اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 يوداشني - مدينة الماس
 

الماس يوداشني

   الحياة مد وجزر عادة ما نسميه مصيرا أو نصيب. هو ما يسمونه باللغة الروسية سودبا.

    ياكوشيا، الجمهورية الأكبر في روسيا. تقول الأسطورة أن الآلهة حلقت يوما فوق هذه الأرض وقد نمّلت يداه من كثرة الذهب حتى ألقى هناك بكل ما لديه من ثروات. على مسافة قريبة منها  تقع بلدة أدى كل ما فيها من ثروات إلى حجبها عن الخريطة السوفيتية. إنها غنية بالماس .

    كل من هذه الحجارة تساوي عشرة آلاف دولار على الأقل.  تبدأ عملية صهر الماس هناك انطلاقا من تعريض الفحم لحرارة وضغط عاليين. يقف الإنسان خلف تحويل نزوة الطبيعة هذه إلى رمز للثراء، يتم قطع هذه الأحجار وتلميعها لتصبح مجوهرات أصغر حجما وأغلى ثمنا، حتى أن بعضها قد يكلف أكثر من سبعين ألف دولار.

    كانت هذه فوهة بركانية قبل ملايين السنين، وفي أعماق الحفرة صميم البركان المتحجر الذي يشمل الزجاجيات. تعتبر هذه فوهة المناجم الماسية الأكبر في العالم، إذ أن ربع كميات الماس لتي تبيعها مجموعات دي بيرزز في العالم تخرج من هذا المنجم.

    يسكن هؤلاء في يوداشني، المدينة المحرمة، التي كانت من أكثر الأماكن سرية في عصر النظام السوفيتي.

    تعتبر صور العمال الطليعيين من تلك التي تذكر بالماضي. إنهم يحتفلون بالمائة مليون الثالثة من الخام  ويتلقون مكافأة بقيمة خمسين ألف روبل، كانت توازي  ثروة وما عادت تشتري علبة سجائر في روسيا اليوم.

    عاشت الوحدة والصداقة والأخوة الأممية بين شعوب العالم! ما زال هذا الشعار السوفيتي المعروف يذكر بالماضي، ليشكل مفارقة الساخرة في هذه المدينة شبه المغلقة هذه الأيام.

    كان عمال الماس يعيشون في جو من الترف أيام الحكم الشيوعي. كانوا يمضون العطلة على البحر الأسود، كما يشترون منازل وسيارات فخمة على مقربة من موسكو، إذ كانوا يتلقون أعلى الأجور المتوفرة في روسيا. أما اليوم فهم أحيانا ما لا يتلقون الأجور ليدرك الناس أن ليس لما يُروج عن الرأسمالية أي صلة بالواقع.

    ينشد الصبي أغنية للشمس المشرقة على الكرملين، لتيقظ كل الاتحاد السوفيتي بأشعتها.

    تحمل كل شاحنة ما يقارب مائة وعشرين غراما من ماس عيار ستمائة قيراط  من المنجم. تحمل الشاحنة مائة وثلاثون طن من الخام، وهي تعتبر من أكبر وأغلى الشاحنات في العالم، فهي بحجم منزل صغير كما أنها صنع اليابان، وهي لا تدوم أكثر من أربع سنوات في شروط العمل هذه التي تنزل فيها إلى أعماق المنجم حوالي ثلاثين مرة في اليوم.

    تعمل المطاحن على مدار الساعة في تحطيم الخام وهي تسحق معها ثمانية بالمائة من أكبر الماسات. هذا هوة ثمن المكننة.

    بعد ذلك تلتصق الجواهر بهذه الأحزمة الدهنية، لتصبح هناك مرئية لأول مرة على شكل بقع سوداء.

    يتم استخراج الماس وتصنيفه، ثم تغسل وتجفف وكأنها من حبات البطاطا. ليس هذا ما يتوقع المرء رؤيته في مصنع للماس.

    وأخير يتساقط الماس في دلو عادي من البلاستيك لتبدأ حياتها كمجوهرات من هناك. يساوي هذا الصندوق الآن حوالي اثني عشر ألف دولار. أما معدل حجمها فلا يزيد عن قيراط واحد. يعتبر ثلثي هذا الماس من نوعية أدنى لا تأتي كماس صناعي بأكثر من سبعة وثلاثين سنتا للقيراط الواحد.  أما ثمن البقية ذات الجودة العالية بالمقابل فهو يقارب تسعين دولارا للقيراط الواحد. وهي السبب في تمسك مجموعة دي بيرز بصناعة الماس الروسية. تحتكر مجموعة دي بيرز التجارة العالمية في مجال الماس وما تعود به من خمسة مليارات دولار في العام الواحد.

    لا يسمح لأحد بلمس الماس وحده. هذه قاعدة أساسية. يتم فتح الخزينة وإغلاقها بشكل مشترك،  يعتبر الختم أشبه بتوقيع المشرف الشخصي. كل شخص هناك يراقب الآخر بحرص شديد.

    يتم تصنيف الأحجار الكريمة المستخرجة يدويا. لا يتم اعتماد هذه الطريقة حتى الآن إلا في روسيا وحدها.  ينكب كبار المهندسين ومتخصصي المناجم طوال ساعات اليوم لاستخراج قطع الماس الصناعي التي ما زالت تحظى بالاهتمام في روسيا على خلاف المناطق الأخرى.

    يوجد كثيرا من الماس هناك. يمكن لقطعة كهذه أن تغير مصير عائلة روسية بكاملها. أما شاحنة مليئة كهذه فلا تغطي أكثر من ربع ساعة حرب في الشيشان.

    الحرارة هناك أدنى بعشر درجات مما هي عليه في أعلى الحفرة.  الدخان المنبعث من الشاحنات والحفارات يجعل المكان أشبه بغرفة الغاز. أحيانا ما يتقيأ السائقون هناك عدة مرات في اليوم. أسوأ عمل في الحفرة ما يقوم به سائق الحفرة. لا يحتمل هذا العمل إلا الأشد بأسا. ومن بينهم طويل لذقن ليونيد ستيبانيتش الذي جاء إلى هناك من أوكرانيا.

    كانوا في الماضي إذا وفروا خمسين ألف روبل ويسحبوا المال من حسابهم يستطيعون شراء منزل وسيارة وكل ما يلزمهم. أما اليوم فلا تكفي لشراء زجاجة فودكا.

    حين يغيب المال يلومون دي بيرز، وفجـأة مع نهاية العام يقولون شيئا مختلفا، فهم يناقضون أنفسهم، مجموعة دي بيرز تشتري فيضعون المال في بنوك الغرب لكسب الفوائد ويدفعون به أجورهم، بدل أن يدفعوا لهم مباشرة. عندما يذهبوا لتلقي أجورهم يضعون لوائح يتلقى بموجبها الأوائل عليها، أما البقية فيتلقون أجورهم بعد أسابيع من ذلك.

    الأرض غنية جدا هناك، أما الناس فهم فقراء جدا.

    أوحت الشيوعية بأنهم مفعمين بالقوة والثراء، فجاءت الرأسمالية لتؤكد لهم مدى اعتمادهم على شركة دي بيرز الجنوب أفريقية.

    لجأ بعض الذين حرموا من لينين وماركس إلى الكنيسة،اعتبر الكثيرون ذلك استفزازا من قبل السلطات، فالناس هنا أكثر ترددا باتباع الكنيسة مما كانوا تجاه اعتناق الشيوعية.

    عند مقارنة مدينة يوداشني بغيرها من بلدات سيبيريا  تدرك سبب عدم رحيل الناس عنها. ففي مناطق أخرى من شمال روسيا لا يتوفر الفحم والنفط  كما ينفذ الغذاء والكهرباء لعدة أشهر متتالية. أما هناك فالإنارة تعمل باستمرار والتدفئة أيضا ولا ينفذ الغاز ولا تتوقف المواصلات. قد لا يحصل العمال على أجورهم لعدة أشهر ولكنهم يتلقون بالمقابل بطاقات للتغذية.  قد لا يستطيعون شراء منزل ريفي ولكن الكهرباء والغاز مجاني كما لا يدفعون أجور المنازل والمواصلات، أي أن الحياة في يوداشني بالمقاييس السيبيرية ليست سيئة. بالمقاييس السيبيرية طبعا.

    تذكر أن روسيا كانت في الماضي زعيمة العالم، وستعود مجددا، ستجبر الجميع على الركوع أمامها، ستصبح روسيا أعظم بلدان العالم. بالمناسبة نوستراداموس قال أن المستقبل ملك لروسيا. لقد التهمت أوروبا نفسها بما فيها من أمم بائدة عانت من كل شيء، أما  الإسلافيون فهم أمة المستقبل. هذا ما سيجعل الجميع يهابونهم بين خوف واحترام، وسيعتمد العالم بأكمله عليهم  سيهتز الغرب،  يكفي أن نعبر الحدود حتى ينهار. النظام بكامله. ولن يوزع الحليب على أبوابهم مجددا. هذا ما يخشونه. أما هم فلا، إن لم يجدوا الحليب اليوم سيحصلون عليه غدا. المهم أن يبقوا على قيد الحياة.

    لديهم مثل يقول فليبق البارود جافا لحالات الطوارئ.

    ليس سرا على أحد أن نسبة المؤيدين للشيوعية هناك تفوق أي مكان آخر في الاتحاد السوفيتي السابق. لم تتمكن البريسترويكا من التماسك هناك وبقيت موسكو عدوا للجميع،وما زال غورباتشوف ويلتسين يعتبران من الخونة.

    حين تصل الحرارة إلى ستين تحت الصفر تُتخذ القرارات على الأرض. لا مجال هناك للنقاش الديمقراطي. فريثما يتم التوصل إلى إجماع يتجمد الجميع من البرد، هذا هو منطق سيبيريا الذي لولاه لما بقيت هذه الشوارع أو المجمع أو المدينة التي تتم فيها الإنجازات عبر القسوة، هذا هو القانون السيبيري.

    يعتمد قسم تصنيف الحجارة الأعلى قيمة على ستة وعشرين امرأة يمكن الاعتماد عليهن في التصنيف اليدوي لأربعين ألف قيراط يوميا.

    يبدو الأمر هناك أشبه بمطبخ كبير والحقيقة أن هذا الاسم قد اعتمد في أرجاء البلد، فالناس يتحدثون  هناك عن مطبخ روسيا السري.

    لا مكان للأحاديث الشخصية هناك، للنساء مطعمهن وحماماتهن الخاصة، لديهم استراحة منفردة وغرفة لتبديل الملابس حيث تخضعن للتفتيش. عليهن تبديل الملابس مرتين في اليوم عند الدخول والخروج من قسم التصنيف. لا يمكن بناء علاقات شخصية في مكان الكل فيه يراقب بعضه البعض.

    يتأكدن هناك من باطن الحجارة بحثا عن تشقق لا تراها العين المجردة إلى جانب الشوائب وعيوب أخرى. ستجلب هذه الحجارة التسعة أموالا من السوق العالمية تفوق ما تكسبه أي من عاملات التصنيف طوال حياتها.

    وحدهن ثريات العالم سيحصلن على هذا الماس،  وحدهم الأثرياء من أصحاب السلطة سيطمعون بشرائها، ولكن الماس سيبقى بعد موتهم جميعا.

    بقاء المدينة يعتمد على التعاون بين روسيا ومجموعة دي بيرز التي تضمن ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية. أي اضطراب في هذا النظام سيثير الفوضى في الأسواق ويسبب هبوطا في الأسعار.

    خلّف الحزب الشيوعي مساحة كافية للبائع المتجول وبضائعه التافهة التي تشبه الكابوس في روسيا الجديدة. فالخاتم الرخيص جالب الحظ صناعة تركية بدل المجوهرات الروسية. هذا تستطيع تانيا شراءه وهي تصر على الاستقرار في يوداشني رغم تحذيرات المُزينة.

    جاء هؤلاء البائعين المتجولين من ساكالين فعبروا أكثر من ستة آلاف كيلومتر. فهم يعرفون متى يدفع المجمع الأجور لتفرغ محلاتهم كليا خلال بضعة أيام.

    هذا وسط المدينة القديم في يوداشني، وهو يبعد ثلاثة كيلومترات عن المجمع. كان النقل العام يمر من هناك كل عشر دقائق، أما اليوم فيفرح الناس لو مر كل ساعة، كما أنهم سيجبرون على دفع أجرة النقل بعد بضعة أشهر. لن يساهم ذلك في تعزيز محبتهم لاقتصاد السوق.

    لا يجول الضيوف بسيارات اللادا، ولا تتم العناية بهم من قبل المجمع وحده، فالكي جي بي معني بهم منذ البداية. يجلس الطيار القادم من موسكو في ركنه، وهو من رجال الكي جي بي. كما تتضمن لجنة الاستقبال أعضاء من الكي جي بي، فهذه مسألة تتعلق بثروات روسيا الاستراتيجية.

    تتكرر نفس المشاعر في الطريق إلى المدينة. مبان من الإسمنت في القطب الشمالي توحي بأنها مؤقتة بل ومحكومة منذ البداية بالتدمير، فهذه المباني لا تعبر إلا عن كونها مرحلية.

    جاء الغالبية إلى المدينة المحرمة لبضعة أشهر أو عام في محاولة لجمع ثروة سريعة والرحيل مجددا. أما الذين بقوا اليوم هناك فقد داهمهم تضخم الروبل ولم يتمكنوا من الخروج في الوقت المناسب. أو مثل ساشا الذي لديه سبب مميز للبقاء هناك.

    لم يسبق لتعاون المجموعة مع روسيا أن خضع للتساؤلات التي يخضع لها اليوم. يبدو أن زيارات دي بيرز المتوالية تهدف إلى إخضاع موسكو للضغوط.

    يستمع هؤلاء الرجال بانتباه حين يتم الحديث عن عمق واتساع المنجم، ولكنهم يعرفون كل شيء تماما كمضيفيهم.

    ولكنهم يهتمون بمعرفة ما ستجري عليه الأمور في روسيا، من يتولى السلطة، وأين تتخذ القرارات، بعبارة أخرى مع من سيتفاوضون.

    تعتبرمناجم سيبيريا من أكبر المنتجين في العالم، وهذا المنجم من أكبر المساهمين في الإنتاج الروسي لهذا يعتبر بالغ الأهمية طبعا.

    لا شك أن هناك تباين في تبادل الآراء حول العقود الجديدة التي يتم التفاوض عليها  ولكنهم في نهاية المطاف حصلوا على الاتفاق المجدي للمجموعة والروسيين يعتقد أنه في صالح صناعة الماس عموما.

    أصبح عمق الفوهة اليوم أربعمائة مترا، فأصبح من الصعب متابعة الطريق حتى العمق، هناك حاجة لاستثمارات هائلة، ولكن المجمع أصبح مدينا بأكثر من مليار دولار. يمكنهم زيادة الإنتاج، ولكن دي بيرز تعارض ذلك  لأن الأسعار قد تنخفض. كما يمكنهم تخطي دي بيرز وبيع الماس بأسعار أقل، ولكن الإنتاج لن يغطي المصاريف. هذا هو النصيب. سودبا.

    أي نوع من البشر هؤلاء الذين لا يتلقون أجورا على عملهم ومع ذلك يعلقون في حفرة كهذه لسنوات؟ ما الذي يجبر هؤلاء الأشداء على تصليح آليات على درجة حرارة تحت الصفر بكل خضوع؟ إنها مزايا الروسي الذي يتمتع بقوى فريدة ضد العوائق، وإيجابية لا تصدق في آن معا.   وهو يتمتع بما يلزم من قوة للبقاء، ولا يتمتع بما يكفي لتغيير المصير.

    لن يتغير شيء، سيبقى الجليد ويزيد تعاظما في أرجاء المدينة المحرمة. لن يتمكن الناس في المستقبل أيضا من زيارة المنطقة إلا بإذن من الكي جي بي.

    ولكن الروس يعتقدون أن كل شيء قابل للتغيير، المناخ ومجاري الأنهر،  وفراغ القطب الشمالي. باستثناء شيء واحد، هو النصيب، سودبا.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2006م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster