الأنواع الحيوانية الأخرى.
مع حلول المساء تتوجه المجموعة إلى شجرة نومها، تبدأ الأنثى بتنظيف
بعضها البعض. عند انتهاء أحدها تدير الظهر بانتظار أن يتم تنظيفها
أيضا. يستقر البعض الآخر استعدادا للنوم، في الوضعية المعتادة. وأخيرا
يتوقف الذكر الأكبر عن الطعام أيضا ويستسلم للنوم. سرعان ما تغط مجموعة
الاثني عشر في نوم عميق.
وفجأة يتسبب نعيق النسر البحري بإيقاظ المجموعة من نومها. انقض زوج
النسور على القطيع تماما كما فعل بعد ظهر اليوم السابق، وأخضعها لهجوم
ساحق. أجبر القطيع على الفرار والبحث عن شجرة أمنة يمضي الليلة فوقها.
=-=-=-=-=
يعتبر نهر بوليدو في جنوب كوليمونتان نموذج حي عن المشكلة التي تواجه
قرود فيروسكس والبراري الإندونيسية عموما. تتعرض ضفاف الأنهر لاجتياح
شامل، لأن الانسان أراد أن يتم التوسع السكاني هنا، علما أن هذه البيئة
لسوء الحظ هي التي سبق أن اختارتها قرود فيروسكس للعيش. يقوم الفلاحون
هنا بإحراق أشجار المنغروف على ضفاف النهر بهدف الزراعة والصيد وبناء
المنازل.
تخضع هذه المنطقة لعمليات قطع أشجار واسعة النطاق لتمويل الصناعات
الخشبية، تترك أثر سلبي واسع النطاق. ولكن يبدو أن حالة قرود فيروسكس
لن تكون أسوأ مما هي عليه في جزيرة بونالكاغا، القاحلة التي تبلغ
مساحتها ميل مربع واحد، التي اشتهرت قديما بأنها جنة للحيوانات. أقيمت
في المنطقة السفلى من الجزيرة محمية برية للقرود. تعرضت أشجار
ونباتات المنغروف للتلف عام ألف وتسعمائة وخمسة وتسعون، حتى بلغت اليوم
حد اليأس. ربما ساهمت في ذلك مجموعة ظروف كاشتعال الحرائق وتلوث المياه
إلى جانب الجفاف، وربما الأمراض قد حرمت هذه الجزيرة من بيئتها الشبيهة
بالجنان. ولكن بعض الحيوانات ما زالت هنا. لا تأوي جزيرة بونالكاغا
قطعان قرود فيروسكس، بل وقطعان من قرود المكاك السوداء المهددة
بالانقراض. تأكل هذه القرود ما لا تأكله قرود الفيروسكس، كما هو حال
بقايا الثمار والنباتات الحلوة المذاق. ولكن وقت وطعام هذه الحيوانات
بدءا ينفذان، بعد أن تحول ثلثي الجزيرة إلى مناطق زراعية. أجبرت قرود
فيروسكس على الانتقال من محمياتها إلى المناطق الزراعية حيث ما زالت
أشجار المنغروف على قيد الحياة. ولكنها لا تبقى طويلا هنا، بل تقوم
سريعا بالتهام الأوراق والبراعم الجديدة على الفور، من على أشجار
المنغروف الوحيدة الباقية على ضفاف الأنهر، ما يؤكد بأن على مجموعات
قرود فيروسكس تقلصت الآن وأصبحت على وشك التعرض لمجاعة قاتلة. علما أن
هذه القرود حساسة جدا تجاه التدخل البشري، لكنها بعد أن أخرت بعيدا عن
المنطقة التابعة للمحمية، أصبحت عرضة لما تسببه المعدات البشرية من
توتر يومي. والأسوأ من ذلك أن هذه الحيوانات أصبحت اليوم أكثر عرضة
لأعمال الصيد الهادفة لاصطياد القرود بهدف الأكل أو الترويض. رغم نجاة
هذه الأنثى وزميلتها من سكين الصياد، إلا أن الحبال ما زالت مربوطة
حولها، إنها تعاني من اشتداد الحبال من حولها وتضيق الخناق عليها.
نشأت هذه القرود كي تعيش في البراري وحدها، ولا يمكن أن تنمو في الأسر،
وقلما تعيش في حدائق الحيوانات. حماية أجوائها البيئية في جزيرة
بورنيو، هو السبيل الوحيد لحماية هذا النوع من الانقراض شبه الحتمي.
المؤسف هو أن ما يحدث في بونالكاغا هو نموذج عما قد يحدث لقرود فيروسكس
والحيوانات البرية عموما في إندونيسيا، إن لم تتخذ الخطوات اللازمة
لضمان حماية الأنواع المعرضة للخطر وبيئتها.
=-=-=-=-=
التشابه الكبير القائم بين ملامح هذه القرود والجنس البشري تؤكد أهمية
الصلة القائمة بين الإنسان والحيوان. كلانا يسعى لضمان الاحتياجات
نفسها، وتحديدا الحاجة الماسة لظروف بيئية صحية للبقاء على قيد الحياة.
ولكن الإنسان وحده هو القادر على حماية البيئة، لجميع الحيوانات.
معكم جون روس، شكرا لمرافقتي، وإلى اللقاء. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م