|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
جزر كوريل
يستمر المحاربين
الروس واليابانيين بمراقبة بعضهم البعض كما فعلوا منذ انتهاء الحرب العالمية
الثانية. حتى أن اتفاقية السلام بين البلدين لم توقع أبدا.
يذكر الشعار
المرفوع على الشواطئ الروسية بما تبقى من العصر السوفيتي.
يقدم المطعم
ألفين وسبعمائة وجبة طعام ثلاث مرات في اليوم. في معسكر للتدريب في كوناشير، إحدى
الجزر الأربع الخاضعة للنزاع مع اليابان.
الجنود في الثامنة عشرة
وهم هناك منذ بضعة أيام. ولكنهم يألفون التقاليد الصارمة في الجيش الروسي والتي
تختصر بعبارة الضابط المعذب، بعضهم يقاوم ذلك والبعض الآخر يحتمله ليتحول بعد عام
من ضحية إلى مذنب يعذب بقية المجندين، بينما ينتحر البعض أو يساهم في إعلان تمرد
عنيف.
التراتبية الغير
معلنة واضحة المعالم هناك، ولا يجد الضعيف مكانا له على المائدة.
أندري شانغين الذي
كان جنديا هناك قبل بضع سنوات.
لقد أصيب ببندقية
رشاشة، علقت الرصاصة في ساقه، سحقت عظام الساق بعد تحطمها.
استل شابين من
المجندين أسلحتهما بعد أن بلغا حد اليأس مما فرض عليهما من عناء على يد زملائهما
الضباط. أدى ذلك إلى مقتل ثمانية أشخاص. لم ينج من الموت إلا العريف أندري شانغي.
لا أحد غيره يعرف حقيقة ما جرى.
جعلته الكارثة من
المعاقين، يعتبر الجيش أنه أصيب بجراحه أثناء تأدية الواجب، ويدفعون له ثمانين
دولارا في الشهر.
كوريل الجنوبية،
عاصمة جزر كوريل التي تحتلها روسيا. ما زالت على هذا الحال منذ زلزال عام أربعة
وتسعين، وما زالت الأرض تهتز أسبوعيا.
لا أحد في موسكو
يكترث بمصير من يعيشون في أطراف الإمبراطورية. ولكن الأصوات كانت بالغة الأهمية في
الانتخابات الرئاسية لحزيران من عام ستة وتسعين. أما سكان كوريل فقد أثيرت بينهم
نقاشات ساخنة.
يوجد كميات
كبيرة من الأسماك والرخويات والقريديس، هناك ثروات عديدة. حين كانت اليابان هناك
قبل إخراجها عام ثمانية وأربعين اصطادوا كثيرا من الأسماك دون أن يسمح لهم بالقيام
بذلك.
لا يتمكن السكان الروس
من الاتفاق على ما هو أفضل، الحياة في نعيم الثروات اليابانية، أم العودة إلى حالة
الفساد في بلادهم.
ما زالت السفن
اليابانية والروسية عالقة على طول الشواطئ حيث ضربتها أمواج المد المعروفة باسم
تسونامي في الرابع من تشرين أول أكتوبر من عام أربعة وتسعين، بعد نصف ساعة من
الزلزال.
على مسافة سبعين
كيلومترا إلى الشمال يقع بركان كياتيا النشط، ومن ورائه رأس لوفجوف حيث محطة
الأرصاد الجوية.
يعيش هناك ثمانية
عشر شخصا دون تلقيهم الوقود والغذاء والمواد الطبية لعدة أشهر. أما الاتصالات عبر
الراديو والتلفون فهي مسألة حظ. وهم يشاركون بانتخاب الرئيس الروسي.
نادرا ما يأتي
الضيوف الذين يرحبون بهم. هناك الكثير من التذمر الذي يريدون التحدث عنه.
اللجنة الانتخابية،
زوار من كوكب آخر. يتولى فاسيلي لوتسان مسئولية المحطة منذ ستة وعشرين عاما، انتهز
الفرصة ليعرض الظروف التي يعيشون فيها هناك. وقد أجبر مؤخرا على معالجة أسنانه
بنفسه لتعذر وصوله إلى طبيب الأسنان.
في شتاء عام
ثلاثة وتسعين، تمكنت طائرة الهليكوبتر العسكرية من إنقاذ عامل الأرصاد الجوية
المحترق. لا يمكن للتجمع السكاني أن يبقى حيا لولا التواجد العسكري. ولكن العسكر لا
يملكون ما يكفي من الوقود، ولم يخرج في العام الماضي أي شخص من المحطة. أما اليوم
فقد تغيرت الأمور بسبب الانتخابات.
سيقضى عليهم جميعا
إذا انفجر البركان.
لا يبعد البركان
عنهم إلا مسافة كيلومترين.
تبعد جزيرة
تانفيليبو سبعة كيلومترات عن اليابان، وأحد عشر ألف كيلومتر عن موسكو.
تجري الأمور على هذا
النحو منذ العصور القيصرية، من لا يستطع التحمل يلجأ إلى الانتحار الذي يؤدي إلى
موت أربعمائة شخص من الجيش الروسي سنويا.
غولوفينوف،
الطرف الجنوبي الأقصى في جزيرة كوناشير التي تبعد ثلاثين كيلومتر عن اليابان.
ازدهرت قبل الحرب أكثر من أربعمائة مزرعة، أما اليوم فلا تزيد عن عشرين مزرعة روسية
بالكاد تستطيع الاعتماد على نفسها.
يوجد شريط حدودي هناك،
ولكن سمعته ليست طيبة بين الجنود.
يعتبر فن تضميد
الأقدام جزءا من التدريبات الأساسية للجنود، لولا هذه الضمادات لأصيبت الأقدام
بجروح ترافق الجندي حتى نهاية خدمته.
تنشأ التراتبية هناك
منذ البداية، لتميز بين الأحمق والذكي، وبين القوي والضعيف.
الاستعباد والمهانة
مسألة ترافق الجميع يوميا، بما في ذلك تعرض البعض للضرب بصورة غير منطقية.
كان الضباط يغضون الطرف
أو يتصرفون وكأنهم لا يرون شيئا.
كانوا مجبرين على تنظيف
المراحيض حتى يلمع كل شيء. عند الدخول إلى هناك يدهشك مدى نظافة كل شيء.
لم يكن لديهم ما
يأكلونه، كانوا يخرجون للقيام بواجباتهم وهم يعانون من الجوع، بما يشبه العذاب الذي
يقومون فيه بواجبهم وينامون لمعاودة القيام بواجبهم.
تجري الدوريات فوق نوع
مميز من الأعشاب التي لو تم حصادها واستعمالها لعاش الناس في وفرة هذه هي السلعة
الطبيعية الوحيدة المناسبة لوقود الصواريخ السائل. ولا أحد يعرف ماذا يفعل بها.
تزدهر الأسماك
والقشريات في المياه المحيطة. ولكن مؤسسات الصيد الحكومية توشك على الإفلاس، أما
الشركات الخاصة وشبه القانونية فتجني أرباحا طائلة، فهي تستعمل المعدات اليابانية
لاصطياد كل ما تستطيع الوصول إليه وبيعه في اليابان متخطين الجمارك. أي انهم لا
يدفعون الضرائب وينتهكون مواسم الصيد المحددة.
يمكن كسب ألف
وخمسمائة دولار شهريا في هذا المجال، ما يشكل ثروة بالنسبة لمعدل الدخل الروسي الذي
يقارب المائتين وسبعين دولارا.
كان هؤلاء جميعهم
من الجنود، زادهم الجيش وحياته قسوة وصلابة. وهم يعتمدون شعار القوة في الجماعة،
مصرّين على أن هذا الشعار هو الحل الوحيد لجميع مشاكل روسيا.
هناك الكثير من الفساد
في أعلى الهرم، يثيرون الاشمئزاز، لا يقدموا إلا وعودا فارغة. لا شيء وراء ذلك
أبدا.
يجلب الصيادين
عددا من فرق العروض المتجولة. هناك سيرك خاص من أذربيجان هو أول من يأتي إلى هناك
منذ عشر سنوات.
إنه أول سيرك يشاهده
الأطفال هناك. يكلف دولارين للشخص الواحد أيا كانت الأعمار.
ثلث هؤلاء الأطفال
ما زال يعاني من عقدة الزلزال الأرضي. فيصرون على النوم بملابسهم، ويبكون أكثر من
غيرهم، ويواجهون صعوبة في النوم. لهذا يعتبر الضحك أفضل دواء لهم.
وهم لا يدركون بعد
أن الجزيرة التي نشئوا فيها هي محل نزاع بين قوى سياسية واقتصادية كبرى.
إنها طفولة تنمو في
ظلال السياسة العالمية.
يكمن مستقبل هؤلاء
الصبية إما في الجيش أو الصيد. وقد يبدأون في الأول وينتهون في الثاني.
يفترض بالأسلحة الصدئة
على الشواطئ أن تتجنب اجتياحا ياباني. مع أنهم يأتون إلى هناك على أي حال.
أصبح اليابانيين
الذين سكنوا الجزر قبل طردهم منها قادرين على زيارة كوناشير بدون تأشيرة. يسمح لهم
بالدخول عبر مجموعات من عشرين أو أقل. يتم التحكم هناك بكل شيء. ولا يزيد عدد
الزوار عن الثلاثمائة في العام. لهذا قد يستغرق الانتظار عدة سنوات قبل أن يأتي
دورهم.
ليس سرا علىأحد أن
جميع المجموعات اليابانية تضم شخصا يتولى مهمة كتابة تقارير عن الحياة في الجزر.
أما البقية فيودون
رؤية وطن آبائهم. هذه أول مرة تعود فيها السيدة يوكو كامورا منذ ثمانية وأربعين
عاما إلى هذه الجزر التي أصبحت اليوم وطنا لواحد وعشرين ألف روسي.
باع الصيادون ما
يحملونه من أسماك وجراد بحر في ميناء كوليسك الياباني وعادت مراكبهم محملة بسيارات
مستعملة. استيراد البضائع من اليابان ممنوع رسميا، رغم السماح بإحضار الهدايا
لأنفسهم وعائلاتهم. يمكن بيع هذه السيارات في روسيا بأربعة أضعاف ثمنها، أما
بالنسبة لليابان فهذه طريقة للتخلص من السيارات القديمة.
كما بدأت تصل إلى
الشواطئ الروسية مؤخرا علب التفاح والبصل والمعلبات. رغم أن ثمن التفاحة ما زال
يساوي دولارين هناك، ورطل الطماطم بستة دولارات. يمكن شراء البضائع المحلية فقط
كالملفوف، أما البقية فتأتي إلى الشواطئ على شكل هدايا.
بعد السماح
لليابانيين بزيارة كوناشيا مجددا، بدأوا يأتون إلى هناك للصلاة فهذا مكان مقدس
بالنسبة لهم.
في هذه الأثناء تحسن
المناخ واستطاعت طائرة لجنة الإنتخابات الانطلاق من ماندليفو، مستهدفة الجزر
الأبعد. لا شك أن الإدارة قد نشطت في الانتخابات الرئاسية لحزيران ستة وتسعين بما
لم يسبق له مثيل منذ النظام الشيوعي، وذلك لإشعار الناس بأن الحكومة تعتني بهم
وأنها لم تنسهم.
يعيش المقيمون هناك
لعدة أشهر وحتى سنوات دون الحصول على مؤن. أضف إلى ذلك ما يسود من مخاوف جديدة
تتعلق بالهزات الأرضية وأمواج المد أو احتمال تسليم الجزر إلى اليابان. الناس هناك
يهابون ما يعرف بالبارداك، أو الفوضى العارمة التي حلت في كل مكان مع انهيار
الاتحاد السوفيتي. فالنتينا روداكوفا هي المزارعة الوحيدة في جزيرة كوناشير.
تصل حرارة الماء
هناك إلى سبعين درجة مئوية. كما أن نسبة المعادن فيها مرتفعة إلى حد يستدع استشارة
الطبيب قبل استعمالها.
ولكن الزوار
اليابانيين يُستقبلون في بيوت العائلات الروسية. يتم اختيار المضيفين بحذر شديد،
كما يعدون لمهمتهم من قبل السلطات.
ليس هناك ما
يكفي من المترجمين، ليس لدى الروس أي منهم، واليابانيين يُقتنصون مباشرة من قبل
السلطات، لتجنب إقامة علاقات ودية جدا. ليقتصر الأمر على القواميس والكحول.
أثناء الزيارة بدأت
الأرض تهتز، بقوة اثنين فاصلة خمسة على مقياس رختر. عادة ما تحصل هذه الهزات دون أن
يتنبه إليها أحد هناك.
الصيادون لا يسرقون
الحكومة وروسيا وحدها، بل يسرقون من السكان أيضا.
فهم يبحرون إلى
اليابان، وهم يتاجرون مع جميع السفن. يبيعون صيدهم في السوق السوداء. شركة الصيد
الحكومية لا تدفع أجورا منذ ثلاثة أعوام.
حصل أحدهم
على التقاعد من مكتب البريد ولم يكفه إلا لشراء كيس من القمح للدجاج. هذا ما تبقى
من كل التقاعد.
يعتبر الحفل الموسيقي
لسكان كوريل الجنوبية من العناصر المتوفرة في جميع الفرق اليابانية الزائرة. يشارك
في الأداء بعض الفنانين ممن يقدمون الموسيقى اليابانية التقليدية حسب تصنيف
البيروقراطية الروسية.
تنبعث الحياة
بالحفل الموسيقي عندما يمسك الروس بالقيثار. يتآخى المحتلون مع المنفيين على أرض
منازع عليها تحت نصب لينين التذكاري، ومعا ينشدون باللغة الإنجليزية أغنية ياسترداي
على أسماع لينين.
كل الجنود
المشاركين في حراسة الحدود مع اليابان يقومون بالتدريب اليومي على مواجهات بالسلاح
الأبيض. هناك يتعلمون قتل الخصم بأيديهم.
بدأت الدورية تقوم
بواجبها في جزيرة تانفيليبو. لا تفصل هنا إلا سبعة كيلومترات فقط بين روسيا
واليابان. حاول المجندين الروسيين بيليكوف وبوغداشي الفرار سباحة إلى اليابان. فقد
تكفلت ضغوط زملائهم وعدم كفاءة الضباط إلى فقدانهم الصواب من شدة اليأس. فشلت
محاولة الفرار، وتم القبض عليهم، واتهموا بقتل ستة زملاء وتلقوا حكما بالقتل رميا
بالرصاص جرى تنفيذه هناك.
صيف عام
ستة وتسعين عاد الضباب الكثيف ليغطي جزر كوريل مجددا. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2006م