لغتنا تواكب العصر

الثعابين المجلجلة

المجلجلة   نص مترجم. جون روس: مرحبا، معكم جون روس. ما كنت لأفعل ذلك لو بدون الملابس الواقية. ولكن هذا هو أفضل نموذج على طريقة إجبار المجلجلة على الهجوم. فحتى هذا النوع من المجلجلة الماسية الذي يعتبر الأشد عدوانية، تجد أنه لا يلسع إلا دفاعا عن النفس، لهذا قد تجد أنها لا تستحق سوء السمعة التي اشتهرت بها، عبر السنين. أدى سوء الفهم الذي يحيط بالثعابين المجلجلة،  لتحويلها إلى العدو الأول الذي يتم التحذير منه في  المناطق السكانية.  وقد جئت إلى جنوب غرب الولايات المتحدة لدراسة بعضا من أنواع المجلجلة التسعة التي تسكن هنا، ضمن أجوائها الطبيعية، تلعب هذه الزواحف دورا هاما في بيئتها كحيوانات مفترسة، ولكنها أحيانا ما تكون هي الطريدة. ابقوا معنا لنقف وجدها لوجه مع الثعابين المجلجلة. =-=-=-=-= تغطي أنوار القمر رمال صحراء موهابي في بداية أيلول سبتمبر. ومع ذلك أحتاج إلى كاشف يضيء فتحة جحر للأفعى المجلجلة. على عمق بضعة أقدام، يقع جحر لأنثى الماسة الحمراء المجلجلة، مع تسعة من صغارها التي تبلغ من العمر بضع ساعات فقط. تخرج كل منها من جسم الأم في كيس بيضة، تقوم بفتحه لاحقا، لخرج مكتملة النمو، ليبلغ طولها حوالي اثني عشر إنش. لم يعد للصغار أي حاجة بأمها، فهي تعتمد على نفسها بالكامل، ولن تحتاج إلى أي نوع من الحماية أو الرعاية. بعد يوم واحد أو اثنين، تغادر الصغار جحرها، لتنتشر، فتعتمد كل منها على نفسها، وهي تمتلك جميع المهارات اللازمة للصيد، والحصول على غذائها. ولكنها تستغرق بعض الوقت للعثور على الطريدة، لهذا تتغذى على مخلفات بيضتها، ما يمكنها من العيش لأكثر من شهر، بدون طعام. مع اقتراب ساعة الفجر، وارتفاع درجة الحرارة الباردة في أيلول سبتمبر، تخرج الأم من جحرها، وهي تعلم أنها قد لا تعاود رؤية أبنائها أبدا. إنها السادسة صباحا بعد، ما زالت بعض الحيوانات الليلية خارج أوكارها، لفترة أطول. يعتبر جرذ الكنغارو حيوان متخصص جدا بالصحراء، ذلك أن جسمه يمتص كل الرطوبة اللازمة، من الأعشاب التي يأكل. يوازي طول ذيله ضعف جسمه، ما يساعده على التوازن فوق الرمال الناعمة. ولكن أثناء تناوله الغذاء، يجهل أن هناك من يتعقبه. لا يمكن للثعبان المفترس فوق الصخور والمناطق الغير متساوية، أن يرى أو يسمع طريدته. ولكن جزيئات الرمال الصغير تشي بجرذ الكنغار، وتحدد موقعه، عندما تبلغ العناصر الحسية لدى الثعبان. كثيرا ما تكمن الأفعى المجلجلة بانتظار طريدتها، ولكن أنثى الماسة الحمراء لم تأكل قبل ثلاثة أشهر ونصف، من الإنجاب. أي أن الجوع يدفعها لمطاردة الوليمة. المجلجلة صياد صامت، ولا تستعمل الجرس إلا عندما تشعر بالخطر، كإنذار. أما قرعه الآن فلن ينفعها في الصيد. حتى عندما يصبح الثعبان على مسافة بضعة إنشات، ما زال الجرذ يجهل وجودها. يتم الهجوم بسرعة ثمانية أقدام ونصف في الثانية، أي أنه بأسرع من لمح البصر. يبدأ الفكين بعد ذلك مباشرة في العمل، لتحطم الأنسجة وتعلن عملية الهضم. ليس للمجلجلة أسنان تمزق فيها الطعام، لهذا تبتلع الطريدة بكاملها، وهذا ما يكشف عن السر الذي لا يدفع المجلجلة إلى مهاجمة الإنسان، دون أن يستفزها، فحجمه أكبر من أن تستطيع ابتلاعه. =-=-=-=-= في وقت متأخر من ظهيرة صحراء موهابي، تتراجع الحية المجلجلة عندما أتقدم منها. تتمتع هذه الحية بفتحتين حسيتين، تمكنها من الإحساس بالحرارة، لتحديد موقع الطريدة. تقع هذه الفتحتين على جانبي مقدمة الرأس بيم الفم والعين، وهي قادرة على تحديد شكل وحركة الأشياء، رغم ارتفاع الحرارة من حولها. إنها مفيدة جدا عندما تصبح الطريدة في الجوار، أو في العتمة. رغم أن هجوم المجلجلة بسرعة البرق، إلا أنها تحاول الاقتراب جدا من الطريدة قبل توجيه ضربتها القاتلة. لا يعمل السم بالسرعة اللازمة لمنع الطريدة من عض قد يسبب جرح الثعبان، الذي أحيانا ما يترك الضحية، ويبقى على مسافة منه، حتى يأخذ السم مفعوله. على خلاف باقي الثعابين المجلجلة تسمم تلك التي في صحراء مهابي الأعصاب، فتوقف عضلات القلب، وتعطل والوظائف العصبية في العضلات الأخرى. لا تنطوي فتحات أنياب الفك السفلي في فم الثعبان بل تبقى مفتوحة أثناء الابتلاع، لتساعد الحية على التنفس. بعد انتهاء عملية الابتلاع تعيد الحية أنيابها إلى ما كانت عليه من مواضع اعتيادية. على مسافة قريبة من هناك يخرج ساكن آخر لصحراء موهابي من جحره. تتميز ذات الخطوط الجانبية بأسلوبها الفريد في الحركة، والذي يختلف كليا عن الأسلوب المتبع من قبل غالبية الثعابين الأخرى. تتحرك هذه الحية على ما هي عليه من وضعية أشبه برقم أربعة، وذلك برفع ودفع رأسها إلى الأمام، ومن ثم الحفاظ على انخفاض جسمها، لتكرر ذلك مرة بعد أخرى. أي أن الثعبان لا يمتد إلى حده الأقصى، كما أنه يستمر بلمس الرمال ودفعها، في مكانين على الأقل. هناك العديد من الثعابين الصحراوية  التي تستخدم أسلوب الحركة الجانبي هذا، على اعتبار أنه الأفضل في التنقل على الرمال الناعمة. مع حلول المساء تبدأ الحية في أعمال الصيد، ولكنها تواجه هذه المرة مفترس آخر. إنه عنكبوت صحراوي يقوم بالصيد أيضا. تتقدم جانبية الحركة باتجاه العنكبوت لاستطلاع حقيقته. غمست الحشرة أنيابها في الرمال استعدادا للدفاع. ولكن الثعبان سرعان ما يتنبه إلى أن العنكبوت ليس على لائحة الأنواع التي يتغذى عليها. يحقن العنكبوت السم عبر أنيابه في جسم فريسته على غرار المجلجلة، ما يجمد الضحية على الفور، ولكنه إذا ما لسع كائن بشري، لن يكون للسعته تأثير أسوأ من النحلة. أي أن سم الجانبية أشد منه، ولكنه أضعف بالمقارنة مع أنواع أخرى من المجلجلة، كما أن كمية السم المحقونة تعتبر أقل أيضا. تستمر الجانبية في الصيد مع حلول المساء. تعتمد المجلجلة على تجهيزات كافية للصيد في الظلام. بؤبؤها الطويل يساعدها على الرؤية ليلا. ولكن الأكثر فعالية من ذلك هي العناصر الحسية التي تمكنها من تحديد جزيئات تنقلها إلى الأعضاء الحسية التي تعالجها وتعرف مصدر هذه الجزيئات بدقة. بعد اقتراب الثعبان تساعد الفتحات على تحديد مصدر الحرارة، وكأنها أجهزة متطورة للرؤية ليلا، ما يمكن الثعبان من تعقب مصدر الحرارة أيا يكن. لتفادي التعرض لجروح بأسنان فريسة أكبر، تطلق المجلجلة فريستها بعد دس السم في جسمها على الفور، وتنسحب إلى موقع آمن. ولكن هذه فريسة  صغيرة يمكن أن تتمسك بها بأمان. علما أن غالبية السموم التي لدى المجلجلة على أنواعها، تركز على أنظمة العضلات، فتسبب الزيف، وتخثر الدماء والصدمة. يموت الفأر بعد أقل من عشرين ثانية، وبعد دقائق عدة تكون الجانبية قد أنهت جبتها. قد يستغرق هضمها عدة أيام أو أسابيع، حسب درجة الحرارة في بيئة الثعبان. =-=-=-=-= بعد يوم واحد عدت إلى موقع جحر مجلجلة الماسة الحمراء وصغارها. لم أجد إلا سبعة من التسعة هناك، أما الباقون فقد رحلوا، إلى أعماق الصحراء. ثم رحل الباقون الواحد بعد الآخر. يتخطى معدل الوفيات بين الثعابين المجلجلة في عامها الأول  الخمسين بالمائة، أما الأسباب الرئيسية فهي الجوع وشدة البرد القارس هناك. تعمل صغار الثعابين على تمويه نفسها، ذلك أن حجمها الصغير يجعلها عرضة للكثير من الأخطار. ولكن المجلجلة تولد للبقاء على قيد الحياة بالفطرة. حتى أن هذه الحية الصغيرة قد بدأت صيدها، بتعقب حواسها. أربع من صغار جرذ الكنغارو، في اليوم الأول من عمرها، تنتظر عودة الأم لتطعمها. ولكن هذا الثعبان الصغير يعتمد على كل الفطرة اللازمة للقيام بأول عملية صيد لها. تعتبر هذه المجلجلة الصغيرة محظوظة للحصول على غداء فاخر كهذا، خاصة وأنها يجب أن تأكل ما بوسعها خلال شهرين من الزمن هي الفترة التي تفصل بين هذه الفترة وموسم السبات الطويل في فصل الشتاء. خلال أشهر سباتها العميق، تفقد هذه الصغار عشرين بالمائة من وزنها، ما يجعلها عرضة للبرد القارس وتفشي الأمراض. أما الثعابين الناضجة فلا تفقد أكثر من أربعة بالمائة. لعبت هذه الحية الآن أول دور لها في النظام البيئي، صممت الطبيعة ثعابين المجلجلة لتسيطر على القوارض بفعالية. تستهلك هذه الحية عند اكتمال نموها ما يقارب العشرين فأر وجرذ في العام الواحد، وهكذا فهي تساهم في توازن أعدادها في تلك البيئة. يشهد المزارعين على حجم الأضرار التي يمكن أن تسببها زيادة أعداد القوارض من حولهم. ولكن الأضرار التي تنجم عما تسببه القوارض من أمراض، تشمل انتشار أنواع من الفيروس القاتلة، تكفي وحدها لاحترام بقاء المجلجلة والقيام بمهماتها. =-=-=-=-= تعتبر غابات جنوب كليفورنيا موطنا لثعابين جنوب الهادئ المجلجلة. يصنع جلد الثعبان من القرتين، وهو المادة التي نجدها في الشعر والأظافر. وهو يسقط في المواسم لضمان النمو والرداء. يظهر من تحته جلد جديد براق. كلما غيرت المجلجلة جلدها تضيف جرس آخر إلى نهاية جسمها. ولكن على خلاف الاعتقاد السائد، فإن الثعابين لا تغير جلدها وفق رزنامة ثابتة، أي أن عدد أجراس الحية لا يحدد بالضرورة سنها. إلا أن الوفرة والكفاءة في الحصول على الطعام، تساعد في تحديد موعد تغيير الجلد. يمكن لصغار الثعابين أن تغير جلدها حتى أربعة مرات في العام. أما الكبيرة منها فقد لا تغيره إلا مرة واحدة كل عام ونصف العام. يتقاسم ثعبان الملك الأبيض والأسود غابات كليفورنيا مع مجلجلة جنوب الهادئ. يعتبر هذا الثعبان صياد ماهر، رغم أنه لا يملك السم.  كما أن المجلجلة تعتبر من بين الثعابين التي يتغذى عليها. يأتي أحد صغار جنوب الهادئ إلى ساحة صيد ثعبان الملك. يبدو أن هذا الأخير في موقع ضعف لصغر حجمه. بما أنه مجبر على ابتلاع فريسته، فهو لا يجد سبيلا لاصطياد هذه المجلجلة. ولكن الفريسة الكبيرة لا تخيف الثعبان الملك. يمكن لثعبان الملك أن يهاجم ويمنح المجلجلة من الحركة، عبر قبضة حديدية بفكيها تمسك بها  رأس المجلجلة.    ولكن المجلجلة التي ما زالت حية تبدو أكبر من أن تتمكن حية الملك من ابتلاعها. ولكن بعد السيطرة الكاملة على الضحية ومنع جسمها من الحراك، تغرز الحية الملك نابيها في رأس المجلجلة من كلا الجانبين. لتبتلع حية جنوب الهادئ ببطء شديد. يستغرق المفترس ثلاثة أرباع الساعة لابتلاع ضحيته بالكامل. يعكس هذا نموذج آخر عن الدور الذي تلعبه المجلجلة في التوازن الحساس للطبيعة، فهي لا تكتفي في احتلال المرتبة العليا لسلسلة الغذاء لتبقي على تدني أعداد القوارض، بل تقوم أيضا بدور الطعام، الذي يغذي أنواع أخرى. =-=-=-=-= سادت في الماضي حكايات وأساطير فلكلورية ومعلومات مغلوطة تبالغ جميعها  في الحديث عن الثعابين المجلجلة. لهذا ليس من الغريب أن تكثر المحاولات التاريخية التي تسخر الأموال والطاقات في سعي للقضاء على هذه الحية بدل حمايتها. أما اليوم ورغم تنامي الوعي حول أهمية الحفاظ على حياة البراري، ما زالت المجلجلة عرضة للهجمات. هناك عدة أماكن في الولايات المتحدة، يجمعون فيها ثعابين المجلجلة بعد إخراجها من جحورها، كي تخضع لذبح جماعي. تبرر هذه المجازر الجماعية بالقول أن هذه الثعابين تتوالد كل عام، ولكن الحقيقة اليوم هي أن العثور على الثعابين المجلجلة  أصبح بالغ الصعوبة. ويتم اليوم التوسع نحو المناطق النائية للعثور على ما يكفي من الثعابين. والأسوأ من ذلك أن البعض يقوم بشراء بعض الأنواع من ولايات أخرى، ما يؤدي إلى استنزاف أكبر للمخزون البري. تتعرض الثعابين للأذى، ولا يتم ذلك عبر نقل أعداد كبيرة من الثعابين، بل ومن خلال أعمال الرش الصحي التي تمارس في بيئتها، حيث يصبون البنزين تقليديا في جحورها، لإجبارها على الخروج، ما يؤدي أحيانا إلى تعرضها لإصابات طويلة الأمد، ليس للثعابين وحدها بل ولحيوانات برية أخرى أيضا. تهددت في السنوات القليلة الماضية سبعة أنواع من ثعابين المجلجلة بالانقراض في الولايات المتحدة. نأمل أن تتغير وجهة نظر الرأي العام قبل أن يتهدد نوع آخر، لنعاود التعامل مع الثعابين المجلجلة وفق ما هي عليه فعلا، من جزء هام في المنظومة البيئية، تيتحق الاحترام وليس الفناء. معكم جون روس، شكرا لانضمامكم إلي، وإلى اللقاء. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل